مهدي‮ ‬سلمان‮
(البحرين)

أمين صالحتعدّ‮ ‬الترجمة في‮ ‬الدراما من حقول الترجمة التي‮ ‬تغيب كثيراً‮ ‬عن المكتبة العربية والبحرينية،‮ ‬وأكثر ترجمات الدراما في‮ ‬العالم العربي،‮ ‬تختص بترجمة النص الأدبي‮ ‬الدرامي،‮ ‬لا ترجمة الأعمال النقدية والتنظيرية التي‮ ‬تتناول الإشغالات الدرامية بكافة أنواعها من مسرح وسينما وتلفزيون وإذاعة وغيرها‮. ‬
أمين صالح اختار أن‮ ‬يشتغل في‮ ‬جانب مهم من الترجمة الدرامية،‮ ‬وهو الترجمة في‮ ‬مجال السينما،‮ ‬فأصدر عدّة كتب مترجمة في‮ ‬هذا الجانب منها كتاب‮ (‬السينما التدميرية‮)‬،‮ ‬وكتاب‮ (‬الوجه والظل في‮ ‬التمثيل السينمائي‮) ‬الذي‮ ‬رصد فيه علاقات الممثل السينمائي‮ ‬بكافة عناصر السينما،‮ ‬عبر ترجمات لمقولات أبرز وجوه السينما في‮ ‬العالم،‮ ‬وكذلك ترجم أيضاً‮ (‬النحت في‮ ‬الزمن‮) ‬لأندريه تاركوفسكي،‮ ‬وكذلك‮ (‬حوار مع فدريكو فيلليني‮)‬،‮ ‬هذا خلافاً‮ ‬لكثير من المقالات والترجمات الأخرى،‮ ‬
ونحن في‮ ‬رؤى نلتقي‮ ‬صالح ليحدثنا عن الترجمة في‮ ‬الدراما،‮ ‬عن خصوصياتها،‮ ‬وعن خصوصية تجربته فيها،‮ ‬مع صالح وهذا الحوار‮: ‬

ليس من مسؤولية‮ ‬المترجم ضمان تطبيق ترجماته

‮- ‬أعتقد أن على من‮ ‬يريد التصدي‮ ‬لترجمة كتاب في‮ ‬الدراما أن‮ ‬يكون محباً،‮ ‬بشكل حقيقي،‮ ‬للحقل الدرامي‮ ‬ذاته،‮ ‬وأن‮ ‬يشعر بأهمية وضرورة نقل الخبرة والمعرفة عن طريق الترجمة‮.. ‬أي‮ ‬أن‮ ‬يقتنع بأن الوسط الثقافي‮ ‬يحتاج فعلا أن‮ ‬يغذّي‮ ‬ذهنه ويعمّق وعيه باكتساب المعرفة من مصادر أجنبية‮. ‬
من جهة أخرى،‮ ‬لا بد للمترجم أن‮ ‬يكون واسع المعرفة وعلى دراية تامة بخاصيات المجال الدرامي،‮ ‬بعناصره ومصطلحاته ومصادره،‮ ‬لكي‮ ‬تكون ترجمته سليمة ودقيقة وغير ملتبسة‮.. ‬فأنت لا تستطيع أن تترجم في‮ ‬السينما‮ ‬بينما تعتقد،‮ ‬على سبيل المثال،‮ ‬أن كلمة‮ ‬editing‮ ‬تعني‮ ‬تحرير مادة وليس مونتاج‮. ‬إذن ليست مسألة إتقان لغة فحسب،‮ ‬بل الإحاطة المعرفية بدقائق المجال‮.‬

