هذا الحوار جاء بعد وقت من متابعة ما يكتبه الأديب محمد عقيلة العمامي، ومع كل إصدار التفت إلى حجم الأسئلة التي تطرح حوله. صدرت له في غضون الأعوام القليلة الماضية إصدارات في الأدب والثقافة، من أسئلة وإشكاليات، وقضايا تدور في الساحة الأدبية وضعتها أمامه في هذا الحديث.
* لماذا هذا الانتشار بعد وفاة صديقك الأديب خليفة الفاخري؟
لقد صدر أكثر من نصف أعمالي والراحل العزيز على قيد الحياة، فهل ترمي من وراء سؤالك أن تعرف لماذا انتشرت أعمالي في سنوات قليلة؟
* علي نحو ما، لأن الملاحظ هو بروزك في المشهد الثقافي الليبي بعد وفاة الفاخري مباشرة.
حسنا. علاقتي برابطة الأدباء والكتاب لم تتوثق إلا بعد تكريمهم للفاخري ولعل حضوري ومشاركتي في فاعليتها هو الذي ساعد علي هذا الانتشار. غير أنه عليك أن تنتبه إلى أنني تقاعدت منذ تسعينيات القرن الماضي. وذلك يعني أن جزءا كبيرا من يومي أفنيه في الكتابة أو القراءة. وهكذا قبل وفاة المرحوم خليفة الفاخري أصدرت مجموعة الكتب المتخصصة في الأسماك : أسماك المتوسط، سلوك الأسماك، طرق صيد الأسماك، وأيضا طرق طهوها، وهذه المجموعة كلها راجعها المرحوم قبل وفاته، كما راجع مخطوطاً آخر هو كتاب الرياس، وهو تتمة لها ولم ينشر بعد لأسباب عديدة. خلال تلك الفترة كتبت مجموعة قصص جمعها الراحل العزيز، وأخذها إلى مطبعة الثورة وأشرف علي طبعها، وتصميم غلافها، وهي مجموعة (الحوات والقبلي). وأثناء وفاته كانت مجموعتي الثانية في الطباعة بدار الإبل، وهو الذي اختار لها لوحة الفنان محمود الحاسي. أما رواية (الكراكوز) فقد كانت تنشر علي حلقات بصحيفة العرب ، وكان الفاخري ما زال حيا يرزق. وأذكر أن الدكتور سالم الشيباني صاحب دار الأنيس جاء إلى بنغازي، وسأله المرحوم عن سبب تأخر نشرها فأخبره أن الأستاذ عبد الكريم الدناع، مصّر علي تقديمها وقد فعل. ولم تصدر الكراكوز الاّ بعد وفاته. بعد ذلك صدرت لي مجموعة قصصية هي الديوك، وروايتان هما: ليلة عرس الجمل، وكوامي أيايا وكتاب قطعان الكلمات المضيئة، وهو في الواقع مجموعة مقالات عن الفاخري والنيهوم نشرت بصحيفة المشهد. وأخيرا صدر كتاب تاريخي عن اليهود بعنوان أسفار العنف والمال. وبالطبع كتاب منابت الريح، الذي يحكي سيرة الفاخري الأدبية. وهكذا فيكون ما كتبته بعد وفاته أقل بكثير مما كتبته وهو حي يرزق. أعود إلى سؤالك عن سبب هذا الانتشار ؟ فأقول لك أنني لم اقترب من رابطة الأدباء والكتاب الاّ بعد وفاة خليفة الفاخري لأنهم ببساطة أقاموا له تكريما رائعا فاق ما كنت أتوقعه، وعلي الرغم من خلافات بسيطة كانت بينه و بين بعض أعضاء الرابطة، أذكتها نفوس مريضة معروفة، الاّ انهم والحق يقال قاموا بكل ما في وسعهم من أجله سواء بالإعداد لتكريمه قبل وفاته، أو أثناء مأتمه. هذا الموقف هو الذي قربني من الرابطة، وأذكر أنك أنت من أخذني للرابطة لمناقشة استعدادات حفل التكريم. ولعل تواجدي بالرابطة هو الذي عرفني بالوسط الأدبي بصحفييه وأدبائه، فكان هذا الذي سميته انتشارا.
