مازن حبيب
(يوميات)

إهداء

خارج مناطقِ الألم.. مُرعاةً لفارقِ الجرحإلى أبي "سلمان" الذي أصبح بالزَّمن وبالأقدار "حبيباً" وفاءً وحنيناً لجدِّه العَلاَّمة الشَّيخ حبيب بن يوسف،
وشاهداً أخيراً لذكراه، وذكرى أبيه العَلاَّمة الشَّيخ عبدالله بن محمَّد المعيني (المُجزِّي) ومآثرهما.

وإلى أمي "حِصِّة" التي أصبحت بالنُّبل والإباء "مريم" إبراهيم،
شاهدةً أُخرى لذكرى زمان أبيها الشَّيخ إبراهيم بن علي المعيني.

هذا الكتابُ ثمرتُكما من آخرِ العَنقود:
عرفاناً وتذكُّراً، ومُقاومةً للنِّسيان..
صبراً على السِّنين والأحوال..
وللحبِّ الذي استعصى قبل أن يجمَع بينكما..

مازن

مُفتتح

الـ مَازِنُ: الماضي مُسْرِعاً. المضيء الوجه. معجم المحيط.
حَبِيْب: المَحْبُوبُ. معجم الغني.
الـخارجُ: ضِدُّ الدَّاخِل. الذَّاهِبُ. معجم المحيط.
المِنْطَقَةُ: المِنْطَقُ.-: جزء محدود مِن الأرضِ، له خصائص مُمَيّزة، وهو على الكرة الأرضيّة... ج مَنَاطِقُ. معجم المحيط.
الأَلَمُ: الوجع.-. في الفلسفة، أحد الظواهر الوجدانيَّة الأساسيَّة وهي حال نفسيَّة معيَّنة يصعب تعريفها وتتميز بإحساس مادِّي أو معنويّ بعدم الراحة أو بالضيق، ويقابل اللذة ج آلامُ. معجم المحيط.
مُرَاعَاةٌ:- [ر ع ي]. (مص. رَاعَى). 1."مُرَاعَاةً لِمَكَانَتِهِ": اِعْتِبَارًا، أَي الاِحْتِرَامُ الْمَمْزُوجُ بِالاِعْتِبَارِ. ."مُرَاعَاةً لِتَقَالِيدِ الْمُجْتَمَعِ". 2."مَعَ مُرَاعَاةِ الْحَيْثِيَّاتِ الْمَذْكُورَةِ" : الأَخْذُ بِعَيْنِ الاعْتِبَارِ. معجم الغني.
الفَارِقُ: فا.-: كلُّ ما يُميِّزُ أمراً من أمر. معجم المحيط.
الجُرْحُ: ما يصيبُ الإنسانَ أو أي كائن حيٍّ إثْر ضربة بآلة حادّة (والأُذُنَ بالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ)/ أرسلوا إليَّ طبيباً ينظر إلى جُرْحِي.-: ما يصيب الإنسان معنويّاً؛ جُرْح النَّمِيمة يَنْدَمِلُ ولكن أثره يَبْقى/ (جُرْحُه حيث لا يضَع الرَّاقي أنفه) يضرب لمن يقع في أمرٍ لا حيلة له في الخروج منه ج جُرُوحُ وجِرَاحٌ. معجم المحيط.

يناير 2007

4 يناير 2007، مسقط
في شوارع العاصمة،تقود بعض الفتيات مركباتهن (الفارهة منها خصوصاً) بشراسةٍ ملحوظةٍ وتحدٍّ مقصود، ويتجاوزن كلَّ من يستحق تجاوزه في نظرهن ( من الشَّباب خصوصاً) بنوعٍ من الكبرياء، غير أن "دعمة" بسيطة في "البنفر" الخلفي لسيَّارة أماميَّة، لسوء تقديرٍ، أو لعدم انتباهٍ من السَّائقة المتعجِّلة، ستكونُ نهايتها انتزاعاً مرتبكاً للهاتف النَّقَّال وإتِّصالاً هلعاً بأقرب رجل قريب للتصرَّف في أمر المصيبة الكبيرة!.

10 يناير 2007
تتطلَّب الحياة تبسيط أمورها أكثر مما نفعله حيالها - هكذا أسمع، على غرار "هوِّنها وتهون". والأمورُ نفسها ستعتني بنفسها لو أُخذت ببساطة. ولا أعلم حقاً كيف يمكن أن يحدثَ ذلك، في الوقت الذي أحاولُ خلالها حلَّها بكلِّ "صعوبة"، دون أن يتأتى خلاصها، في حين إنها ستنحل تماماً لو فعلت عكس ذلك.
أُكْبِرُ هؤلاء الذين يستطيعون فعل ذلك في كلِّ مرة!.

15 يناير 2007 (*)
إذاً هذا الذي كان يشعرُ به كل من سبقونا حين كانوا يهدوننا نسخةً موقَّعةً من كتابهم الجديد، حيث كان يخبو ويخفتُ من بين وميض نظراتهم شكٌّ غيرُ مُعلنٍ: أنَّ مصيرَ هذا المُهدى لن يكون القراءة على الأرجح.

16 يناير 2007
عبدالكريم عبدالقادر لا يزداد إلا حنكةً في مقدرته على تنوير مناطق مُعتمةٍ من الحزن يخبرُ ثناياها في الروح. ليس لأن الوصول إليها دونه مستعصٍ وغير ممكن، بل لأن الذَّهاب إليها معه سيكون أكثر نبلاً وجدارةً. معه يكون للحزن معنى وقيمة: لا معركةً خاسرةً لم تشرع بعدُ في الانسحاب من هزائمها. إنه هناك دائماً، يأتي من جنَّة الحزن، ليقودنا بيديه إليها قليلاً، ويُعيدنا منها غير مكتفين من كوثرها ليعود إليها وحده فحسب، حيث ينبغي أن يكون: أصيلاً وماجداً.

17يناير 2007
إذا أردتَ أن ترسل رسائل مُتناقضة، إلى أحد أبنائك مثلاً، فما عليك إلا أن تعاقبه على إنجازه عملاً حسناً، وفي نهاية اليوم ذاته، فاجئه بهديَّة سخيَّة مبعثها أنكَ تُثمِّن بها كلَّ الأعمال التي اقترفها في حياته: سيئها وجيدها. لن توهمه بأنكَ تدَّعي تقديره فحسب -وإن كان سيراكَ مزاجياً غير قابل للتنبؤ - بل ستُصدِّق نفسك أنَّك تفعل ذلك حقاً، دون أن يكون ذلك ما تفعله فعلاً، وأيضاً دون أن يستطيع ابنك المحتار استيعاب ما الذي تفعله وإيَّاه.

20 يناير 2007
فن الفُرجة على الحياة فكرة مُلحَّة. الفُرجة في هذه الحياة، والفُرجة الكبرى حين لا يكون لدى المرء سوى التَّفرج الفادح. كل تلك الحيوات، كل تلك الأفلام.
على المرء أن يحسن أداء دوره حين يتأتَّى له الخيار في هذه الحياة على الأقل؛ متفرجاً صامتاً مُستمتعاً، أو كاتباً خلاقاً، أو ممثلاً متقمصاً، أو مخرجاً مُنهمكاًً. ولن يمكن لعاقل أن يُصر على دورٍ واحدٍ طوال حياته/فيلمه.

22 يناير 2007
أُسميه الدَّفتر الأزرق. لعلَّه يتَّخذ ألواناً أخرى، لكنَّه سيكون دائماً الدَّفتر الأزرق.
لا يغرنَّك الإبهار الرَّقمي الذي تنتهجه الشَّركات والمؤسَّسات في معاملاتها اليومية. كلُّ المراسلات البريدية الرَّقمية، والمعلومات المفصَّلة في قواعد البيانات المحفوظة في وسائط متعددة تتهاوى في نهاية المطاف أمام دفترٍ أزرق مُهترئ يُطلَبُ ظهوره كجنيٍّ طريفٍ من بين أكوام الملفَّات والأوراق المبعثرة، ليكون المرحلة الحاسمة لإنجاز مُعاملتك في مؤسسات/شركات هذه المنطقة من العالم.

24 يناير 2007
هسهسة في أجهزة التَّكييف المركزي الداخلي تُصيبني بانفعالٍ غامض. ليست هسهسةً، بل أصوات خافتة قادمة من بعيد. أسألُ الزُّملاء حولي: بربكم هل تسمعون ما أسمعه؟. يقولون: إنها أصوات الهواء المتصادم بالممرات ومنافذ تكييف الهوائية. أقول لا، بل أصوات غربان تنتحب من ألم غائر، أو لعلها تتنبأ بفجيعةٍ مُوشكة.

25 يناير 2007
استيقظتُ مُتعرقاً مُرتجفاً، وقدماي تنتفضان وينغزهما ألمٌ مُتقطع. مرَّ قليل من الوقت إلى أن استوعبتُ أني كنتُ في حلمٍ قد أفقت لتوي منه. رأيت في حلمي الأستاذ "محمد الغول"، أستاذ اللغة العربية في المرحلة الثَّانوية، كما كانوا يطلقون عليها سابقاً (أصبح المرءُ اليوم كبيراً بما فيه الكفاية ليتمكَّن من قول هذه الجملة، وكم كنت أستظرف من كان يحكي لي عن أيامه الخوالي حين كان إنجازُ "الابتدائية العامة" معاناةً حقيقيةً! وكم كان مسمعها يبدو لي لافتاً ومُضخَّماً كما سيبدو وقع "الثانوية العامة" على أي من طلاب اليوم). إذاً الأستاذ محمد الغول السُّوداني، الذي لا أعرف على (أو تحت؟) أي أرض الآن، لم يكن في الحلم، كما كان في الواقع مدرسَ اللغة العربية والمشرف على برنامج الإذاعة الصباحية التي كنت أحد أعضائها الأساسيين. لم يكن في ذلك الحلم مُنتشياً بمطلع قصيدة زهير بن أبي سُلمى صادحاً بسودانيته العذبة:

