ومحتملة تصلني ببروميتيوس حكمة النار

التقاها: عبدالله المتقي

فاطمة الزهراء بنيسفاطمة بنيس شاعرة تعمل بدأب كي تمنح القصيدة حكمة النار ، النار التي تضيء كما تبيد .. تكتب حرقتها بأصابع من ياسمين ، لتنتصر للجمال والكلمة الصادقة ولتهرب من سطح هذا العالم الى عمقه ، اقترابا من نارها ونورها كانت هذه الدردشة :

* لماذا تكتبين ؟

لأنمحي و أولد ثانية من خلال رؤاي الخاصة للإنسان والكون...
أكتب من أجل صياغة جديدة لحياة محتملة ... أكتب إذن أنا في طريقي
إلى الوجود , الكتابة بالنسبة لي هي الحاسة التي تختصر كل الحواس
وتكشف جوهر الذات وطبيعة الأشياء .

* متى تسعفك القصيدة ؟

تسعفني القصيدة في حالة الحنين إليَّ فيكون البياض جوازي
للعبور إلى مفتقداتي وجعلها مادة خامة لكتاباتي ...
القصيدة ليست شكلا أدبيا فحسب ,إنها الرؤيا و تدفق المشاعر
في تجربة تعاش ولا توصف .

* كتابة الشعر هل هي مهنة أم موهبة ؟

لن يمتهن الشعر إلا إذا صار صناعة يأخذ صانعها أجره , أما الشعر بمعناه العميق النابع من الوجدان و الذي ينزاح بمبدعه عن حدود الزمان والمكان ويسكنه فظاءاته اللامتناهية ويسقيه من زلاله الحلو ... المرّ , من المستحيل أن يكون مهنة , الشعر موهبة فطرية يغذيها كل شاعر حسب امتداد قراءاته وخيالاته وتجاربه .

* ماذا يعني لك كونك شاعرة في زمن القمل ؟

كوني شاعرة في زمن القمل هذا يعني انتصارا جميلا للكلمة الصادقة على كل تيارات القمع والتعفن و الانحطاط التي تزيح الإنسان عن نفسه وتجعله هيكلا يُمَسرح أدوارا ليست لها أية صلة بكينونته.

* تحضر حرقة القصيدة في ( لوعة الهروب) بأزياء مختلفة بالمناسبة فاطمة الزهراء بنيس والبروميتوس أية علاقة ؟

الأساطير هي الغذاء الروحي للمخيلة الشعرية وفي نفس الوقت لا تخلو حياة كل إنسان من أسطورة فقط علينا أن نمعن النظر كي نلتقطها . تصلني بالبروميتوس حكمة النار… النار التي يطمح لإشعالها كل كائن بشري لكن بمجرد اشتعالها تفنيه, حرقة القصيدة في ( لوعة الهروب ) نابعة من هذه المفارقة الموجعة… من حكمة النار التي تنير وتبيد … تدفئ وتحرق … الاستغناء عنها موت مؤكد والاقتراب منها فناء.

* من من مجايلاتك من الشواعر تشدك أكثر ؟

كثيرات من مجايلاتي من تشدني وتجذبني لقراءتها على رأس القائمة الشاعرة اللبنانية جمانة حداد .

* هل يستقيم اليوم الحديث عن الشعر في ظل انتشار ثقافة الصورة ؟

رغم انتشار ما يسمى بثقافة الصورة وهيمنة الأضواء والألوان على المتلقي مازال للشعر بريقه الخاص وحضوره المتميز في المشهد الثقافي المعاصر أعتقد أننا اليوم في أمس الحاجة إلى الشعر و إلى كل الفنون التي تسمو بالإنسانية بعدما أثبت على أن علوم التكنولوجيا وحدها غير قادرة نهائيا على تحقيق الطمأنينة للبشرية . بل ربما تكون لها نتائج سلبية على مجتمع يناقض تقدمه التكنولوجي تخلفه الفكري .

* ( لوعة الهروب ) ممن تهربين ؟ وما سر هذه اللوعة ؟

أهرب من ظواهر الأشياء إلى بواطنها...
من سطح الحياة إلى عمقها....
من اليقين إلى الشك .....
باحثة عن الماعات قد تسعفني في الوصول إليَّ ...أنا لست آلة لأثبت
في منظومة اجتماعية معلومة , أعتقد أنّ جمالية الإبداع تكمن في انزياحه عن القواعد الاجتماعية والعادات الموروثة و لهذا فالمبدع الحقيقي لا بد أن ينبثق منه صوت مغاير ومشاكس للأصوات المهادنة ,
بالنسبة للوعة فسرها لا يفشى إلا بقراءة نصوصها .

* التي تهدينها القصائد هي فاطمة الزهراء ؟

أنا موقنة أنني أهديت القصائد
إلى الشمعة التي نورتني ... فأحرقتني ... ثم ألهمتني
لكنني لا أدري من كانت تلك الشمعة ,
أ هيَ فاطمة الزهراء ؟
أم حلم راودني ؟
أم سيجارة احترقت بين ضلوعي ؟ ... ؟.....؟ .... ؟

* بعد التنويه من لجنة تحكيم جائزة مفدي زكريا المغاربية ما الذي تطمحين إليه ؟

مزيدا من البوح .

- " أنا ما كتبت
إلا لأخترق جدار الصمت" ص 41

*كشاعرة ما الذي يدهشك في الكتابة ؟

الصدق أوّلا ثم الجرأة في تناول التيمات المحذورة.

* فاطمة الزهراء متى تهزمها القصيدة ؟

عندما أحمّل الحروف ما لا تستطيع.

* بعد التجربة مع جمعية (أصدقاء لوركا) ما الذي منحتيها وما الذي أخذتيه منها ؟

- ما منحته ل(لوركا ) هو محاولتي الصادقة مع مجموعة من الأصدقاء الشعراء إحياء مكتبها بعد توقف طويل عن العمل الثقافي.
و بصفتي عضو مكتبها الإداري أرى أن العمل الجمعوي يمنح الخبرة في الممارسة الثقافية وليس شيئا آخرا على المستوى الإبداعي .

" إذا هبَّت الريح
وأذنت السماء بالثلج
وغرق كل النبت ." ص 13

*ما الذي ستقولينه بالمناسبة ؟

- ما أحلى سكرة الروح
إذا الروح
راحت
بمن تهوى

"ترهقني أسئلة الكتابةّ
من أين تشرق هذي الكلمات
المعتقة بالصعب والمحال " ص18

*ما الذي نجده في خلوتك الشعرية من طقوس خاصة ؟

الخلوة الشعرية في حدِّ ذاتها طقس شعائري من خلاله أتراءى لنفسي جسدا عاريا من كل الأقنعة .... زاهدا في ما سيأتي ... ناسيا ما قد مضى , على قول الأديب العظيم ( جبران خليل جبران ) .

* ختاما هل نحن فعلا أمام امرأة منكسرة وهاربة أم هي خدعة لتوريط القارئ إيجابيا وإشراكه في لوعة الكتابة و الوطن ؟

أعتقد أن كل مبدع هو نطفة من الواقع في رحم الخيال بمعنى أن الكتابة مزيج من المرئي واللامرئي .... من الملموس واللاملموس ....من الانتماء واللاّنتماء , إذا كنت فعلا قادرة على توريط القارئ في لوعة الكتابة والوطن فهذا يسعدني .

- مجلة ملامح العدد الثاني