فتحي عبدالله بعد ديوانه الجديد ( أثر البكاء)

حاوره : محمود قرني - (القاهرة)

فتحي عبد اللهما يقوله الشاعر فتحي عبد الله في هذا الحوار مفاجئ بحق، لكنه في النهاية صاحب مرجعية خاصة وشعرية متميزة، يري أنها الأجدر بالتمثيل.. وتحت وطأة الموقف المؤسسي الرافض للشعر الجديد عموماً يجد عبد الله نفسه بعيداً عن مركز الضوء، ربما هذا ما دفعه الى ممارسة الكثير من العنف. في هذا الحوار يتناول فتحي عبد الله كثيراً من الظواهر الشعرية التي صاحبت حقبتي الثمانينيات والتسعينيات في مصر ويري أن الشعرية الجديدة تحاول التخفيف من التاريخ وخصيصة المكان بحثاً عن المشترك الإنساني، وهو ما يمثل ردة في موقفه الفكري الذي كان داعياً الى التمسك بتلابيب خصيصة المكان والإغراق فيما هو أسطوري وتاريخي، وهي ردة أري أنها تعبر عن انفكاك مأزق التأسيس الأول الذي كان ضارياً في مواجهة نص جاء مُنخلِعاً من كل مرجعية وذاهباً الى أحضان المجانية دون ادني اكتراث بما يمكن ان نسميه باجتراح الإجماع الإنساني بفظاظة وانتهاك المشترك الذي تؤسسه الجماعة دون ادني قدرة علي تحقيق مشتركات بديلة.

ويأتي هذا الحوار علي خلفية صدور الديوان الرابع للشاعر فتحي عبد الله عن سلسلة أصوات أدبية بالهيئة العامة لقصور الثقافة في الشهر الماضي، تحت عنوان أثار البكاء. وكان عبد الله قد أصدر من قبل راعي المياه عن هيئة الكتاب ثم سعادة متأخرة عن نفس الهيئة ثم موسيقيون لأدوار صغيرة عن هيئة قصور الثقافة.

وفي حوارنا مع الشاعر فتحي عبد الله قصدنا الى وضع قطرات من الكحول علي جروح أظنها لم تندمل، ليس بسوء نية طبعاً، ولكن لأن الآلام هي رحم الحقائق، ولأننا نريد الحقيقة فيما يدور علي الساحة الشعرية من صراع ولأننا ليس بوسعنا أن نضع كل شيء في مكانه، فلنترك المساحة لوضع بعض الأشياء في أماكنها.

من هذا المنطلق يتحدث فتحي عبد الله عن شعرية الريادة، وما تلاها، وموقف المؤسسة الرسمية من الشعرية الراهنة والتجمعات الشعرية الجديدة في العالم العربي، وكذلك يتحدث عن مرجعياته الشعرية أو المعرفية، وميراثه التاريخي من هذه المعرفة.
حول هذه الموضوعات وغيرها يتحدث فتحي عبد الله وهنا الحوار:


يبدو ديوانك أثر البكاء رهن بأسماء كثيرة تصدرت عناوين قصائده. كيف تفسر العودة لهذا الأثر المباشر كحافز للإبداع؟

أن تسمي الشيء يعني أن تجعل منه كائناً حياً فالتسمية ضرورة للوجود وإلا أصبحت كل الموجودات غائمة وغامضة وغير قابلة للتفاعل الإنساني سواء بالتقارب أو التنافر، فالتسمية عمل الشاعر وسعيه الدائم شرط ألا يتورط في المطلقات والتجريدات وهنا تصبح اللغة مشاركاً أساسياً في الإبداع لا بوصفها أداة أو وسيطاً وإنما بوصفها جزءاً لا يتجزأ من عضوية النص والأسماء في الديوان نوع من التعيين والقبض علي الحالة وليست محفزاً للإبداع وان لعبت دوراً كبيراً في سيطرة السرد والوقائع اليومية. والأسماء في الديوان تمثيل لصراع حضاري ولا ينتصر الشاعر لجماعة على أخرى وإنما يكشف عن التقارب الروحي بين الفئات الفاعلة في كل الحضارات مهماً كانت التمايزات الاجتماعية والأيديولوجية فالطغاة متشابهون في الاستعراض والسلوك اليومي وكذلك الشعراء، خاصة بعد ثورة الاتصال والمعلومات ولطبيعة الشعر التي تتجاوز كل ما هو عرقي وجغرافي. ان الشعر اليوم يسعي لتخفيف سطوة المكان وتخليصه من أيديولوجيته الضيقة لصالح المشتركات الإنسانية.