أَمِن أم أوفى دمنة لم تكلَّم       بحومانة الدراج فالمتثلم

والتي كنا نطالبه بشرحها بيتاً بيتاً ومفردةً مفردةً، دون أن يرضخ لذلك الطلب الملحاح، واليوم أفهم لماذا لم يكن يفعل ذلك. ولم نكن نتجادل، في الحلم أعني كما في الماضي، حول رتابة البرنامج الإذاعي المدرسي اليومي الذي أراد أن تكون صيغته المستقرة كما هي دون أي تغييراتٍ كبيرةٍ. كُنا، كفريق الإذاعة، نطمح لها وقتها. واليوم أفهم أيضاً لماذا أراد ذلك أيضاً. لم يكن قلقاً، كما كان يبدو دائماً كلما نادى مُقدم البرنامج اسم أحد الزملاء المكلَّف بإحدى فقرات البرنامج أمام حشد المدرسة: كقراءة القرآن الكريم، أو الحديث الشريف، أو حكمة الصباح، أو فقرة هل تعلم، أو الأخبار المدرسية. كان، في الواقع لا في الحلم، يتلفَّت بوجلٍ ملحوظ، ويُشير بيديه إلى الطالب المنادى -الذي كان يرغب في أن يكتسب هيبةً اعتبارية من مشيته الرزينة -ليحثَّه على الإسراع إلى المايكروفون المشرع أمام المئات من طلبة المدرسة، وكأن خوفاً أزلياً كان يتملَّكه من أن يحجم أحدُنا عن الظهور، أو تقديم فقرته في تلك اللحظة الحاسمة التي لا يمكن أن يكون أقل من مسؤول عنها، حيث سيُقرِّعه مدير المدرسة عليها كونه المشرف على نجاح النشاط الإذاعي. ولم يكن يستعرض في الحلم أسماء المكلفين بالبرنامج الإذاعي ليوم الغد كما كان يفعل عند نهاية برنامج اليوم الذي يسبقه : مازن حبيب، حميد الصوافي، محمد مأمون، سالم هلال الشامسي... هكذا كان يُسمِّينا.
كان يتخيَّر الأسماء التي كنا نظهر بها في الإذاعة المدرسية، تلك الأسماء التي ستبقى أسماءنا لسنين بعدها خارج إذاعة مدرسة عزان بن قيس الثَّانوية. يقتطع جزءاً من أسماء بعضنا، ويكمل اسم الآخر كما كان يرى وقعه ملائماً سماعياً في أذنه، أو كما أرادنا أن نكون.
لم يكن يفعلُ أيًّا من هذا في ذلك الحلم المضطرب، لكنَّه بالمقابل كان يراوح في الإمعان بنظرته الحازمة بين عيني وبين كتاب في يديه، ولا أستطيع أن أجزم أنه كان يبعثُ من خلالها نظرات عتبٍ مُبطن. كان يتصفح الكتاب ويقرأه ورقةً ورقةً في صمت مهيب، وبين لحظة وأخرى، كان يكتبُ شيئاً ما بالقلم الأزرق، لا الأحمر، في أوراق الكتاب، وكان ذلك يؤلمني، إلا أنه كان واثقاً مما يفعل، ومما كنتُ أشعر به. تكشَّف لي في اللحظات الأخيرة قبل أن أستيقظ مذعوراً أنه كان يكتب كلمات لم أستطع تبيُّنها على أوراق مجموعتي القصصية "الذاكرة ممتلئة تقريباً".

29 يناير 2007
أهي العين التي تفقدُ ألوانها بمرور الزَّمن، أم أن الأشياء سيخبو بريقها، ولن تكون أبداً كما كانت تبدو من قبل؟.

فبراير 2007

3 فبراير 2007
من القائل:
إذا سلمت رؤوسُ الرِّجـال من الأذى      فما المالُ إلا مثل قَلْمِ الأظافر"؟.

17 فبراير2007


مصدر الصورة:
http://www.sonypictures.com/classics/threeburials

أبحثُ عن فيلم "الجنازات الثلاث لمكلايدس استرادا"، ولا أجده في العامرة مسقط، ككثيرٍ من الأشياء التي لن يجدها المرء هنا. بحثي مُتقطع، كلَّما لمحتُ محلاً تذكَّرتُ وسألت. عدا ذلك وقعتُ في حبِّ الفيلم من عنوانه منذ الصَّيف الماضي، وأجزم أني في طور الوقوع في غرامه حتَّى قبل مشاهدته. ربما أشعرُ بالحب نحوه لاستعصاء الحصول عليه، كثمرةٍ محرمةٍ، أو محبوبةٍ مُتمنِّعةٍ، مثيرة في تعفُّفها عن الحب النَّبيل، وقلما شعرتُ بذلك -نحو الأفلام أعني. آخر مرة حدث ذلك تجاه فيلم "تذكار" Memento، ومازلت ممتناً لذلك الحدس التنبؤي. العنوان هنا أيضاً يَعِدُ بالكثير: أعني ثلاث جنازات مرَّة واحدة! ولا أظن أن الممثل "تومي لي جونز" سيخذلني، بالرغم من إنه ليس من ضمن الممثلين الذين أتشوقُ لرؤيتهم على الشَّاشة على وجه الخصوص، لكنَّ عمله وراء الكاميرا هنا وأمامها، مخرجاً للفيلم بالإضافة إلى كونه ممثلاً ذا دور رئيس. قرأتُ من قبل بتحفظٍ شيئاً مما كتب عن الفيلم تجاوزاً وتصبراً إلى أن أعثر عليه، وكان كثير منه يبشر بوفاء مُنتظر.
أدخلُ المحل إذاً باحثاً عنه، وتتلفت إليَّ البائعة كعرضٍ ضمني للمساعدة، لكنَّ عنوان الفيلم الطويل غير الجذَّاب في وقعه يضعني في مأزق مع تلك الفتاة: فأي محاولة للفظه كاملاً بالإنجليزية ستستفز البائعة (وكذا أي محاولة أخرى للإتيان بالمقابل العربي:"الجنازات الثلاث لمكلايدس استرادا" ستبدو صادرةً من زبون يحاول أن يبدو مُتحذلقاً مُتشدقاً بعربيَّة آتية من زمن آخر لا تخصُّ هذا الزمن)، وسيُثبِّط فوق كل هذا أي من هذين التفسيرين المحتملين من مبادرتها في البحث قبل الشروع فيه.
إنه من تلك الأفلام التي تأتي إلى عُمان ونجدها هنا، لا شكَّ في هذا. فكَّرتُ في داخلي. لا بد أنه تحت أكداس الأقراص هنا أو هناك، مازلتُ أفكر في داخلي.
وجدت لساني يفلت من حواره الدَّاخلي مُوجهاً لها: أدوَّر ع فيلم ف عنوانه كلمة Three!.
لم أكن راضياً تماماً عن أدائي وعن ركاكةِ وصفي، بل كنتُ متفاجئاً أنني قمتُ بالسُّؤال عن الفيلم هكذا، حال نطقي. عقَّبت شارحاً ومستدركاً ومعتذراً عن أدائي السابق: هُوَّ الاسم طويل وصعب شوي، لكن في البوستر فيه صورة كاوبوي!.
شعرتُ أن استطرادي الوصفي لم يكن ركيكاً بالضرورة حين أبدت تجاوبها، ولعل محاولتي في التَّوصيف تلك أتت من عشرات المرات التي يسمع فيها المرء الآخرين عند سؤالهم عن الأفلام وعن كيفية وصفهم لها دون الإتيان باسمها مباشرةً، كظاهرة عربية بامتياز، تمتاز باللف والدوران حول الشيء وصفياً، دون تسميته بإسمه، أو بتسميته بشيء حين يعني المرء مُنتجاً منافساً. لم أكن سوى زبون يرغب في الحصول على فيلم تقع كلمة " Three "في عنوانه، كأي زبون آخر يريد فيلم "رعب ضبط" أو "أكشن ترتيب" أو "فيلم قصته حلوة". لم يخب ظني إذاً، فما زالت هذه الطَّريقة تجدي في البحث عن الأفلام في محالِّ التَّأجير، حينما ردَّت علي: "الكاوبوي هذا فيه لحية؟".
- أيوا! أيوا!.
- ومعه مسدس بعد؟
- بالضبط!.
- وفي البوستر في صورة شرطي؟.
- أيوا صح!.
-لا والله ما أعرفه صراحة! ما أظن عندنا.

19 فبراير 2007
كافكا. كافكا. كافكا (*)!
إذا شعر المرء بفقد ثقته في البشر أو الحياة، فربما لن تزيده "المسخ" إلا احتقاراً لهم وإكباراً للحياة في "إنسانهم".

21 فبراير 2007
الأفكار قابلة للتغيير دون سابق إشعار للزمن.

22 فبراير 2007
لا تثق إلا بالشَّك.

25 فبراير 2007
لوحة غاضبة على مدخل حمَّامات أحد المساجد: "ممنوع استخدام الحمامات لغير المسلمين". وكأن لسان حالها يقول: "أكاد لا أحتمل استخدام المسلمين لها.."!.

مارس 2007

8 مارس 2007 ، أبوظبي
تسألني الـمُرافقة، وهي تراوح النَّظر بيني وبين وثائقي بكثيرٍ من اللُّطف، وبشيء من الفضول: "إذاً أنتَ تعمل في صناعة الأفلام، سيِّدي؟".
أنفجرُ ضاحكاً، ظانًّا من أنها تسخرُ منِّي، أو هكذا بدا لي من تساؤلها لحظتها، وحين تستغربُ من ردَّةِ فعلي المبالغ فيها قليلاً أوقنُ أن سؤالها كان استفهامياً فحسب، فأقولُ لها: "سؤالك ِذا يجعلني أفكِّر أنَّه ينبغي أن أفعل ذلك".

10 مارس 2007، أبوظبي (*)
في اللَّحظة التي يُعرض فيها فيلمكَ، في عرضٍ جماهيري أوَّل، تتمنَّى لو تتحوَّل إلى كائنٍ غير مرئي غائص في مقعده، لا يبقى منه سوى عينين وأذنين هَمُّ كُلِّ واحدةٍ منها أن تختلس، وتتلصَّص على شفاه وعيون كل المتفرجين.

والقلب الرَّاجف في نبضه طوال الدقائق السِّتِّ الطَّويلة تكادُ دماؤه تنزُّ على الشَّاشة الكبيرة.

11 مارس 2007، أبوظبي
كُلُّ عرضٍ هو عرضٌ أوَّل. هذا الجمهور ذاتُه لن يتكرَّر في عرضٍ آخر، في هذا المكان من الأرض، في أيِّ وقتٍ غير هذه اللَّحظة من الزَّمن.

16 مارس 2007، مسقط
فللِّيني الإيطالي المجنون: أيجرؤ على الاعتراف بأنه لم يشاهد مباراة كرة قدم واحدة!(*).

21 مارس 2007، مسقط
اليوم، النَّاس طيِّبون على نحو لافتٍ، ودودون أكثر من المعتاد. آه، الأربعاء!. يُفكِّرون في الحياة، في اليومين المقبلين منها، على الأقلِّ، ولا يبدو أنَّ لديهم خُطَّة بديلةً لهذه الحياة، أو تلك. لا أحد يخطِّط لأن يموتَ اليوم.

22 مارس 2007، البريمي
لا تعذليه فإنَّ العذلَ يُولِـعُهُ       قد قُلْت حقاً ولكن ليــس يسمــعُهُ
جاوزتِ في لومِهِ حدًّا أضرَّ بهِ     من حيث قــدَّرتِ أنَّ اللَّـومَ ينفــعُهُ

ابن زريق البغدادي... لا بُدَّ أنَّه عانى من اللوم ليُعرفَ فحسبُ من قصيدته العصماء الأثيرة، حيثُ الشَّطر الثَّاني من مطلعها لا يمكنُ أن يكون أكثرَ التصاقاً ومعرفةً بحال المُلام.

