حاورها: حكيم عنكر

فوزية السنديالشاعرة البحرينية فوزية السندي، من الأسماء الشعرية، التي تجاوزت الحضور المحلي إلى الأفق العربي والدولي، إنها اليوم تكتب قصيدة دالة عليها وعلى وعيها الشعري وعمق ما تجترح من آفاق، وهي إلى جانب القصيدة التي يكتبها قاسم حداد وعلي الشرقاوي وحمدة خميس وايمان أسيري وأحمد العجمي وخالد الرويعي وغيرهم من شعراء القصيدة الحديثة في البحرين، تمتاز بعزفها المنفرد داخل هذه المجرة الشعرية الأكثر اقتحاما للمناطق الجديدة في مغامرة القصيدة.

فازت فوزية السندي في بداية الشهر الجاري بجائزة الكتاب في البحرين في حقل الشعر الفصيح، وهو تقدير يضعها أمام مسؤوليتها الإبداعية، ويرفدها بمزيد من القوة ل “علاج مسافة الشعر”.

هنا حوار معها حول أهمية الجائزة، ودرجة “تأهبها الشعري” للذهاب عميقا في قنص لا تراخيص له في غابة الكتابة:

* ماذا يمثل لك الفوز بجائزة الكتاب في البحرين في حقل الشعر العربي الفصيح، هل هو نهاية طور أم أنه بداية طور جديد في تجربتك؟

لقد اعتادت وزارة الإعلام في مملكة البحرين ممثلة بإدارة الثقافة والتراث تكريم الكتاب والأدباء من خلال إقامة مسابقة سنوية للكتاب المتميز في حقول متعددة منها الشعر والرواية والدراسات النقدية في مجال الأدب والمسرح والسينما والتشكيل والدراسات الإنسانية والاجتماعية والعروض المسرحية، ويتم من خلال لجنة التحكيم تقدير الفائزين في المراتب الثلاث الأولى.
إن حصولي على الجائزة الأولى في الشعر لا يشكل بداية أو نهاية طور في تجربتي الشعرية كما تفضلت، بل يمثل تقديرا أدبياً من المؤسسة الثقافية للمنجز الشعري بشكل أساسي، ودعما أدبياً للمشتغلين في الحقول الأدبية والمعرفية بشكل عام.

* هل تأخرت هذه الجائزة قليلا عليك بالقياس إلى عمر تجربتك الشعرية وغناها؟

طيلة الوقت كانت تجربتي الشعرية تمضي مكتنزة بذخيرة روحي، دون أن تنتظر ما يتقدم أو يتأخر، الشعر وحده هو جائزتي الحقيقية في هذه الحياة، لا تحتل الغبطة ذاكرتي وقلبي إلا أمام ما ينوع النص وحده، لم أنتظر يوماً تكريماً من أحد حتى يتأخر.

* “رهينة الألم” فيه أوجاع الأنثى وتباريحها، هل مفهومك للشعر هو جزء مما تكتبين؟

“رهينة الألم” تجربة شعرية أنجزتها في عام 2003 لتأتي مفعمة بالألم والأمل الإنساني وليس الأنثوي وحده، كما يراد عادة تخصيص كتابتي الشعرية بتضمينها البعد النسوي فقط، تلك الكتابة عاصرت من خلالها مشاعر الفقد لصديقة القلب الكاتبة عزيزة البسام ووفاة والدتي ووالدي تباعاً، خلال ما يقل عن بضعة شهور، فيها لقنني الألم طبيعة درس الحياة، وحكمة الموت، دونت ما استطعت شعراً، وما تبقى أراه يراوح في كل نص، أصغيت لحكمة أبي وجرأة أمي ونقاء روحها في مجابهة الحياة بكل شروطها المجحفة، امرأة استطاعت ببسالة أن تمنح الحياة كل المحبة، هذه المحن مست شغاف روحي، واثخنت حبري بالصور الشعرية التي شكلت رؤى “رهينة الألم” وهو عنوان القصيدة التي أهديتها لأمي، التي تمثل تحدي الروح الإنسانية عندما تتقد بالأمل دفاعاً عن الحياة رغم سطوة الألم وارتهاناته العديدة.

إن مفهومي للشعر يتجدد في كل تجربة حياتية احتدم بمبتغاها، كل رؤية تتناهض ضد كل هذا الظلام والظلم، أحاول من خلالها ترجمة عدة أحاسيس تعتريني كل نص.

* أنت الصوت النسائي البحريني الأكثر حضورا وقوة، ما الضفاف التي ترسو عليها قصيدتك؟

يتشكل المشهد الشعري في البحرين من عدة تجارب أدبية تتجاور لتخلق حديقة بهية، تتناغم بتلاوينها الإبداعية، بحرية تتناغم وكل عطورها لتشبه البحرين، لكل تجربة شعرية رحيقها المتفرد، ولكل وردة تألقها الذي لا يكتمل إلا بتألق الآخرين، كل الأوهام التي تروج لها منصات الثقافة العربية في الآونة الأخيرة من تفخيمات لفظية وتصنيفات غير نقدية، تمثل بالنسبة لي غواية للشاعر أو الشاعرة نحو النرجسية والغرور، علينا أن نهتدي بتواضع الطبيعة وهي تسرد لنا أسرارها، لا ثمة وردة أكثر تألقاً من غيرها من الورود.
في البحرين العديد من الأصوات النسائية في شتى الحقول الفنية، كلها تستضيء بحفر تجربتها بفرادة تليق بهذا الوطن.
قصائدي لا ترسو على ضفاف بل هي منشغلة بالاندفاع نحو غياهب الأفق، نحو عطايا الحلم وعطر الأمل.
من الصعب أمام الشعر، الحديث عن ضفاف يرسو عليها النص الشعري وله كل هذه الأشرعة، حرية الروح، خفق القلب، رايات الحروف.

* كيف تقيمين وجود الحق في الاختلاف الثقافي في المشهد البحريني، وهل هذا يمكن من إنتاج ظاهرة ثقافية على مستوى الخليج العربي؟

لا بد من الاختلاف لكي نكون جديرين بهذه الحياة، التي تعلمنا كل يوم معنى تجاور الأضداد ووحدة الوجود، ليس على المستوى الثقافي بل في كل شيء، المشكل الذي يثقل علينا راهننا الإنساني يتبدى في نزعة عدم قبول الآخر المختلف، عدم احترام حقه في المغايرة، وتقدير رؤاه المتخلقة من فرادته، هذا المأزق الحضاري يديم علينا نقمة العنف والنبذ وسطوة الاستبداد، لا بد من تجاور كل الثقافات والفنون، عبر شيوع قيم المحبة غير المشروطة التي نفتقدها في عالمنا الشرس.

في ما يتعلق بالمشهد الثقافي البحريني، أرى حدوث هذا التجاور والتحاور أيضا بين الأشكال الإبداعية المتنوعة، لقد أتقن الإبداع البحريني قدرته على الدفاع عن حريته منذ وقت طويل، جاهد من أجل حق الآخر في الاختلاف، وجهد من أجل استقلالية تنوعه، أما على مستوى الخليج فلا بد لهذه الظاهرة أن تتعمق أكثر، لكونها تمثل حكمة الحياة ذاتها، بالرغم من التناحر الذي نراه هنا وهناك، والتصدي الرافض لكل رؤية حديثة تتقد بمآلاتها، ومحاولات استيراد الماضي مرة أخرى، إلا ان صيرورة الحياة سوف تستمر في تلقيننا الدرس تلو الآخر حتى نتقن معناها.

الخليج
2006-07-17