زينب عساف
(لبنان)

(لكن شعراءنا وكتّابنا يتحدّونه فلماذا التشاؤم؟!)

عام بأبواب كثيرة. لو كان الموسم الأدبي المنصرم تحقيقاً صحافياً لتمنينا أن تطغى عناوينه الفرعية على عناوينه العريضة. فمهما نزركش هذه الأخيرة ستأتي تنويعاً على لفظتين: الحرب والموت. وكي لا نغالي في السوداوية منذ البداية لا بدّ من الإضاءة على إشارات أمل كثيرة حفل بها العام، أكثرها وهجاً البيان الشعري الذي أطلقه شاعر "لن" أنسي الحاج، في "مؤتمر قصيدة النثر" الذي انعقد في بيروت، داعياً فيه الكتابة إلى "وليمة القوة التي تغلب البؤس، تغلب اليأس، تغلب العجز وتغلب الاختناق"، وأجملها مواليد الشعر والرواية الجدد الذين رُزق بهم آباء معروفون هذه المرة. وللتوضيح فإن عاماً طوى اسمَي الشاعر الكبير محمد الماغوط، والروائي الكبير نجيب محفوظ، كما شهد حرباً مدمّرة على لبنان استمرت 33 يوماً نال قطاع النشر فيها ما ناله من دمار، لا يمكن التساهل معه ووصفه بأنه عام إيجابي. لم تقتصر الخسائر لبنانياً على الحرب فقط، فقد ودّعت بيروت محفوظها أيضاً، أو أحد "صنّاعها"، بحسب تعبير الشاعر بول شاوول، الشاعر والكاتب المسرحي عصام محفوظ الذي غيّبه الموت بعد صراع مرير مع المرض. هل أكمل؟ فقدنا هذا العام أيضاً شيخ المؤرخين العرب نقولا زيادة، الذي لم ينل حقّه من التأبين لأن وفاته الصامتة جاءت في ذروة حفل القتل التمّوزي المجنون. على صعيد آخر، أرجأت بيروت أحد أهمّ مواعيدها الثقافية، معرض الكتاب العربي والدولي، إلى أجل غير مسمّى بسبب تداعيات الحرب، كما شهدت الحياة الثقافية العربية مجموعة من السجالات ولا سيما في مصر حيث أدلى وزير الثقافة فاروق حسني برأيه حول الحجاب وهوجم بعنف. أخيراً، وعلى الرغم من كثرة العناوين الشعرية الراهنة، نلاحظ بعض الانكفاء في التجارب الجديدة قياساً بالأعوام السابقة، لمصلحة أعمال جديدة لشعراء مكرّسين.

