حاورته: نوّارة لحرش
(الجزائر)

عماد فؤادعن قريب ستصدر للشاعر المصري المشاغب عماد فؤاد أنطولوجيا قصيدة النثر المصرية في الجزائر في إطار منشورات الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007. وتعد هذه أول أنطولوجيا خاصة بقصيدة النثر المصرية.

وقد اشتغل عليها بكثير من الحب والجمال وحاول أن يقدم أبهى ما يستطيع تقديمه في هذا العمل الذي خصصه تقريبا للجيل الجديد إيمانا ويقينا منه بأن هذا الجيل له الفضل الشعري/ الجمالي الأرقى على مستوى خارطة الشعر المصري الحداثي الذي يرى أنه ظلم كثيرا وما زال يظلم جهارا نهارا على أيدي الرواد ومن طرف المؤسسات الرسمية التي تجيد التهميش والإقصاء وتمارس السلطوية الأبوية الفوقية بكثير من الغباء والتعالي . ولأن الشعر سيد البهاء وفوق كل سلطوية فوقية جائرة كانت هذه الأنطولوجيا قبضة من النور تشق عتمة التهميش والمهمشين بكثير من الإصرار على الخير والمحبة و الشعر والشعرية التي لا تعترف بالقبضات القاسية للرواد والمؤسسات الممعنة في البلادة . وفي هذا الحوار يتحدث عماد فؤاد عن الأنطولوجيا منذ كانت فكرة مقترحة من بعض الأطراف الجزائرية المشرفة على مشروع ألأنطولوجيات الشعرية العربية إلى بداية الإشتغال على الفكرة / الحلم ،إلى فرح إكتمالها و شغف إنتظار صدورها في القريب الممكن .

* على ماذا استندت في اختيارك للأسماء الشعرية التي شكلت فضاء الأنطولوجيا الشعرية التي ستصدر قريبا في الجزائر ؟

- عماد فؤاد: استندت إلى مشهد الشعر المصري بكل ما يحتويه الآن من تيارات واختلافات تتفق في غالبيتها على كتابة النَّص النثري، لم أنحز مثلاً إلى جيل بعينه بقدر ما انحزت إلى القصيدة النثرية نفسها، الأنطولوجيا تضم شعراء من ثلاثة أجيال هي السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، وقلت في مقدمتي للعمل إن كل من
تورط في عمل أنطولوجيا من أي نوع يعرف أنه وهو يختار اسماً ما ليكون ضمن عمله إنما يقصي اسماً آخر، لذا فقد اعترفت منذ البداية، ومنعاً لأية عداءات أعرف أنها قادمة لا محالة، بأنني لم أستطع أن أضم جميع الأسماء التي تستحق أن تكون ضمن الأنطولوجيا، فهناك أسماء عديدة كانت تستحق التواجد لكن محدودية حجم العمل حالت دون ضم أسمائهم، ولست في حاجة إلى القول إن العمل حين طلب مني في البداية كان المسئولون الجزائريون يريدون ألا يزيد عدد الشعراء المختارين فيه عن عشرة أسماء، لكنني أخرجت العمل متضمناً خمسة وثلاثين شاعراً وشاعرة من مصر، ومن كان لديه اعتراض فليقدم هو أنطولوجيته بالشكل الذي يريده.

* الأنطولوجيا لم تضم بعض الأسماء المهمة في المشهد الشعري المصري الراهن كإبراهيم المصري الذي قال عنه أدونيس بأنه أهم صوت شعري مصري وفاطمة ناعوت؟

- عماد فؤاد: إبراهيم المصري ليس في حاجة إلى شهادة من أدونيس كي يكون شاعراً مهماً، وبالفعل كما قلت في إجابتي السابقة لم أستطع أن أضع كل الشعراء الذين يستحقون أن يكونوا في الأنطولوجيا، تذكري اسم فاطمة ناعوت ولا تذكري مثلاً أن الأنطولوجيا تخلو من أسماء أخرى أهم مثل محمد عيد إبراهيم وأحمد زرزور وعبدالمقصود عبدالكريم وعصام أبوزيد وعليه عبدالسلام وعلي عطا وغادة نبيل وفتحي عبدالسميع ومحمد الحمامصي ومحمود شرف وغيرهم، وكلهم يستحق أن يكون متواجداً في العمل، أي أنطولوجيا لا يمكن أن تضم الجميع، وإلا أنتفى عنها الإسم.

* من إقترح عليك عمل هذه الأنطولوجيا ، وكيف تلقيت الدعوة ؟

- عماد فؤاد: بدأ الأمر في الشهور الأخيرة من العام 2006، حين أتصل بي الشاعر الجزائري الصديق أبوبكر الزمال وطلب مني أن أقوم بإعداد أنطولوجيا للشعر المصري من وجهة النظر التي أريدها، كي تنشر أثناء احتفاليات الجزائر عاصمة للثقافة العربية في 2007، وأخبرني أن من أقترح اسمي عليه هو الشاعر المصري الصديق "علاء خالد" الذي رأى أنني قدمت شيئاً مختلفاً من خلال موقع "ديوان" الذي أنشأته على شبكة الإنترنت وخصصته لقصيدة النثر المصرية، ومن ناحيتي أخبرت الصديق أبوبكر الزمال أن الأنطولوجيا ستكون عن النص الشعري المصري الجديد وقصيدة النثر، وهو رحب بالفكرة وشجعني على إتمامها.

* هل تعتبر هذه الأنطولوجيا تكريماً وإنصافاً في ذات الوقت لهذه الأسماء التي اعتبرتها أنت مهمشة ومقصية من الدوائر الرسمية المصرية ؟

- عماد فؤاد: هي محاولة بسيطة منِّي لرد الإعتبار إلى هذا النص المغيب عمداً في مصر من خلال منابر رسمية وصحف تتشدق كل يوم بأنها راعية للجيل الجديد، والواقع أن ما من منبر رسمي حاول أن يرعى هذا التيار الأدبي والشعري، خاصة في ظل غياب مجلة أدبية تستطيع التعبير عن تيارات هذا الجيل المتعددة، بعد غياب مجلة القاهرة ووأد مجلة إبداع على يد المدعو أحمد عبدالمعطي حجازي وتابعه الأمين الدكتور حسن طلب، واختفاء مجلات الهامش التي كانت تجاهد كي ترصد كتابات هذا الجيل الجديد مثل مجلة الكتابة الأخرى وغيرها، لم يبق أمامنا سوى العمل الفردي، وللأسف لم يعد أحد يهتم بفعل شيء للآخرين، الكل مهتم بنفسه، وأنا لا ألوم على أفراد جيلنا أو الأجيال السابقة علينا، بل هو ظرف تاريخي يعاني من عاهات عديدة، ليس الشعر أبرزها بكل تأكيد.

* المؤسسة الرسمية لا تصنع أي شعرية أو جغرافيا إبداعية ؟ فلمادا نلوم عليها عادة ؟

- عماد فؤاد: نحن لا نلوم على أحد، وإنما نشير إلى موقف بعينه تتعامل من خلاله هذه المؤسسة تجاه كل ما هو جديد، أعرف أنه ليس هناك شاعر كبير صنعته مؤسسة ثقافية ما حتى لحظتنا هذه، الشاعر الحقيقي يصنع نفسه بنفسه، وهذا يكفينا، وهو ما يحدث الآن، سواء في مصر أم في بلدان عربية أخرى، لن تجدي داخل إطار المؤسسة الثقافية المصرية شاعراً واحداً حقيقياً، وهي حقيقة لا ينكرها أحد.

* المؤسسة الرسمية أيضا عادة ما تكون معادية لكل ما هو ثقافي وابداعي .

- عماد فؤاد: ولماذا نرتضي بمؤسسة رسمية هذا هو حالها، لماذا لا نحاول تغييرها وتحسينها، لماذا نرتضي لأموالنا التي ندفعها في صورة ضرائب أن تنفق في المهازل الثقافية التي تحمل اسم مصر، ويتشدق فيها أنصاف الموهوبين ومعدومي الموهبة بريادة كاذبة على مسمع ومرأى من الآخرين، لماذا لا ترد إلينا أموال ضرائبنا في صورة تفيد ثقافتنا وشبابنا ومواهبنا؟ الإستسلام لما هو حاصل الآن من فساد وتخبط في المؤسسة الثقافية المصرية بدأت ثماره تتعفن والكل يعرف ويرى، إذن هل نحن مطالبون بالتصفيق مع كل مهزلة جديدة فقط لمعرفتنا بأن مؤسستنا الثقافية تعادي كل ما هو حقيقي وإبداعي؟ أم نحاول رفع أصواتنا ولو بأضعف الإيمان كي نقول إننا بريئون من جرائمهم التي ترتكب بأسمائنا.

