شعراء مصر

  1. إبراهيم داوود
  2. أحمد المريخى
  3. أسامة الحداد
  4. أشرف يوسف
  5. البهاء حسين
  6. إيهاب خليفة
  7. جرجس شكري
  8. جيهان عمر
  9. حسن خضر
  10. شريـف رزق
  11. صبحي موسى
  12. عاطف عبد العزيز
  13. عزمي عبد الوهاب
  14. علاء خالد
  15. علي عطـا
  16. علي منصور
  17. عماد غزالي
  18. عيد عبد الحليم
  19. غـادة نبيل
  20. فارس خضر
  21. فتحي عبد السميع
  22. فتحي عبد الله
  1. كريم عبد السلام
  2. محمد أبو زيد
  3. محمد الكفراوي
  4. محمد متولي
  5. محمود خير الله
  6. محمود قرني
  7. مؤمن سمير
  8. ميلاد ذكريا
  9. نجـاة علي
  10. هدى حسين
  11. ياسر الزيات
  12. ياسر شعبان

الشعراء العرب

  1. أحمد السلامي
  2. إدريس علوش
  3. حسين جلعاد
  4. عزيز أزغاي
  5. على المقرى
  6. لينا الطيبي
  7. محمد خضر
  8. محيي الدين جرمة
  9. نديم الوزه

 

القاهرة 2009

ابراهيم داوود
مواليد15/9/1961، هورين، منوفية، تخرج في كلية التجارة 1983 كاتب صحفي، ويعمل محررا بجريدة " الأهرام". صدر له: تفاصيل- ط النديم، 1989مطر خفيف في الخارج- ط شرقيات 1993، الشتاء القادم- ط الهيئة العامة للكتاب 1996، لا أحد هنا- ط المجلس الأعلى للثقافة 1998، انفجارات إضافية, حالة مشي- ط ميريت، 2007. ضمها معًا كتاب واحد، بعنوان " ست محاولات"، الصادر عن دار " فكرة" 2009. وتفاصيل وتفاصيل أخرى- ط قصور الثقافة 1997و" يبدو أننى جئت متأخرًا"، و" خارج الكتابة".

وزن زائد

حين أفرغ مما أنا فيه
سأتخلص من نباتات الظل التي أجهدتني
وجعلتني لا أحب السفر
وأخرج
في اتجاه البحر
أشتري مدينة " قديمة"
أنشر عليها ملابسي
وأتجول وحدي فيها
مديتة ساحلية خضراء
تتسع
كلما اقتربت،
سأتخلص من الوزن الزائد
الذي أصاب ذاكرتي
وجعلني أتحدث مثل الحكماء
وأبحث عن مناطق
آمنةٍ
كنت فيها " كما ينبغي أن أكون"
" وحيدًا" يصيب ويخطئ
ويعاقب نفسه طوال الوقت
بالموسيقى
ويبحث عن صوته
في الكلام البسيط
الكلام الذي لا صوت فيه
النقي
الذي يخرج مع الفحر،
القديم
الذي تبرّأ من الماضي
سأتخلص من الهزائم التي حاصرتني
وجعلتني أتفادى وجوه العابرين في الصباح
وربما استعدت بعضًا من الفواكه
التي ضاعت
في القُرى
لأفتح- عندما أفرغ مما أنا فيه-
صفحة جديدة مع البساتين.

***

إبراهيم منصور

ترك الأوراقَ الصغيرةَ في الصالةِ
والسجائرَ والجُبنَ والماضي
في الثلاجة
ترك ضحكته على النار
ونظّارته الجديدة على السرير
والهزائمَ على الرّف
ونورَ السلم
والبوابة مفتوحة
ونرك أيامنا الحلوة
معه
وذهب بمفرده
ليشرف على تنظيم العصافير
قبل فته الستار
وعندما فوجئ بأبطال العرض مات من الضحك.

***

سُكنَى

ما بين غُرفتي وغرفتِه
تمرُّ سيداتٌ بالطّحينِ
.. يمدّ ساقه ليقلِبَ الحقولَ
بين غرفتي غرفتهِ
فأحملُ الحقولَ
كلَّ ليلةٍ
أحطّها مكانها
لكي تمرُّ في الصباح
سيداتٌ بالطحين.

****

أحمد المريخي
من مواليد أسوان، يناير 1968م. تخرج في كلية الآداب قسم الصحافة 1990م، جامعة أسيوط. عضو نقابة الصحفيين عضو الأمانة العامة لمؤتمر أدباء مصر (2008 ـ 2009). نشرت قصائده، ومساهماته النقدية فى عديد من الصحف والمجلات الأدبية منذ الثمانينيات. صدر له: " ضد رغبتى"، ط الهيئة العامة لقصور الثقافة 2008. سكرتير تحرير مجلتي " الشعر" و" الإذاعة والتليفزيون". له قيد الطبع:" حياة".

***

حركات مراهقين

ليس بيدى الآن شىء
وكنت كذلك
ما فات فات
ربما يعود
هل قلت لكم إن آدم لم يخطئ
وإبليس كذلك،
وإن العالم وجهان يتغذيان على الأخطاء!
طظ يا أبانا
إنا نعرف ذلك
وسوف نروى لك القصة؛
كنا نأمل وأنت تحكى لنا حدوتة الصياد العجوز والسمكة الذهبية
أن تنحاز ولو مرة لامرأة الصياد؛
المرأة تطمع في الحياة!
لكنك كل يوم تنحاز إلي الصياد
وكنا نتظاهر بالنوم
فتشد البطاطين على أجسادنا
وعندما تطمئن إلى أننا استغرقنا فى الفراش
تختلى بالكمبيوتر،
تسبح فى أحلامك لتشاهد فيلم الحياة
كنا نشاهد ما تشاهد.. ونتضاحك:
ألم يدرك أن فى غرفته شباكاً مفتوحاً على الفراندا،
وأن زجاجه الموارب يستقبل قمر الله
ويمنحنا زاوية للرؤية؟!
كم أنت طيب أيها الأب.
عموما طظ..
فقد حصلنا على أب جديد؛
شرير إلي حد ما،
يحتفي بالحياة
يترك لنا اللاب توب
وينشغل مع الجار فى لعب الطاولة
موحيا لنا أنه وأننا لا نعرف شيئا عن خاصية الهيدن
وما أجمل جارنا؛
شرير حرير
يودود لأبى عن انشغالنا المريب
والشر ممتع حقا
فقد كنا نستقطب ابن الجار ليشاركنا فرجتنا
وفي آخر السهرة
نسأله إن كان استمتع بالفيلم حقا !
ويرد الجار: يا أولاد..
الفيلم أكبر ممن كان في الإرث أبانا !
ويا أبانا
ذات مرة واثنتين وخمسين مرة
تستوقفك الجميلة الجميلة
الجميلة
تفتح لك كرمها
وأنت ترغب وتتأوه وتتمنى..
لكن تكذب عليك وتكذب علينا
لهذا مت
لو أنك غامرت لبقيت
وكتبت كتاباً غير الذى أخلفت
غير الذى استهلكنا!
فيا أبانا الذى أفنانا
فى الأرض
وفى السماوات
وفى الملكوت
وتعتقد بأنك سيد العارفين..
طظ
أنت خطأ العالم
ونحن لسنا بحالمين!

***

الشجرة

"كل شيء راح لحاله"
قالها رجل لسيدة فى حديقة
فلم تر النهر يبلل أقدامها
لم تسمع عصافير فزت فى أعشاشها
ولم يرتخ من خجل وجهها
استفزها الحنين
قالت: كيف لى أن أعيد قلبى إلى نطفته
كيف يا حبيبى أنزع شفتيك عن شفتى
وجسدك عن عرقي
وأين لى برحلة مأهولة ؟!
لا يا حبيبى
ما من شيء يعود لحالة الأولي؛
من منح من ومن أخذ يأخذ
وأناخت سمعها
وتمدد الرجل على جنبه
فأهالت عليه ترابها ثم بكت..
وأقامت شجرة
جاء أناس من كل فج ينشدون عزاءها
ثم قامت قيامة
وكل شيء على حاله
سوى أن السيدة جاءت برضيعها
أنزلته تحت الشجرة..
قالت: هنا يا حبيبى عرفت الحب.. وهنا دفنته
قال: كيف يدفن الحب من عرف الحب
قالت: يا حبيبى كل شيء راح لحاله
فرأى الرضيع النهر يبلل أقدامها
سمع عصافير فزت فى أعشاشها
ارتخى من خجل وجهه
قال لها: من منح يأخذ
ثم مالت على جنبها
لم يبك الرضيع
سوى أنه مسح بيده البيضاء على جبينها
فقامت شجرة
يحكى أن الطفل يسكن جذعها !!

***

اسامة الحداد
مواليد 1964 يعيش بالقاهرة، وبعمل بالمحاماة، ينشر القصائد متفرقة منذ الثمانينيات، صدر له: " شرور عادية" ط دار ملامح 2008.

موجز لبداية اليوم

ليست مثيرة للدهشة
تلك الجثث الطازجة
وهى تتحرك بتلقائية هائلة
لإيقاظ الشوارع
فى مغامرة فاسدة
تفتح الهواء للشمس
وتمنح اللعنة فرصتها
كنداهة طيبة
فى جذب أرواحنا
نحن الأبرياء القدامى
أصحاب القمر المتألق على سلم البيت
كحارس للأشباح الغائبة فى المرايا
والتى تشبهنا على نحو ما
وتراهن دائما على عودتنا إليها
أيها الأصدقاء
كم هو تعيس من لا تصيبه اللعنة
ومن يفشل الوباء فى مرافقة عظامه
دون علامة تعجب قاسية
فالحكايات مملة وساذجة
كالأحلام التى تركناها خلف الستائر
أو الأغنيات التى عجزت عيوننا
عن مواجهة إيقاعاتها المثيرة للشفقة
دعونا نترك المرايا المهشمة بعيدا
ونتناسى انكسار الضوء
على حافة الموسيقى
نضع الليالى الضائعة
فى سلة المهملات
وخطواتنا فى نعش مزدحم
يناسب اللعنة التى تسكننا
ونمارس التدريب على الحياة.

إنه يحتفي بوحدته

خطة مقبولة للأمس
لأيام أعيشها من جديد
أرتب خلالها المواعيد
التى هربت فى الحافلات العامة
وأحدد أعمالا
أكثر روعة من أشجار بلاستيكية
اختار ملامحا مغايرة لى
و أشكالا متناسقة للخونة واللصوص
بحيث يمكننا العمل معا
على إخفاء الهواء
أو اختطاف صورة مجهولة
من مرآة مهشمة
سأكون طريدا للعدالة
و هاربا من أحكام الوقت
مكروها من الجيران والمارة
بوجهى الذى اقتبسته
من اسطورة ساذجة
وقدراتى على مراوغة الجدران
وإلقاء الطرق بعيدا عن المارة والسيارات
كى لا تشى بظلي الضائع
وبالسنوات التى خبئتها فى صندوق قديم
جوار جثتي الطازجة
ساترك الأحلام على الوسادة
والأمنيات على حافة النافذة
وأفرغ رأسي تماما
من أفكار معقولة إلى حد ما
ومناسبة لقتيل مجهول
تركوا جثته على الرصيف
ولم يلاحظ المارة دمه الساخن
وهو يتسلل بلا حذر داخلهم
إنها إذن مؤامرة
لحياة جديدة
لها نظام صارم
يبدأ عادة
بلا أشياء محددة
حيث الكلمات لا حواف لها
والأسماء متطابقة
وعاجزة عن التداول
والمناخ لا يمكن الشعور به
وعادة يمر بلا ضجيج مفتعل
أو تحديد لدرجات الحرارة
والرياح العاصفة
لا يمكن الوثوق بسكونها
أو التحليق معها
فعندما تكون شبحا
تغدو كل هذه الأشياء
لا لزوم لها
ويكون من العبث
البحث عن قارة غارقة
فى كوكب بعيد
أو ارتياد أماكن محددة
و أيضا فالمفاجآت غير واردة
والأشياء جميعها عادية
وأنت تنظر إليك من بعيد
متعجبا من ملامحك الجديدة
وسعيدا بالوحدة التى تعيشها الآن.

****

أشرف يوسف
مواليد1970 بمدينة المنصورة. يعمل في مجال المحاسبة الحرة. صدر له:" ليلة 30 فبراير- قصائد منسوخة"، 1995." عبور سحابة بين مدينتين"، 1997. "يعمل منادياً للأرواح" 2003 و" حصيلتي اليوم... قبلة" 2007 ط دار " شرقيات".

كأنني أكتبُ شعرًا موزونًا، مُقفَّى

يقولُ المرءُ لنفسِهِ،
أثناءَ رحلةِ قدميهِ إلى غرفةِ الإعدام:
لابدَّ منْ مكانٍ ما مثلَ محطاتِ القطارِ
تذهبُ إليهِ
حيثُ الركضُ تميمةٌ بشريَّة.
الباعةُ جنْبَ المسافرين
يهلِّلونَ لشراءِ مِنْظارٍ صُنعَ خِصِّيصًا لرؤيةِ
موطنِهم الأصليِّ يتغنّى بهِم.
تطوَّعَ مثقَّفٌ مجهولٌ وأخرجَ منْ صدرهِ ضفَّتين
وأبحرْنا على قضبانِ السككِ الحديديَّة
مسلَّحينَ بالأمل.
هايْ أيّها العاملُ في شُبَّاكِ التذاكرِ:
" ثبِّتْ عدسةَ الكاميرا على أيادينا
المحتشدةِ بجداولِ المواصلات".
صباحُ الخير 010
صباحُ الخير 012

***

لعبتي المفضلة

يالقدري.. ضيعتُ حياتي عاشقاً للبط ء
يقودني آخرون ضعافٌ مثلي
يهابون الميكروباص وعربةَ النقل
ونقطةَ المرور البعيدة
سواءٌ كنتُ مندفعاً بأقصى سرعةٍ أو أنتظر في المرآب.
خطاي إلى الأحلام- ملعبي الأخير-
شقاوة ُعفريتٍ غلام
يلفظونها آخر الليل بالماء والصابون الملقى
بلا خجلٍ أو استئذان على كنبتي الخلفية
وعجلاتي الثلاث.
مشيتُ في الوحل.. ومشيتُ على التراب..
ومشيتُ تحت السماء..
أكتملُ بركابي الغلابةِ ويكتملون بي
وألعنُ سائقي في السراء والضراء.
لا أملَ ولا يأسَ لديّ
عملتُ لسنواتٍ بهلواناً
كلُّ ما عليّ هو الانتظار
هييه الانتظار - لعبتي المفضلة-
كان يجعلني أعرف حيلَ الكلام
"ألغي و أمسح وأعدِّل" النداء
بين إيثاكَتين متقابلتين يفصلهما وحلٌ
وأشجار.
أما فيما عدا ذلك- يا صاحبي الطيب-
لم أكن لأغامرَ وأخرجَ في أسفارٍ طويلة
فأنا في النهايةِ .."توك توك".

****

البهاء حسين
من مواليد سوهاج فى 18-5-1965، صدر له: نفس البحر ، ط هيئة قصور الثقافة1999. تأويل العابر دراسة،2000. البحر كالعادة،2001 عود ثقاب أخير ، ط الهيئة العامة للكتاب 2002. نص الكلاب ، دار فرحة 2003، قريبا ًمن بهاء طاهر .. محاورات وملامح، ط المجلس الأعلى للثقافة 2004. آثار جانبية للسعادة، هيئة قصور الثقافة 2008.

كومبارس

(!)

لا أريد أن يحبنى أحد
كى لا أحبه
لا أريدُ أن أحب أحدا ً
أريد أن أحمل جثة الحياة
سأفتح وسطها كوة
وسط الحياة بالضبط
كوة
صغيرة
مظلمة
كى أبصق على النص
أريد أن أبكى وأن أكف عن البكاء
فى يناير.

(2)

من يحمل المطر إلى أصابعى
متى يهطل المطر
من يحمينى
من المطر.

(3)

زنة
زنتان
زن ن ن ن.
المصورون يعرفون السر
لهذا ساروا مبللين بالمشهد
وتركونى معلقا ً فى لقطة.

(4)

كلاكيت: صور
- لا أريد
سكوت
- غدا ً
..........
الجمهور
هل يتفرجُ العراة على عريهم
كى يدفعوا زكاة المصير
الإضاءة:
كم أرتعش
ولا أحسّ بأى رغبةٍ فى المجد
طعامى اليومى
آه .. هل تكون الحياة بيتى الأخير
اليوم باردٌ
وغدا ً
وبعد غد
ملل
والجمهور لا يصفق للكومبارس
والله لا يحبه
والمنتج
والنص
والشاشة لا تحبنى
أين أحط ملامحى التى لا أحبها
لا بيت لى
وسنواتى اتسختْ
صارت أوطى من أصابعى
والكاميرا كل يوم تدور.

(5)

أبدأ الدور كى أنتهى من الدور
والدور صغير

(6)

أنا لا أكذبُ أبدا ً
مرة ضربنى المخرج بحذائه
لأننى أخطأت فى هجاء اسم الأمير
ومرة ضربتنى البطلة
فاعتبرتها جزءا ً من التصوير
وانتهى الدور الخطير

(7)

أفكر وقد تجاوزت الخمسين
أن أعتزل الأضواء
ولكن من يبكى فى يناير
كى يضحك الجمهور

(8)

فى يناير
يزوق المطر الحياة
وتزداد شراسة المخرج
فى الليل
أبكى بحرقةٍ أكثر
وأشتهى سيجارة
عقب سيجارة من سجائر المخرج المغرور
سمعتُ أنه شاذ
ويتعاطى النكات البذيئة والتقارير
هل أبلغوه ما قلت أمس
إذن سيحذفنى من النص
ويفقأ عينى الأخرى
فلا أرى من يضربنى
فى المشهد المكرور.

(9)

.....
.....
عينى
أقصد عينى سابقا ً
تؤلمنى
كيف بلا عينين أبكى
كيف أعرفُ النص
كيف أنفض عنه الغبار
كيف أمشى فى عتمة النص الضرير.

****

ايهاب خليفة
مواليد 1972 بمدينة المحلة الكبرى، تخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية 1995،
صدر له " أكثر مرحا مما تظن " 1997، " طائر مصاب بإنفلونزا" 2006،
"مساء يستريح على الطاولة" 2007، " قبل الليل بشارع " 2008.

حارس شخصي للبكاء

ضد المناديل كلها،
أحمي سيدي
بالروح والدم.
النظارة السوداء لي
و (الشــحتفة) عالمي الوحيد.
لا أنظر إلى الوردة،
بل إلى الشوك أنظر
ما دامت كل وردة
لا تغادر حراسها.
لا أنظر إلى الحياة
بل إلى التراب،
ما دمنا لا نتحول إلى فضة
ولا حديد.

في لحظة فريدة يولد البكاء،
ومن عين خلقت لتوها،
عين لم تكن موجودة
قبل هذه اللحظة،
في وجه هو الآخر
غادر رحمه الآن
في جسد كان قبل لحظة ميتا فعلا.
مرآة ما قد تكون صدئة
أو مهشمة
لكنها استوقفت كل ذاكرتك،
وكميدان حدث فيه اختناق مروري،
كان عليك أن تفتح باب السيارة
وتهبط لتمضي مترجلا
كمن عرف أنه مطارد
وأنه لن يصل.
البكاء ثمرة لها مواسم
لا تستطيع حتى لو بنيت أكبر صوبة في العالم
أن تنتج أية قطرة منه في غير موعده،
مهمة مستحيلة
كجمع الذهب
بواسطة الزئبق المميت.
حين نراه
نبكي فرحا
نشعر بإنسانيتنا،
إنسانيتنا الغائبة
إلى أبعد حد،
والتي تبدو كمذنب
لا يمر بالأفق
سوى مرة واحدة في العمر.
البكاء لا يكون موجودا
حين تطلبه،
البكاء هو الذي يطلبك
كرجل لديه ثأر عندك،
يظهر أمامك فجأة
كلجنة مرورية،
تفتش عن أشخاص مشتبه فيهم
قاموا للتو بإحداث تفجيرات.
بكاء اليوم
ليس نفسه بكاء أمس.
كل من البكاءين
قد انساب على الخد نفسه،
ومن نفس العين
ولكن المنبع اللامرئي
لم يكن واحدا
والألم أيضا.
كل بكاء لا يمنحك أرصفة
بلا حدود
و لا يمزق القلب
كالسكين
ولا يهبك عاصفة
ليس ببكاء.
في بلاد
وجوه أهلها مطموسة الأعين،
أيادي أهلها
منزوعة الحنين،
لا يمكن للبكاء أن يوجد.
كل ما عليك الآن أن تجلس
أمام مرآة شاحبة،
وتحدق
بعينين ساهمتين
في الشيء الذي يلوح من بعيد
ولا يبين.

******

جرجس شكري
مواليد 1967، ناقد مسرحي بمجلة "الإذاعة والتليفزيون". صدر له " بلا مقابل أسقط أسفل حذائي"،" رجل طيب يكلم نفسه "، " ضرورة الكلب في المسرحية "، "والأيدي عطلة رسمية "، تُرجم شعره إلى الألمانية والإنجليزية والفرنسية والهولندية والسويدية والكاتالونية، وصدر له "ماتبقي منا لا يهم أحدا" مختارات شعرية باللغة الألمانية، ط دار سابون، سويسرا،عام 2004.

سُتـرة

أنا وسترتي نخرج في نزهات شتائية
أعهد إليها بحفظ سجائري
و لا نسأل أحدًا عن الطريق
أحملها في يدي حين يختنق العالم
و أحيانا تقفز إلى كتفي
كقطة
حين يغلبها الشوق
فتعض علي يدي بجيوبها
وأبتسم مطمئناً
سترتي باهتة والشارع صاخب
ومع هذا تلح بالخروج
و حين أتدلل تدفعني بقوة
فأحملها و لا نكلم أحد
سترتي تحب الشارع مثلي
ولا أعرف كيف ولدت هذه المحبة
ولا أذكر
من أين جاءت هذه السترة
فقط حين أكره العالم
أختفي في سترتي
فتمشي هي وحيدة
لا تكلم أحدًا.

***

مـوت

بيتي كبير وأوسع من محبتي
وظللت أياماً كثيرة
أروح و أجيء
أكلم الغرف في هذا الشأن
فكلما نظرت إلى حائط
تتألم الحوائط الأخرى
وكلما نمت في غرفة
أسمع عويلاً في الغرف المجاورة.
وحين قررت أن أرحل
بكي البيت
وصار تابوتاً أنيقاً
أمرني أن أنام فيه بسلام.

*****

جيهان عمر
تعد أطروحة الماجستير في الفلسفة، بعنوان " جينالوجيا القيم عند نيتشه ". صدر لها "أقدام خفيفة" 2004، "قبل أن نكره باولو كويلهو" 2007، ولها قيد الطبع " صورة حديثة".

لستُ حديقةً كاملةً

كزهرةٍ ..
أتركُ النحلَ يقفُ على وجهِي ..
أشعرُ بأقدامهِ الرشيقةِ
تتزاحمُ على وجنتيَّ ..
أتوقفُ عن الحركة
أتفادى إصدار أية أوامر
إلى جسدي ..
سوى الاحتفاءِ بتلكَ اللحظةِ
في صمتٍ ..
أراقبه ..
يهبطُ حتى رقبتي ..
يلدغني ..
بلطفٍ يمتصُ رحيقي ..
أختفي وراءَ رغبتهِ العارمة ..
أُحبُّ عيوني الآن
لأن حركتها تُؤكِّدُ وجودي
وتمكنني من رؤيةِ المزيد
القادم في لهفة ..
الأكثر جرأةً
يزحفُ إلى ممرٍ أكثرَ ضيقاً
بين النهدين.

أتسلل إلى المطبخِ ليلا ..
أفتح برطمانَ العسلِ
بفخر مستتر ..
أملأ ملعقة صغيرة ..
وأبدأ في تذوق نفسي .

سيميولوجيا

لا ترتدي الأبيضَ
يجعلكِ نقيةً
لكنه يكشفُ ضعفَكِ ..
لا ترتدي الأحمرَ
يجعلك فاتنةً
لكنه يفضحُ شهوتَكِ ..
لا ترتدي الأصفرَ
تبدين كقطعةٍ من الشمس
لكنه يؤكد وحدتك ..
ارتدي الأسودَ.. الأسودَ فقط
ارتديه طوالَ الوقت ..
الأَسودُ الذي يقدس لون بشرتك
ويبدو كسماء تُسَبِّحُ لقمرٍ
الأسودُ الذي يُشعرني بأني مِتُّ
وأنكِ في فترة الحِداد ..
تمزجين دموعَكِ بحباتِ البُن
وتضيئين الشموعَ
في دولابِ ملابسِك
لترقص فساتينُك الملونةُ..
احتفاءً برحيلي.

****

حسن خضر
مواليد مدينة السويس في26-11-1965. تخرج في كلية " دار العلوم" 1988. عمل بتدريس اللغة العربية. شارك مع شعراء جيله في تأسيس مجلة " الكتابة الأخرى" المستقلة، مايو1991- سبتمبر 2003. أحد شعراء انطولوجيا الشعر العربي في ربع القرن الأخير، الصادرة عن مشروع اليونسكو " كتاب في جريدة" العدد 106 الخاص بالشعر المصري، والتي اختارها وقدم لها د. محمد بدوي. أحد شعراء أول أنطولوجيا لقصيدة النثر المصرية " رعاة ظلال.. حارسو عزلات أيضا" التي اختارها وقدم لها الشاعر عماد فؤاد، وصدرت في الجزائر 2009. صدر له:" عطرٌ ميِّت"، ط1، الهيئة العامة للكتاب 1998. ط2، مشروع مكتبة الأسرة 2001، و" دائمًا يتحدث مع غائبين"، الهيئة العامة للكتاب 2003، و" تاريخ لظل بنفسجة"، الهيئة العامة للكتاب، مكتبة الأسرة 2004. قيد الطبع "تحت سماء مرتبكة".

نشيد البالونات

نحنُ البالوناتِ
معلقونَ إلى الأسقفِ والعوارضِ
مشنوقونَ دائمًا بخيوطِ مسرَّتِكم
ومنتفخون بهواءٍ أسودَ ساخنٍ
من زفيرِ صدورِكم المُحترقةِ.
عند انعكاسِ الأضواءِ فوقَ أسطُحِنَا الملسَاءِ
تبدو لنا ملامحُ كائناتٍ
بأنوفٍ وذقونٍ
وجباهٍ مشقوقةٍ
نحنُ دائمًا قابلونَ للخيالِ
قابلونَ للوصفِ.
الصغارُ يحبُّوننا طبعًا
والكبارُ يجربونَ أحيانًا عزمَ طفولتهِم فينَا.
نحنُ البالوناتِ
أعمارُنَا قصيرةٌ
لكننا لا نتركُ الحياةََ
إلا بدَوِيٍّ يخطفُ القلوبَ والأبصارَ،
دوِيٍّ يفاجئ الجميعَ وتعقبهُ الحسرةُ.
من منكُم لم يبكِ مرّةً من أجلنِا
أو لم يستعمل أشلاءنا المنثورةَ،
ليشفيَ البهجةَ من طعنةِ انفثائِنا؟
نحنُ البالوناتِ متميزون بينَ إخوتِنا نجومِ الكرنفَالاتِ، والأهِلَّةِ، والكوريشاتِ المنفوشةِ المُزَركشَة.
بدُونِنَا
ينقصُ الحفلَ شىءٌ.
عدُوّتُنا الرطوبةُ،
فهي تبدِّدُ زَهوَنَا،
وتحرمُ كثيرينَ بيننَا من مُتعةِ الطَّرقعَة.
نحنُ البالوناتِ
نفرحُ
حينَ تطلقُنَا الأيادي
لنعلُوا
ونعلوا
تُشَيِّعُنَا العيونُ المُحِبَّةُ نحوَ مصائرَ لا نعرفُهَا
لكننا نفرحُ
ربما لأننا سنكونُ هناكَ أخيرًا
وحدَنَا.

***

اعتراف

الجميعُ جالسونَ برفقةِ السلاحِ
أسلحةٌ حديدُها انجلى تحتَ همَّة القتلِ
استكانت فوهاتُها
واسترخَت
في وقتِ الراحةِ
مثل بقيةِ أعضاءِ الأجسادِ
ثمة أجسادٌ
تبدو ناقصةً
أو مبتورةً
لو عاشت من غير سلاحٍ.

***

أشارَ

بإصبعٍ سويٍّ له عَُقلُ ثلاثُ
اعتاد لفَّ التبغِ وجذبَ الزنادِ
إصبعٌ
بأُنملةٍ عمياءَ
مثل بقية أنامل أصابعهِ التي عميت بعيدًا عن لمسِ
حبيبتهِ
شفتاه اللتان يبَّسهًُما البردُ
والصمتُ الطويلُ
كانتا تنزفانِ
شقَقهما الكلامُ فجأةً
لم يسره أبدا مشهدُ الشنقِ
في عيدِ الأضاحى
ولا استهوته مرة- كبقيةِ الأولادِ- بصمةُ الدمِ بالكفِّ
فوق المداخلِ،
كان صديقًا للرمل والأشجارِ.
قال:
كيف احتملتُ؟
كيف احتملنا يا رفاق
كلَّ هذه الكراهيةِ الحادةِ
الباطشةِ
كمطرقةٍ لم تُثنِ عزيمتَها الصرخاتُ؟
إنني بالفعل نادمُ على السنوات التي أمضيتُها في القتل بين المليشياتِ .. لا أتحدثُ عن يد ليّنةٍ حد اللزوجة ولا عن يدٍ بيضاءَ باردةٍ كثلجٍ، أتحدثُ عن الحب، أود لو نمنح الغفرانَ فرصةً أخيرةً، فالجدرانُ التي ثقبتها الرصاصاتُ بالأمس بعد أن نفَذَت بأرواحِ من تراصُّوا تحتها ذكّرتني بجدرانٍ عاليةٍ وشفّافةٍ، جدرانِ روحي التي ثقبتهَا الحاجةُ وعيونُ الأحياءِ الموتى, والخذلان..

****

شريف رزق
مواليد منوف عام 1965 تخرج في كلية الأداب والتربية 1989،
صدر له: عزلة الأنقاض1994، لا تطفئ العتمة1996، مجرة النهايات1999، الجثة الأولى2001، حيوات مفقودة2003عمل محررا بمجلة الشعر، ويعمل الآن بالتربية والتعليم.

خُذها ولا تخف

أنتَ أيها المتمدِّدُ الذَّاهلُ في بحيرتِك الساكنةِ تهذي، فلا يصفُ هديرَكَ إلاّ جنونُك المفاجئ أنتَ الذى لا تُشبهُ جدّكَ في شيء، سادِرُ، في غِيّكَ كأنك في عرشِكَ، الملكيّ حَدّادُ، تنهضُ مثلَ دريئةٍ، رُح أيها الهادر المتوّجُ في خراب الدولةِ، وانسَ الهزائمَ كلهَّا، ولا تنسَ رأسَكَ أيها الذاهبُ، خذها معك، واحفظِ الأعشاشَ المنثورة فيها، حتى لا تطيرَ، أنت أيها الراحلُ الهائجُ في هجومِكَ الأعمى، تسوقُ عائلة الضبابِ، تقول عن الشمسِ: هذه فجعيتي، رأسُك نافورةَُ، خُذِ الهياكلَ خلفكَ، مَزّقِ الهواءَ بهديرِكَ النحاسيّ بظُفرِكَ المعدنيّ حُكَّ الصهيلَ، أيها الراكضُ في ساحةِ موتكِ، وحدكِ، يا مُشتعلَ الساقين في حقل الضبابِ: أرفعُ صوبكَ يُمنايَ، خذها ولا تخف، أنت يا قاتلي يا حبيبي، بغيَّكَ، تعال أنا جنونُكَ، جنبي، معي لنسرقَ الرؤيا، أطرافُكَ اشتعلت، لنلحقَ الجثةَ يا حبيبي، ونحرقَ الدولةَ في عُهرِها الوطني ونضحكُ في غبارِ العواصفِ نشهدُ الموتَ ونركضُ يا حبيبي، أنا وأنتَ، سأريك أعشاشَ السّباعِ، أعطيكَ مرمري، وأحملُكَ على حصاني الأزرقِ، يا حبيبي، وأضربه، على فخذه هكذا، وأنت تضحكُ، حتى يندفع َ الحصانُ، رُح وئيداً، وئيداً، في الهدم هذا، رُح يا حبيبي ولا ترحم، أنا في ضلوعِكَ، فاحترس بي، واحذر، لئلا توقعني في الصهيلِ، أيها الجامحُ، أنا وعائلتك المختارةِ، ارتع، ولا تأمن يا حبيبي..

ولا تقصُص رؤياكَ على أحدٍ.

فيم َ تُفكّر؟ أعضاؤكَ احترقت، وإطراقتُك المستديمةُ تستدرجُ الموتى إلى هبوبِكَ، ماذا يحملُ أصحابك الموتى إليك؟، خفّض من صوتِكَ حين تلتقي بالموتى الأخلاّءِ، تمهّل، ودَع شرفةً، واحذر جيرانَك المبتلّينَ بابتسام ترتجفُ على جباههم بالكئوسِ يداه، وهم يحفرونَكَ بالعيون، فكَّر وأنتَ تبادلهم الابتسامَ بابتسامِكَ الشاردِ، وارجِع.

لا تذرع الحجرةَ في عُواءٍ

اكتمل في انشطارك
طوَّح كتابك هذا، طوَّح كتابَكَ واشهَد، شرَّح هذه الاستعاراتِ المضروبةََ حولك، كُن هادئاً، كما أنتَ، وأوغل ، يحميك ِ قلبك الذي مِن فولاذ وإستبرقٍ يرتفعُ على ميادينِ المياهِ، هادئاً، كما أنت، ولا تقصُص رؤياك على أحدٍ...
بنّاءونَ، وحدّادونَ يدقون الأعمدة في الهواءِ المواجِهِ، سياراتُ نقلٍ فارغةُ، وسياراتُ أخرى تزدحم بالفراغ، أطفال يتبوّلونَ على أناشيد ِ الأمهاتِ، ثغاءُ، وبائعاتُ ُيخطرن على شهواتِ الرجال البنّائينَ وهُم يستريحون َ في الهواءِ المواجِهِ، قُرفصاءَ، ويُدخّنونَ لُفافاتٍ تضيء، بضوئها الخافتِ– على الوجوهِ النحاسيةِ– أشواقاً تسيلُ، وماذا بعد؟...حيّرتني في شرودِك، أغلِق هذه النافذةَ، لا جديد...

هُوَ ذا فراق

حيرتني في شرودِكَ، ألم أقل لكَ إنك لن تستطيعَ معيَ صبرا؟، فأمهلتني، وارتحلنا، جمَّع عظامَكَ هذه، واتّبعني، تقدَّم، لا تُدمدم في شرودِكَ هكذا، أنتَ اسطبلُ ُ، فغادِ. إذاً: هذا فِراق...

***

أنا الذي ضاجعتُ أنثى الشَّياطين

(ش) رأسي نخلةٌ، تشتعل في دمائي، رأسي: شعلة من جحيم، رأسي: يا مدينةً شاغرة تستقيء السّماءَ رأسي: أيها الخرابُ المبجَّلُ، يا فارعاً في فضاء النّهايات إلى متى ستبقى هذه العاصفة الأنيقة التي تتلظّى في ربوعِكَ؟ إلى متى هذه المغامرةُ المستجيشةُ، وأنتَ تستدعي، ألا تهوي؟، نظرتُكَ – مرة– تقذفُ عينيكَ في عراءٍ، وتمضي، على مهل، هناك : تنزّهتِ العواصفُ التي اخترقت فراغ عينيك، في ربوعك، فبصقتَها في جحيم، يمضي، فأسّستِ الصّواعقَ، في الأعالي، ماذا سيفعل جسمك الذي يلتوّى– بدونك– في الرّمال؟ وحتّى متى، سيبقى ارتحالُك، أيها الطاغي؟ رأسي أيها الخرابُ المحلَّقُ، يا طالعاً فى فضاء الجنازاتِ، رأسي أيها الحائم في الدياجيرِِ، كأنك أرجوحة الفناءِ، رأسي.
(ر) الآن يمكنك ياحبيبيي أن تقرأ كلَّ المراثي على هذه القيامةِ ، فارفع عالياً هذا الكتابَ، وَصوّح، على رسلكَ يا أيها السّيدُ، واسكب أحشاءك على جمهراتِ الخرائب، حتّى تصبحَ أنتَ مأواك أنت ، واسحبِ الهواءَ المتجرَّدَ النافق َ خلفَ مقطورتك المملؤةِ بالكوابيسِ التي تعوي، إلى أن تعود الأعاصيرُ إلى رشدِها، ولا تنم أيها الحوزيّ في هذه الليلةِ المباركةِ، ازجر حصانك الذي يستدرج النومَ، يستدرجه حتىّ يغيب، وقِف على هذه البقعةِ واستدعِ الغرائزَ الليلةَ، من أعشاشِها وارقُب.
(ى) لماذا تريدُني أن أقتفيكَ؟ يا لخطواتِكَ اللئيمةِ!، أنت تعرفُ أكثرَ من غيركَ، لا شك، هذا، فلماذا، إذاً، تتحيّنُ الهزائم؟ انظر أيها العنيدُ المستديمُ، إلى متى تتجوّل في ضلوعك الجنائز؟ أيها الموغلُ في ماءِ النهاياتِ حتّى متى يتصحّرُك الجحيمُ؟ تمهّل، ولا تتوغل في كوابيس ِ المؤتمرات، ستأخذني– بحيواناتي وأدغالي وطميي- إلى غيمةٍ تفتحُ نهديها، على، هديرِنا سنصرخُ خلف ذيول الدناصيرِِ، انتظر يا شَرِيفُ، تربَّّص معي، وتحسّس مطواتك التي كصباحٍ في بنطلونٍ، لا تندفع، وتمهّل، معي يا شَريفُ.
(ف) عبّأتُني في جثةٍ وجئتُك مُستجيراً، ماذا أرى؟، أهذا كلُ شيء؟، ساهمُ ُ في فضاءٍ زاخرٍ بالنهاياتِ– وأنتِ لا تدري– لعلك تدري– بالكلاب التي ترتع في رأسِكَ الشَاغرِِ، هل أنتَ مِت وعلّقتَ عينيكَ على هذه النهاياتِ؟، أتُراكَ مِت وأنتَ لا تدري؟ ساهمُ ُ كأنّكَ تمثالُكَ الأقصى، جِئتُك يا حبيبي، أنتَ الذي ضاجعتَ أنثى الشياطينِ، لن أمهلَكَ الليلةَ هاهنا أكثرَ، هل ستخدعُني؟، على أى حال لم يعد هناك مُحتَملٌُ، الكلُ ولىّ، حتّى العواصفُ التي احتفلتكَ ولّت، والزلازلُ التي كانت تتخاطرُ في الهاوياتِ السّحيقةِ، وترتجُّ، زاعقةً، فتبعثر شَعرَ الشّياطين، كفّت عن شظاياها التي كانت تتدافعُ في شرودِكَ، عاقداً ذراعيكَ على صدرِكَ، هكذا، كما أنتَ، سأقبضُ روحَك الآن، انتهى الوقتُ الأخير

****

صبحي موسى
صدر له (شعر):" يرفرف بجانبها وجده " 1998، " قصائد الغرفة المغلقة " 2001، " هانيبال " 2003، " لهذا أرحل" 2006. (رواية): " صمت الكهنة"،" حمامة بيضاء "، " المؤلف".ويعمل محررا صحفيا بجريدة " القبس"..

من أجل ألا نخطيء

صديقتي الجميلة
أعلم أنك
في هذا الوقت المتأخر
تستعدين لممارسة البغاء
كفراشة تسعى نحو الضوء
مختصرة عشرين ألف متر
من النهاية المفزعة
نحن الآن
لسنا على سرير واحد
ولم نبتدئ الكلام بعد
لكنك غاضبة
وتكثرين من المشي في الطرقة
مشعلة سيجارة
ونافخة في الغبار على الحوائط
كأنك
تستعدين لمعركة
سأخذ رشفة من فنجانك البارد
وبعضاً من الكعك المعد لليتامي
وأسيركل صباح على أصابعي
لأنني أرغب في تعلم الباليه
ورقصة العصا
وأكره الاستيقاظ المبكر
عما قليل سيصيح بائع اللبن
وسيدة الخبز
ونكرات كثيرون مثلهم
سيمرون من أسفل الشرفة
ولن أمعن التدقيق في ملامحهم
لأنني سأكون مشغولاً
بطائريسعى لقتل أبنائه
من أجل اختراق ثقب وحيد في نافذة
أستعد الآن للذهاب إلى الحضرة
كل ما فيها أخضر وجميل
ورائحة المسك التي تفوح من يد سيدنا
أفضل من عطور باريس قاطبة
أما النوى
فذالك ما لم أستطع الوصول إليه
أختار تسريحة شعري
مجعدة كما تعرفون
أختار لون ملابسي
جميعها رمادي
وأغلبها يميل للحزن
أختار فتاة عمري
وأقف بالساعات
أمام المرآة من أجلها
وللآن
مازالت يدي تتردد
كلما حاولت الاقتراب منها
للسير في الطرقات الجانبية
متعة لا يدركها إلا العارفون
فجميعها مظلم
ورائحة البرودة تفوح من أسفل أبوابها
والسكارى
هؤلاء الذين أدمنت الحديث معهم
يخشى المخبرون تتبعهم
في مثل هذا الوقت
حين قال صاحبي أن أمه ماتت
كتمت ضحكة بداخلي
لأنني أعرف أنها
تتحسس أماكن الصبية
وتفضل الرهان على
أكبر خاسر فيهم
واليوم
اليوم فقط
أعلنت الجرائد أنها
أفلست تماماً
من أجل ألا يخطأ الأبطال في المعركة
طرزت الأمهات ستراتهم بالنايلون
واستعد الأطباء بماء يشبه الدم
لكنه أخضر
وذا ملامح تبقى طويلاً على الرمل
وهنأهم القائد
بأننا جميعاً خلفهم
لذا
حين انهزموا
لم نستطع الوصول إليهم
في العاشرة مساءً
كان الرجل المعروف
بعلاقته مع الأمريكان
يكتب في دفتر مذكراته
أن الحبيبة وصلت في ميعادها
وأن أباه كان متسامحاً
ولا يضيع فرضاً مهما طال أمده
وأن الماء
ذلك المعروف بـ (كب يد ألف اتنين)
آخر شيء نزل على وجهه
أو نزل وجهه فيه.
الرسالة التالية
لم تكن من حبيبته في روما
ولا من أخته في باريس
أو جده في لندن
لكنها كانت من عدوه
في واشنطن.
حين نزلت الصاعقة
تأخر في صلاة الفجر
وقرأ الفاتحة
لخمسة من المصلين
والتبس عليه الأمر كثيراً
حين أدرك أن الإمام
كان يبول على نفسه.

****

عاطف عبدالعزيز
من مواليد القاهرة 1956، تخرج في كلية الفنون الجميلة ويعمل مهندسًا معماريًا. صدر له :ذاكرة الظل 1993، حيطان بيضاء 1996، كائنات تتهيأ للنوم 2001، مخيال الأمكنة 2005، سياسة النسيان7 200، الفجوة في شكلها الأخير 2008. عضو هيئة تحرير مجلة " مقدمة "، وشارك في تحرير مجلة " إيقاعات " أوائل التسعينيات عضو انحاد الكتاب المصريين، وأتيليه القاهرة.

شريان مفتوح

على ظهرِ بابِ مرحاضٍ رأى برجيت باردو، صورة بالحجمِ الطبيعيِّ للقطّةِ الشرسة، التي ساهمَ بها الفرنسيون في الحربِ الباردة. كانت تتمشّى عاريةً تمامًا في غابةِ بولونيا؛ ذراعاها مرفوعتان إلى ما وراء رأسها، كأنها تلمُّ شعرَها على هيئةِ ذيلِ الحصان، وكانتْ حلمتاها داكنتينِ ومنتصبتين، فقدَّرَ صاحبي أن المرأةَ مستثارةٌ- لابد- من فكرةِ التجرُّدِ الخَلَويّ، وحين لمحَ فردةَ الخلخالِ وحيدةً في قدمها اطمأنَّ لحدسه. كلُّ تفاصيلِ المشهدِ كانت قابلةً للنسيان، عدا اثنتين؛

خيطِ الضوءِ الذي فصلَ ما بين الوركينِ في هذا الوضعِ الحركيّ، وبانَ كمتنفَّسٍ طبيعيٍ للزاويةِ الأكثر ضيقًا في الجسد. ثم.. العانة الحمراء، العانة التي بدت لهبًا ضئيلاً تحت السُرّة.
لهذا.. فالنساءُ اللاتي عبَرْنَ بعد ذلك بفراشهِ خضعنَ للفحص؛ إذ اعتادَ الرجلُ أن يفتحَ النورَ فجأةً، ويرفعَ الغطاءَ عن رفيقتهِ باحثًا عن جمرتها المثلَّثة. غير أن الأيام مرت دون جدوى، إذ أن جميعهنَّ خيَّبْنَ رجاءهُ، وجئنَ خامدات،

أجل جميعهنَّ..
بما في ذلك الشقراء الأوكرانيّة، التي كان قد اصطادها من حانةٍ في بيروت.
أمّا الفُرُوج فكانت مختنقةً تحتَ وطأةِ اللحم، حتى إنه كثيرًا ما كان يُضطَّرُ إلى إجراءِ تنفّسٍ اصطناعيٍّ سريعٍ لإنقاذِ الكائن الضعيف.
كفنَّانٍ مُجرِّب كان لزامًا عليه أن يدبِّرَ الأمر؛ عادَ إلى البيتِ بالفتاةِ الفارعةِ التي تعملُ كموديل في المراسم،
وفي آخرِ الغرفةِ أوقفها عاريةً بعد أن أوقدَ المدفأة، ثم مرَّرَ فرْدةَ الخلخالِ بيدهِ في قدمها، وعادَ إلى الوراء.

الأمرُ على غيرِ ما يُرام؛ فالذراعانِ المرفوعتانِ غيرُ قادرتينِ علي انتشالِ الصدرِ الثقيل، وخيطُ الضوءِ كان- تقريبًا- في
حكْمِ المستحيل، كما أنه لو باعدَ ما بين الساقين قليلاً فستظهرُ البنتُ في وضعيةٍ مضحكة، ستظهرُ.. كأنها تخطو فوقَ مبخرة.
كانت الموديل قد بدأتْ في الارتعاش، بينما الرسَّامُ المؤرَّقُ ما زال منهمكًا في حلِّ المعضلة،
هكذا.. بدأ يصبغُ العانةَ الداكنةَ بفرشاته، تلك الفرشاة التي بدت لنا من بعيدٍ كأنها مغموسةٌ في شريان.

التغريبة

قَدَمايَ الكبيرتان آخرُ ما تبقَّى من الأسلاف، إنهم الزرَّاع، الزرَّاعُ الذين صاروا غزاةً، حتى تذوَّقوا النبيذَ على أبوابِ أنطاكية.
في الطريقِ إلى المجدِ، مرَّوا بوادٍ كان ينبتُ فيه زعترٌ بريّ، ويرعى راهبٌ عنزتيه، كانت تحدُّه بركةٌ متَّسعةٌ وقفَ فيها المعمدانُ ذات يومٍ يحمِّمُ تائبيه، ثم جاءها انكشاريٌ كي يغتسلَ من الجنابةِ بعد أن قتل الغلام. عبَرَ الشتاءُ كاملاً دون أن يتمكَّنَ الفلاحون من التواؤمِ وسراويل الحرب، إذ كانوا يرفعونها على حبالِ الخيمةِ كلَّما جاءَ الليل، حتى يتركوا لأعضائهم حقَّ التنفُّسِ العميق. لكنهم- مخافةَ سوءِ السمعة، واستجابةً لنظامِ الطاعةِ الذي كان يسهرُ عليه الباشا إبراهيم- اضطرُّوا إلى اعتيادِ المُحْدَثات: تحوَّرتْ أقدامُهم لتأخذَ شكلَ الأحذيةِ الثقيلة، ثم دأبوا على استهلاك الحنين، كانوا كلما عسكروا على ربوة، نزلوا إلى الأسواق، واشتروا شايًا وتوابلَ، ارتادوا خماراتٍ لها حوائطُ من أحجارٍ داكنة، على موائدِها جالسوا نساءً يرطنَّ بما يكسرُ القلبَ، ويمضينَ دونَ أن تُعرفَ لهن أسماء.
في الصباحِ الباردِ اصطفُّوا تحتَ النفيرِ، كي يخبروهم أن الطريقَ إلى المجدِ ينتهي عندَ هذه الشجرة، وأشاروا إلى الَّلوزِ الذي بانتْ بشائرُه.
حين عادوا إلى الديار، بدوا تحتَ شمسِ المغيبِ كأن قاماتهم طالت، لمرآهم توقف الأولاد عن اللعب، وطاروا إلى البيوتِ بأوحالهم.
كان الرجالُ مرهقين، استسلموا للنعاسِ في حجورِ النساءِ التي ينبعثُ منها خليطُ الروائحِ: من الحِنَّاءِ إلى الرَوَثِ الناشف، وفي الليالي التالية استسلموا للنعاس في حجور النساء. كان طبيعيًا- بمضيِّ الوقتِ- أن تتهرَّأَ أحذيتهم الأميريةُ، صاروا يتعثَّرون إذا مشوا حفاةً في السِكَك، لذلك استبدلوا بها لفائفَ الكِتَّان، ثم جلسوا مقرفصينَ على الجسور، يرقبون المحاريثَ الصدئة، ويحملون فوق أكتافهم عِصيًَّا من أغصانٍ غلاظ، أجل.. كانت غلاظًا بما يكفي لملءِ التجاويفِ التي حفرتْها البنادق.

***

عزمي عبدالوهاب
مواليد عام 1964، تخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية، رئيس القسم الثقافي، بمجلة "الأهرام العربي"، صدر له:" النوافذ لا أثر لها"،" الأسماء لا تليق بالأماكن"،" بعد خروج الملاك مباشرة "، " بأكاذيب سوداء كثيرة " ،" حارس الفنار العجوز".

لا يفعلُ شيئًا سوى البكاءِ كالنساءِ

عشرةُ أيامٍ مرت
مرت عشرةُ أيامٍ
والأرملةُ الصغيرةُ لم تخرجْ من بيتها
هذا يعني أن عشرةَ شموسٍ
وعشرةَ أقمارٍ أضاءتْ المدينةَ
ثم انطفأتْ
دون أن تُحْدِّثَ الأرملةَ الصغيرةَ
عن رحلاتِها في السديم
لأنها منكفئةٌ في عتمتِها
لاشيءِ يَربطُها بالعالم
سوى أصواتِ جلادين
تَنَاوبوا على مراقبةِ أنفاسِها
فلتحيا العائلةُ
حتى وإن قالت الأرملةُ الصغيرةُ
في صمتٍ
وهي تبكي: تسقطُ الـ.....
ستظلُ العائلةُ نائمةً في فراشِها
في ورقِ الكتابةِ
تحت غطاءِ الرأسِ
تفتشُ في صدرِها
عن لحظةِ ضعفٍ أنثوي
على الأرملةِ الصغيرةِ
أن تقتنعَ الآن
بأن الحريةَ فكرةٌ عبيطةٌ
كَبُرَتْ في أذهانِ الحمقى والمغفَّلين
فَصدَّقُوها
الأرملةُ الصغيرةُ
سوف تذهبُ إلى هناكَ
على كتفيها أعوامٌ من اليأسِ
يرافقُ ظلَّها ملاكانِ
تَدَرَّبا جيدًا على الملاكمةِ
أينما حَلَّتْ
ثَمَّةَ حارسٌ عن يمينها
وآخرُ عن شمالها
لأن الأرملةَ الصغيرةَ
يجب ُألا تكونَ بمفردِها
سوف تذهبُ إلى هناكَ
الأصحُ أنهم سوفَ يذهبون بها
إلى هناكَ
حيث تُحَرَّم الأحلامُ
وستكون أكثرُ حذرًا وهي نائمةٌ
فليس من حقِ الأرملةِ الصغيرةِ
أن تَحْلُمَ بشيءٍ
أيتها الحزينةُ الجميلةُ
كم قمرًا سيعبرُ النافذةَ
دون أن تقولي له:
مساءُ الخير يا صديقي الوحيد
كم شمسًا ستظهَرُ ثم تختفي
وأنتِ هناكَ
مُجرَّدُ امرأةٍ لا تحلمُ بشيءٍ!
أيامٌ من الحصارِ والبكاءِ حَدّ الانهيار
مَرَّتْ
والأرملةُ الصغيرةُ تفكرُ في أكثر من مخرج
كلها يؤدي إلى الانتحار
فهي لا تزالُ مُصِرَّةً على خياراتٍ أُخْرى
تُغْني عن الذهابِ إلى حفلٍ
تُقِيمُه العائلةُ
على شرفِ انتصارٍ كاذبٍ
فأَنْ يَعُدَّ أنفاسَها رجلٌ واحدٌ
أفضلُ من عشراتٍ
يريدونَ استيطان رأسها
بآذانِهم وعيونِهم
إذن فالأرملةُ الصغيرةُ تفكرُ في الزواجِ
هذه المرة
ستساق إلى الذبحِ بقناعٍ من الرضا
بعد الوقوفِ في مزادٍ للبيعِ والشراء
أولئك القتلةُ لا يعنيهم
سوى اغتيالِ الأحلامِ
في وضحِ النهارِ
وببركةِ يوم الجمعةِ المقدسِ
يغسلون أيديهم من الجريمةِ ككلِ الشرفاءِ
بعد الصلاةِ على النبيِّ
وعلى مذهبِ الإمامِ أبي حنيفة النعمان
يتقاسمون لحمَ الضحيةِ
الضحيةُ التي كتبت
في مساء 21/11/2008
رسالتها الأخيرة:
(كأَنَّهُ الموتُ اللعينُ
يطاردني كلما اقتربتْ
لحظاتُ النهاية)
وكان رجلٌ جديرٌ بالكراهيةِ
يرى زائرًا غريبًا
يَحُطُّ بجناحيه على الأفق
فينتشرُ الظلامُ
وتعلو أنةٌ مذبوحةٌ
حَرَّرَتْها الريحُ من صدرِ امرأةٍ
في مدينةٍ
اختفتْ تحت جناحي هذا الزائرِ الغريب
هل كانت تلك الأَنَّةُ في صدرِ الرجلِ
الجدير بالكراهية
أم أنها آخر دمعةٍ أطلقتْ سراحَها
الأرملةُ الصغيرةُ
فأغرقتِ المدينةَ
قبل أن يغطيها الزائرُ الغريبُ بجناحيه؟
لا أحد يعرفُ
لكنها الأَنَّةُ المذبوحةُ ظلَّ صداها
يترددُ في شُبَاكِ الرجلِ
في الخامسةِ مساء كل يوم
فلا يفعل شيئًا
سوى البكاءِ كالنساء.

****

علاء خالد
مواليد 1960 بمدينة الأسكندرية، صدرت له خمسة دواوين، وثلاثة كتب،
يشرف على تحرير مجلة " أمكنة".

المهام الخشنة للبيوت

للخادمات، على الأرجح، جزء ميت في أجسادهن
حفرية طافية
يمكن قياس العمر القديم للتعب
بعدد الخطوط السوداء
بعدد الجوارب التي تئن خيوطها و تنسل
تحت ضغط هذا الكعب الميت.
جزء ميت
يدين له الجسد بكامله
بتلقى جرعات زائدة من المهام الخشنة للبيوت
بالانزواء في الظل
بتصدر مسيرة الجسد نحو الفناء
كانت تسير في الشارع
وشعرها المصبوغ يطير في هواء العشرينيات
أما قدمها
فكانت تسبح في زمن آخر.

ماراتونات ضاحكة

كان يعمل بواباً لإحدى العمارات المجاورة
يقطع كل يومٍ ماراتونات ضاحكة للعيش والخضار
بجانبى كانت هناك محطة ظليلة،
مجموعة من القلل علقها جارى لعابرى السبيل
لا يستطعم بأى ماءٍ
إلا بهذا الماء الجماعى.
دائماً أحذيته تفوق قدمه عمراً و طولاً.
لسيره صوت خشن،
ولكن هذه الغفوة في القدم
هى أكثر ما تشعرنى بطيبته
هى وغفوة في لسانه
يتكلم فتهرب الحروف بغير رجعةٍ.
فى إحدى المرات، أشار إلى جزءٍ من سبابته
وأخبرنى بأن حبة بحجم الفاصوليا
نبتت في رأس زوجته.
أعاد علىّ ما أخبره به الطبيب.
الطبيب أيضاً كان يرى الحقول
التى يحتفظ بها في يده وتحت أظافره.
أثناء مروره، أستوقفه
وأسأله عن مصير حبة الفاصوليا.
يهز يده يميناً و يساراً
كقارب منسى وسط المياه.
يده المرتعشة كانت أكثر حكمة.
من سيره بدأت أحدس بمصير تلك الحبة،
أحياتاً أستوقفه
أحياناً أتركه يكمل رحلة الجمع والطرح إلى البيت
ولكن في كل الأحيان
لم ييأس من حبة للمياه و الظل.
صار سؤالى محطةً لى أيضاً
شهور والقارب يمتلىء بالمياه
تميل اليد’ إلى ناحيةٍ واحدة.
فى يومٍ أزهرت حبة الفاصوليا
وعاد برأس زوجته إلى موطنها في الحقول.

****

علي عطا
مواليد 1963 بمدينة المنصورة، يعمل بالصحافة، صدر له " على سبيل التمويه" 2002 ،"
ظهرها على الحائط " 2007. وتحت الطبع " تمرين لاصطياد فريسة ".

هل قالت يا حبيبي؟

يكفي أن تشعر فجأة
بأنك لست على ما يرام
لتدرك على الفور
أن الموت ربما لن يمهلك
لتمد يدك إلى كوب الماء
القريب جدا
ومن ثم لن تتاح لك الفرصة
أبداً
لتعرف كثيرين
ترد أسماؤهم وصورهم
في الصفحات الأولى
وعلى الشاشات
باعتبارهم مشهورين جدا
أيضاً.
يكفي أن يدهمك
ذلك الشعور
فتتيقن من أنك
لن تضيف وجوهاً جديدة
إلى قائمة عابرات
تعرف أن ما كان يجذبهن اليك
ليس سوى سراب
وتتأكد من أنك لن تتمكن
من البصق في وجوه
من يعاملون المتهم بالقتل
على أنه قاتل بلا شك
وهم يعبثون بأعضاء الضحية
ويرمونها بالعهر.
لن يمهلك الموت
بمجرد أن تشعر
بأنك لست على ما يرام
لتتأكد يا صاحبي
من أن ذات العينين الساحرتين
قالت: "مع السلامة يا حبيبي"
وهي تنهي
المكالمة الهاتفية الأخيرة.

***

تمرين لاصطياد فريسة

ستسألك
عن ما ترتديه الآن مثلاً
وكأنه لغز
قل فوراً ما يخطر في بالك
قل ما تراه
ولا تبدي لها دهشتك
حين تحسدك على حدسك.
أولاً
أنت ترى
لكن ما تراه / ليس سوى / مجرد تخمين
فلا تسألن عن أمر/ يفضح عماك
واجتهد/ كي لا تبدو/ كمن يطارد فريسة
وسط ظلام دامس.
أو
أنت ترى/
وقد لا يكون/ لبعض ما تراه
وجود على الاطلاق
لكن لا بأس/
فذلك خير/ من أن تصدق عماك.
ثم
من يدري/
فربما / والحال كذلك
يتساوى البعد والقرب
وقد لا تكون المسافات
سوى مجرد وهم
من صنع أيدينا
حتى لو وصمتك بالعمى
قبل أن تغلق "الماسنجر".

****

علي منصور
ولد عام 1956بإحدى محافظات شمال الدلتا، حاصل على درجة الماجستير في العلوم الصيدلية، صدر له: " الفقراء ينهزمون في تجربة العشق "1990، "وردة الكيمياء الجميلة " 1992، " على بعد خطوة " 1992، " ثمة موسيقى تنزل السلالم " 1995، " الشيخ " 2005، "في مديح شجرة الصبار" 2008.

قمرٌ فضيٌّ حزين

رأيتُ الديمقراطيةَ َفي المنام ِ، بيضاءَ البشرةِ ، وشعرُها حرٌّ على كتفيها العاريتين ، كان ظهرُها لي ، مع هذا كنتُ أسمعُها بوضوح - في لكنتِها الإنجليزيةِ- وانتظرتُ حتى تستديرَ إلا أنها لم تفعلْ ، ولا أنا فكرتُ في الذهابِ إلى الجهةِ التي كانت تطِلُّ عليها حيث ُالملايين من المراهقين مسحورونَ بصوتِها ، لم تكن تغنـّي ولا ترقص ، فقط تتكلمُ ، وابتسامتـُها ساحرة ٌللغاية- هكذا خمّنتُ- ذلك أن أطفالا كثيرين راحوا يقتربون منها ويمسكون بطرفِ ثوبـِها الأبيضِ فتعبثُ في شعرهم بأصابعها النحيلة ، حسدتُ الأطفالَ وبلعتُ ريقي فاستيقظتُ ، ولم يكن ِالفيلمُ الأجنبيُّ قد انتهى بعدُ ، إلا أن البطلة - بشعرها الحرِّ- ذكرتني بالحلم من جديد ، وقد كانت ابتسامتها ساحرة هي َالأخرى، وكتفاها عاريتين أيضا ، لكنها لما انطلقت وصديقـها في نزهةٍ لم تعبثْ في شعر طفلتِها بأصابعِها النحيلةِ ، الأمرُ الذي نبَّهَني إلى أنَّ البطلة- التي نسِيَت أن تغلقَ النافذة- ليست هيَ الديمقراطية ، ولمّا كانتِ السماءُ صافية َالزرقةِ- من فتحةِ النافذةِ- راحتِ الطفلة ُ تتأمَّلـُها بنهم ٍ حتى طارت إليها، في الطريق إلى السماءِ تحوَّلتِ الطفلة ُإلى فراشةٍ بيضاءَ ، ولمّا وصلتْ إليها كانت قمرًا ، قمرًا فضيـًّا حزينـًا ، يطلُّ على العشبِ والجبال والضحايا المسلمين !!

***

اسمُكِ جميلٌ يا " ألو فيرا "

بطرفِ سبّابتي أخُط ُفي الهواءِ " ألو فيرا " ثم ألثمهُ بشفتيَّ وأقول: رُضابُكِ حلوٌ يا ألو..، ياحيلتي الباقية في أيام ٍتشبه ُ( خضراء َالدمن ) ، مدّي واوك ِ نحوي يا ألو .. ، وطيّبي الخاطرَ ، قصّي على القلبِ أسرارَ الطمأنينةِ وانزلي على روحي بقطرةٍ من مائِكِِ ، منْ مائِكِ يا فيرا، فلا يقرُبني القنوط ُ ولا تغويني الغواية،
بل تنالُ السكينة ُمني كيفما شاءت ، كيفما شاءت
يا فيرا ، وينتصبُ الرضا شاهدا عليَّ وأنا ممدَّدٌ بين ذراعَيكِ ، شاهد أتي في البقعةِ الطيبةِ بين الواو والفاءِ ، يا حلوة َالرُّضابِ يا " ألو فيرا ".

***

حكاية ٌلـ" كاعب "

كنت في قطار، يا كاعبُ، وكان أخي الذي يكبرني بسنواتٍ ثلاثة، يحادثُ رجلا ويطلبُ يدَ ابنتِه، فلمّا أحسَّ منه مراوغة ًقال: نتزوّجُ ابنتيكَ، أنا وأخي- وكان يقصدُني- فابتسمَ الرجلُ، وكان آخرُ يجاورُنا ويسمعُ، فتدخـَّلَ مُثنيًا على خُلقي بينما أنا لا أتكلمُ حتى لمحتُ موافقة َالرجل ، وكانت لا تخلو من علاماتِ شحٍّ ، فقلت : أهكذا تظنّ بمن تملكُ التقوى زمامَ أمرهِ !! وغضبتُ ، فتدخـَّلَ الجارُ مُبَينـًا أنَّ لا حقّ للرجل فيما أبدى ، فتراجعَ الرجلُ ولانَ عارضًا تـَرحَابَهُ الصريحَ، قلتُ: لكنكَ لم تسألْ البنتين ِ، قالَ : هُما خلفنا ترقبان ِ ، وسألني أن ألتفت نحوهما، لكنني أعرضت ، وقلت: لا أقدر، فجاءت الكبرى قبالتنا بيضاء ، فارعة ، وضحوكة ، وخصلة شعرها الناعم تنفر على جانب الجبهة، وفي فرح أشارت لأختها أن تعالَي، فجاءت المراهقة ُالتي من المفترض أن تكونَ لي ، فرأيتُ شعرًا أسودَ خفيفـًا على ساقيها، وكانت ترتدي بنطلونا من الجينز الأزرق فقالت لي: أنا موافقة، وحدّقت في عينيّ بجسارة، وكان حاجباها عفيَّين، طويلين وبريين لم تقربْهما من قبل، فاستيقظتُ ، يا كاعبُ ، من دون أنْ أنطقَ بكلمةٍ واحدة!!

البكاءُ على كتفِ الشعرْ

أخذني الشعرُ من يدي وقال أتستطيعَ معيَ صبرًا ، قلتُ نعم ، وكان اليومُ يومَ جمعة ، ولم يكنْ باقيا على النداء للصلاة سوى ثلاثة أرباع الساعة ، قالَ سنصلي في مسجدٍ بالكوفة ، توضأنا وأخذنا زينتنا، وقبل أن يُرفع الآذانُ بدقائق معدوداتٍ كنا نتخطى عتبة المسجد مسرّين في أنفسنا : ربنا افتحْ لنا أبوابَ رحمتك ، ثم شرعنا نؤدي ركعتين (تحية المسجد) ، وبينما نحنُ ركوعٌ غشينا صوت المؤذن فتنزلت علينا السكينة ولم يعد في القلب من أمور الدنيا إلا اللمم ، حتى إذا قال المؤذن(حيّ على الفلاح) سمعنا دويا خِلتهُ قيامَ السّاعة، كانت الأشلاءُ تتطايرُ وصرخاتُ الهلع تدوي في باحة المسجد حين سقطتُ مغشيا عليّ ، وحين أفقتُ في المشفى سمعتُ الناسَ يقولون من يُردْ المشاركة في تشييع الضحايا فليتبعنا ، فتبعتهم إلى القبور ، هناك رأيت الشعر يُهيلُ الترابَ على الموتى ، ويسكبُ الماء بينما يتمتمُ : كلا ليس بمؤمن ، كلا ليسَ بمؤمن ، ولما رآني أخذني لجنبه صامتا ، قلتُ : سمعتك تتمتمُ ، قال : كنتُ أردّ على الموتى ، كلما سألني أحدُهم : أمؤمنٌ فعل بنا ذلك ؟ فأجيبُ : كلا ليس بمؤمن ، فألقيتُ برأسي على كتفه ورحتُ أبكي!!

****

عماد غزالي
مواليد عام 1962، تخرج في كلية الهندسة، عام 1985. صدر له: " أغنية أولى" 1990، " مكتوب على باب القصيدة " 1990، " فضاءات أخرى للطائر الضليل " 1999، " ظلّ ليس لك " 2004، " لا تجرح الأبيض " 2005 ، " المكانُ بخفة " 2008، حصل على جائزتي: الدولة التشجيعية 2000، اتحاد الكتاب 2005.

الاتجاه

وأنت تهبطُ من طابقٍ إلى آخر،
متئدا
ستُلقي نظرةً سريعةً إلى أعلى
يتعذّرُ عليكَ أن ترصدَ نقطةَ البدء
تلك التي غدت شاهقةً بالفعل
كما أنّ الضوءَ الذي يسقطُ من مصدرٍ بعيد
يذيبُ التفاصيل
ويحيلُ الدوائرَ والانحناءات
- وهي تتقاربُ كلما نأت عن عينيكَ-
إلى كتلةٍ متوهّجة.
هو الضوءُ ذاته
يتلاشى تدريجيا
كلما أمعنتَ في الهبوط
ليحجُبَ الظلامُ بأسفل
أيَّ إمكانٍ للحدس.
الأمر يظلُّ عاديّا،
طالما كان عليكَ أن تمكثَ قليلا
لكنّهُ الهاجس
ذلك اللعينُ الغامض
يدفعُكَ دفعا
لتواصلَ خُطّتكَ الحلزونية
في اتجاهها الواحد
كلما شحبَ الضوءُ توهّجَ هو أكثر فأكثر.
ستتركُ ذرةً من خلاياكَ في كل زاوية
تغادرُ قاطنينَ، وتمرّ بمبطئينَ،
ومسرعونَ يفوتونكَ غير عابئين.
لن تُسعفَكَ الظلالُ الكثيفةُ
على تأمُّل ملامحهم
كما لن تنجحَ في رصد الفوارق الطفيفة
بين إيقاعهم وإيقاعك
إذ تتكفّلُ الدهاليزُ الجانبية
بتبدّل الوجوه باستمرار .
غير أن خُطّتكم جميعا تبدو واحدةً
وإن اختلفتم في المهام السريعة ،
أو تلك التي تستحوذُ على وقتٍ أطول .
سيظلُّ يقلقكَ دائما
أن تصلَ إلى لحظةٍ
لا تجدُ فيها شيئا يشغلك
ساعتها
قد تتساءلُ بينكَ وبين نفسك :
لماذا أسيرُ في اتجاهٍ واحد ؟
لماذا لا أدورُ هكذا ، وأصعدُ إلى أعلى ؟
لستُ خائفا عليكَ ،
إلا من أسئلةٍ حمقاء كهذه
لكنّ حظكَ قد يكون جميلا
فلا تنفدُ من يديكَ الشواغل
قبل أن تبلغَ الطابقَ الأخير
في اتجاهك .

النهوض عن المقعد

من السّهلِ جدا
أن تأخذكَ سِنةٌ من النوم
على المقهى
لتنتبهَ بعد سنوات
فتجد كلَّ شيءٍ على حالِهِ
إلا قليلا
النادلُ هو نفسه
وصِبْيةُ المقهى
لا يزيدون عن أمس
إلا أصابعَ
والصحيفةُ التي بيد الرجل
على المنضدة المجاورة
لا يشوبُ عناوينَها تحوّلٌ لافت
فثمة تعديلاتٌ دستورية
وثمّ سلامٌ
يُسعَى إليه بجدّ
وثمة رُقعٌ من الأرض
تنكمشُ هنا ، وتستطيلُ هناك
باعةٌ ذوو حقائب ضخمة
يزيدون على المألوف قليلا
يتجوّلون بين المناضد
لا يبيعون شيئا
وكعادتك دائما
تفكّرُ أن تدعوَ أحدَهم
إلى كوبٍ من الشاي
بينما ارتعاشةُ القلم في يدك
تتمدّدُ قليلا
ثمة عملات ورقية ومعدنية
تثقل جيبَك
يندهشُ لها النادل :
سيّدي
لقد اختفى جامعو العملات القديمة
ثمّ إنها على ما يبدو
صكّ حاكمٍ آخر لبلدةٍ مجاورة
لابدّ من النهوض إذن ،
لكنّ رغبتك
تنسحبُ عنكَ
قليلا ، قليلا .

****

عيد عبدالحليم
محرر بجريدة " الأهالي"، مدير تحرير مجلة " أدب ونقد"، صدر له: " سماوات واطئة " 2001 ، " ظل العائلة " 2002، " تحريك الأيدى " 2008 ، " العائش قرب الأرض " 2008.

تحريك الأيدى

عند أقرب شرفة
اشتكت من ضعف جيرانها
على فهم المحبة
فأقامت فوق السطح
برج حمام
علهم يدركون أن الهواء
احتمال لخطيئة ما ..
وأن بيوت الآخرين
باستطاعتها أن تطلى بلون جديد
لم تقل " إنها طيبة"
لكن الجيران استطاعوا
- بعد أعوام كثيرة-
أن يدركوا
أن صرخاتها فى الشتاء
كانت بصوت حنون

تراب على أظافرى

حين أنعزلت فأس أبى
فى حجرة " الخزين "
أدركت- بعدها-
أننى نبى
معطلة رسالته فى قلوب الآخرين
فكنت كلما اشتعل البخور
من كف أمى
أعطس بشدة
كى أنقى ملامحى
- قليلا-
لأراهم
وهم يمسحون عن أظافرى
تراب العالم

صلاة ناقصة

فى المنزل
زوجة ، وثلاثة أبناء
وفى الشارع قديس
بذراع واحدة
يهئ الهواء لأرض
تسعى عليها طيور الله
بعيدا
عن الأعداء الحقيقيين
الذين نعلقهم فوق الحوائط
ونذرف الدموع- كثيرا-
فى ذكراهم السنوية.

صلصال مشروخ

علقنا قمصاننا
فوق " الخص "
ونمنا متوجسين
من رجفة تعترى البوص
حين يمر الذئب
فوق الجسر
وحيدا
يرفع ذيله فى الهواء
ويبتسم,
كنا أطفالا
غلبهم النعاس
فناموا خارج القرية
توضأوا بالدهشة
وسكبوا الحليب
فوق الرمال
خروجوا من الموال
إلى صلصال مشروخ
وزجاج بين الأصابع.

*****

غادة نبيل
محررة صحفية، تكتب عمودا أدبيا بجريدة " الجمهورية"، عضو هيئة تحرير مجلة " أدب ونقد"، عضو مؤسس في هيئة تحرير مجلة " مقدمة "، صدر لها: " المتربصة بنفسها " 1999، " كأنني أريد " 2005، " أصلح لحياة أخرى " 2008، بالإضافة إلى رواية بعنوان " وردة الرمال " 2001.

تطريز بن لادن

(1)

كانت تعاقب نفسها بفخار ثقيل
وتحذف السماء لتمتحن الطيور
قالت
مئة فرح يعادلون وجهك
مع أن قلبك
ضريح
لكن هو لا يحب المخاط مع البكاء
بل يحبه كنبرة يطول تدربها
لتشبه نواح أوفيليا
أنت الصابئ
لم أعد أريد أن أراك

(2)

صدّقت قبلى أن الطاووس يُذبح
من أجل ريشة
ومثل أفغان يوسف زاى
صنعت من الغضب بخاراً
ولما لم يُعجبك
صنعت منه تابوتاً لعصفورة
ولما لم يُعجبك
نسجته سجادةً كثيرة العقد
تُحب الأفواه المغلقة
السلام عليكم "
للننقشبنديين.

(3)

خُدا حافظ (*)
أجاهد لتسمعنى قبل شهر أبريل
بعد النوروز
كجلطات تصيبك فى المولد النبوى
التقويم الذى لم يعد فارسياً
هدمنى
كم ألف سنة ضوئية ستجعلنى
حصرياً
محبوبة ؟

****

فارس خضر
مواليد 1969، حاصل على الماجستير بتقدير امتياز 2003، باحث في الفولوكلور المصري، يعد أطروحة الدكتوراه عن " حكايات المدن المسحورة بين المدون والشفاهي "، نائب رئيس تحرير مجلة " الإذاعة والتليفزيون"، صدر له: " كوميديا " 1998، " الذي مر من هنا " 2004، " أصابع قدم محفورة على الرمل " 2004.وفي الدراسات " ميراث الأسى: تصورات الموت في الوعي الشعبي "، " العادات الشعية والموروث الخرافي".

كل قُبلةٍ .. تعكرُها الكلماتُ القاسية

المشهد الذي صار مدنساً
لأن قطرة دم وحيدة
عبرته مرةً
لا شك سوف تطهرينه
بقليل من الرومانسية
ستقولين مثلاً
إنني قطفتُ من السماء زهوراً لأجلِك
وأمرتُ السحابةَ العابرةَ
أن تمطر حيث تجلسين
والحقيقة ..
أن ملمس أصابعي لا يزال مطبوعاً
علي جسدك المر
كشاهد هزيمةٍ
وأننا كسرنا أبواب الشياطين
فخرجوا إلينا عريانين ووقورين أيضاً
يحملون خرابا كاملاً
ولذةً مبتورةً
ومشهداً هزيلاً
لمُخْرِجٍ لا يجيدُ صنعَ التعاسة .

كوميديا حبيبتي

سيخيلُ إليكَ
أن ابتسامةً معلقةً علي شفتي
في هذا الصباح
بعد أن أُزيح جثثَ أحلامي
من علي المخدةِ المنداةَ بدموعٍ نيئةٍ
أكتشفُ بفرحةٍ
أنها كانت تشبه فيروز
وأن رأسي بلا جسدٍ
وبنفس الابتسامةِ المرة
تفيضُ علي يديها الناحلتين
كائناتٌ طفولية.
حبيبتي التي ما تمنيت لها
أن تتزوج جرواً فاحماً
صارت بدينةً بصورةٍ مضحكة
وبوجهٍ منفوخ ونهدين منكسين
بخرتْ الندى النائمَ علي مخدتي
فلم أعد ألمحُ الملائكةَ
وهم يتشعلقون علي جسدها كله .
حبيبتي
التي لم تعد تأتيني في الحلم مطلقاً
كلما رأيتُها في شارعٍ
أبتسمْ .

طَعنةٌ أخيرةٌ مفْضوحةٌ كالدموعْ

بعد قليلٍ
سينزعون رأسي في أسى
ويلقفون كرات الحزنِ
بعد أن تفرَّ
كطيورِ حبيسةٍ
من عينيَّ المفتوحتين علي فراغٍ أبيضْ .
وللمجاملةِ فقط
سيفتعلون بكاءً مسموعاً
ولن
ينزعجوا من رعشةٍ متهورةٍ
تعافرُ بأطرافي
فَكُل محاولةٍ للمقاومةْ
ترجفُ
كعصفورٍ وَقَع في شركٍ محكمْ .
يُمكن لحبيبتي أن تبكي قليلاً
ليس لأنها تُحبني
ولكن لأن وجهي سيكونُ مُثيراً للشفقةْ :
تتكسرُ قَسْوتُه- فجأةً-
وتتهدلُ خُيوطُه.
وأمام عشيقتي القديمة
سيتلكأ نَعْشي
وقبل أن يتركوني بمفردي
لابد أن وردةً ستنبتُ على خَدي:
تشربُ الذبولَ المتكوِّمَ
أسفلَ جفوني وتبكي.
ستكونُ مهوشةً كالحزنِ
وكبيرةً كصيوان العزاءْ.
أصدقائي سيفرحون من أعماقِهم
رغم مِسْحَةِ التعاسةِ التي تغلفُ وجوهَهُم ؛
سيميلُ صديقي ليسرَّ لأحدهم
بأنني لم أكن أُصلي مطٌلقاً
وأنني أغويتُ خمسينَ امرأةً علي الأقلْ .
سأضحكٌ كثيراً
لأن أخطائي كاملةً تنامُ معي
سأوقظُهَا واحدةً .. واحدةً
وبعطفٍ هائلٍ سأمنحني الغُفرانْ .

الجُرحُ الميّتُ يَرُشُ الماءَ على جَسَدِهِ

إنهم بشعون
و.....
فضوليّون بدرجةٍ مزعجة
بلا مُبررٍ يلقون بخيمةٍ من الشَفَقَةِ
على جسدي
ربما لم يروا ميتاً يمشي بمفرده
كلما مر أمامه الميتون
رفع إصبعه برجفة
نحو السماء.
هكذا يفعلُها كل مرة
بطفولةٍ
حتى تَفرَّ دموعٌ بأجنحةٍ من أقفاصه
وتتحللَ جروحُهُ
ثم
ترشُ ماءً علي عيونِها
فتصيرُ الأحزانُ مصقولةً
ولامعةْ.

****

فتحي عبدالسميع
صدر له: الخيط في يدي، الهيئة العامة لقصور الثقافة 1997- تقطيبة المحارب، ط1 مطبوعات حتحور 1999، ط2 الهيئة المصرية العامة للكتاب 2002- خازنة الماء، المجلس الأعلي للثقافة 2002- فراشة في الدخان، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2008.

تمثال رملي

تقدموا بهدوء
ولا تميلوا عليّ
لا أريد لأحد أن ينهار بسببي
أريد أن أبقي حتي النهاية
بريئا من كل انهيار.
زعقة صغيرة
يمكن أن تُحْدث فجوة في صدري
لا بازلت ولا جرانيت
هشٌ كأرملة تضم صغارها وتبكي
هش ولا أدل علي خلود
بل أقودكم إليه
لا الماضي ولا المستقبل
أنا الآن
أنا سريع الزوال
التقطني طفلٌ من الهواء
وراح يطعني رملا
ويكسوني رملا
نقيٌ ولا فرق بين لحمي وقميصي
الأزرار هي ذاتها عظامي
لم يلمسني إزميل
ولم تحلق حولي مطرقة
ما من فرعون قرقع بالسياط
حتي أكون جاهزا
في عيد انتصاره علي شعبه.
تقدموا بهدوء
والتقطوا صورا معي
بوسعكم أن تبصروا أرواحكم
وهي تلمع في ظلالي
أن تبصروا ظهوركم
وهي تمتد في البحر إلي ما لا نهاية
تقدموا الآن
قبل أن أذوب في موجة
فلا يبقي أمامكم سوي الرمل
أحدثكم وأنا أتلاشي
فلا تسمعونني
أنشب أظفاري في أحداقكم
ولا يرتبك لكم جفن
أنا الأوان الذي يفوت.

الوشم

أريد أسدا يادقّاق الوشم
أريده غاضبا وبأنياب حادة
لا تلتفت لكوني ضعيفا ولا أحتمل
ليس هناك ما هو أقسي
من مغازلة الحياة
بصدر بلا أسد.
اربطني هنا في تلك الجميزة
لا تلتفت لصراخي وشتائمي
ولو مت بين يديك
لا تقم بدفني
قبل إتمام الوشم .

****

فتحي عبدالله
مواليد 1954، يعمل مدير تحرير بالهيئة العامة للكتاب، شارك في إصدار عدد من المجلات الثقافية، أشرف على تحرير الصفحة الثقافية بجريدة " المصري اليوم"، صدر له: " راعي المياه "، " سعادة متأخرة "، " موسيقيون لأدوار صغيرة " ، أثر البكاء "، " الرسائل عادة لا تذكر الموتى".

رجل أخضر يوزع المسك

هذه يا صديقي
آخر رحلة للصيد في البراري
قبعتك السوداء تشير إلى العاصفة
وهم نائمون في وسع النهار يسمعون الأقدام
التي تهبط من وراء البحر
محملة بالروائح الثقيلة
لا مقامات هنا ولا أوتار
جثة حرقها الملاكمون منذ سنوات بعيدة
وتركوا لها الأمطار عن ظهر قلب منذ أن طاف 'إلياس'
يطلب نورا من الخيام القريبة
وأحبته امرأة تعلن في الصباح:
أن زارها جنود يلعبون النرد
ووضعوا لها في الميادين العامة
تماثيل بيضاء دون أن يلمسوها
ولها بين المصلين من يخبرها عن اللسان الفصيح
ولا ترد من يحمل أخفافها
أو ملابسها الداخلية إلي بئر قديمة
وتترك الدراويش في حفلات السهر
ينظرون إلى بطنها في ذهول
الكحول لا يترك الخيال على فطرته الأولى
ويحمل الجنود على زيارة المقابر
بينما أسمع من وراء المنازل شهقات من يقتلون
أو يفتحون أبواب الحجرات الكبيرة
لزائر لا ينام بالليل
ويعرف الإشارات من الرجل الأخضر
الذي يوزع المسك في الأسواق
ويعرف شقتي من الزفير الذي يحرق الأصابع وربما من الجثث
التي أضعها باستمرار
أمام أريكتي الخالية
وأظن أن مسدسه الآن تحت الوسادة:
ربما قابلته في قطار الشمال
وضحك للعميان في المقهى المجاور
الكوفيون يعرفونه كما جاء في الصحف الأولى ولا يذكرون العلامة
ولي من إيقاعه المهزوزة خطوةٌ بين الخيال والزفاف.

أحيانا يعرج في نزهات الصيد

في مطعم 'الساعة'
لم يكلم أحدا
وأشار للحراس الذين يتبعونه في الممرات
ألا يهملوا الإشارة التي
تأتي من الهاتف الأحمر:
بأن الذي يبكي بجوار الخادمة
عليه أن يرى جثة أبنائه في الطريق العام
وبعد أن يعبر المزارعون بأصواتهم
التي تعلو وتهبط كأنهم في جنازة
يأخذونه في لقطة طويلة والفتيات من حوله
المصورون يأخذون الزوايا
التي تناسب كفه الكبيرة
وربما خطوه الذي يميل إلى الشمال قليلا
أو ربما يتوجسون من عيونه التي تلمع
أو عواطفه التي تفيض أحيانًا يعرج في نزهات الصيد
له طير يسير على أنفاسه الحارّة
ويسمع ما يقول من أسرار
وعندما يشغلونه بالجثث
التي تسقط من القطار في آخر الليل
لم يقطع بأنها وحيدة
وأن ما حدث لها مكتوب في الصفحات الأولى
وأنهم صفقوا لعابر مجنون يحمل طبلة
ربما عثر عليها في إحدي الخرابات التي ينام بها
ولكي أكون واضحًا
لابد أن أنظر إلى المذيعة الشقراء
وأحرك أقدامي بخيالِ
مَن تَركَ الحقولَ منذ عشرين عامًا
ولا أعفي اللصوص الذين حملوا صوري
إلى متاحف نيويورك
أو وضعوها هكذا للكلاب في الشوارع
أو على حافة المستنقعات
وإنما أدفعهم جميعًا
- ربما بخيالي- إلى خرابة في آخر البيت كلها ظلام
وعندما يرجع إلى الخلف
يعرضون في لقطات سريعة أحذيتَه البيضاء
الطبيبَ الذي يعالجه من السرطان
صورَ الذين قتلهم
في سنة واحدة لم يغمض عينيه أمام النور الذي يغمره
ورفع رأسه لأعلى
لا أستطيع أن أضحك في حرارة أقل من ذلك.

