ترجمة: زهيدة درويش جبور
الهر المسترخي تحت شجرة التين ينتظر قرار الشحرور المرأة التي تغسل ماءها في النهر أمه بالرضاعة وبالنميمة علمته بالطرق السبع كيف يعير الريح أذنا صماء.
يغمض إحدى عينيه حين يراها تغادر بلا ثوبها
زهرة علي النهد الأيسر
وأخري وراء الأذن
لمأمور الساحة خارطته وعلم بسبعة ألوان
بركاره سوف يدور رأس الورال الأشعث
يرسم مستطيلا علي جبين الأطفال
دائرة فارغة علي أكف الأرامل
ويعلن ان الأموات سوف يسلكون الطريق المائل من المقبرة
إلي أعلي السروة
ثم يرمي عدته في البئر
المطر الأخير يعود إلي الطوفان إلي نوح الذي لم يكن يعرف العد
دلاء المياه التي تسكبها السماء ماهي إلا شائعات تروجها الروزنامة.
يسكن المتشائمون الشماسي
الضباب الممتد حتى تانزانيا يزرع الرعب في الغيوم التي لم تعد في سن العشرين.
شعب بكامله ينام في الشجر
رافعا الأكف
لاستقبال القطرة الأولي.
الأرض كبيرة نضيع فيها كما تضيع المياه من جرة مكسورة
لا حصن يقي من الريح
على مسافر كانون أن يتكل علي تعاطف الجدران
ثمة طرق متكبرة تعبر القرى دون ان تتوقف
وطرق متواضعة تنحني لتعبر الأبواب
تنكب علي الأعمال المنزلية كي يقبل بها
تمتد في المرايا
تتكور تحت الطاولة قرب الهر
المرأة التي لاتملك مرآة ولا طاولة
لم نتأبط أبدا ذراع طريق
تأخذ مسافتها من الليل لتحمي أحلامها من السواد
هل سيسجل مساح الأراضي قطعة السماء فوق شجرة الفتاح؟
من رآه يطرد الشمس بقفا يده يعيره نظارتيه
كيف نخمن مساحة غيمة تتمدد أو تتقلص
كيف نقدر ارتفاع مطر أضاع قاعدة ارتكازه
ثمة فكرة في قدرة السنونو علي زعزعة كل حاجز يحد من حرية تنقلاته.
في الموقد روث عنزة يذكره بشاة أحبها
بعشبة إبليس وراء الباب
يود لو عنده هرٌ
لو أن خصومة بينه وبين كبش
أو بينه وبين ريح عربية
يود لو عنده امرأة يدعكها بين معجنه وفخذيه
أولاد يكرهم كحبات سبحة
ديك أحمر ليتبختر في عرس الثور والفراشة
للذي عبر ثلاثة جبال
ماء الوضوء وبيت يجلس علي النهر
حرم عليه ان يخاطب الحصى
لغته وعرة وإيماءاته تنحدر من أبجدية بعيدة
جرة فارغة في متناول يده
ننساه فصلا كاملا بين مطر يمحو مطرا
وصدي يمحو صدي
كتب عليه الرحيل
حذاؤه يتجه صوب الباب
شمروا عن سواعدهم
علقوا ستراتهم علي شجرة الجوز
شقوا بطن الأرض
وضعوا الصندوق في المستطيل الأحمر
مع الظهيرة والشمس والعرق
شقوا الأرض
شقوها من جديد علي ضوء المشاعل
بلا حزن ولا ضرورة
وظل المعاول يرسم شمسا علي العشب البارد
كانت النار تحرق الليل
والليل يكنس النار
لكانوا شقوها فجرا
لو أن النعاس لم يغلب المعاول والسواعد
يقولون: التابوت ضيق
والبيت مائل
لم يكنس احد أمام الباب
الثلج المكتئب صار جليدا
تجمد الحليب حزنا في الإبريق
احدهم استضاف رجالا جاءوا من قرية لا يعرفها أحد
ولد يتسلق السلم
خبأ سن الحليب في منديل
لا تخزن الحنطة في العنبر، في يوم كهذا
يمكن للعشب ان ينتظر
لكن الأرض المثلومة لا تستطيع الانتظار
لون التابوت عسل تحت شجرة الجوز
تغزز المسامير فيه كما في الحرير
الهواء يؤاخي طائر الشحرور
لا الطفل ولا الشمس عند تشابك الأغصان
من هذا العلو
تبدو الميتة لطيفة
أمس
اجتاحت يديها رغبة الترتيب
جمعت الكلل
طوت الغسيل الرطب
أخرجت المطرقة من علبة الأدوات
وضعتها في وسط الطاولة
ثم أمرت الطفل أن ينزه الليل في الليل
الحصاة في اليد تعبر عن الحزن
ترميها من فوق كتفها
تتناول أخري
خفيفة كروح الفقيد
ملساء كركبة فتاة صغيرة علي أرجوحة
غدا
ستفتح الأرض للدفن
سيملأ الفراغ بحجارة من الحقل المجاور
غدا
يتخذ الحزن المشترك هيئة الفرح
إمرأة تحاصرها الأرض
تصير شوكة في جلد الواقفين أمام سياجها
ينبشون حقلهم وقلبهم
يفتشون في الأثلام
يسمونها
وردة محمومة
قرنفلة خريف
تشرين يغسل الصدأ عن الأيدي والأدوات
يصبغ الهواء بالشحوب
يضفي ذوقه على خشب النوافذ
حول طبق لحم نيء يتحدث الرجال عن الأشباح العائدة
بينما الطفل ضحكة وراء الباب
ملحوا الثلج ملحوا خروف المائدة السوداء
وضعوا كأسا علي السطح وهبوه للقمر
جسوا الماء والطفل.
حبسوا صراخهما الذي يلطخ الجدران
صروها في ملاءة خشنة كمهالح البحار الفقيرة
حملوها علي الأكتاف مع رائحة بن وهال ترومها الملائكة جمعوا شتاتها
اجتازوا صحراء وكثبانا وواديا ضيقا
كادوا يقلبونها.
ثم دفنوها حيث يتوقف نبض الأرض
علي بعد صرخة من مطبخها
تحت خروبة لا عزاء لها
مع وعاء الغسيل الأحمر
ومواء الهر الأبيض.
جعلوها تطير بمحاذاة قطيع الماعز.
أعلي من طائرات الورق
وتركوها للنسيان
فينوس خوري غانا شاعرة وروائية لبنانية تكتب بالفرنسية وتقيم في باريس. صدر لها مؤخرا عن دار النهار الترجمة العربية لديوانها (ليل القراص)
أخبار الأدب
1 ابريل 2007