محمد اسماعيل زاهر
(الشارقة)

محمد الحارثييقول الشاعر العراقي سعدي يوسف في تقديمه لديوان “لعبة لا تُمل” لمحمد الحارثي: لم يعد محمد الحارثي بحاجة إلى شهادة جدارة، لقد تابعت ما يكتب منذ عقد ونصف العقد من الزمان، متابعة مكتشف أغوار. عند محمد الحارثي اللقاء العجيب بين اليومي والتاريخي، على أرضية جلية من تحديث النص الشعري تحديثاً ذا مسؤولية بالغة، إن اللغة الصافية في نصه ليست محض احترام مفترض للغة، إنه احترام الحياة ذاتها، وعلاقة النص بهذه الحياة.
تتسم لغة محمد الحارثي بقدرتها على رصد منمنمات الحياة الدقيقة ورسم فضاءات لأمكنة متحركة تذكرنا بالقصة القصيرة أو الأقصوصة وربما تحتفي بأشياء جانبية تنقل القارئ إلى آليات مستقاة من فنون أخرى ربما التصوير أو السينما، يقول في قصيدة مقهى هيمنغواي في مدينة كيل:

بمعاطف طويلة من الصوف الموشى
بجلد غزال الرنة يدخلن المقهى
اتقاء للبرد، ولشرب القهوة
أمام الشيخ هيمنغواي وهو يبتلع
في جدارياته سمكة وسيجاراً، أو يداعب
قطته الشعبية في هافانا منتصف القرن

ان الاحتفاء بالمكان مفردة تشكيلية تميز الحارثي، تبرز في قصائد عدة داخل الديوان لتشكل جمالية أخرى عندما يجد المتلقي نفسه إزاء حميمية تنبع من علاقة الإنسان المتوحد مع ذاته بمكان ما، يقول في قصيدة أرجوحة القط الأسود:

تجلس في مكتبة البيت وحيداً
تجلس لتتأمل الربيع القائظ
في زهرة تعكس نضارتها عينا
قطك الأسود، قطك المتأمل في
الصحن الفارغ زهور الصين
أنت اليابس كشجرة المانغو المطلة
من النافذة ببقايا الحياة

ويتحول الاحتفاء بالمكان احياناً إلى شعور بالاغتراب يهيمن على العديد من الشعراء تجاه المدينة ذلك الكائن المعبر عن اغتراب الشاعر المعاصر فإذا كانت مفردات كالمكتبة والزهور وشجرة المانغو تعبر بصدق عن حنين مفقود تجاه مكان حميمي فإن الشاعر المسافر يرى المدينة كمكان عام لا تربطه به أي علاقات خاصة بوصفه متاحاً لكل البشر يقول في قصيدة شجرة البنسيون:

حين وصلت هذه المدينة
ذكرت، قبل كل شيء في غرفة لم
أجد فيها سوى مقعد جالس وسرير نائم
في انتظاري
لكن على غير العادة، في مدينة كهذه
في بنسيون كهذا، على غير العادة
وجدت في الركن ثلاجة صغيرة
بها دمية مخبوزة وحبة خوخ
تركهما، كما يبدو، نزيل سابق

وفي قصيدة “الخنفساء” يتطور الرمز مع الحارثي من الاحتفاء بمكان تسوده جماليات طبيعية إلى الشعور بالاغتراب إزاء مدينة معبرة عن طبيعة مغتربة وصولاً إلى الرمز بالرحلة عن معاناة الشاعر تجاه تبدل الأمكنة، ويقول:

بعد أن بعثرت حياتي في الترحال
كسرت الإبرة وراودت المغناطيس عن نفسه
بعد أن بعثرتها

ولد محمد الحارثي عام 1962 في المضيرب في سلطنة عمان، ترجمت مختارات من قصائده إلى الإنجليزية، الألمانية، واليابانية، من أعماله الشعرية، عيون طوال النهار ،1992 كل ليلة وضحاها ،1994 أبعد من زنجبار 1997.

الخليج
2008-03-29