سالم أبو شَبَانَه
(سينا /مصر)

 " هندسة الحياة " رسمه على الحاسوب " مازن سالم شبانه "
(10 سنوات ) والعنوان من وضعه.

" تشعرُ كأنَّكَ أوراقٌ على أشجارٍ خريفيَّةٍ "

جوسيبي أونجاريتي
الجنود

لِلمَوتِ سُمْعَةٌ سَيِّئَةٌ

" أنّ ظلّي الذي يلاحِقُنِي، يلاحِقُهُ شَخصٌ آخرُ "

مثل بابلي

" وأنتِ أيَّتُها الرُّوحُ الرَاشِدةُ، لعلَّكِ تأمَلِينَ في حُلُمٍ لا تكونُ له هذه الألوانُ الكاذبةُ"

بول فاليري

الكرسيُّ الفارغُ

الفجرُ يَفْتُقُ شَرنَقَتَه
بحَدَقَةِ عينِكَ الجَامدَةِ
وظِلٌّ يتسَلَّقُ الجِدارَ
في الشُّرفةِ العاليةِ
فأينَ كنتَ؟ هل كنتَ
على أبوابِ الحياةِ؟
مشدوهًا تتلمَّسُ الصَّقيعَ
على الأسيجةِ والطُّرقاتِ
بدمعٍ هَتَّانٍ
رُبَّما أمامَ الجِدارِ المُنهَارِ
تشهَقُ التَّبغَ في الظّلامِ
وأرواحٌ تغادرُ أصابِعَكَ
وتحوِّمُ في الفضاءِ الرَّطبِ
كنتَ خلفَ قطيعٍ
فوقَ الجبلِ
تتقرّأُ الأفقَ الغامضَ ..
الخامسةُ صباحًا
وكُرسيُّ في الشُّرفةِ
فَارغٌ

صَوتٌ

ليستِ العينُ
ما ترى
فَدَعْ ما عَلِقَ بِكَ
واسْتَفْتِ قلبَكَ
تنكشفُ الغُمَّةُ
لا المرأةُ
ولا البُهْرُجُ اللّمَّاعُ
لكَ
وأنتَ تعرُجُ ضيقًا
حَرِجًا
إلى هَدْأَةِ الظَّهيرةِ
فالنُّورُ البَاهِرُ
ظلامٌ يَدهَمُكَ
ليستِ العينُ ما ترى
ليسَ القلبُ..

بروفيلٌ

ناصِعًا
كرئحةِ المرأةِ الفاتنةِ
في البَهْوِ الضَّيّقِ
لماذا يتوَارى بعيدًا؟
صُدفَةٌ تَبْدَهُنَا
في الأماكنِ حينَ تشاءُ
ولا يشبَعُ منَّا
بعَفَويَّةٍ يجعلُنا ماضيًا
على الجُدرانِ
ملوثًا بغُبَارِ السَّاعاتِ
الطَّويلةِ
ويمضي..
أعمى يَدُبُّ في الظّلامِ

مرايا الحَجَرِ

تعبرُ سِيَاجَ الأزمنةِ الحجريَّةِ إلى هُوَّةٍ باردةٍ، مفتونًا وراءَ الصَّوتِ النَّدِيِّ؛ تُورِقُ صُبَّارةً في عطشِ الأمَاسِي القِبْلِيَّةِ؛ لأنَّ الوصايا نَحَّتْكَ بعيدًا كجملٍ أَجْرَبَ، وأنتَ تلُوكُ الأوهامَ وتَحْدُو القوافلَ وراءَ الأماني.
الآنَ تسقطُ يا جُلْجَامَشُ على الأسوارِ، بعدما عُدْتَ مهزومًا مَدْحُورًا، وضاعَ كَدُّكَ الوَحشيُّ على البَرِّ. صَرتَ فردًا وحيدًا، لن تسنِدُكَ يدٌ، ولن يُنْثَرُ الغَارُ على دَربِكَ الرَّملِيِّ، أُذُنُكَ لن تسمعَ هُتَافَ العذارى في الطُرقاتِ يهتفنَ باسمِكَ المَلْحَمِيِّ جُلجَامَشُ.. جُلجَامَشُ.
يبقى اسمُكَ، وتفنى قريبًا؛ فهل خُدِعَْت يا رفيقي، ذلكَ أنَّكَ مُكَبَّلٌ بِحَلَقِ السِّلسِلَةِ لحظةَ مولدِكَ، لنْ تنجوَ. فمَنْ تُصارِعُ؟ إنَّكَ إنْ أهلكتَ المدنَ، الأممَ، والجيوشَ، وإنْ سافرْتَ في ظُلماتِ البِحارِ خلفَ حُلُمٍ، لم تبتَعِدْ إلا قليلاً؛ فَحَفِيفُ أجنِحَتِهِ المِخْمَلِيُّ يَرِفُ فوقَ هامتِكَ.
الهواجسُ غِربَانٌ تَنْعَقُ. والمرايَا الحَجَريِّةُ لا تَهَبُ سِوَى النُّعَاسُ.. النُّعَاسُ.

صوتٌ

أنتَ خلقتَ السَّمَاءَ
البعيدةَ
والبحرَ المُحيطَ
وأنا عَجَنْتُ اللَّونَ
مرآةً
أنتَ خلقتَ المَرأَةًَ دافئةً
فصُغْتُ القصيدةَ بِدَمِي
أنتَ خلقتَ الجبلَ
وأنا صَنَعْتُ القَدَحَ
والسّكََِينَ
وصَنَعْتُ صُورَتِي

أيقونةٌ

لها وجهُ نَبِيٍّ
لا يُبِينُ
وأصابعُ طويلةٌ
كَشَهْقَةِ الكَمَانِ
لمْ تُجِدْ الكلامَ يَومًا
إلا بعينينِ تُشْبِهَانِ
سَمَاءً شُتْوِيَّةً
الطويلةُ كليلِ الشِّتَاءِ
والضِّحكَةِ الصَّافيةِ
تمشي الحوادِيتُ إليها
واليَمَامُ
والوَصِيفَاتُ المَلَكِيَّاتُ
حينَ تَرُشُّ
حنَانَهَا الغَافِي
تحتَ قِنَاعِهَا المُخْتَلِجِ
سأمضِي عنْهَا
مُغَاضِبًا
فتشكو نفسَها
لكائِنَاتِ الليلِ
بدَمْعٍ خَافِتٍ
وتَذْوِي
في شِتَاءٍ بعيدٍ
خَاتَلَتْنِي
ورَحَلَتْ صَامِتَةً

البِئْرُ العَمِيقَةُ

تحفرُ البئرَ العميقةَ، ولنْ يشربَ منهَا العَابرونَ إلا قليلاً؛ ثُمَّ يَتَكَاثَرُونَ عليكَ وأنتَ تَشُدُّ صُلبَكَ القَاحِلَ. ستمضِي فردًا، وكثيرًا تَعُودُ بِأُمَمٍ تَقْدَحُ الحَجَرَ والجبَلَ، بالحَفَاءِ، الوَصَايَا، والذَّهَبِ المَكنُونِ.
على إِثْرِكَ تمضي القوافلُ، تقطُفُ الثَّمَرَ الهَاطِلَ مِنْ كَفِّكَ الخشِنَةِ، ويَلْهَجُونَ باسمِكَ؛ اتَّكِأ على سَفحِ وَادٍ غيرِ ذي زرعٍ، يَصْهُلُ صُلبُكَ باللُّغَاتِ، الخُطُوطِ، والذِّكْرِ المُبينِ.
عليكَ وأنتَ تَرْقَى الجبالَ والشِّعَابَ أَنْ ترْدَعَ الغِيلانَ والهُوَّامَ عن كَاحِلِكَ المُثْخَنِ بالجِرَاحِ. فلماذا تكَبِّدُ نفسَكَ الحِمْلَ الثَّقِيلا، وتَذوِي صَفصَافِةً جَفَّ مَاؤها؛ لتروِي شَجَرًا يتطَاولُ عليكَ، بالنُّكرَانِ والبُكَاءِ الطَّويلِ.
تحفُرُ بِئْرًا عميقةً يفُورُ مَاؤها عذبًا فُرَاتًا؛ فَيُهرَعُونَ إليكَ مُخْتَالِينَ، يَجُرُّونَ ذِيُولَهم؛ ثُمَّ يَنْفُونَكَ في البلادِ، ويُطلِقُونَ اسمَكَ عليها عَلَمًا.

صَوتٌ

تعبرُ كُلَّ يَومٍ
تحتَ القَوسِ الشَّاهِقِ
ولا أَثَرَ لَكَ
فمَا ترفَعُهُ فوقَ كَاهِلِكَ
يُبَاغِتُكَ بالسُّقُوطِ
والخُطُواتُ تَفِيضُ
عن قَدمِكَ في الظَّلامِ
الكَثَيفِ
تمضي إلى آخرِ الدَّربِ
تَهْجِسُ بالمَخَاوِفِ
والضَّجَرِ
وتُحِبُّ امرَأتَكَ
لمَّا تَبْكِيكَ
بِدَمْعٍ بَاردٍ
وتُقَشِّرُ تُفَاحَ أيَّامِكَ
عَمَّا قَليلٍ تَرفَعُ
رايةَ الغِيَابِ

وَجهُ المَرأةِ البَعيدَةِ

تصعَدِينَ تَلّةَ الرَّملِ
كانتْ قَدَمُكِ الصَّغِيرةُ
تَغُوصُ في كَذِبٍ مُدْهِشٍ
وعينُكِ تَعُومُ
في اشتِهَاءٍ صَامِتٍ
الصُّخُورُ التي نَحََتَتْهَا
خطواتُكِ
حَقلٌ أَثَرِيٌّ مَجهولٌ
الموسيقى المُختَمرةُ
في هَبَّاتِ الخِيَانَةِ
وَهَبَتِ النَّومَ المُتَقَطِعَ
كَثَافَةً رَاكِدَةً
وأنَا أَعْكُفُ
على حَقْنِ الأَسرَارِ بِمَائِي
كنتِ ترتَحِلينَ
في المَدَى الضَّيِّقِ
وصدرُكِ البَاذِخُ
مِيقَاتُ حِقدي البَطِيءُ
يحنِّطُ الوَقتَ
بأقاصِيصَ شَجِيَّةٍ
فأختبرُ مَوتي
ولا مَوتَ يَعبُرُ
مُحِيطَ خَصْرِكِ النَّابِحِ
تصعدينَ مَسَاءً بَدَوِيَّاَ
بأسَاوِرَ فِضِيَّةٍ
وعِقدَ مَرجَانٍ يُضِيءُ
ظَلامَ الوِحَدةِ
نِسَاءٌ كُثْرٌ
يُشبِهنَ جَسَدَكِ الغَجِرِيَّ
يعبرُنَ وِهَادَ جسدي
فَيَفِيضُ الرَّمْلُ
بباطنِ كَفِّي

المُصَارِعُ الأَبَدِيِّ

تحمِلُ البَهَاءَ على كتفِكَ الضَّامِرَ، والمَسَاءُ ابتهالٌ يَتَشَظَّى على مَسِيرِ خُطوَتِكَ القَاحَلةِ. وحيدًا تَدفَعُ الدَّمََ المُتنَاثِرَ مِنْ هَوَسِ البَارحِةِ؛ تَتْبَعُكَ الخَسَارَاتُ بَنَاتُ يدَيَكَ.
مِن نَحِيبٍ قَديمٍ إلى أُفُقُ النِّدَاءِ الهَمَجِيِّ تَنْدَفِعُ؛ لِتَسْقُطَ النَّفسَ بِالضُّحَى العَالي؛ يُرَبِّي الأَحْقَادَ بِظِلِّ الجِدَارِ. رُبَّمَا تَهَبُكَ بَعضَ العَزَاءِ أسلِحَةٌ مَثلُومَةٌ، وتَمْلأُ كَفَّكَ بِفَقرِ الآخَرِين.
مِن قَلَقٍ جُبِلْتَ كَأَنَّ مَبْدَاكَ عَصْفٌ، والدَّمُ المُتَخَثِّرُ عَلَى دَربِكَ حِنَّاءُ المُصَارِعِ الأَبَدِيِّ الذي لا يُقْهَرُ، سَتَبْلو الحَيَاةَ، تَبْلُوَكَ، تَلطِمُهَا بِيَدٍ وتَشْحَذُ الأخرى عَزِيمَتَكَ بنشيدٍ الغَضَبِ المُبَارَكِ، تُمَجِّدُ العَدَمَ المُنْثَالَ على أَثِرِكَ الضَّالِّ.
إلوِ عُنَقَ الرِّيحِ، أَرْمِ البِحَارَ بالرعُودِ والصَّواعِقِ، ارفعْ كفَّيكَ عَالِيا واصرُخْ: يا سَمائِي القَدِيمَةَ، لا تُبْصِرِي خُطوَتِي؛ فالشِّعَابُ مَلْغُومَةٌ بِكَمَائِنَ تَتَرَصَّدُنِي. تِلكَ مَرَارَتِي وذلكَ حُضُورِي الفَجُّ.

صوت

مَنْ المَارِقُ وَرَاءَ
البَابِ المُغْلَقِ
هذا الفَجُّ كَخِنْجَرٍ
يَلمَعُ في الظَّلامِ
الحَطَّابُ ذو اليدِ الخَشِنَةِ
كانتْ مَبتُورَةً في الصَّبَاحِ
وَمُشْرَعَةٌ بِفَمِ البِئْرِ
المَطمُورَةِ
مَا شَرِبَ مِنهَا
إلا الحَيَّةُ وبُومَةٌ عَمْيَاءُ
فَأَيُّ غِنَاءٍ يَهْمِي
عَلَى الشِّعَابِ
في الصَّباحِ الشُّتوِيِّ البَارِدِ
يَقُصُّ أَثَرَ الأَنْبَاطِ
عَلَى الحَجَرِ
وَيُورِقُ فِي الحِبْرِ الأَسْوَدِ
بِبَطنِ الكُتُبِ العَتِيقَةِ

أَيقُونَةٌ

هلْ كانَ عليهِ أَنْ يُهَيَّأَهَا
كما يُرِيدُ لِحَفْلَتِهِ المُبَاغِتَةِ
وأَنْ َيَتوَارَى
خَلْفَ الأَشْجَارِ العَالِيَةِ
وهيَ تَخْطُو مُطْمَئِنَةً
سِوَاهَا مَنْ تَتَقَدَّمُ إليهِ مَاثِلَةً
تُخْفِى وَجْهَهَا بِكَفَّهَا الصَّغِيرَةِ
هيَ التى أَقَامَتْ عُرْسَهَا
كَمَا شَاءَتْ:
اغْتَسَلَتْ مِنْ النَّبْعِ البَارِدِ
وَجَدَّلَتْ الشَّعَرَ المَلَكِيَّ
تَقَدَمَتْ شَامِخَةً
بِفُسْتَانِهَا الأَحْمَرَ
ذِي الوُرُودِ اليَانِعَةِ كَبُسْتَانِ دَمٍ
لمْ يَجرُؤْ أنْ يَنْظُرَ في عَينَيهَا
فَتَرَبَّصَ بِلُعْبَتِها
وَرَاءَ الجِدَارِ
لِتَصْعَدَ الأَمِيرَةُ مِنْ تَحْتِ الرُّكَامِ
فَاتِنَةً كَطْعَنِةٍ في القَلْبِ
مَجْلُوَّةً مَزْهُوَّةً، كَغَيمَةٍ صَيفِيَّةٍ

والليلِ

إِنَّ هَذَا القِطْعَ مِنْ اللَّيلِ مِيعَادُكَ المَرقُومُ بِلَوحٍ مَحفُوظٍ، والظَّلامُ وَجهُ زِنْجِيَّةٍ تَضُمُّ إلى ثَدْيِهَا الثَّقَلَينِ كَدُودٍ على عُودٍ، وعليكَ الإِيغَالُ في جَذْوَةِ النَّارِ عَنْ يَسَارِكَ؛ إِنَّهَا خُطْوَةٌ أَخِيرَةٌ وَتَطْهُرُ رُوحُكَ مِنْ الدَّبَقِ؛ لما تمسح عن وجهك خرافة الوصال ووهم الصورة.
أَمْضِ أَبْعَدَ.. اَمْضِ، أنتَ الأنَ عَلى عَتَبَةِ الاخْتِبَارِ الأَخِيرِ، حِينِ لَنْ يَجِبِرَ كَسْرُكَ أَخٌ، وَلَنْ يَرْبِتَ على ظَهرِكَ مُوَاسٍ؛ فَرُوحُكَ مَا خَطَتْ خَارِجَ الدَّائِرَةِ؛ حَتَّى يَبِسَتْ مَفَاصِلُهَا، واستَكَانَتْ إلى صُحُفٍ مُهتَرِئَةٍ وَوَصَايَا بَالِيَةٍ؛ كِعِظَامٍ نَخِرَةٍ؛ فَمُسَّتْ. وَحِيدَةً، تَقَولُ: لا مِسَاسَ. كَعَجُوزٍ جَرْبَاءَ أصَابَهَا الخَرَفُ.
إنَّ الرُّوحَ لا تَزْهُو بِمُتَعٍ، ولا تَمْشِ في الأَرْ ِض مَرِحَا؛ إنْ كانَتْ تُكَابِدُ وُسْْوَاسَ السُّؤَالَ الرَّجِيمَ؛ فَهَبْهَا نَاشِزًا، واصبِرْ عَلَيهَا عَسَاهَا تَنْزِلُ بِكَ مَنزِلاً مُبَارَكاً.
اذهَبْ بَعِيدًا فِي مَتَاهَةِ الهَلاوِسِ حَتَّى تَدْمَى أَصَابِعُكَ مِنْ النَّبْشِ. وَالليلِ، إنَّ الليلَ لَمَرْتَعُ وَخِمِ؛ فَاحْذَرْ لِخَبْطِ قَدِمِكَ العَشْوَاءِ عَلَى الصِّرَاطِ. اصْرُخْ فِي البَرْزَخِ: يَأَيُّهَا النَّائِمُونَ عَلَى بَطْنِهَا، لاهَبَّكُمْ صَبَاحُ جَدِيْدٌ.

صَوْتٌ

لنْ تَحتَاجَ كثيرًا
سِوَي البَسَاطَةِ
وإِدِّعَاءِ الغُمُوضِ
لِتَدْخُلَ نَاصِعًا
فَتَسْقُطُ الأَشْيَاءُ
بِرَتَابَةٍ
فَكُلُّ امْرَأَةٍ
مَسَاءٌ بَدَوِيٌّ
بِقَمَرٍ أَشقَرَ يَهْذِي
وَكُلُّ مَسَاءٍ
حَيَاةٌ بَعِيدَةٌ
تُورِقُ فِي كَأْسٍ
فَارِغَةٍ

أَيْقُونَةُ العَذْرَاءِ

العذراءُ
بثلاثينَ خَرِيفًا
تَمسَحُ جَسَدَهَا بِزَيْتٍ بَارِدٍ
رُبَّمِا يَقِفُ العَابِرونَ
أَمَامَ شُبَّاكِهَا
أو يَلمَحُهَا المَلاكُ
وهيَ تُسْقِطُ الخَيطَ النَّاعِمَ
عَنْ كَتِفِهَا الأَبْيَضَ
الضَّامِرَ
رُبَّمَا قَطَفَتْ ثمَرَةً
يَنُزُّ عَسُلُهَا
مِنْ البُسْتَانِ المُحَرَّمِ
التي حَمَلَتْ للفَتَى النَّحِيلِ
سَلَّةَ الهَدَايَا
وَغَنَّتْ لَهُ أُغنِيَةً
يَتَرَدَّدُ صَدَاهَا
تَحتَ النَّافِذَةِ المُغلَقَةِ
الصَّبَّارَةُ الخَضْرَاءُ
والخُطُوطُ العَجْلَى
لِمِلامِحَ مُتْعَبَةٍ
زَادْهاَ في الرِّحْلَةِ البَعِيدَةِ
والفَتَى يَنْشُجُ حِبرًا أَزرَقَ
بِحِجْرِهَا البَارِدِ

الجُوعُ

لا تَنْبُشْ كَهْفَ المَوَتَى. دَعْ مَا يَعتَمِلُ في التُّرَبِةِ النَّتِنَةِ يَختَمِرُ عَلَى مَهَلٍ؛ كَمَصَّاصِ دِمَاءٍ خَالِدٍ فِي الظَّلامِ، يَنْتَظِرُ وَلِيمَتَهُ وَبَعْثَهُ بِأَجسَادِ الفَانِينَ.
تَوَارَى وَرَاءَ قِنَاعِكَ الوَسِيمِ، أَيُّهَا الذِئْبُ الشَّرِهُ؛ إنَّ مَا تَحتَ الرَّمَادِ لا يَنْطَفِيءُ أَبَدًا، والجَذْوَةُ المُشْتَعِلَةُ بِكَفِّكَ لنْ تَهَبَكَ قُرْبَانًا وَلا حُظْوَةً.
فَمَاذَا تَمْلِكُ سِوَى جَسَدٍ يَتَفَتَّحُ لِلحَيَاةِ البَعِيدَةِ عَطَشًا، أَيُّهَا المُخَادِعُ الذي لايَرَ ى أَبْعَدَ مِنْ أَصَابِعِهِ، ولا يُؤْمِنُ إِلا بِالجُوعِ القَاهِرِ.
إنَّ الأَمْرَ جِدُّ خَطِيرٍ، وَمَريرٌ كَحَنْظَلَةٍ؛ فَلا تَدَعْ مَا يَأتِي بِهِ الصَّبَاحُ يَأتِي، وَحَولَكَ الأَفْلاكُ والأَضدَادُ سَتَهْلَكُ. أَيُّهَا الوَاثِقُ كَنَيزَكٍ، إِلامَ تَخَبُّطُكَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ؛ كَسِكِّيرٍلا يُفِيقُ؟ّ

أَصدَاءٌ

الزَّهْرَةُ
التي نَبَتَتْ
بَعدَ مَطَرِ الرَّبِيعِ
قَالَتْ: كَمْ قَصِيرَةٌ
هِى الحَيَاةُ
*
الغَابُ
يَعْرِفُ
لُغَةَ الرِّيحِ
يَنْتَشِي
يُغَنِّي
وَدَوْمَا
تَمْضِي بِلا أَثَرٍ
*
كُلُّ مَا هُنَاكَ
بِضْعُ خُطُوَاتٍ
عَلَى الرَّمْلِ
لِتَغْتَسِلَ الصَّحَرَاءُ
بِالرِّيحِ.
الصَّوتُ

ذَا أَنَا
وذِي يَدِي
مُرّا أَمْضِي
كَعَاصِفَةٍ مِنْ رَمَادٍ
أَخْبُطُ الصَّبَاحَ
بِصَرْخَةٍ
ذَا أَنَا
وَذَا الخَرَابُ
رَفِيقِي
صَوْتِي وَالصَّدَى.

الحَرْبُ

" كانَ النَّاسُ أُمَّةُ وَاحِدةُ.. " قرآنٌ كريمٌ
" يجبُ ألا تَرفَعَ هُرَاوَةً بيديَكَ، فَسَوفَ تُرَفْرِفُ الأَشْبَاحُ حَوْلََكَ "
مِنْ مَلحَمَةِ جُلْجَامَش

الزَّمانُ البَعيدُ

فِي البِدْءِ
كَانَ الإنْسَانُ إِنْسَاناً
رَؤُومَا قَلبُهُ
وَسَلامًا تَفِيضُ يَمِينُهُ
عَيْنُهُ عَلَى أَخِيهِ
مَحَبَّةً وَعَطَاءً
لَمْ تَأَثَمْ جَوَارِحُهُ
وَنَفْسُهُ حَقْلُ حِنْطَةٍ وَفِيرٍ
هُوَ ذَا الإنْسَانُ
العَارِفُ الخَيرَ
لا يُحِسُّ نُغْلَ الكَرَاهِيَةِ
بَينَ ضِلُوعِهِ
وَعَارِيًا مِنْ الشَّرِّ يَحْيَا
لأَنَّ اليَدَ طاهِرَةٌ
تَبْذُرُ الحَبَّ
وَتُلْقِي السَّلامَ
كَانَتْ الحَيَاةُ غَدِيرًا جَبَلِيًّا
لأَنَّ الإنسَانَ إِنْسَانٌ كَانَ
عَيْنُهُ عَلَى أَخِيهِ
مَحَبَّةً وَعَطَاءً.

صَوتٌ

قَالَتْ الأَرْضُ:
ظَهْرِي حَمَّالُ أَوجُهٍ
وَالزَّمَانُ بَعِيدٌ،
بَعِيدٌ
فَبِأَيٍّ يَنْخَدِعُ الإِنْسَانُ،
فِي الصَّبَاحِ؛
الّذِي حَتْمَا سَيَأتِي
غَيرَ الصَّباحِ
قَالَتْ الأَرْضُ، قَالَتْ:
ظَهْرِي حَمَّالُ أَوجُهٍ

مُنَازَلَةٌ

يَا غَرِيمِي!
فِي العِرَاكِ الأَبَدِيِّ
لأَقْرَعَنَّ الضُّحَى
بِزِنْدَيَّ وَالحَجَرِ
وَأَنْتَ تَرْفَعُ كَفَّكَ عَالِيًا
أَمَامَ البَهَاءِ
الّذِي يَبْهُتُ رُوَيدًا
فَتَجْفُلُ الوُحُوشُ
مِنْ صَرْخَتِنَا المُدَوِّيَةِ
وَتَشْهَقُ الأَرْضُ مَاءَهَا
لأَرْمِيَنَّكَ
وَأَنْتَ تَحَدِّقُ
فِي عَيْنَيَّ
لِتَسْبِرَ غَوْرَ الخَاطِرَةِ
العَمِيقَةِ
الّتِي تُزَلْزِلُ الجَبَلَ
عَمَّا قَليلٍ
بِحِنْكَةِ العَلِيمِ الصَّبُورِ
الوَاثِقِ مِنْ كَفِّهِ الخَشِنَةِ
وَسَاعِدِهِ
لأَغْرِسَنَّ سَاقَيَّ
فِي الحِقْدِ وَالطِّينِ
وَأَشُدُّ عَزِيمَتِي
بِنَشِيدِ الغَضَبِ
وَأَهْوِي
عَلَى الصَّباحِ بِفَأْسِي
فَهَبِ اللّحْظَةَ
مَا تُشْعِلُهُ يَدُكَ
وَأرْوِ غِلِّي بِدَمِكَ
كِلانَا سِيَّانٌ أَمَامَ القَضَاءِ
فَمَنْ تَأْتِيهِ الطَّعْنَةُ غَدْرًا؟
وَأَيُّنَا تُحَوِّمِ اللَّعْنَةُ
فَوقَ رَأْسِهِ؛ كَالغُرَابِ
َأَيُّنَا يَا غَرِيمِي، يَسْقُطُ
قَرِيبَاً

جَوقَةٌ

يَا أَبْنَاءَ الأَرْضِ
نُوحُوا عَلى أَبْنَاءَ الأَرْضِ
لأَنَّ الأَخَ سَيَحْمِلُ عَارَهُ
تُظْلِمُ عَيْنُهًُ
وَيَغِيضُ قَلْبُهُ
" فَالإِثْمُ يَهْرَعُ نَحوَ تَتِمَّتِهِ "
يَا أَبْنَاءَ الأَرْضِ
نُوحُوا نُوحُوا

اليَدُ

" إِنَّنِي أَمْقُتُ مِهنَتِي، أَمْقُتْ مَهَارَةَ يَدَيَّ "
ايسخولوس

الخَائِنَةُ الفَاجِرَةُ
تُرْجُمَانُ القَلْبِ الآَثِمِ
فِي كَبِدِ اللِّيلِ
لَيْلِ المَكَائِدِ وَالأَشْبَاحِ
وَالسَّحَرَةِ
حَلِيفَةِ الشَّرِّ
غَمَسَتْ أَصَابِعِهَا فِي الدَّم
وَنَذَرَتْ قَبْضَتَهَا لِلقَتْلِ
إِنَّهَا لَفِي العُسْرِ وَالضَّلالِ
تَرْفُلُ فِي قَيدِ غُرُورِهَا
لَمَّا تَلْتَفُّ كَالحَيَّةِ
عَلَى المِقْبَضِ
كَانَتْ تَزْرَعُ وَتَحْصُدُ
وَتَعْصِرُ
صَارَتْ بِلا ذَاكِرَةٍ
سِوَى رَائِحَةِ الدَّمِ
الخَائِنَةُ الغَادِرَةُ
الخَاوِيَةُ كَجُمْجُمَةٍ فِي فَلاةٍ
تُرْجُمَانِ القَلْبِ الآَثِمِ

صَوْتٌ

الثَّورُ يَدْهَمُ
الجُّثََثَ بِأَظْلافِهِ
يَتْرُكُهَا فِي العَرَاءِ
لا كَفَنَ
لا شَاهِدَ قَبْرٍ
وَلا يَمَلُّ

القَتْلُ

أَكَانَ حَتْمَا مَقْضِيًّا
يَهْوِي بِالحَجَرِ
عَلَى الرّأْسِ الأَعْزَلِ
وَيُزِيحُ فِي بُرُودٍ وَشَائِجَ
مَا انْفَصَمَتْ عُرَاهَا
خَاوِيًا مِنْ فِطْرَتِهِ
وَفَارِغًا إلا مِنْ الهَوَاجِسِ
وَالأصْدَاءِ
يَحُدُّ النَّصْلَ
وَيَصْقُلُ سِلاحَهُ
لِيَثْقُبَ المُضْغَةَ
الّتِي عَذَبَتْهُ بِحَنَانِهَا
الصَّانعُ المَاهِرُ
يُمَجِدُ العَدَمَ
فِي سُوَرِةِ الحِقْدِ
الّتِي ابْتَدَعَهَا
وَلُهَاثِ أَصَابِعِهِ
خَلفَ دُمُوعٍ تَصْدَعُ الصَّخْرَ
يَتْلُو عَلَى المَبْهُوتِين
مَرَاثِي الشُّهَدَاءِ
وَيَذْهَبُ إلَى النَّومِ المُتَقَطِّعِ
بِعَينٍ وَاحِدَةٍ
أَكَانَ حَتْمًا مَقْضِيًّا؟

النَّشِيدُ

لَمْ نَأْتِ الحَرْبَ مِنْ وَقْتِنَا
كُنَّا نُجَاهِدُ جُرْحًا قَدِيمًا
وَنَحْنُ نَرْفُلُ
فِي الدُّرُوعُ السَّابِغَةُ
نَرْفَعُ نَشِيدَ الحِقْدِ فَوقَ رُؤُسِنَا
تَعْوِيذَةً تَقِينَا بَأْسَنَا
بِأَظَافِرَ طَوِيلَةٍ وَعَرَقِنَا
وَغَبَارٍ يَتَرَاكَمُ عَلَى الأَسِنَّةِ
المُشْرَعَةِ
فِي مَسَاءٍ بَارِدٍ يَهْبِطُ ثَقِيلاً
لَمْ نَأْتِ مِنْ اسمِنَا القَدِيمَ
وَذِكْرَى شَاهِقَةٍ فِي النِّسْيَانِ
لَمَّا سَهَونَا عَنْ فِردَوْسٍ بَعِيدٍ
وَأَوْغَلْنَا فِي دُرُوبٍ
خَلفَ الجَّبَلَ
جِئْنَا مِنْ أَغَانِينَا الصَّاخِبَةِ
وَمَزَامِيرَ غَضَبٍ
مِنْ طُبُولِ حَرْبٍ تَدُقُّ
بُمْ بُمْ.. بَبَابَمْ بَبَابَمْ بَبَابَمْ.. بُمْ
لَمْ نَأْتِ إِلَى الحَرْبِ
كُنَّا نُجَاهِدُ جُرْحًا قَدِيمًا
وَنَحْنُ نَرْفُلُ
فِي الدِّرُوعُ السَّابِغَةِ

الجُّنُودُ

الحَرْبُ حَربٌ
لَيْسَتْ أَغَانِي النَّصْرِ
فِي السَّاحَاتِ
وَلا نُزْهَةً قَصِيرَةً
يَدْخُلُهَا الجُّنُودُ بِعُمْرٍ غَضٍّ
وَعَزْمٍ أَكِيدٍ
الحَْرُب جُنُودٌ بُسَطَاءٌ
فِي خَطْوٍ عَسْكَرِيٍّ
يَنْدَفِعُونَ مُدَجَّجِينَ
بِالأَسْئِلَةِ والأَفْكَارِ المُجَلْجِلَةِ
وَالحَمَاسِ
يَذْهَبُونَ إِلى جَحِيمٍ
خَلْفَ التِّلالِ
بِأَغَانِي الحَنِينِ وَالخُطَبِ
يَمْسَحُونَ الدَّمَ
عَنْ صُوَرِ أَطْفَالِهم
وَمَوَاعِيدَ الجَمِيلاتِ
.. أَيُّ أَهْوَالٍ تَخُوضُ
مُسْتَنْقَعِ الدَّمِ
وَصَلِيلَ المَعْدَنِ الفُولاذِيِّ
يَصُكُّ العِظَامَ
وَيَقْطِفُ الوُرُودَ اليَانِعَةَ
البَائِسُونَ يَنْدَفِعُونَ
هَشِيمَاً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ
والأَفْكَارُ المُطْلَقَةُ
مُمْتَثِلِينَ لأَوَامِرِ اللهِ
وَأُولِي القُّوَةِ
يُسَاقُونَ إِلَى القَتْلِ
وَلا يَعُودُونَ أَبَدًا..
إِلَى مَا كَانُوا!!

أصوات

1

يَأتِي القَادَةُ
مِنْ أَعْمَاقِ الكُتُبِ يَأْتُونَ
مِنُ شَوقٍ نَهِمٍ لِلمَجْدِ
مِنُ سُهَادِ اللّيَالِي الطَّويلَةِ
وَأَحْلامٍ كَاذِبَةٍ
كُلٌّ مَأْخُوذٌ بِفْكْرَةٍ
وَكُلُّ فِكْرَةٍ مُطْلَقَةٍ
تَنْفِي سِوَاهَا
القَادَةُ الوَاثِقُونَ
الصَّارِمُونَ كَحَدِّ المَوْسَى
يَشْعِلُونَ الأَرْضَ
لِيُكَلِّلُوا هَامَاتِهِم بِالغَارِ
ثُمَّ يَعْبُرُونَ أَقْوَاسَ النَّصْرِ
وَهُمْ يُحْصُونَ الأَوْسِمَةَ
عَلَى صُدَورِهِم
وَيَبْكُونَ أَمَامَ الحُشُودِ
حِينَ يَتَذَكَّرُونَ
الجُنُودَ المَجْهُولِينَ
يَأْتِي القَادَةُ مِنْ كَوَابِيسَ
وَأَوْهَامِ النَّصْرِ.

2

يَخْطُو فَوْقَ عِظَامِ المَوْتَى
وَأَرْوَاحٌ لَمْ تَهْدَأْ بَعْدُ
كَأَسْئِلَةٍ تَذْبُلُ
كَأَنَّمَا المُلْكُ المُتَنَازَعُ
خُلُودٌ سَرْمَدِيٌّ
لَعَنَاتٌ هِيَ
يَحْمِلُ وِزْرَهَا القَادِرُ
يَرِدُ البِئْرَ الأُولَى
الّتِي غَاضَ مَاؤُهَا
وَفَاضَتْ بِدَمٍ مَسْفُوحٍ
لِيَشْرَبَ الإِلَهُ
الّذِي يَشْحَذُ سَيْفَهُ
ضَجِرًا
قَدْ تَقْتُلُهُ عَظْمَةُ جُمْجُمَةٍ

3

شَدَّ قَبَضَتَكَ
وَسَأَشُدُّ سَاعِدَيَّ
لَمَّا تَعْصِفُ القَبْضَتَانِ
يَنْسَابُ الدَّمُ
دَمُ أُمُّنَا الأُولَى
يَا عَدُوّي
يَا أَخِي فِي الجَبْهَةِ
المُقَابِلَةِ
مَنْ سَيَنْتَصِرُ؟!
مَنْ؟!

جوقة

فِي البِدْءِ
كَانَ الإنْسَانُ
صَارَ الإِنْسَانُ
ابنُ كَدْحِهِ
وَطَوْعَ يَدِهِ الآَثِمَةِ
يَمْشِي فِي مَلَكُوتِ اللهِ
بِالنَّارِ والحَدِيدِ
وَعَينُهُ عَلَى مُلكِ أَخِيهِ
ضَغِينَةً وَدَهَاءً
فِي البِدْءِ ..
كَانَ إِنْسَانٌ.

بَقَايَا أَوْرَاقٍ مُهتَرِئَةٍ

" إنّ للموتِ عيونًا يرى بها. "

الإمامُ: " عليُّ بنُ أبي طالبٍ "

عُزْلَةٌٌ

مَا جلَسْتَ يومًا
على قبرٍ
ولا اندَهَشْتَ
لموتٍ عَابرٍ
كأنَّ الموتَ
فاكهةٌ مَركُونَةٌ
منذ أربعين خَرِيفًا
يَعْبُرُ الأحيَاءُ الهُوَّةَ
القَرِيبَةَ
وأنتَ مَا زِلتَ تَنْسَى
أصَابِعَكَ
عَلَى الكِيبورد
تقذِفُ هُلامًا
فِي الوَهمِ
رُبَّمَا تَجْتَازُ الحَاجِزَ
الحَجَرِيَّ..

قَسوَةٌٌ

بَاغَتَنِي، وهُوَ القَرِيبُ النَّاصِعُ كالعَاصِفةِ وصَرْخةِ الليلِ، فكرةً تقلقُنِي بهواجسَ باهظةٍ. ما لونُهُ؟ طعمُهُ؟ خاتمتُهُ؟ إلا أنَّنِي ذاتَ صباحٍ شتويٍّ بعيدٍ بلوتُ نابَهُ الأزرقَ.
كنتُ تركتُها تطرِّزُ ثوبَ عُرسِي المُرتقَبِ على أملِ لِقَاءٍ قريبٍ؛ لكنَّه الماكرُ، الماهرُ سحبَهَا من أصابعِهَا النَّحيلةِ ومضى دون أيِّ تفسيرٍ.
بعدَ ذلكَ بشتاءَاتٍ أيقنْتُ أنَّها بَهَرَتْهُ بعذوبتِها وضحكةٍ صافيةٍ كمروجٍ واسعةٍ؛ فجلسَ إليها طويلاً يشربُ الدفءَ النبيلَ من أعماقِ عينيها. فجأةً، بَرَزَ كنمرٍ مُتَحَفِّزٍ للوثوبِ على فريسَتِهِ، أدركتُ كمْ هوَ قاسٍ!

