حاورتها: خلود الفلاح
(ليبيا)

أمال نوارنصّها احتفاء بالحياة التي سرقتها سنوات الغربة، حيث القارىء يجد الغياب حاضراً بقوة ولكنه غياب مزهر يبحث عن بقعة ضوء... بيني وبين نصوص الشاعرة والمترجمة اللبنانية آمال نوّار نوع من الألفة، وشكّلت صداقتنا حضورها فى نفسي... عندما وصلتني الإجابات كانت آمال فى طريقها إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية لذلك عبر هذا الفضاء الثقافي أتمنى لها الشفاء.

* يقول الشاعر الفرنسي"هنري ميشونيك" القصيدة لها عدوان: الشعر نفسه، بمعنى شعر الماضي، والفلسفة بسبب مفهومها للغة؟ ماذا تقولين عن ذلك؟

- لستُ ممن يستسيغون إطلاق أحكام قاطعة تجاه أشياء يستحيل القبض على ماهيتها بشكل يخوّلنا القول بمعرفتها معرفة صرفة، وتالياً التوصّل، بمعونة المنطق والتجربة، إلى تحديد دقيق ومطلق لمفاعيلها وطبيعة العلاقات التي تربطها بأشياء أخرى. لا أحد يستطيع الإدّعاء بمعرفة ماهية الشعر أو ماهية الفلسفة، فما بالك بماهية العلاقة بينهما! وعليه، كل ما يُقال في هذا الصدد في نظري، يصبّ في خانة الآراء والمواقف الشخصية البحتة. لا أؤمن بعداوة الفلسفة للشعر رغم صراعهما الطويل، بل بوجود علاقة جدلية بينهما. ألم يقل نيتشه، "إنّ الفلسفة: شكل شعري"؟!

النظريات الفلسفية المعاصرة لا تتبنى المواقف الأفلاطونية من الخيال والشعر، والتاريخ بيّن لنا أن الفلاسفة كلهم بما فيهم أفلاطون لم تنج كتاباتهم من الأساليب التخييلية، فلجأوا إلى الأسطورة والمجاز، وبعضهم أَولى الشعر اهتماماً كبيراً، كما هي الحال مثلاً مع هيدغر الذي اعتبر أنّ الشاعر والفيلسوف يشتركان في البحث عن الحقيقة وإن بأساليب متغايرة، وقد شغلته أسماء شعرية عديدة كرينيه شار وهولدرلين ورامبو وريلكه وغيرهم. وبالمقابل، شعراء كثر تعكس أشعارهم آراءهم الفلسفية وتأثرهم بفلاسفة معينين.

في النهاية لا يمكننا فصل إنشغالات الشعر عن إنشغالات الفلسفة أكانت في مجال الميتافيزيقيا أم الجماليات أم المعرفة أم الأخلاق. وفي خصوص اللغة، ومفهوم الفلسفة لها، قديماً وحديثاً، فالمعروف أن الآراء انقسمت حولها بين من اعتبرها أداة تعبير مادية، ذات وجود منفصل عن الفكر القائم بذاته والسابق لها (ديكارت، برغسون...)، وبين من رآها جسداً للفكر، ووجودها ملازم له ومكمّل، بحيث أن اللغة تمثّل التمظهر الخارجي المادي للفكر، والفكر يمثّل التمظهر الداخلي المجرّد للغة، فلا أفكار من دون شكل لغوي يجسّدها سواء بالصوت الخارجي المسموع أم الداخي اللامسموع، ولا لغة من دون دلالة أو معنى، حتى أن اختلاق مفردات أو تراكيب جديدة يخلق معان جديدة (ميرولوبنتي، دو سوسير، كريستيفا...).

وثمة توجّه في الفلسفة المعاصرة يعمل على دراسة اللغة لا كوسيلة لنقل المعنى وإنما لخلقه، فاللغة لم تعد مجرّد ترجمة لواقع الأشياء وظاهرها، وإنما هي عالم يستبطن قابلية للتأويل والتحليل والتخييل وذو طاقات تفوق الطاقة المعجمية الظاهرة إلى أخرى مشرّعة على اللانهائي، تماماً كالفكر، بما أن اللغة لا تنفصل عنه. أليس الحديث عن لغة خلاّقة مثلاً، يعني الإشارة إلى قدرتها على تجاوز نفسها وخلق معان جديدة؟ هذا الإنقسام بين الفلاسفة حول اللغة نجد له صداه بين الشعراء أيضاً. فالرأ ي القائل بانفصال اللغة عن الفكر باعتبارها وسيلة تعبير عن معنى سابق لها، يتبناه شعراء كثر يعيشون تجارب وجدانية وتتملكهم حالات وأحاسيس يستعصي التعبير عنها لغوياً، على رأسهم شعراء المتصوفة مثلاً الذين قالوا "نحن أصحاب أحوال لا أقوال".

من ناحية أخرى ثمة شعراء يتبنون في تعاملهم مع اللغة آراء الفلاسفة وعلماء اللسانيات الجدد. من جهتي أنا أؤمن بأن اللغة ليست مجرّد أداة تعبير وبأنها تنطوي على طاقة خلق المعاني الجديدة، ولا أرى أنها خاصية ينفرد بها الإنسان دون الحيوان، وأميل إلى فكرة نعوم تشومسكي عن أن ثمة كفاية لغوية فطرية تولد مع الكائن وقد تتجسّد صوتياً او إيمائياً، وهي تتفتّح وتنمو عبر التعّلم. ولكنني في الوقت عينه أؤمن بأن ثمة وعي فطري أيضاً يولد مع الكائن وهو أرحب من عالمه اللغوي الفطري، والإثنان ينموان معاً ولكن ليس بالضرورة بشكل متزامن. وأرى أن عالم الفكر والشعور لا يتّسع له عالم اللغة، لا بل ماهية الشعر نفسه لا تتّسع لها اللغة، ومن هنا أُدركُ ورشة إنشغال الشاعر باللغة من أجل جعلها تواكب إحساسه وتفكيره. بمعنى آخر، أرى أن اللغة والفكر يولدان معاً ولكنهما لا ينموان معاً.

في نظري أن الشاعر يعمل على استنطاق اللغة بأحاسيسه وأفكاره التي غالباً ما لا يجد لها رديفاً في اللغة المعجمية. ومن طريق البحث في أعماق اللغة عن إمكانات جديدة فيها وعما تكتنزه من دلالات عصيّة على إدراك من يتعامل معها بشكل آلي، تتشكّل لغته الشعرية. هذه اللغة هي واحدة من أشكال اللغة المختلفة التي تنشغل بها الفلسفة المعاصرة (وعلم النفس أيضاً) وتلجأ إليها لتوصيف وتفسير علاقات الإنسان بكل شيء يتعلّق بوجوده، وليس بالضرورة الإنسان الشاعر فقط، لأن اللغة الشعرية لا تعبّر عن كاتبها فحسب. وإذاً، الفلسفة تحتاج إلى الشعر وليست عدوة له، وخصوصاً في زمننا الحالي لأنها تجد في لغته ما لا تجده في لغة ثقافتنا الحالية التي جعلت من اللغة مجرّد وسيلة تواصل ولغة علم وتكنولوجيا، قاصرة عن أن تكون لغة خطاب فلسفي أو نفسي.

أما عما يقوله ميشونيك عن عداوة شعر الماضي للشعر، فهو ينطلق أساساً من مفهومه للشعر في كونه قادراً على تغيير الحياة. إذا كان الشعر يستقيم معناه في معنى التغيير، فعليه، يضحي الإرث الشعري عدواً للشعر، وعلى الأخير كي يثبت وجوده أن يتجاوز الأشكال الماضية إلى أشكال جديدة من وحي تجربة حياتية حاضرة، فاللحظة الزمنية الجديدة لابدّ لها من شعرية جديدة تتغيّر الحياة بتغيّرها. بمعنى آخر، الشعر بالنسبة إلى ميشونيك ليس ما كان بل ما سيكون.

ويبقى السؤال بالنسبة إليّ، هل الشعر فعلاً قادر على تغيير الحياة؟! في مقاربتي للشعر قلت مرّة إن الشعر "إكسير لمداوة الحياة" ولم أقل لتغيير الحياة، مع أن الإكسير يحيل الفضّة ذهباً، لكن هذه هي حاله، في نظري، مع المعادن وليس مع الحياة! لا أؤمن بأن الشعر قادر على أن يخرجني من جلدي، وإنما هو فقط قادر على جعل حياتي مُحْتَمَلة فيه. انطلاقاً من هذا المفهوم، فإن تقدّم الشعر ليس مرهوناً بقطيعة شعر الماضي ومعاداته، ولا مصالحته لشعر الماضي تعني بالضرورة محاكاته، بل الأغلب الإستفادة منه، لأنه في اعتقادي ليس للشعر من مرجعية غير الشعر نفسه.

* هل تتفقين مع الرأي القائل الكتابة فعل مكتفٍ بذاته ولكنها لا تجعل الكاتب مكتفياً بذاته؟

- لم أفهم، هل السؤال هنا يشير إلى فكرة الأدب المكتفي بذاته والمنفصل عن قضايا العالم، في وقت أنه يعجز عن منح مُبدعه الصفات التي أبدعها فيه، أم إلى فكرة انفصال النصّ عن صاحبه بحيث يكون مكتفياً بذاته وله حياته المستقلّة متى خرج من يدَي الكاتب، في حين أنه لا يستطيع منح الأخير مميزات الحياة نفسها؟ إذا كان المقصود الفكرة الأولى، فأنا لست مع الرأي القائل باكتفاء الأدب بذاته إلى درجة تفريغه من المضامين الجوهرية المتصلة بالعالم لصالح جماليات تقنياته. أؤمن بأن للأدب دوراً إنسانياً عظيماً، ومن هنا جاءت مقاربتي للشعر بأنه إكسير لمداواة الحياة. وأجد أن استمرارية الأدب رهن توافر المحتوى المتصل بجوهر الأشياء والحياة، إضافة إلى توافر التقنيات الخلاّقة والبالغة الجمالية. وطبعاً فاقد الشيء لا يعطيه، فإذا كان الأدب غير مكتفٍ بذاته في نظري، فمعروف ما هي حال الكاتب. ثم كيف سيكتفي الأخير بذاته وهو يحتاج إلى الكتابة؟!
وفي حال أن المقصود من السؤال هو الفكرة الثانية، فنعم، أنا أتفق تماماً مع هذا الرأي. الكتابة فعل يتمرّد على الفاعل. فعل قائم بذاته، ولا يشبع إلا نفسه. فعل يتمّ ويخرج إلى الحياة ليثبت وجوده من خلال خصال فعله ومقوماته القائمة فيه وليس في صاحبه. وهو أصلاً لا يتحقق إن لم ينفصل عن صاحبه ليحيا حياة مستقلة في إحساس القارىء تختلف من واحد إلى آخر كما وتختلف عما هي أصلاً في إحساس الكاتب. النص المكتوب الذي هو فعل الكتابة يمثّل عملية إشباع لرغبة الكاتب، ولكن ما ان يتحقق حتى يصبح حالة إشباع لنفسه فقط، في حين أن رغبة صاحبه تظلّ دون مستوى الإكتفاء. عدم اكتفاء الكاتب هو شعور صحي يضمن استمرارية الكتابة، فالكاتب الذي يكتفي، ينتهي.
النص الحديث والقارىء

* هل يمكن الحديث في وقتنا الحاضر عن علاقة بين النص الحديث والواقع إذا كان النص الحديث لا يهتم إلا بما هو هامشي أو مهمل؟

- يميل النص الشعري الحديث إلى التخفّف من ثقل الواقع وقضاياه الكبرى، ربما في إشارة منه إلى رفض هذا الواقع، وفي سعي إلى التحرّر من كل التزام خارج ما تمليه هواجس الكتابة نفسها وانفعالات الذات بما حولها مهما كان سطحياً. وهنا، علينا أن ننتبه إلى أن انتماء الأدب إلى الواقع لا يُكسبه بالضرورة أهمية إضافية وقيمة أخلاقية أو جمالية لمجرّد أنه أدب واقع. قيمة الأدب في رأيي تخضع لمعايير تقنية وأسلوبية من داخل الأدب نفسه وليس فقط لمعايير تتعلّق بالمضمون ومدى صلته بالعالم الخارجي.

