غادة السمان

(عودة الروح لمدينتها في ديوان)

غادة السمان روائية عربية حازت شهرة أدبية واسعة تجاوزت حدود الوطن العربي، بنتاجها الذي لاقي استقبالاً جميلاً لما حمله من سمات إبداعية وريادة سواء علي مستوي تحديث الخطاب الأدبي أم علي مستوي الموقف الريادي الذي رسخته حياتها وكتابتها. ولدت غادة السمان في دمشق عام 1942. تلقت تعليمها في مدرسة البعثة العلمانية الفرنسية آنذاك، ثم انتقلت إلي التجهيز الرسمية بدمشق، وأتمت تعليمها العالي في جامعة دمشق، فحصلت علي شهادة الليسانس في اللغة الإنكليزية و شهادة الماجستير في الأدب الإنكليزي من الجامعة الأمريكية في بيروت، عام 1968، عملت غادة السمان محاضرة في كلية الآداب بجامعة دمشق وصحافية في صحف ومجلات عديدة، كما عملت معدة برامج في الإذاعة، وهي عضو جمعية القصة والرواية، توزع نتاجها الأدبي علي أكثر من جنس إبداعي وكلها صادرة عن منشورات غادة السمان:

1 ـ عيناك قدري ـ 1962 ـ عدد الطبعات 9/2 ـ لا بحر في بيروت ـ 1963 ـ عدد الطبعات 8/3 ـ ليل الغرباء ـ 1966 ـ عدد الطبعات 8/4 ـ رحيل المرافئ القديمة ـ 1973 ـ عدد الطبعات 6/5 ـ حب ـ 1973 ـ عدد الطبعات9/6 ـ بيروت 75 ـ 1975 ـ عدد الطبعات 5/7 ـ أعلنت عليك الحب ـ 1976 ـ عدد الطبعات 9/8 ـ كوابيس بيروت ـ 1976 ـ عدد الطبعات 6/9 ـ زمن الحب الآخر ـ 1978 ـ عدد الطبعات 5/10 ـ الجسد حقيبة سفر ـ 1979 ـ عدد الطبعات 3/11 ـ السباحة في بحيرة الشيطان ـ 1979 ـ عدد الطبعات 5/12 ـ ختم الذاكرة بالشمع الأحمر ـ 1979 ـ عدد الطبعات 4/13 ـ اعتقال لحظة هاربة ـ 1979 ـ عدد الطبعات 5/14 ـ مواطنة متلبسة بالقراءة ـ 1979 ـ عدد الطبعات 3/15 ـ الرغيف ينبض كالقلب ـ 1979 ـ عدد الطبعات 3/16 ـ ع غ تتفرس ـ 1980 ـ عدد الطبعات 3/17 ـ صفارة إنذار داخل رأسي ـ 1980 ـ عدد الطبعات 2/18 ـ كتابات غير ملتزمة ـ 1980 ـ عدد الطبعات 2/19 ـ الحب من الوريد إلي الوريد ـ 1981 ـ عدد الطبعات 4/20 ـ القبيلة تستجوب القتيلة ـ 1981 ـ عدد الطبعات 4/21 ـ ليلة المليار ـ 1986 ـ عدد الطبعات 2/22 ـ البحر يحاكم سمكة ـ 1986 ـ عدد الطبعات 1/23 ـ الأعماق المحتلة ـ 1987 ـ عدد الطبعات 1/24 ـ اشهد عكس الريح ـ 1987 ـ عدد الطبعات 1/25 ـ تسكع داخل جرح ـ 1988 ـ عدد الطبعات 1/26 ـ رسائل غسان كنفاني إلي غادة السمان 1992/27 ـ عاشقة في محبرة ـ شعر ـ 1995.
الكتب التي صدرت عن غادة السمان:

1 ـ غادة السمان بلا أجنحة ـ د. غالي شكري ـ دار الطليعة 1977.
2 ـ غادة السمان الحب والحرب ـ د. الهام غالي ـ دار الطليعة 1980.
3 ـ قضايا عربية في أدب غادة السمان ـ حنان عواد ـ دار الطليعة 1980.
4 ـ الفن الروائي عند غادة السمان ـ عبد العزيز شبيل ـ دار المعارف ـ تونس 1987.
5 ـ تحرر المرأة عبر أعمال غادة وسيمون دي بوفوار ـ نجلاء الاختيار (بالفرنسية) الترجمة عن دار الطليعة 1990.
6 ـ التمرد والالتزام عند غادة السمان (بالإيطالية) بأولادي كابوا ـ الترجمة عن دار الطليعة 1991.
7 ـ غادة السمان في أعمالها غير الكاملة ـ دراسة ـ عبد اللطيف الأرناؤوط ـ دمشق 1993.