تأثير الحرب

لم يكن قرار النادي الثقافي العربي على لسان رئيسه عمر فاضل إرجاء معرض بيروت العربي والدولي للكتاب مفاجئاً. لكن وعلى الرغم من ذلك، جاء وقع هذا الإعلان ثقيلاً، فقد اعتبره المعنيون صفّارة إنذار خطيرة تنبئ بتراجع دور بيروت الثقافي الريادي عربياً. لماذا؟ أولاً: لأنه كان من المفترض أن يحتفل المعرض بيوبيله الخمسين هذا العام، ثانياً: لأنها المرة الأولى يتوقف فيها منذ نصف قرن بعدما واظب المنظّمون على إقامته في ظل ظروف أكثر خطورة من الأوضاع الراهنة كالحرب التي استمرت أكثر من عشرين عاماً، ثالثاً وليس أخيراً: يأتي هذا التأجيل في ظل ازدياد شعبية معارض عربية أخرى للكتاب، كمعرض الشارقة وغيره. وإذا كان فاضل أكّد جهوزية النادي واتحاد الناشرين اللبنانيين لإقامة المعرض في كل لحظة مناسبة، مشيراً إلى الإعداد التام له ومعتبراً أنه ليس من حق أحد التخلّي عنه لأنه ملك للبنان ولكل "المثقفين الأحرار لبنانياً وعربياً"، فإن عدم وضع تاريخ محدد لافتتاح هذه الدورة أخاف كثيرين، وخصوصاً لأن فاضل ربط بين عودة المعرض وعودة "الأوضاع إلى طبيعتها". في أي حال، الحرب الأخيرة وما تلاها من تنازع سياسي حاد، لم تؤثّر فقط على المعرض بل تسببت بأضرار مباشرة وغير مباشرة لدور النشر والمكتبات ولا سيما الواقعة منها في المناطق التي تعرّضت للقصف، كالضاحية الجنوبية والجنوب اللبناني والبقاع. ففي الضاحية أصيب نحو ثلثي الدور التي يشارف عددها المئة بتدمير شبه كلّي، وتهتمّ غالباً بإصدار الكتب الدينية تليها الكتب السياسية ثم التراثية والتاريخية والأدبية ومنها: "مؤسسة التاريخ العربي"، "دار المحجّة البيضاء"، "دار الرسالة"، "دار البلاغ"، "دار الهادي"، "مؤسسة إحياء التراث العربي"، "دار الحوراء"، "دار البحار" وغيرها. بلغت الخسائر المباشرة لأصحاب هذه الدور نحو 75 مليون دولار. هذا بالنسبة الى الخسائر المباشرة، أما بالنسبة الى الخسائر غير المباشرة، فقد تأثّر قطاع النشر ككل بالحرب، نظراً الى امتلاك العديد من دور النشر مستودعات أو مطابع في الضاحية، ونظراً الى ارتفاع أسعار المحروقات والورق خلال الحرب والحصار الذي أدّى إلى تعطيل السوق الخارجية.

الشعر نجماً

هذه الصورة القاتمة يجب ألا تنسينا المبادرات التي شهدتها بيروت قبل الحرب المدمّرة وبعدها، على الرغم من التفاوت في أهمية هذه المباردات، مثل "مؤتمر قصيدة النثر العربية" الذي انعقد في شهر أيار في الجامعة الأميركية لمدة ثلاثة أيام من تنظيم برنامج أنيس المقدسي للآداب، وأعاد طرح الأسئلة حول هوية قصيدة النثر وتحوّلاتها، مما أثار جدالاً في الأوساط الثقافية بعدما اعتبر نقّاد أن سؤال قصيدة النثر أصبح من الماضي. مبادرة أخرى انطلقت أخيراً وجعلت الشعراء يتنفّسون الصعداء، بعدما ابتعدت دور النشر عن طباعة الأعمال الشعرية، هي مبادرة "دار النهضة العربية" التي وسّعت نشاطها من النشر الأكاديمي إلى الشعر، وجمعت أسماء من الأجيال كافة ومن العالم العربي بمشرقه ومغربه، "كي لا تفلت بيروت من أيدينا" كما قالت مديرة الدار والمسؤولة عن المشروع لينا كريدية. وعليه، فإن الدار سوف تنشر أعمال الشعراء اللبنانيين: شوقي أبي شقرا (طبعة جديدة ل"أكياس الفقراء" و"خطوات الملك")، محمد علي شمس الدين (الغيوم التي في الضواحي)، زكي بيضون (رجل يحمل حجراً في رأسه)، ناظم السيد (أسماك تتنكّر على هيئة الموج وتضرب الشاطئ). والمغاربة: محمد بنّيس (هناك تبقى)، حسن نجمي (على انفراد)، عائشة البصري (ليلة سريعة العطب)، محمود عبد الغني (كم يبعد دون كيشوت)، عدنان ياسين (أكاد لا أرى)، والمصريين: عبد المنعم رمضان (طبعة جديدة ل"بعيداً عن الكائنات" و"نشيد")، رنا التونسي (تاريخ قصير). والتونسيين: محمد الغزّي (ثمة ضوء آخر)، المنصف الوهايبي (كتاب العصا). والجزائريين: سليمان الجوادي (قال سليمان)، عز الدين الميهوبي(طاسيا)، فاتح علاق (الجرح والكلمات). والسوريين: أكرم قطريب (قصائد أميركا). والعراقيين: سركون بولص (عظمة أخرى لكلب القبيلة). والإماراتيين: أحمد راشد ثاني (يأتي الليل ويأخذني). والليبي محمد عمر بعيّو (الواحدة بعد منتصف العمر). هذه الأسماء ستكون ضمن المرحلة الأولى من المشروع أي خلال موسم 2006-2007، على أن يصدر القسم الثاني منه خلال عامي 2007-2008. وقالت كريدية عن حصر المبادرة بالشعراء المكرّسين وعدم شمولها الأسماء الأقل شهرة أو نشر التجارب الأولى، إنها التجربة الأولى للدار مع الشعر، لذلك آثرت تثبيت المستوى، وفي ما بعد "من يستطيع وضع رأسه بين هذه الرؤوس ولديه شعر جيد فأهلاً وسهلاً". وأضافت كريدية في حديث سابق الى "النهار": "حددت الآن المستوى وطريقة التعامل. أنا لا أتقاضى مالاً من الشعراء، أُبرم معهم عقوداً تحترمهم وتحترم كراماتهم وتحترم الدار".