****

كريم عبدالسلام

نائم فى الجوراسيك بارك

أغلق عيني على أمل أن لا شيء يدوم
أعرف أصدقاء يخافون النوم
يظلون في يقظتهم أطول فترة ممكنة
وينتصرون لـ " ما أطال النوم عمرا"
لكنهم في لحظة يسقطون في إعيائهم
وتنهشهم الكوابيس

*

أنادي على الأحلام
كمن ينادي على أخيه من الضفة الأخرى للنهر
وهو يعتقد أنه سيعبر إليه

مع الوقت أتعلم من محبة النوم
كيف أتصالح مع الكوابيس
تنذرني قبل مقدمها علي كأنما تعتذر
وتأتي كضربة سريعة وقوية لا تؤلم، بل تعبر

*

عندما يتحقق لك مدخلك إلى النوم
لا تفتقد شيئا آخر
فجأة، يهبك العالم المشهور عنه الغلظة
رحما ثانيا ملاذا للاختباء
أنا نائم، إذن أنا حر وسعيد
أنا نائم، إذن أنا لست خائفا

*

من فقدوا طريقهم إلى النوم
لا يجدونه فى تخومه أو أعرافه
يفتعلون السكون، رافضين أن يمسحهم الملاك
برفة من جناحه الأبيض
إلى أن يُسقطهم النوم
مثل الفاكهة التى تعطنت على غصونها
ثم يلفظهم إلى شقائهم من جديد

*

من النادر هنا أن يلجأ أحد إلى النوم
لينصفه من العالم
يشربون ماء البحر لإرواء العطش
لأنهم نسوا العذوبة

*

لابد وأن يشعر الملاك بأنك سعيد برفة جناحه على جفنيك
وأنك راغب حقا في الذهاب إليه
ليس إعياء أو سأما
بل كمن يضع قدمه في شقة جارته الأرملة

*

حيث يتراجع الأمل في العالم، في الآخرين
يتقدم الأمل في ملاك النوم
ويكون: الوسن والغفوة والإغماض والتهويم
والهجوع والهجود والغشية والرقود
والسبوت والاستكانة والاضجاع والهكر والنعاس
للنوم كل هذه الأسماء والدرجات
يمكنني إذن أن أدخل إليه
ولا أخرج لأي يقظة كانت

*

كل يقظة هي ظهور الغريب في بلد يكره الغرباء

*

أفكر أن أهاجر إلى النوم
في الحرب يبنون الملاجئ
مخازن رطبة مظلمة تحت الأرض،
أما ملجئي فوثير وناعم ومنفتح على كل البقاع

*

عندما أنام، أختفي دون أن أعرف أين اختفيتُ
تأخذنى قدماي فى جولة بلا تعب، طالما تقتُ إلى إنجازها ولم أفعل..
أقطع بحارا مليئة بالعجائب، وأتجول بين
الجزر أبيع وأشتري، ومثل السندباد، أتعلق بالخشبة،
عندما يغرق مركبي ويأكل السمك باطن قدمي، حتى يلفظني
الموج على جزيرة ومنها إلى مركب جديد وأرض غريبة، إلى أن
أصادف بلدي وأحكي الحكاية
أعود من النوم لألقي السلام على بشر متوحشين
لا لشيء
إلا ليدركوا كم أنا لا شيء تقريبا

*

نومي هو مرافعتي
فى محاكمة ظالمي لي

*

عقدت صفقة مع الملاك،
أختار رحلتي، بداية ونهاية وطريقا ممتدا بينهما.
في النوم جنة ما،
الرغبة تتحقق فور أن تخطر على بالك
ولا يمكنك التوقف عن الرغبة أو التجوال
لا أحد يصدك
أو يضع الفخاخ أمام قدمك
حتى القاتل لا يتخلص منك،
بل يقتلك لتعود وتشير إليه بين عينيه:
ياقاتلي

*

فى اليقظة، الهروب دائم وليس هناك جهة
ليس هناك مخبأ أو طوق للنجاة
فى اليقظة يد الجلاد،
الذي يبقي عينيك مفتوحتين
لتريا عذاب من تحب
في اليقظة
لا سبيل أمامي لإنكار الدم الذي يسيل تحت قدمي
ويلطخ حذائي
لايمكن أن تتغير طبيعته، عندما أعتبره مياها متسربة من مصبغة،
لا سبيل لإنكار الجسد الصغير
الملقى في القمامة،
إنها طفلة وقد تورم وجهها والتوت قدمها تحتها،
وقد وقعت عيناي على الكدمات تغطي جسدها النحيل
حتى لو أغمضت عيني بعد ذلك
هل تعود تلك الوقائع من حيث أتت!

*

حتى في الكوابيس
يمكن أن ننهر الشر
يمكن أن نمسح السوء فيزول

*

أضع عديدا من المقاعد متتابعة
من غرفة النوم حتى باب شقتي
ودائما أجلس على كل مقعد لحظات قبل خروجي
حتى لا أُقذف إلى الخارج مرة واحدة
أتدرب على الالتقاء باليقظة
لأنني أحملها على كتفي

*

أسير وأنا أخبئ نومي بداخلي
أخشى أن يكتشفه أحد
أو أن تفضح البوابات الإلكترونية التي أعبرها،
كيف أحمل ما أحتمي به

*

صرخات بعد منتصف الليل
وجارتي تعلن موت زوجها، وتكسر نومي
تتشبث بثيابي دون أن تتوقف عن الصراخ،
كأنها تريد مني أن أعيد زوجها إلى الحياة
لو كنت مع أحلامي
لاستطعت أن أقول لزوجها
عد إلى الحياة
ولقلت لصراخها: اختبئ فى مخزنك
حتى تتحول إلى موسيقى الحب

*

أحب نومي
لأني أتعلم الابتسام داخله.

*****

محمد أبوزيد
مواليد1980سوهاج، يعمل بالصحافة. صدر له:ثقب في الهواء بطول قامتي، سلسلة إبداعات، ط الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2003- قوم جلوس حولهم ماء ، ط شرقيات، 2006- مديح الغابة، شعر، ط الهيئة العامة للكتاب، 2007- طاعون يضع ساقا فوق الأخرى وينظر للسماء، ط شرقيات، 2008.نال ديوانه " يبدو أنني قد مت فعلاً " جائزة سعاد الصباح في الشعر عام 2005.

خط أسود بالقلم الفلوماستر تحت أنفي

كل الشوارع متشابهة ، وأبناء البحر لديهم نفس اللكنة
نفس الإحساس بالعطش والحلم بالزواج في مركب شراعي من عروس البحر
نفس أسباب الهروب من أحكام الإعدام إلى صيد العقارب .. وتعقب الذئاب.
فأي الطرق أفضل للفرار؟
أي البيوت يصلح علامة مائية؟
من يقول لي لأدل هؤلاء الجوعى المساكين؟
الحيطان المرتفعة تصلح، فقط، لاختباء العفاريت، وكتابة الذكريات بالطول
" تذكرني ولا تنسني يا صديق الحيوانات المفترسة".
أين أنت الآن أيها الجالس بين أكواب الشاي تحصي الذباب والأشياء التي نسيتها، امتدت لحيتك، وأسنانك.. مصباح لا يضيء في العتمة.
أريد أن أتعلم الضحك من جديد سيعجبكم صوتي
لكن لو توقفت القهقهة في منتصف الطريق لا تبتئسوا
مدوا أياديكم يا صيادي أسود قصر النيل وأكملوها لي
أريد أن ألمسها بيدي أريد أن أصفعها
حتى تتناثر أسنانها بعرض المحيط الأطلسي
الآلهة في الأحلام يصبحون قريبين جدا
وأيدينا التي تبتل بالطهارة تقتلع التراب وتدق الوتد، وتترك خلفها عيدان الذرة.. قتلى في الحقول
الانتصار الوحيد كان هزيمتي
وأنا أرى النار تشتعل في لساني
هل عرفتم لماذا أنا ألثغ في الراء؟
جسدي المصلوب بين الجبلين يصلح لمرور عربات التليفريك
يصلح أكثر لنشر غسيل نسائكم ولمنع دعواتكم من الوصول للسماء
دموعي ستملأ ترعكم بالمياه
وسعالي سيوقظكم لصلاة الفجر
أما التي فتحت لي طاقة على تماثيل الأيدي، ستترك ندبة في لساني، وتجعل الضحك أصعب من عبور الشارع غدا،
وبعد موتي بساعات معدودة
سأبني لي تمثالا في مخرج الكون
وأنا أعد خطواتي الألف كل يوم
وأنا أصطدم بصرخة زجاجية بأصواتكم المتقاطرة في الهاتف
التي تجبر دموعي على الركض كالكلاب خلفكم
خلف وجوهكم الإفريقية التي لم أخف منها من قبل.

سيقول الأشرار إنني أتحدث عن " ميرفت عبد العزيز" بالتحديد

(1)

وداعا:
الكلمة التي تقال دائمًا
في بداية المناسبات السعيدة
التي نقولها ونحن نبتسم
ونحن نتأبط أقدامنا الخشبية
سائرين كالأسرى
بجباهٍ
تقتات من الأرض.

(2)

لم أحك لكم أمس عن ميرفت
و لا عن" أعظم قصة حب فاشلة في التاريخ"
ولا عن ملاكة بلا جناحين
لم أحك لكم أمس عن القتل والدم والجماجم
والأحبة
لأنكم لم تكونوا هنا.

(3)

وداعًا..
منذ سنوات يا "ميرفت"
وأنا مُلقى هنا
ملابسي صدئت فوق دمي
أدوات التعذيب لم تعد كافية
الغابة خارج البيت بلا حارس
والبيت بلا سكان
قلبي وحيد
لكنني حين عبرت من الحائط
كنت أدرك تمامًا
أنني أصبحت أكثر حكمة
مما مضى.

(4)

هل كانت طويلة
هل فُوجِئَتْ بذلك
وهل لما رأت السحابات قريبة منها هدَّدَتْ بالغناء
منذ متى وأنتم هنا
وأنا أفشل في قصص الحب
وقص أظافري
وكتابة الرسائل إلى الأحياء؟
أدرك أنني
لا أجيد العدو
ولا قدمان لي
ولا طريق أمامي
لكنني راغب في الفرار.

(5)

المصعد الذي تعطَّل
لم أكن أستخدمه
لأنه منذ زمن
لم يرد علي تحية المساء
أو يدعوني إلى منزلي
سرق معطفي
طعام قطتي
وأوصى التاكسي
- التاكسي الذي لا يسير-
أن ينطلق بسرعة هذه المرة
حتى لا أرى عينيها خلف الزجاج
وهما تشبهان إلى حد كبير
" ناجي العليّ".

(6)

كانت تخفي الإسفنج في عينيها
وكان وجهها يشبه البحر
بكوفية خضراء
وابتسامة لـ" جوليا روبرتس"
لم ينادوها يوما " يا ميرفت"
وكنت أسميها المائية
قلبها يبين تحت البلوزة
به شوارع وآباء يتامى
ومراكب من أوراق الصحف
ليست من هنا
ولا من هناك
ليس لديها مرآة في البيت
ولم يرها أحد
لا تركب الطائرات ولا حافلات العامة
لا تطير ولا تسير
عيناها تشبهان نساء القرن الخامس عشر في غرناطة
والملاحم الإغريقية
وكراريس الأطفال في رام الله
تشبه السفائن التي تخرج من حواديت جداتنا
ولا تعود
لا تحمل العشاق
ولا تحفظ قصصهم
السفائن التي تغرق عادة في منتصف المحيط
قبطانها لم تُسَمِّهِ أُمُّهُ " نوح"
ولم تعلمه حبيبته كيف يرقص التانجو.

****

محمد الكفراوي
مواليد 1978، تخرج في كلية دار العلوم، عام 2000، يعمل بالصحافة والإعداد التليفزيوني، صدر له:"حلم وردي يرفع الرأس " ط دار "شرقيات" 2006.
نهاية مناسبة

فرص النجاة شبه معدومة

وعل كل منا أن يبحث
عن نهاية مناسبة لحياته
سبق وقلت لكم
إن الأرض مكان مشبوه
وغير آمن بالمرة
فهى فى أحسن حالاتها
مليئة بالأوحال والأوبئة
حاولت أكثر من مرة أن أقنعكم
بأن أجسادكم نفسها
عبارة عن براميل من الدم
قابلة للانفجار فى أية لحظة
وستصبح عاجلا أو أجلا
وجبة دسمة للحشرات والدود.

سقوط

كل ما أتذكره
أننى قبل سقوطى بلحظات
كنت أحرك يدى على صدرى بحرص شديد
لأسند رئتى أثناء نوبة الكحة
كنت أدلك قلبى بعنف حتى لا يتوقف
كنت أفكر فى عبور الشارع
وركوب الباص
حتى أننى لا أتذكر
إلى أين كنت أريد الذهاب
وفجأة ..
فراشات سوداء حومت فوق رأسى
وبدأت الدماء تسيل من فمى
و تسربت روحى من بين أصابعى
وكأنها كتلة من الهواء المعتم
أرادت أن تتوحد مع أسفلت الطريق.

يستحقون الضرب بالصرم

ببغاوات يرددون كلاما سمجا
دون أن يهتموا بمعناه
يضحكون لأتفه الأسباب
وينامون ملء جفونهم دون أن تؤرقهم الشرور
التى ارتكبوها طوال النهار
ومن فرط إحساسهم بالدونية
أصبح لحمهم مرًّا وغير صالح للطهى.

الملك

ثلاثة أحصنة وفيل وحفنة من البيادق
كل هذا يكوّن لى طابية
أستطيع الآن أن أحكم العالم بلا عناء
أستطيع أن أجعل كل الملوك و الحكام
يهتفون لأجلى ويتمنون الرضا أرضى
سيأتون جميعا و يركعون تحت قدمى
يبكون و يعتذرون و يطلبون العفو
عن ذنوب لم يرتكبوها أصلا
وحين يصبحون فى غاية الذل و المهانة
سأضع يدى فى جيبى
وأخرج كل الشعوب.

*****

محمد متولي
مواليد القاهرة1970 تخلرج في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية1992، حصل في نفس العام على جائزة يوسف الخال عن ديواه " حدث ذات مزة أن". شارك الشاعر أحمد طه في تأسيس مجلة " الجراد"، والتي نشر ضمن مطبوعاتها ديونه " القصة التي يرددها الناس هنا في الميناء". كثل مصر عام 1997 في مؤتمر الكتابة الدولي بالولايات المتحدة، واختير شاعرا مقيما بجامعة شيكاغو عام1998، حيث ألّف وشارك في تحرير كناب " أصوات غاضبة" عن قصيدة النثر المصرية، نشرته جامعة اركنسون عام2002.

فصلٌ لونيّ

زوجان كهلان
يرقدان على سرير ذي أعمدة نحاسية،
مشدود الأغطية، قليل الكرمشات
لكنه يكاد يبتلعهما لو نظرت إليه
من سقف الغرفة عظيم الارتفاع.
يبدو عرقهما ودهون التي تنز منهما أثناء النوم
مطبوعين على الوسائد
من بين ثيابها يبرز فخذ الزوجة المترهل
بعرق أزرق نحيل يسير بطول الساق
بينما يغطي الشعر على ملامح فخذ الرجل
التي يبدو فيها الوتران الضخمان كدعامتين لأسفل الفخذ.
العجيب أن أصابع أقدامهما كانت قريبة الشبه ببعضها
حيث كانت من النوع المفلطح الدائري
وبما أنها تشابهت فكان من الطبيعي
أن تتشابه بعض ملامح وجهيهما؛
في عدد الخطوط المحفورة في الجبين
في اتساع العيون وفي كثافة الحاجبين
وربما وجدنا تلك النغزة التي بأسفل ذقن الزوجة
لدى الرجل أيضا إذا حلق لحيته.

***

من النافذة الضخمة، وبعد منتصف الليل بساعتين أو ثلاث
يثبت الزوج عينيه إلى الخارج دون تفكير
تدخل امرأة بالأبيض والأسود حاملة في ذراعها طفلا
وتبدو كمريم وابنها إلى حد بعيد
فيهرع إليها مستفسرا، لتخبره أنها جاءت تحتمي من الأمطار
ينظر إلى الخارج فلا يجد مطرا
لكنه عندما يمسك بثيابها يجدها مبتلة
ويجد شعر الطفل وقد وزع البلل خصلاته الدقيقة في اتجاهات عدة.
تترك الطفل في يده وتخلع ملابسها المبتلة
لتمشي مترين أمامه عارية قبل أن تستلقي جوار زوجته
ولازال لونها رماديا.
يقف ممسكا بالطفل ومحدقا في ذهول
حين تتلاشى الألوان من الجزء الذي تنام عليه تلك المرأة.

***

في نصف السرير الملون- وهو البعيد عن اهتمامه الآن-
مازال عرق زوجته الأزرق يشق فخذها
ومازال كفاها مقوسان كمن يبغي الحفاظ على شربة ماء،
ومازال تمارس عادتها القديمة في التقلب
محتفظة بالوسادة الوردية بين ساقيها،
بينما تزداد الكرمشات في الملاءة الصفراء.
في النصف الآخر، اصطبغ كل شيء بالأبيض والأسود
وبدا جسد المرأة الغريب مسيطرا على كل شيء؛
فخذان رشيقان مشدودان،
أصابع القدم مدببة ودقيقة،
عظام الخصر لا تترك حيزا للترهلات،
رقبة نحيلة ربما بدت له أطول مما توقع،
صدر يرفع حلمته عاليا كنوع من الاعتزاز بدقة تكويره وامتلائه المحسوب،
وقد حدس من لو الحلمة الداكن أنها ربما كانت بنية،
كان وجهها الطويل دقيق الملامح أيضا،
ذا أنف نحيف طويل يبدو كأصبع حلوى مجوف،
عظام الفكين ذات بروز طفيف ومحبب،
حاجبان مرسومان وذقن مدببة،
وقد حدس من لو العيون أنها كانت زرقاء.

***

نظر إلى الطفل الذي يحمله، ودون انتباه منه
كان جسده قد جف وكسته الألوان،
وقد ظهرت على وجهه ابتسامة- فقدت معناها بعد طول ثبوتها-
موجهة إلى الرجل!

***

بعدها أفاقت الزوجة على صرخة زوجها
الذي ترك الطفل على المقعد الهزاز
لتخبره أنها لم تعد تشعر بالغيرة
ناظرة بفضول قاتل إلى الكيان الراقد جوارها
وطالبة منه أن يقذف بالطفل إلى الخارج
حتى يتعلم الاعتماد على نفسه!

***

لم تلحظ الزوجة شيئا غير عادي قبل أن تشرع في النوم من جديد
مراقبة الأحداث بنصف عين!

***

يسحب الرجل كرسيا ويجلس بجوار النافذة
يكبس بأبهامه تبغ الغليون بينما يفحص بعينيه
أصابع قدمه المفلطحة، ويتحسس بأصابعه
ملامح وجهه وحاجبيه على سبيل التأكد،
ويكشف عن ثيابه ليرى فخذيه المشعرين بوتريهما!

***

تتمنى الزوجة قبل أن تغمض عينيها تماما
أن يعفيها القدر قريبا من نزوات زوجها التي لا تنتهي
والتي تجلب الاضطراب دوما لحياتهما!

***

بعد أن تتأكد المرأة التي بالأبيض والأسود
من نوم الزوجة
تنظر إلى الرجل المرتبك بابتسامة تكشف عن جبين رائق
خال من هموم الكهولة
- ابتسامة ثابتة، كتلك التي ...يبدو أنها علمتها لابنها!

***

الرجل يدخن بجوار النافذة
والغرفة خالية من أي نساء!

***

المرأتان نائمتان- بنفس الفصل اللوني-
والطفل يترك كرسيه الهزاز ويفتح الباب مغادرا،
ولا أثر للرجل!

***

الكرسي الهزاز يتحرك جوار النافذة
وعليه ملابس الطفل وتبغ الرجل
في مواجهة السرير الخالي
ذي الملاءة الصفراء والوسائد الوردية،
وكان المطر غزيرا بالخارج!

****

محمود خيرالله
مواليد عام 1971، يعمل صحفيًا في مجلة " الإذاعة والتليفزيون"، صدر له:" فانتازيا الرجولة" 1998، " لعنة سقطت من النافذة" 2001، " ظل شجرة في المقابر" 2005.

بكلِّ وضوح

يا مَنْ تعيشون هنا،
لا تصدٌّقوا السحاب الذي في السماء،
إنّه فراء زوجة الرئيس
بعدما علّقتْه على شمّاعة الرب،
وإذا صادفْتٌم أسدًا هاربًا
من حديقة قصْر،
كذّبوا عيونكم
لأنه ُمجًّرد صديقٍٍِ مخلصٍ
لسعادة الرئيس،
تأكدوا دائمًا من كل شىء..
انظروا مثلاً إلى سجاجيد القصر،
وهي تنبُضُ تحت أقدامِ الوفودِ الأجنبّية،
إنّها شُعيرات الصبايا
اللائي قًتًلهنّ الوباء..
وإذا غغَا الواحدُ منُكُم
في حديقةِ عامّة
ورأى المخبولين في الشوارع،
فلابّد أن يَفْهم
أن هؤلاء هُم الذين قطّبوا
في وجهِ السيد الرئيس،
حتّى الماءُ لا تصدّقوه،
رغم أنه زحَفَ أميالاً على بطِنِه،
ليدخُل أبدانكم برأفة،
ليس إلاّ
دموعَ الذين جاعوا،
لكي يتعطّر أحفاد الرئيس،
وإذا رأيتم العارية
- تنزف- في الطريق العام
فلا تظنّوا أهلَها طردوها،
إنها تمرّن المعارضة على محبّة الرئيس،
وإذا رأيتُم بائعَ الحليبِ المُخادِع
يهدر دموعَ المظلومين البيضاء
- هكذا- بأسعارٍ رخيصةٍ
اصرخوا فيه ولا تصدِّقوه،
لأنّ شيئًا في هذه الدنيا
لا يجب أن نصدّق.
حتى هذه الملايين الجائعة،
تهرب دائمًا من أمامي،
لدرجة أنّني
لا أراهُم، بوضوح.

