(550 - 627 هـ)

يا من تكترث ،
هذا الكلام ليس لك
[ لقد طاف العطار بمدن العشق السبع ، ومازلنا نحن في منعطف جادة واحدة ]
جلال الدين الرومي

أهل الصورة غرقى بحار كلامي ، وأهل المعنى رجال أسراري .

يا خفياً في الروح وأنت خارجها ، إن كل ما أقوله ليس أنت ، وهو أنت أيضاً .

ما تقوله ، ما تعرفه ، كله نابع منك ، اعرف نفسك فقط ، لأن هذا الأمر أكبر مائة مرة منك .

انثروا الأرواح وسيروا في الطريق. وامضوا قدماً نحو تلك الأعتاب ، فلنا ملك بلا ريب يقيم خلف جبل اسمه قاف . إنه » السيمرغ « ملك الطيور . بعيدون عنه وهو قريب . تارجٌ للشجرة الشاهقة .

ليس قطراً هذا الطريق ، لكن أين الجَسور الشجاع الذي يقدر .

إذا كانت الوردة العديدة الوريقات محبوبتي ، فليكن الفقر وشاحي .

من يحضن البحر يملك القطرة . البحر فقط، والباقي هوس وخيال .
لماذا تركض نحو القطرة ، وأنت في طريق البحر ؟

الفلك طست مقلوب ، والطست يفيض كل ليلة بدم الشفق ، فاذا مرت الشمس بسيوف أشعتها تساقطت كل الرؤوس المدببة في طستها .

ينفطر القلب شوقاً للماء . الحسرة تحتويني فما العمل ؟
لست - ويا للعجب - من أهل البحر . إنني أموت - صادي الشفتين ، على شاطئ البحر . لا قطرة ماء أرتشفها ، مهما أرغى البحر وأزبد ، وإن تناقصت قطرة من ماء البحر أحرقت الغيرة القلب . كفاني أن أعشق البحر ، فالعشق بلغ المنتهى ، ولم يبق في الدنيا إلا هموم البحر .

اشتعلت أرواحنا ، واشتعلت النار ، والفراشة لا تنفر من النار ، إنها لا تعيش مع النار .
لشعري فرادة عجيبة ، يخلق ، كل حين ، معان جديدة .

قلت هذا كثيراً ، إنما الطرقات يلفها السمت، ولا أحد يزفر أنفاسه . ما أكثر الذين خبروا سطح البحر . ولا أحد عرف ما بالقعر . الكنز في القعر . السحر في البحر . حطم قيود السحر والجسد ، فإنك لن تجد الكنز إلا حين تبطل السحر ، والروح لا ترتفع إلا حين يفنى الجسد . الروح تصبح الطلسم وجسد الغيب الجديد . أعبر هذا الطريق ولا تسل عن منتهاه ، لا تدع روحك بلا أحبة

لا تبحث عن الجوهر ، إنه ضرب من الحجر .

كن جوهرياً دائماً في الطلب .

لا روح تسلو دون الأحبة . إن كنت رجلاً . لا تدع روحك بلا أحبة .

كفاني : أنني عاشقة الحجر . أطوف فوق الجوهر ، عشق الجوهر يؤجج النار في الصدر . الدم يتجمد في عروقي كحبات الحصى حين ينبعث الشرر . الجمر يحمر كالدم حين تنطلق ألسنة اللهب .

عشق الكنز وعشق الذهب ضربٌ من الكفر .

إن كنت قد ثملت من قطرة خمر واحدة ، فكيف تستطيع منادمة الأبطال في معاقرة الصهباء .

أين محراب تلك الفاتنة ، لئلا أشغل بغير الصلاة .

كل من له قدم في العشق راسخة ، قد تخطى الكفر والإسلام معاً .

العاشق يشعل النار في كل بيدر .

الوردة كاشفة أسراري . وعشق الوردة أفقدني حياتي
كفاني : ما يكمن بالرأس من عشق الوردة .
كفاني : أن تكون معشوقتي هذه الوردة .
البلبل لا يستطيع إدراك » السيمرغ « انه يكتفي بعشق الوردة .

بكومة ذهب تصادق الخلق ، وبهذه الكومة تكون لصاً بكتفٍ موسوم .

إن تعط مقدار حبة ذهباً إلى صوفي ، فإما أنك تقتله بذلك ، وإما أنك تقتل بذلك نفسك.
عشقت الذهب ، حتى صار هذا العشق جحيماً في جسدي ، وعندما لا تكون في يدي وردة الذهب . فإنني لا أستقر مثل وردة متفتحة . فعشق الدنيا وذهبها جعلاني مفعماً بالإدعاء ، وبلا معنى .