وسوف نقرأ فيما يلي جانباً من سمات تجربتها الشعرية من خلال مجموعتها الشعرية (رسائل الحنين إلي الياسمين) التي جسدت عبرها غادة السمان جماليات ذاكرتها إلي المكان، فأرخت لحظة عودة الروح لياسمينها، فكسرت براويز الذاكرة المذهبة معرفياً عبر لغة مشاغبة مشاكسة، يتفجر فيها محيط أتون الروح السحرية.

تبدو شعرية غادة السمان طازجة وواخزة بغرائبيتها. .. تقشع جلد الروح لتفور بالمسكوت عنه من رومانسية الحنين النائمة في شوارع ذاكرتها، فتكتبها بعراء فطري، توقظ الشعر المخبوء في طيات النثر، وبذلك تصبح الشعرية عند غادة السمان حالة انفجار اللغة عن نثريتها، فالشاعرة تخزّن عنفوان الروح الصاخبة في جرس الحروف، فالحنين عند غادة السمان هو وميض احتراقها الداخلي اللامرئي الذي لا يحرق إلا الصدأ المتسرب إلي المشاعر بفعل تردي الواقع وماديته، ينبثق من خلف ركامه بصورة بوح أنوثة الشعر لأنوثة المدينة في شكل عناق حار لعراقتي هاتين الأنوثتين، ولغة هذا العناق لا تقدم القصيدة بجسدها بل عبر فورانها بسيولة الوجدان المنقّي، يدب في جسد القصيدة كما تدب الروح الخالدة بوميضها في جسد عراقة المدن:

(كل الذين يكتمون عواطفهم بإتقان
ينفجرون كالسيل إذا باحوا
وها أنا أبوح وأكتب عن مسقط قلبي
حينما أكتب عن دمشق تتحول ورقتي
إلي شراع أبيض
ويصير القلم في يدي سنبلة
وأصابعي قوس قزح
حين أكتب عن دمشق
تتوهج اللغة الآسنة بالخصب والضوء
تدب الروح فيها فتستحيل الكلمات قبيلة أطفال بعيون فضولية
تهرول في ملعب الورقة تقفز فوق السطو).

إن نصوص غادة السمان التي ترفرف بأجنحة روحها تبدع جمالياتها الشعرية من ألق الذاكرة وهي تستعيد اكتشاف لغة الياسمين، ونبض أزقة الحلم القديم، ففي هذا الكتاب لا نقف علي شعر مؤطر بنظريات معهودة وهو لا يبرر وجوده بتسمية جنسه الكتابي بل يحدد هويته من روحه المبدعة والمتألقة بفوران تعبيري وجداني، فلا يتوسل الأساليب والصور الكتابية الخاصة بجنس أدبي محدد، بقدر ما يأخذ تسمية جنسه من نوعيته التعبيرية المدهشة التي تفوق الشعر وتمنح النثر جماليات لم يعرف مخاضها بعد، بهذا المستوي نلمح تأسيسات النص الخاص في كتاب رسائل الحنين إلي الياسمين، حيث تنفتح الكتابة علي صورة جديدة هي صورة المدينة/ المرأة/ وجوعها الصاعق إلي العلو بالسرو والياسمين لا بالاسمنت والصناعة المدنية:

(لا أحد يلحظ موتي أو يسمع صوتي
يمضون إلي أنفاقهم ليتسلقوا مترو الموت اليومي
ثم يهبط ليل شاسع
لا يبالي بياسمينة دمشقية
تحتضر علي إسفلت
علميني كيف يعود العطر إلي وردته الأم
لأعود إليك
علميني كيف يعود الرماد جمرا
والأنهار نبعا
والبروق غيوما
يخيل إليّ أن بوسعي الالتهاب بك مرتين
والموت علي ركبة حقولك عشرات المرات
كل ما يعذبني غير موجود
تعذبني الشوارع التي لم تعد هناك
الوجوه التي ارتدت وجوها أخري
حكايا الحب التي لم أعرف كيف أعيشها
ولم أنجح في حفظها محنطة داخل صناديق الذاكرة الموصدة
فظلت نصف حية تهيم في قاع روحي.)

