بيار أبي صعب
(لبنان)

محمد بنيسيعرفه بعض القرّاء من خلال تجربته مع الفنان التشكيلي العراقي ضياء العزّاوي في «كتاب الحب» (1995)، ويعرفه آخرون في المشرق تحديداً، ابتداءً من أواسط الثمانينيات عبر مجموعات شعريّة مثل «مواسم الشرق» (1986)، أو «ورقة البهاء» (1988 - جائزة المغرب)... وصولاً إلى «هبة الفراغ» (1992) و«المكان الوثني» (1996). وربما سمع بعض القرّاء الشباب باسمه للمرة الأولى في بيروت العام الماضي مع صدور مجموعته «هناك تبقى» عن «دار النهضة العربية».

لكن هناك من يعرف محمد بنّيس عبر اهتماماته النقديّة والتنظيرية التي تلازمت منذ السبعينيات مع ممارسته الإبداعيّة. بل إن بيننا من بدأت علاقته به من خلال الأسطورة: حين وصل إلينا في بيروت الحرب الأهليّة، اسم ذلك الشاعر المشاكس الذي عبّر عن جيل الغضب والقطيعة في الثقافة المغربيّة، من خلال مجلّته «الثقافة الجديدة» (1974) التي انتهت ممنوعة. لقد وضع مع آخرين، أسس حداثة ثقافيّة بالمعنى الأشمل، غنيّة بروافدها، راديكاليّة بتطلّعاتها. ثم عرفناه بعد ذلك ناشطاً ثقافيّاً، وناشراً أطلق تجربة «دار توبقال» في الثمانينيات، وشريكاً في تأسيس «بيت الشعر» الذي ترأسه حتى عام 2003، ومترجماً لعبد الكبير الخطيبي وعبد الوهاب المؤدّب... ومنظّراً انكبّ منذ «بيان الكتابة» على رصد العلاقات الخفيّة بين الثقافي والسياسي... قبل أن يعطي المكتبة العربيّة مؤلّفه المرجعي في أربعة أجزاء بعنوان «الشعر العربي الحديث - بنياته وإبدالاتها» (1989 - 1996).

ولعلّ صاحب «كتابة المحو» (1994) هو كل هذه الوجوه مجتمعة... وهو الشاعر الذي تندرج تجربته في فضاء ثقافي مبتكر، لعلّه خلاصة استيعاب التجربة «المشرقيّة» وتفجير الخصوصيّة «المغاربيّة» بجذورها المعرفيّة ومنابعها الجماليّة والفكريّة وإيقاعها اللغوي. وتلك التجربة الشعريّة، يمكن فهمها أكثر لدى قراءة كتابه المانيفستو «الحق في الشعر» الذي صدر العام الماضي عن «دار توبقال» في المغرب، ويضمّ مجموعة أبحاث ومقالات مكتوبة بلغة نقديّة دقيقة تنبض حيوية وقوة، وتتناول الشعر وواقعه وآفاقه وأزماته وتحدّياته. وقد استوحى الزميل ياسين عدنان ذلك العنوان لحلقته التي تبثّ غداً الأربعاء من «مشارف» على القناة المغربيّة «الأولى». «ما معنى أن يصرّح شاعر مغربي اليوم بأنه بلا آباء ولا أحفاد؟»، السؤال يطرحه يس على ضيفه محمّد بنيس (فاس، 1948) الذي تختصر تجربته مرحلة تحوّل أساسيّة في تاريخ الشعر المغربي والعربي الجديد. وقد جاء رهانه مزدوجاً منذ البداية: كتابة قصيدة عربيّة جديدة والبحث في أبعادها النظريّة المختلفة. ويمضي صاحب برنامج «مشارف» في إثارة المسائل الملحّة: «أما زال للشعر من دور أصلاً في زمن العولمة؟ وما معنى المطالبة بالحق في الشعر؟»... قبل أن يصل إلى الصحافة العربية: هل خدمت الشعر، أم أساءت إليه وابتذلت خطابه؟ وماذا عن ورشة الترجمة التي بذل لها كثيراً من جهده: ما تأثيرها على الإبداع؟

تجدر الإشارة إلى أن الشاعر المغربي أطلّ علينا قبل أشهر بترجمة جديدة لقصيدة «رميةُ نرْدٍ/ أبداً/ لن تُبطِلَ الزّهْر» (توبقال/ إيبسيلون). كعادته خاض بنيس إحدى تلك المغامرات غير المضمونة النتائج، إذ اختار أن يتواجه مع قصيدة أساسيّة للشاعر الفرنسي ستيفان مالارميه (1842 - 1898) تختصر ربّما كل مشروعه الجمالي، القائم على الإيحاء واللاواقعيّة، وعلى مزج العناصر الفنية في عالم مقفل، منه ينبثق الشعر عند لحظة «الأعجوبة».
على «الأولى» المغربيّة مساء غد الأربعاء، العاشرة والنصف ليلاً. يعاد بثّها على الفضائيّة «المغربية» الاثنين 12/5 (2 و 20 دقيقة بعد الظهر)، الثلاثاء 13/5 (الخامسة والربع مساءً)، والأربعاء 14/5 (7 مساءً)... دائماً بتوقيت غرينتش.

الأخبار
30-5-2008