إذا كان الذهب لائقاً بمكانٍ ما في النهاية ، فهو لائق بقفل فرج البغل .

كل من قطع الذهب الطريق عليه ، ضاع .

إن كنت باحثاً عن السعادة في هذا العالم ، أو مستسلماً للنوم . كلاهما سواء .

العمل هو تصديق الأمر .

إذا لم يكن ممكناً البقاء طويلاً في هذا السجن ، فعليك بتخليص نفسك في الكل .
يا من تجدين سعادتك في الماء . الماء يحيط بروحك كما تحيط النار بالماء . يا من تهنأين بالنوم على الماء . قطرة ماء ستأتي وتسلب منك ماء الحياة .

من لا طلب له ، يظل أسير الحيرة .

عندما تصل كنز الجواهر ، ليكن حماسك في الطلب أكثر توهجاً ، فالذي يقنع بالكنز والجوهر يظل أسيراً لهما . ومن تعلق بأي شيء في الطريق ، صار صنماً له ، فليهنأ بصنمه .

إن كنت واهب اللب ضعيفاً ، فسرعان ما تصبح ثملاً ، فاقداً عقلك ، فحذار ، ولا تسكر في النهاية بكأس واحدة ، بل داوم الطلب مادام الطلب لا نهاية له .

كن رجل هذا الباب حتى يفتح لك ، ولا تشح برأسك عن الطريق حتى يتضح لك .

كان لأدم قلب شبع من كل قديم .

لابد لهذا الطريق من إنسان كامل ، حتى يغوص في هذا البحر العميق .

العشق نار ، والعقل دخان ، وما أن يقبل العشق حتى يذهب العقل .
ما العقل بأستاذ العشق ، وما العشق بوليد العقل .

من قال لك ابتئس ؟
فمادمت تعرف الباب فامض إليه . وقل : لتظل مغلقاً ، فإن تكثر الجلوس أمام الباب المغلق . فسيفتحه شخصٌ ما بدون أدنى شك.

يا للحسرة على ما تحملناه من آلام الطريق . لقد قطعنا الأمل من أنفسنا ، ولكن لم نقطع من الهدف المنشود .

ليس سلطاناً من لم تنفذ أفعاله في كل الأقاليم . والسلطان هو من لا شبيه له .

إن هؤلاء الفجرة الفسقة ، سائرون في طريق المعنى .

أيها الجهلة ، متى كان العشق مستساغاً من سيئ الطوية ؟

لن يكون الحاكم شخصاً معيناً ، فلتكن القرعة فيما بيننا ، وإذا أصابت القرعة أي فرد ، فهو المقدم .

أنا المضطرب الوله ، فانظر إلى الحكمة التي تتولد من المحبة . إنها تصنع الأفكار ، كما تصنع الرحمة . وفي ليلة حالكة السواد كجناح غراب ، ترسل حكمته طفلاً ممسكاً بمصباح وهاج ، ثم ترسل بعد ذلك ريحاً عاتية ، وتقول لها : أطفئي مصباحه وامضي.
ثم تمسك بالطفل وسط الطريق ، قائلة له : لماذا أطفأت المصباح أيها الجاهل ؟

الأنبياء دائماً في اضطراب ، أما أنا فلا أستطيع تحمل كل هذا ، فارفع يدك عني .

إلهي ، لتفتح باباً أمامي في النهاية .

يا من تكترث ، هذا الكلام ليس لك .

لقد نثرت الورد في هذا البستان ، فتذكروني بالخير ، أيها الأصدقاء . ولكل إنسان ما يوافقه في هذا الكتاب . لقد تجلى لحظة وولى مسرعاً ، ولا جرم أنني كالسالكين ، جلوت طائر الروح على النائمين.

ما أكثر ما أحرقت نفسي كمصباح ، حتى أضأت الدنيا وكأنني شمع ، وأصبح رأسي كالمشكاة في الدخان ، فإلام يشعل شمعي المصباح ؟ .

حتى سليمان العظيم وجه السؤال إلى نملة عرجاء بكل مسكنه .

أيها الثرثار لقد تكلمت كثيراً ، أصمت ، وابحث عن الأسرار .

يا عطار ، ألا تتكلم ؟
" منطق الطير "


أقرأ أيضاً: