حوار: حسين الجفال

سمر المقرنألا تعيشَ بحيادٍ لا يعني أنْ تكونَ متطرفا ، بهذا الوصفُ الموارب نخطو عتبة أولى لاستيضاح "سمر المقرن" التي أصدرتْ روايتها (نساء المُنكر) و كانتْ على وعي تامٍ بالجدل، و بمفهوم التجاوز الذي أنتجَ صداماتٍ اجتماعيةٍ لا تخلو من العصبية ، لا سيما أنها ابنة القبيلة ، و كُلُّ رأي مخالفٍ أو فاضحٍ لبنية المجتمع تنبشُه امرأةٌ لابُدَّ أن يُرجمَ بالضغينة و ما يتبعها من محنٍ قد تُهددُ الراوي ، إذا المتغير لا يُهادن أحدا ، و إلى أبعد مدى يمكننا أن نستشرف شخصية "سمر المقرن" الإعلامية و الكاتبة الحقوقية التي شغلتها المرأة و مظلوميتها عن الغواية ، كما أنها واعية لإحداثِ متغير واعي في النسيج الثقافي بعيدا عن الضجيج الذي يشدُّ المجتمع إلى زوبعةٍ فارغة ، سمر المقرن تعِدُ بالكثير و تتوعدُ بالقليل ؛ إليكموها :

* أصدرت روايتك الأولى ( نساء المنكر ) كيف ترين عالم الرواية في السعودية ؟

لا أستطيع الحكم بشكل مطلق على الرواية وعالمها في السعودية فكما تعلم العام الماضي فقط صدرت خمسون رواية ولم اقرأها جميعها، أما إن تحدثنا عن ذلك العالم منذ خطوطه الأولى في عالمي فإنه في روايات المرحوم عبدالرحمن منيف ووقوفا على روايات الدكتور تركي الحمد والدكتور غازي القصيبي, على ما بينهم من تباين في الخط والفكرة والأسلوب, فإنني هنا يمكن أن أقول بأن هؤلاء الكتاب السعوديين لهم الفضل على من بعدهم من الروائيين والروائيات.
عالم الرواية السعودية عالم مثير للعالم و نجح فعلاً في إثارة دهشته وجذبه لكن بعد فترة من الزمن ستبدأ مرحلة جديدة هي مرحلة التنقيح والتمييز.

* هل قالت سمر المقرن ماتريد أم أن هناك ماهو مقتطع طوعيا في الرواية؟

ليس هناك شيء مقتطع في روايتي فقد قلت ما أردت قوله في لحظة الكتابة, لكن الأفكار لا تتوقف عند من يفكر, لنقل أنني ما زلت في مرحلة استكشاف المنطقة بل واستكشاف نفسي قبل كل شيء.

* يكاد يكون ثلث الرواية الأول تمهيدا للدخول وزائدا عن الحاجة ولا يؤثر على الرواية ، كيف أخذت كل هذا للولوج لفكرة الرواية؟

أظنها قراءة خاصة ووجهة نظر شخصية فأنا أعتقد أنه ومن الصفحة الأولى قد دخلت مع البطلة في قلب الأحداث المتلاطمة, لكن بداية أي رواية تكون هي الأثقل لأن البناء الدرامي يكون في طور التأسيس والتعريف بالشخصيات والأحداث الرئيسة.

* ألا ترين أن عملك الصحفي كان حاضرا وبقوة في الرواية ؟

ضروري أن يحضر في هذا العمل وأتوقع حضوره في كل أعمالي القادمة ولا أعتقد أن هذا سلبياً فالصحفي هو أقدر الناس على رصد الأحداث التي هو الأقرب لها بطبيعة الحال هو الحاضر المراقب الممتلئ بتفاصيل وحكايات الناس والعارف بأحوالهم.

* كرمت مؤخرا لدورك الفاعل في الصحافة والدفاع عن الحريات، كيف ترين عملك والى أي مدى يحفزك وماهي رؤاك لمستقبل المرأة في بلادنا ؟

تكريمي كان كصحافية لها دور في نشر ثقافة حقوق الإنسان، وهذا التكريم حصل أم لم يحصل فأنا على قناعة تامة بدوري الذي قام ولا زال يحاول أن يستنهض نفسه للقيام بواجبه تجاه مسألة الحقوق على الرغم من كل المحاولات الذكورية لقتل هذا الدور وما حصل معي مؤخرا في صحيفة الوطن هو أكبر دليل على محاولة وأد فكري وقلمي، بعد أن تغيرت إدارة الصحيفة وحاولت التعايش مع الإدارة الجديدة التي كانت تظهر على الملأ لترديد العبارات الإنشائية حول حقوق المرأة وهم أول من يهضم المرأة حقها، لذا فضلت الانسحاب وعدم الاشتراك في مسرحية هزيلة فقدمت استقالتي في أكتوبر الماضي، مثل هذه المحاولات لا تعني لي النهاية فأنا مؤمنة بأن كل يوم جديد يحمل روحا جديدة لي ومثل ما حصل لي يحفزني للنجاح أكثر ولإثبات أن هذا الشريان النابض بالحياة لن ينضب إلا بالموت.
أما عن مستقبل المرأة فلازال مستقبلا مبهماً بمعنى أننا نسمع ونرى تباشير ما تلبث أن تخبو لكننا لا نرى خططا حقيقية ولا واقعاً منظما ينهض بحال المرأة أو يسعى لتغييره، بل ما زالت بعض النساء تعتقد أنها لا تستطيع الدخول إلا من باب "الحريم" الخلفي لأنها عورة وهذا سيجعلنا كلما تقدمنا خطوة نعود للوراء خطوات.

* كيف وجدت تلقي القراء للرواية والى أي مدى ممكن أن نتحدث عن تعب المرأة وإشكالات المجتمع معها ؟

بشكل عام ما واجهته روايتي من قبول أو رفض هو لصالح الرواية نفسها، فحتى بعض من قاموا بشتمها وسبها وشخصنتها أعتقد أنهم لم يتكلفوا عناء الكتابة عنها إلا لأنها أثرت فيهم وفرضت نفسها على مخيلتهم.

* هل ستغير الرواية لدينا من القوانين كما فعلت الروايات والأفلام في مصر مثلا ؟

في القرآن الكريم "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، إذا كانت الرغبة جادة في التغيير فسيحدث وإن لم تكن كذلك فإنه وكما نقول باللهجة العامية (العيار إللي مايصيب يدوش)، ونحن في الوقت الراهن نحتاج إلى هذا الذي "يدوش"، ومن ضمن ذلك الرواية وهي أحد الأدوات المؤثرة وستفرض واقعا جديدا لا محالة.

* هل يواكب النقد الإبداعات الأدبية لدينا ؟

النقاد الحقيقيون لدينا عددهم قليل جدا، نعم لدينا أسماء تعد من أكبر الأسماء في العالم العربي, لكنهم لا يتواجدون بشكل دائم وتركوا الساحة لأصحاب الزوايا ولكل من كتب مقالا عن رواية ليصنف نفسه ناقدا.

* صدر أخيرا قرارا يسمح للمرأة في بلادنا بالسكن في الفنادق بدون محرم، كيف كان تلقيك للخبر؟

بالتأكيد أسعدني الخبر خصوصا وأنا أشعر بأني فعلت شيء ساهم في الحملة الإعلامية الإيجابية التي تدعم هذا الحق وأظنني أول من تجرأ وتحدث عن هذا الموضوع عبر قناة الحرة في برنامج المجلس عام 2005 وكتبت بعدها سلسلة مقالات من أبرزها مقالة اسمها "غرفة يا محسنين"

* قرأت في موقع (ونظرا للإقبال الكبير على الرواية ستقوم دار الساقي الناشرة للرواية بطباعة عشرة آلاف نسخة كطبعة ثانية وذلك من أجل استيعاب الطلب الكبير على الرواية التي طبع منها ثلاثة آلاف نسخة كطبعة أولى ) ، أليس الرقم مبالغ فيه كونك روائية مبتدئة ؟

هذا عندما أكون اسما مبهما وأظهر فجأة إلى الناس برواية. لكني اسم معروف بالإعلام منذ سنوات هذا أولا، وثانيا الرواية فرضت نفسها أشعر بأن هناك شوق من القارئ العربي لقراءة الرواية السعودية فما بالك إذا كانت هذه الرواية بقلم امرأة سعودية معروفة وتتحدث أيضا عن المرأة السعودية التي هي لغز بالنسبة للعالم بينما هي في حقيقة الأمر امرأة مثل كل نساء العالم بكل حسنات وعيوب المرأة، لكن تغييبها جعل الناس في رغبة تشبه الهوس في استكشاف هذا العالم ولهذا أتصور أي امرأة سعودية تكتب ستنجح كتاباتها في البداية تجاريا لكن كل هذا سيختفي وسيبقى فقط من يكتب لأنه يحمل هما ورسالة.
بخصوص عدد الطبعات قامت دار الساقي بطباعة ثلاثة آلاف نسخة كنظام متبع في معظم دور النشر، والآن يجري التحضير لطباعة الطبعة الثانية وعندما تكلمت معهم عن العدد لأنه كلما كثر العدد لن يكون في صالحي فأنا أفضل لي لو طبعوا ألف نسخة وتنتهي ليطبعوا بعدها طبعة جديدة لكنهم أوضحوا لي بأنهم لا يستطيعون طباعة أقل من عشرة آلاف نسخة لأن هناك مكتبات تطلب أرقاما عالية تصل إلى أربعمائة نسخة في المكتبة الواحدة.
أيضا في معارض الكتاب تدخل نسخ كثيرة فمثلا في معرض القاهرة الماضي دخلت 300 نسخة ولم تكن كافية فقد انتهت في الأيام الأولى، وفي معرض الرياض تم الترخيص لألف نسخة وهكذا معارض الكتاب تقام على مدار العام فيضطر الناشر لطباعة عدد نسخ أكثر.