ولعله من المثمر أن تعرف أنني كتبت مقالا، أو اثنين في ستينيات القرن الماضي. وفي أوائل السبعينيات من القرن الماضي كتبت دراسة عن الفاخري، بعدها ترجمت له قصة كانت مشروع تخرجي في قسم اللغة الانكليزية بكلية الآداب . ولم اكتب بعد ذلك شيئا علي الإطلاق، إلى أن تقاعدت في مطلع التسعينيات، حاملا معي مخزونا هائلا، متصلا، جمّعته بامتداد عمري، الذي بلغ منذ أشهر اثنين وستين عاما. خذ مثلا.. في ذهني قصة منذ سنة 1956، أو لربما سنة 1957، حينها كنت طالبا بمدرسة الأمير الابتدائية .. بدأت منذ أيام في كتابتها، واخترت لها (دواء بلون الحبر) عنوانا، وهي مكتملة في ذهني لا تحتاج الاّ لمدخل مناسب، وعندما أجده سوف انشرها.
* رغم كل هذا الزخم من الإصدارات لم يلتفت النقاد الليبيون إلى أعمالك الأدبية؟
بالعكس معظم النقاد الليبيين تناولوا أعمالي، الاّ إذا كنت لا تتطلع علي ما ينشر في المشهد الثقافي الليبي، أو أنك لا تعتبر: المرحوم خليفة الفاخري، محمد عبدالله الترهوني، وعبد الكريم الدناع، وحمد المسماري، ومجاور خليفة، وعبد الحكيم القبايلي، والصديق بودواره، ومحمد الهوني. وحسين نصيب. وغيرهم ليسوا نقادا، أو كتابا أو أنهم ليسوا ليبيين؟
* تعرضت إلى انتقادات بعد صدور (منابت الريح) ـ سيرة خليفة الفاخري الأدبية، بسبب تقديمك للسيرة بشكل لا يليق بقيمة هذا الأديب، حتى أن بعض الانتقادات تشير إلى تحريفك لبعض الأسماء الحقيقية لأن لها علاقة بمواضيع سياسية .. فما هو رأيك؟
كتابي (منابت الريح) الذي قدمت فيه سيرة الفاخري نال رضا وإعجاب قرائه، وأهله، وأصدقائه الحقيقيين، لأسباب بسيطة للغاية تتخلص في الآتي :
ـ أنني كتبتها ببساطة، وكما أعرفها أنا، وليس كما حاول البعض أن يقحمني فيه .
ـ كان همي ألا تضيع كلمة واحدة مما كتبه الفاخري، ولذلك جمّعت ما كان بحوزتي، وكل ما سلمته لي السيدة زوجته، وأشقاؤه، وأصدقاؤه الحقيقيون، الذي كان همهم ألاّ تضيع أعماله، لا أن يتاجروا فيها !.
* وحفظته في هذا الكتاب.
ـ لم أكن فيه ناقدا بقدر ما كنت شاهدا.
أما الانتقادات فقد أراد أصحابها: أن اخرج من الحديث عن سيرته الأدبية، إلى سيرته الشخصية لأجد لهم مكانا فيها. وآخرون كانوا بالفعل أصدقاءه ولكن عندما يكون هدفنا سيرته الأدبية فإننا لا نجد لهم مكانا فيها، وبالتالي لم أذكرهم الاّ باعتبار انه يعرفهم. وآخرون يلوحون ببضع أوراق ومقالات كتبها في الستينيات، وأشهد الله أنه طلب ـ في حضورهم ـ ألاّ يعاد نشرها لأنها بسبب وعائها الزمني فقدت معناها.. ونماذج أخري كان ينبغي لها أن تكتب بالكيفية التي تراها مناسبة، خصوصا وأنهم قادرون، طالما أنها تخدم المرحوم وعائلته.
أما من أدعي بأنني حرفت فأنا أتحداه أن يجهر برأيه، لأن ما كان يحكمني عندما كتبتها هو ضميري، واحترامي لذكرياتي التي يعتبر خليفة جزءا مهما منها، وليس مطمعا مهما كان شكله، ولأن العديدين من شهود عصر خليفة الفاخري ما زالوا علي قيد الحياة، ويستحال أن نكذب علي أحياء تهمهم بدرجة مرعبة سيرة الفاخري النظيفة، وفوق هذا لقد تعمدت نشر الكتاب علي حلقات، واخترت له صحيفة العرب لأنها توزع في أكثر من بلد عربي، فان وجد بها أي قارئ يعرف الفاخري ومن محبيه، وهم كثيرون، مقيم بداخل ليبيا أو خارجها، وليصحح لي معلومتي قبل أن يضمها الكتاب. ولقد اتصل بي الكثيرون وجادوا بما يعرفون من معلومات. وكان الأجدر بمن يتهمني بهذا التحريف أن يصححه في بدايته ان كان بالفعل حريصا علي سيرة الفاخري، أو أن يتناولها بعد صدور الكتاب بالكيفية التي تناسبه ..