بكل تأكيد

يا مَنْ رأيتُم العجوز ينزف
فهربتْ سياراتُكم بسُرعة،
يا مَنْ بيننا وبينهم
"كُلّ ما صَنَع الحدّاد"
يا مَنْ تقول الواحدة من زوجاتِكُم للقمر:
"قـُمْ لأقعدَ مكانك "
يا مَنْ أخذتُـم كُل الهواء
وكُل الزهور،
لأجل بلْكوناِتكُم ومقابِرِكُم،
يا مَنْ تذكّروننا دائمًا بالسؤال:
"مَنْ أنتم؟ ومِن أين؟"..
لا تقرأوا هذه القصيدة،
فهي مكتُوبةٌ لغيركم،
لغيركم بكل تأكيد.

****

محمود قرني
مواليد 24/6/1961 بالفيوم، تخرج في كلية الحقوق 1985، صدر له:" حمّمات الإنشاد" 1996و" طرق طيبة للحفاة" 1998عن هيئة قصور الثقافة. " خيول على قطيفة البيت" دار الأحمدي 1998، "هواء لشجرات العام" 1999هيئة الكتاب. " الشيطان في حقل التوت" 2003،" أوقات مثالية لمحبة الأعداء"2006 عن دار ميريت للنشر. " قصائد الغرقى" التلاقي 2008. المحرر الثقافي بمكتب جريدة "القدس العربي" بالقاهرة.

النخلة

جلسَ الرجلُ
يكتبُ تعويذَتَه على ذيلِ قطٍ أعمى
ويقذفُ بصُرَّةِ الشِيحِ إلى قلبِ النخلةْ
ناداها بكل الهواء الذى يملأُ صدره: "يا عمتى"
النخلة فى ساحةِ البيتِ تميلُ فى دلالٍ
تُلقى سلاماً هنا وسلاماً هناك
كان طَلْعُها الأبيضُ كالحليبِ، تذكاراً مَوْشُوماً على قلبهِ
صعدَ بِظَهْرِيةٍ من الليفِ إلى رأسها
كلَّمَها .. وناداها سكبَ فى قلبها حليب أصابِعهِ
وعندما هبط، كان صدرُهُ المعطوبُ
يعلو ويهبطُ فى هياجٍ كأنه فرغ للتوِّ مِن مضاجعةٍ طويلة
كان النهار ربيعياً جافاً، تأملها ثانيةً وناداها باسمها، ألقى مياها غزيرة حول ساحتها، وقال:الآن فقط أسمع صوتى
كنت أحتاجُ إلى ذلك، أحتاج إلى الغُبارِ والصفيرْ
وأصْطِكَاكِ الأسنانِ فى نصفِ طُوبةَ
احتاجُ أغراضى
احتاجُ طريقاً محفوفةً بالمخاطر
وأتصورُ المتاهةَ على نحوٍ كهذا
نحنُ متشابهانِ إلى حدٍ بعيد.

***

كُونى كما تصورتُكِ ساعةَ إشراقةِ الشمسِ
شَعْرٌ أخضرٌ يخامِرُ الأصابعَ، يطلعُ ناعساً من مَخْمَلِه
ينام على قلبِك الأبيضِ حتى الصباحْ
ويقبض على خصرك الذى يشبهُ خاتمَ قديسٍ
أنا مُنْتَشٍ هكذا، واسمُكِ يمرُّ كنسمةٍ على فَمِ المُغَنى
أريدُ أن أذهبَ إلى السوق، وأشترى من أجلكِ أرْوَابَ زينةٍ
وأضواءَ مبهرةٍ
" يا أخت أبى" استسلمى لذراعي فأنا أحبكِ حتى النهاية.

***

كأنَّ شيئاً لم يكن
قصَّ على رأسها أقاصيصَ من قلبه
دلىَّ عراجِينَها بتَؤُدَةٍ وَلِينٍ
فأصبحت امرأةً ذاتَ أرادفٍ ساحرةٍ وملونة
دائماً يتذكرُ أبَاهُ الذى ربّاها، وهو يقصُّ حكايتها كل يومٍ مع القاضى المُيَسَّرِ
الذى كان يجلسُ تحتها
لِيَقْضِىَ فى الناس ولا يهشُّ أبداً، كأنه بنايةً لا تَرِيم
لكنها فى لحظةٍ من لحظات هَزْرِهَا، أَسْقَطَتْ بلحةً غليظةً على أنفهِ
انتفض وتأسَّفَ على وقارهِ الذى ضاع، لكنه قهقة لأولِ مرةٍ فى حياته
بَسْمَلَ وقال: "ضَعُفَ الطالبُ والمطلوبْ "
لكن الغيمةَ المارَّةَ على رأسها لم تَدُمْ طويلا
وقعتْ برأسِهَا على الصاعقة
لَبِسَتْ بعدها ثوباً بُنياً محروقا،ً وفقدتْ أنوثتَها الطاغيةَ
هى الآن ذَكَرُ نخيلٍ لا ينبَسْ
لن تستطيعَ أن تقُصَّ على صاحبها
قصصاً أخرى عن النساء اللاتى احتمينَ بظلها وتعرينَ لنسماتِ الصيف الطريةِ
ولا عنِ الغمْزاتِ المخجلةِ التى تركَتْها العذراواتُ فى الأماسى المقمرةْ
النخلةُ البضةُ صارتْ ذاتَ عضلاتٍ مفتولةٍ وشاربٍ مَبْروم
بينما العاشقُ ضائقُ الصدرِ
يخرجُ برأسهِ من البابِ إلى الساحةِ
يملأ صدرَه المعطوبَ بالهواءِ ويعود حسيراً
يتوسطُ ساحةَ البيتِ وينظر إلى أعلى، إلى رأسها
يريد أن يقولَ لها يا أختَ أبى، يا عمتى،
لكنه لا يستطيع.

بالِيـه

ريمُ التي تنخرطُ في الرقصِ كُلما تناهت إلى سمعها أصوات الموسيقى
تَكبرُ يوماً بعد يوم. تكبر دون حارسٍ ودون تميمةٍ زرقاء
هذه القصيرة قرب الأرض تحتاط من كل شيء
ولا تترك لقبلة أبويها فرصة الحنين
أمها وضعتْ إصبعاً أسفل ذقنها وقالت: ستذهبينَ إلى مدرسة الباليه
ريمُ القصيرة قرب الأرض ستصبح يوماً فراشةً بسروالٍ قصيرٍ أبيض
وأغطيةٍ رمزيةٍ جداً
ويقبضُ فتيً بيده اليسرى على باطن فخذها
يَشْبُكُ يدَهُ اليمني بوردةٍ حمراء في مَيْلِها القاسي، بينما تصنع بجسدها نصف دائرة، ثم تقفز في بياضها كالملاك.
على ما يبدو كانت ريمُ نفسها بطةَ أبسن البرية
أو على الأقل، الوردة الحمراء العالقة بمعطف جوجول
فقط، ثمة انشغالات تعوقُ ذهنَ جدتها،
الجالسة على الموكيت الأزرق في ردهة شبه واسعة
تريد أن تعرف ما الذي تفعله حفيدتُها.
أما أبوها، فلم يكن هناك.
كانت لديه انشغالات لتخليص إرثه من أفواه الشياطين
كان يدفنُ ملابسَ جدها، المليئةَ بالحقنِ الفارغة.. والتصاويرَ السوداء،
كان عليه أن يعود قريته صباح كل خميس
ليضع أكمامَه المُبْتَلَّة على الشاهد
ويتلو على رأس جدها أغنية قصيرة جداً من أجل الموت.
أما الجدة- التي ربتت على ظهرها ضاحكة-
فقد أهدتها دجاجة وقفصاً صغيراً
لكنه سرعان ما تحطم
ريم الآن أصبحت تؤلف مشاهد متصلة
للرقص مع دجاجة.

فستان "كيم أدونيزيو"

أريد أن أتعلم لغة جديدة
أتحدث بها مع الفستان الأحمر
لـ"كيم أدونيزيو"
هذا الفستان الذي أفلت من يدي
وفرٌّ إلى الجنة..
في "سان فرانسيسكو"
البقالون، والرعاة..
تحدثوا عنه،
والحروب التي بيننا
ذابت في دفء خطوطه الناعمة
سوف أتحدث عن المعنى
الذي تركته شجرة الجوز
على ظهره العاري،
عن المعني النائم ابدا على حمالتيه
هاتان العصفورتان اللتان خرجتا من المعارك
الى تنهدات الحب وحرقة المواعيد
سوف أتحدث أيضا عن الحرية التي أضاعتها يد العاشق
عندما أخذه عنوة الى ميدان القتال
لكنني أجعدها اذا ما عثرت عليه قبل حلول الليل
فسأذهب به الى المصحة لأخلصه من آثار الدماء العالقة بأطرافه
ثم ارصعه بالمرمر والهذيان
ستأتي "أدو نيزيو" الجميلة في موعدها
لن احدثها عن اللصوص
ولا أشجار البانجو، ولا شاحنات الخنازير
ربما تحدثت اليها حديثا عابرا بخشوع المهزومين
فالأمر لا يعدو..أن يكون حوارا شفافا عن فستان أحمر، ارتدته امرأة بارعة،
وكانت تريد أن تجدف فيه
"أدو ينزيو" هذه الكلبة المتمردة
ستدع حظها العاثر جانبا، وتترك فستانها الأحمر
بينما لم ينل بعد حريته،
ستتركه بهذه النذالة
وتموت.

****

مؤمن سمير
مواليد عام 1975، تخرج في كلية الحقوق، باحث قانوني بوزارة العدل، صدر له:" بورتريه أخير، لكونشرتو العتمة "1998، " هواء جاف يجرح الملامح "2000 ، " غاية النشوة " 2002، " الاحتضار " 2003، " السريّون القدماء" 2003 ، " ممر عميان الحروب " 2005.

إذن ، هي أحاديث بيتنا الذي تحت الشجرة

يا أصدقاء ، تذكرون أننا تحدثنا كثيراً عن الملاك .. الذي وقع في الحجرة ..
أو الذي تشكّل الحائط وراء ظهره بحراً ، أو استعارته البنت وحبسته بين خيوط
سروالها .. الخ . وتذكرون يا إخوان ، كيف تكلمنا عن المقابر ..
يوم بصّت علينا من شُبّاك المحبة ، ويوم ضحكت لنا باسم الذكريات ، ونقرنا
على ظهرها لتصفو سماء الراحلين ... الخ .
وتتفقون أن الوقت مناسب لتزويجهم ، يعني نعجن الأبيض بالأسود
وعين الرب بسهم الشيطان .
الملاك الذي سكن التمثال المجنح ، هو من أطلق النفير في حُفَر القاتل
وأقنعه بدفن حبيبته هنا ، تحت القاعدة الشبيهة بالنور ، وعلى نفس مقاس البهاء .
القاتل نفض مخاوفه وعقله أطلق النفير في قلب الملاك
: ترك الدود ليحميني وساب بعمقي ما يغني لحرارة الأرض ، وبرودتي ..
مهووس ويحمل بلطة
لكنه يملك رقصاً في أصابع كفيه وفكاً يجيد الصيد
وظلاً سيأتي كل مساء ، ليحضن خطوات السكينة ..

عندما كنا شباباً .. كنا نرمي بالأسئلة إلى فوق
ونتسلى بمراقبة الملاك الذي يتدرب على التقاطها
واكتشاف كيف أنه ضيع عمراً بقلب تمثال رعديد
يرفض أن يفك من جناحاته .. شَبَكةً تسد العذاب .
وعندما كنا نُقبّل فتياتنا نسمع الجميلة السفلية تنادي
" لم أصدقه إلا بقبلات مثل هذه ، اهربي .. طيري من هنا يا مجنونة.."
وعندما متنا ، كنا نحب كثيراً شجار المحاربين
الذين تزين جلودهم الدروع
وأكاليل الغار تثبت أحلامهم كي لا تزاحم الطيور
والحفارين الذين تعودوا على جرف الأصوات
كي لا تتلوث مشاعر العاصفة ...
................................................
إذن فلنواصل طريقنا
ونضع نوراً في الأحداق
لنفتحَ سِكَةً للأنين ..
وندب برفق لينزل ملاك
قرب منطاد الهروب ....

تل من الهواء الأصيل

كان الذي علق بذاكرته من الفيلم مشهد التعري ، البلدة كلها خلعت ظلالها
وامتزج الجميع وصاروا أكبر ظل مر من هنا .. ارتعشت أقدامه ويداه طارتا
فوق الرؤوس ووجهه تضاءل ، عندما سألته بعيني بكى وقال تعريت مرة على
سطح بيتنا لأكلم السماء فوقع كلام جارتي على قلبي فخاف ، وتركت الطفلة
ضحكتها في طريقي وأنا أحجل فتعثرت واختفيت داخلي ..
سنين طوالاً وأنا بعيد ...
أحب ساقي لأنها تتآكل كل يوم فتتغير شكلها
وأنا أصير أجمل مع النسيان ..
وأحب قلبي لأنه يطير ويأخذ معه سماءه الغاضبة
وأنا أكون خفيفاً بدون القسوة ..
ثوبي فيه رسمة سمكة ورسمة غراب وتخطيط لصحراء وديعة
أوسعها رويداً رويداً وأشق ملحاً على الجوانب وصمتاً أجعله طيعاً
وأستوثق من مداخل جسدي المنتظرة للمكر ..
المحبة أستار وأردية من الصوف تجرح اللحم وتزرع شجراً يختبأ
فيه القناصة نهاراً وفي المساء يصيرون ثلجاً يسقط على أنف الساحرة
التي ترن ضحكتها في عيون أبي المتجهم ..
لم يعلق في الذاكرة
سوايَ
أنا والخوف ..x`

الماركيز دي ساد

أنا المسجون العظيم
أكثر من ربع قرن والجدران تتهكم وتجري وتضيق
وتطير وتتسع .. لكنها الآن تلهث وتعترف ..
كل الآلام تحملتها ووضعتها في القِدر
حتى طلع قلبها الأسود الرائع
الجوهرة التي كانت تنام في الداخل
لكنها الآن تملأ العيون ..
كل الرعشات والدموع الملتاثة
أحولها إلى أدب مبجل ، كافر ، يصل بالمحبة
لبذورها الحقيقية ، للقسوة
ويصل باللمسة للركلة
وبالقبلة للقتل ...
كل الدواليب أحطم واجهاتها
وأكشفها لتسمو
ولن أحب الله إلا لأنه يعذب أولاده ..
أنا المسجون العبقري
ظهري يؤلمني ، لكن السجان
سيسمع الحقيقة ..
غناءً صافياً ...

****

ميلاد ذكريا
مواليد 1971، تخرج في كلية الآداب قسم الفلسفة، صدر له: " سيد العالم " 1996، " كوارث الفرح ومخاطر السعادة " 2006، وله قيد النشر " لا عنوان له ".

أغنية شعبية من الجنة المفقودة

فتحنا قلوبنا علي أقصي اتساعها
فتحنا عيوننا علي أقصي اتساعها
نزعنا أبوابنا وشبابيكنا
وضعنا أشجارا ووردا وماء
علي عتبات بيوتنا
استأجرنا عازف بيانو
ليغني دوما فوق سطوح منازلنا
وانتظرنا أن يأتي الحب
وضعنا شباكا وخطاطيف حول سور المدينة
لعلنا نصطاد الغرام
حين تقذفه رياح الصيف إلينا
استهلكنا أطناناً من القهوة
كي نبقي ساهرين
لعل الحب يخاف النور
ربما يأتي الحب ليلا فيجدنا نائمين
قتلنا كل النساء
لعل الحب لا تروقه وجوههن
وقلنا : لا بأس
سيأتي الحب بالنساء اللائقات به
تعلمنا تنهيدات العشاق
وتدربنا علي الخجل الذي يليق بالعشاق
وسرنا إلى جوار النيل في ضوء القمر
لعل الحب يهبط علينا
أخبرنا قلوبنا كيف تنبض بصوت عال
وأخبرنا عيوننا كيف تكون النظرة الولهانة
قرأنا الروايات الغرامية
وسمعنا الأغنيات الغرامية
وعرفنا كيف ترتعش أيادينا عندما تلمسها المحبة
وعرفنا كيف نشم رائحة المحبة عندما تأتي
وكيف نضع المحبة علي أطراف ألسنتنا ونذوق عسلها
جلسنا في المقاهي
وحدقنا في كل شيء يمر أمامنا
ربما يعبر الحب متخفيا في ثياب الباعة الجائلين
ربما لا نسمع صوت غنائه بين ضجيج السيارات
ربما لا نرى لون عيونه في زحام كرنفالات الفتارين
كلما رأينا شحاذا منحناه نقودنا
واشترينا المناديل الورقية من كل فتاة صغيرة صادفناها
قد يكون الحب متخفيا بين هؤلاء
أنصتنا جيدا... فربما يأتي الحب في رنين التليفون
ربما يتحدث إلينا الحب من بلاده البعيدة
خفنا علي أنفسنا من قذارة العالم فارتدينا جلالبيب سوداء وأحرقنا جميع ملابسنا الملونة، حتي لا نبدو ملوثين، فيرفض الحب أن يأخذنا في أحضانه
وارتدينا قفازات لنحافظ علي طهارة أيادينا، وارتدينا نظارات من الرصاص، حتي لا نرى إلا المحبة، ووضعنا كمامات علي أنوفنا، حتي لا نشم عطور البشر
وروائح العالم الفاسد، أغلقنا أفواهنا بالصمغ، حتي لا نتحدث إلا للحب
قلنا ربما يخاف الحب من البرد، فأحرقنا نصف الأرض لتكون الحياة دافئة
وقلنا ربما يخاف الحب من الشمس
فصنعنا للدنيا مظلة هائلة
وقلنا ربما يري الحب أعدادنا كبيرة
وربما لا يكفينا، فتقاتلنا بالسكاكين وبالسم وبالنار
ووضعنا المشانق في كل مكان حتي مات نصفنا
أرسلنا مبعوثين للكشف عن المحبة
في أجساد الأولياء والقديسين وفي المناجم القديمة
وأرسلنا غواصين لالتقاطه من قاع البحار
غربلنا تراب الأرض ربما نجد جوهرة المحبة
تهنا بين البشر، سرنا في زحام الموالد منتبهين، وفي عربات المترو
ومدن الملاهي، وحفلات الزفاف، والجنازات، والمراكز التجارية، ودور السينما
ربما يلمسنا الحب مصادفة وسط هذه المهرجانات
سبع سنوات كاملة.. أو يزيد، ونحن نجري وراء طيف الغرام
ولما تعبنا.. وتهرأت أحذيتنا.. ونحلت أجسادنا
صنعنا بحيرة كبيرة من الزجاج المكسور
ووقفنا في وسطها حفاة
بعد أن ربطنا أقدامنا بالجنازير وفتحنا شراييننا حتي نزفنا كل دمائنا
وقلنا إن الحب سيدخل أجسامنا من فتحات الشرايين..
وهكذا..أصبح كل شيء مهيأ لاستقبال الهوى..
فلماذا لم يأت ؟!

السـيد

أنفي لم يشم عطر امرأة تعطرت لي
هوائي لم يلوثه عرق امرأة
وعيني لم تشاهد عين امرأة مكحولة لي
ويدي لم تمس امرأة اشتهت أن أمسها
وفمي لم ينفتح بالكلام لامرأة أمالت أذنها على فمي
وأذني لم تمل لتسمع صوت امرأة تحدثت لي
ووجهي لم يحمر خجلا لامرأة اعترفت بغرامها
وشرفتي لم تطل على شرفة تخفي وراءها امرأة ترمقني خلسة
والميدان والناصية لم يجدا امرأة تنتظرني
وجرسون المقهى لم يقدم شايا لامرأة جاءت قبل موعدنا
ساعتي لم تبطئ في انتظار امرأة
صندوق بريدي لم تخدره رسالة من امرأة
هاتفي لم يدق يوما حاملا صوت امرأة ملهوفة
وقلبي لم تدنسه دقات الهوى
وسلالم بيتي لم تئن تحت دق كعوب امرأة على درجاته
وبيتي لم تطأه امرأة
وقدمي لم تجد بيتا لمحبوبة لكي تطوف حوله
ولم أحلم بامرأة حلمت بي
وصدري لم تستلق عليه امرأة
وكتفي لم تربت عليها امرأة حين كنت أحزن
وسرتي لم تداعبها أصابع امرأة
وظهري لم تخدشه أصابع امرأة ساعة عناق
وسريري لم تخلف فوقه امرأة صرخة أو آهة
ومصباحي لم ينطفئ لامرأة تخجل أن تعانقني في الضوء
ذكرياتي مليئة بنساء ليس بينهن امرأة لي
... وغدا لا يحمل بشائر امرأة
من منكم يدلني على دواء لوحدتي ؟

****

نجاة علي
تخرجت في قسم اللغة العربية 1997، نالت أطروحتها:"المفارقة في قصص يوسف إدريس القصيرة" على درجة الماجستيرمن جامعة القاهرة 2006 ، تُرجمت قصائدها إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والكردية ، وصدر لها " خرافي غايته الثرثرة " 2001، " حائط مشقوق " 2005 ، ولها تحت الطبع " قبور زجاجية ".

ساعي البريد

بدا رومانتيكيًّا هذه المرَّة
- على عكسِ عادتِه معها -
حين اقترب من مقعدِها بود يثيرُ القلقَ
لم يكتشفْ أنها جثةٌ باهتةٌ
تتأملُه – فقط - بعينين شاردتين
بين الشخوصِ التي تتحركُ في العرضِ
- دون جدوى -
وبين خيطِ الدماءِ الذي يسيلُ ببطءٍ
من شريان يدها اليسرى
عابرًا – وحدَه - للعتمةٍ التي تفصلُ
بينهما.
كان مشغولا بأن يُعلِّمها
- بمهارة المحترفين طبعا -
كيف تترجمُ الاستعاراتِ التى تقبعُ حولها
في كل ركنٍ,
كانت تخشاها دومًا
دون أن تعرفَ أنها صارت تشبهُ ببؤسِها ماريو "ساعي البريد"
وأن الجالسَ بجوارِها- هو نفسهُ -
كان استعارةً عن شيءٍ
لا يأتي أبدًا.

ضرورة أن تعرف فرويد ولاكان

كنتُ ألعنهما معًا
في سرِّي
"فرويد ولاكان"
اللذين كلَّمني عنهما
بثقةٍ
هذا الذي أفسدَ
رأسي
بأفكارِه المزعجةِ
حين حدثتُهُ ببلاهةٍ
عن أبي
متجاهلةً عينيه المراوغتين
اللتين تستدرجانني
لبئرٍ عميقٍ
والصيدَ الذي صار
علي بعدِ خطوةٍ
كنت - فقط - أقاوم
يديه
اللتين أحكمتا الحصارَ
جيدًا
حول "جسدي"
جسدي الذي
لا طائلَ من وجودِه
كنتُ أرمِّمُ آخر
ما تبقَّي منه
وأنا أنبشُُُُُُُُُُُُُ حائطَ
البيتِ
- الذي يعلو بقسوةٍ -
بحثاً عن ثقبٍ واحدٍ
أكلِّمُ منه أبي
"أبي الذي في السماء"
انتظرتُه سنينًا
دون فائدةٍ
هاربةً من أشباحه
إلى المقاهي الباردة
في ليالي الشتاءِ
وإلى الباراتِ القديمةِ
التى أجلسُ فيها
مع من يشبهونني
لنقتسمَ الخيبةَ
ونتبادلَ الخسارة.
الطريق إلى طلعت حرب
أظنُّه سيفرحُ الآنَ
حين يراها لا تتعثَّرُ
عندما تبالغُ في الكذب.
ستقول له إن قرينَه أكثرَ براءةً منه
وأن التمزقَ الذى أصابَ ذراعَها اليمنى
كان بفعلِ عربةٍ طائشةٍ
صاحبها كان مخمورًا.
وستمتدحُ
- دون سخرية بالتأكيد-
"التنويريين" نظرةَ أصدقائها للحياة.
وستخبرُه أن الكراهيةَ فضيلةٌ أيضا
وأن الألمَ ليس كلُّه
شرًا،
لذا قاطعتْهُ ستةَ شهورٍ كاملةٍ
كتدريبٍ أوليٍّ على الفقد.
لن يكونَ صعبًا إذن أن تقطعَ الطريقَ
وحدَها
مرةً أخرى إلى "طلعت حرب"
حتى لو فاجأها بوجهِه الشاحبِ فى وسطِ الميدان
سيبدو اسمها أكثرَ إثارةً
حين يناديها
بطريقتِه الرومانتيكيةِ
."يا نجاة"
ستكتفي بأن تبتسمَ له ابتسامةً غامضةً
وتمضي
دون أن تكونَ مأزومةً
من الشوارعِ التى خذلتها
ولا من ظلِّها الذى تراهُ كعدوٍ
يلاحقها. مازال

****

هدى حسين

التمساح الحارس

هناك أحلام تمر ولا تترك أثراً، تماماً كالمعارف من البشر، وهناك أحلام قاسية كخيانة من تحب، لا يمكنك أن تنساها أبداً.. كما أن هناك أحلاما ولودة، منها تخرج هلاوس وخيالات.. لو لم يكن هذا صحيحاً، فما الذي يبرر ظهور أسد أفريقي في مدخل المطبخ. أسد شعر رأسه عبارة عن بتلات زهرة عباد شمس عملاقة، تعرق لونا بنفسجياً، أو تمساحاً متجمدا أمامي بينما أنا جالسة على كنبة الصالة أشاهد التلفزيون، تمساح أخضر بعيون حمراء يتسلل من ركن المطبخ الشمالي الشرقي ليهاجمني، وما أن تقع عيني عليه إلا تغطيه طبقة من الثلج.. أشفق عليه فأمسح على ظهره بيدي حتى تزيل الطبقة الثلجية الجيلاتينية ويحل محلها طبقة زيتيه تساعد جلده على المرونة.. هذا التمساح ردا للجميل بقي يحرس باب شقتي، وبعد زواجي رحل معي إلى شقتي الجديدة، الآن كلما ذهبت إلى مكان أبيت فيه ولو عند أمي، صاحبني ليحرس بابي.. لو لم تكن هناك أحلام ولودة، فمن أين جاء هذا التمساح اللهم من حلم قديم بغابة أعبر تماسيح بركتها كي أصل إلى الطرف الآخر؟ في ذلك الحلم البعيد كنت ولداً طفلاً بخرقة وعصا يشبه تمثال "ديونيزوس طفلا" العاجي الموجود بالمتحف اليوناني الروماني بالأسكندرية. بعد أقل بقليل من عشرين سنة من ذلك الحلم، حلمت أنني غلام صبي أشقر بشعر أسود قصير وخشن، أقف على أرض ترابية جيرية، تبدو وكأنها أرض معركة، وخلفي عشة من القش محكمة الإغلاق على من فيها من أمثالي ( أصحاب الأرض الذين تنكرت في الحلم في شكلهم وزيهم( . هؤلاء الأسرى، كانوا يعانون العذاب والإذلال. نظرت إلى ذاتي الحالمة وقلت وكأنني أنبهها: "نحن في المغرب"، ثم أشعلت كبريتا وبه أحرقت العشة بمن فيها، فور وصول المستعمرين الغلاظ على خيولهم، وألقيت بنفسي على الأرض وكأنما مت أنا أيضاً بين من ماتوا من الأسرى.
فجأة، انتقل الحلم إلى بيتٍ جيري على أحد الطرز المغاربية، أبيض تأكله الرطوبة من شدة القدم والملح الذي ينهشه لقربه من البحر. أطفال كثيرون يجلسون بهمجية وصخب على كراسي من الخوص. وحبيبي ساعتها ( زوجي الحالي) واقف أمامهم يحاول أن يدرّس لهم اللغة الفرنسية. كنت أعلم جيداً في الواقع وفي الحلم أن حبيبي لا يعرف شيئاً مطلقا عن اللغة الفرنسية. في الحلم كنت أقف عن باب الفصل الدراسي المغلق .وأعرف أنني لا يمكنني أن أفتحه إلا لو استعنت بمادتي. كنت أعلم أيضاً أنني في الحلم مجرد صورة لي. لذلك لن يمكنني الدخول إلى الفصل عبرالإمساك بمقبض الباب وفتحه.. حولت نفسي إلى سائل فضي وتسربت كالماء من تحت الباب، وعندما وصلت إلى المكان الذي سأجلس فيه أعدت نفسي إلى الشكل الآدمي لكن على هيئة تلميذة نجيبة تعرف الفرنسية بطلاقة. وبدأت أحاور الأستاذ فيما يقول وأصحح له دون أن أشعره بأي حرج.. كنت متخيلة أنه سيعرفني تحت أي شكل، وأنه سيسعد بوجودي. لكنه بقى يظنني تلميذة، مشاغبة، وطردني من الفصل.. خرجت من الجهة المقابلة للباب حيث كان جدار قد اختفى ليدخلني إلى منطقة مظلمة جداً. وصوت أختي يحكي لي عن رحلة الشمس السفلية. وكيف أن حورس في مركبه السفلي يُحمل على أفعى، وأن هناك ثلاثة ثعابين في انتظاره داخل الماء السفلي ليقلبوا مركبه أو يقضوا عليه. وبينما هي تحكي لي ذلك أرى الأفعى على تاج حورس تصدر أشعة حمراء تشوي الثعابين الأخرى وتحولها تراباً في لحظة. التفتُ بينما أنا جالسة، فوجدتني في بيت طفولتنا أنا وأختي. البيت الذي فيه حلمت أغلب أحلامي وشاهدت أغلب مشاهداتي. أنا أجلس على مقعد وثير قرب الأرض، وهي تجلس على مقعد عالٍ وتميل برأسها فوق رأسي، تحكي لي مستنكره ما حدث بعد أن تركت أرض المعركة إلى الفصل الدراسي. قالت إن الطاغية ملك الغزاة استعبد أميرتهم بعد أن قتل والديها. وبينما أختى تحكي لي، أثناء الحلم، كنت أرى في صورة الحلم المركبة على صوت أختي، موقع المعركة الذي كان في أول الحلم، والطاغية يجلس على كرسيه وسط الأرض الجيرية، بينما الأميرة تحلق له ذقنه، تمشط له شعره، تغسل له قدميه بل وتنظف أنفه. واقفة. وبينما أختي تقول مستنكرة: لا أعلم كيف يمكنها أن تقبل بكل هذا الذل، المفترض أن تغضب وأن تثور. وكلما سألتها لماذا لا تثوري؟ قالت: أصل كلي ثم أصل صِلّي! نظرت إلى وجه أختى ثم نظرت إلى المشهد على يساري، فوجدت أن الغازي المستبد كان يطلب منها كل شيء قد يدعوها لأن تثور لكرامتها، كأنه هو الذي يريدها أن تغضب.. وكأن الغضب سيمكنه منها أكثر أو سيرضي شيئاً في نفسه.. كان في ذلك يشبه أختى، وبالرغم من أن الأميرة المزعومة، كانت هي الغلام الصبي الذي تنكرتُ في هيئته أول الحلم، لكنه قد اضطر للكشف عن شخصيته في نهاية الحلم باعتباره تنكراً لأميرة ما، إلا أن الأميرة لم تكن تشبهني، كانت بيضاء فارعة وسمينة بعض الشيء، بشعر أسود ناعم.. ومع ذلك فقد سمعت جملتها بينما تمشط شعر الغازي وفي رأسها أفكار تخطط لاستعادة الأرض، عندما سمعتها ناقضت أختي: لا يا أختي! كانت تقول: أصل صِلّي ثم أصل كلّي!.. هنا انتهى الحلم فجأة، وفتحت عيني وكأنني لم أنم أبداً
..
خرجت من الحلم متذكرة تماماً هذه الجملة. بحثت عن معنى كلمة صُل، فلم أجد شيئاً. بحثت عن معنى كلمة صِل، برغم أنني كنت متخيلة معناها، "الشخص الذي أصله، أي أتصل به"، بذلك كنت متخيلة أن معنى الجملة:" ينبغي أن أجد من يمكنني التواصل معه حتى أستطيع أن أشعر باكتمالي." ، بحثت. وبدون أن أبحث، مجرد أنني رغبت في البحث إلا والكلمة تتردد في كل مكان، في الراديو وفي التلفزيون وبين أصدقائي.. هكذا صدفة، ويتبرع الجميع لتفسيرها دون أن أطلب.. عرفت أن الصِل هو أفعى سامة مرتبطة في التراث الديني بالقبور، ففهمت ما الذي أتى بمركب حورس في رحلة الشمس السفلية. عرفت أيضا أن الصِل هو سم قاتل على الفور لأفعى ما، يخيل أنها الحية ذات الجرس.
بعد فترة من هذا الحلم، شبه طويلة، قابلت أحد أصدقائي المقربين جداً. وهو شاعر وصوفي متعمق. حكيت له الحلم فابتسم. قال: لا يعني أن الحلم بدأ في المغرب أنك في الحلم كنت في المغرب العربي، لكن تريد ذاتك الحالمة أن تقول لك إن هذا الحلم يبدأ من مغرب الشمس، أي هو رحلة عكسية ولا ينبغي أن تأخذيه كما هو، بل ارقبي عكسه. إنها شفرة تعطيها ذاتك الحالمة لك. ستدخلين حرباً وتنتصرين، وستقفين إلى جوار حبيبك ولن يخذلك، بينما أختك في الحلم تحاول مرتبطة بهذه الرحلة السفلية، إذ أنها بينما تحدثك بدون سبب واضح عن الحية في تاج حورس، تقول لك جملتك بالمقلوب.. من الطبيعي أن ينتهي الحلم عندما تعدلين أنت الجملة. لأنك رددت على ناقص واحد بزائد واحد حتى يتعادل الميزان عند مستوى الصفر.. فتفيقين..
ـ وماذا عن الجملة؟
ـ لا يمكن للإنسان أن يصل إلي شيء بعد أن يصل إلى كله. فالكل هو الله ونحن أجزاء نحتاج لبعضنا البعض. فمن الطبيعي أن يكون الوصول للكل هو نهاية الجملة ونهاية المطاف أيضاً.
ـ وماذا عن الصُل أو الصِل هذا؟
ـ لا شيء يدعى الصُل في الصوفية. لكن هناك الصِل، وهو حيوان، يمكنك أن تعتبريه خرافياً، البعض يعتبره أفعى لها سم قاتل على الفور، وهي أفعى تنظر في وجه الإنسان فإن كان يتبع الحق تركته، وإن كان يتبع الباطل حولته إلى تراب. كما يظهرالصِل أيضا في أمور نادرة على هيئة تمساح بعيون حمراء، وهو تمساح حارس للحق، فإذا نظر إليه إنسان وهو على باطل تفحم، أما إذا كان على حق وصدق، فيحرسه التمساح الصِّل حراسته للحق والصدق طالما الإنسان عليها.
ـ أنا رأيته يا أيمن! كان يريد الفتك بي عندما خرج من باب المطبخ، لكنه الآن حارسي، وبيض صغاره يفقس في ركن المطبخ الشمالي الشرقي...

*****

ياسر الزيات
مواليد 1966 سوهاج، تخرج في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، صدر له ديوان " أحسد الموتى"، 2008، تُنشَر قصائده في الدوريات الأدبية منذ الثمانينيات، كاتب صحفي، نائب رئيس تحرير جريدة " البديل".

على الجسر

غدا تمر على الجسر
موسيقى جنائزية،
ويغسل حفّارون أسنانهم:
إنهم خائفون،
إنهم مبتسمون أو خائفون،
على أكتافهم روائح؛
الروائح الثقيلة الدامعة،
المتحدرة من أماكن أو قلوب،
وفى أيديهم مصاريع.

***

في هذه البيوت المطفأة،
أضع قلبي.
في هذا الليل؛
حيث أتحول،
في هذا السكون
تصبح حياتي شعاعا متقطعا.

***

الموسيقى البعيدة المرتجفة،
التي تعبر أسماكا ميتة،
وتمسح دما على طاولة،
الموسيقى تبتعد وتموت.
سأبقى وحيدا إذن.
وحيد وغائم إلى الأبد.
نهاية بحر
إلى إليوت، وسعدي يوسف، وموتى آخرين:
أين تريدينني أن أكون،
عندما تطلع الشمس غدا،
دامية وزرقاء،
كخطاب ممزق؟
الغاية أن أشياء كثيرة ستنتهي،
وأن موتى كثيرين سينتهون،
وأنني سألقى عقب سيجارة في نهاية بحر،
حيث تنتظر " فتاة أيرلندية"،
تراقب الزجاجات والأحذية الطائرة،
وتبكى على موسيقى أبريل أو براعم مايو.
لا قبور في البار يا " ليللي"،
ولا قبور في البار أو في المنفى يا " سعدي ".
لا قبور ولا منافي تكفى أيها التعساء،
يا وارثي الدماء المعتقة الرخيصة:
الجسر بلا انتهاء،
والأجساد بلا مصير.
خشبة واحدة ستبقى
ليتشبث بها تليفون معطل.
ليس هناك من ينتظر،
على الرصيف هناك:
أوراق متطايرة،
وبقعة دم.

*****

ياسر شعبان

أتابع جسدي

بلا جسد
لا تعنى أبدا بلا خطيئة
تماما ولا تعنى الغياب
الحكاية كلها مجرد وهم
يتيح فرصة نادرة
ليتابع الواحد جسده
بلا مرايا
أستطيع أن أضبط
أصابعى فى ارتعاشة مفاجئة
تنتابها كلما حاولت مسح قطرات عرق عن جبينى
وأستطيع أن أحكم جفونى
على خيالات تفر
هذا التغضن وتلك الهالات السود
حول عينين لم تغمضا
طوال ليال ـ تتابعان آثارا تركتها
أجساد أحباء دائما يفارقون
دائما
تفاجئنا شعرة بيضاء
أو تجعيدة تتضح عندما نضحك
"التجاعيد دائما تتضح عندما نضحك.."
ودائما
تلهو أجسادنا عنا
لا تنتبه لوجودنا
ولا تتشبث بنا
إلا عندما يهددها الغياب..!!
عندما تصبح جثة..
لن تفقد ظلك
لكنك ستفقد الأطياف
التي سكنتك طوال حياتك
وتصبح عاريا فجأة ـ وتماماً
حينها ـ هل سيظهر وجهك الأصلي؟!
وقد تحتفظ ببعض الدفء
بعض الارتجافات
وبعض الرغبة..
وقد يختلط الأمر
على الذين عرفوك
المنهمكين فى إزالة آثارهم عليك
بفيض دموعهم
ـ كأنهم لا يصدقون ـ
لو تعرف ـ لو يستطيعون
لسلخوا جلدك
وتنابوا ارتداءه
لا ـ ليس طقسا بدائيا
ولا رغبة في التطهير
قد يكون محاولة بائسة
للتشبث بزمن لن يعود
وبما تشرب من أرواحهم..
ستصبح جثة ـ بالتأكيد
ولن تفقد
ظلك الذي شاغلت به البنات زمنا
وأرسلته وراءهن حتى أسرتهن
ظلك الذي ملأك بالرضا
لما عانق ظل حبيبتك
رغما عن أبويها
ظلك هذا ستتركه ـ هكذا
محبوسا في تصلبك
وخاويا .. .. خاويا جدا
لحد التداعي على الجدران
والانسياب على الأرض
ظلك
الذي سيتداعى وينساب ويتضاءل
كلما ازداد تصلبك
والذي سيخلص لك أكثر من كل أحبائك
ولن يلجأ لغيرك
هل هو أثر لوجودك الأصلي..؟!!

مريض السرطان

أدرك الآن أن في جسده خلايا تموت
وخلايا تتوحش
هو الآن يأكل بعضه
وينتظر ..
مَنْ قال أن العتمة وحدها مُخيفة
النور قادر على إثارة الرُعب فى القلوب
والنسيان داء الروح
لما تروح للبعيد ولا تعود
سوى بجُرح
خلايا ميتة
وخلايا تموت
....
أدرك الآن أنه وحيد
لم يَكُنْ سوى واحد يتشبث
يظنه مَنْ يراه مُطارداً
يحاول الإفلات مِن أطراف الأصابع
ومِن بصة شاردة
ومِنْ تنهيدة وحدة
إنه وحيد
كان وحيداً
فلا تدفعوا أصابعه
لبرودة الفراغ
ولا تعصروا قلبه
وتملأوا حلقه بالمرارة

****

أحمد السلامي
شاعر من اليمن، صدر له" شعر": حياة بلا باب- عن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، صنعاء 2002م. ارتباك الغريب- عن وزارة الثقافة اليمنية، صنعاء 2004م، دون أن ينتبه لذلك أحد- عن مركز عبادي للدراسات، صنعاء 2006م. " دراسة": الكتابة الجديدة (هوامش نقدية على المشهد الإبداعي التسعيني في اليمن)، مركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء 2003م.مؤسس ورئيس تحرير موقع عناوين ثقافية www.anaweeen.net- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب، واتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، والهيئة التأسيسية للعصبة الدولية للصحفيين الشباب بالمغرب وحركة شعراء العالم- كاتب مشارك بصحيفة الإمارات اليوم- رئيس القسم الثقافي بصحيفة (رأي) وموقع (رأي نيوز) بصنعاء.

شاعر

هاتفك مقطوع .. إذن .. أنت شاعر
مثل "علي الشاهري"
حين يسبح في دم الحاجة والديون
لكنه يكتب قصيدة عن "لينا"
أو يحكي عن تورطه في مصادقة لصوص البنك
وهو الذي ينام حافياً حتى من وطن.
زوجتك غاضبة.. أنت شاعر
مثل علي الشاهري .. لم يتزوج
لكنه يدلل "كلوديا شيفر"
يبتسم لنساء الفضائيات
ويقترح عليهن الصداقة.
أنت شاعر ..
إذن أنت مثله تماماً
تُربِّي لقصيدتك طفلة فقيرة
تُهَيِّئ شفاهها للقبلة
تُعلِّمُ نهديها جُرأة النفور
تعدها بأسنان جديدة لأصابعك
وترشي حضورها ببرتقالتين
وبقصيدة مُستقبلية عن دفء العناق
وشبق البوسة الطويلة.
أنت أيضًا مثله
تُعَرِّضُ نفسك- دون أن تقصد- لحوادثِ السيرِ
كأن تقف وسط الشارع
تُفكرُ في حدود الكون لبرهةٍ
ثم تقفز في اللحظة الحرجة إلى الرصيفِ
وتبدأ بالحديث عن محاولة فاشلة لصَهرِكَ بالإسفلت.
أنت مثله حين تسافر مع خيال امرأة
وتحجز لها غرفة في الفندق
حين ترثي "بوذا"
حين تبحث عن قبور الشعراء
حين تكتشف عرسًا في السماء
حين ( يبكي قلبك إذا مازحته عيون النساء)
وحين تموت وفي رأسك قصيدة
لن يكتبها أحد.