24 مارس 2007، مسقط
إنَّني آسف لكنِّي أتخيَّل فحسبُ ما تقولين، وإن كان ما قلتِه لا يدعو إلى الضَّحك إلا أنَّ الصُّور التي أراها في تخيُّلاتي مُضحكةٌ حقاً.

***

سبعون ريالاً تدفعها جزاء اصطياد الرَّاداراتِ لعجلتِكَ ستعني تقريباً بالمقابل:
ثمن 35 تذكرة دخول لأفلام سينمائية، أو ثمن استئجار 210 أفلام تقريباً، أو ثمن شراء 28 كتاباً في السينما...
ياللقيمة وياللثمن!.

25 مارس 2007، مسقط
إلى عامر:
بالمناسبة، في مثل هذا اليوم، قبل 64 عاماً، عرضَ "أكيرا كوروساوا" فيلمه الأول "سانشيرو سوغاتا". هل، لو كان يعلمُ، أنَّ شخصين على الطَّرف الأوسط من الكُرة الأرضية، في أقلِّ الأماكن سينمائيَّة حينذاك والآن، سيتحدَّثان في هذا اليوم تحديداً عن مخرجٍ يابانيٍّ عظيمٍ مازالت أفلامه تبعثُ السِّحر، هل كان سيَقلقُ على عرض فيلمه الأوَّل؟!.

27 مارس 2007، دبي
أحاولُ عبثاً أن لا أقيمَ مُقارناتٍ غير عادلة بين دبي ومسقط، دون أن أتمكَّن من التَّخلُّص من الحافز المتملِّك. فرط التَّباين والمزاج في المدينتين محرضٌ حقيقيٌّ على مثل هذه المقارنات.
تبدو لي دبي كصديقةٍ مُدللة، مُثيرة، جامحة، محبة للحياة، باهظة، مُتنمقة، مُرعبة في طموحها،سريعة الانفعال، وغير قابلة للتنبؤ. يمكنكَ أن تفخر بها أمام الآخرين، لكنَّك لا يمكن أن تبقى معها طويلاً. لا يمكنُها أن تكون زوجةً في يوم من الأيام. وحيث إنَّه يصعبُ أن تمكث معها طويلاً إلا أنَّكَ تحب دائماً أن تعود إليها.

أما مسقط فستبدو كزوجةٍ أليفة، نظيفة، ودودة، وبسيطة. لن تفاجئك بما لا تتوقَّعه كلَّ يوم، وإن كانت ستفعلُ ذلك، فلن تتذكَّر متى حدث ذلك آخر مرَّة. تفعل ما تفعله على أكمل وجهٍ، وكما فعلتَه آخر مرَّة. لا تتوقع منها أن تفعله بأسلوب يمكن أن تصفه بالمبدع. تتعايش معها يومياً بسلامٍ نسبيٍّ، وسيكون الغد في متناول تنبؤاتك.

إبريل 2007

5 أبريل 2007، مجز الصُّغرى
يُولد الأطفال ويكبرون، وكلَّما ظلَّ المرءُ يراقب أبناءه، صار يترقَّب فداحة الزَّمن فيما تبقَّى من عُمره. هؤلاء الصِّغار يكبرون، وكلَّما كبروا قاربت أنت بدورك الحتف. هؤلاء الصِّغار الذين يكبرون أمام عينيك كلَّ يوم يُذكِّرونك بالزَّمن في تجسُّدهم المادي أكثر من ممارستك الحقيقية واليوميَّة مع الزَّمن، على اعتبار أن المرء يلحظ الزَّمن في الآخرين أكثر مما يستشعره فيه. في تلك الرَّاغبة العارمة لرؤية أطفالك يكبرون، أمام عينيك، في هذه الرَّغبة يكون الزَّمن قد ارتكب فداحته فيك.

مايو 2007

5 مايو 2007
أيُّ مُؤشرٍ هذا يمكن أن يعنيه استشعار المرء للأغنيات كلها تقريباً، على نحوٍ غير مسبوق؟.

24 مايو 2007، البريمي
إلى عبدالباسط:
تخيلتنا بعد أكثر من عمرٍ سيمضي.. تخيلتنا نستيقظُ، صباحاً، قبلَ زقزقة العصافير. سيحدثُ أن توقظني باتصالكَ أو طرقكَ، لأنني، كالعادة، لا أفيق من نومي بسهولةٍ من تلقاء ذاتي، ولن أفعل.. تمرُّ على بيتي.. كما كنتَ تفعلُ اليوم.. سنتكئ على عصاوينا.. ونمشي ببطء (وإن كنتَ ستكون أسرع في سعيك مني) خشية السُّقوط والألم.. ونفتعل أشغالاً مُبتذلةً ليست إلا لتبديد الوحدة الكائدة في الصَّباح.. نهنئ بعضنا بعضاً بإنجاز أشغالٍ لم نشرع حقاً في العمل عليها.. نجلس مُتقابلين في المقهى. وحين يضع النَّادل أكواب الشاي المزعفر أمامنا سنصمتُ قليلاً، وحين يطأنا الصَّمت بثقله، بفراغ الرُّوح، سنتذكَّر الأحباب الذين فارقونا (أو فارقناهم)، الأشياء التي لم نعد نملكها (ولم يحدث أن كانت لنا، وكنا نعتقدها لنا)، بعد العمر والأمل الذي قضيناه في الحديث عنها، لتتراقص الذكريات في عيني، وتضبب الرؤية أمامي، ولا أدري إن كانت الدَّمعة التي ستسقط في كوب الشاي دمعة أذرفُها الآن على نفسي أم دمعتي حينئذ!.

25 مايو 2007 ، صحار
أتأمَّلُ حبَّات الأرز التي تعلوها قطع اللحم المشوي في صحن الوليمة، وليمة العزاء. وحين بدأنا ننهشُ اللَّحم، ونهبش الأرز بأيدنا بدا لي أن الذي كنا نفعله لا يمكن إلا أن يكون أمراً فظيعاً: أن نأكلَ في حضرة الموت.
وحين أفرغنا الجزء الأكبر من الصحن في بطوننا بدا لي أيضاً، وأنا أنظر شركائي، أن حبات الأرز التي تبقَّت في صحننا قد تكون آخر ما تبقى من عُمْر كلِّ واحدٍ منا (أو مجموع ما تبقى لتلك الثلة المتحلقة حول الصحن من عُمْرٍ) من أيَّام.. أو ربما ساعات.. أو دقائق.. أو حتى ثوانٍ في الحياة.. وأن ما التهمناه، دون أن نشعر، وسارعنا في ذلك، كان عمراً مُقضيًّا.

29 مايو 2007
حين يضحكُ المرء أكثر من المعتاد، وبشكلٍ مُفرط، يراوده في نهايات القهقهات شعور مُتملك بالقلق المحزن، ثمناً ينقده مُباشرةً لذلك الضَّحك، الدَّفع المسبق للقيمة.
فكَّرتُ لو كان بالإمكان الاحتفاظ بوجوم تقاسيم الوجه أمام مُسبِّبات الضَّحك، وعدم تبديدها كلِّها في جلسةٍ واحدةٍ: أن تحكي لي نكتةً فلا أضحك لها، أن تسرد لي قصَّة مُضحكةً، فلا أتفاعل.. أحتفظُ بكل تلك الضحكات المخزونة، في داخلي، للحظات أحدس أني سأكون خلالها أكثر احتياجاً من أن أستنفدها كلها الليلة، ليومٍ مُقبلٍ حين لا شيء سيدعو إلا إلى الحزن وقتها (*).

يونيو 2007

3 يونيو 2007، مسقط
اليد التي اصطدمت، صدفةً، في الظُّلمة غير المعتمة كليًّا، بكأس الحليب، وحاولتْ بارتباكٍ تلاشي وقوعه، دلقتُه في مكان ما غير الواقع. مازالت الكأس، بعد الإنارة، ممتلئة بالحليب على الطاولة، وإن كان قد تزحزحَ قليلاً عن مكانه الأول بضعة سنتيمترات. لم يحلْ ذلك دون أن تدلقه العين في مخيلة أخرى، لم تحدثُ في الواقع.

4 يونيو 2007 (*)، مسقط
راودتني رغبة في إضافة شهور "شخابيط" المتبقية من العام الحالي، شهراً شهراً، مرةً واحدةً، بل وجدتني قد شرعت فعلاً في إدراج الشهور، أعلى صفحة هذا الشهر، تمهيداً لوضع صفحاتها المخصصة مُقدماً، بعد أن تملكني فقدُ تماسي مع وقع الأيام، وأمست إضافةُ شهر جديد في بداية كل شهر، كما تراءت لي، عملاً، يبدو يومياً مُضجراً من فرط تقارب الشهور وتداخلها مع الأيام.
لكنني بمجرد ما أنهيت صف تلك الشهور، وجدتني أقل ثقة في نفسي، وأكثر قلقاً من أمانها السَّافر الغافل عن الزَّمن، فسارعتُ إلى مسح الزمن الذي لم يحدث بعد، وربما لن يحدث.

6 يونيو 2007

A Death Note
One day, when it is in the fading memories and dusty recollection, your name will come up again beyond my recognition, slitting my throat as I reluctantly pronounce it, if I only could. That sore and bitter taste that I may have always left in your throat all the years, will then be what I lastly taste.

11 يونيو 2007
لحظة الكتابة عن شيء ما، لحظة المحاولة تلك، لحظة محفوفة بالعجز والإحباط.. لحظة الإمساك بالفكرة المستحيلة، وإنجازها المكتمل لكن غير الكامل.. رغم أن الكتابة معنية بالوصول إلى درجات من الكمال، فهي لا تبدو أنها تحقِّق، في أكمل أحوالها، إلا حالات مُتقدِّمة من النُّقصان.

22 يونيو 2007
الحديث عن الآخر، الكتابة عنه، التَّمادي اللاواعي، بحسن نيَّةٍ أو سوئها، بمحاولاتٍ، أقل ما يمكن أن تُوصف بأنَّها غير مُقنعة وغير جديرة في سعيها الأعرج، في استشعار مُعاناة ذلك البعيد بُعد المجرات والكواكب في تعقيدات تركيبه البشري الغامض الذي سيبدو، عن جهلٍ وصفاقة، قريباً منا، بسفور الظن الغافل ذاته، نصيِِّر منه هدفاً سهلاً في تصرُّف يفتقر إلى أدنى درجات المسؤولية الأخلاقية. من نظنُّ أنفسنا لنقترف هذا الإدعاء، مُتغافلين عن الاستماع إلى نبرات أصواتنا، قبل أن نحمِّل الآخر هذا الواجب الذي نعتقد أن عاتق الاستماع إلينا لا يقلُّ أهمية عن الحديث المزعوم؟. أو نتجاهل أصداء ذلك النداء الخالص الخافتة الداعية إلى حكمة الصمت الأصيلة، وإلى فكرة أننا لو كمَّمنا أفواهنا قليلاً، ولم نرتكب حماقة الإيحاء والتصريح بأن لدينا رأياً "ذا أهمية"، فيما يحدث، وفيما حدث، وفيما سوف يحدث، لأستمر العالم، بالمناسبة، كونه كوكباً قابلاً للعيش دون ذلك الرأي، ولأمست حياتنا أكثر بلاغة من رطانة زائدة على كل حاجة.

