أنتويربن – شمال بلجيكا (خاص)

عماد فؤادللمرة الثالثة في مدينة أنتويرب البلجيكية، يقدم العرض المسرحي السينوغرافي "حرير" والذي يجمع بين الشاعر المصري "عماد فؤاد" والشاعرة البلجيكية "إيفا كوكس" مساء الخميس 12 نوفمبر المقبل، في شكل غير تقليدي للقراءات الشعرية، يستفيد من تقنيات المسرح والسينوغرافيا والإضاءة والموسيقى والخلفيات الصوتية، في إنتاج مشترك لمدينة أنتويرب ومؤسسة "زهرة الصبار" المسرحية البلجيكية، ويستقي عرض "حرير" عنوانه من عنوان المجموعة الشِّعرية الأخيرة للشَّاعر المصري والصادرة عام (2007) عن دار "النَّهضة العربية" البيروتية.

قدم عرض "حرير" مرتين من قبل خلال العامين الماضيين، وفي كل مرة كان يتم عرض النصوص الشعرية ذاتها ولكن بطريقة مسرحية جديدة، حيث يتم توظيف عناصر العرض المسرحي تبعاً لموقع العرض وإمكانياته، فحين تم تقديم العرض للمرة الأولى (نوفمبر 2007) في مركز "أطلس" الثقافي استخدم مخرج العرض الفنان والمسرحي العراقي "حازم كمال الدين" إمكانيات صالة العرض إلى أقصاها، فتخلَّى تماماً عن المقاعد المعتادة للحضور، واستبدلها بـ"الجلسة العربية"، حيث فرشت الصالة بالوسائد والسجاد العربي المزين بالنقوش والزخارف الإسلامية، وحين تم اختيار كاتدرائية قديمة لتكون مسرح العرض الثاني (فبراير 2008) وقع اختيار مخرج العرض على غرفة المذبح الواقعة خلف بهو الكاتدرائية، وألبس جمهور العرض أوشحة رمادية من الصوف، ليشكل الحضور بهذا الشكل دائرة من رهبان الكاتدرائية، كأنهم يتحلقون حول صوتين يتخلص كل منهما من أخطائه وذنوبه في اعتراف أبدي يتخذ من الشعر طريقاً إلى التطهر.

بهذا المعنى يمكننا اعتبار برفورمانس “حـرير” اقتفاء لسياقات التشابه والاختلاف في نصوص شاعرين مجايلين يكتب كل منهما بلغة مغايرة، كا أنه أيضاً نتاج لقاء شاعرة وشاعر بمخرج مسرحي له تأويله الفني لنصوص الشاعرين. ومن هذا الثالوث تمتزج الرؤى الفنية الثلاث لتنتج لنا نصاً جديداً وخلقاً آخر، نصوص شعرية باللغتين الأم يضعها المخرج في سياق مسرحي ثري بالإضاءة والموسيقى والخلفيات المعرفية المتنوعة، وشاعر يعيد إنتاج قصائد شاعرة في لغته العربية الأم. وشاعرة تعيد إنتاج قصائد شاعر عربي في لغتها الهولندية.

ستقرأ البلجيكية "إيفا كوكس" عدداً من قصائد مجموعتها الشعرية الثانية والصادرة مؤخراً عن دار ( ده بازيخ باي - De Bezige Bij ) بالعاصمة الهولندية أمستردام تحت عنوان “واحد، إثنان، ثلاث، رقص”، ومن بينها قصائد: حديقة ماجوريل – مراكش، بئر في حنجرتي، تجاعيد الكرز، سراب، مرايا صغيرة ملتصقة بي وغيرها، فيما سيقرأ عماد فؤاد بعضاً من قصائد مجموعته الرابعة حرير ومن بينها: هدية، فاصل، جسدك، طواف، بنفسج، أنوثة، كذبة، إنصات، سفر، وغيرها.

جدير بالذكر أن جماعة "زهرة الصبار" تعنى منذ تأسيسها بكيمياء اللقاء بين الثقافات وفنون العرض، حيث لا يلعب التهجين والتوليف الثقافي الدور الحاسم في بلورة الرؤية النهائية للعمل الفني. بقدر ما يتم خلق هارموني يمزج الرؤى الفنية – وإن تقاطعت – في صورة تتكامل فيها عناصر عدة للعرض النهائي، لذلك، حين قام المستشرق البلجيكي "فرانك أولبريختس" بترجمة قصائد عماد فؤاد وضعت الشاعرة "إيفا كوكس" لمساتها النهائية على الترجمة الهولندية، في صياغة للنص من وجهة نظرها كشاعرة، وحين قام العراقي "حازم كمال الدين" بترجمة نصوص "إيفا كوكس" من اللغة الهولندية إلى العربية، قام "عماد فؤاد" بوضع اللمسات النهائية على الترجمة العربية، أيضاً باعتباره شاعراً يقرأ نصاً منقولاً عن لغة أوربية لكن من حق هذا النص اكتساب مشروعية وجوده في لغته الجديدة.