الأدب الجميل في نظري هو أولاً أدب حرّ قبل أن يكون أدباً مسؤولاً. وأعتقد أن ابتعاد النص الحديث عن الواقع هو ردة فعل عنيفة على أدب الواقع الذي ساد ثقافتنا العربية في الحقبة الماضية، والذي اتخذ طابعاً سياسياً دعائياً استهلاكياً حتى أصبح في بعض الأحيان مجرّد بوق، سواء لأفكار السلطة أو الأحزاب. ارتهان الأدب ومعه النقد الأدبي، لقضايا المجتمع عموماً والسياسة خصوصاً، لا على قاعدة القراءة الفلسفية والنظرية للسياسة وإنما على قاعدة التطبيق الآلي لأفكار وأيديولوجيات محلية أو مستوردة، غيّب تلك المساحة الفردية في الكتابة، التي تتحرّك فيها الذات عبر تأملاتها الخاصة وحوافزها الطبيعية من دون التأثّر بمعايير مسبقة حول جودة الأدب. فجاءت ردة الفعل بتحويل مركزية الأدب من فكرة المضمون المتطرفة إلى فكرة الشكل المتطرفة. وهنا أتذكّر قول الناقد الفرنسي تيزفيتان تودروف "بأن السقوط في فخّ الشكلانية هو الوجه الآخر للسقوط في فخّ الأيديولوجيا والأدب الدعائي، فكلاهما يمثّل طريقاً مسدوداً".

علينا أيضاً ألا ننسى تأثير المدارس النقدية الحديثة - البنيوية على سبيل المثال - والنظريات الفلسفية الحديثة، على توجهات الأدب. ومع ما نشهده في زمننا الحالي من نزعة أنوية من ناحية، وتمحور لمعايير النقد الأدبي الحديث حول طريقة بناء النص وتوافر الشروط الجمالية المتعلقة بكينونته وليس بأي أهداف خارجة عنه، فلا عجب إذاً، أن تكون "الذات" هي سيدة النص، وأن نراها تحتفي بكل كراكيبها وكراكيب الحياة.

ولكن علينا أن نلتفت إلى أنه ليس كل حديث عن الذات يعني بالضرورة إهمالاً لقضايا العالم، إذ ينبغي التمييز بين الأنا المنشغلة بمظاهر النفس ومكامنها الجمالية وبممارستها لعيشها، والأنا المنشغلة بكينونتها وعلاقتها بالأشياء والوجود. غير أني أريد هنا أن أتناول المسألة من منظار آخر وأطرح سؤالاً: من قال أن الهامشي والمهمل ليسا اليوم جزءاً من الواقع؟! فلننظر حولنا ولنعاين حجم الحيّز الذي يأخذه الهامش في متن واقعنا! قد يكون ما يفعله الأدب اليوم، ومن ضمنه الشعر، أنه يمنح الهامشي بعداً جمالياً، وتالياً فهو يجمّل جزءاً من الواقع. وعليه لا يعود في وسعنا أن ننفي بالمطلق علاقة النص الحديث بالواقع، فهما إن لم يتشاركا بالقضايا الكبرى، فكثيرة هي القضايا الصغرى التي تجمعهما.