تبدو بعض قصائد الديوان عائدة لبعض مفردات عالمك القديم وان كانت ذات اثر أبعد من دلالتها المباشرة. كيف تري هذا التناسل أليس هناك احتمالات لإفلاس بعض زوايا هذا العالم؟

النقص احدي سمات الشعر وتداخل عوالم الشعر أمر طبيعي فليس هناك نص نقي وأنا لا أؤمن بالقطيعة بين التجارب ولكن بتمايزها من خلال الحالة وطريقة الأداء. وديوان أثر البكاء حالة خاصة لا تتشابه مع تجاربي السابقة وان تقاطعت بعض القصائد القليلة مع الأداء السابق وربما بعض المفردات التي تمارس غوايتها عليّ وربما لهوسي الشخصي ببعض الثيمات التي ارتبطت عندي بالاستعراض والغناء، وأنا اجزم أن ذلك لم يؤثر علي تطور التجربة أو علي كتابتها، بل ان هذه المفردات المركزية في التجارب السابقة جاءت في دلالات جديدة. وهذا لا يعني إفلاس العالم فعالم الديوان في تفارق كامل مع التجارب السابقة ولكن يعني ان غوايتي ببعض الثيمات وبعض المفردات أصبحت تشكل لدي متناً ينبغي تجاوزه والهروب منه لأنه سوف يصوغ التجارب الجديدة بقدامة ما. وأنا لا أحب ذلك، ولكن ماذا نفعل مع الشعر وهو قائم كله علي الغواية واللذائذية المفرطة التي تحب التكرار خاصة الاكتشافات التي منحها الله لك. ومن يتابع تجربتي سوف يجد أنني من أكثر الشعراء انقطاعاً وانفصالاً عما اكتب.

كثير من قصائد الديوان بلورت الكثير من رؤيتك لقصيدة النثر وجاءت أكثر شفافية وأكثر شاعرية بعد أن تخلصت من هلوسات كان لابد من التخلص منها، هل عدت لقناعات رفضتها سابقاً، أم انك تحاول تقديم الصيغة الأمثل لموقف من قصيدة النثر؟

الشاعر لا يملك إلا الهلوسات ولا يقين له، وقصيدة النثر شكل شعري ككل الأشكال لا أهمية له إلا في سياق حضاري يبرر وجوده وهي ليست اكتشافاً جديداً وبها الكثير من التنوعات بعدد الشعراء الموهوبين في الثقافة العربية وان كنت أرى أنها تطور طبيعي أي كانت المؤثرات الخارجية لنوع من النثر العربي بدأ منذ عصر النهضة وان حرفها أنسي الحاج الى الأداء الغربي الخالص والقائم علي المفارقات اللغوية وتبعه في ذلك جمع من الشعراء في كل الأجيال والحلقات حتي أصبحت القصيدة نوعاً من الكاريكاتير الساذج والذي لا يقول شيئاً، فقد تخلصت من سخرية ومرارة أنسي الحاج لتقع في المجانية المفرطة وهذا اتجاه في قصيدة النثر لا يعول عليه أما التطور الطبيعي فقد جاء من الماغوط الذي تم استنساخه في دمشق والشام بطريقة عجيبة ولم تتطور التجربة إلا على يد صلاح فائق و سركون بولص الأول لسيرياليته العربية والثاني بالعوالم الجديدة والأداء النثري المحض ثم وديع سعادة وعباس بيضون ثم الحلقة الأخيرة ومن أبرزها سيف الرحبي و أمجد ناصر .