يوليو 2007

5 يوليو 2007
الرُّوح الأقرب إلى الانكسار خذلان يومي ومعاناة غير جديرة.

26 يوليو 2007
تمنح المذكرات المكتوبة، أو ما أتى على شاكلتها، إحساساً حقيقياً بمرور الزمن، وما صاحبه من أحداث، وتحملُ خدراً مؤقتاً من فجيعة مُضيِّه، كما يمكن أن تفسر منطقية ومادية مضيُّ كل تلك الأيام بتلك السرعة الخاطفة، مخففةً على الذاكرة أعباء ومساءلات تقع ضمن مسؤوليتها المباشرة.

7 يوليو 2007
إلى خميس:
قَلقٌ من المكان، مسكونٌ برغبة غامضة في الرَّحيل العجول، تاركاً بقايا الحديث في قيعان أقداح القهوة المُرَّة، وكسرات بقايا الطَّعام القليلة العالقة المستكينة في الأطباق المتروكة، لتسرد لناظرها شيئاً من وجود أصبح معدوماً لصاحبيها بعد مغادرتهما من المكان. وكأن حكاية لا بد أن تسردها في مدينة أخرى، في زئبق الزمن اللزج، فلابد أن تحمل نفسك وتسير في خطاه، لعلك تسبقه، تعيش اللحظة المنفلتة في مكان آخر. ليست لحظة في مكان واحد بل أزمنةً وأمكنةً، وأنتَ تقطعها.
لابأس من الدقائق المهدرة من الزمن، فقد استحوذتَ على الأماكن كلها التي مضيت إليها. تتركها لتجدها من بُعد المسافة، بكراً، فتتراءى لك مرةً أخرى، خصبةً، جديرة بالاستحواذ، وتكون أهلاً لغزوها عائداً، وكأنكَ ما كنتَ فيها من قبل وما كنتَ لتكون فيها من بعد.

31 يوليو 2007
أتساءل كيف يستجيب المغنون، مثلاً، أثناء مشاهدتهم لأنفسهم، في الأغاني المصورة قديماً، نسبياً، وهو يؤدون أغانيهم بانفعالٍ بالغٍ ويجتهدون في إظهار الإيماءات والحركات والرقصات العديدة التي لم تعد تنتمي إلى هذا الزمن، وهي وإن كانت تنتمي إلى زمن غابر لم يعد موجوداً فإنها -لا بد-تبدو بلهاء ومدعاة للتندر والسخرية للعين التي ستبصرها بوعي ونقد اللحظة الراهنة.

أغسطس 2007

6 أغسطس 2007
الذعر من عين متلصصة، عين متربصة تختلس ما وراء الكلمة، خشية الكاتب من الحرف الأول والفضح الأخير.

18 أغسطس 2007
لا أعلم أينا عالق في حياته، متورط بها، أكثر من الآخر. أنا الذي أبدو حراً طليقاً، أم أنت الذي تسير في الحلقة المفرغة ذاتها، ولعل الأمر لا يكون كذلك، لكَ، ولي؛ شيء من تبادل الأدوار.

23 أغسطس 2007
الحمامة المتجهة نحو النافذة المشرعة بالسرعة النفاثة حين اصطدمت بالشبك الخارجي لها، كانت ترى ما وراء الشبك، فانظر ما كانت ترى.

25 أغسطس 2007، مسقط
على جميع المسافرين المغادرين حال الانتهاء من إجراءات الهجرة والعبور من بوابات التفتيش، وقبل الدنو من بوابات الإقلاع، الوقوف صمتاً، دقيقة انكسار خاشعة، للَّذَين كانا هناك، ولم يعودا هناك، مرةً أخرى، وعلى القَاطِنين خارجَ مَناطِق الألمِ مُراعاةَ فارقِ الجرح.

سبتمبر 2007

3 سبتمبر 2007

In short, it just gets better when you dream in celluloid.

11 سبتمبر 2007

Why do you make us lower the bar? Make us think we are no better than what we already have or will ever have. Every time you made us look less, worse, and weaker. Degrading such high ambitions to the point where we actually get surprised to things that we shouldn’t get surprised by. Accepting things we would not have accepted, had we been somewhere else.
Is it us who feel this way towards you, or is it you who is enforcing this feeling in us?.
Ultimately, it doesn’t really matter: the message has been received.

12 سبتمبر 2007

These who we are talking about are dead people.
Really dead. All dead.
But they once were alive, hurting those of us who then used to be alive as well. It seems that when they actually died, they had killed us long before we all thought, definitely earlier than what you are thinking now. Yet we are here to tell stories about what they did, and who we became because of it. We like to think of it this way; as victims, yet we additionally were witnesses and eventual tellers, and our character role in this life seems to approach to an end by the time the story is told.

24 سبتمبر 2007 (*)
مساء الخير،
أجدني اليوم معكم، كما كنتُ، وما زلتُ، أبحث عن نفسي، عن روحي، قبل أقل بقليل من عقدٍ واحدٍ بحلول هذا القدر من الزمن، إذ كنتُ أسعى في قارَّةٍ أخرى، وفي زمنٍ آخر، لا يزداد إلا اتساعاً وابتعاداً مع المسافة والأيام، كما أنتم الآن في قارة أخرى تسعون، وفي زمن آخر أيضاً، تبحثون عن أنفسكم وأرواحكم، والطريق أمامنا، جميعاً، لا يزداد إلا طولاً في "الشارع الطويل".

أجدني إذاً مُشوشاً وهلعاً تقريباً وغيرَ قادر على استيعابِ حقيقةِ كوني أجلس فعلاً على هذا المقعد الذي أقابلكم منه، في الوقت الذي سيبدو دائماً، على الرغم من امتدادات المسافة والأيام، اعتياديًّا على جلوسي في المقاعد التي تجلسون عليها.. سيبدو أكثر ألفةً، أقرب إلى نفسي، أحنَّ إلى روحي تلك التي كنتُ ومازلتُ أبحث عنها بعد أقل بقليل من عقد واحد بحلول هذا القدر من الزمن.

وكأن دعوتكم هذه تحقق لي عودةً، إلى مكان لم أكن فيه أساساً.
وكأنما بدعوتكم هذه أحقق عودةً إلى ذاكرةِ حالةٍ كنتُ بالضرورةِ أستشعرها.
إنكم تعيدوني إلى هناك، وأنا صرت هنا. ولا أحاول في بعض قصصي إلا أن أذهب بكم إلى هناك وأنتم هنا.

وعلى اختلاف المكان والزمان والسِّياق والشخوص، على اختلاف اللُّغة، على كل تلك الاختلافات، تتحققُ ما تبدو وكأنها تفاصيل الحكاية ذاتها مرةً أخرى، لكنها ستظل دائماً حكايةً مختلفةً، كلما أردنا أن نُثبت عكس ذلك، أو كلما أردنا لحكاياتنا أن تتناسخ، لنسعف أنفسنا فنحسن استيعابها، سيظلُّ الزمن يثبت ما هو غير ذلك، لأننا، بالشخوص "المتفردة" تلك التي نتقمصها دون اختيار تقريباً، لن نعود بعد الآن كما كنا تماماً من قبل، أو كما أردنا لأنفسنا أن نكون مهما توهَّمنا أو سعينا إلى ذلك، بل كما ينبغي لنمو شخصياتنا الطبيعي، وفق سيرورة أحداث تخرج، بحكم الزمن ذاته - ولا جور في ذلك - من سياق استيعابنا الآني لقصتنا الكبرى.

لم نعد نمسك بزمام قصص حياتنا، ولم تعد هي بدورها قابلة للتنبؤ أيضاً.
إننا، من جديد، نبحث عن مصائرنا، والتباساتها المعقدة في حكاياتنا.

* * *

أجد في هذه المناسبة، بتفاصيل المعطيات كافة التي منحتها دعوتكم لي.. أجد من خلالها:
فرصة التَّفكر والتَّأمل،
وفرصة الحلم والتَّخيل،
وفرصة إعادة تشكيل الذَّاكرة ما دام الأمر متاحاً:
في الذات تلك، وفي المرء ذلك الذي تركتُه في كل مدينة كنتُ فيها ، أرى اليوم (وأي ذات أصبحها المرء، في زمن حاضر؟).. أرى كلما حاولت الاستئناس بذكرى كل واحد منهم، وبذاكرة الذوات كلها،
أراهم مازالوا يفعلون الأشياء التي يحبونها كما تركتهم، أو كما أحبُّهم أن يكونوا، مازالوا يقترفون أخطاءهم الفادحة أيضاً، وينظرون إليها بقليل من التسامح، وكثير من الندم، مازالوا يعانون، تؤرقهم الأسئلة الكبيرة وتتعبهم التفاصيل الصغيرة. مازالوا يسجلون محاولاتهم، حقهم في الخطأ والصواب وما كان بينهما في مشروع الحياة. يتجاوزونها أحياناً ويعلقون فيها مرات أكثر.

هكذا أطمح لذواتي، لشخوصي، أو ما كان يتأتى على شاكلاتها، أن تحقِّق إنسانيتها، وخلاصها، كل واحدة على حدة، وبتوازٍ، من خلال ذاكرة مُفعمة تدفعها للاستمرار، بحيث لا يحد نمو الذات مغادرتها المكان، ولا يقيد بقاءها مضي الزمن.
شكراً لكم جميعاً.

28 سبتمبر 2007
إلى خميس:
أصبت كما يصيب الموت قتيله، بنزع مفاجئ، وانتزاع من الحياة. الذاكرة هي كل ما يملكه المرء، من خزين ثمين في هذه الحياة: لا لحظة الحاضر المنزلقة اللزجة، ولا غامض المستقبل المخيف. الذاكرة، حين ستعني الماضي الذي نستذكره، وحتى حين نستوعبها في حالة أعم، أكثر اتساعاً من أن نحصرها في زمان ما، بل حين نبلغ معها ونستشعرها كونها حالة في طور التشكل عبر الزمن لا تحتفظ بقداسة الحفظ وإن اكتسبته في بعض الأحيان،فكيف نحسن لذاكرتنا، في هذه اللحظة الراهنة، أو في المستقبل المنظور، كما سنحب أن نحسن لمن نفقدهم؟.

أكتوبر 2007

1 أكتوبر 2007
لماذا يرتبط عرض الكاميرا الخفية العربية بشهر رمضان؟.

16 أكتوبر 2007
أين ذهب كلُّ هؤلاء المحشورون في شريط الفيديو؟. كيف كبروا وهرمت أرواحهم اليوم؟ وكيف أدمى الزمان وجوههم؟. كانوا أكثر شباباً وأكثر براءةً وسكينةً. مازالوا يفكرون في الشريط، وهو يُعرض الآن، كما كانوا قبل عشر سنين يفكرون حين التقط الفيلم اللحظات، تحفهم الوداعة والطمأنينة والغفلة عن الحياة، وكأنما لن يكونوا بشراً آخرين بعدها مرة أخرى، كما أصبحوا، وكأنما لن يفقدوا تلك الذَّوات إلى الأبد، فيبقى الشريط مُذكراً قاسياً لما لن يعودوا إليه مجدداً، لفقد إنسانهم القديم.
لو كانوا فقط يعلمون لما، على الأرجح، خرجوا من الشَّريط إلى العالم الشَّنيع الذي يعيشونه، ولما أرادوا أن يصبحوا الشُّخوص الذين هم عليهم اليوم. فقط لو كانوا يعلمون.

17 أكتوبر 2007
إلى عبدالجليل:
الآن بدأتُ أفهم أنه حين يحتفل المحتفون بأيام ميلادهم فهم بالضرورة سعداء بأنهم لم يموتوا بعد، بالبقاء الآني، بالقدرة على التنفس وهُم فوق الأرض، بالانتصار ضد عوامل الفناء إلى إشعار لا بد أن سيكون آخرَ. يوماً سعيداً لكَ وعمراً مديداً.

24 أكتوبر 2007
لا تمنح الإجابة الحاسمة مساحات التأويل التي تحملها الأسئلة. ربما لا ينبغي لنا إيجاد إجابات لكل الأسئلة. هي أفضل هكذا أحيانا.

30 أكتوبر 2007
Falling in hate is not such a bad idea after all when you get to know what people do once they claim that they fall in love!.

31 أكتوبر 2007
القطُّ الصَّغير المتلبط وسط بركة دمائه على الشَّارع، كالسَّمكة الخارجة النَّافرة لتوها من ماء البحر على المركب: كلاهما في لحظة النَّزع.

نوفمبر 2007

2 نوفمبر 2007
"شرُّ البلية لا يُضحكُ" (*). فعلاً، يا أمُّي، يا أعزَّ العزيزات، لا يبدو أنَّ لذلك الشَّر إلا ما قلتِه قبل عقود من الزمن.

17 نوفمبر 2007

Aren't we just running the awful risk of living on circumstantial basis with no further perception of what else our life could be?.

ديسمبر 2007

10 ديسمبر 2007
وكأنني متحفز من شر لا بُدَّ منه، وكأنه شرٌّ ما كان ليحدث.

11 ديسمبر 2007
كنتُ أعلم أن القطط مثل البشر تقتتل في الشوارع وتصفي بين الفينة والأخرى خلافاتها النزقة بعراكات لا تبدو ضرورية للأطراف التي ليست على صلة. صراعات تبتعد عن قيم الإنسانية لا نطالب القطط بالالتزام بها في ظل إخفاقنا في إقناع بني البشر في التمسك بها. لكنني لم أكن أعلم أن القطط، بعد أن تمزق غريمها وتودي به إلى حتفه، تعتلي جثته وتطلق مواء الكبرياء بمنطق البطش والغلبة أمام قط آخر. هذه الصورة ذات الطابع "البشري" المعاصر أصبحت تنعكس على معشر القطط. كم باتت قططنا تراقبنا وتتحلى بـ"قيمنا" أكثر مما كان ينبغي لها أن تفعل.

14 ديسمبر 2007
إنه ليس إلا رجلاً محبطاً.. ما كان ينبغي أن يظل محبطاً أكثر من تبعات استيائه.

26 ديسمبر 2007
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ؟

27 ديسمبر 2007
أحياناً أتفاجأ بأني ذات حيَّة لها اسم وتملأ حيزاً من الفراغ، أترانا أيضاً نتفاجأ بعد موتناً أحياناً بأننا لسنا كذلك حينها؟.

29 ديسمبر 2007
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ؟

يناير 2008

يناير 2008
أثناء وقوفي في طابور تخليص التذاكر والحقائب لمحتُ، وأنا التفتُ حولي، صدفةً، عبد العزيز الفارسي، وكان مُدججاً بحقائبه، وبدا مُتأهباً في هندامه مُرتدياً جاكيتاً طويلاً ظننتُ لوهلة أنه كان مُسافراً إلى موسكو إلى أن وجدته يقف في ذات "الكاونتر" الذي كنتُ واقفاً أنتظرُ فيه دوري، وفجأةً رأيتنا نتعانق عناق "الحمد لله على السلامة" . صحيح أننا لم نلتق منذ فترة طويلة، لكننا، عادةً، حين نتقابل نحيي بعضنا بعضاً بمصافحة اليدين التي تتصاحب مع مصافحة الأنفين لبعضهما بعضاً. فكرتُ لاحقاً في السبب الذي يجعلنا نتعانق وقتها في المطار، حتى وإن كان الأمر برُمَّته عفوياً، إلا أنه استحوذ على اهتمامي، وفكرتُ أنه لا بدَّ أن الذي دفعنا إلى ذلك هو أن تصادفنا في المطار صنعَ حالة إيهام كان مضمونها أن أحدنا مُسافر والآخر مُودِّع، أو أن أحدنا قادم والآخر مُستقبل له، خصوصاً وأننا كنا مُتخفِّفَيْن من ملابسنا العُمانية (التي اعتاد كل واحد منا رؤية الآخر بها)، فلا بدَّ أنْ أَرْسَلَ هذا التغيير في الصورة البصرية لهيئتينا الخارجيتين رسائل سريعة لعقلينا اللذين قاما بدورهما بمحاولة مقاربتها إلى تصرف سلوكي يتناسب مع أقرب موقف يقوم به المرء في هذا السياق، وهو ما حدا بكل واحد منا إلى التعامل مع الآخر بإعتباره مودعاً أو مُستقبلاً له، على الرغم من أننا - كما سيعلم كلانا لاحقاً- مسافران على نفس الطائرة وإلى ذات الواجهة. ربما ذلك الذي حدث، أو لعل الأمر أنه كان لقاء بين صديقين لم يلتقيا منذ مدة فحسب.

كنتُ أستعيد، وأنا أتجه نحو مقعدي بعد دخولي الطائرة، بشعور من الظَّفر، فوائد مخرج الطوارئ غير التي سيشير إليها كتيب الإرشادات في جيب المقعد الأمامي، ذلك إن حدث وحصلتَ على المقعد المحاذي للمَخرج تماماً، فببساطة تكون قد نلتَ مقعد درجة سياحية بمواصفات درجة رجال الأعمال: قدمان ممدودتان إلى أقصى حد يمكنك أن تمدهما، وهذا أقصى ما يمكن أن تحصل عليه من تذكرة درجة سياحية. حرصتُ هذه المرة أن أصل إلى المطار مبكراً بما فيه الكفاية لأسابق عشرات المسافرين ، الذين لا أعرفهم، وأجزم أن أحدهم على الأقل، سينافسني بدوره للحصول على هذا المقعد. إنها ليست مسألة شخصية أبداً، وإن كانت تنحو هذا المنحى الفردي. لكن أمر مقعد مخرج الطوارئ هذا سيزداد تعقيداً فيما لو لم تسر الرحلة كما كان مخططاً لها، واستلزم استخدام هذا المخرج مثلاً أثناء هبوط اضطراري خلالها، فيستوجب عليك أن تصبح "البطل" الذي لا تريد حقاً أن تكونه، أمام عشرات العيون المتربصة للخروج، حتى وإن كانت ليست مُهمتك أن تقوم بأي شيء، لكنكَ أصبحتَ ضمنياً "بوَّاب الطائرة"، حيث لا أبواب لها غير الذي أنتَ تحرسه، وبذا يبدو أن خلاص المسافرين سيكون على عاتقك، دون أن يكون لمسألة حساب نسبة فرص النجاة الحقيقية عملياً أي اعتبار أمام الذعر البشري حينها.

قبيل الإقلاع، وأثناء محاولة التأقلم على المقعد والتدرب الإيجابي على منافع مدِّ الرِجْلين باكراً، قبل الحاجة إلى ذلك فعلاً، وسط صراخ طفل تجاهلته أمه، وصعُب عليَّ تجاهله، أتى صوت الطيار البشوش على نحو مباغت قائلاً:" أسعد اللهَ صباحكم...". أجل قالها بنصب لفظ الجلالة. لم أكن أرغب في إصدار حكم مُتسرِّعٍ يشكِّك في مهارة الطيار المهنية من خلال تصيُّد الأخطاء النحوية العفوية، لكنني لم أتمكن من تجاوز شعوري بالضيق، حيث الانطباعات الأولية التي تُرسِّخ صورةً عامة عن الأشخاص، أو كابتن الطائرة في هذا السياق، تكون عادةً هي الأرسخ. ألا يقول المثل الإنجليزي: "لا يُمنح المرء فرصة ثانية ليترك انطباعاً أولاً". خصوصاً وأن حياتك إن أمعنت التفكير فيها جدياً تكون حرفياً مُعلَّقة بين سماء وأرض، بين يدي كابتن أرتكب خطأ نحوياً غير مقصود. لكن حتى الأخطاء اللامقصودة تحمل طبيعة كارثية. لحسن الحظ، لا يتطلب التحليق في السماوات نحوياً بارعاً أو مُتحدثاً فصيحاً. ثمة لغة أخرى سيتوجب الاعتناء بها هي أقرب إلى لغة العصافير. لكن المصير سيكون أقل شاعرية في حال ارتكاب أخطاء "نحوية" في أدبيات التحليق. تذكرتُ كابتناً آخر في رحلة سابقة، أثناء ترحابه الأول قبل الإقلاع: "مرحباً بكم أعزاءنا المسافرين على رحلتنا المتجهة إلى..."، ومن ثم توقف برهةً تخللتها أصوات خرخشة أوراق كان يقلبها كما بدا، الأمر الذي جعل المسافرين ينظرون إلى بعضهم بعضاً بشيء من الجزع، وأنا منهم، ولسان حالنا الفزع يتمتم: "من المستحسن أن يُعلم أحدُهم الأخَ عن وجهتنا"، أو "إلى أي المجاهل ستذهب بنا يا صديق؟".

أقلعت الطائرة وسط صراخ الطفل المتواصل، إلى أن استقرت في ارتفاعها، وكانت مسقط العامرة تبدو عبر النافذة من فوق خيارًا مُستعصياً للسُّكنى أيضاً، وسط التضاريس الوعرة التي تحيط بها من كل صوب. بدت أحلام الناس -التي يتحدثون عنها كل يوم على الأرض- من علٍ ضئيلةً جداً في أحجامها التي ظهرت متمثلةً في المستطيلات والمربعات التي يدأبون على إنشائها؛ فكيف تقض مضاجعهم وتستهلك مساحات كبرى من تفكيرهم وهمومهم وتطلعاتهم في الأرض، وهي تبدو مُهملةً غير ذات شأن عظيم من السماء؟. يالكلِّ القصص التي تحدث لحظتها في كل بيت كنا نعبر فوقه، ويالكلِّ المصائر التي تتشابك في كل ثانية!.

اتجهتُ بعد ساعة تقريباً إلى دورة المياه في مؤخرة الطائرة، ووقفتُ، أثناء شروعي في العودة إلى معقدي، إذ كانت عربة المشروبات تحجب ممر الطائرة الضيق، وآثرتُ أن تفرغ المضيفتان المتجهتان نحوي من سقي جميع المسافرين، وهذا الذي كان يحدث تقريباً، قبل أن تنتبه إحداهما إلى وجودي خلفها، فالتفتت نحوي باستدارة كاملة وبلهجة تأنيبية حاسمة، وبوجه منقبض طلبت مني العودة إلى مقعدي حالاً، فقلتُ لها متعاطفاً إنه يمكنها أن تفرغ من الصفين الأخيرين المتبقيين من المسافرين بدلاً من أن تدفع العربة إلى مؤخرة الطائرة، وأن أَمُرَّ، ومن ثم تعود مرة أخرى لتسقي من تبقى منهم، وسأعود "حالاً" بعدها إلى مقعدي. لكنها أشارت مجدداً في نبرةٍ حاسمةٍ لا يؤديها إلا "كبير المضيفين" أو "كبيرة المضيفات" في هذا السياق، فيما لو كان هذا المسمى الوظيفي فعلياً في تسلسل العاملين في "الأجنحة الودودة": "إن القوانين لا تسمح بتواجد أي مسافر قرب مؤخرة الطائرة"، المكان الذي كنتُ أفهم أنه "مطبخ الطائرة". فقلت لها:" إنني كنتُ أحاول أن أتصرَّف بلطفٍ معكِ فحسب". فقالت بابتسامةٍ مُفتعلة يغلفها الامتعاض:"وأنا أيضاً أحاول أن أتصرَّف بلطفٍ معكَ ". قاومتُ رغبة انفعالية في قول "لا يبدو ذلك جلياً بالنسبة لي يا آنسة" (ولم أكن أعرف حقاً إذا كانت عازبة أم لا، غير أنه كان الذي أردتُ قوله)، لكنني أبقيتُ ذلك في داخلي؛ إنها لا تعلم مدى حرصي على العودة إلى مقعدي، مقعد مخرج الطوارئ. لقد استيقظتُ هذا الصباح أبكر مما ينبغي من أجل مقعد مخرج الطوارئ، ومن أجله نافستُ ضمنياً جميع ركاب هذه الطائرة أيضاً. تجاوزتُ تلك الرغبة والمضيفة أثناء عبوري من خلال المساحة الضيقة التي أبقتها عربة المشروبات في الممر، وشرعتُ في التفكير:"كيف يمكن أن يشترك اثنان في محاولة التصرف بذات السلوك دون أن يُفلحا إلا في إيصال عكس ما كانا يظنان أنهما يفعلانه؟". إنها أزمة التواصل بين البشر التي تتجاوز حدودها الأرض التي نسير عليها. إننا نحمل معنا أينما ولَّينا سوء فهمنا وتأويلاته والتباساته، نحمل جميع مُخلفاتنا من الأرض إلى السماء، على أملٍ أن نتحلَّى ببشريتنا ولا نتخلَّى عن إنسانيتنا أينما كُنَّا.

لم أنتبه أثناء انشغالي بتقليب القنوات الإذاعية، والغرق في التفكير عبر النَّظر من النافذة، إلى بكاء صامت للفتاة التي كانت تجلس جنبي في مقعد الممر، حيث يفصل بيننا مقعد شاغر. وبدا لي من انهمار دموعها أنها كانت مُستغرقة في البكاء منذ أكثر من دقيقة على الأقل، فالدموع التي قد شرعت في تبليل حجابها الأبيض منحت إحساساً بالزمن المنصرم، وفي اللحظة الحاسمة التي يشعر فيها المرء بأنه مُقدِم على فعلٍ أو مُحجم عنه أو قول شيء إزاء ما يحدث أمامه، ظهرت أمامي "كبيرة المضيفات"، وبادلتني نظرة لم أفهم منها إن كانت تطلب مني العون في الحديث مع الفتاة لدواعٍ لغوية، أو أنها كانت تسترجع موقف "اللطف المتبادل غير الموفق"، وكنتُ ما أزال واضعاً سماعات الأذن، ولم أرغب لحظتها في التدخل "ببطولة" دُون أن أُدعى إلى ذلك لأسباب لا تنحصر في كوني أحسبني مؤمناً كان يحاول أن يتجنب لدغة ثانية من جحر "كبيرة المضيفات"، بل بدا لحظتها أن الفتاة كانت تحكي أو ستحكي شيئاً، لم أتبين تفاصيله، من قبيل الفضفضة النسائية التي ربما لا يمكن إلا أن تبوح بها امرأة إلى امرأة، ولا يفهمها سواهما، رغم الحاجز اللغوي الذي كان بينهما. واصلت محاولة انشغالي بالمحطات الإذاعية بقصد ألا أشعرهما (أو كيلا أُشعر الفتاة بالدرجة الأولى) أن الذي كان يحدث مَشهد يسترعي البحلقة والفرجة، حتى لا أجعله أكثر صعوبة مما كان عليه أساساً. لم أتبين إذاً الحديث الخافت للفتاة التي كان يفصلني عنها مقعد شاغر استخدمتُه لوضع كتاب وجريدة ودفتر ملاحظات، واستخدمتْه هي لوضع حقيبة يدها، لكني استطعت من صوت "كبيرة المضيفات" المرتفع نسبياً تبيُّن أنها كانت تعرض عليها الالتحاق بالمقاعد المتوافرة في مؤخرة الطائرة، القريبة من دورة المياه، ومن "مطبخ الطائرة"، أو ما أصبحتُ أطلق عليه مكان "اللطف المتبادل غير الموفق".

تبيَّن في الجهة المقابلة للمقعد الذي كانت تجلس عليه الفتاة بعد مغادرتها، عُمانيٌّ آخر يرتدي دشداشة وغترة حمدانية، وكان يتربص بالمشهد بطريقة توحي بأنه متتبع لتفاصيله الدقيقة قبلي. سألته بفضول عن الأمر محاولاً أن أكسر حدة بحلقته الطويلة الباردة في وجهي، بعد أن بلغتْ وقتاً أكثر مما يستغرقه عادةً الغرباء في النظر إلى أقرانهم، وكان قد أفرغ في جوفه قبل قليل شراباً أرخى جسده وخفَّف من ثقل الوعي لديه، فأتت إجابته بإيماءة يديه مشيراً إلى قلبه. قال ببلاغة العارف -وكان يحدني عنه مقعدان ملتصقان بمقعدي وممر ومقعدان متلاصقان بمقعده : "الشوق ". لسببٍ ما لم تبدُ تلك الجملة المختزلة مفحمةً في إقناعها، بل بدت كلمة الشوق تحمل معنى أكثر إيجابياً مما كان يبدو أن الفتاة كانت تشعره ببكائها الصامت. فقلتُ:" حقاً؟ إنها كانت تبدو وكأنها في طريق عودتها إلى أهلها ربما". ردَّ علي وكان لسانه بطيئاً:" بل هو الشَّوق". شعرتُ بأنه كان يحدس عشوائياً فقط، ولم يكن يستمع للحوار الخافت، كما كان يظهر من هيئته أنه كان يفعل، فسألته إن كان قد سمع أنها مشتاقة إلى أهلها مثلاً، فهزَّ رأسه بالنفي ومن ثم سألني إن كنت استمعتُ إلى حوارهما بالإنجليزية. فقلت: "لا. كنتُ أستمع إلى القناة الإذاعية"، فهزَّ رأسه باستغراب. لقد كنَّا عُمَانِيين أحدهما بالزي المحلي والآخر بالإفرنجي نحاول أن نطفئ ظمأ فضولنا الغريزي دون أن يتحقق لنا ذلك. شعرت بشيء من الأسف بأن مشاعر الفتاة كانت عرضة للتوقعات والحدوس. من منا يستطيع أن يزعم أنه يعرف ما كانت تشعر به حقاً؟. هي نفسها ربما لن تتمكن من فهم ذلك في لحظةٍ ما. وحين مرَّت "كبيرة المضيفات" صُدفةً، في تلك اللحظة، تجاوزتُ رغبتي في عدم إقامة أي حوار معها، ولكن تحريراً لشعوري بتأنيب ذاتي، سألتُها إن كانت الفتاةُ على ما يرام الآن، فردَّت بوجهٍ مُنبسطٍ فهمتُ من خلال قسماته أنها تقدِّر سؤالي عنها، وفي ذلك إشارة ضمنية إلى مد يد تصالح بيننا، وأشارتْ أن الفتاة على ما يرام، وستبقى – للمفارقة -في مقاعد مؤخرة الطائرة ما تبقى من الرحلة. أومأتُ لها بابتسام، وكنتُ أفكر لحظتها: "إنه اللطف المتبادل الذي قُيض له أن يتحقَّق هذه المرة إذاً". ولكن هل كان لا بدَّ من أن نشهد معاناة شخص ثالث من أجل أن يعي شخصان أنهما كانا يقصدان الشيء ذاته منذ البداية؟.

فبراير 2008

2 فبراير 2008
المآزق لا تتلاشى بمجرد إعراضك عنها، هذا وإن كنتَ تعلم ذلك سلفاً، تظلان تتربصان ببعضكما بعضاً (ببعديكما أحياناً أيضاً؟) صمتاً، إلى أن ينفجر أحدكما، الأرجح أنه أنت، بالحقيقة المعروفة مسبقاً.

9 فبراير 2008
حين لا يكتب المرء قصَّةً يكون مشغولاً بقصَّته.

10 فبراير 2008
فما ذي حياة تسرُّ الصَّـديق           ولستَ تغيظ بها ذا العِدا (*)

14 فبراير 2008، أبوظبي
يُصادف أن يشعر المرء بسعادةٍ ما في عجلته المفرطة أثناء سباقه مع الإشارة الخضراء، وهو يقطعُ شارعاً يلمحُ أنه يُدعى فعلاً "شارع السعادة". لحظة السعادة كانت حقيقيةً، واسم الشَّارع، فوق إشارة المرور، لم يكن مجازاً أو ترجمةً لاواعية للشُّعور الذي كان ينتاب المرء، لكنَّ شعوراً جاثماً بالحزن يثقل على القلب حين يشعر المرءُ بأن للسَّعادة شارعاً، اكتفى المرء بأن يقطعه سريعاً، دون أن يتفطَّن إلى أنه كان ينبغي له حتماً أن يسلكه.

