(كان الرأي الحاسم والنهائي لي في القصيدة
وفي أي نص داخل مجلة "شعر" أو عن دار نشرها)

يقظان التقي
(لبنان)

شوقي أبي شقراشوقي أبي شقرا يتحدث عن تجربته الطويلة في الشعر والصحافة وعن مجلة شعر على امتداد أربعة عقود بشفافية وعفوية وصراحة كاشفاً بعض ما التبس في شعره، وفي كواليس مجلة شعر والعلاقات التي كانت قائمة بين شعرائها.
وفي هذا الحوار الذي نجريه بمناسبة صدور كتابه: "تساقط الثمار والطيور وتبقى الورقة"
يتحدث عن الخصوصية المحلية باعتبارها النبع الأساسي الذي به يمكن أن نستغني عن كل المؤثرات الخارجية.

هنا الحوار:

* * *

* خطيت منذ الستينات نمطاً وأسلوباً وقاموساً تعبيرياً لغوياً وعناوينك الشعرية عبرت عن رسم مشروع شعري كأن تبشر اللغة بالكاتب أو العنوان بالعبارة الشعرية كاملة كتعليق سياسي أو بلاغي أو إعلان على نحو عنوان مجموعتك الشعرية الجديدة:

ـ لي طابعي في العنوان الذي أضعه لمجموعتي ولي طابعي أيضاً في كل مجموعة أضعها مع عنوانها الذي أدركتك بعدئذ أنه يطول، وهذا ما لاحظه القارئ وكل من يشتغل بصناعة الأدب والشعر. والطول في عناويني الشعرية نابع من إيقاع داخلي فكأن هذا العنوان تلبية لحس داخلي ولإيقاع داخلي وكأن المجموعة الشعرية إنما تبدأ من عنوانها وليس من أول الصفحات في الداخل.
كان لي عنوان من كلمتين الأول "أكياس الفقراء" (1959)، والثاني "خطوات الملك" (1960)، واللافت في الأمر أن كليهما عنوانان لمجموعتين تقومان على بعض التفعيل وبعض الوزن ولما تم لي الاكتفاء بالوزن والتفعيل وانتقلت الى حرية التعبير الى موسيقى أخرى والى إيقاع آخر تبدل العنوان فوراً من نفسه وإذا به يطول من تلقائه ويصبح على هذا النحو "ماء الى حصان العائلة" وكان ذلك سنة 1962 في مجلة شعر وصدر عن دار المجلة ونال كما هو معروف جائزة مجلة شعر لتلك السنة وكانت الثالثة والأخيرة.
وأنت ترى من "ماء الى حصان العائلة" ثمة نمطاً في التعبير يختص بي وكذلك مختلف في إيقاعه وروحه وفي كونه ينبع من حركة داخلية هي حركة الذات وحركة المكان والموضوع ومجمل النسيج التعبيري. فكان أن ذلك المزيج من الجدة والتغيير اقتضى أن يكون العنوان طويلاً ليناسب المدى النفسي الرحب الذي يتمتع به النص أي نص "ماء الى حصان العائلة". واستطالت العناوين فيما بعد فلم تقف عند كلمة واحدة أو كلمتين لأنني أشعر بالضرورة أن يكون لي مدخل الى ما أريد قوله على وسع ما أنا أرغب فيه وعلى وسع ما عليّ أن أقوله، وأنا أضيف به الى ما عندنا من عطاء أدبي وخاصة من عطاء شعري إذ كنا آنئذ في الستينات في زهو المغامرة والبحث عن التغيير، تغيير النص الشعري والاتيان بما هو يليق بالمرحلة وبما يعتبر كأنه اكتشاف لا كأنه إضافة عادية الى ما سبق وتم.

فارس

* "ترجمان القنوط" و"حارس الليل يرقص" و"الصفّر كل الأيام ناطورنا" و"داخلاً في خريف الاسوداد".. وتقولون أيضاً "ولا نجاري الشعراء، إذ نأسف على جثة الأيام وحداد الفصول ويباس الإجاصة على قدر جماد أرواحنا وحجمنا يزداد بطلاناً يأوي الى الورق، وكل الى النحافة والقصب". كأنه ارتفاع في منسوب الكآبة والذاتية الحزينة؟

ـ لا تنسى أنني كنت كأنني فارس صنديد ويلبس دروعاً مثبتة من الحديد والنحاس وكنت وهذا دوري ولا أنكره في منزلة الذي يعطي دائماً. وهذا حظ أتيح لي فكنت إذ أعطي وأعطي وما كنت تقريباً آخذ شيئاً سوى كنز المحبة، محبة الناس ولا سيما محبة الشاعر والأديب والفنان وكل الشباب الطامحين الى أن يركبوا صهوة القمم ويسلكوا الطريق التي سلكناها ويذهبوا الى النزال معنا في سبيل قضيتنا التي هي قضية الشعر الجديد وهي ما حاولناه منذ مجلة "شعر" وأكملناه في الصحافة اليومية.