مِرآةٌ

واقعيٌّ، واقعيٌّ حتى الاستحالةِ،
واضحٌ بطريقةٍ؛ لا تخطُرُ على البَالِ.
" بِيسْوَا

توجسٌ

أصحو مُفعَمَاً
بحسِّ الخديعةِ
لا أدركُ الهاويةَ
وراءَ البابِ المُغلقِ
تترصدُنِي
كظلِّ الغريبِ
فالأشباهُ جَمَّةٌ
وكيف أحصي
نثارَهَا الكثيفَ؟

شَبَهٌ

قالتْ:
لا تشبهُنِي
كثيرًا
يا ابن بطنِي
وأنتَ أقربُهم
مني قلبًا
عيناك المُوغِلتان
في الاشْتِهَاءِ
والدَّهشَةِ...
يا ويلي عليكَ.

عِتَابٌ

هجيرٌ، شمسٌ حارقةٌ وهواءٌ لافحٌ، عدوتُ لأحتمي من الحرارةِ التي تحرقُ قدميَّ الحافيتين. الجغرافيا: رمالٌ متوهجةٌ، نخيلٌ يابسٌ، وكهفٌ لم أدرِ ما عِلَّةَ وجودِهِ في هذا الفَراغِ البَاهِظِ. عَدَوْتُ إليهِ ودخلْتُ مُسْرِعَاً..
ياللهُ سَكِينَةُ، برودةُ، وهدوءٌ. كان أمامي يتكيءُ على جِذْعِ نَخلَةٍ، ملابِسُهُ شَاهقةُ البياضِ وعلى وجهِهِ سَمْتُ الفوزِ والنَّجَاةِ، أعرفُهُ يفيضُ قلبُهُ رحمةً على المخلوقاتِ : الأطفالِ الحزانى، الحيواناتِ تأوِي إلى حِجْرِهِِ الممدودِ، النباتِ الذي يتلعثمُ في الخطو.
كان جَدولُ ماءٍ رَقْرَاقٍ يَسِيلُ بين الحَصَى بجوارِهِ، أشَارَ اجْلِسْ؛ فَجَلَسْتُ، لم أتكلمْ، لم أسَألْ، أُخِذْتُ بحالةِ السَّكِينَةِ والبرودةِ اللذيذةِ، كم مِنَ الوقتِ مَرَّ؟ هل كان الوقتُ وقتًا كما أعرفُهُ؟ أَفَقْتُ على هاتفٍ يهتفُ بي: أُمُّكَ جاءَتْ.
قفزتُ صَوبَ البَابِ؛ فإذا بها شَاخِصَةٌ بطولِهَا الذي يُشْبِهُ سَرْوَةً، احتَضَنتُها وبَكَيْتُ: حُزنًا، فَقدًا، واشتِيَاقًا، كَانَ ذِراعَاها مُدلَّيين بِطُولِ قامَتِها. قَالتْ: مُعاتبةً: يَمْ يا سالم... يَمْ ؟

تَمَعُّنٌ

دَعْ ما يأتي
به الصَّبَاحُ
يَأتِي..
دَعْ السَّماءَ جَانبًا
وكُلَّ أقنِعَةِ الرِّضَا
والقَنَاعَةِ
انْظُرْ دَاخِلَكَ
مَاذا تَرَى؟

شِرُودٌ

على رَغْمِ لُهَاثِي
خَلفَ أرقٍ يَنْدَمِلُ
أصغي لدَبِيبِ خُطَاي
بأوَّلِ السِّيرَةِ المُرّّةِ
أعصَابِي مُثَارَةٌ
تهددُنِي بِمَاضٍ يَتَأَجَّجُ
تِلكَ بِدَايَةُ الشَّتَاءِ
عَلَى كَفِّ الخُرَافَةِ
أَسِيرُ في دُرُوبٍ
خلَّفتها عَوَاصِفُ
الذِّكرَيَاتِ الذَّابلةِ
لا أَعِي مَا يَسَّاقَطُ
مِنِّي....

الزِّيَارَةُ..

سَأزوكَ قريبًا. مَتَى؟ خِلالَ أيَّامٍ. هَل سيأتي أبي معكِ؟ بالطَّبعِ، وهل يمكنُ أن أمشي بدونَه؟... دخلتُ في هلاوسَ عميقةٍ، وجوهٌ كثيرةٌ؛ تَمِيعُ، تتوَالدُ، تتجَعَّدُ، ثُمَّ تتسَطَّحُ، كمن ينظرُ في مرآةٍ مُحَدَّبةٍ، أو وجوهُ جِنٍّ أَفْلَتَ من عِقَالِهِ.
كانتْ الشّمسُ تَلْهَِبُ رَأسِيَ وكَتِفِيَ العَارِي في الضُّحَى الصَّيفيِّ، نَظَرْتُ حَولِي، لَمْ أجِدْ أحَدًا، حَاوَلتُ التَّذَكُّرُ، هَل أحلُمُ؟ للمَرَّةِ الثَّانيةِ تزورُنِي، في الأُولَى كانتْ عَاتِبَةً عَلَىّ، والآنَ تَأتِي عَجِلَةً؛ لِتَقُولَ: سَأزُورُكَ قَريبًا.
فَكَرتُ في مَغْزَى الزِّيَارَةِ: بَحَثتُ عَن إشَارةٍ مَا، لَمْ أُفلِحْ، هَاتَفتُ صَديقِي الأزهَريِّ وسَألتُهُ، قال: سَأقرأُ ابنَ سِيرينَ. صَديقِي الرِّوَائِيُّ قَالَ: اضْغَاثُ أحلامٍ، وكُنتُ أُفكِّرُ في مَغْزَى الزِّيَارَةِ القََادِمَةِ.