‮- ‬ليس شرطا أن‮ ‬يكون هناك تطبيق لكل النظريات في‮ ‬المسرح العالمي‮ - ‬كمثال‮ - ‬فالظرف التاريخي،‮ ‬والحاجة الثقافية أو الاجتماعية،‮ ‬ومتطلبات الوضع المسرحي‮ ‬الراهن‮.. ‬كل هذا،‮ ‬وغيره من العوامل،‮ ‬تملي‮ ‬نوعية الأعمال التي‮ ‬يحتاجها واقع معين‮.‬
لنأخذ مسرح برتولد بريشت ونظريته المعروفة في‮ ‬المسرح الملحمي‮: ‬لقد كان هذا المسرح منتشرا ومنتعشا في‮ ‬مختلف أقطار العالم في‮ ‬الخمسينات والستينات من القرن الفائت نظرا للمد الثوري‮ ‬آنذاك وهيمنة الأطروحات السياسية،‮ ‬اليسارية تحديدا،‮ ‬في‮ ‬أشكال الفن والأدب‮. ‬بعد تلك المرحلة،‮ ‬فرض الظرف التاريخي،‮ ‬بكل تحولاته السياسية والاجتماعية،‮ ‬نوعيات وأشكالا أخرى من المسرح‮. ‬لكن هذا لا‮ ‬يعني‮ ‬محو بريشت وإلغاء نظرياته من الذاكرة،‮ ‬فلا‮ ‬يزال بالإمكان ترجمة الدراسات والبحوث في‮ ‬هذا المسرح نظرا لأنها تدخل ضمن النسيج المعرفي‮ ‬للمسرح العالمي‮ ‬من جهة،‮ ‬ولأنها تحسب ضمن المؤثرات الهامة،‮ ‬بشكل أو بآخر،‮ ‬حتى على الراهن المسرحي‮ ‬والسينمائي‮.‬
ولا أعتقد أن من مسؤولية المترجم ضمان التطبيق العملي،‮ ‬في‮ ‬واقعه،للنظرية،‮ ‬أو للبحوث النقدية التي‮ ‬ينقلها‮. ‬أنت من خلال الترجمة تسعى إلى تقديم فكر معين،‮ ‬تسعى إلى تعميم المعرفة وإثارة الجدل والكشف عن أقاليم مجهولة،‮ ‬تسعى إلى تحريض الفنان على الاستفادة من أوجه ومظاهر معينة‮ ‬يحتويها الكتاب،‮ ‬أما الجانب العملي‮ ‬فمتروك للعناصر الفنية الفاعلة في‮ ‬الحقل الفني‮.‬
الجانب النظري‮ ‬والجانب التطبيقي‮ ‬أو العملي‮ ‬لا‮ ‬يسيران دوماً‮ ‬جنبا إلى جنب،‮ ‬أو في‮ ‬موازاة بعضهما البعض،‮ ‬بل‮ ‬غالبا ما‮ ‬يسبق أحدهما الآخر‮. ‬نقاد أنتونان أرتو لم‮ ‬يجدوا في‮ ‬عروضه المسرحية تجسيدا لنظريته في‮ ‬مسرح القسوة،‮ ‬إذ حتى أرتو نفسه لم‮ ‬ينجح في‮ ‬تطبيق نظرياته كلها،‮ ‬والذين جاءوا بعده بسنوات استفادوا منه وتأثروا به،‮ ‬أو بأوجه معينة من نظرياته‮. ‬

ليس هناك سبب واضح‮ ‬لعدم ترجمتي‮ ‬كتاباً‮ ‬عن المسرح

‮- ‬لا شك أن المكتبة العربية فقيرة في‮ ‬ما‮ ‬يتصل بالترجمة في‮ ‬مجال الدراما،‮ ‬ربما‮ ‬يعود ذلك إلى عدم رواج هذه النوعية قياسا إلى الرواية المترجمة،‮ ‬وربما أيضا بسبب ندرة المترجمين في‮ ‬الحقل الدرامي‮. ‬أما على الصعيد المحلي،‮ ‬فالمحاولات في‮ ‬ترجمة كتب الدراما هي‮ ‬قليلة جدا،‮ ‬إذ لدينا جهود د.محمد الخزاعي،‮ ‬وترجمة نعيم عاشور لكتاب مارتن إسلن عن أنتونان أرتو،‮ ‬وترجمة عوض‮ ‬غريب لكتاب بيتر بروك‮.‬
ملاحظتك بشأن‮ ‬غلبة ترجمة النصوص‮ (‬المسرحية تحديدا‮) ‬على الكتب النقدية،‮ ‬هي‮ ‬صحيحة،‮ ‬ربما لحاجة الفرق المسرحية العربية إلى نصوص عالمية قابلة للإعداد والتقديم،‮ ‬إزاء الغياب الواضح للنصوص المحلية،‮ ‬وربما لأن الدراسات النقدية لا تثير شهية العاملين في‮ ‬المجال الدرامي‮.‬
لكن في‮ ‬كل الأحوال،‮ ‬من الضروري‮ ‬ترجمة الدراسات النقدية لأهميتها من جهة،‮ ‬ولسد النقص الفاضح في‮ ‬المكتبة العربية‮.‬
بالنسبة لي،‮ ‬لم أترجم إلا في‮ ‬مجال السينما،‮ ‬إضافة إلى مقالات في‮ ‬التشكيل والأدب‮. ‬في‮ ‬الواقع،‮ ‬ليس لدي‮ ‬موقف من المسرح،‮ ‬وليس هناك سبب واضح لعدم ترجمتي‮ ‬كتابا عن المسرح‮. ‬تركيزي‮ ‬هو على السينما التي‮ ‬أحبها أكثر،‮ ‬والتي‮ ‬تثير اهتمامي‮ ‬أكثر‮. ‬ومعياري‮ ‬للترجمة هنا هو،‮ ‬بشكل أساسي،‮ ‬أن تدهشني‮ ‬المادة بعمق رؤيتها وسلاسة لغتها،‮ ‬وأن تضيف جديدا للقارئ‮. ‬