إذاً كأنني كنت في حصن منيع ولا يدري الآخرون أننا تعذبنا على قدر ما كنا في بهجة وعظمة من الأفراح والانتقادات قبل الحرب وكنا في موجة من السعادة لكوننا نلعب دوراً سامياً كل يوم وهنا الطرافة وهنا المتعة. كل يوم يقوم على كلمة واحدة، على الجمال وهو لا يكون ذلك كذلك من دون أن نستقطب الأقلام والأفكار وسائر فنون المعرفة ونتحدث خلالها عما بنا ونكتشف الزمن مرحلة وراء مرحلة بل نكتشفه لحظة وراء لحظة ونحن سعداء كما قلت ونحن في عذوبة ما بعدها عذوبة وربما لا تتاح لغيرنا إلا لماماً. ولما جاءت الحرب، صحيح أننا استقلنا خلالها وثابرنا على العطاء (مع القول أننا انقطعنا سنة 1976 سنة واحدة ثم عدنا في العام 1977) ولم ننقطع من يومها مرة واحدة فيما غيرنا توقف ولم يكمل وكأن الثقافة، بل كأن ما هو جميل يجب أن يتوقف ويحذف وأن تكون الأولوية فقط مما هو موت ودمار وسياسة قاحلة.
وتابعنا الطريق، الطريق الشاقة وسرنا في وعورتها سيراً حثيثاً حتى ليخيل للقارئ أننا طبيعيون وأننا لا نتأمل في حركتنا، وأننا لسنا بشراً ضعفاء. فكأننا قوم نحن أهل الصحافة والفكر يجب أن نكون في المقدمة مهما تبدلت الظروف ومهما تكسّرت النصال على النصال.
وهنا كنت في عداد الذين تأثروا بالحرب ووطأتها الكاسحة وجنونها الكافر بحيث أنني مع رفاقي تفرّقنا في أماكن عدة. ولكن كنت العصب والطاحونة التي تشتغل بالثقافة وعلى الآخرين أن يأتوا إليها بالقمح، وأن يكونوا حاضرين كل يوم في سبيل الكلمة وفي سبيل ما نحن في صدده من الغايات التي تصب في جمال الوطن ولا تصب في جنون الحرب.
وكان القادمون من كل لون ومن كل فئة. وتصور أن الحرب لم تقطع الصلة بل زادتها حدة وزادتها رهافة بحيث كان الآخرون من الأقلام العربية الشابة ومن الأقلام اللبنانية ومن الصحافيين ومن أهل البيت، كلهم في نشاط واحد، وفي سياق واحد الى أن يعطوا ويكتبوا وأن لا تهدأ الصفحة الثقافية في "النهار" مطلقاً، بل تبقى حيّة وشهادة ضد الموت وضد الغياب وضد الجنون. ولست أدري كيف مررت تحت تلك الظلال وتحت كل العوامل، وأدري شيئاً واحداً أن ذلك عكس على نفسي غلالة من الحزن ومن المرارة، وظللت مع ذلك أصبر طويلاً وأعمل طويلاً أكاد أعطي المثل مثل رفاقي الآخرين على أن الحياة أقوى وعلى أن العطاء في ظروف قاتمة أنبل مما هو في ظروف هادئة.
وأنت تعلم أنني في مرحلة تالية عملت في الصحافة اليومية مثلما عملت من قبل ساعات وساعات وصفحات وصفحات بحيث تنوّعت المواضيع والأفكار والنشاطات وكذلك على صعيد حياتي تارة نتعرف وتارة نجتمع. تارة تكون في سلام موقت وتارة في ماء عكر وسحابات متلبدة. وكل هذا يعكس في ذاتي خميرة سبق أن تمثلت في دواوين كما ترى في "صلاة الاشتياق" (1994)، وهي حملت ملامح أولية طبيعية من الأحوال التي عشتها ومن الظروف التي انغمست فيها. ولكن ظلت تملك رشاقتها وبعض الرقص والطرب في ثناياها، ولا بد أنها حملت تأثيرات وألواناً مما عشناها ولكن بصورة هي لمن يقرأها تخرج من فعل الكآبة والاندحار الى فعل التمتع بالحبور، بل بالبقاء في جو من الشعر الذي يجلي الأمل. وهكذا مغزى الأمر في "ثياب سهرة الواحة والعشبة" حيث تناولت من خلال هذه المجموعة الثانية التي تكمّل "صلاة الاشتياق" وهي الفاتحة في أسلوب يتجاوز من حيث الطموح التعبيري ما سبق لي أن فعلته. إذاً استمر في "ثياب سهرة الواحة" هذا النسق من الأخذ من الحياة التي نعيشها وطبعاً بقيت على استيحاءاتي وهي من الذات، وهي من المكان الذي أنا فيه ومن الطبيعة التي تحيط بي وغالباً ما تدلني على الحقيقة، حقيقة نفسي مثل أن تكون حقيقة الآخرين.
أنت تعلم لم أكن حزيناً آنذاك بالمقدار الذي ينعكس مسحة أقوى في كتابي الجديد "تتساقط الثمار والطيور وتبقى الورقة".