بَرَاءَةٌ

الوَلَدُ المُبتَهِلُ الغَرُّ
الشَّفِيفُ كَمَاءِ الغُدْرانِ
نَادَى فِي الظَّهيرةِ
مَا في الثَّوبِ غَيري
سَرَقَ السِّكينَ
لِيَصنَعَ نايًا خُرَافِيًّا
ثُمَّ حَطْمَهُ
على عَتَبَةِ البَابِ
لِيَحمِي البَيتَ مِنْ خُطَى
العائدِين كُلَّ مَسَاءٍ
حِينَ هَمَّتْ امْرَأةٌ
بِسَحبِ خَرَائِطَ مِنْ صُُلْبِهِ
صَرَخَ، ومَضَى تَحتَ
المَاءِ الكَثِيفِ

مِرْآةٌ

الموتُ قفصٌ،
ولا أمكِنَةَ أُخرَى هُنَاكَ. " كفافي "

العَالَمُ

بكذبةٍ صَغيرةٍ
أختَرِعُ عَالمًا
ثُمَّ أجلِسُ عَلَى
حَافةِ الوَهْمِ
أُقَشِّرُ أصَابعَ الليلِ
أُدَلِّي قَدَمَىَّ
في مَاءٍ يَفِيضُ
من أصَابِعِي
أصْطَادُ نتفَ النَّشْوَةِ
واصنَعُ تَذكَارِي

رُفَقَاءُ اللّيلِ

كُلَّمَا أمْشِي وَحِيدَاً
يأتونَ مِنْ بيوتِهِم القريبةِ
والبعيدةِ
يتأبَّطُونَ ذِرَاعِي
أو يضَعُونَ أيدِيَهُم
عَلَى كَتِفِي
عيونُهم البَاهِتَةُ الفَارِغَةُ
عِظَامُهُم الهَشَّةُ
تُحدِثُ ضَوضَاءَ
مَكتُومَةً
فَيَلْتَفِتُ العَابِرُونَ إلىَّ..
بَعدَمَا مَلّوا النَّومَ الطَّويلَ
صَارُوا يَستَمْرِؤن رفقَتِي:
في الشَّارعِ
في المَكتَبَةِ العَامَّةِ
في الحَدَائِقِ
في الشُّرفَةِ الفَارِغَةِ
يقرَأونَ كُتُبِي
ويَكتُبُونَ هَلاوِسَ
أو يُدَنْدِنُونَ بَأَلحَانٍ
قَدِيمَةٍ
كَثيرًا مَا تَهَامَسَ
الجِيرَانُ
وَهُمْ يُشِيرُونَ إِلىَّ
كَأَنَّمَا أنَا مَنْ يُزْعِجُ
ليَالِيَهُم الرَّتِيبَةَ

مِرْآةٌ

أَرَى العَيْشَ كَنْزَاً نَاقِصًَا كُلَّ لَيْلَةٍ
ومَا تَنْقُصُ الأيَّامُ والدَّهَرُ يَنْفَدُ

طَرَفَةُ بنُ العَبْدِ

مُقَايَضَةٌ

في مَسَاءٍ بَعِيدٍ
كَيَدٍ مُهمَلةٍ
عَلَى حَافةٍ المِقعَدِ القَدِيمِ
سَأقُولُ: الحَيَاةُ عَادِلَةٌ
تُقَايِضُ الإثمَ بِالأَلَمِ
وأَنْدَفِعُ إلى بُرْجِ رُوحِي
لأفتِكَ بالثَّورِ الآخَرِ
في المِرآةِ
فالصَّحَرَاءُ الشَّمْطَاءُ
لَنْ تُجْدِي
في رَتقِ الهُوَّةِ العَمِيقََةِ
ولا الإرْثُ الثَّقِيلُ
في خَلْخَلَةِ الوَشْمِ
عَلَى صَدْرِي
فَأَمْشِي فِي الظَّلامِ
إلى سَطْوَةِ الهَذَيَانِ
فَهَل الحَيَاةُ عَادِلَةٌ؟

الفَقْدُ

سَتَفْقِدُ الكَثِيرَ إنْ بَقِيتُ
ورَحَلَتْ في صَبَاحٍ بَعِيدٍ
مُخَلِّفَةً رَائِحَةً بَاهِتَةً
فِي الغُرْفَةِ
وَعِقْدَ مَرْجَانٍ
عَلَى حَافَةِ السَّرِيرِ
وَصَوتًا يَرِنُّ
كدُمْلُجِ الفِضَّةِ
كانَ ذلكَ
في صَبَاحٍ غَائِمٍ
في شِتَاءٍ بَعِيدٍ
ومَا أكْتَرَثْتُ
قُلتُ: رُبَّمَا أَفْقِدُ
جَسَدًا بَضَّاً
وبَعضَ الزَّهْوِ
لأَنَّ جَمِيلَةً تَدُّقُ بَابِي
وأَمْعَنْتُ في الهَذَيَانِ
كانَ سَرِيرِي
مَلْجَأَ الفَتَيَاتِ الخَرِبَاتِ
وكَمَنْ يَدَقِّقُ في نَقْشٍ
عَلَى حَجَرٍ
أُوَازِنُ بينَ الأُفُقِ
والطُّيورِ اللّيليةِ
تَنْعَقُ تَحتَ شُبَاكٍ
مَكسُورٍ
أَجَدْتُ السُّقُوطَ
لألمِسَ رَائِحَةَ الغِيَابِ
عَلَى أَصَابِعَ نَحِيلةٍ

الغُبَارُ

الأَصْوَاتُ، الكَلِمَاتُ
الأَفْكَارُ
كُلُّ مَا قِيلَ مُنذُ الأَزَلِ
أينَ ذَهَبَ؟
وهَلْ أنَا هَبَاءٌ؟
ومَا تَرَاهُ عَينَيَّ
هَبَاءٌ خَادِعٌ؟
كَغُبَارٍ تَحتَ شُعَاعِ
شَمسٍ
يَتَلاشَى فِي الفَضَاءِ
الأَجْوَفِ كَصَفِيحَةٍ
هَلْ أنَا غُبَارٌ؟

المَصِيرُ

فِي هَذِهِ الدَّائِرَةِ
المُعْتِمَةِ
أَتَحَسَّسُ ذَاتِي
كَدُودَةُ الأَرضِ
يَلفَحُهَا الهَوَاءِ
فَتَتَقَلَّصُ مَذعُورةً
أَتَقَبَّلُ العَالَمَ
بِحَوَاسِّي
كَوَتَرٍ في ذُرْوَةِ
الجِنْسِ
تَبْحَثُ عَنْ قَرَارٍ
يا لِهَذَا الوُجُودِ
المُقًزِّزِ
كيفَ أُفْلِتُ مِنِّي؟
كيفَ؟!

سالم أبو شبانه
بادية سيناء / مصر
S_abushabana@hotmail.com