حاوره: مصطفى لغتيري

ياسين عدناننظم الصالون الأدب – فرع مراكش - يوم السبت 15مارس 2008 نشاطا ثقافيا كبيرا ، تحت عنوان "ملتقى الحمراء للشعر و الشعراء" ، حضره عدد كبير من الشواعرو الشعراء من مدن مغربية مختلفة ، كما ألقيت خلال هذا الملتقى مداخلات نقدية، انصبت على التجربة الإبداعية للأديب و الإعلامي ياسين عدنان ، احتفاء به و بالجيل الذي ينتمي إليه ، وقد كان لنا على هامش الملتقى هذا الحوار مع المحتفى به.

1- المبدع المتعدد ياسين عدنان، ما هي انطباعاتك حول التكريم الذي خصك به الصالون الأدبي- فرع مراكش؟

- كان هذا الاحتفاء فرصة فاتنة لكي أستمع لعدد من الأصوات الجديدة التي تلت كوكبتنا نحن. أصوات يؤكد بعضها فعلاً أن الدينامية الشعرية الجديدة في المغرب لا تزال قادرة على اقتراح المزيد من التجارب القوية. أيضاً أن تجد نفسك محاطاً بأجمل شعراء مراكش من مختلف الأجيال أمر آسر جداً. لذا لا يمكنني إلا أن أشكر الأصدقاء في الصالون الأدبي على هذا الملتقى الشعري الذي يجب أن ينتظم ويشتغل في كل دورة على اسم شعري جديد نتحلق حوله ونتأمل في تجربته. والأكيد أن مثل هذه اللقاءات، والجانب النقدي منها بالخصوص، سيتيح لنا فرصة تقييم المنجز الشعري المغربي الجديد وأهمية إضافاته.

2- خلال هذا التكريم انصبت مداخلات النقاد حول تجربتك الشعرية والقصصية. هل استطاعت هذه المداخلات ملامسة العالم الإبداعي لياسين عدنان؟

- فعلاً، لقد فتح الأصدقاء الذين شاركوا في الندوة الصباحية حول تحولات الشعرية التسعينية أكثر من شرفة على خيمتي الإبداعية. فمن الممتع، والمفيد أيضاًً، أن يرى المرء وجهه الأدبي في مرايا الأصدقاء. وأعتقد أن ما نفتقده في المغرب هو هذا الحوار ما بين الشعراء والنقاد. فالمفروض أن يتكرس هذا الحوار كتقليد وتتيح له المنابر الثقافية والأدبية وكذا الإطارات والجمعيات الثقافية والأدبية المزيد من الفرص ليترسخ. فكل المداخلات التي قدمت في الندوة كانت بالنسبة لي مضيئة وعميقة وسأستفيد منها بالتأكيد.

3- ما هي الإضافات التي تشعر أن جيلك أضافها إلى المتن الشعري المغربي الحديث؟

- هل أقول قصيدة النثر؟ هذا هو عنوان الجيل والمرحلة. لكن حتى قصيدة النثر لا تكفي في الواقع لتأطير ما اصطخب في الساحة طوال العقد التسعيني. فالانشغال الأهم لشعراء هذه التجربة في اعتقادي هو البحث عن لغة تتوسّل الكتابةَ أسلوباً للوجود عبر لغة أضحت لغة كينونة في المقام الأول، لغة يتمرأى فيها العالم والوجدان إذ هي جسرُ الشاعر نحو ذاته وشرفته الأثيرة على العالم. هذا الرهان بالضبط هو ما جعل الشعراء التسعينيين ينفتحون على قصيدة النثر ليس لاقتناعهم التام بها كشكل فني، وإلا فإن الاختيار سيكون ضيقاً. وإنما بسبب الممكنات الجديدة التي يتيحها هذا الشكل على مستوى اللغة والتخييل. فالشعراء الجدد، حتى من كتب منهم مثلي قصيدة التفعيلة في السابق، لم يعودوا قادرين على ترتيب الفوضى، لذا فضلوا الانطلاق عبر المساحات التخيلية واللغوية والإيقاعية الرحبة لقصيدة النثر باعتبارها الأقدر على استيعاب انفعالاتهم، انفلاتاتهم، وتصدُّعاتهم أيضاً. وعموما، فمن خلال الانفلاتات القوية التي حققها عدد من شعراء هذا الجيل صار للشعر المغربي إشعاع أكبر في المشهد الشعري العربي وذلك حتى قبل أن يبلغ الانفتاح مداه مع ظهور الانترنت.

