القاهرة - سيد محمود

(باولو كويلهو يوقع ترجمة عربية لروايته "إحدى عشرة دقيقة"
أثناء زيارته القاهرة أخيراً. (الحياة)

الكاتب البرازيلي باولو كويلهو زار القاهرة أخيراً بدعوة من "مجموعة الجنوب للثقافة والتنمية" وهي مؤسسة أهلية. خلال الزيارة شارك كويلهو في لقاءات عدة في مؤسسات مدنية وغير رسمية. أمر آخر أعطى للزيارة أهمية خاصة انها جاءت بعد أيام من القمة العربية اللاتينية والتي لم تشهد الحضور العربي المتوقع. تنظيم الزيارة مبادرة مهمة من مبادرات المؤسسات المدنية لتعميق معنى التواصل الحضاري، لا سيما ان كثيراً من أعمال كويلهو وأبرزها "الخيميائي" و"مكتوب" و"الجبل الخامس" و"فيرونيكا تقرر ان تموت" تراهن على تنوع الثقافة الإنسانية وتواصل روافدها، فضلاً عما يحمله في رؤاه وقناعاته من احترام لافت للثقافتين العربية والإسلامية، ومن ثم أخذت لقاءاته في مصر شكل التواصل لا المناظرات، هذا إضافة إلى جانب حفلات للتوقيع على كتابه الجديد "الزهير" الذي ستصدر ترجمته العربية خلال أيام ويروي فيه صاحب "11 دقيقة" قصة كاتب مشهور قرر بعد اختفاء زوجته أن يعيد النظر في كل المبادئ التي اتبعها طوال حياته. والقصة التي يجري قسم منها في كازاخستان، تعالج مسألة الضمير الإنساني وهي بمثابة عرض للحب الزوجي، لكنها تتطرق أيضاً إلى علاقات خارج الزواج.
"الحياة" التقت كويلهو على هامش زيارته للقاهرة، وكان هذا الحوار.

* ما الهدف من زيارة القاهرة؟

- هذه ليست زيارتي الأولى التي أقوم بها للقاهرة فقد جئتها في العام 1987 بعد ان نشرت كتابي الأول "الحاج كومبوستيلا". ووقتها لم أكن معروفاً على نطاق واسع، جئت كسائح عادي ولكنني شعرت برهبة الوقوف أمام الأهرامات والمضي في الصحراء وكان بصحبتي رجل اسمه "حسان" أظن أنني لن التقيه أبداً بعد ذلك على رغم انه كان شديد الكرم معي. وفي الصحراء طلبت منه ان يصلي وقال في صلاته ما معناه "اللهم أعدني إلى طريقك لو ابتعدت عنه". وفي تلك الزيارة ولدت في داخلي نبتة روايتي "الخيميائي" التي حققت لي شهرة واسعة وبعدها توالت أعمالي ولم تتوافر لي فرصة لزيارة القاهرة إلى ان التقيت بالدكتورة هبة رؤوف عزت من مجموعة الجنوب للثقافة والتنمية في سويسرا وعرضت علي الفكرة فوافقت على الفور. وأكثر من ذلك جئت على نفقتي الخاصة على رغم ان ناشري هو ممول رحلاتي في العادة ويعتبرها جزءاً من مشاريع الكتابة. وبسبب رغبتي في الزيارة أوقفت حملة الترويج لروايتي الجديدة "الزهير" التي ستنشر في 83 بلداً وكانت طبعتها الأولى بلغت 8 ملايين نسخة.

* لاحظ المتابعون لبرنامج الزيارة انها خلت من لقاءات داخل مؤسسات ثقافية رسمية، هل هو موقف من تلك المؤسسات؟

- الأمر ليس كما تتصور ولكن الدعوة وجهت لي من هذه المجموعة واحترمت البرنامج الذي وضع لي لأنني كنت أرغب فقط في لقاء قرائي والتواصل مع بعض الكتاب إلى جانب الوصول إلى طريقة لتنظيم نشر مؤلفاتي في بلد عربي مهم وكبير، فللأسف كثير من أعمالي المنشورة في القاهرة نشر بطرق غير قانونية وما يهمني في المقام الأول هو وصول هذه الأعمال إلى القارئ العربي بوسيلة جيدة. فالمسألة ليست مسألة أموال فقط، وإنما رغبة في التعبير عن الامتنان إزاء ثقافة مؤثرة في تكويني. فالثقافة العربية كما قلت مراراً لعبت دوراً مهماً في التراث الإنساني فضلاً عن دورها في إثراء مخيلتي ككاتب، فهي أعطتني الكثير جداً وبصورة لا يمكن التعبير عنها بعبارات إنشائية تقال من باب رد الجميل.