* في الرواية كانت الفتاة المتعبة التي تبحث عن حرية، وكان هناك الحبيب الذي لم يرتق للحلم، لم اكتفيت بإدانة خجولة لليبراليين ؟ لماذا لم يرتقي النقد لظاهرة الليبراليين كما هو للجانب الآخر (رجال الحسبة)وهم أيضا جزء من المجتمع الذي نعيش فيه ؟

بخصوص الليبراليين هذه من الأشياء التي ندمت عليها وسأعوضها في الرواية القادمة، فإن كان في مجتمعنا بشاعة تُمارس باسم الدين فإن هناك بشاعة أخرى تُمارس باسم الليبرالية.

* كثيرا مايشار عن أن العمل الروائي الأول هو انعكاس لسيرة ذاتية معاد تعليبها ، هل هذا يجاور الحقيقة أم بعيدا عنها ؟

نعم يقولون سيرة ذاتية ويقولون أيضا أنها تجربة محيطة ومن يقرأ روايتي سيفهم أنها تجربة محيطة، وهذا يسرني لأني امتلكت القدرة على تجاوز أوجاعي لأشعر بأوجاع الآخرين، وإن صح التعبير (الأخريات).

* بين أول رواية سعودية رجالية صدرت وبين أول إصدار لرواية سعودية نسائية ثلاثون عاما، والعام الماضي وصلت إحصائية إصدار الروايات في السعودية لما يفوق الخمسين عملا ، هطول كبير لكن لم يترك أثرا في الذاكرة ، ولم ترتق الروايات السعودية لتدخل المنافسات الراقية المعروفة ، وهذا يجعلنا نتسائل ، هل فعلا لدينا روايات أو فن سردي ؟

الفن السردي هو أساس العمل الروائي والقدرة على السرد تضيف إلى رصيد الكاتب ولا تنتقص منه، فليس كل كاتب يمتلك نفس سردي وقدرة على قص الحكايات المشوقة التي تحمل فكرة تحرك الكاتب لعمل مشاهد تقترب على نفس القارئ, أنا لا أتفق مع الناقد الذي يصر على أن يقولب الرواية ويضع لها مواصفات ومقاييس وأحجام معينة وعدد صفحات معين إلى غير ذلك من التحكمات التي ما أنزل الله بها من سلطان ,كل هذا هو قتل للإبداع وتحكم فيه قد تجاوزها العالم في مرحلة ما بعد الحداثة و لم يبق معمولاً بها إلا في بعض الأوساط الأدبية العربية.

* سياقة السيارة ، رجال الحسبة ، الجنس عوامل تقوم عليها الروايات الحديثة ، أليس من شيء يستحق أن يكتب عنه ؟ كالفقر ، تكافؤ النسب ، الحالة المعيشية ، وضع التعليم ، المستشفيات ، متى ندرك أن الإنسان وليس الغرائز هو مايجب أن يلتفت إليه؟

روايتي ليس فيها جنس إطلاقاً ومن الظلم لي ولها أن توضع روايتي في صفة الروايات التي بهرت بتفاصيل جنسية تجارية رخيصة برغبة الترويج, ما كتبته كان يحكي قصة المرأة السعودية التي تعيش إحباطاتها وحرمانها والتفاصيل المؤذية التي تعيشها كل يوم , أظهرت هذه الصور رجاء أن يتغير شيء. مع أنه لو دققت النظر ستجدني تطرقت إلى وضع التعليم في عدة صور، مشهد المدرسة الخاصة التابعة في ملكيتها لصاحب نفوذ فنجد فيها حصص رياضية ومباريات وهنا أقول كيف هو التفاوت في التعامل بين ملاك المدارس، أيضا في المشهد الذي تناولته في الجامعة ووضع الفتيات المنتميات للفئة الشيعية وعدم وجود جامعات أو كليات في منطقتهم. القضايا الأخرى التي لم أتطرق لها ربما أكتب عن بعضها في رواية أخرى و الروائي الذي يريد أن يقول كل شيء في كتاب واحد هو كاتب بخيل, من الإيجابي أن نترك شيئاً لمرة قادمة, و شكرا لكم.