فهذه شهادة علي عصر، وليست: (هدرزة في مربوعة)! وأريد أن أقول شيئا مهما للغاية، وهو أنني استنرت بآراء بعض من أساتذة كبار من بلادي قبل ان أشرع في كتابة السيرة، أذكر منهم الأستاذ علي مصطفي المصراتي، وقد سألته في جانب معين وأثراني برائه، واستشرت أصدقاء شبابه، ومعارفه، وزملائه وهم ما زالوا علي قيد الحياة وهم، بكل تأكيد، لن يسكتوا عن أي تحريف، أو إساءة قد تلحق به. لعل الأستاذة : محمد حسين كانون، وجلال الدغيلي، ومفتاح الدغيلي، و الدكتور جمعه اعتيقه، وأحمد أعبيده، وعبدالرحيم فايد، ومحمد فنوش، ومحمد البعباع، وشقيقه عبد القادر، وأبوبكر العنيزي، وسليمان اللوحيشي، ومحمد معتوق، والشيخ محمد الفيتوري، وعمر جعاكه، والدكتور عمر العفاس ،والدكتور زياد علي. وغيرهم كثيرون، ناهيك عن أخوته وأشقائه، والعديد من قرائه الذين يتابعون كل ما يكتب عنه.
وعليك أن تتأكد أن الذين ذكرتهم كلهم هم علي قيد الحياة، وهم مثقفون ويتابعون ما يجري في المشهد الثقافي الليبي وسمعتهم فوق الشبهات كلها، ومحبتهم للمرحوم ما زالت متصلة حتى هذا اليوم، من خلال تواصلهم بأسرة المرحوم وأخوته!
ودعني، يا صديقي العزيز، أقول لك معلومة حقيقية صغيرة خلاصتها أن في كل وسط ـ بما في ذلك الوسط الأدبي ـ لا بد أن تكون هناك فئة عاجزة عن إثبات جدارتها وحقها في الانتماء والبقاء كعنصر فعال في وسطها، فتحل أمراضها النفسية محل الموهبة والقدرة علي الخلق والإبداع، فتعيش علي مقدرتها، التي لا تخفي على أحد، بالاسترزاق علي عرق الآخرين، وعندما يكتشف زيفها تلجأ إلى الكذب والنميمة والتفرقة ـ قدر المستطاع ـ بين أعضاء الوسط كله. ولذلك دعني أهمس بود في أذنك لا تجعل من افتراءات الآخرين موضوعا مهما لحواراتك !! دعنا نتحدث عما قد يستفاد منه، أما الزبد فـدعه يذهب هباء!
* بكل صراحة ما هي الأشياء، أو الذكريات التي لم تكشف عنها في سيرة خليفة الفاخري الأدبية؟
لم أخف شيئا الاّ ما ليس له علاقة بسيرته الأدبية، وسبب ذلك نصيحة ثمينة من أستاذنا الكبير علي مصطفي المصراتي، وقفت هذه الأيام علي أهميتها. أما الأشياء
التي لها علاقة بالأدب ولم اكشف عنها فهي آرائه في عدد من الكتاب الليبيين، التي كنت أخالفه فيها ولكنني وقفت علي صواب ما كان يردده.
* من هم؟
لم يقل هو هذا الرأي في حياته، ولن أقوله في غيابه؟
* هل حاولت الخروج عن الجب الذي تأثرت به في كتابتك نتيجة صداقتك للراحل خليفة الفاخري؟
أنا أعتبر أن الفاخري - رحمه الله - أستاذي. ولكنني لست في جبه، أنا لي أدواتي ولأستاذي أدواته، أما ان رأيت أنت، أو غيرك، من خلال أسلوبي أنني في جبه، فذلك يعني بطريقة أو بأخرى أن أسلوبي صار في مستوي أسلوبه، وهذا فخر أطمع أن أصله . لا أنكر أنني كثيرا ما أبحث عن كلمة، أو تعبير ليخدم شيئا ما، فأجدها في مخزون ذاكرتي، وأكتشف أنها للفاخري. صدقني ان قلت لك أنني في كثير من الأحيان، أحاول بمشقة أن أجد بديلا لها فأخفق ! وكثيرا ما ألغيت جملا لهذا السبب! كما لا أنكر إعجابي في حبه، لدرجة التطرف، لقيم وقفت أيضا علي أهميتها.