* وما الذي أعطته لك هذه الثقافة على وجه التحديد؟

- لعلك لاحظت ان ثلاثة عناوين من أعمالي مأخوذة من أسماء عربية وهي ليست مصادفة وإنما هي في التعبير عن عمق هذا التأثير، فقد نشأت في بلد أقرب إلى بوتقة لانصهار هويات متعددة وفي القلب منها الهوية العربية التي تمثل بجاليات كثيرة منها الجالية اللبنانية ومن ثم كان للثقافة العربية حضور بارز على صعيد الحكايات المتداولة في الحياة اليومية والمنشورة بالذات في كتب الأطفال. ولا تنس تقدير كاتب معلم مثل بورخيس لكتاب ملهم وخالد هو "ألف ليلة وليلة" وهو تقدير محفز للعودة الدائمة إلى عالمه السحري والرغبة في اكتشاف منابعه عبر القراءة والرحلات وهذا الكتاب بالذات "ألف ليلة وليلة" هو أهم ما قرأت في حياتي وأدين بأقصى صور الفضل لبورخيس لأنه أعطاني شفرة التعامل معه.

* هل تعتقد انه بفضل هذا التأثير تميل أعمالك إلى نمط الحكاية أكثر من ميلها إلى الرواية بمعنى البناء الفني المعقد؟

- نعم هذا صحيح إلى حد ما، وهو أمر نابع من إيماني بطبيعة السرد في هذا الكتاب الخالد.

* في حدود ما قرأت حول أعمالك وجدت ان ثمة استخفافاً نقدياً بلغتها البسيطة حتى ان عدداً كبيراً من النقاد في العالم لا يدرج أعمالك ضمن ما يعرف بأدب "الواقعية السحرية" وتصنف في مرتبة أقل من مرتبة كتاب هذا التيار ورموزه على رغم توزيعها الكبير؟

- أولاً هذا أمر لا يزعجني إطلاقا. فلو ان ناقداً من هؤلاء جاء معي إلى الصحراء في بلادكم لطالب بتعقيدها بينما أرى أنا ان أجمل ما في الصحراء بساطتها، أما أنا فلا استطيع ان أصنف أعمالي فهي مهمة متروكة للآخرين ولا أعتقد ان هناك شيئاً اسمه "الواقعية السحرية" أكثر من كونه اسماً اخترعته الصحافة للإشارة إلى أدب يكتب في منطقة من العالم لتسهيل مهمة تصنيف الكتاب إلى مناطق، لكن ما أعرفه إنني مختلف عن الآخرين كما اعترف باختلافهم عني فلكل كاتب عالمه.

* اسمح لي: لاحظت انك دائم الاشارة إلى أرقام توزيع كتبك وهي كبيرة جداً كمحاولة لإرهاب محاوريك وأنا منهم؟

- يضحك قائلاً: ليس الأمر على هذا النحو وأرجو ألاّ تعتبره نوعاً من الغرور ولكن ما اقصده من وراء الاستشهاد بهذه الأرقام التدليل على ان رسالتي وصلت وإنني لم أعد وحيداً في هذا العالم كما كنت قبل الكتابة.

* البعض يصنف كتاباتك ضمن الأعمال الروحية ومن ثم كان غريباً ان تكتب رواية "11 دقيقة" وفيها هذا الاتجاه الايروتيكي الغريب على قارئك؟

- ليس هذا تغييراً في طبيعة ما اكتبه كما يظن هؤلاء وكما قلت لك فأنا في كل مؤلفاتي اعكس جزءاً من رغباتي وفي ذلك الكتاب كنت معنياً بالكشف عن رغباتي.

* في هذا الكتاب أيضاً تعتمد على مخطوط شفاهي لعاهرة برازيلية والرواية كلها اشتغال في هذا الإطار، هل تستوحي أعمالك عادة من وقائع تروى لك أو تقرأها على نحو ما حدث في "11 دقيقة"؟

- لا أعتمد هذا الاسلوب في كل كتاباتي ولكن عندما أجد حكاية مثيرة أفكر في استخدامها كإطار وهذا حدث أيضاً في روايتي الأخيرة "الزهير" التي تعتمد على أوراق مراسلة حرب كانت تعمل لمصلحة "الصنداي تايمز" اسمها كريستين لامب واستخدمت حكايتها كإطار لحمل أفكاري.
قبل احترافك الكتابة الروائية مارست مجموعة من الأعمال بدأت بعالم الصحافة ومرت بالمسرح الشعبي وتأليف الأغاني، ألا ينتابك الحنين مرة للعودة إلى هذه التجارب؟
- كنت دائماً أكتب واشتغلت في كل هذه المهن بدافع وحيد هو الكتابة كهدف نهائي وعندما تحقق لم أعد بحاجة إلى ممارستها ومن ثم فليس بداخلي أية لحظات حنين لهذا الماضي المملوء بالندوب والجروح وفيه ثلاث مرات في السجن وبضعة شهور في مصحة عقلية.

* في سنوات ماضيك هناك فترة حافلة بالنضال تحت شعارات ماركسية يسارية فما الذي تبقى من آثار هذه السنوات؟

- نعم في سنوات شبابي وصباي كنت يسارياً وقرأت كارل ماركس ولكني تركته عندما وجدت "البيتلز" و"الهيبيز" أكثر إثارة، لكن إيماني بالعدالة الاجتماعية والإنسانية وقيم التقدم والمساواة لا يزال قائماً وقارئ رواياتي سيكتشف بسهولة إنني أحث أبطالي على تحمل المسؤولية تجاه العالم وليس الأمل في إصلاحه أو تغييره وبهذا المعنى أنا ما زلت ماركسياً.

* هل لهذا السبب وجهت خطابك الشهير "شكراً مستر بوش" للرئيس الأميركي جورج بوش احتجاجاً على حرب العراق؟

- هذا الخطاب كتبته لأنني كنت وما زلت أعتقد ان حرب العراق جاءت لتزيد الأخطاء في هذا العالم وعندما تكون كاتباً وتشعر بمسؤوليتك في العالم، عليك ان تتوقف لتعلن موقفك بغض النظر عن الثمن الذي ستدفعه، فالكتابة مسؤولية والموقف هو الذي يعطي معنى للحياة.

* وهل تعتقد ان أبطالك أغنوك عن كتابة سيرة ذاتية؟

- أرى نفسي شخصية معقدة ليست في بساطة شخصيات أبطالي. وأرى كذلك ان كل شخصية تعبر عن جزء من هذا التعقيد، وتسهل علي معرفة ذاتي.

* ولكن ألم تفكر في كتابة سيرة ذاتية أتصور انها ستحقق مبيعات ممتازة؟

- كلما حاولت البحث في الماضي لاسترجاعه أشعر بملل. فما بالك لو جلست لأكتبه؟ أتصور ان الملل ساعتها سيكون قاتلاً. ولكن إحدى دور النشر الكبرى اختارت صحافياً يرافقني في رحلتي (كان معنا أثناء إجراء الحوار) اسمه فرديناندو ماريوس لكتابة سيرتي في الحاضر، أما تجربة الماضي فلا تزال صعبة ومؤلمة وتذكرها بحد ذاته عملية انتحارية وكتابي الجديد "الزهير" هو انعكاس لقلق كاتب إزاء ما كتب وبصورة تدفعه للنبش في ماضيه لأنه يعتقد انه لم يعد يملك أحلاما يسعى لتحقيقها وهي رواية لا أعتبرها نظرة إلى الماضي ولكنها مجرد صورة عنه وأتصور ان طبعتها العربية ستصدر أوائل حزيران (يونيو).

الحياة
2005/05/31