أفلام مبللة بالمطر ودموع الـنساء

زياد عبدالله

عشاءعشاءيختتم مساء اليوم مهرجان الخليج السينمائي الأول باحتفال توزيع الجوائز وشهادات التقدير على المشاركين المبدعين والفائزين من دولة الإمارات والخليج.

ويشارك على السجادة الحمراء في الحفل الختامي نخبة من الفنانين الخليجيين في مقدمتهم عبدالحسين عبدالرضا، وسعد الفرج، ومحمد المنصور، وزهرة عرفات من الكويت، ومن البحرين عبدالله عبدالملك، وشيماء سبت، وفاطمة عبدالرحيم، وهيفاء حسين، وأنور أحمد، إضافة إلى عبدالعزيز جاسم من قطر وصالح زعل من سلطنة عمان. كما يشارك من فناني الإمارات كل من علي العبدول، الدكتور حبيب غلوم، مريم سلطان، سميرة أحمد، بلال عبدالله، موزة المزروعي وجابر نغموش.

وتضم لجنة التحكيم لجوائز مهرجان الخليج السينمائي المخرج الممثل المصري داود عبدالسيد، والناقد السينمائي العراقي عرفان رشيد، والمخرج العماني والناقد عبدالله حبيب، والممثل الإماراتي أحمد الجسمي ونادرة أرجون المنظمة الشريكة في مهرجان كليرمون - فيران الدولي للأفلام، لاختيار الفائزين في الفئات الثلاث، الأفلام القصيرة والأفلام الروائية والأفلام التسجيلية، في إطار المسابقة الرئيسة، والأفلام القصيرة والأفلام التسجيلية في إطار مسابقة أفلام الطلبة.

ويخصص مهرجان الخليج السينمائي لجنة تحكيم خاصة لمسابقة السيناريو تضم الروائي الكويتي المعروف اسماعيل فهد اسماعيل، والإعلامي وكاتب السيناريو راشد حسن الجودر، والكاتب المسرحي الإماراتي ناجي الحاي. وقد شكل مهرجان الخليج السينمائي الأول على مدى ستة أيام، فرصة فريدة لمحبي صناعة الأفلام للاطلاع على الأعمال الخليجية والعالمية ولا سيما الأفلام القصيرة، إذ شملت العروض 146 فيلماً من 25 دولة خليجية وعربية وعالمية.

أفلام اليوم الرابع

كانت أبرز عروض أول من أمس من الأفلام القصيرة المشاركة في مسابقة مهرجان الخليج، مبللة بالمطر، وعلى تحالف مع تأنيث المعاناة التي بدأ بتقديمها الفيلم البحريني «عشاء» عبر احتفالية بالحكاية وسردها بدقة لا زيادة فيها ولا نقصان،

وبكلمات أخرى عبر سيناريو كتبه أمين صالح، وأخرجه حسين الرفاعي ليقدما لنا ما كان ومازال نقطة ألم اجتماعي، وبؤرة درامية ليس لها إلا أن تكون كذلك، مادام القتل هو ما يطول أي امرأة تفرّط بشرفها، وبدم بارد يكون كاستجابة لفكرة مجردة يدفع البشر حياتهم ثمناً لها.

فيلم «عشاء» لا جديد فيه إن تعلق الأمر بجريمة الشرف إلا الأسلوب، ورشاقة الفيلم وهو يسرد الحكاية بمنتهى البساطة والسلاسة، فكل ما نشاهده أمامنا مشحون بترقب ينتقل إلى المشاهد، توتر مصاغ بعناية، وكذلك الأمر بالنسبة للكيفية التي تروي فيها هيفاء حسين قصتها عبر المسجل العادة التي تعود إليها كما تقول، ومن ثم مقابلة أخيها لها وبكائه، ومن ثم رفض والدها أن يتبادل كلمة واحدة معها، لنصل في النهاية إلى العشاء الأخير، والسم الذي يكون موضوعاً في طعام الفتاة، وقد اتفقت العائلة على قتلها.

الأحداث السابقة قدمها الفيلم دون نواح أو ندب أو عويل، ولا هم يحزنون من مبالغات، وجاء كل ما فيه بمقاسات متقنة، حتى الإضاءة التي لم تتغير درجتها مع سوداوية الأحداث، والتي ربما لها أن تكون على مقربة من بقايا عناصر الحالة التي لا تتجاوز فيها ردة فعل الأب على قتله ابنته الإطباق على أسفل الكرسي الذي يجلس عليه.