تثير لغة غادة السمان ـ في رسائلها ـ الروح في المكان لا لإحيائه في الذاكرة بل لاستعادة الروح لبهائها في ذاكرته، فالمكان لدي الكاتبة لم يعد تشكيلاً صورياً، يُسترد بالشعرية بل أصبح حالة امتزاج أسطوري تشكيلي للزمان والمكان، أي تقيم الكاتبة المكان عبر لحظة تكوين روحي لكيانها المختلط بشكل مائي مع المكان، ثمة مخيلة للمكان تفردها الكاتبة في نصها تؤنسه خارج الواقع من خلال صورة حلمية غير منجزة إلا كتابياً وهذا الإحساس الهائل بالمكان يوهّج النص بذوبان الذات بالمكان:

(تعبت وأنا أتدلي من أذن بيروت قرطاً في عرس القراصنة والجماجم
فحملت أوراقي وركبت طائرة ورقية ملونة
وهربت بها واهمة أنها
ستحلق فوق قارة الحلم والدهشة
لكن وجدتني فوق أوقيناوسات الحنين)

امتازت كتابات غادة السمان في مختلف أجناسها الأدبية بلمعة غرائيبية مصادمة، مخترقة لمنظومة الفكر السائد، وقد استفادت الكاتبة من هذا الاختراق في اجتراح صيغة كتابية هادمة لصورة الكتابة المعهودة، مما يولد لها حالة كتابية جديدة مبتكرة تناغم فيما بينها الأداء التعبيري المختلف مع الرؤي الجديدة، مما يوفر للنص بنية حديثة سواء علي مستوي الشكل أم المعني:

يقول لي جلد الثلج
حين تلمسيني أذوب

يقول لي جلد الصحراء:

حين تلمسيني تحترقين بي
ربما لذلك أحب الصحراء
لكنني أهرب منها إلي عزيزي الثلج

وتبقي حالة الحب ـ الجامح والمشاكس من أبرز سمات التحرر الروحي في الكتابة لدي الشاعرة وطريقتها الخاصة في استعادة المدينة الأولي جسد الروح. وهكذا تبدو غادة السمان طائراً يضيق الفضاء بأجنحته، إذا تفور في ذات الكاتبة طاقة هائلة لتكسير الحدود للتحليق المطلق فالحب عندها طفل الحرية:

(لا تغادرني ولا تقطني
لا تلتصق بي ولا تهجرني
كن قريبا
كي تترك مساحة للحلم والضوء بيننا
فالحب طفل الحرية
ها أنا أتقمص قلما ينزف صبره بهدوء
وهو يتعلم كيف يترجم شهية الطيران صوب المستحيل
إلي لغة مكتوبة فوق البياض اللامتناهي للورقة)

تستدرج غادة السمان المدينة لتتكّون من جديد شعرياً، تستيقظ أشياؤها في روح الشاعرة، فتنفجر نسيجاً حرائقياً في القصيدة وهي تحكي حينها رسائل من ياسمين وتاريخ وأسئلة سرية لا نفقهها إلا شعراً تبكيه الشاعرة حلماً حين يتحقق:

(وأنا في الوطن كنت أبكي شوقا للرحيل إلي المنفي
وها أنا اليوم أبكي لأنني حققت أحلامي
في الليلة الماضية رسمت شرفتي العتيقة في ساحة النجمة
ووقفت عليها أمشط شعري
اهطلي يا دمشق وسأصير ترابا)

هكذا يستيقظ ياسمين دمشق في ذاكرة غادة السمان عبر ديوانها رسائل الحنين إلي الياسمين يقظة يصبح فيها مدي الحلم الأزرق عبئاً ظلامياً علي شرفة الروح، فالحلم حلم، لكن لماذا تحسه الشاعرة شوكاً أسود، ذلك هو السؤال الذي بقدر ما يبدو حاسماً وبسيطاً بقدر ما يكون مستعصياً وغامضاً لأن الإحاطة بفضاء جوابه تعني استدراجاً لاكتناه معني ماهية الشعرية في هذا الديوان علي أقل تقدير.

القدس العربي
14 يونيو 2007