شوقي أبي شقراومثل ذلك، ولعلني أنني انتهيت من العمل اليومي وانتقلت الى حريتي، وكان لي أن فعلت "نوتي مزدهر القوّام" وهو أيضاً من حيث السياق والأنفاس يختلف عما سبقه، علماً أنه الثالث في السلسلة ومن النسيج الخاص الذي بدأ منذ "صلاة الاشتياق".
وكان الرابع الذي هو بين أيدينا وهنا غلبة للخميرة التي حدثتك عنها، خميرة الأسف والتحسر التي دفنت في نهر ذاتي بمثابة سمكة متحركة لم تظهر تماماً إلا في آخر ما كتبه، وهي غلبته لهذه الحركة من عدم السرور الذي مضى والذي كان يرافقنا حتى في أشد الأحوال إيلاماً، لأنه ينبع من العطاء أولاً قبل أن ينبع من النفس ثانياً.

استمرار

* إذاً ديوانك الأخير كأنه استمرار لأعمالك السابقة، هل أنت من كتّاب القصيدة الواحدة كبودلير ومارلرميه أو بروتون أم أنك تفجر مراحل ضمن القصيدة الواحدة؟

ـ الأرجح أني أعمل على تنويعات موسيقية بدءاً من ظلال تكاد تكون متقاربة وليست واحدة بالضرورة. وأقول أن هذه الختامية في رباعيتي التي بدأت منذ "صلاة الاشتياق". هنا وصلت التجربة عندي الى حيث أستطيع أن أصفها بأنها التي احتوت ما يجيش بي وما يضطرب وما يتحرك، وما يتناثر من جمل موسيقية ومن تفجرات في النهر الذاتي وما هنالك من مخيلة تذهب دائماً الى بلادنا كما هي عادتي
منذ البدء واجلب منها ما يسد عندي كل الرغبات الجمالية والفنية وما استطيع به أن انتج وأكون مكملاً لشروطي ومتفقاً مع تجاربي، وأنت تعلم أنها تجارب بدأت منذ الخمسينات وعمرها الآن 40 سنة ونيف وتكاد تبلغ أكثر من 50 عاماً. ولكنها مدرجة بمحاولات التجديد ولكن بدءاً من الخصوصية المحلية التي ترتقي الى منزلة الرموز. وهل نحن في حاجة إلى غير ذلك؟ هل نحن بحاجة إلى ما هو من خارجنا لكي نكون قادرين على صنع الرموز وعلى صنع امثلتنا وأمثالنا.

* تتحدث عن معيار العالمية في الشعر؟

ـ ما دمنا نملك معطيات وما نملك من غنى، وليس إلا الشعراء من يقدر على كشف هذا الغنى أو الثراء، أو على كشف هذا الغنى أو افتتاح ما هو كامن في طاقتهم وفي نارهم المختبئة. ولا بد لنا من ذلك. وهذا ما فعلته وما حاولت أن أضيفه الى النص. طبعاً بالشكل الذي هو لي وبالمفردات التي تنطلق من الواقعي ومن الموجود، ومن المتداول، أي من الحي لينزل في الكلام منزلة الفصاحة والبلاغة ويضاف كذلك إلى عطائنا الكامل والشمولي، وتلك هي الحال التي يطلبها الأدب منذ البدء، وتلك هي الغاية التي كلنا نطمح اليها.

مجلة شعر

* بالعودة الى مجلة شعر"، ثمة جدل حول مسألة المجلة في المرحلة الأولى ويحكى كلام عن التأسيس والإدارة، من فعلاً أسس مجلة الشعر وفكرة من؟