واستقبلت بيروت عناوين شعرية، من مثل "ب. ب. ب" لعباس بيضون الصادر لدى "دار الساقي" في اختصار لأسماء مدن ثلاث هي باريس وبرلين وبيروت لكل منها أجواؤها وقصائدها، وحيث نعثر على لغته المُعاد تشكيلها وفق قواعد القصيدة الخاصة وليس العكس، والحاضرة في بعديها الصوتي والإيقاعي أولا، ومن ثم في بعدها الدلالي الذي تعيد إنتاجه بحسب ما تقتضيه أصالة قصيدته المشدودة أبدا الى داخلها. صدرت أيضا "الأعمال الشعرية" لجودت فخر الدين لدى "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، "جميع أسبابنا" لعناية جابر عن دار "شرقيات" في مصر، و"الذكريات ضفادع" لجهاد الزين عن "دار الجديد"، و"شجرتان على السطح" لسامر أبو هواش عن "مختارات"، ويصدر ماهر شرف الدين "العروس" عن "دار الجمل".
أين الواجهة الشبابية الشعرية لهذه السنة التي تكرّست من خلال عشرات الإصدارات في الأعوام السابقة؟ الواضح أن بعض الشبان ابتعدوا هذا العام (باستثناء ناظم السيد وزكي بيضون وعلي زراقط وسوزان عليوان وسامر أبو هواش) مخلين الساحة لأسماء معروفة مثل محمود درويش، أدونيس، وديع سعادة، بسام حجّار، فؤاد رفقة وغيرهم.
درويش أصدر كتاباً نثرياً هذه المرة بعنوان "في حضرة الغياب" لدى "دار رياض نجيب الريس"، قدّم فيه نصاً رثائياً أوتوبيوغرافياً يتميّز بصوفيته. يعود فيه، هو البالغ السادسة والستين من العمر، الى ستين عاماً خلت ليحكي عن طفولته الشقية ويستحضر الغياب بوجوهه الكثيرة: الطفل الذي كأنه، الأب، الجد، وظروف الحياة المحيطة بهم حين أُجبر على الركض هرباً من الذئب. ذئب الكبار لا ذئب حكايات الصغار. الشاعر قال نثراً وقيل فيه ما يشبه الشعر في عمل حمل عنوان "الغريب يقع على نفسه" لعبده وازن، صدر لدى "دار رياض الريس". استهلّه وازن بمقالات تناولت أعمال الشاعر الجديدة، قبل أن يغوص معه في حوار عميق تناول تجربته الشعرية في محطاتها المختلفة والخلفيات الفكرية والحياتية لهذه التجربة. هذا الحوار أتاح لدرويش أن يتحدّث بشفافية ويبوح بأمور كان سيُحرج لو رواها بنفسه في سيرته الذاتية. أما أدونيس فشيّد في كتابه الجديد "تاريخ يتمزّق في جسد امرأة" الصادر لدى "دار الساقي" قصيدة ذات بنية درامية تتصاعد بوتيرة مطّردة، وتتوزّع الأصوات فيها بين الرجل والراوية والمرددين، كأنها أصداء لتاريخ الشرق الموغل في العمق، الفائض بأنبيائه ورسله وآلهته القديمة. ويجعل أدونيس من جسد المرأة وتعاملها مع هذا الجسد أيقونة يرفعها فوق هذا التاريخ، ترمز أولا إلى الحياة التي تتفجّر من الجسد الأنثوي، وترفع هذا الجسد الترابي فوق ترابه ليتوحدّ بالكون. وجاء نشر كتاب "تركيب آخر لحياة وديع سعادة" إلكترونياً، ليطلق التساؤل حول انكفاء الدور عن نشر الشعر، ولا سيما أن الشاعر ضمّن النسخة رسالة شرح فيها الأسباب الموجبة لهذا النوع من النشر. في هذا الكتاب حافظ سعادة على قاموسه الخاص الذي كرّسه في أعماله السابقة، وأعاد تركيب حياة مكتفية بذاتها، مفردة ومتعددة من طريق الحس، كما لو كانت نفسه والموجودات حوله نبعاً يتفجّر نحو الداخل. أما بسام حجّار فضمّن كتابه "تفسير الرخام"، الصادر لدى "المركز الثقافي العربي، ثلاث قصائد هي: "تفسير الرخام" و"لم يقل لي احد ما معنى الأسى" و"مزارٌ بجانب الطريق"، مستخدماً لغةً ترتكز على مقوّمات فكرية وفلسفية تشكّل ما يشبه الرافعة لبساطة موادها. وتنطلق من المواجهة مع الحجر بوصفه رمزاً للموت ونقيضاً له في الوقت نفسه. في حين طرح فؤاد رفقة في كتابه "خربشات في جسد الوقت" سؤال الشعر في صراعه المرير مع زمن يجري. أما "الإقامة في العراء" لخالد المعالي الصادر لدى "منشورات الجمل" التي يشرف عليها، فلا يبدو خارجاً على عناوين كتبه السابقة بمعنى رسوخ المكان، واقتراح التيه سبباً، وتالياً الحضور الكثيف لهذا التيه وكثافة أفعاله. "الجمل" كانت أصدرت "صبراً قالت الطبائع الأربع" للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي، بينما أصدرت "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" "مقاطع مطوّقة" و"خيلاء" لشوقي عبد الأمير، "الطفل إذ يمضي" لعمر شبانة، "تواضعت أحلامي كثيراً" لسعدية مفرّح، و"نملة تنوء بحملها، غابة تميد" لحاكم مردان. أما سوزان عليوان فنشرت كتابها "كراكيب الكلام" في طبعة خاصة على غرار أعمالها السابقة، بينما أصدر علي زراقط مجموعته "كتاب فارغ" عن دار "ا-كس أو" لعمر حرقوص.