* كيف تقيم تجربتك في المشهد الروائي؟
أنا قلت، وما زلت أقول كلماتي وأنا راض عنها. ولكنه، وبكل بالتأكيد، لا يحق لي أن أقيم هذه الكلمات .. القراء هم أصحاب الحق في ذلك.
* حدثنا عن روايتك (عرس الجمل) وما هي الأسباب وراء منعها من التداول؟
وهل صحيح أنها تتناول شخصيات معروفة؟
أولا رواية (ليلة عرس الجمل) لم يمنع تداولها، وهي لمعلوماتك قد اختارها أساتذة قسم اللغة الفرنسية، في السنة الدراسية الماضية، ليترجمها طلبة السنة النهائية كمشروع تخرج. ولو كانت ممنوعة من التداول لما صارت منهجا دراسيا جامعيا. وبهذه المناسبة أجدها فرصة عظيمة لأعبر خلالها عن امتنان الكتاب الليبيين الذين عرفوا ما قام به هذا القسم باختياره لنصوص كتاب ليبيين لتكون ترجمتها ودراستها، مشاريع تخرج لطلبة القسم. اذ قاموا في السابق، بترجمة نصوص للراحل خليفة الفاخري، وللأستاذ محمد علي الشويهدي.
ورواية (ليلة عرس الجمل) معروضة في عدد من المكتبات. كل ما هناك أن الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع قامت مشكورة بتوزيع عدد من كتبي وكأن يتحتم عليهم الحصول علي موافقة المطبوعات وكاتبوهم بهذا الشأن، ووقف الأمر عند هذا الحد.
أما كون أشخاص الرواية حقيقيين، فهذا افتراء، فمثلا طفولة (الدُقاق) بطل الرواية، هي طفولتي، وشارع محمد موسي هو شارعي، و(الدقاق) كان لقبا لي في طفولتي، ولكن أنا لم أتزوج بدنماركية، ولم أقيم خارج بلادي الاّ أشهر أما الأساتذة الذين ذكرتهم لي، تأكد أنني لا أعرفهم، حتى أنني لم اسمع ببعضهم أما ان تصادف تشابه في الأسماء والأحداث فذلك محض صدفة.
* لماذا لم يهتم النقاد العرب بالأسماء الليبية التي برزت علي الساحة مثل صالح السنوسي، باستثناء الاحتفاء البسيط الذي يلاقيه محمد الأصفر؟
أولا الدكتور صالح السنوسي، مثلا، معروف في الأوساط الثقافية المصرية، وأقام أكثر من محاضرة قيمة هناك .. النقاد العرب اهتموا بكل ما وصل إليهم من كتاباتنا، فسبق لهم وأن اهتموا بصادق النيهوم، وأحمد إبراهيم الفقيه، ومازالوا مشغولين بالأستاذ إبراهيم الكوني، وكتبوا عن الأستاذ علي مصطفي المصراتي والدكتور علي فهمي خشيم، والدكتور زياد علي، وعن الدكتور خليفة حواس، والأستاذ يوسف الشريف.. وعن كثير من الأسماء الليبية. ومنذ أيام اتصل بنا صديق يعمل بمكتبنا الشعبي بالمغرب الشقيق، وأفاد أن ناقدا مغربيا وقع ـ صدفة ـ في يده عمل من أعمال الفاخري وطلب أن نوافيه بكـل كتاباته قال: أنه وجد في كتابات الفاخري لونا بالغ الروعة . عدم الاهتمام بالأسماء الليبية مرجعه عدم وصول كلماتنا إليهم، واعتقد أن ذلك من وظيفة الصحافة والإعلام. دعني أورد لك مثلا بسيطا بعد صدور عددين فقط من مجلة (عراجين)، التي يصدرها الناقد إدريس المسماري في القاهرة التفت النقاد للأدب الليبي، حتى أن كلية الآداب بجامعة القاهرة طلبت منه اشتراكا في المجلة لتتابع الثقافة الليبية. وبعد صدور مجموعة الكتب التي نشرتها مجلة المؤتمر انتبه المثقفون العرب للكتابات الليبية وشرعوا في تناولها.
الكاتب الليبي يعمل جاهدا ليصل عمله إلى النقاد العرب، ويعي هذه المشكلة جيدا ولذلك عندما تسنح له الفرصة فلا يفوتها، تماما مثلما يفعل الأديب الدكتور زياد الذي يعمل حاليا في دمشق، في غير المجال الإعلامي، اذ لم يترك فرصة الاّ وقدم فيها الكتاب الليبيين ، وكذلك يفعل الناقد إدريس المسماري في القاهرة.