شوقي أبي شقراـ على علمي حول التأسيس ومن هو وراء الفكرة بالأساس. وهذا أمر ما كنا نتحدث فيه لأننا كنا نتحدث شعراً ومغامرات أولاً وأخيراً.
على علمي أن يوسف الخال هو من حمل الفكرة من أميركا من مجلة كانت تصدر هناك اسمها "شعر" وعلى حد علمي ان عزرا بوند (وأحدس هنا كذلك) ان يوسف الخال تأثر به جداً، ولكنه تأثر بالشخص وطريقته في الريادة وفي خدمة القصيدة الجديدة قبل أن يتأثر به شاعراً في تجربته وفي نصه.
إذاً حمل يوسف الخال الفكرة وجاء بيروت وكان ان انطلقت "مجلة شعر" ولتكن واقعياً هنا كان الأمر ليوسف الخال سهلاً الى حد ما لأنه يعيش في جو من الصحافة وجو من النشر معاً فهو صحافي اشتغل في جريدة "الهدى". وهو كذلك على صلة بالنشر من خلال أخيه رفيق الذي كان له مطبعة "الخال" في رأس بيروت قرب فندق فينيسيا، محطة غراهام. وأنت تعلم ان من يرغب في عمل نشري لا بد له من معرفة صحفية ومن ممارسته مهنية، ويوسف الخال كان الأقرب الى تنفيذ هذا الحلم الذي حمله من أميركا، ويوسف كان شاعراً معروفاً بأنه كتب الشعر على القافية والوزن وصدرت له مجموعات قبل أن يلجأ الى ما أعلنه وقال عنه إنه "الشعر العربي الحديث" والمجلة بدأت في سنة 1957، وكنا نحن في حلقة "الثريا" ادمون رزق وجورج غانم وميشال نعمة وأنا وسبق ان أسسناها سنة 1956. ومن حلقة "الثريا" خطوات الى الأمام باتجاه الحمرا سرتها ونزلت عند يوسف الخال وكان خميس مجلة شعر قائماً، وكانت المجلة بدأت تصدر، وأذكر انني في سنة 1958 وخلال الأحداث ذهبت الى "مجلة شعر" حاملاً قصائد لتنشر في المجلة، وصدرت لي آنذاك وكان مقر المجلة حيث قلت لك، وكان أدونيس موجوداً. وكان يتدخل في التحرير لا سيما المقالات والمعنى الفكري والترجمة. أما العنصر الصحفي المهني والتحريري فكان يوسف الخال أقرب الى التنفيذ في هذا الأمر لأنه صحفي ويدرك ما هي المهنة وكيف عليها أن تكون ويدرك كذلك فن الإخراج.

ومن هنا كان لمجلة شعر وجهها الطليعي من هذه الناحية وكان غلافها من صنع زوجته هلن الخال.
المجلة تطلبت تحريراً خاصاً وهذا معروف طبيعي فكان ان لجأ يوسف الخال اليّ لأكون سكرتيراً ولأنني كنت أقوم بهذا العمل، أي اكتب كل الأخبار والنشاطات وأترجم، وأضع ما ينبغي أن يوضع في مجلة فعلية وما يجب أن ينشر ولا يجب ان يكون منشوراً، أما ادونيس لعله وليس هذا بالأمر الغريب يفتقر الى بعض الحس الصحافي والتحريري وأما يوسف الخال فكان صحافياً مهنياً وأنا كان عندي هذا الميل وهذا الطبع العفوي، ناهيك بأن كل شاعر أدونيس وسواه له مساهماته الجلّى والقوية في المجلة على مدى عمرها القصير والطويل معنوياً والقصير زمنياً. وناهيك بأن ادونيس قام بينه وبين بعض الصحب، كما بينه وبين يوسف نوع من المنافسة ومن السيطرة أو ما نسميه "عداوة كار" أو ما هو أقل من ذلك، نوع من النفور وفي هذا كله تطور الأمر الى خروج ادونيس وزعل يوسف الخال منه مؤقتاً وهو ذهب في مشواره.
أضيف الى ذلك كله أن عمر الشهب دائماً قصير، وأن الوردة الفواحة يلبث عطرها ما يلبث الصباح كما يقول أحد الشعراء.

* هل هذا ما يفسر لماذا توقفت المجلة في المرة الأولى ثم توقفت في المرة الثانية؟

ـ المجلة كانت كأي مجلة لها رونقها ولها خاصة تلك الترجمات التي نورت الأذهان. وكادت تكون عادية ومجلة مثل غيرها لولا أن من خرجوا منها كانوا شعراء وكانت لهم تأثيراتهم وكانوا طليعيين. وأنتجوا في فترة من الزخم والحيوية إنتاجا يشهد له، واستمروا بعد ذلك خارج المجلة التي انطفأت كما يحب أن يطفأ مثلها وتلك حال الدنيا: بطلاً يهوي أخيراً، يصعد ثم ينزل وكان في نظري الخطأ الفادح ان صدرت مجلة شعر مرة ثانية بواسطة يوسف الخال نفسه، لكن في معزل عن رسالتها القديمة وعن مغامرتها الأصيلة، إذ شاءت أن تصدر أقل من عادية. وكان أنه بلا جدوى وبلامدى وبلا مبررات على الإطلاق.
توقفت بسبب الخلافات وكما ذكرت لك "عداوة الكار" والمنافسة والسيطرة والنمو الذاتي وكان أن انتقل الرأي من مكان إلى آخر.
في المرة الثانية لم أتدخل. كان يوسف يقوم بالواجب الصحفي واشتغل في "دار النهار" وكانت مرحلة سيئة كثيراً. فالمرحلة القصوى في عطائها هي المرحلة الأولى حماسة وعطاء وزخماً واندفاعاً. كل ذلك صب في المرحلة الأولى من "مجلة شعر". ما كان أي سبب لإصدارها مرة ثانية إلا كما شاءها يوسف الخال صحيفة مطبوعة واصل على إصدارها فلم تملأ فراغ نفسها ولم تستطع أن تملأ فراغ غيرها، ولم تأتِ بالواجب الوجوب لصدورها كما كان متوافراً لها في المرحلة الطليعية السابقة.

