حاورته: وضحى المسجن
(البحرين)

كريم رضيكريم رضي شاعر ، يترك مصابيح القصيدة ترفع الستار ليقيم بين حروفه مدينة لبسطاء ، ويبقى يوشوش ذكريات صغيرة ، وأحزان سيرة النخل ،رضي الذي ينتمي لشعراء الجيل التسعيني في البحرين ،تجربة بارزة دخلت للشعر - كما يذكر- من بوابة العشق المحض من جهة والهم السياسي من جهة أخرى  - وهو رغم وجوده المبكر في الوسط الأدبي ،وحضوره في المشهد الشعري البحريني من خلال قراءته لبعض التجارب الشعرية ،ومشاركته في تحرير مجلة أسرة الأدباء البحرينيين (كلمات)، إلا أن صوته الشعري بدا أكثر وضوحاً حين أطل يحمل سفر نبوءته (أحاديث صفية) ديوانه الشعري الأول الذي فاز بالمركز الثاني في مسابقة وزارة الإعلام والثقافة للعام 2004.

* علاقة المبدع بإبداعه خصوصاً في لحظة الاحتراق _ اعني شرارة البدء _ بقدر ماهي حميمية إلا إنها لاتخلو من الاغتراب ، كريم رضي ..كيف تجد نفسك_ على حد تعبير أنسي الحاج _ حين (ينتظرك الشعر في موعدٍ ما ليستعير صوتك)؟

- أنا من الذين يعتقدون بأننا لا نصف بالتحديد لحظة ولادة القصيدة لأنها لحظة إلهية غير قابلة للتوصيف. انظري حين أراد الله أن يتجلى لموسى قال له انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني لكنه لم يستقر، وحين أراد أن يتجلى لإبراهيم قال له اذبح الطير واجعل على كل جبل جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا. فلحظة الكتابة لا نستطيع الحديث عنها هي ذاتها بل عما يعادلها أو ما يشبهها، فقد نقول هي تشبه الإلهام التلقائي أو العفوية ولكنها العفوية المقصودة أو كنت أسميتها ذات مقال الإهمال الذكي. هي لحظة لا نذهب لها قصدا، لكن حين نصل هناك نحن نرتب وضعنا جيدا.

* يقول ابن حزم في معرض حديثة عن الشعر :
"الشعر ينقسم ثلاثة أقسام: صناعة وطبع وبراعة…"، كيف تجد هذا القول ، وأي الأقسام تراه ضرورياً لإغناء تجربة الشاعر وإثرائها؟

- هذا متصل بالسؤال الأول. لابد من الصناعة وإلا صار الشعر مجرد تدفق مجاني للألفاظ قد نجد مثله لدى مرضى الفصام الذين يربطون بين العبارات بشكل غريب وقد يكون ابتكاريا أحيانا، وبالتالي فالصناعة تجعل من الشعر جنونا عاقلا.

ثم الطبع أو التلقائية وهو الذي يمنع الصناعة من أن تصبح قيدا مسبقا فيتجه النص للتقريرية.
كنت قد شبهت العفوية في الشعر بأنها عفوية مصنوعة تشبه ما نفعله حين نسرح شعرنا مثلا بطريقة تبدو فوضوية أو كأننا تعرضنا للبلل تحت سماء ممطرة أو حين نرمي الحصباء في مدخل الفيلا ليبدو المدخل شعبيا وتراثيا أو حين نمزق لباس الجينز لنجعله يبدو بوهيميا أو حين نزخرف جدار البيت بشكل يبدو وكأن فيه شقوق قديمة، وثمة الكثير من الأمثلة على هذه العفوية المصنوعة، العفوية التي ليست مجانية وخالية من الإرادة، مثلما تفعل المرأة العاشقة حين تلفت نظر حبيبها المغفل بشراك تبدو عفوية مثل تدبير حادث من أجل لقاء كالارتطام المدبر به في الطريق أو مثل اختراع الاحتياج إليه بطريقة تورطه في مساعدتها وهكذا. إن المرأة قادرة بذكاء فطري على صناعة ما يبدو عفويا في ظاهره ولكنه مرسوم بدقة في حقيقته.
ثمة عمل كبير يبذله الشاعر لإخفاء الإرادة وهو عمل يزداد صعوبة كلما تقدم الشاعر في التجربة وازداد خبرة بحيث تنكشف صناعته أكثر فأكثر يحتاج إلى المزيد من الحيل لإخفاءها.