ليس لدي‮ ‬برنامج أو‮ ‬تخطيط مسبق للترجمة

‮ ‬

‮- ‬ليس شرطا أن تكون فيلسوفا حتى تقرأ في‮ ‬الفلسفة،‮ ‬ولا أن تكون عازفا حتى تقرأ في‮ ‬الموسيقى‮. ‬السينما جزء من ثقافتك حتى لو لم تمارسها‮. ‬بالتالي،‮ ‬فأي‮ ‬ترجمة لكتاب في‮ ‬السينما هي‮ ‬إضافة نوعية تفتح ذهنك ومخيلتك على فضاء إبداعي‮ ‬تتفاعل فيه كل مكونات وعناصر الأشكال التعبيرية‮.‬
كما قلت،‮ ‬عشقي‮ ‬وانحيازي‮ ‬للسينما هو الذي‮ ‬دفعني‮ ‬إلى قراءة ما‮ ‬يتصل بهذا الفن،‮ ‬بنهم وشراهة،‮ ‬وعبر هذه القراءة وجدت ما‮ ‬يستحق أن‮ ‬ينقل إلى القارئ العربي‮ ‬فعكفت على نقله‮.. ‬هكذا الأمر ببساطة‮. ‬ليس لدي‮ ‬برنامج أو تخطيط مسبق للترجمة‮. ‬ربما لو أعثر الآن على كتاب في‮ ‬المسرح،‮ ‬يثير اهتمامي،‮ ‬فسوف أقوم بترجمته‮. ‬لكن لدي‮ ‬الكثير من الكتب المهمة والقيّمة في‮ ‬السينما أتمنى أن أترجمها إذا أتيحت لي‮ ‬الإمكانيات والوقت‮. ‬

‮- ‬إزاء الكم الهائل من الآراء،‮ ‬أو وجهات النظر،‮ ‬المتباينة تجاه التمثيل،‮ ‬والتي‮ ‬طرحها الممثلون والممثلات،‮ ‬كان من الصعب عليّ‮ ‬أن أتبنى موقفا معينا من التمثيل،‮ ‬بمختلف عناصره ومصادره وأساليبه وتصوراته،‮ ‬بحيث أنحاز إلى رأي‮ ‬ضد آخر،‮ ‬أو أؤيد أسلوبا على حساب آخر‮. ‬لقد آثرت أن أكون موضوعيا في‮ ‬تناول وطرح المسألة دون أن أفرض على القارئ اتجاها معينا،‮ ‬أو أوجهه إلى ناحية محددة‮. ‬أردت أن أضع أمام القارئ كل ما‮ ‬يتصل بالتمثيل من خلال رؤية موضوعية،‮ ‬خصوصا وأننا أمام ممثلين‮ ‬يبدعون عبر أساليب تتعارض وتتناقض مع أساليب مبدعين آخرين‮.. ‬إذن ليس هناك من هو مصيب ومن هو مخطئ في‮ ‬رؤيته وفي‮ ‬أسلوبه وفي‮ ‬طريقة فهمه،‮ ‬هناك تعدّد وتنوّع واختلاف صحي‮ ‬وسليم ومطلوب‮.. ‬ولا أعتقد أن مثل هذا الطرح‮ ‬يربك ويشوّش القارئ،‮ ‬على العكس،‮ ‬أعتقد أنه‮ ‬يثري‮ ‬مداركه ويجعله‮ ‬يتخذ موقفا مرناً‮ (‬وديمقراطيا‮) ‬من الأشياء التي‮ ‬يراها ويختبرها دون حاجة للانحياز والتعصب.

الأيام- 29 – 9 -2007