كأنها مزدهرة

مخطئ من يعتقد أن ازدهار الشعر في العام المنصرم جاء على حساب الرواية، فلو دققنا النظر في العناوين لكنا لاحظنا أن الغلال وفيرة على هذا الصعيد أيضاً، ومن العناوين لهذا العام: "كأنها نائمة" لالياس خوري و"تقرير ميليس" لربيع جابر و"أماكن حارّة" لجنان جاسم حلاوي و"صمت الفراشات" لليلى العثمان لدى "دار الآداب"، "نداء ما كان بعيداً" لابرهيم الكوني و"عروس المطر" لبثينة العيسى لدى "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" التي أصدرت أيضاً "موتى مبتدئون" لسليم بركات و"مصابيح أورشليم" لعلي بدر. "دار النهار" أصدرت "مطر حزيران" لجبّور الدويهي وأعادت إصدار رواية "الرجل السابق" لمحمد أبي سمرا. "سمر كلمات" لطالب الرفاعي عن "دار المدى"، "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني عن مكتبة مدبولي، "الأوبة" لوردة عبد الملك و"الآخرون" لصبا الحرز "الأسبوع الأخير" لهالة كوثراني لدى "دار الساقي"، "عودة الألماني إلى رشده" لرشيد الضعيف و"أنتعل الغبار وأمشي" لمي منسى لدى "دار رياض الريس".
إلى هذه العناوين الروائية عناوين لمجموعات قصصية مثل: "أسماء مستعارة" لعبد الرحمن منيف عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، "من سيرة الهر المنزلي" للقمان ديركي لدى "دار رياض الريس"، "إحتمالات طفيفة" لمحمود شقير الصادر لدى "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، و"صبي على السطح" للعمانية جوخة الحارثي لدى "دار أزمنة".
روايتان خليجيتان أثارتا ضجيجاً منذ صدورهما هذه السنة: "الأوبة" لوردة عبد الملك، و"الآخرون" لصبا الحرز. المناقشة طالت الكاتبة وردة عبد الملك التي قال البعض إنها كتبت باسم مستعار وقال آخرون إنه اسمها الحقيقي مثمّنين جرأتها الكبيرة أو آخذين عليها "التطاول على النصوص الدينية" والتهتّك. بينما رأى نقّاد عديدون في "الآخرون" عملاً مكتمل العناصر الروائية، يتناول قصة حب سحاقية تدور حوادثها في مجتمع سعودي، تكشف الكاتبة عن التمايزات الطائفية الموجودة فيه. ربما نستطيع القول إن المشوار الشاق الذي بدأته الرواية الخليجية تبلور هذه السنة في أعمال يجب تظهير قيمتها الأدبية، لا التعاطي معها على أنها وثيقة اجتماعية.
لبنانياً، أعادت رواية "عودة الألماني إلى رشده" طرح مسألة المثلية الجنسية بين الشرق والغرب، بعدما روى الضعيف تجربته الأدبية مع الروائي الألماني الشاب يواخيم هلفر (المثلي) في إطار برنامج "ديوان شرق - غرب" لتبادل الكتّاب بين ألمانيا والعالم العربي. ولا ننسى "1111 يوماً في بيروت" لمحمد العبدالله (دار الفارابي) الذي حاول الشاعر أن يرصد فيه تعقيدات القضية اللبنانية ببنية تأخذ شكل السيناريو الوثائقي.

تراجع أدب السيرة

على صعيد آخر صدر هذا العام أيضاً كتاب "صحبة لصوص النار" لجمانة حداد لدى "دار النهار"، ويضم حوارات أجرتها الشاعرة مع كتّاب وشعراء عالميين بينهم: أمبرتو إيكو، وجوزيه ساراماغو، وإيف بونفوا، وبول أوستر، وباولو كويلو، وبيتر هاندكه، وماريو فارغاس يوسا، وألفريده يلينيك، وريتا دوف وغيرهم .و"ما أجملك أيها الذئب" لقاسم حداد ويتضمّن أفكار الشاعر وتأمّلاته وكذلك هواجسه كما عبّر عنها في مجموعة من النصوص النثرية الممتدّة على طول رحلته الشعرية الغنية. وفي إطار الحوارات الفلسفية أيضاً، لا بد من الإشارة إلى كتاب "تفاحة الفردوس" لعيسى مخلوف الذي يقارب فيه المعرفة الإنسانية من حيث هي غواية مستمرة من خلال مجموعة من الحوارات أو المونولوغات العميقة.

فكرياً، طرح باحثون تساؤلات حول الوضع العربي الراهن وناقشوا أفكاراً وفرضيات لكبار الفلاسفة العالميين، كما في أعمال مثل: "الإنسان الأدنى" لعلي حرب لدى "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، "هرطقات" لجورج طرابيشي لدى "دار الساقي"، "كانط راهناً" لأم الزين بن شيخة المسكيني لدى "المركز الثقافي العربي"، "الحداثة في فكر محمد أركون" لفارح مسرحي لدى "الدار العربية للعلوم"، و"ذاكرة الاستخبارات" لغسان شربل و"الحرب المنسية" لرياض الريس لدى "رياض الريس للكتب والنشر".

