حاورته: سحر دهام
(بيروت)

عباس بيضونصدر مؤخراً عن دار الساقي في بيروت ديوان شعري جديد للشاعر عباس بيضون تحت عنوان “ب ب ب” مما جعل القارئ ينشغل بمحتوى هذا الكتاب وبما تمثله الثلاث باءات هذه في الإصدار الذي يحمل الرقم ستة عشر. “عكاظ” التقت الشاعر والصحفي عباس بيضون وكان هذا الحوار.

* ثلاث باءات تمثل أول حرف من المدن الثلاثة التي تحدثت عنها في كتابك ولكن ما سر هذا الغموض؟

- ليس هناك من غموض، هي أحرف المدن على التوالي، باريس، برلين وبيروت والعنوان بصراحة ليس من اقتراحي بل صديقتي الناشرة مي غصوب هي من اقترحت هذا العنوان وانا كنت متردداً فيه حتى لحظة ظهوره لأنني اعتبرته عنوانا يحمل الخفة إلا أن هذه الخفة قد تبدو كثيرة على رجل في سني لكنني بكل الأحوال لم اعترض وتناغمت معه واعتبرته مغامرة.

* لاحظنا أنك دمجت في الديوان بين القصيدة النثرية والنثر، هل هذا أسلوب جديد بخاصة وهل كثير من الشعراء يحذون الحذو نفسه؟

-أنا شخصياً أثمن القراءة التي تنتهي إلى أننا لسنا أمام قصيدة بل أمام نص شعري وهذا النص الشعري ليس مغلقاً وليس محصوراً بالشعر واذا جاء وقت بالغ فيه الشعراء بشاعريتهم فهذا لا يعني أن الباب الآخر أصبح مسدوداً، الباب الآخر باب النثر هو باب مفتوح وأنا من الناس الذين يرون أن قصيدة النثر ليست معادلاً للشعر وبالتالي لم اعتقد يوماً أنها تحل محله، كانت باستمرار نصاً آخر ونوعاً آخر وهذا النوع هو نوع مفتوح على كل الأنواع أي على كل الأنظمة الأدبية كالعاديات واللغة اليومية والعلم والفكر والفلسفة وأن هذا النص يصبح مقروء على كل الأوجه.

* تحدثت عن مراحل عشتها في المدن الثلاث هل نستطيع القول إنك كتبت خواطرك؟

-هي ليست خواطر ولا مذكرات، هو نص ينفصل تماماً عن صاحبه بمجرد أن يكتب أو ينشر ويتحول غير شخصي بالتالي فهو أبعد ما يكون عن الخواطر، طبعاً هذه النصوص تستدعي عناصر واقعية وعناصر من حياتي الخاصة وعناصر من العامة ولكن هذا لا يعني أنها كتابة تتجه إلى الاعتراف أو المذكرات أو سيرة ذاتية بل هي كتابة تستثمر الواقع والحياة الخاصة من أجل كتابة نص قادر على الانفصال عن صاحبه والتحول إلى نص عام غير شخصي بمجرد ما يصبح بين أيدي القراء.

* ثلاث مراحل في حياتك في ثلاث مدن امتلأت باللون الأسود والتشاؤم لماذا؟

-أنا من الذين لا يستطيعون أن يصنفوا الأفكار بين تشاؤم وتفاؤل، لا أظن أن هناك كتابة في العالم تخلو تماماً من التفاؤل، الأمل هو حياتنا البيولوجية مثل الدم الذي يجري في عروقنا، الكتابة نفسها نوع من الأمل، فنحن لا نكتب ونحن أموات ولا نكتب كأموات انا لست متشائماً ولكن في الحقيقة كلما تقدمنا في الأشياء نعثر بالاستمرار على أمور قاسية ونتخايل الحقيقة اذا وجدت دائماً قاسية وأتصور أن عمق الأشياء هو أيضاً قاس فالقسوة هي جزء من علاقاتنا ومغامرتنا في هذا العالم، النص هو نص قاس وليس نصاً تشاؤمياً.

* ما الذي ربط بين باريس وبرلين وبيروت غير حرف الباء؟

-لا شيء، النص الأول “كفار باريس” كتب منذ فترة طويلة حوالى 12 سنة بينما برلين بعد فترة وبيروت بعده بالسنوات الثلاث الأخيرة، عملياً ما أود قوله إننا لا نستطيع ان نجد صلة فردية بين هذه النصوص الثلاثة وهي لا تشكل أجزاء من رواية وانا شخصياً لا أنصح بقراءتها كذلك وكأنها ثلاثة فصول من رواية ما، كل نص على حدة وكتب على حدة بمتطلبات وآفاق مختلفة، فحتى اذا كان هناك نصان متقاربان في الكتابة ليسا متصلين بأي حال، وحدها القسوة هي التي جمعت بينها ولكن هذا ليس بالجديد، لأنني اعتبر أن كل كتاباتي قاسية.

* لماذا اخترت التحدث عن القسوة في هذه المدن وليس عن اللحظات الجميلة؟

-المدينة بالنسبة إلى الشاعر هي أمر يختلف عن جغرافيا المدينة ووجود المدينة نفسها، المدينة هي شكل الكتابة فعندما نفكر في المدينة نفكر بحالة من التفاعل والفوضى والتداخل والقصيدة عن المدينة هي كتابة مساحة شعرية بأصوات متعددة بعناصر متعددة، بآفاق متعددة.

* هل أنت من الشعراء الذين يعتبرون اننا في زمن لا مكان لشعر الحب فيه وعلى الشعراء أن يرتدوا ثوب المعركة؟

-الشعر الحديث هو شعر أقل حدة ولكن هذا ليس الزامياً وليس أمراً مفروضاً ولا اعتبر أن شعر الحب بات متخلفاً لكن الحب ليس موضوعاً متوافراً في الشعر الحديث وهناك شعراء حب كثر في الشعر الحديث مثل محمود درويش، فهو حتى في قصائد وطنياته شاعر حب ولكن في الشعر الحديث لم يعد موضوع الحب قائماً بذاته وابتعد الحب ابتعاد المناسبة الشعرية لأنه في الشعر الحديث تراجعت المناسبة الشعرية ولكن ليس بالضرورة أن يتحول الى السياسة، فالشعر ليس سلاحاً ولا عصا ولا أداة وليس وثيقة أو منشوراً، هو لا يخدم شيئاً ولا تُملى عليه واجباته ولا حتى شعاراته، هذا لا يمنع أن هناك شعراً سياسياً لكن الشعر السياسي لأن السياسة كالحب جزء اساسي وجوهري من مغامراتنا الحياتية، من وجودنا والسياسة كالحب مغامرة داخلية وميتافيزيقي أحياناً لكن الشعر السياسي لا يخدم تنظيماً أو حزباً أو برنامجاً سياسياً بل هو ينتج سياسته بنفسه وينتج افكاره بنفسه وتجربته السياسية بنفسه.

عكاظ