* برزت أسماء علي مستوي الرواية الليبية : صالح السنوسي، خليفة حسين مصطفي، محمد الأصفر. هل في تقديرك ان هذه الأسماء تمثل تجارب خاصة في الأدب الليبي عموما؟
لكل روائي تجربته الخاصة. والزملاء الذين ذكرتهم هم من ابرز روائي هذه المرحلة. وقد سبق وأن كتبت مقالا أسميته (معني الكلام في حلق الريح) عن رواية الدكتور صالح السنوسي، ذكرت فيها أن وصول هذه الرواية للنقاد في الوطن العربي سوف يكون سببا من أسباب انتشار الرواية الليبية، وأعجبت برواية خليفة حسين مصطفي (ليالي نجمة) وكان بودي أن يتناولها نقادنا ويعطونها حقها.
أما محمد الأصفر فأنا متأكد أن شأناً كبيراً سيكون له في الرواية الليبية، لو فقط ينسي ما أعجبه من كتابات محمد شكري، وجان جنيه! الأصفر روائي جاهز وليس مشروعا روائيا، انه كاتب موهوب للغاية!
في قصتك بابور بالا، تلتف إلى الذاكرة الإنسانية، فكانت صورة تعبيرية في الأسلوب والسرد، فلماذا غامرت بالنشر، ولم تكتف بمثل هذه الالتقاطات الإنسانية الدافئة؟
يبدو أن الذاكرة الإنسانية عندك هي ما تهتم بالجانب العاطفي فقط .. (بابور بالا) لا تختلف عن قصة (رجل لم يحكوا عنه)، سوي من الناحية التاريخية أو من الناحية الإنسانية!. و لا تختلف أيضا عن قصة (حميدة علي كلاي) أو (الحوات والقبلي) الفرق هو قصة الحب التي تناولتها في (بابور بالا) .. يا صديقي العزيز لكل عمل إبداعي محبيه. وتأكد أنه نادر ما يتفق القراء كلهم علي الإعجاب بعمل واحد من أعمال الكاتب .. خذ مثلا حازت قصة (ارنست همنغواي) العجوز والبحر علي شهرة واسعة بل هي التي جاءت له بجائزة (نوبل )، ولكن الكثيرين يرون أن روايته (لمن تقرع الأجراس؟) أفضل بكثير منها. بل أذكر أن ناقدا اسمه علي ما أظن (كارلوس بيكر) قال : أن أفضل ما كتبه همنغواي هو (ثلوج كليمنغارو). وهكذا .. ان ما تقوله يا صديقي العزيز رأي نسبي. الكاتب الحقيقي هو الذي تتعدد النسبية في أعماله. وهذا ما أشعر به.
* لماذا كتبت رواية (كوامي أيايا) أنا صراحة أشتم فيها رائحة الايدولوجيا؟ ما هو تعليقك؟
رواية (كوامي أيايا) مثل رواية (ليلة عرس الجمل) كلتاهما تبحثان في مسألة الهوية: أردت من (عرس الجمل ) إثارة سؤال محدد. هل للوطن، أو للمرأة علاقة بالهوية؟ هل الوطن هو الذي يمنحنا الهوية؟ وان كان الأمر كذلك، فأي وطن يمنحها لنا؟ هل هو المكان الذي نولد فيه؟ أم المكان الذي نعيش فيه؟ هل انتماء المرأة التي (نركن أو نستكين، أو نرتاح في أحضانها) يؤثر في هويتنا؟ أما (كوامي أيايا) أردت أن أثير من خلالها مسألة المعتقد الديني وتأثيره في هوية الإنسان؟
* أكثر النقاد الليبيين يهتمون بما يكتبه القاص أحمد يوسف عقيلة، هل تطلعنا علي رأيك فيما يكتبه؟
أحمد أحد أفضل كتاب القصة القصيرة في ليبيا. لقصصه رائحة أحراش الجبل الأخضر، بتراثه وأصالته. تشم في قصصه عبق الزعتر البري، وتتذوق ثمار الشماري، ويقشعر بدنك من نسيم الوديان. وتتدثر مقرورا، مع شخصياته، من جليد قمم (سيدي حمد الحمري). أقول لك هناك قصتان تمنيت أنني كنت كاتبهما: واحدة لأحمد يوسف عقيلة، والثانية للكاتبة الموهوبة نجوى بن شتوان.
القدس العربي
5/4/2005