دورك

* ماذا كان دورك تحديداً في "مجلة شعر"؟

ـ كنت، ولا أقول ما هو غير معروف، كان الرأي الحاسم والنهائي لي في القصيدة، وفي أي نص داخل المجلة لينشر فيها أو عن دار مجلة شعر. والسبب أني تصاعدت من موقع المختبئ إلى موقع كاشف عن الرأي وكان يوسف يصدقني ويأخذ برأيي ويعتبر أن طريقتي في التعامل مع النص هي لصقله وجلائه وتهذيبه أي تحريره من عيوبه أي صناعة شكل لائق بالمضمون المتقدم والجديد. كل ذلك جعلني أكون قربه مشرفاً ومتيقظاً ومتنبهاً لهذه الآفة التي كافحتها في المجلة وفي بعض النصوص الشعرية ومارستها فيما بعد في عملي اليومي الثقافي بحيث كان يلجأ إليّ علانية أو في الخفاء جميع أو معظم الذين يرغبون بأن يكون نصهم لائقاً يتفق مع الأنفاس الجديدة ويتفق مع البلاغة الجديدة، ومع روح العصر ومع روح العام الذي نحن فيه أو منه ثقافياً في الدرجة الأولى.

# راحوا

* أنت احتضنت من موقعك في جريدة كبرى وفي مجلة شعر المثقفين والشعراء من وما الذي بقي منهم اليوم على صلة بك وما هو شعورك إزاء ذلك؟

ـ كلهم راحوا... كل إنسان ذهب في طريقه وماذا أقول: ان الأصدقاء قليل، حضر البعض في حفل توقيع كتابي الأخير ومن دون أن أظلم أحداً هناك محبون وهناك أصدقاء وكلهم في أي مناسبة كانت مشتاقون أو في حالة من اشتياق كاملة وفي حالة من الحنين المستمر إلى مرحلة عشناها وقد تكون ذهبت منا. ولكن ما تزال تخفق في حنايانا وهي أكثر تدفعنا كل ما التقينا إلى نوع من العناق والبسمات والضحكات. وهنا أتذكر مراحل العطاء الخصبة في أي حقبة من تاريخ العطاء الأدبي.

* مجلة شعر هي خلطة من الشعر القديم والجديد؛ جورج صيدح وخليل حاوي وبدوي الجبل... والكلاسيكيون الذين نشروا، ما هي الروح التي تبلورت بعد هذه الخلطة القديمة الجديدة؟

ـ ربما مجلة شعر، ربما لا تكون صورة صحيحة كاملة عن التجربة الشعرية الحديثة أو عن المغامرة بأسرها، ذلك أنها مجلة حاولت أن تستقطب الاتجاهات من مختلفة ومن قريبة وأنها من الدرجة الأولى كانت ذات منحى صحفي، أي يريد أن يحتوي ما هو جديد وكذلك ما يصنع من سائر الشعراء ولا سيما الفحول منهم الذين كانوا أحياء آنذاك: جورج صيدح وبدوي الجبل وخليل حاوي (على ضفة أخرى)، وأذكر أن بدوي الجبل كان تجاوب مع ما صنعنا وكان مثلاً يقول لي كلما التقيته معلقاً على قصيدتي "من أكياس الفقراء" ويردد و"تنقر الباب على الله"، وكان جورج صيدح مشاركاً في اجتماعاتنا، وكذلك كان من الشاعرات من هنّ في مشاركة روحية وحقيقية كفدوى طوقان وسلمى الخضراء الجيوسي ونازك الملائكة (مرت مرور الكرام).
تلك الصورة من "مجلة شعر" تعكس حقبة في حيرة من أمرها، إذ لم تكن القصيدة بعد واضحة في ذهن الشاعر نفسه فهل بدوي الجبل أو أدونيس أو جورج صيدح أو نزار قباني أو خليل حاوي وكلٌّ كان آنئذ يكتب قصيدة هي استمرار لخطه السابق، وذلك طبيعي في البدايات ومثل كل بداية نحن أيضاً مع حظ أوفر كنا نكتب جديداً دون أن ندري أنه كذلك ودون أن ندري أننا في مطلع مشوار طويل علينا أن نمشيه حتى الوصول إلى ما نحن له الآن في المجلة في غاية طليعية وفي غاية لا بد منها لتلتقي مع صناعة الشعر في بلادنا ومع صناعة في العالم. أي أن نكون عالميين لا أن نكون في قصيدة واحدة وفي نغمة واحدة، بل في موسيقى واحدة لا طائل منها. هي، موسيقى، سبق وحيت الحرية مقفل عليها ولا تخرج أبداً إلى الضوء.