من قصائد "عماد فؤاد" نقرأ:

هديَّة

كلُّ صباح، يأمر اللهُ دَيَكَة الأرض، بإيقاظ خلائق الأرض، فتصحو في وكرها دودة القزِّ، لتمضغ أوراق التُّوت، ويصحو القزَّازون، ورعاة الشَّرانق، وصانعو الحرير، والغزَّالون، وعاملات النسيج، فيتشاركون على غزل ثوبكِ، كلُّ خيط يحمل حكاية من هنا، وأخرى من هناك، كلُّ خيط مبثوث بلمسة، ومبلَّل بعرق، يضمُّون الخيط للخيط، فينشئونه ثوباً، ثم يبيعونه للحائكين، فيقصّه الحائكون، يخيطونه، ويبيعونه لأصحاب الدَّكاكين، فأمرُّ، فأراه، فيعجبني، فأشتريه
لا تشكريني إذاً
الطَّبيعة كلُّها
شاركتني الهديَّة.

ومن قصائد "إيفا كوكس" نقرأ:

تقول: لم أتعمّد ذلك

تعود ذات ليلة، من حفلة عيد ميلاد، تطوف في البيت كشبح وارف. وبسرعة، ما بين سجادة العتبة والمطبخ، تضيع الحقيبة بمحتوياتها الثمينة، العُجْلة غير المبالية،
كيف سقطت مدوية، كيف طارت من كتفها، يجب أن تكون قد طارت، ربما بقيت الحقيبة تحت ظل معتم لسيارة واقفة فلم ترها، ولم تجدها في أي مكان.
"لاحظت لاحقاً أنني أضعت الحقيبة"، تقول.
ترى الأم طفلتها التي طالت قامتها، وكأنَّها تريد لأفكارها أن تحلِّق كسرب في فراغ سلم البيت، غير أن صوت الأم، لا يني يمسك بجلد عنق الفتاة كفك عنيف؛ هل تعرف كم ساعة خانقة من حياتها كلَّفتها كل قطعة ضاعت! تصفع الأم طفلتها بأسئلتها الحادة: أين؟ متى؟ مع من؟ والصبيّة الطويلة تغلق بياض عينيها، تدفنهما في تفصيل ما من السجادة بحثاً عن كلمات: “برفقة ثلاث صديقات”، تقول، “هناك”، “بعد أن”، ماذا يعني أنها لم تستطع فعل شيء، “لم أكن أقصد أن أفقد كل شيء”، تقول الطفلة، ويتقوَّس ظهرها كفروة قطة مدافعة، وحين تستدير، ترى الأم كيف كبرت ابنتها في ملابسها، المعصمين النحيفين، إشراقة السرّة، وتدور الطفلة، تدور، تدور إلى النافذة، أكتاف عالية تزيح ثيابها، فتظهر وبمثل لمح البصر خدوش على ظهرها البني الملوّح بالشمس، خدوش عميقة ودماء متخثّرة أسفل ظهر الفتاة الصغير الرقيق، وما تراه الأم بقلبها – الذي يقفز إلى ظلال العربات المتوقفة بريبة – ليس آثار مداعبات سريّة أبداً أبداً.
تقفان في الغرفة الكتومة، والجدران تنتفخ كفروة قط متحفّز للدفاع،
فيما يسقط رأس الطفلة بطيئاً
فوق الزُّجاج البارد كقطعة ثلج.

حرير
نصوص: عماد فؤاد، إيفا كوكس
ترجمة: فرانك أولبريختس، حازم كمال الدين
موسيقى: أسامة عبد الرسول
إعداد أدبي: إيفا كوكس، عماد فؤاد
إعداد فني: حازم كمال الدين، فرانك والبريختس
تصميم: طارق شبّر
اخراج: حازم كمال الدين
إعلام: صوفي دو سخامپليره
علاقات عامة: ماختلد فان دن كامپ
إنتاج جماعة زهرة الصبار للمسرح بالتعاون مع مقاطعة أنتوربن.

للمزيد من المعلومات:
Tg Cactusbloem
nawal.kamal@eskanbank.com