* أسماء الهامش ألا ترى معي بأنها أكثر فاعلية في إبداعيتها من الأسماء المكرسة عادة؟

- عماد فؤاد: ارجعي إلى مقدمتي للأنطولوجيا وستجدين أن ما تقولينه الآن هو ما قلته من قبل، وهي حقيقة لا ينكرها أحد، ولكن، وكما قلت، هل علينا أن نستسلم لهذه الصورة؟

* 35 شاعرا وشاعرة هي خارطة الأنطولوجيا الشعرية ..هل هذه الخارطة هي فعلا الأهم شعريا على مستوى القصيدة النثرية المصرية الراهنة ؟

- عماد فؤاد: ليست الأهم، لم يكن هدف تقديم الأهم نصب عيني وأنا أشتغل على هذه الأنطولوجيا، بقدر ما حاولت رصد صورة عما يحدث الآن في المشهد الشعري الجديد في مصر، من تيارات وأصوات مختلفة تتجاور جميعها تحت ما يعرف بقصيدة النثر المصرية، ذكرت لك من قبل أن هناك أسماء عديدة مهمة لم أستطع أن أدرجها في العمل بسبب من محدودية حجمه.

* قلت: ( طوال عقود خلت، و"قصيدة النَّثر" المصريَّة تتواجد في الظِّل؟) ألا ترى بأنها حققت تواجدها رغم ما مورس عليها من إقصاء وتهيش من طرف الرواد ؟

- عماد فؤاد: سأرد على سؤالك بما قلته في مقدمة الأنطولوجيا، قلت: (ستكون هذه الأنطولوجيا - في ظنِّي - هي الأولى من نوعها، وعلى الأرجح؛ ستكون أوَّل أنطولوجيا لقصيدة النَّثر المصريِّة تصدر حتَّى الآن بين دفَّتي كتاب، وليس غريباً أن تصدر في بلد آخر غير مصر، صدورها في بلد كبير بحجم الجزائر لا يدهشني كثيراً، بل يكاد يكون متسقاً أكثر مع طبيعة تلك النُّصوص وشعرائها، فحتَّى هذه اللحظة، لم تزل المؤسَّسة الثّقافية الرّسمية في مصر تتمسّك بشعرائها المكرَّسين لتزيد من تكريسهم، وتنفي شعراءها الجدد وكأنَّهم أبناء سفاح، ليكن، نحن أيضاً تعوّدنا على ذلك، على الرُّغم من أن شعراء قصيدة النَّثر المصرية احتلوا - خلال العقدين الماضيين - متن المشهد الشِّعري الرَّاهن، فيما تمَّت إزاحة الشُّعراء الآخرين إلى الهامش، حدث هذا من دون مساندة الصَّفحات الثَّقافية أو المنابر أو الدّوريات أو المجلات الرَّسمية المصريَّة البائسة، بل دعنا نقول إنَّ المبدعين المصريين قدَّموا خلال الأعوام العشرين الماضية منابرهم المستقلَّة، التي أخرجوها إلى النُّور من مالهم الخاص ووزَّعوها بأنفسهم، وهي التي أفرزت أجيال مبدعيها الرَّاهنين، تلك المنابر الثَّقافية التي جاءت كاستمرارية لحركة الطِّباعة المستقلّة، والتي بدأت تباشير ظهورها الأول في مصر عشيَّة الحرب العالمية الثَّانية، مع تأسيس جماعة "الفن والحريَّة" في التاسع من يناير عام 1939 بمبادرة من الشَّاعر السُّوريالي "جورج حنين" ورفاقه "رمسيس يونان" و"أنور كامل" و"كامل التِّلمساني"، هذه الجماعة التي أصدرت نشرة "الفن والحريَّة"، وفي العام التَّالي أصدرت مجلة "التَّطور"، والتي كان تأثيرها في الحركة الثَّقافية المصرية كبيراً، واستمرت المحاولات الدؤوب من المبدعين المصريين في إصدار منابرهم المستقلة، وصولاً إلى العقدين الماضيين، هل ننسى - مثلاً - الدّور البارز الذي قدَّمته مجلة مثل "الكتابة الأخرى"، والتي أشرف على إصدارها طوال عشر سنوات الشَّاعر "هشام قشطة" مع مجموعة كبيرة من الشّعراء والمبدعين المصريين الذين يتصدَّرون المشهد الإبداعي الرَّاهن في مصر؟، هل ننسى الدّور الذي قامت به مجلات أخرى أصدرها الكتَّاب المصريّون على نفقاتهم الخاصة وتوقّفت سريعاً بسبب تعثُّرها المادي، مثل: "الكتابة السّوداء"، و"الأربعائيون"، و"الفعل الشعري"، و"الجراد"، و"إيقاعات"، و"العصور الجديدة"، و"خماسين"، و"شعر" وغيرها؟، من هنا، ولكل ما سبق، نعتبر أن كلّ شاعر من الشُّعراء المتواجدين في هذه الأنطولوجيا، إنَّما قدَّم منجزه الشِّعري بعيداً عن ضجيج الأبواق الرَّسمية، منفرداً، وحيداً، لا يظلَّه إلا نصّه، وعزلته، وإيمانه العميق بما يفعل)، وأعتقد أن هذا رد كاف على سؤالك!