الفيلم الإماراتي «بنت مريم» قارب عوالم المرأة من زاوية مختلفة، وعبر سردها باحتفالية مشهدية لم يفارقها المطر، بحيث تحولت الخوذة التي تسقط فيها حبات المطر إلى لازمة وقتية ورمزية للقصة التي كما يؤكد الفيلم أنها تتكرر مع كل حبة مطر تسقط، ولنا أن نجدها في فتاة تخطف من طفولتها وتزوج من رجل ستيني، ومع موته الذي يبدأ الفيلم بمشهد تغسيل جثته، تنقل أيضاً للعيش مع عجوز آخر أعمى، أو شيخ له أن يكون جدها وليس زوجها.

فيلم «بنت مريم» الذي أخرجه سعيد سالمين المري، وكتبه محمد حسن أحمد أقرب إلى القصيدة البصرية، فشخصية الفتى الذي يحمل طوال الوقت شتلة ليمون ويسأل الشيخ أن يقرأ عليها لتزهر ويبعد الموت عن أمه مفردة جميلة، تضاف إلى مفردات كثيرة صاغتها الفتاة وهي تبعد عنها أشباح حياتها المعتمة، مفردات تحتمل جميعاً الرمز، مع تأكيد قدرة سالمين على أن يصوغها جميعاً في بناء محكم، له أن يحاكي عوالم اندريه تاركوفسكي، مع نزوع الحوار، وللدقة عبارات الراوية أي الفتاة إلى التكثيف، دون أن يفوتنا أن انسياق سالمين وراء جمال ما تحمله الكاميرا، جعله يزيد من جرعة الفيلم ومدته، لكنه وإن كان لنا أن نضع فيلمه في سياق الأفلام التي سبق وأخرجها،

فإن «بنت مريم» خطوة أخرى للأمام لصاحب «الغبنة» آخر أفلامه الذي كان أيضاً مميزاً. فيلم إماراتي ثانٍ عرض أول من أمس ضمن مسابقة الأفلام القصيرة، ألا وهو «بنت النوخذة» والذي أخرجه خالد محمود، وكتبه أحمد سالمين، وجاء جميلاً ورشيقاً من دون أن تتعرض الحكاية الأسطورية التي تستعاد أثناء وفاة الجدة التي روتها لحفيدها، لما قد يسيء لشاعريتها على الصعيد السردي، لتكون في نهاية مترابطة، سواء في ما يتعلق بحكاية الجدة عن بنت النوخذة التي كان والدها ظالماً، وعوقبت بالغرق بوضع حجارة في جيوبها وتحولها إلى سمكة، ومن ثم مشهد الطفل وهو يرى جدته مسجّاة وقد وضع حجر فوقها،

وصولاً إلى تمدده مثلما رأى جدته واضعاً حجراً فوقه. يمتلك فيلم خالد محمود إمكانية أن يكون أفضل من ما قدم، ولعل الأمر يتعلق بموقع التصوير، أو العناية بتفاصيل صغيرة لي أن أجد في السمكة التي تظهر في النهاية مثالاً عليها، لكنه فيلم قصير يستحق المشاهدة والثناء. المطر كان حاضراً بقوة في فيلم السعودي عبدالله آل عياف بدءاً من عنوانه «مطر»

وصولاً إلى استثمار هذا العنصر في أن يتاح للفتى أن يلعب كون المراجيح خلت من الأطفال مع هطول المطر، واستخدامه في مراحل عدة من الفيلم، كونه يقدم خطين سرديين، الأول عن شاب في طريقه لأن يفقد البصر، والثاني عن فتى يستعيد السمع في إحدى أذنيه، ونقطة الالتقاء التي تحدث مرتين، إحداها حين يرى من في طريقه للعمى الفتى الصغير يتأرجح تحت المطر المدرار وهو يقول لصديقه «سيمرض.. سيمرض".

فيلم آل عياف يستعين بما حملته أفلام أميركية أقوى ما فيها السيناريو، ومد خيوط لا تجتمع إلا مجازاً، بمعنى أن من سيفقد البصر لا يعرف أن ذاك الفتى في طريقه لأن يستعيد السمع، ولا يلتقيان إلا كفعل مراقبة الأول للثاني دون أن يلاحظا بعضهما. عليّ قبل أن أختم أن أؤكد أن أفلام الشباب التي استعرضتها ليس لي إلا أن أصفها بأنها خطوة للأمام لكل واحد منهم، فكما ركزت على سالمين، فكذلك الأمر بالنسبة لخالد محمود في مقارنة مع «قصة خيالية: امرأة وولد»، وكذلك الأمر بالنسبة لآل عياف مقارنة بـ «إطار» الذي كان مبشراً أيضاً.

الإمارات اليوم
4/18/2008