يوسف أبولوز

يوسف أبولوزما الموضوع الاماراتي مائة في المائة الذي تحمله القصيدة الجديدة في الامارات، تلك التي يكتبها جيل الشباب على وجه التحديد في هذه الساحة؟، ما المشتركات الفنية والفكرية بين هذا الجيل؟، وما الاختلافات أو الافتراقات بين شاعر وآخر بحيث يمكن تعيين شخصية كل شاعر على حدة وتمييزها عن الشخصية الأخرى وفق ما يحمله هذا الاختلاف او هذا التميز من خصوصية شعرية؟
ثم، أخيراً، وليس آخراً كما يقولون هل هناك تيار شعري إماراتي محدد في تعيينات فنية وشكلية ومضمونية بحيث يكون هذا التيار ظاهرة شعرية تختص بها الامارات وسط تجارب شعرية خليجية وعربية متنافسة في شغلها الابداعي اليومي؟

هذه أسئلة طويلة و”كبيرة” يطرحها كل مراقب ثقافي على نفسه وعلى الشعراء الشباب في الامارات، وهي في الأساس أسئلة الناقد المتخصص “الغائب” طبعاً عن الساحة الاماراتية، أو انه لم يولد بعد، رغم تراكم مجموعة من الصيغ الابداعية الشعرية المحلية عبر أكثر من عقدين من الزمن.
على أي حال هذه قضية للنقاش، وما أكثر ما انطرحت قضايا وقضايا ثقافية محلية للنقاش لكنها ظلت في حدود الطرح النظري، ولم تتعد ذلك الى فضاء التداول الجماعي. فيا ترى ما السبب في إحجام الكتاب الاماراتيين عن طرح الأسئلة الثقافية على أنفسهم، ثم نقل هذه الاسئلة الى مفازات حيوية من الكتابة.. والكتابة الجديدة على حدّ التعيين.

وسأتوجه هنا في هذا النقاش المقترح إلى شعراء الثمانينات والتسعينات، على قاعدة قراءة بعض “العلامات” في النص الشعري الاماراتي في هذين العقدين.
تتناوب اللحظة الشعرية الاماراتية صيغتان شعريتان هما قصيدة التفعلية وقصيدة النثر بشكل واضح تماماً، ومن السهل وضع “اليد النقدية” على روح النص التفعيلي واستشعار حركته من الداخل، وملاحظة ان هذه الحركة الداخلية لقصيدة التفعلية في الامارات تختلف اختلافاً كلياً عن الحركة الداخلية بل والخارجية لقصيدة النثر الاماراتية.

صوت كريم معتوق وابراهيم محمد ابراهيم وعبد الله الهدية وسالم الزمر وعارف الخاجة وقبل هؤلاء جميعاً حبيب الصايغ وغيرهم في الامارات.. هذا الصوت التفعيلي الجماعي يختلف اختلافاً كلياً في مناخاته ولغته ومضمونه عن صوت قصيدة النثر التي يكتبها بإصرار يصل حدّ “التعصب” كل من: نجوم الغانم، خالد بدر عبيد، خالد الراشد، ثاني السويدي، عادل خزام، أحمد منصور، سعد جمعة، الهنوف محمد، ابتسام المعلا، عبد العزيز جاسم، عبد الله السبب وأحمد العسم وغيرهم من شعراء قصيدة النثر في الإمارات.

قصيدة التفعلية في الامارات تقترب من الأرض.. أرض المكان الذي هو مكان الشاعر بتفاصيله ومفرداته، في حين تعلو او تبتعد قليلاً وأحياناً كثيراً قصيدة النثر عن وجه هذه الأرض أو وجه هذا المكان.

في الكثير من قصائد النثر في الامارات تقبع لغة لها مرجعيات ثقافية مستقاة من قراءات شعراء قصيدة النثر، وهي قراءات معتمدة أساساً على “الترجمة”، فشاعر قصيدة النثر في الامارات يقرأ مادة مترجمة في الغالب، ونادراً ما يذهب الى تراثه الشعري والثقافي الكلاسيكي، ولذلك، قلت ان هذه النصوص تبتعد قليلاً أو كثيراً عن وجه الأرض أو وجه المكان.
بالطبع، لا نضع هنا الجميع في سلة واحدة، فهناك نصوص لشعراء يكتبون هذه القصيدة تستلهم روح المكان الاماراتي ومفرداته، ولكنها نصوص قليلة ولا أريد القول انها عابرة، وهذا الأمر لا يقتصر على شعراء الامارات وحدهم، فعلى سبيل المثال قليلاً ما نعثر على مدينة مثل مدينة بيروت في غالبية شعراء النثر اللبنانيين، والأمر نفسه ينسحب على شعراء هذه القصيدة في الكثير من البلدان العربية.

لا يعني ذلك ان قصيدة التفعلية في الامارات كلها منشغلة بالمكان الاماراتي ومفرداته، ولكن روح هذه القصيدة كما قلت هي قرينة لروح المكان، لأن هذه الروح أساساً هي قرينة لروح النص التراثي الذي هو ابن المكان ونتاجه الطبيعي.

قصيدة التفعيلة في الامارات تفلت في تجارب كثيرة من هذا التشابه لاعتبارات كثيرة ربما من أهمها ما يفعله الوزن الشعري في قلب هذه القصيدة.. هذا الوزن الذي هو “نظام” صوتي وإيقاعي إذا وجد شاعر التفعيلة انه صدى أو شبيه بالنظام المعتمد في قصيدة لشاعر آخر.. تراه يهرب من هذا النظام الى آخر لأنه من اليسير اكتشاف او تعيين “الوزن” لأنه محدد ومعروف، بينما قصيدة النثر “خالية الوفاض” من هذا النظام الوزني أوا لعروضي، ومن هنا يصعب تعيين التشابه، وفي هذا الخضم تكون الحرية الممنوحة للشاعر في كتابة قصيدة النثر هي طريقه الى التشابه، ومن هنا أيضاً، فإن مهمة شاعر قصيدة النثر في الاختلاف والتميز هي مهمة صعبة.

الخليج
2007-07-17

أقرأ أيضاً: