حوار: د. جمال المجايدة
أميرة البحيصي

في حوار شامل امتد لأكثر من ساعتين خرج الشاعر العربي الكبير احمد عبدالمعطي حجازي عن صمته, ووضع النقاط على الحروف بشأن قضايا عديدة تؤرق المواطن العربي البسيط من المحيط إلى الخليج.

وتحدث بصراحة عن موقفه إزاء جماعة كوبنهاجن (وسقوط المطبعين) وفشل رهاناتهم على إسرائيل بعد بزوغ فجر انتفاضة التحرير والكرامة في فلسطين. وفي هذا الحوار الخاص لــ (البيان الثقافة) لم يتردد الشاعر حجازي الذي قطع رحلة طويلة مع الشعر العربي قوامها نصف قرن, في الإفصاح عن مخاوفه إزاء المستقبل العربي بعد تراجع المشروع القومي, وشكل العلاقة بين الثقافي والسياسي ومخاطر المشروع الصهيوني على الهوية العربية لفلسطين. مؤكداً أن مبدأه في الأساس قائم على رفض القبول بمبدأ قيام إسرائيل لان الإسرائيليين هم الغزاة وفلسطين قائمة منذ أكثر من ألفي عام, ويعتقد بأن شعب الإسكيمو يعرفون أن فلسطين وطن مغتصب فما بالنا بالمطبعين العرب؟

* أنت من الشعراء المتميزين في عالمنا العربي, ما هي المرحلة التي تمر بها الآن تحديدا, هل هي كتابة الشعر أم النقد من خلال رئاستك تحرير مجلة إبداع؟ أم الكتابة النثرية في الصحافة العربية؟

ــ المفروض أن تكون هذه المرحلة هي كل هذه الأعمال مجتمعة, لأني أنا في الأصل شاعر, الشعر هو نشاطي الأساسي, وهو الشكل الأدبي الذي اخترته واختارني كما تقول واخترنا بعض التعبيرات الحديثة الذي ظهرت فيه وأصبحت مهيأ لان اقدم فيه شيئا لا أستطيع أن أقدمه في شكل آخر ولا يستطيع غيري أن يقدمه كما أقدمه أنا.
لكل شاعر لغته وخصوصيته وعالمه الشعري الذي لا يغني فيه شاعر آخر, هذا ولا يمكن أن يكون هناك شاعران جيدان وأن يكونا متفقين, يعني انه لا يمكن لأحدهما أن يحل محل الآخر أو يغني عنه وعلى هذا يفترض دائما أن لا أكف عن كتابة الشعر ولكني في الوقت ذاته تجاوزت المرحلة التي كنت أستطيع فيها أن اكتفي بكتابة الشعر أو أن لا أطالب إلا بكتابة الشعر. لأنه يحدث دائما الشاعر أو القصاص أو أي أديب آخر في أي شكل آخر يبدأ ناشئا فلا يطلب منه الكثير لا يطلب منه إلا أن يثبت جدارته في الشكل الذي اختاره للكتابة لأنه ينشأ في ظل أجيال سبقته ينشأ في ظل أجيال أخرى, هذه الأجيال الأخرى هي التي تملأ الساحة وتسد الثغرات وتنهض بالواجبات الأخرى والجيل الجديد عليه أن يثبت قدمه في مكان محدود حتى يتأكد للناس أنه جدير بهذا المكان, انه شاعر قصاص روائي مسرحي إلى الخ. بعد ذلك ما الذي يحدث؟ بعد ذلك يحدث أن الشاعر أو القصاص أو الروائي.. الخ قد يؤكد نفسه ويصبح له اسم وهذا الاسم يغريه أو يغري الآخرين بأن يطلب منه أن يقوم بواجبات أخرى. يطلب منه أحيانا أن يشارك في الحياة العامة وهذا ما حدث بالنسبة لنا في الستينيات شاركنا في الحياة العامة اصبح لنا صوت في السياسة مثلا. وبعد ذلك يمكن أن يطلب منه أن يشارك في تسيير الحياة الثقافية لأنه يصل إلى مرحلة من العمر يصبح فيها مؤهلا لذلك من ناحية ومن ناحية أخرى الأجيال التي كانت سبقته وكانت تملأ هذه الأماكن تكون قد رحلت وعند إذن تمس الحاجة إلى عمل ـ هذا الذي هو يحدث ــ وللأسف الشديد أنه لا يترك لنا الحق في أن نمارس كتابتنا التي تخصنا وأثبتنا أنفسنا فيها وجدارتنا وخصوصا في الشعر ــ للأسف الشديد ــ أن الشعر ليس كتابة يومية ليس كتابة منتظمة ولا يمكن أن يكون مصدرا للرزق ولذلك الشاعر باستمرار في بلادنا وفي بلاد أخرى في الغالب وإن كانت هناك استثناءات لا يزال مضطرا إلى أن يبحث لنفسه عن عمل آخر وهذا العمل الآخر كلما كان بعيدا عن الأدب كلما كان افضل حتى لا يختلط العملان. لكن يحدث غالبا أيضا أن يعمل الكاتب في العمل الصحفي كما حدث كثيرا مع معظم الشعراء العرب أو انهم اشتغلوا في التدريس أو الكتابة الصحفية مثل العقاد, صلاح عبد الصبور اشتغل بالكتابة. شاكر السياب اشتغل بالكتابة, صلاح جاهين... الخ) وهناك مراحل بالذات لا يستطيع الإنسان فيها أن ينعم بهذه العزلة بهذه الصومعة بهذا البرج العاجي تلك المراحل التي يحس بها الإنسان الشاعر لا أحد يحل محله للأسف في هذا المجال ليس فقط في الشعر حتى في الكتابة الصحفية, يعني أنا الآن اكتب مقالا أسبوعيا للأهرام تظهر يوم الأربعاء في ظني أني أؤدي واجبا في هذه المقالة لا أظن أن كثيرين لا أقول أني وحدي الذي يقوم به ولكن أيضا لا أظن أن كثيرين يقومون به, لا أدري هل أكون أم لا لكن على كل حال هذا ما يقال لي وأما اعتقد انه صحيح كذلك, على كل حال الآن أنا اكتب نثرا كثيرا, صحيح لا ازعم ولا يستطيع أحد أن يزعم أن نثري يقارب شعري, لان شعري يتفوق على نثري بكثير ولكن أيضا نثري مهم, ولكن أنا الآن ليس هذا كلام له علاقة بالخيلاء أو التظاهر أو بالشهادة للنفس ليس هذا هو القصد على كل حال أنا من الناس الذين تعبوا كثيرا جدا لكي يتقنوا العمل الذي يقومون به.

* هل يمكن القول انك اكتسبت شهرتك في أثناء المهجر فترة الغربة في باريس أم بعد عودتك إلى مصر؟

-ـ لا أنا اكتسبت شهرتي قبل المهجر وقبل العودة, كنت معروفا معرفة جيدة منذ أن نشرت قصائدي الأولى في أواسط الخمسينيات والى أواخر الخمسينيات يعني في عام 58 ــ 59 أستطيع أن أقول كنت مقروءا من المحيط إلى الخليج. كنت آنذاك في حوالي الثالثة والعشرين والرابعة والعشرين من عمري يعني بدأت بالنشر في سنة 1955 في ذات العام نشرت قصائدي الأولى في مصر في جريدة الرسالة الجدية وفي روز اليوسف وفي الجمهورية وبعد ذلك في نفس السنة أخذت انشر قصائدي في مجلة الآداب وفي ذلك الوقت كانت مجلة الأدب تقرأ من الماء إلى الماء كما يقال, وكان الاسم الذي يتردد فيها مرة أو مرتين تكتب له الشهرة وأنا كنت انشر دائما ليس مرة أو مرتين ولا ثلاثة كنت انشر ويكتب عني وديواني الأول (مدينة بلا قلب) طبعته الأولى ظهرت في دار الآداب كذلك في آخر سنة 58 ــ 59 وهكذا, ثم أيضا ارتبط اسمي في نهضة شاملة بالثورة في مصر وخارج مصر يعني فكرة الثورة العربية بشكل عام وهذا كله ساهم في أن يكون لي اسم معروف وهذا الاسم المعروف اكتسبته كما ذكرت في السنوات الأولى فذلك قبل سفري إلى باريس في 74 وبقيت في باريس إلى آخر 90 وفي تلك الفترة التي كنت فيها تقريبا كان اسمي فيها محاربا في مصر لأني كنت معارضا سياسيا كنت معارضا للرئيس السادات كنت أدافع عن فكرة الوحدة العربية ورسالة مصر العربية في المقاومة ودورها بالذات والقضية الفلسطينية بالإضافة أيضا إلى أني كنت في ذلك الوقت مازلت مؤمنا بأننا نستطيع أن نوقف النظام الاشتراكي في مصر ولكن طبعا هذا كله تغير يعني هذه القناعات حصلت فيها تغيرات كثيرة هذا هو الذي كان في أوائل السبعينيات مما أدى إلى صدام بيني وآخرين من المثقفين المصريين مع السلطة في مصر اضطررت في تلك الفترة لأن انفصل من مجلة روز اليوسف وعدة مرة أخرى في نفس العام بعد مرور 10 شهور ولكني لم استطع الاستمرار فسافرت إلى فرنسا واشتغلت استلذا للأدب العربي في جامعة باريس وبقيت في هذا العمل مدة 17 عاما بين 74 إلى أواخر 90 وبعد ذلك عدت طبعا ومن خلال السنوات العشر 80 ـ 90 كانت هناك دعوات تقدم لي من مصر للعودة وأنا لم استطع العودة إلا في نهاية 90 لأنه طبعا عندي أولاد وهؤلاء الأولاد دخلوا مدارس وجامعات ومن بقيت له سنة للبكلوريا والذي بقيت له سنتان لليسانس إلى آخر هذه المسائل العملية التي تتدخل في اتخاذ القرار. ولكن تركتهم على كل حال وعدت إلى مصر وحدي أولا ومن ثم لحقوا بي في الأعوام التالية.
مازلت معارضا

* هل ترى أن العوامل التي دفعتك للمعارضة في الماضي تغيرت الآن أم أن الحالة مستمرة ويجب أن يكون المثقف له دور؟ بعد عودتك من المهجر هل عدت بنفس المعتقدات أم أنها تغيرت؟ لنقول هل بقيت أصول هذه المعتقدات ثابتة والتغيير حصل فقط بالشكل الخارجي لها أم ماذا؟

-ـ أولا أنا تغيرت والبلاد تغيرت والعالم تغير ولكني لا أزال معارضا يعني لا أزال معارضا بأي معنى ليس على ذات الأسس التي كنت بها معارضا فيما سبق لان الاساس اختلف كل شيء أختلف, المعارض يعني أنني أمارس عملي كمثقف, المثقف في حقيقة الأمر معارض في كل الأحوال. المعارض في أي معنى بمعنى انه مرجع يعني هو مؤسسة أخلاقية يجب أن يلعب هذا الدور دور المؤسسة الأخلاقية, في كل مجتمع مؤسسات مختلفة هناك مؤسسات دينية ومؤسسات تشريعية ومؤسسات قضائية ومؤسسات تنفيذية.. الخ ما هو الدور الذي يلعبه المثقف؟ الدور الذي لعبه المثقف هو الدور الذي تلعبه الثقافة, الثقافة تلعب أي دور؟ نحن نستطيع أن نتحدث عن تعليم وتربية.. الخ والتزام بالمعنى العام وليس بالمعنى الضيق ولكني أتحدث عن الأخلاق بمعنى الضمير بمعنى أن المثقف عليه أن يظل ضمير أمته وضمير العالم وضمير الإنسانية, أنا معني اليوم بقول الصدق والتفتيش عن الحقيقة ومطاردة الأخطاء ولكن لا افعل ذلك كما يفعل الواعظ أو كما يفعل رجل البوليس أو رجل الآداب لا ولكن افعل ذلك من خلال ما اكتب. وما اكتب له شكلان, الشكل الأول هو الشكل الإبداعي فأنا من خلال القصيدة التي لا أقول فيها افعل أو لا تفعل ولكن أحاول أن اقض فيها حاسة الجمال والإبداع لدى القارئ ليحس انه إنسان وان العالم جميل وانه هو نفس جميل, وان الإنسان افضل واشرف بكثير من أن يداس أو يضطهد أو يسجن أو يحتقر أو يجوع أو يتألم وعلينا أن نحفظ للإنسان هذه الكرامة, كرامة أن يكون جميلا وكرامة أن يكون غنيا وآمنا وحرا ومن ناحية أخرى أدافع عن هذه الأخلاق بالكتابة المباشرة بالمقالة فأحاول أن افعل ذلك ولهذا اعد نفسي معارضا, لماذا معارض لأني اعتقد أن كل دفاع عن قيمة مطلقة هي معارضة بالقياس لمن يشتغلون بالجزئيات بالنسبيات يعني السياسي يقوم بما يمكن لكني أنا لا اكتفي بالإمكان أنا أطالب بما يجب أن يكون وانظر فيما يحدث هل هو خطوة فيما يجب أن يكون أولا وهكذا. ظل الآخرون ينظرون إلى ليروا هل هم مصيبون أو غير مصيبين يعني يجب أن أكون مرجعا بقدر الإمكان ولذلك أعول كثيرا على فكرة نظافة المثقف ونقائه, لابد للمثقف أن يظل نظيفا ونقيا ولابد أن يظل محترما.

* إلى متى سيظل هناك تأثير من السياسي على المثقف ولذلك تجد العلاقة بين السياسي والثقافي مشوهة في بعض الأحيان أن اصبح أداء لتلميع السياسي أو لابرازه للمجتمع بالصورة التي يجب أن يكون عليها؟

-ـ على المثقف بالاستمرار لان يعي دوره ورسالته وان يظل أمينا على هذه الرسالة ليس بمعنى ذلك أن كل المثقفين يظلون عند حسن الظن بهم أو يؤدون ما عليهم وأنا كذلك لا ادعي لنفسي هذا واترك هذه المسائل للزمن ولحكم الآخرين لكن بشكل عام آنا احدد الآن ما ينبغي على المثقف بصرف النظر عما يحدث بالفعل.
هل سقط المطبعون مع إسرائيل؟

* الأحداث الأخيرة في فلسطين وانتفاضة الأقصى أثبتت فشل رؤية جماعة كوبنهاجن ورؤية كل المطبعين مع إسرائيل, ماذا تقول الآن عن هذه المرحلة, وما هي توقعاتك للمستقبل فيما يتعلق بالتطبيع الثقافي مع الآخر؟

-ـ سوف أحدثك في هذه المسألة بصراحة شديدة أنا لا أقول بان هؤلاء أو أولئك فشلوا لان أنا أيضا لا مانع لدي من أن يجتهد من يشاء الاجتهاد في هذا الطريق أو ذاك والأيام كفيلة بان تمتحن الأعمال كما حدث هذه المرة وكل ما هنالك ليس علينا أن نراهن بكل أوراقنا في مكان واحد لا يصح أن نراهن أن كل هؤلاء الإسرائيليين جميعا على اختلاف الو انهم وأجناسهم ومصالحهم وأماكنهم هم مع السلام لا ينبغي هذا. وأيضا لا ينبغي أن يقال أن هؤلاء الاسرائيليين جميعا على اختلاف أجناسهم وأعمارهم وثقافتهم ومواقفهم وأحزابهم السياسية هم ضد السلام لا أستطيع أن أقول هذا إنما أستطيع فقط أن أقول لاشك من وجهة المنطقة لابد أن يكون هناك من يريدون السلام.
وأنا قرأت لمثقفين إسرائيليين كلاما يمكن أن يكون مجالا للحوار وقاعدة للآخذ والرد, أن نتفق معه بنسبة 50% 60% 30% لكن هناك ارض مشتركة لأنه ــ هذه النسبة قليلة جدا ــ لا ينبغي أن نزيف الحقائق بأن نقول انهم كثيرون ولكن أيضا لا ينبغي أن نزيف الحقائق فننفي وجودهم, ذلك لماذا ادعي أن كل الاسرائيليين مع السلام وأنا لست أيضا لست بما إني لست مغرما بالحرب لذلك أنا أستطيع فقط أن أقول عندما يكتب علي أن ادخل الحرب سوف ادخلها حتى لو أني لا املك إلا الحجارة كما يفعل هؤلاء الأطفال, لكن إذا وجدت طريقا للسلام سوف أسير فيه. لكن أنا لست المغرب الأول ولن ادخل هذه التجربة بدا أولا, يجب على الآخرين أن يثبتوا هم انهم هم مع السلام ويأتوا إلى, بمعنى آخر أنا لا أسعى للإسرائيليين لقد سعى إلى الإسرائيليون وحاولوا أن يتصلوا بي.
الجنرال بلي مثلا جاء إلي باري واستأذن في دخول درس كان يقدمه عني الأستاذ اندريا ميكيل في الكوليج ريفرنس وطلب هل يستطيع أن يحضر الدرس, وسأله هل أستطيع أن اسلم واحيي فلان فجاء واستأذنني فقلت أهلا وسهلا وحيانا هو وزوجته أو هو ورفيقته التي كانت أستاذة في الجامعة وهو كان أستاذ في الجامعة وطلب هاتفي وحاول الاتصال بي ولكنني رددته يعني تركت زوجتي تعتذر له بلطف أنا اعرف بان هذا الرجل هو الذي دخل لبيروت, وهو الذي اتصل بياسر عرفات وهو الخ وهو واحد من زعماء جماعة السلام الآن اعرف هذا لكني لست مستعدا لتلويث اسمي بكلمة تقال هنا أو هناك.

* نحن نحارب منذ 52 سنة على ماذا حصلنا, لننظر إلى المثقفين العرب في المهجر وحتى في الداخل ما مردود كفاحهم لتغيير الرأي العالمي وجذبه إلى قضيتنا العادلة في المطالبة بأرضنا وحقوقنا.؟

- لماذا لأننا نحن متخلفون انظروا إلي ما حدث لآسيا افترست آسيا وبالذات شرق آسيا الآن ينهضون ويتقدمون صناعيا وثقافيا, أمريكا اللاتينية لكن الآن أيضا ينهضون, كذلك علينا نحن أن نصنع نفس الشيء نحن في الـ 50 سنة الماضية. أنا شخصياً اعتقد أن الذي خسرته بالنظم المتخلفة البوليسية المستبدة التي استولت على بلادنا اكثر بكثير مما خسرناه على أيدي الاستعمار بل أني أستطيع أن أقول أن المستعمرين قدموا بعض الفوائد, ليس أنا الذي أقول هذا بصريح العبارة طبعاً مدوا طرقا وانشأوا محطات سكك حديد ومطارات... والخ يعني حدثوا. وهؤلاء العسكر أو الجماعات العصابات الحزبية التي استولت على بلادنا دمرت البلاد وبددت ثروتها وطاقتها وافترست أبناءها وأنا عندما الآن أرجو أن تقرئي شهادات بعض الناس الذين تعرضوا لمثل هذه المحن في السجون البلاد العربية لكي تعرفي ما الذي حدث. والهزائم التي منينا بها في الـ 50 سنة التي مضت لم نكن نستحقها إنما هزائم هذه النظم المنحطة.

* هل تعتقد الآن أن الشاعر العربي أو الشعر العربي عموما قادر على محاججة الآخر في طرحه بنفي وجود شعب ذي ثقافة عريقة في هذه المنطقة بفلسطين؟ لأن المشروع الصهيوني يقوم على نفي فكرة وجود شعب في فلسطين وهذا هو محور الصراع. هل تعتقد بأن الشاعر العربي أو الشعر العربي عموما نجح في محاججة هذا الطرح الخط العنصري الصهيوني.؟

-ـ اعتقد هذا... ليس الشعر العربي وحده وإنما النضال العربي.. نحن لم نحقق انتصارا استراتيجيا حتى الآن لكننا حققنا أشياء مثلا شعب فلسطين هذا عنصر لم يكن مطروحاً من قبل, الذي كان مطروحا من قبل هؤلاء العرب الذين في فلسطين, الذين نستطيع أن ندفع بهم بعيدا إلى الشرق... يذهبوا إلى الأردن أو إلى الشمال إلى سوريا ولبنان ونخلي فلسطين التي هي خالية.. يعني ارض بلا شعب ليسكنها هذا الشعب الذي هو بلا ارض. ولكن الآن لم يعد الأمر هكذا.. الآن يوجد شعب... هذا الشعب الفلسطيني يتجسد بأشكال كثيرة.. يتجسد في النضال اليومي ويتجسد أيضا بثقافته, فلا شك أن شاعرا مثل محمود درويش هو تجسيد لكينونة الشعب الفلسطيني, ولا شك أيضا قصة أميل حبيبي تختلف معه أو تتفق معه وتنتقده ولك الحق أن تنتقده, وأنا انتقده شخصياً ولكن هو أيضا كاتب من كتاب الشعب الفلسطيني... الخ, فإذن نحن مثل هذا الصراع الذي دخلناه هو صراع طويل وعنيف لأنه صراع معقد مركب.. أنت تصارع عدوا هو يغتصب بلادك باسم انه محروم من المأوى وانه بحاجة إلى الوطن والى الأمان وانه مضطهد وهو يضطهدك مبررا اضطهاده لك بالاضطهاد الذي لاقاه على أيدي الآخرين وهكذا. هناك اشتباه وهناك مشكلات وهذا ليس واضحاً للآخرين, وأنا شخصياً كنت حريصا على أن اقرأ ما كتبه الأجانب الذين احبهم واحترمهم عن فلسطين وعن القضية الفلسطينية مثل سارتر. كيف كان موقفه من القضاء الفلسطيني مثلا كتوفيوا باس شاعر المكسيك... مثلا دورين مات.. الخ. هناك شيء واضح وشيء غير واضح, الآن اصبح فكرة أن هناك حقين.. وأنا تناولتهما واثبت انهما خديعة لأنه لا يوجد في الحقيقة إلا حق واحد وانه في حق و أمر واقع يلبس لباس الحق هذا هو الذي يجب أن نتعامل معه ويجب أن نفهم أن الآخرين لا يفهمونه يعني الأمور ليست واضحة أمامهم بالنسبة لهم كانت هي واضحة بالنسبة لنا, ويجب أن نعلم كذلك أنا لنا لغات مختلفة, اللغات تختلف وانهم عندهم ظروف قد تدفعهم إلى ترجيح شيء لا يكونوا فيه على حق. ولكن أيضا لا ينبغي أن نرفض يجب أن نقبل الخطوة التي يخطونها في اتجاهنا وان نخطوا خطوة أخرى وان نعمق هذا ونشرح ولذلك نحن في حاجة بالفعل إلى أن نكشف دائماً حتى إذا اتخذنا موقعاً عنيفا عن إنسانيتنا, إنما فكرة الدبكة في الحرب والشعارات الدينية... الخ لا توصل أبدا حتى ولو نجحت نجاحا جزئياً لكنها لا توصل إلى شيء.

* ما هي اوجه الاتفاق والاختلاف بينك وبين الشاعر أدونيس؟

- لا أنا... اسمح لي.. شرحت هذا كثيراً و أظن أيضا من ناحية شرحه في بعض الأشياء, وهناك لي كتاب اسمه (الشعر رفيقي) في آخر هذا الكتاب محاورة طويلة أقامها بعض الأصدقاء بيني وبينه من بينهم وزير الثقافة المغربي اسمه محمد العيسى الآن هو وزير الخارجية ونشرت في بعض المجلات ثم نقلتها في هذا الكتاب وهو (الشعر رفيقي) بالإضافة إلى ما كتبته أنا في الأهرام وغير الأهرام حول هذا الموضوع. يعني الأستاذ أدونيس شاعر ومثقف عربي وله اجتهاداته سواء في كتابة الشعر أو بالنظرة إلى التراث العربي القديم أو في موقفه من القضايا المطروحة ومن ضمنها القضية الفلسطينية له الحق في أن يتخذ من المواقف ما شاء لكني فقط اشترط شيئا واحدا هو الصدق وان لا يكون هذا الموقف أو الخطبة أو ذاك هي للمصلحة يعني لربط علاقات أو لتقديم شيء في مقابل شيء لا ينبغي أن نتاجر بقضايانا الكبرى وإلا نسخرها لمصالحنا الشخصية, يعني أنا أردت مثلا أن يكون لي كتاب مترجم إلى هذه اللغة أو تلك أو أن ارشح لهذه الجائزة أو غيرها أن اذهب و أتطبع مع الاسرائيليين... لا..لا.. هذا لا يصح ولكن لو رأيت من الأخلاق ومن الحق في أني أحاور هذا أو أقابل المثقف الإسرائيلي أو ذاك حتى ولو عارضنا من الآخرين سوف افعل لأني أنا افعل ما أراه حقا وعلى الآخرين أن يحترموني يصح انهم يعارضوني ولكن لا أحد يتهمني.

* ماذا تقول عن محمود درويش وهل فهمت ديوانه الأخير سرير الغريبة؟ هل حصلت على جوائز أدبية وما هي أبرزها؟

-ـ محمود درويش شاعر كبير ولم اقرأ ديوانه الأخير. نعم حصلت على جوائز أدبية هناك جائزة اسمها جائزة الشعر كفافي وهذا الشاعر يوناني مصري ولد وعاش ومات في مصر وهو يعد من اكبر شعراء القرن العشرين اسمه قسطنطين كفافي وهناك جائزة رصدت لتخليد اسمه وأنا كنت من أول من حصل على هذه الجائزة وكان هذا سنة 90 وبعد ذلك رشحت لجائزة هي مرصودة لشعر القارة الأفريقية وحصلت عليها وكنت الفائز الخامس سنة 96 وأنا أول عربي يفوز بها وهناك أفارقة آخرون فازوا بها أولهم اتمسي شاعر ومناضل أفريقي الدلموني وأنا الخامس, ثم فزت بجائزة سلطان العويس سنة 97 في الشعر ثم فزت بجائزة الدولة التقديرية وهي ارفع الجوائز المصرية في الشعر في سنة 97.

* الآن كم بلغ إنتاجك الأدبي في مجال الشعر والنثر في مجال التأليف؟

-ـ لدي ما يقرب من سبعة مجموعات يعني 6 مجموعات منشورة والمجموعة السابعة تنشر قريباً ربما كان اسمها (ظلال الوقت) مجموعة شعرية, وهناك ما يقرب من 2025 كتاب في الدراسات الأدبية وخصوصاً الشعر في الدراسات بشكل العام سواء في نقد الأعمال أو الحديث في القضايا الثقافية.

* يقال انك تتعالى عن الشعراء الشباب وترفض العديد من إنتاجهم, ما مدى دقة هذا القول؟

-ـ لا أتعالى على أحد ــ هذا ما يقال ـ لكني أقول أني لا أتعالى على أحد لا على الشعراء ولا على الكناسين وأنا احترم الجميع كل البشر واحترم الكائنات الأخرى غير البشرية احترم القطط والكلاب ـ لا مأخذه ـ .. الخ و أعامل ذي روح حية معاملة جديدة جدا, يجب على الشاعر أن يكون شاعرا يعني عندما تلتقي بشخص يقول لك انه شاعر إذن اصبح هناك شخصان الإنسان والشاعر والإنسان دائما محترم يبقى الشعر هل هو شاعر أو غير شاعر أظن الآن أني مؤهل على الأقل بالنسبة لنفسي في أن اختبر إذا كان هذا الشعر شعراً حقاً أو لا, إذا كان شعرا حقيقياً فأنا اقبل الشعر وانشره وإذا كان شعره فيه قولان فأنا أرده وأنا إذا أنست فيه الفهم والأدب والقبول أهلا وسهلا وإذا غلطني ورفض أن يستمع فمن حقي أن اسخر منه ليس موضوع أن أتعالى عليه لكني مضطر لماذا.. ينبغي عليك أن تتذوق مثلاً هذه الكبة النية بأن تقول أنها صحيحة أو فاسدة أما في الشعر ليس من حقك أن تقول هذه القصيدة وهذه القصيدة صحيحة دائماً من واجبك أن تقول هذه القصيدة فاسدة إذا كانت فاسدة, هناك ما الذي حدث, الذي حدث انه في بلادنا لم يعد هناك أصوات شبيهة بأصوات الخنازير تقدم في الإذاعة والتلفزيون على أنها أصوات مغنيين أنت لا تستطيع أن تقبل كل ناعق باعتباره انه مغن ومطرب, أنت تذهب إلى الملاهي تجد فيها راقصة لا ترقص في الحقيقة كرقص سامية جمال وتحية كاريوكا و إنما تتقافز وتلعب بشعرها فتقول أن هذه المرأة ممسوسة وليست راقصة, يوجد الآن شعر وكلام ركيك حتى في الصحف الكبرى فتجد فيها أخطاء في المنشيتات من واجبك أن تقول هذه اللغة منحطة أن الأوان لكي نقول الصحيح ــ لا يصح إلا الصحيح ــ النقاد ارتشوا, نقاد السياسة ونقاد الأدب ونقاد الفن وكافة النقاد حتى نقاد الطعام الآن الدجاج الفاسد يباع في الدكان ولا أحد يقول حاجة, أن الآوان أن نأكل دجاجا طازجا ونقرأ شعرا صحيحا ونستمع إلى أغان حقيقية ونعيش في دول غير مزيفة ونظم حقيقية وديمقراطية. إذن لماذا يغضب البعض عندما نقول لا يا سيد هذه القصيدة حقيقية لك الحق في الجائزة فماذا فعلنا بكم وهذه القصيدة مكسورة فنقول له اصلح الوزن أو اللغة أو النحو تثقف واقرأ نحن جيل بلا أساتذة مادام بلا أساتذة تفضل مع السلامة هو يرفض, أنت من حقك بعد ذلك أن تقول له بعد ذلك مع السلامة.

* أين المرأة في شعرك؟

-ـ المرأة موجودة في شعري بقوة لان الحياة موجودة في شعري, هناك صور من صور الوجود مختلفة يعني هناك مثلا الصورة التي توجد عليها المرأة في شعر نزار قباني إذا تغزل في المرأة فالقصيدة هي لها, وبعد ذلك ينقل إلى الوطن يبقى وطن فقط هذا الفصل بين ما هو وطن وبين ما هو امرأة وما هو حب وما هو حياة ليس عندي, الحياة والحب والانقطاعات والفروق والفواصل, في شعري تحس رائحة الأرض والتراب والمرأة الجسد, وهكذا بدون فحش وبشكل مباشر إنما موجودة الحياة لأني علمت نفسي من البداية أن أقاوم مخاوفي وان أتجاوز الحدود التي يقف عندها الناس نفاقا أنا اقف عند الحدود الصحيحة التي يجب أن اقف عندها, يعني المرأة موجودة بنعومتها الأصلية وبدفتها وأمومتها وخصوصيتها وكبريائها, المرأة بالنسبة لدي مختلفة جداً عن المرأة في الشعر العربي المرأة التي هي للمتعة أو دمية, المرأة عندي الحب, رفيقة, مصدر من مصادر الحياة والمعرفة.

* برأيك هل الشعر استوعب كل هموم المواطن العربي؟

-ـ لا... لان مشكل الشعر ومشكل أي فن وبالذات في اللغة العربية أننا نعرف العالم عن طريق الأدوات, هذه الأدوات إذا كنا نتحدث عن الشعر فالشعر لغة, اللغة ليست مجرد كلام ولكن مفردات تسمى الأشياء إذا كان عندنا مفردات لا تسمى الأشياء أو مفردات لا تسمى كل الأشياء أو مفردات تسمى الأشياء, ولكن من بعيد يعني معرفة بالعالم ناقصة, للأسف الشديد أن لغتنا العربية حتى هذه اللحظة لا نستطيع أن نمضي في إحيائها إلى نهاية الطريق, يعني أن هناك عوامل كثيرة جدا ساهمت في إبعاد اللغة. تسمية الأشياء بدقة هي بالضبط نفس الأسباب التي تمنعك أن تنطق بالحقيقة أنت تقول من بعيد علشان تنجوي ــ تداخل هل في جميع المجالات أو في مجالات معينة- في كل الأشياء وخصوصا الأشياء الحديثة أشياء العصر نضع الكلمة في غير محلها أو في المكان الذي يناسبها.

البيان الثقافة 
الأحد 4 شوال 1421هـ 30
ديسمبر 2000-العدد 51