مارس 2008

4 مارس 2008، مسقط
أشياؤهم التي حدث أن بقيت بحوزتنا.. أشياؤهم التي منحونا إياها.. أشياؤهم التي نسوها، أو تناسوها.. هداياهم التي لا بُدَّ أن أرادوا لها أن تبقى.. أبعد من بهجة بقائها المادي، وراء البصر. كلما أراد المرء تحريكها من أماكنها التي قبعت فيها، يشعر وكأنما أزاح من جغرافيا الروح شيئاً ما كان له أن يحركه. كلما أراد المرء استهلاكها يشعر وكأنما يُفني من روح صاحبها من حيث لا يدري.. التَّمثل المادي لهذه "المُذكرات" يجعلنا نعتني بها، لأنها ستعني أننا سنحاول الاعتناء بأرواحهم حيث ليست لدينا منها سوى هذا التَّشكل الذي بين أيدينا.

6 مارس 2008، دبي
أي المجازات وأي المعاني يصنعها فينا الرحيل؟ الرحيل الحقيقي الذي يصبح أكثر الحقائق إيغالاً.. ؟. من أي الشبابيك يأتي القدر في سموات وأراضٍ لا حد لها ولا مسافة أقرب من الجرح الندي حيث اللقاء بطعم الفراق ؟.

12 مارس 2008، مسقط
في المحفل الصاخب، يحاول أن يصطدم بروح تشبهه ولا يجد حتى روحه التي كان يظن أنه كان يحملها معه. ذاك هو الغريب.

13 مارس 2008
ماذا نفعل في العواصم التي لا تفعل سوى تغذية جراحنا باليأس؟. أيُّ أمل يحمله بريق العواصم البعيدة، أي مرارة وأي سلوى تغذي الشوق إلى التُّخوم القصية؟.

إبريل 2008

9 إبريل 2008
لماذا يراودنا أحياناً شعور بالنفور من الحزن، وكأنه لا يعنينا أن نصبح كذلك؟.

23 إبريل 2008
"البريمي أسعد مدينة خليجية"، كما يشير استطلاع رأي أجرته جهة مُستقلَّة.
ألا يمكن أن تشعر بالتعاسة وأنت تنتمي إلى أسعد مدينة؟.

26 إبريل 2008
العين لا تخطئ، القلب وحده الذي يخطئ أحياناً.

مايو 2008

1 مايو 2008
هي العودة إلى الجهل القديم، وإلى الأسئلة الأولى، وإلى التنبؤات الخائبة. لا شيء يحدث إلا كما كان يفعل.
لا اختلاف إلا في تفاصيل الإحباطات التي تتجدد ويغذيها شعور مسيطر بالوهن والعجز.
تكرار ينبئ بشعورٍ بخطأ فادح، بمشيئة مؤلمة.
الذات الخاسرة، الحياة الناكرة.
الرغبة الحق في مصير يُنافي مع النهايات الكائدة.
الرغبة في الإنصاف.
الرغبة في المضي قدماً دون نذير الذكريات، ودون حصار خانق من زمن منصرم.
والمرء مَنْ يكون حيث تلتوي المصائر؟ أو مَنْ كاد أن يكون؟.

8 مايو 2008
الغمامة التي تغشي العين وتضبب الرؤية تجتر ملامحها من الماضي القريب، فتتظاهر خريطةً مُشوشةً لمستقبل قلق.
لو أن النهايات المتوقعة تحدث دائماً (وهل هي ستتحقق أصلاً؟) كما يظن أصحابها، كما يحدسون، أو كما يتوهمون، فهل سيكون للبدايات إذاً أي معنى؟.
لكنها إن تحققت ستكون كمن كان يرى حياته أمام عينيه مسبقاً، ولم يتفطن لذلك.

10 مايو 2008
علب الأدوية التي انتهت صلاحيتها.. تذاكر الأفلام في الأدراج.. قُصاصات الأوراق المؤرخة.. التَّوقيع الفادح للزَّمن في حياتك..

20 مايو 2008
"الأمر الأسوأ في كونكَ شيخاً هو تذكُّركَ لنفسِكَ حينما كنتَ شاباً". "ألفن ستريت" في فيلم "قصة ستريت" للمخرج الأمريكي "ديفيد لينش".

29 مايو 2008
كل ما كان يحدثُ -بعد فنائهم جميعاً، الأحياء منا، مجازاً وحقيقة - يظنُّون حقاً إنه ما كان ينبغي أن يحدث.

30 مايو 2008
أيُّها الموتى
دعونا وشأننا..
فالأحياء منكم .. لم ينالوا منا بعدُ كما أنتم تفعلون.
لكن ماذا يمكن أن يصنع الأحياء بمشيئة الأموات؟. ضرورات لا تخضع لاعتبارات الحياة بعد الممات.

يونيو 2008

5 يوليو 2008
لا ندم إلا على فقد محبة مسكوبة، أو مصير كان أكبر من أن يتحقق.

19 يوليو 2008
هذا الشرخ الغائر، هذا الألم الرهيب:
لا ينتمي إليك.
ليس يليق عليك.
ليس منك.
وليس في الحقيقة لك.
لكنه في هذه اللحظة هو كل ما لديك.

20 يوليو 2008
حين أغمضُ عيني أجدكِ تأتين بين السَّواد الذي أحاولُ أن أطبق عليه بجفنيَّ،
وحين أفتحهما أجدكِ بين البياض الذي أحاولُ أن لا أفقده وأنتِ منه.

21 يوليو 2008
كلما تذكرت، كلما شعرتُ أني أفقد جزءًا مني.
وحين أفقد ذلك الجزء الذي أحسبه مني، يمسي شعوري بأنك أنت التي أفقدها في كلِّ مرارةٍ، وكلِّ غصةٍ، وكلِّ غمضةِ عين.

22 يوليو 2008
عذاب أصيل، متحقق، حقيقي أكثر مما يجب، متشبث دون فكاك.

31 يوليو 2008، أبوظبي
دعابة الزمن غير المضحكة.
حين يبدو أنه يود أن يخبرنا، أو يذكرنا، اليوم، بأننا كُنَّا هناك وصرنا هنا، ولكن لسنا إلا في منتصف الطريق.

أغسطس 2008

23 أغسطس 2008
كل ما في الأمر هو أنكَ لن تشعر بألم الأغنية إلا إذا أعدت الاستماع إليها.

25 أغسطس 2008، مسقط
قدرنا أن تكون المسافة بيننا كتلك التي تتسع لشخصين فحسب، دون أن يصطدما ببعضيهما بعضاً، في ممر يفصل صفَّين من الكتب.. كالمسافة بين قائد المركبة وراكبها حين لا يلتفت أيٌّ منهما إلى الآخر، وهما يرغبان في ذلك.

28 أغسطس 2008، مسقط
إلى مارك:
يودِّع أصدقاءه، وكأنما سيلقاهم بعد حين، وهو يعلم أنه ربما لن يلقاهم أبداً. لا يسمح لنفسه أن يصبح عاطفياً بعد السنين والمسافات.
أما هي فإنها تزوره كل يوم، بعد أكثر من عقدٍ من الزَّمن، وما يلبث إلا أن يبتسم لها، ويفكر في حياتهما التي لم يعشها معها في تلك السنين (حتى وإن كان يشعر بأنه يعيشها معها، ولكن من دونها)، وفي الحيوات المحتملة التي عاشتها مع غيره ودونه.
ينظر في البعيد حيث البحر، دون مرارةٍ، ويخرج الدُّخان من صدره، حيث يسمح لنفسه هذه المرة أن يكون مسكوناً بها، لكن لا يسمح لنفسه أن يصبح عاطفياً بعد السنين والمسافات.

سبتمبر 2008

أكتوبر 2008

نوفمبر 2008

14 نوفمبر 2008
وماذا أفعل بمخزون الصُّور الذي تركتِه لي؟.

15 نوفمبر 2008، مسقط
ما إن عدتُ حتى افترستني مواجع الروح، وكأنني تركتُها، دون أن أعلم أن تركها يزيدها بأساً وبطشاً. لم أكن أعلم أنني حين ألصقتُ على حقيبتي ملصق "قابل للكسر" ليعتني بها ناقلو الحقائب ( لعلها تستعطف رحمة أياديهم اللامبالية حين يرمونها)، كان ينبغي علي أن أستعين بملصق آخر ألصقه على الجانب الأيسر من صدري.
الحزنُ مضيعةٌ للوقت، رغم مادية الجُملة. استثمار بائس للمخيِّلة البصرية. ذكرى، وذاكرة، وتذكُّر مسرف للصور التي لا تتم استعادتها إلا بأشد الألم وأقسى المرارة. أما الكتابة، كما قال أبي، ذات يوم، فهي جزء من العلاج. كنتُ قد تفهَّمتُ ما كان يرمي إليه لكنَّني ربما لم أكن أشعر تماماً إلى أي حدٍّ ذلك الذي يقصده. نهز رؤوسنا حين يتحدث إلينا أحدهم عن شيء ما، ونومئ له، مُتفقين معه حوله، وكأننا نعلم حقاً ما الذي يجري. نظن أننا نعلم ونفهم ذلك، ولعلنا مررنا بتجربة تحاكي ما يتحدَّث عنه، أو تقاربه، لكننا لا نعلم تماماً عن الأمر ما لم نمرَّ بذات الشعور الذي يشعر به حينها في تلك اللحظة تحديداً من الزمن.

16 نوفمبر 2008
أسررتُ إلى بعض الأصدقاء منذ مدَّة بسيطة برغبتي في البحث عن "حرفة" أو عمل يدوي أستغرق فيه، وأتوحَّد معه. لا أعلم ما الذي أريده، لكنَّني أشعر برغبة مُتَّصلة في عمل شيء مثل هذا. بدأت أشعر أن طرق الوصول إلى الروح تأتي من اليد.
لقد غفلتُ تماماً عن أنني لا ينبغي أن أبتعد كثيراً، ولا أن أستقصي البحث، فالكتابة على الورق، مباشرة، ربما أقربُ لي إليَّ من أي شيء آخر يمكنني أن أفكر فيه.

17 نوفمبر 2008
مات غُلام خميس.
أعني أنه مات للمرَّة الأخيرة هذه المرَّة. وليس من البلاغة الحديث عن ميتته الأخيرة هذه الآن، لأن الجميع سيفعل ذلك الآن، نحن القادمين من ثقافة البكاء المتأخِّر. كان الأجدر أن نتحدَّث عن الميتات الأولى وقتها.
علينا الصمت والأسف الشديد على أنفسنا والتَّرحم على كلِّ ما يعنيه هذا الموت.

18 نوفمبر 2008
حينما كان يظنُ أن حياته تبدو مستحيلةً مع غيرها بدت حياتها وكأنما أصبحت ممكنةً مع غيره.

ديسمبر 2008

3 ديسمبر 2008
ما لا يقتلني لا يجعلني قوياً بالضرورة، لكنَّه يؤكد لي، بعد اجتيازه بحين، أن شيئاً جميلاً آخر، قد لا أدركه الآن، وسأدركه لاحقاً في الحياة، قد مات في داخلي بمرور الزمن.

4 ديسمبر 2008
كلُّ كلمةٍ كانت تحملُ في طياتها مذاقاً محملاً بالبدايات أو النهايات.. باللذة أو الألم.. باللقاء أو الفراق.
في لحظة ما من اللحظات تتجه الكلمات في جميع الاتجاهات في آن واحد.

7 ديسمبر 2008
خلف وجهه الباطش قلب رقيق أكثر هشاشة من أن لا ينكسر.

***

احمرار السماء في الأفق قبيل مغيب الشمس، في صفحتها المحمرة.. كانت ينبئ بكل الكلمات التي قيلت..

24 ديسمبر 2008
كيف سيُمكنني أن أنظر إلى هؤلاء الأطفال الذين من حولي، وأراهم يكبرون، دون أن يُذكِّرني تقدُّمهم السريع في العمر، بعمر اللوعة البطيئة التي ستوثق لحظة فراق يكبر في الزَّمن بتقدُّم أعمارهم.

26 ديسمبر 2008، جبل حفيت، العَين
حتى بعد ثمانية وعشرين عاماً من ميلاده الأول، بميسور المرء أن يولد مرة أخرى..

***

حتى حين يكون المرء في أعلى قمةٍ، يمكنُه الوصول إليها، يمكن أن ينحدر إلى أدنى قاعٍ لم يكن يتفكر فيه.. ذات اليوم.

27 ديسمبر 2008، البريمي
إنها لحظةُ حياةٍ وليست لحظة كتابة، لكنكَ لست معنياً وقتها بنهاية العالم، بل بنهاية عالمك الذي يتهاوى أمام عينيك.

28 ديسمبر 2008، البريمي
لا تذرف دمعةً إلا وحدكَ في غرفةٍ لا مرآة فيها.

29 ديسمبر 2008، البريمي
في هذه اللحظة تحديداً لن تفهما نفسيكما، ولن يفهمكما أحد،
وأنتما لستما إلا في كوكب ليس هو الأرض، ولكنَّكما، إن لم تكونا معاً، فأنتما وفق قوانين كونية أخرى معاً أيضاً.

30 ديسمبر 2008
في لحظةٍ ما ستنفقُ كل الكلمات التي ستتاح لك لقاء لحظة صمتٍ يفترُ فيها القلب من هذه الرَّجفة الهادرة.

31 ديسمبر 2008، أبوظبي
أبداً، ليس كلُّ ما أكتبه هنا هو أهم ما كان ينبغي كتابته خلال اليوم، بل قد يكون ما أكتبه هو أقل أهمية مما يتعين كتابته.. وهكذا حيث نحيا حياة يفوتنا أهم ما فيها..

يناير 2009

1 يناير 2009
أمام البدايات الجديدة والولادات الأخرى تبدو حياتكَ إذاً هذي الذي تُدوِّنها، بين فينةٍ وأخرى، هنا شخابيط، أنتَ تنبأتَ بها، دون أن تدرك أنها ستعني لاحقاً اليوم ما كنتَ قد اسميته قبل عامين، حيث تستفيقُ المعاني من سباتها متأخرة. وهذه الشخابيط، كما اسميتها وقتها، دون أن تعلم أن ما تُفكِّر به، وما تقوله، وما تشعر به، كله حين يحدث لك، أو حين لا يحدث، سيظلُّ يؤلمك.
وحين يُظنُّ أن العذاب المعنوي لم يعد يُؤلم بما فيه الكفاية (والأمر ليس بكذلك)، لا بد إذاً من عذابٍ صارخٍ، تجرُّ قدميك بنفسكَ إليه، وتتمرَّغ فيه.

4 يناير 2009، مسقط
فنجانُ القهوة الذي تعصرني رؤيته ليس مُراً فهو محلىً بسُكَّرٍ أكثرتُ منه، لكن اللَّحظة التي يأخذني لها، هي المُرَّة بلا شك.

5 يناير 2009
ماذا تعني الكتابة كلها، حين لا تستطيع أن تكتب للمرء الذي سيعينكَ أن تكتب له؟.

12 يناير 2009
هي وردة واحدة،
هي يد واحدة.
الوردة والقاطف واحدان
مهما كثرت الأنوف.

13 يناير 2009، مسقط
على أرضٍ يتسع مداها في كل اتجاه، وكأنَّها أرض الله الواحدة إلى أن تصدها الجبال، هي هذه التي تغمرها الوديان والخيبات القادمة، شيَّدت عليها حلماً صغيراً، قاسمته إياها، تقفُ الآن، أنت ذلك العربيُّ الأوَّل، في لحظةٍ حالمةٍ تتذكَّر الماضي الذي كان، ومستقبلاً كاد يكون، دون أن تستوعب خراب اللحظة الحاضر.

14 يناير 2009
ماذا بوسعك أن تفعلَ حين تشعر أنَّك نصفان؛ أحدهما مكسور، والآخر غائبٌ، وأيضاً مكسور؟.

15 يناير 2009
إن كان أجمل ما في الذَّاكرة هو أنكَ تحملُها معكَ، أينما أنتَ،
فإن أسوأ ما فيها أنه حين تفعل ذلك تأخذكَ إلى حيثما تشاءُ هي، لا أنتَ.

16 يناير 2009، مسقط
إلى عبدالحكيم:
ليت الخيبات عربة تسوُّق نجرها أمامنا، في أواخر الشهر، وإن كانت ثقيلة، ومحمَّلة بما لا نطيق دفعه (وليس دفع ثمنه).. يا ليتها تكون أمامنا وبين أيدينا، نوقفها حينما نستثقل دفعها..
لكنَّها الخيبات هي التي تجرنا وراءها إلى نقضي، أو تكتفي منا.

17 يناير 2009، صحار (*)
لقد أوهمهم جميعاً.. هذا الذي يتقافزُ، فيما يبدو جذلاً، بين الحشود المحتفية بالفوز، لم يكن سعيداً به أو لنفسه، بل كان يعبر عن حزنه العميق هكذا، كي لا يعلم النَّاس من حوله أنه حزين إلى الحد الذي يجعله يعبر عنه بالفرح الصاخب.
إنها اللحظة الوحيدة التي يستطيع خلالها أن يكون معهم، دون أن يظنَّ أي منهم أنه ليس منهم، ولم يكن معنياً بهم، كما كانوا جميعاً يشعرون.

19 يناير 2009
الذَّاكرة محايدة تماماً إلى أن يُسبغ المرء عليها المعاني التي سيجعلها ذات أثر عليه.

20 يناير 2009
ذات صباحٍ ستستيقظين على نداءٍ خافتٍ، سيكونُ قادماً من حيث لا تعلمين إلى أن يحملكِ إلى شُبَّاك الذِّكرى. ثمَّة عصفور على الشَّجرة، سيحملُ اسمي، وحين باستغرابٍ تنطقينه، سيقول:" أجل هذا أنا، ألا تذكرينَ حينما كُنتِ عصفورةً تأتي إلى شُُبَّاكي كلَّ صباحٍ، أيضاً".

30 يناير 2009
مرحى للعصفورة. لقد كانت عصفورةً، حتى لو لم تكن في الحقيقة أنثى العُصفور، فقد كانت تحمل روح الأنثى القادمة من البعيد، تلك التي في هذه الظهيرة المطمئنة استراحت، من رحلةٍ ما، مدَّة دقيقتين أو ثلاث دقائق على شُبَّاك نافذتي، الذي أوليه ظهري أثناء جلوسي على كرسي مكتبي، وأخذت تنقر على الشُّبَّاك إلى أن انتبهتُ لها. تلك اللحظة التي التفتُ إليها متأملاً، وكانت مازالت تراوح النَّقر بين الشُّبَّاك وأسفله، لم يكن الأمر مُستغرباً لكلينا تماماً، حتى وإن كان كلانا، قبل قليل، في مكانين مختلفين في الذِّهن والجغرافيا إلى أن وصلنا إلى حدود مُشتركة تجعل منا كائنين متوحدين يشتركان في لحظة عابرةٍ في هذه الحياة، وأن حياةً أخرى بعد هذه اللحظة ستكون معنيَّةً لكلِّ واحد منا. وربما لن تتذكَّر العُصفورة أنها وقفت في إحدى الظهيرات على شباك أحدهم، ونقرت عليه إلى أن التفت إليها، وأنه قد يستحيلُ أن ينظر عبر الزجاج دون أن يستوحش المشهد الذي يتشكل خلف النافذة، دون عصفورة تنقر على شُبَّاكه مدَّة دقيقتين أو ثلاثاً، مرَّةً أخرى.

خارج مناطق الألم.. مراعاةً لفارق الجرح /يوميات
مازن حبيب

الطَّبعة الإلكترونية الأولى 2010
ن 1.0
الناشر:
مازن حبيب دوت إنفو
(www.mazinhabibi.info)

ص.ب: 680
الرمز البريدي:512
ولاية البريمي، محافظة البريمي
سلطنة عُمان

تصميم وخطوط الغلاف: عبدالباسط المعمري
لوحة الغلاف: خليل الزهاوي
التدقيق اللغوي: سالم آل تويه

Beyond the Boundaries of pain in Considering with the Variance of Hurt/ Dairies
Mazin Habib

First Electronic Edition 2010
V 1.0

Publisher: (www.mazinhabibi.info)

P.O. Box: 680
Postal Code: 512
Wilayat Al-Buraimi, Governante of Buraimi
Sultanate of Oman

Cover Design and Calligraphy:
Abdelbasit Al-Mamari
Front Cover: Khalil Al-Zahawi
Editor: Salim Al Touyeah

جميع حقوق الإصدار والترجمة محفوظة للنَّاشر. لا يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو ترجمته إلا بإذن كتابي من الناشر، ويسمح بطبعه ورقياً وتخزينه ونشره أو تخزينه في نطاق استعادة المعلومات أو الاقتباس منه أو نقله بأي شكل من الأشكال ، مع الإشارة إلى النَّاشر، بغرض القراءة الشخصية أو الاستخدام الأكاديمي، دون أن يكون الغرض بيعه أو الإستفادة منه مادياً. All translating and publishing rights are reserved to the publisher. This book may not be republished or translated without a written permission from the publisher. With a reference to the to the publisher, this book may be reproduced in paper, stored in a retrieval system or transmitted in any form, for individual reading or academic interests, and may not to be used for commercial gains by reselling it.