نزار قباني

* وماذا عن نزار قباني وقد أتيت على ذكره في جماعة شعر؟

ـ نزار قباني كان ابن نفسه كل الوقت، وأعتقد أن مجلة شعر وأن تيارها لم يلقَ هوساً لديه فانعكس ذلك في نتاجه لأنه مسبقاً كان نزار قباني حدسياً، ولأن شعره بالذات كان عليه حيوية حاضرة في موسيقى أقرب إلى الطرب الكلاسيكي ولذلك كانت قصيدته منتشرة أكثر من قصائدنا ومن تيارنا ومن نظرياتنا كلها، ولكن نزار كان كأنه يرى أن اللعبة تتم خارجه ولذلك كان بين آن وآن يلتفت إلى الشعراء المعاصرين وكان يشتم جماعة منهم ويمدح جماعة أخرى، وكنت أنا من الجماعة الممدوحة وأعترف بأنه ذو نظرة حدسية نافذة في الشعر لأنه بالفعل شاعر ولأن قصيدته ثمينة جداً في التراث العربي.
ولكن فاتها أن تصل إلى روح التجربة التي كانت بين أيدينا وكانت مطروحة وتسببت لنا بالقلق أكثر مما تسببت له، وتحتاج إلى جهد وإلى انفعالات وإلى خصوصيات، وإلى مهارة كاملة، فيما لا تحتاج عنده سوى إلى الموهبة وإلى لون غزلي نضرٍ دمشقي الفنون ويكفيه ذلك وربما لا يحتاج إلى أكثر وإن نظرنا نحن نظرة مختلفة.

* أيضاً تحدثت عن شاعرات من هن في مشاركة روحية لماذا لا نعثر الآن على أسماء شاعرات كبيرات؟

ـ لفت نظري أخيراً أن النسوة الشاعرات عندنا في عطائهن أقرب إلى التراثيات وإلى البلاغة الموروثة أكثر منها إلى اللون الطليعي وإلى نكهة التجربة الحية، والتي توجب أن يكون السلوك فيها سلوكاً بالضرورة مختلفاً. هن لم يستطعن ذلك كلياً وإن كان لكل منهن شأن ووقوف على خطاب وخطبة هما أنثويان بالقوة ومطلقان من جهة أخرى. ولكن لا يعني ذلك أن الحس لديهن والنقد لديهن والرهافة أيضاً لا تمنعهن من الرؤية والترحاب بما يجري عندنا من تجارب ومن محاولات تجري في المغامرة. أذكر مثلاً ليلى عسيران وهي أديبة وروائية ولها أصولها ولها ذاكرتها والفصحى التي تقوم على ما هو أصولي تقريباً وكذا أفترض وعندما حرر كتابي "صلاة الاشتياق" كانت التي سارعت وأرسلت لي رسالة شخصية عمرها الآن 10 سنين وهي ما خبأته ولم أنشره في مكان سوى في هذه المرحلة وقالت في رسالتها "إنه كتاب صلاة هزني وحررني" وهذا ما يعني عندي أن نسوتنا يدركن ما هو سر الجديد إن كان جديداً، وإن كان سيصل إلى طموح يتلاقى مع الطموح الكامل من أولئك النسوة.

ناديا تويني نفسها وهي مرهفة جداً وشاعرة باللغة الفرنسية كذلك من اللواتي اعتبرهن رائدات في مجالهن وفي مجال القصيدة الجديدة. وكذلك الشاعرة هناء الأمين خاتون التي هي أيضاً في مصاف هؤلاء النسوة من حيث الرؤية ومن حيث التجارب التي تقدر والتي تحتاج الى من يكشف عن ألوانها الحسية.

* أنت انتقلت من "الثريا" الى مجلة شعر وانتقلت من الشعر التفعيلي الموزون الى قصيدة النثر، هل هناك علاقة بين الانتقالين؟

ـ العلاقة في ما يتعلق "بالثريا" ما كانت هذه الحلقة على الرغم من الصداقة والقربة الأخوية بيننا، ما كانت تلبي من عمقي ومن طموحي وهذا ما قلته مراراً، وما إن سنحت لي فرصة الاختيار بين واجبي وواجب القربى وواجب الطموح فكنت كما في المسرحيات ان اخترت المعركة أو طريق المعركة وطريق التجربة وطريق الطليعة. وكان الأمر على نوع على حدة وعلى نوع من الفوز فإن يفوز الخط الذي يربض على ما هو موجود وبين الخط الذي لا يهدأ والذي ينبض والذي يطلب ما ليس موجوداً. وفي ليلة معينة بدل أن أذهب الى "الثريا" حيث ينتظرني الرفاق وكان علينا إما هنا وإما هناك. وكان أن اخترت طريق الحمرا ولما وصلت في تلك الأمسية من أواخر الخمسينات الى منزل يوسف الخال في نزلة أبو طالب وكان الجمع مجتمعاً وكلهم هناك، وكان أني لما دخلت عليهم أن قاموا وصفقوا لي وكان أن دخلت في اللعبة تماماً وأن سرت في طريق المغامرة سيراً لعله لم ينقطع الى الآن كما أرجو.

* أنت شاعر خارج التصنيف، هكذا يقال والبعض يرى أن هناك مزيجاً من السريالية ومن مدرسة أو جامعة الحكمة ومن طليعتك الأولى ومن باطنية ومن توجهاتك الخاصة؟

ـ هذه الخصوصية عندي وهذا أمر حقيقي، وهذا اللون الذي قلته استبق الكلام عليه بأن الأمر كله مرتبط بالقيمة الأخيرة وهي الترجمة كما أن إنتاجي يتسبب لي بهذا الكلام وهو موجود في نصي، ويبقى البحث كم هو صواب هنا وكم هو صواب هناك.
إذاً أقول إن الترجمة كانت لي المنفذ المباشرة الى القارئ في الخارج، إذ ما أن ترجمت وأعطيك مثلاً عندما صدرت مختارات من الشعر العربي الحديث 1993 في باريس مع ليك نوران ورواد طربية وكانت قصيدتي "من ذات نبع" في هذا النص منذ تلك الأيام وهي مأخوذة من "ماء الى حصان العائلة"، مأخوذة من انبهار الطبيعة وشخصياتها وبالأشياء التي تملك الطبيعة وبالحيوان. كل ذلك كأن معكوس وموجود في تلك القصيدة الماشية التي تحكي من نبع يدخل من الحائط ويخرج منه في جمل لها موسيقى وإيقاع. وحين تحدثت إحدى المجلات عن هذه المختارات نشرت نصي نموذجاً. الى ذلك هذه القصيدة نشرها صلاح ستيتيه في كتابه "حملة النار" وما زالت الى الآن تنشر في مناسبات وفي مطبوعات.
أقصد أن الترجمة استمرت متفرقة وكل مرة تلك الدقة غير المعهودة وهذا مفروغ منه في ما أكتبه تلقى صدى في ذهن القارئ الغربي وتلك النكهة وتلك الفكاهة الحفية التي تملأ السطور.
كل ذلك ولن أطيل ما جعل نصي يعكس الآية وتنتقل النظرة الخارجية لتستقل عن النظرة الداخلية لتفرض شاعراً من هذه الأرض ومن هذين المكان والزمان. علماً أن النظرة هناك لم تتقبل كما قيل لي الأبهة الفكرية والأبهة المعنوية فلجأت الى نصي حيث الذات تتكلم وحين النكهة هي التي تسود.

* اللغة في شعرك أساس ولكن أنت ولتنفي الشكلانية تنفي اللغة باللغة، بمعنى أن الخلفية الإنسانية تاريخاً تغلف كل أعمالك الشعرية خصوصاً طفولتك وبيتك وعائلتك ومحيطك وحميميتك وعزلتك؟