4- مراوحتك بين الشعر والقصة، ألا يطرح أي إشكال إبداعي بالنسبة إليك؟

- على العكس، فأنا أستمتع بخيانة القصيدة مع القصة وخيانة القصة داخل خدر القصيدة. المهم بالنسبة لي هو أنني لا أتجرد من الشاعر تماما حينما أكون بصدد مراودة قصة ما عن تفاصيلها. كما أن هناك الكثير من السرد في ما أكتب من شعر. وعموما فنصوصي الأولى زمن اليفاع كانت قصصاً رغم أن أول إصدار لي كان ديوانا شعرياً.

5- توّج برنامج مشارف الذي تعده وتقدمه على شاشة القناة (الأولى) المغربية كأحسن برنامج ثقافي لهذه السنة. ماذا يمثل بالنسبة إليك هذا التتويج؟

- إنه محفّز آخر على المزيد من الإنصات إلى تحولات الساحة الثقافية وديناميتها. لدينا بلد غني ثقافيا رغم ضعف مؤسساته. وأنا حريص على أن ألتقط هذا الغنى والتعدد الذي يزخر به المغرب الثقافي. لهذا أتنقل من حلقة إلى أخرى بين مختلف الأجناس الأدبية والأصناف الفنية والمشارب الفكرية، وكذا مختلف الأجيال والحساسيات ولغات الكتابة. إنني حريص ما استطعت على ألا أقصي أية حساسية فكرية وثقافية من مشارف. وحريص على أن أضع البرنامج رهن إشارة كل من له تصور ثقافي أو وجهة نظر ثقافية جادة في هذا البلد حتى وإن اختلفتُ معها. ربما هذا الرهان هو الذي جعل البرنامج يُحتضن بهذا الشكل من طرف المثقفين ورجال الإعلام.

6- ما تقييمك للوضع الثقافي في هذا البلد؟

- مثلما قلت لك، لدينا دينامية مهمة، لكن المؤسسات الثقافية ما زالت عاجزة عن مواكبة كل هذا الحراك. لنأخذ مجال النشر والكتاب كمثال على ما نقول. ستلاحظ أن لدينا حركة تأليف قوية في بلادنا، لكن بنية النشر والتوزيع غير قادرة على استيعاب كل هذا الزخم. وهو ما جعل الواقع الثقافي المغربي يفرز ظاهرة شاذة هي ظاهرة المؤلف الناشر الذي يطبع كتابه على نفقته ويوزعه بشكل اعتباطي ويوزع العديد من نسخه بالمجان على الأصدقاء. نفس الشيء قد نقوله على باقي مجالات الخلق والإبداع. نحتاج فعلا إلى مؤسسات، ونحتاج إلى أن نتشبع جميعا في هذا البلد بأهمية الثقافي وأولويته. وما لم تحصل هذه القناعة لدى كل من الدولة والمجتمع على السواء، فسيبقى التخبط سيد الميدان مع الأسف.

7- في برنامج مشارف دأبت على تقديم الإصدارات الجديدة، كيف تشخص وضعية الكِتاب في المغرب؟

- وضعية صعبة جداً ارتباطاً بما تحدثت عنه سابقا بخصوص واقع النشر والتوزيع في بلادنا. وعموماً دعني أخبرك أن 90 في المائة من الكتب التي أعلن عنها تصلني من مؤلفيها وليس من الناشرين. تخيل أن الناشر المغربي - باستثناء ناشرين أو ثلاثة- لا يبعث إصداراته لتلفزيون بلده الذي يخاطب قراءه المفترضين وزبناءه المحتملين والذي يوفر له عبر مشارف لحظة دعاية غير مدفوعة الأجر. لذا يضطر الكاتب إلى أن يقتطع من النسخ القليلة التي يحصل عليها من الناشر ويبعث للصحافة الوطنية والتلفزيون نيابة عن هذا الأخير. أحياناً أقتني بعض العناوين بنفسي حينما أقدر أنها مهمة وأبادر إلى اقتراحها على القراء دون أي تنسيق مسبق لا مع الكاتب ولا مع الناشر. الكتاب لا يزال غريبا في هذا البلد ويحتاج منا إلى المزيد من الاحتضان لكي نخرجه من عزلته الباردة.