أعتقد أنه لم يجانبني الصواب عندما أحلت بعض شعريتك الى الكتابة الآلية، الى أي مدي تصدق هذه المقولة والآن بالذات؟

هي لم تصدق مطلقاً، وليست لي علاقة بالكتابة الآلية وكل هذه الشبهة حدثت من رؤيتي للشعر باعتباره فعلاً غير منطقي وغير عقلي ويعود في دوافعه الاولى الى الغرائز الأساسية كالخوف والحب والعنف وغيرها وهذا لا يعني خلو الشعر من العقل فالإشراق لا يأتي إلا منه والبناء دائماً في حاجة الى عقل أيضاً والكتابة الآلية ظهرت في ظروف تاريخية لا علاقة لي بها، ولا تتقاطع روحياً معي وأنا لست في حاجة لها فأنا ابن الأداءات الشفاهية المليئة بالتورية والكتابة والتي تقوم علي الاستدراك والجمع بين المتناقضات فهل هذه سريالية وان كانت كذلك فأنا سريالي بدرجة ما ولا يجمعني بالسريالية العالمية أي جامع ولا يربطني بها إلا الدوافع الإنسانية الواحدة التي لا تعرف التمايزات الحضارية. أما طريقة أدائي الشعري فإنها تنتمي بالدرجة الأولي أياً كان شكلها الى المشافهة المصرية الإسلامية الخالصة والتي تقوم علي القطع والوصل دون الإشارة اعتماداً علي يقظة المستمع.

أنت واحد من حلقة خاصة في قصيدة النثر المصرية لكنها تبدو حلقة من حلقات الغضب والرفض وثم محاولات دائمة من النمط السائد لإزاحتك. تري ما الأسباب والدوافع خلف ذلك؟

الصراع الثقافي في مصر لا يقوم علي نمط الأداء فقط وإنما علي التحالفات ذات المصالح المرسلة، والتي ترتبط بدرجة أو بأخرى بمثيلاتها في البلدان العربية وربما بالأدوار المنوطة بهم في العلاقات الخارجية وحلقات قصيدة النثر كانت محصورة في ثلاثة تجمعات أو تيارات كتابية أو أنماط للأداء، ليس بينهم اختلاف كبير من حيث الرؤية والأداء وهم تجمع الجراد وعلي رأسهم الشاعر احمد طه وهم محمد متولي، أحمد يماني، ايمان مرسال وآخرون، وتجمع الكتابة الأخرى وهم فتحي عبد الله، محمود قرني، ابراهيم داود وآخرون، وتجمع آخر يمثله الخارجون علي التجمعين من أهمهم عماد أبو صالح وعلي منصور وآخرون.

والسلطة الثقافية في مصر لم تراهن علي احدي هذه التجمعات وإنما دفعت بالجميع الى المحرقة وكان صراعاً عنيفاً قائماً علي النفي والتهميش وزاد من حدته تدخل الحلقات السابقة في الصراع وخاصة السبعينيين الذين حاولوا السيطرة علي تجمع الجراد ونجحوا في ذلك وقدموا اعتماداتهم الى المؤسسة فكان اختيار فاطمة قنديل وإيمان مرسال لتمثيل الدولة في المنتديات الأوروبية وتحول جزء آخر ليلعب دور الوسيط بين الثقافات أما الذين اكتفوا بالشعر مثلي فلم يصلحوا لشيء من هذه الأدوار الأيديولوجية التي تراكم نوعاً من المعرفة الخالصة ورأسمال منظور من خلال التمثيلات والتصعيدات الاجتماعية.

المشهد الشعري تغير كثيراً عما كان عليه قبل عقد من الزمان، كيف تراه الآن؟ وهل تبلورت رؤى مستقرة لقصيدة النثر؟