أما بالنسبة الى أدب السيرة فشهد تراجعاً هذا العام بالمقارنة مع الأعوام السابقة، وتنوّعت هذه السيرة بين ذاتية كما في "خيانات اللغة والصمت" لفرج بيرقدار لدى "دار الجديد" ويروي فيه تغريبته في سجون المخابرات السورية. وقد تكون سيرة مدينة أيضاً كما في كتاب "المدينة الملونة" لحليم بركات الذي يلوّن فيه بيروت التي حفظها ببعض العبارات الشعرية والمشهديات والحكايات الشعبية النوستالجية. أو حتى سيرة الشخصيات، كما في كتاب "أوراق جبرانية" لالكسندر نجار عن "دار النهار" حول جبران خليل جبران.
من جهة أخرى، أصدر كل من المجلس الأعلى للثقافة في مصر بالتعاون مع مؤسسة "نور" موسوعة توثيقية ريادية هي "موسوعة الكاتبة العربية" التي أرّخت لتجارب الكاتبات العربيات في لبنان وسوريا ودول المغرب العربي والخليج ومصر والسودان وغيرها، وشملت أيضاً الكاتبات العربيات باللغات الأجنبية، وغطّت الفترة الممتدة منذ نهايات القرن الثامن عشر حتى منتصف التسعينات. كما أرّخت مهى سلطان للفن التشكيلي اللبناني في كتابها "رواد من نهضة الفن التشكيلي في لبنان". وصدر الجزء الرابع من موسوعة "الجنس عند العرب"، "في الجماع وآلاته" للشيخ جلال الدين السيوطي، وهو مرجع في غاية الأهمية.

غياب هرمين

لم يكد الشاعر السوري محمد الماغوط يتسلّم "جائزة سلطان العويس" الثقافية الإماراتية، حتى فُجع الوسط الثقافي بخبر وفاته. الماغوط، الشاعر الفطري الذي تتلمذ عليه جيل شعري كامل، عاد إلى غابته، وانضمّ إلى شريكة حياته الشاعرة الراحلة سنية صالح التي كتب يوماً على قبرها "هنا ترقد آخر طفلة في العالم"، بعدما ترك كتبه الخالدة مثل "حزن في ضوء القمر"، "الفرح ليس مهنتي"، "غرفة بملايين الجدران"، و"العصفور الأحدب" وغيرها. دمشق ودّعت فتاها، قبل أن تودّع حارات القاهرة ابنها البار نجيب محفوظ الذي نقلها بأمانة إلى عالم الأدب وأوصلته إلى جائزة نوبل للآداب. أبناء حارات القاهرة لم تعجبهم الجنازة المتواضعة لمحفوظ والذي لم يشيّعه أكثر من 200 شخص.
الصدفة وحدها هي التي جعلت بيروت ودمشق والقاهرة تدمع معاً، فبيروت أيضاً كانت على موعد مع الموت حين ودّعت المسرحي والشاعر والناقد عصام محفوظ، الذي لم يشهد صدور أعماله المسرحية الكاملة، فشكّل بموته البيان المسرحي رقم اثنين. المؤرخ الفلسطيني اللبناني نقولا زيادة توفى هذه السنة أيضاً عن عمر ناهز المئة عام، وانضمت إليه أيضاً الكاتبة السورية سلمى الحفار الكزبري، والشاعر الفلسطيني خليل السواحري، والفنان الفلسطيني اسماعيل شمّوط، والشاعرة المغربية مليكة مستظرف، والشاعر العراقي كمال سبتي، والمخرج المسرحي العراقي عوني كرّومي. ومن بين هؤلاء جميعاً كان موت مستظرف الأشد إيلاماً لأنها لم تكن تمتلك ثمن عملية جراحية. هذا العام أيضاً الذكرى السنوية العشرون لوفاة الفنّان اللبناني عاصي الرحباني، والذكرى المئوية لوفاة ابراهيم اليازجي، والذكرى ال170 لوفاة فرنسيس مرّاش.
هذا ليس كل شيء. 2006 انقضت بأحزانها وحروبها. كتّابنا باقون ونحن موعودون بأعمال عربية جديدة، لمَ التشاؤم إذاً؟

zeinab.assaf@annahar.com.l

النهار
الاثنين 25 كانون الأول 2006