عبد الله بشيو

1

إن عدتُ هذه المرة،
عند بزوغ الفجر،
سأتلوى بين الحقول، مثل حمل،
سأمضغ ـ ملء فمي ـ عشباً يانعاً،
وأرطّب ساقي بالندى، حتى الكلل.

***

إن عدتُ هذه المرة،
سأتسلق، كالسنجاب، أشجار الجوز الباسقة،
سأحوم حول الحقول، مثل غيمة نائية،
وأنحني مثل الصفصاف
على الأنهار وصخور ضفافها،
آهٍ.. لوعدتُ هذه المرة!.

***

إن عدتُ هذه المرة،
سأتأمل كثيراً:
كيف تصفرُّ سنابل القمح،
كيف ينضج الرمان والتفاح،
كيف تبني طيور القطا أعشاشها،
كيف تتدرب فراخ العصافير على الطيران،
وكيف يصطف السنونو
على أسلاك كهرباء الطرق،
ومن أين تندفع الجداولُ،
وفي أية جهة تصبُّ.

***

إن عدتُ هذه المرة،
سأعبُّ من ثدي كل ينبوع، جرعةً،
لأجعلها أماً لي.
سأقضي في كل كهف، ليلةً،
متوسداً صخرةً،
لأجعلها مهداً لي.

***

إن عدتُ هذه المرة،
سأحمل للبُكْم ألسنةً من اللهب،
وللطيور الكسيرة الأجنحة، قوادمَ النارِ.

***

إن عدتُ هذه المرة،
لن أدع الشباب يقطفون الورود
للأصص الميتة فوق الطاولات،
سأعلِّمهم كيف يعلقونها على صدور الفتيات قبل العناق.

***

إن عدتُ هذه المرة،
ـ علمني أطفالُ موسكو، ذوو العيون الزرقاء ـ
ألا أدخل بيتاً، دون حلوى.
سأنصب أراجيحَ ناعمة للأطفال المشردين
وفي أعياد ميلادهم المجهولة،
أوقد أصابعي شمعاً لهم،
أشعل النار في حدقتي عينيَّ،
وفي أينع الشعر.

***

إن عدتُ هذه المرة،
وأنَّى كنتُ،
سأنحني متأنياً فوق كل المهود.
آهٍ... أيها الأطفال
لو أعود هذه المرة..
لو أعود!.

2

هل تذكرين طفولتي، أمي الحبيبة؟
كنتُ مولعاً بالطعم المرِّ:
آكل التراب، وأمضغ الطين،
وكنتِ تزجرينني، وتصفعينني..
أيتها العزيزة،
هاأنذا، قد كبرتُ
ولم أعد أشتاق إلى الطعم المر،
ولكن، لو قُدِّرتْ لي العودة، إلى "بيركوت"، ،
اصفعيني،
امنعي عني، حليب رضاعتك، ماشئتِ.
سأعود، أغزل بمغزل الطفولة،
وأقبُّل كل ماصادفني في طريقي:
من شجر وحجر وتراب وطين.

16 ـ 5 ـ 1975، موسكو

**القصيدة، من ضمن مختارات الشاعر المترجمة إلى العربية، من قبل مجموعة من المترجمين؛ أعاد صياغة المختارات محمد عفيف الحسيني، وآخين ولات.