* إلى أي مدى أصبح القارئ مؤثراً في نجاح أو فشل تجربة شعرية ما؟

- أولاً، علينا أن نحدّد من هو قارىء الشعر في زمننا الحالي. الأغلب أنّ قراء الشعر في عالمنا العربي اليوم، هم الشعراء وحدهم، وإن كان بينهم من لا يكتب الشعر، فالأرجح أنه سيفعل قريباً مأخوذاً بفكرة إستسهال كتابة قصيدة النثر. الشعر اليوم، كما أشرت آنفاً، لم يعد يستجيب بالقدر نفسه لحاجات الناس المباشرة في تعاطيها مع واقعها السياسي أو الإجتماعي أو الإقتصادي الخ...ما يعني أن رصيده من النهود والرصاص والدموع والطبول والشعارات السياسية، قَلّ، في وقت ازدهرت الفنون المرئية (الصورة) وتقنيات التواصل مع العالم، وحلّت محل الشعر بدائل أخرى أكثر إمتاعاً وسهولة وسرعة في إشباع حاجات الشارع العربي.

إذا كان الشعراء وحدهم هم قرّاء الشعر، فهذا يعني أن أزمة جمهور الشعر اليوم، أزمة كم لا نوع. في اعتقادي، التجربة الشعرية الجيدة لا تنجح بقرّاء الكم وإنما بقراء النوع، وبغياب الأخير فإن التجربة الرديئة لن تصمد حتى ولو كان قرّاؤها من الكم لا يحصون. عن تجربتي أقول إن ما يشجّعني على الإستمرار، عدا عن حوافزي الشخصية، هم قرّاء / شعراء، عددهم ربما لا يتجاوز عدد الأصابع، ولكنهم على قلّتهم قادرون بحكمهم على تجربتي تحديد مدى أخذي لها على محمل الجديّة.

"الشوق الذي غالباً لا يُزهر/ ولا يَزْرقُّ به الخيال / إنما تُستوحى رائحته من القشرة / وأحياناً تنتابني رغبة في التنقيب / عن آثاره."
"تنمو منصتة لميتة سابقة / وتتذكّر جسداً لم تبق منه سوى سطور."
"لن يكفَّ الملل / وكل نظرة لم تمح جريمتها / عن أزهاري."

* في هذه المقاطع تتأملين ذاتك من زاوية جديدة، بعيدة عن الماضي، هناك ما أسماه كونديرا في إحدى رواياته ألم الحنين. كيف ترين المسألة؟

- أنا أتحدّث عن حالة شوق عنيفة تتملّكنا لسنين، لنكتشف مع الوقت أنها تحوّلت إلى حالة عُقْم بعد أن استنفدت فينا كل وسيلة تعبير، ومن ثم استنفدت موضوع الشوق نفسه، الذي غالباً ما يعجز عن الصمود في ذاكرة تعمل بشكل لاإرادي. (نحن ننسى غالباً ليس لأننا نريد أن ننسى). وبذلك أضحى الشوق مفرغاً من محتواه. شوق بقشرة دون لبّ. شوق يحيا بلا ذاكرة، يحيا بفكرة الشوق نفسها، أو ربما يضحي شوقاً إلى شيء مجهول وغامض ولا علاقة له بالماضي.
لقد اكتشفت من خلال تجربة اغترابي، أنه مهما حاولنا الحفاظ على الذاكرة كاملة، لن نستطيع مداواتها من نسيان يولد معها، فذاكرتنا مريضة بالنسيان. الإحساس بالحنين مؤلم بالطبع، وكل إحساس حقيقي وعميق، مؤلم بالنسبة إليّ، ذلك أن عملية الإحساس نفسها مؤلمة بصرف النظر عن موضوعها حتى ولو كان إحساساً بالفرح أو الحبّ أو الجمال. لكن الحنين إلى شيء يصعب تحققه يجعل الألم مضاعفاً، إذ يتّحد فيه ألم الفَقْد بألم الفقدان. ومع هذا، ثمة حنين لايزال في نظري أكثر إيلاماً من كل حنين، وهو الحنين إلى المجهول، الحنين البلا موضوع، البلا ذاكرة، وهو ما ينتهي إليه كل حنين تحيا فينا ثماره وتموت أسبابه.

صحيفة "العرب" اللندنية
4/4/2008