المشهد الشعري في مصر دائم التغير والحركة ويعكس هذا حيوية ما ربما ترتبط بصراع الأجيال في احد وجوهها أو بصراعات التيارات والأنماط الأدائية في عمقها العميق وان أخذت أشكالا أيديولوجية غير صريحة، فجيل الستينيات خارج المشهد إلا أنه المراقب الأقسى المليء بالمرارة وعدم الجدوى فـ عفيفي مطر يراهن علي النموذج الأكثر اقتراباً من جيل الرواد في كل أفعاله الثقافية والممثلة في لجان جوائز الدولة ولجان التحكيم وحجازي يرفض قصيدة النثر صراحة ويدافع عن كل أشكال الاستنساخ والتقليد و أبو سنة و شوشة يدافعان عن النصوص الركيكة التي لا تمثل شيئاً علي الإطلاق. إما جيل السبعينيات فهو موزع حسب أدائه ونمط كتابته فـ حسن طلب لا يري في التجارب الجديدة إلا نوعاً من الاستهلاك السريع للغة، والخيال لا يصنع شعراً أما الالتباس فيخص عبد المنعم رمضان فهو روحياً ينتمي لشعرية الستينيات ولا يري أي دور للتجديد والتطوير سوي تجسيد هذا الأداء أما احمد طه فانه أكثرهم مشاركة في المشهد الجديد إلا أنه ينحاز لنمط الأداء الأيديولوجي الذي لا يخلو من قدامة. أما أصحاب الفعالية الحقيقيون في هذا المشهد فهم شعراء الثمانينيات وبعض التسعينيات وقد تبلورت بعض الرؤى للشعر الجديد في بعض النماذج وهي رؤى متقاطعة مع المنجز الإنساني في كل وسائطه التعبيرية.

كيف تري دور المؤسسة الثقافية حيال الشعر تحديداً.. ومتى تستطيع ان تساند تياراته الطليعية وتمنحه أجوائها وتطلقه للذائقة العامة؟

المؤسسة الثقافية في مصر لعبت دوراً كبيراً في تهميش الشعر ونفيه بشكل عام وان احتفظت ببعض الرموز لأداء بعض الأدوار السياسية في الداخل والخارج وهم الأبنودي، حجازي، مطر، أبو سنة فهم يلعبون أحيانا دور النديم أو المضحك أو الأراجوز الذي يجمع الناس لاحتفال ما وأحيانا أخري يتماهون مع السلطة بما لهم من رأسمال رمزي فيقررون ما تريد من حذف وتهميش أو خلق أبطال وهميين يتناسبون مع هذه المرحلة وهؤلاء جميعاً يرفضون النص الجديد باعتباره نصاً يهدد سلطتهم ونصوصهم غير الفاعلة والتي أصبحت في ذمة التاريخ. أما نقاد المؤسسة فإنهم ينظّرون لسردية مصر ومركزيتها في القص والرواية وعلي رأسهم جابر عصفور الذي يري أن شعرية مصر قد توقفت عند الشاعر أمل دنقل وفي ظني أنه لا يستطيع قراءة النصوص الجديدة فهي ضد ذائقته وأيديولوجيته أو دوره الأيديولوجي في المؤسسة فهو يعرف أن الشعر هو الممثل الحقيقي للحضارة العربية الإسلامية بما لها من عواطف وثيمات خاصة، وهو يريد أن يقضي علي ذلك لصالح كافة الأداءات الأخرى التي تنتمي للتخييل الاستعماري. ان المؤسسة بكاملها في مصر تري في الشعر الجديد خروجاً ما وفوضي غير محتملة. ان هذا الالتباس الأيديولوجي لدي جابر و المؤسسة غير صحيح علي الإطلاق، فالشعر الجديد ابن المشتركات الإنسانية الكبرى ولا يرسخ لطائفية دينية أو عرقية ضيقة إلا أنهم ينفذون الوصايا العشر للبيت الأبيض دون مراجعة أو فهم.

الى أي مدى تتحقق لديك الرغبة في تحقيق انتقالات جديدة والي أي حد تتصور أن قصيدة النثر هي المقترح النهائي لمنجزك؟

أولاً رغبات الكتابة لا تنتهي والأهم من ذلك ما تحقق فعلاً وبأي صورة كما أن قصيدة النثر ليست شكلاً واحداً وأنا أميل في الفترة الأخيرة الى شكل خاص يرتبط بالأداءات النثرية في ثقافة ما بعد النهضة في الكتابة العربية وان كان لها جذور في التراث ككتابات الجاحظ وابن عربي والقرآن الكريم والأحاديث، وهذه الصيغة تجمع بين الاستشراق والسحر في نمط لا علاقة له بمنجز الشعر الحديث شـــعر التفعيلة الذي أراه استمراراً لتقـــــاليد الشعر الرومانسي حتي في أكثر نماذجه خروجاً وأعتبر أن كتابات الرافعي علي مستوي الأداء والرؤية أكثر حداثة من كل شعراء التفعيلة مع ارتباطها الحي والوثيق بتطوحات الجماعة.

