أسامة كمال
(مصر)

صخر فرزاتوكأن للفقر مفتاح وللكتابة أيضا..
في مساء بعيد قرأت لأحد اصدقائى : بأن الكتابة مفتاح الفقر. ولأنني وقتها كنت في باكر صباي . ولأنه وقتها كان يكبرني بأعوام ، تخيلت حروف الكتابة وقد صارت أيقونات صغيرة ملونة تومض وتخفت ، فوق رأسه تماما ، وتأبى المغادرة .
أعرف أنه كان مهموماً بالكتابة حد التصوف ، وأعرف انه يحيا دائماً على حافة سحرها الأثير، وأنه بسببها صار نبياً منبوذاً فيمن حوله ، وأعرف أنه يلامس بقلبه عالماً يتوق إليه ويتمناه .
وتغيب بيني وبين صديقي السنوات ، وما زالت عبارته تطاردني ، وكأن الفقر صديقه وصديقي ، وكأن الكتابة هي حلمنا المفقود .
فتشت عنه ، ركبت قطارات الصباح ، وجالت قدماي في شوارع الصمت ، وشوارع الصخب . بحثاً عن جسده المختبئ في الضواحي البعيدة .
ولمّا فقدت أمل العثور عليه . أتى . وفى عينيه رماد الغياب الطويل . قال : انتهى كل شيء . سألت عن السبب . أجاب بإشعاله عود ثقاب في كراسات أشعاره وكتاباته ، وارتكن جانبا . تركني بحب ، ودون أن يبدى أي مقاومة ، أطفئ بماء صداقتي حريق أشعاره . ولمّا استطعت. أعطيته كراساته وغادرت إلى غياب جديد ، وتركته وحيداً ، وتركني وحيداً .
هو أنا وأنا هو رغم أننا جسدان مختلفان ، هو يختفي في منافيه ، وأنا اختفى في احلامى الصغيرة ، هو يحاول إيقاد نار محبته للحروف ، ويهرب من لظاها الأخاذ ، وأنا ما زلت مصراُ أن غيمات السماء ، ستمطر حتماُ ، حتى ولو بعد حين .
أعاود البحث عنه ، ويعاود الاختفاء منى ، هو يقدس أن يكون روحاً تحوم فوق أصدقائه ، يتلصص بأذانه عن رحيق مودتهم ، ويجوس بأسراره بين عيونهم . وأنا مازلت صغيراً على غيابه الطويل ، واحتاج إلى صوته النبيل بجواري .
أعرف أن الكتابة مفتاح الفقر... وأعرف أن صديقي سيعود مرة أخرى وكتفاه مثقلان بهم الكتابة وهم الحياة ....
وأعرف أنني سأختفي في شوارع عزلتي ابحث عنه وأبحث عن نفسي ربما استطيع أن ألامس روحي دون خوف من الكتابة والفقر.