* أيضا قلت: " كلّ من تورّط في عمل مختارات شعرية أو إبداعية من أيّ نوع، يعرف جيداً أنّه وهو يختار اسماً ما ليكون ضمن مختاراته، إنّما يقصي اسماً آخر"، فهل تشعر بنفس الإحساس؟ وبحجم المسؤولية ؟

- عماد فؤاد: أشعر بأنني قدمت ما أستطعت تقديمه في إطار ما أومن به وما أتيح لي، وهذا يكفيني.

* ثلاثة أجيال في الأنطولوجيا السّبعينات والثّمانينات والتسعينات، هل تعمدت هذا حتى لا يقال مثلا بأنك همشت أو أقصيت جيلا من الأجيال ، هل هو نوع من إرضاء الأغلبية ؟

- عماد فؤاد: على العكس، لم أرض الجميع، ذلك لأنني حين أخترت الأسماء وجدتني أنحاز إلى الجيل الجديد من الشعراء، فحين تعدين كم اسماً من جيل السبعينيات في مقابل جيل التسعينيات ستجدين غلبة لأسماء الجيل الأخير على أسماء الجيل الأول، لو كنت أريد إرضاء الجميع لما ورطت نفسي في عمل أنطولوجيا منذ البداية.

* ألا تعتقد بأن إصدارك هذا قد يجلب لك بعض العداوات مثلا مع بعض الشعراء الذي لم تشمله الأنطولوجيا، فالأمر وارد بشدة أمام الكثير من الذهنيات غير المتفهة لهذا النوع من العمل؟

- عماد فؤاد: اكتساب العداوات أمر مفروغ منه ما دمت تقدمين شيئاً حقيقياً، ليكن، أنا في انتظار العداءات وقتما تأتي، لأنني ربيت نفسي على عدم الرد على أحد إلا عندما يستحق مني الرد، ولا أعادي أحداً، صدقيني، من يفتعل العداءات كثيرون، وهم في قرارة أنفسهم يعرفون أنهم أتفه من أن أرد عليهم.

* هل من كلمة أخيرة ؟

- عماد فؤاد: كلمتي الأخيرة هي أن العمل لم يصدر بعد، كنت أفضل أن نتم حوارنا هذا بعد صدوره، لنفترض الآن أن العمل لم يخرج لأي سبب من الأسباب، ماذا سيكون مصير حوارنا هذا (مداعبة !).

جريدة النصر الجزائرية
24 أبريل 2007

nouarala2@hotmail.com