ان الرافعي كان يؤسس لكتابة جديدة قائمة علي المخيلة العربية التي تؤمن بالثنائية فهل هذا التناقض بين النثر و الشعر لا حل له، أظن أن الرافعي قدم الإجابة وهي الاختلاط والهجنة وأن هذا التمايز غير قائم إلا في مخيلة السلطة والطبقات الحاكمة التي تري في الشعر ترفعاً علي العامة وخادماً في الوقت نفسه فيا صديقي العزيز لا يوجد في الشعر اقتراح نهائي وإنما هو سعي للاكتشاف ومطلبي هو الشعر لا غير أياً كان الشكل، فلا قداسة لشكل علي آخر وإنما الظروف التاريخية وحركة المجتمع وجماعات الضغط فيه هي التي تقرر الشكل المناسب وأظنك تعرف ان الأشكال هي التعبير الأول عن الأيديولوجيا أكثر من المضمون.

كيف تري مشهد قصيدة النثر المصرية في إطار المشهد العربي؟ وهل يمكن الإشارة هنا الى تمايزات خاصة؟

ان قصيدة النثر المصرية من أكثر النصوص إثارة وحيوية لتنوع طرائقها وتعدد انحيازاتها الثقافية هذا من جانب وعلي الجانب الآخر صراعها مع المؤسسة الرسمية بكل رموزها القديمة والمستهلكة وان ضمن أحد التيارات دوراً ووظيفة اجتماعية في المرحلة المتأخرة إلا أن التجمعات الأخرى ما زالت تمارس ضغطاً، يقلل من مصداقية المؤسسة والقائمين عليها ويطرح عدداً من الإشكاليات الحقيقية، بعضها يتعلق بالوسيط الذي أصبح متاحاً وخارجاً عن سلطة احتكار المؤسسة وبعضها الآخر يتعلق بتقنية الكتابة التي تتطور بسرعة مذهلة أربكت كل المتابعين فهم بين رفض قاطع ودفاع دون مبررات حقيقية إلا أن التجارب التي تطورت وحققت بعض الوجود قليلة للغاية ونستطيع ان نحصرهم في بعض الأسماء عماد أبو صالح، محمود قرني، فتحي عبد الله، ابراهيم داود ومعظم التجارب الأخرى مستنسخات أو ضعيفة لا تقوي علي المنافسة ويغلب عليها جميعاً اعتماد المفارقة اللغوية البسيطة والساذجة أما بعضـــهم الأخر فقد انصرف لطـرائق كتابة أخرى غير الشعر كالرواية والترجمة أو العمل كوسيط ثقافي بين الحضارات. ولم يحدث هذا بالرغبة أو التمني ولكن بما قدموا من تجارب حقيقية تستطيع أن تقرأها في وسط تجارب الشعراء العرب.

أما علي الجانب الأخر العربي فقد استطاعت عدمية وديع سعادة أن تفسد نصه وتجعله مجموعة من الخواطر الذهنية التي لا حياة فيها ولا روح وكذلك عباس بيضون بعد أن وصلت تقنياته إلى حالة من المشاعية والاستهلاك خففت من حدته الذهنية وخياله الجديد، لتصبح نصوصه الأخيرة مجرد كتابة لا تشير إلى شيء ولا تعكس إلا فراغه من التجربة وهناك بعض التجارب الدالة علي حيوية قصيدة النثر في الثقافة العربية موزعة بطريقة خاصة بين البلدان فأمجد ناصر ما زال قابضاً علي توتره الشعري وما زال يراكم في طريق خاص به بما يشير إلى دلالته الأسلوبية وتميزها وكذلك سيف الرحبي وأحب ان أشير هنا الى الأخوين ياسين عدنان وطه عدنان في المغرب بتقاطعاتهما الإنسانية وتخلصهما من البلاغة الكاذبة وسعيهم الى كتابة نص جديد. وفي النهاية الشعر الجديد لا يرتبط بمركز أو أطراف وإنما يرتبط بالرؤية الجديدة التي تحاول تخفيف التاريخ لصالح اللحظة الراهنة والتقليل من أهمية المكان حتي يسهل الاتصال بين الثقافات، خاصة وأنه متأثر كثيراً بالوسائط الجديدة كالفيديو والسينما.

القدس العربي
2004/08/06