عناية جابر
(لبنان)

عناية جابر“صمت قطنة مبتلة” الصادر عن “شرقيات” في القاهرة سنة ,1995 جاء بالشاعرة فاطمة قنديل الى مقدمة الشاعرات، مصريات وعربيات. كانت صدرت لقنديل قبل ذلك اشعار بالعامية المصرية: “عشان نقدر نعيش” سنة 1984 و”حظر التجول” سنة ,1984 ليسا في وارد مقاربتي هنا، اولا لانني لم تتسن لي فرصة قراءتهما، ثانيا لقلة درايتي بشعر العامية المصرية وعدم رغبتي في التطفل على صنف محلي، أهل بلده ادرى به مني، ثالثا لانني عرفت فاطمة مع “صمت قطنة مبتلة” إنسانة وصديقة وشاعرة، معرفة كافية وفائضة فلم اسألها المزيد.

ثلاث عشرة سنة مرت على صمت فاطمة، وصمت قطنتها المبتلة، لنقرأ لها أخيراً عن “دار النهضة العربية” جديدها الشعري: “اسئلة معلقة كالذبائح” وفيه نرى الى الرغبة والشجاعة لدى قنديل، في حف جروح فيها، عاطفية وعائلية، وعلى علاقة رحيمة بجسد المرأة ورغباته.

تحف جروحها، وجروحنا التي لا نجرؤ على التحديف فيها حتى. فاطمة تشعرك بالثقة في ما تكتبه، في ما يقدر عليه الشعر حتى لأسأل وأنا اقرأ في كتابها فصلا عن موت أمها، كيف يمكن للشعر قول كل هذا. في كتابها الجديد نرى الى التماع الشاعرة في النضج، وفي الاسئلة في جذرها الثقافي، وفي العلاقة الواضحة بين الشاعرة واسئلتها، وفي تحقق قنديل في الكتابة، وفي ان انقطاعها عن نشر الشعر كل تلك الفترة الطويلة التي امتدت بين اصدار اول، وهذا الذي بين أيدينا، ليس وجهة نظر الشاعرة في التكاسل عن الشعر، وفي الانصراف عنه لصالح امور عليه، بل لان الصمت الذي امتد، لعب لصالح الشعر الذي عاشته فاطمة بدل ان تكتبه. الصمت الذي غذى الاسئلة فلم تعد معلقة كذبائح، بل تفور بشاعريتها ونداوتها وتكاملها.

ورغم الاختلافات في وسائط التعبير عند فاطمة او عند هذه الشاعرة وتلك، ولست احدد كيف، فوسائط التعبير هنا، ليست المهمة او اللافتة. ما يهم هو الشعر، متغايراً او متداخلاً هنا او هناك، المهم الشعر، نقرأه ونتملاه كل على طريقته في علاقته بالذات، والاخرين، علاقته بأرواحنا وأجسادنا وانهماكنا كل على طريقته او طريقتها، بتظهير عوالمنا الداخلية، اذ لا بد لكل منا، من تصميم المسافات وفق رغباته، بينه وبين القارئ، كشفا واستغراقا، او ثورية وتلميحا، ثم قسوة وفجاجة، او حنانا ورهافة. المهم الشعر، وهو يحتملنا جميعا، طرقنا وأساليبنا كافة، لذلك سموه شعراً، ولذلك هو “حمّال الأسية” ويقدر على حملنا جميعا، بحمولاتنا الثقيلة والخفيفة، الفجة والندية، المنسجمة والمتنافرة.

السفير
30 ابريل 2008