* اديث صفية باكورة نتاجك الشعري، يثير سؤالاً عن تجاربك الأولى، أين أقامت، وكيف ظلت مغيبة كل هذا الوقت..على اعتبار أن هذا الديوان لا يمكن أن يكون بدايتك، إذ إنه يُظهر تجربة متكاملة ؟

- لم تكن لي تجارب جديرة حقا بالنشر ككتاب أول غير هذا الديوان، فأنا بطبعي مقل في كتابة القصيدة، لأسباب عدة منها انشغالاتي ومنها أن متطلباتي صعبة جدا. لهذا قد تجدين في هذا الديوان كأني قد قلت كلما أريد قوله بحيث لم أعد أعرف ما أريد الآن من ديوان آخر.

* نص في غابة التأويل تجلى فيه كريم رضي ناقداً من خلال مشاركته لمجموعة من النقاد في سبر أغوار بعض التجارب الإبداعية فقد قدمتَ فيه قراءات لبعض النصوص منها (سيرة المجنون) للشاعر حسين السماهيجي، (جرار الحلم) لزهرة المذبوح ، ألا يؤثر الاشتغال على أكثر من صعيد على زخم النتاج، و أيهما يمكن أن يخلد لصالح مُضي الآخر بنسبة لتجربتك

- هي قراءات وليست نقدا بالمعنى الحرفي. مشكلة جيلنا التسعيني أنه أهمل تماما من النقاد حتى إنا لا نعثر على مقاربة نقدية شاملة لتجربة شاعر واحد من هذا الجيل. هذا اضطرنا لأن نقرأ أنفسنا بأنفسنا فقد كتب السماهيجي عن تجربة أحاديث صفية وكتبت أنا عن السماهيجي والجلاوي وغيرهما، يمكنك القول أن نقدي هنا هو بدل فاقد ليس إلا.

* ني عن تجربتك في ظل مقولة باوند" الأدب يموت بدون تجريب"

- أنا لا أضع المقولات والكليشيهات في مقدمة الكتابة لكني بالطبع آخذها بعين الاعتبار. وفي ديواني الوحيد الذي آمل ألا يبقى وحيدا نشرت نصوصا كتبت بين 1990 - 2004 م وهي فترة كبيرة أعتقد أني فيها تراوحت بين تجربة ارتفاع الصوت وخفوت الشعرية إلى العكس، كما انتقلت فيها بين التسييس والحب والايدولوجيا. وأعكف الآن على ديوان من قصائد النثر التي طالما كنت جبانا أمام الاعتراف بتا ولكني الآن أكثر جرأة.

* في قصيدتك التي جاءت بعنوان الياقوتة ، تقول :
"عندما يرتج / قنديل الشريعة/ ضاحكاً/ ينثر فينا ضوءه الكابي/ يدعونا إلى مائدة الله/ فيستقبلنا/ نقترح الفتنة / نلغو في دم النص المثنى/ ونصطاد التآويل البديعة/ عندها/ يستيقظ الناجون/ في ياقوتة /الفتوى/ يخيطون لنا أجداثنا/ ويصيحون الفجيعة" ..
أهو خوف الشاعر على شاعريته، أم لأنك تكتب شعر المناسبات؟

- لا أحب تفسير قصائدي ولكن هذه القصيدة بالتحديد فيها بعد أيديولوجي أكثر منه أدبي، فهي تشير إلى تحكم مفسري النصوص في تشكيل رؤيتنا لهذه النصوص. كأن التفسير الذي لم يكن له شرف خلق النص أصبح يزايد على امتلاك ما لم يكن له شرف إبداعه.

* في نهاية هذا الحوار..الشاعر كريم رضي، قلتَ أن" الشعر نخلتنا التي لم تُقلع بعد" إلى أي مدى يمكن أن تفتح الطريق لعبور قصيدتك في ظل محاصرة النص الإبداعي؟

- لست من الذين يعتقدون أن النص الإبداعي يمكن محاصرته إذا ما وجدت الموهبة الحقيقية. الموهبة أقوى بكثير مما نتصور. قد يحاصر النشر لأسباب شتى سياسية واجتماعية وأخلاقية، ولكن النشر مرحلة لاحقة ومنفصلة عن الإبداع. ما قصدته من التعبير المذكور أعلاه أننا كقرويين سابقين كنا من جيل شهد بأم عينيه تدميرا منهجيا أحيانا وعشوائيا أحيانا أخرى للبيئة الجغرافية للقرية كما عرفها أسلافنا. وإن ما بقي لنا اليوم ليس التغني بالقرية من نخل وماء والبكاء عليها بل صناعة قرية معادلة من لشعر.