ـ حساب اللغة حساب عسير عندي منذ أيام مجلة شعر وأقل نسبياً في حلقة "الثريا" حيث لم يكتمل التعاطي ولا التعامل ولا كانت اللعبة قائمة هناك.
في مجلة شعر كنت الذي أخذ قصيدة بدر شاكر السياب وعكفت عليها خلال جلسة في منزل يوسف الخال وقلت إنها تملك ألفاظاً يجب أن تزول وإن اللغة يجب أن تكون خالية من أي عيب ولا سيما في الوزن والقافية فكيف في قصيدة ليس عليها شرط سوى الموهبة وسوى الحرية والانطلاق. إذاً كان الحساب عسيراً وهناك خطورة تلك الأيام من حيث بقاء النص أو زواله. وكان انني على حذر آنذاك وكنت بعد في مطلع العمر. مع ذلك اشتغلت في هذا السياق كثيراً وأصلحت نصوصاً كثيراً وأنقذت قصائد لن أتكلم عنها الآن...
وفضلي هنا انني كنت المدرك والعارف أننا بدون هذه "الحفترة" وهذا النزول في منجم النص والذي يجب أن يكونا أساسيين وجوهريين نكون نعمل في الهباء.
منذ تلك الأيام وحساب اللغة عسير عندي واستمر في الصحافة التي مارستها في شقيها المهني الصرف وفي شقها الذي يمتلئ تماماً وهو الشق الأدبي والذي أتيح لي من خلاله أن أتعرف على نصوص كثيرة في عملي اليومي وأن أعكف عليها، أولاً لأنها تمر تحت قلمي، وثانياً لأنها في ذاتها تملك من يوجب أن يتم إصلاحه وأن يتم تدويره كما يقول الجاحظ وإبلاغه الى القارئ بحلة متينة قبل أن تكون "متسيبة"، وهذا أمر يندر في صناعة الأدب، إذ يظن من يكتب نصاً أنه حر كل الحرية في أن يطيل من هنا ويزيد من هناك ويضيف ويحذف من دون أن يراعي سير البلاغة التي ورثناها. وما هو مفيد عندي روح العصر والملكة التي يجب أن تكون لنا في مواجهة ما يتم وما يصنع وما يؤهل لأن نكون في موازاة كل الفنون وفي سائر الصناعات بحيث لا تكون القصيدة أقل قوة من إخراج فيلم ناجح أو قصيدة عصماء أو كل شيء مما هو متوافر لنا مما نسمع ومما نقرأ ومما نشاهد ومما يتساقط عليها من المرئيات التي لا تحصى والتي لا تعد.
وهذا الهم إضافة الى همومي الذاتية والفنية حملته في نصي منذ البدء وكما قال لي أحدهم بالأمر "هناك متانة لغوية على خصوصيتها" ليست الى حد ما موجودة في بعض النصوص العربية الفصيحة والقائمة أصلاً على مبدأ الفصاحة والسلامة اللغوية.

مدرسة لبنانية

* الى أي مدى يمكن أن يقال إن هناك مدرسة لبنانية في الشعر؟ فإذا كان ذلك صحيحاً فكيف يمكن تحديد ملامح هذه المدرسة؟

ـ وصلت ألينا في لبنان تجارب شعرية ونثرية اتضح أنها في معالمها لبنانية في سرها وفي علنها ولأن كانت الكتابة أصولية إن في النثر أو في الشعر فإنها على الرغم من ذلك لها غلبتها أي الغلبة الموطنية وغلبة المصدر الذي صدرت منه. هذا ليس عيباً وليس كذلك قيمة محددة إن لم تكن متوسعة بعدئذ الى حيث تكون شمولية وقابلة للظهور في كل حين ومجال ـ وأما في المرحلة التالية حين جاء جيلنا وليس كله كما تعرف من لبنان، فكان أن التجربة عبر بعض اللبنانيين كانت أوسع لعباً من مضمارها أكثر من قبل. وكان أن ملامحها الخاصة ورموزها الخاصة كان لها دور شديد السطوع بحيث ان ما كان خصوصياً صار في مرتبة أعلى بل في مرتبة أشمل بحيث يطل ولا سيما في القصيدة ومنها من بعد في الرواية وفي البحوث بحيث يطل في لغته العربية على التجارب الشاملة الأخرى كما هي توضع وكما يجري لعبها في كل مكان.
أي أن المسألة تبدلت في الموضوع أو الشكل وإذا ارتقى الموضوع ووضعت له أدوار أخرى في المجال المتلقي والإبداعي. هكذا ارتقى الشاعر والكاتب في نص واقف في مكانه أو هادئ الى نص مضطرب وبه طموح الى أن يصادف الآخرين وأن ينفتح بثيابه الذاتية وأن يقف على المسرح الشامل وقفة النهر للنهر وأن يطالب بحقه أن ينزل من النفوس هناك منازل النفوس القريبة منه.

* أنت شاعر من خارج العراضات الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية، هل أسهم هذا في تجديدك الدائم لشعر ذاتي خارج الواقعية السائدة بمتطلباتها الشتى؟

ـ أتيح لي في مقتبل العمر ومتى كانت الإيديولوجيات كلها بمثابة ترف ورفاه اجتماعيين. كأنني كنت الوحيد الذي ما لزمه شيء من هذا وإنما كان له شيء واحد يجول في صدره وفي رأسه هو الكلمة وأن يأخذها، بل كانت هذه الكلمة كما قلت سابقاً انها كانت لعبتي ولهوي وغيتاري الذي أسافر فيه الى كل إنسان وكل وجهة.
وفعلت ذلك حين كان البعض يقول إياك وأن، أو أسرع يا شوقي عد الى عشك. وأنا كنت جليساً بين الجميع من اليمين الى اليسار وذقت حلاوات كل اللقاءات ومع الجميع ـ وفي فترة تكاد تكون فضية أو ذهبية من حياة لبنان.

* ومن هم أصدقاؤك اليوم؟

ـ كثر، قلة من حيث المشاهدة وكثر من حيث الواقع، ومن دون ذكر أسماء.

المستقبل
الأربعاء 26 كانون الثاني 2005