بديل

الحب القديم الذي في المدرسة
للبنت الوحيدة في الفصل
الحب الجماعي
المظاهرةُ المكتومةُ من أجلكِ
تفرقت بهدوء
رُحنا نُحب أصدقاءنا
الذين نجرؤ على مخاطبتهم
وبالذات
صديقنَا الوسيمَ
الذي اكتشفنا بالصدفة
أننا جميعاً نُحبهُ
ومن أجله نكتب قصائد الغزل
في حاجبيه وابتسامته
وفي عجزنا عن الكلام مع البنت الوحيدة في الفصل
البنت التي حوّلتنا إلى عشاقٍ
لياقةِ الولد الوسيم.
خطأ في العنوان
أحياناً
يفشلُ القدر
في توصيل الأحلام إلى أصحابها،
أحياناً
تعجبنا العصافير التي على الشجرة
لهذا السبب
لا يغرد العصفور الذي بين أيدينا.

إحساس

أشم عطر زهرة خفية
فأعرف أنّكَ في البيت
وأنك تبتسم لنفسك،
دائماً ينبت ورد في الفراغ الذي تحدق إليه.

***

تمويه
نتسلَّى بالكلام
أحياناً بالصمت
نُموِّه رغبتنا بالبقاء معاً.

*****

ادريس علوش
شاعر من المغرب، عضو اتحاد كتاب المغرب واتحاد كتاب الإنترنيت العرب، وكتاب بلا حدود. سفير الشعر المغربي بـ " حركة شعراء العالم" في التشيلي، يعد برنامج " ثقافة مغربية" في إذاعة " كاب راديو". صدر له: الطفل البحري- البيضاء، دار قرطبة 1990. دفتر الموتى- البيضاء، دار قرطبة 1998. مرثية حذاء- فاس- منشورات انفوبرانت 2007. فارس الشهداء- القنيطرة، دار الحرف 2007. قفازات بدائية – دمشق، دار التكوين 2008. الطفل البحري ثانية – دمشق، دار كنعان 2008. قميص الأشلاء – الرباط، منشورات اتحاد كتاب المغرب 2008. مختارات الشعر المغربي سلسلة " كتاب في جريدة" العدد112، الأربعاء 5 دجنبر 2007. ملف عن الشعر المغربي، مجلة " الشعر" المصرية، عدد 128 شتاء، 2008. أصدر عددين من مجلة " مرافئ" المعنية بالشعر: 98/1999.

الطفل البحري ثانية

إلى أبنائي إياد وأسعد

(1)

كبر الطفل، ودون أن يأبه لأشرعة الريح، انساقَ نحو مطلق
يعاتب الأنحاءَ.. الأمكنةَ، الأزقةَ والترابَ وما تبقى من حواشي مدينةٍ كانت مرتعًا للروح.. والرشح.. للحلم والسراب،
كانت كتابًا مفتوحًا تدلَّى من تفاصيل العمر،
ومن لحن أغنية جذّابة
لكن.. حثني السؤال.. مرة:
- أين المدينة الآن من متخيل الطفل الكُنتُهُ؟
بعد أن حل بها خفّاش الغرابة الشبيه بمكر ظله...
صارت ترعةَ وهمٍ ذابل لا يعرف ما الأحلام،
صارت استعارة تسكن بطاقة البريد..
بلا معنى صارت المدينةُ
وبلا روح انفلتت من صرير الباب
شاهدة من الزليج يأباها النسيان..

(2)

كبر الطفل،
لم ينسَ أبدًا واحة " حليمة" وأدراجِها ماء الفضة
ما تحتها كان أبلغ من صفاء الورد يحاكي حبة التوت
في حديقة مبهمة حليمة لم تكن سوى قطة
- تذكر بانتشاء- أطفأت شمعة الشغف
وأهدت الطفل لمرّاتٍ وردتها
ودفترًا مفتوحًا على تمارين اللذة
مرة...راحت تستجمع ساقيها حتى لا يدركها الخدش
مسرعة نهضت تهمس له: فقط نقط الورد.
وشحت تنور الحصن لتقرب( المسافات بيننا)..

(3)

كبر الطفل
كان النهر مفعمًا بالكلمات يوم نط في فوهة ماء
يباغت عشب الطين بعيدًا عن الجسر
قريبًا من البرزخ- ربما-
قريبًا من الموت- تماما-
لولا النبض النابع من شغب الروح
لما كبر الطفل وظل مثل مجداف صغير
يرثي جير الشاهدة.

(4)

كبر الطفل
مَر الزمان به كحافلة وبمنعرجات رحلت طفولتُه
إلى دولاب القلب،
لم يبق من فوضاه- تذكّر الطفل-
عدا علبة بيضاء وأسرار الشغب المشتهى
وفراشات تحط فوق الدالية
والكأس الأولى في الحان " شهرزاد"
وعانة امرأة توشحها حبات الكرز
وزغب بهيج يوقد فواصل النشوة.

(5)

كبر الطفل
كلما تصفح الحروف الأولى من مقدمة " الرأس مال"
دس وردة حمراء في لحية " كارل ماركس"، ومضى إلى الساحة يبحث عن وقع للنشيد الأممي، وعن خطّاف للحديد،
غبار القصيدة.

(6)

يبارك زواج المنجل والمطرقة
في علبة الليل وأستار النهار.

(7)

كبر الطفل، استعار فروَ دُبٍّ يهادن، مكعبات الثلج، وقفازات تلمّع الملح، وتخفي سحنة وجهه في مهب الهواء
أدمن الإنصات على حفيف الورق حيث الخريف سيد الفصول، متكئ على آلة الرقن
يمحي كبر الطفل،
ترك سيرة الأسنان على حافة برميل النبيذ،
وصناديق كحول مهربة تأتي من المدن المحتلة،
منذ 1415م ظلت فكرة التحرير تنهش رأسه
ويافطة الثورة تركها متعمدًا
عند الباب الخلفي
لـ" حان البريد".

(8)

كبر الطفل، حملق فيه الفياد ( ذكر البوم) في دهشة
تكتم عن السر- هكذا- ولم يروهِ سوى للقصيدة،
كان يعلم ( أن السباحة ضد التيار) ستدمي أقدامه قبل أن يصل إلى حيث هو الآن ملقى على نفس سرير
ليلة الدخلة تلك.

(9)

كبر الطفل
وقبل الأربعين بقليل سقط مكوما في السلم الخامس
كاتبا مياوما، لوزارة تعنى بشؤون الثقافة وسلاحف الآثار، والأعمال الكاملة لعرّاب القصة القصيرة إدريس الخوري.

(10)

ياه ...
كم كبر الطفل .... .... ....
كم ... ... ...
كبر .... ...
حسن باقر عبد الرب (*)
الحالم بـ" طيقان" بحر أصيل "خلف كل زاوية يتحول العالم إلى سر يصل حد البحر كي يحجب كلماته بالرمل و الذكريات..."

****

حسين جلعاد
شاعر من الأردن

عربات ملكيّة

عرباته تلمع بالهيبة، والعباءات مقصّبة بذهب الحجاز
كنا نلثم الأرض بين يديه على عجل
... ونتوارى؛
كي لا يطيل الأعوانُ وصفَ رائحة الأكباش في ظفائرنا
ونعلل الخشوع بقمرٍ هبط الشّام من ثنيّات الوداع.

كنّا قساةً مع النّسوة والأطفال،
والخيل لم تسلم من تجهّمنا
لم نشعل ناراً ...
ولم نغتسل ألف عام،
حتى ضحك الأميرُ أخيراً بملء شدقيه
ونام في معسكرات الإنجليز!!.

قمر نيويورك وعيون الغرقى
الغرقى لا يعودون


.. والآن ماذا!
الأيدي عاطلة عن الأمنيات. الطريق ذاته سأمشيه اليّ، حين لا تنبت الرسائل على شجر العيد. الرجل العجوز بلحيته البيضاء كف عن الطيران. لم تعد حكاية المدخنة تجلب الحظ السعيد بعد أن مات فيها كلب الجيران. الطريق الى السماء مغلقة بالسخام والجثث الباردة.

تحدثنا بالأمر قبل عشر سنوات وسوف نفعل بعد عشر أخرى أو بعد ألف عام، وما زلتَ ترمي نرد الكلام: (أيها الضّال عُد! .. سأرعى حصانكَ الخشبي ودفتر الرسم، وسوف أخفي الشيبَ كي لا تعرفَ كم كبرتَ يا بني، فعد).

الغرقى لا يعودون يا أبتي، لا تعود سوى قمصانهم؛ فتُعَلّق قرب صورة الجدّ في صدر البيت. الأمهات فقط ما يجعل البحّارة يُنشِدون للأرض القديمة، أما المدائن فليست تُحمَل في جواز السفر. وإلا كيف تظن أن عيوننا تصبح محض كرات زجاجية إذن، فلا تدمع من حب ولا ترمش من خوف. القلوب رواية أخرى عن الصّوان. ألستُ ابنكَ البار يا أبتي!

سكّر قليل

هل تلمسين قمر نيويورك من الطابق العاشر!
انا ما زلتُ أغرف الماء بكفي، أبحث في النهر عن عيون أصدقائي
وأغفل عن الرسائل التي فاض حبرها وهي تسقط من جيبي العلوي.

فزتُ بما تركه الدُبّ من عسل الغابة، تقولين، فصرتُ أنام في الضوء دون أحلام. لم تعد يدي دونكَ تعبأ بالتلويح والرسائل. صرتُ لا أتوقع أحداً في الزحام فلا أرفع ناظري إذا سرتُ، وأعرف الوجوه من رائحة الشوارع والذكريات. كأننا نعتاد العالم حين نمرّ أمام المرآة ولا نلحظ أرواحنا وهي تذوي في الممرّات.

صحيح.
لم تعد رُكَبُنا ترجف من مرور الضوء على صفحة الظهر العاري، صرنا نرتبك أمام الدرج.
الاشجار التي تسلقناها خلسة في الصغر سافرتْ الى الغابات بعد أن تهدّلتْ أيدينا، والاعشاش تحتضن حصى لا تلمع أو حتى تسقط، فيضحك من حولنا الهواء.

المدن الكبرى خديعة الاحلام، تقولين، فاحذر أفراحكَ الصغيرة. تأكد من جروحكَ، فالاقمار هنا باردة. ولا تذهبْ كل ذلك الذهاب. اليست عتبات البيت أبهج من الرقص مع الغرباء. فاشرب قهوتي بسكّركَ القليل كما اعتدنا، أو ضع رأسكَ على ركبتي كل مساء كي أتنفّس وجهك.
هنا لن تجد سجادة صغيرة تخفي تحتها مفتاح الجنة، أو باباً تكتب على إطاره: أحبّكِ مرتين.

أجل.
صورنا القديمة ليست لأحد، فنحن لم نعد في الإطار، ولن ننمو مجدداً اذا مسحتْ يدٌ ترابَ الرّدم عن ضحكتنا الغائرة. النهر يجري الى فيضانه، والأرض قمر مؤنث في أصل الحكاية، لكننا نقفز كل يوم من العالم ولا نتكرر مرتين.

سعيدون بما لا يُرى، تقولين، بانخطافنا الى آخر الدنيا. لكننا لن نصل الى أنفسنا في المرايا أخيرا، كأننا نقيس بعد الخطوتين. أمامنا أمسنا وخلفنا بكاء الطفل في المستقبل الغارب. مرة واحدة فقط نمرّ بالحقيقة؛ فنبكي في الولادة بيد تصفعنا كي نتنفس. الأرض واسعة: مرحبا بالحياة.

لم أولد في السرير ذاته بعد مقتل أخيل؛ لأخشى الكمال وأصقل سيفي كل يوم مرتين. لي قميص واحد أخلعه قبل النوم، وأنساه بعد الحب معلقا على سرير الحبيبة، فيلعنني الخطباء في الأسواق، وتشهق من خلف الشبابيك نساء لأجل فتى جنّ قبل الأوان.

الأغنية أخف من مناديل العرس، تقولين، والأضواء في صالة العرض كفيلة بإنهاء الفيلم، قف واصرخ باسمكَ لتكون بطل الحكاية، واخرج متوجّاً بالدخان. اليست أسماؤنا فقط ما يدوم من اللحن، ولا يكترث أحد بعدنا بالنهايات.

النوافذ استعارة البيوت للسماء، والضوء كسرة الخبز كي تحط أرواحنا خارج عتمتها. لا اذكر الحب مرتين، فأنا أخطئ في العد بعد الالف، وأحمل الباب معي كلما رحلتُ؛ كي أدخل إليّ. لا جغرافيا خارج أكتافي، والمفاتيح خدعة الأساطير، كي لا ننام مطمئنين.

تعبثُ كثيرا، تقولين، فقد جرّحتْكَ المرايا أنتَ أيضا، وتضحكين: الأسرار لا تقال، فكيف تسرد سفر التكوين مثل قصص النوم او ذكرى قديمة. لم تكن بين آدم ونفسه لتعرف البكاء بين يديّ، ولم أكن في ثوب الأفعى لأذوق الغواية وأهيم كل قمر قرب البحر بعينين حمراوتين. رسائلكَ الأولى قلبي الذي نسيتُه في اللغة القديمة، وأعرف الحبّ من ذكرى أزرار قميصكَ تضكّ زغبي على عجل في المصاعد ومقاعد الحدائق والركض بين المحطات.

الأسرار تقال كل يوم لكننا لا نسمعها، فمن يراكِ في القلب سواي، وألف يد تلوح قربكِ في النهار. العالم شأن شخصي إذن لو تريدين، والنشيد باليد يهز ظلال النفس، ويلقي بالجنى للجنى؛ كي تنبت القدمان في نشيد جديد.

لا أذكر روحي تطفو على ماء السماء، تقولين، وأكتفي بجناحين ينبتان اذا احتضنتكَ، ويضمران إذا غضبتُ وصفقتُ الباب خلفك. فاترك لي في الهامش حرفين لتعرف أني أحبكَ حين أحبك. ولا تلطم جبينكَ أمامي كلما تأخرتَ وتسحب الأعذار خلفك. يداكَ هما يداك، ولي قبلكَ قبلٌ، ولي نية بعدك. ولي أنكَ تطالع العالم بعينين، وتطلّ عليّ بقلبك. فاذهب بخفة المجانين خلف انبيائكَ، ولا تكسر مهابتهم؛ فتصرخَ باسمي كلما اشتقتَ أن تقبلّني. أو: مرّ بي كي تعود الى سمائكَ وارتبكْ ما شئتَ خارج القداسة، فلن يراكَ أحدٌ سواي. تعالَ فأعطيكَ كل أسراري في حقيبة اليد الصغيرة. أتَذْكُر!

مشية حافية

القميص يرتديكِ. يا لحظّه!
الأزرار المفكوكة دعوة الى الحب. واليد المغناج، التي تردّين
بها خصلات الشّعر الى الخلف بلا سبب،ثرثرة زائدة.
دعينا نترك "طوق الحمامة" جانباً، ضعيه قرب سلّة المهملات، والحقي بدمي الى الألفة والأُلاّف.
سأختار عمّا قليل واحداً من الكتب السماوية لأنام فيه، لن يشغلني الأمر كثيراً، فقد أرمي النرد؛
لأختار طريقي الى جهنم، أليسوا هم جميعا في النهاية كلماء الله. ما يشغلني الآن فقط هو أن أبدأ النهار
بالتنفس من شفتيكِ على مهل، كأنّي أعيش الى الأبد.
المشية الحافية دعوة أخرى للحب
تداعبُ الذئبَ في نصف اغماضته، فيعوي في المنام، ويصحو بقامة إنسان.
هفيف الحرير يختلط برائحة القهوة، فتصحو اليدان على اليدين ويسري الدبيب في الأقحوان.
نهار رائق كالحليب، يسخن الدم قبيل أوان القطف، وتختلط الرغبة بالفرو.
يقضم القلب تفاحته وينهض. القُبلة فاتحة. والقُبلة خاتم الحب.

الظهيرة للتبطّل

أمُرّ باصبعي على بطنكِ وأنعس مثل قط منزلي. أحللّ مساقط الضوء على كتفيك، وأنت مشغولة بكتاب جانبي. أقيس الكحل ولا أجد المرآة، أحار أين تضعين أحمر الشفاه. أبحث في حقيبتكِ الصغيرة، فألمس المفاتيح. أرميها لأثير انتباهكِ:
- صاح!!. تقولين. ولا تأبهين الى ردي.
أفكر بنشوة تستيقظ في ضوء العتمة، فيموء الكسل. أنهض الى النافذة. أفكر بطريق مختصر أسلكه في درب المجرات. أفكر في قانون الجاذبية. وأسأل عن كمنجة أينشتاين: لو عاش الآن ارخميدس فأين سيجدُ أحمر الشفاه؟!
ترفعين ناظريكِ عن الكتاب.. وتضحكين!

الرغبة ابنة الليل
كأننا نخشى العماء الأول، فنتقي بأكتافنا ما خسرناه في السماء. نتعانق متعاكسين،
كلّ في اتجاه، كي نعود فينا الى ما لا يعود.
الجسد أكبر من الأرض، وأضيق من ثقب الإبرة. ولهذا نصرخ مرتين: في الولادة
وفي اشتباك اليدين.

ندري أنّكَ هناك، بانتظار هتافنا لنُقِرّ لكَ بالمعجزة.
لكننا ننقلبُ على ظهورنا، نلهثُ ضاحكين ونسأل: كم نجمة جديدة أضأنا!
السنوات الضوئية لن تقودنا إليكَ، لأنكَ تخبو على مهل، كلما اشتعلنا من جديد

****

عزيز ازغاي
مواليد 4 نونبر 1965 الدار البيضاء، شاعر وفنان تشكيلي مغربي. حاصل على الإجازة في التاريخ القديم، وماجستير في الأدب العام والنقد المقارن، يهيئ دكتوراه في الفنون التشكيلية. صدر له:" لا أحد في النافذة " منشورات إفريقيا الشرق، الدار البيضاء 1998، " كؤوس لا تشبه الهندسة " منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط 2002، " رصاص الموناليزا يليه أكبر من قميص " مجموعتان– منشورات دار النهضة، بيروت 2009. له تحت الطبع:" الذين لا تحبهم " شعر، " الخوري " سيرة حياة الكاتب المغربي إدريس الخوري، " الثقافة والصناعات الثقافية في المغرب: صناعة الكتاب أنموذجا " دراسة. شارك في العديد من الملتقيات الشعرية عربيا ودوليا، كما أقام عدة معارض تشكيلية داخل المغرب وفي أوربا. ترجمت مجموعة قصائده إلى اللغات: الفرنسية، الإسبانية، الإنجليزية، الألمانية والهولندية.

ضحك في ممر

تأكد من أن الباب مغلق
والنوافذ
والغاز،
وأنك آخر من يمنع الليل من النوم..
ثم لا تفكر في الغرباء،
لكل سريره في العتمة
وله أيضا ملائكة تتعب.
تأكد فقط من الهيكل
وابدأ كآدم،
إنها أرجوحتك الأخيرة
في نزل بارد:
بضع أمتار من الأصباغ
وكلمات لا يفهمها أحد،
مجرد تختر في شريان نادم
يلزمك مصاحبته
إلى نهاية التجربة،
وسيكون الأمر لذيذا
لو تفشل!
الحكمة دائما في التعب،
في حنكة المقصات
وهي تخلص الجسارة من النضج!
أنت وحدك من يسمع الضحك
في ممر آخر.
تأكد فقط من الأطراف
ثم لا تتقدم.

يدك والصحراء

افرد يديك،
لأدلك على ساحة الحرب،
ثم لا تفش سر الطالع
لقتلتك الطيبين.
ابق كما أنت
مروض أفاع وكلاب،
ليس في نيتك أن تقتل أحدا،
لأنك ورثت الألم
الذي ينجب الأعياد.
أصابعك المرتجفة في الثلج
ليست سوى علامات
لاختبار الأموات،
ربما كانت صلبانا
تركها جنود سكارى
موضع التذكرات الطيبة،
وهم يغادرون جثث قتلاهم
بعيون مؤمنة.
الخطوط التي تتقاطع مثل مصائر العميان
هي آثار لمس
أخطأ حقول القطن.
لذلك، كلما لوحت لجسد
أصبته بالقذائف.
مجرد تذكر الأخطاء
تستيقظ الصور في آبار يديك،
حتى إنك تصبح حقل ألغام
في حرب بلا مقابل.
تلك كانت حياتك قبل الثلاثين،
حين سلمت بوصلتك
إلى الجبهة الخطأ.

الذين لا تحبهم

منذ متى وأنت تنتظرهم
على نواصي الغابات، طيعا
ودودا ككلب بلا أسنان؟
كنت تبدو مثل قرصان تجاسر عليه الصدأ
وصار كل ما يفعله ينساه على اليابسة..
الأوشام، العضلات
وناب الفضة..
كلها من الماضي،
مجرد تذكر تتعتعه الكاسات.
حيلتك في استدراج الجمال
كانت ارتماءة باهظة
في بضاعة لا تؤكل،
ارتجاجا يغطي الهدوء الذي يكذب.
هل تذكرت الآن رغوتهم
في الأوداج،
والجمل المشفرة
تحت اللسان،
والغزل الذي يشبه
نشيد قاطع الأشجار؟
هل تذكرت الأصابع
وهي تنزل في الطيبوبة
مثلما يضحك سكين بلا ندم؟
وهل تذكرت الأنفاس،
كلما رميت حجرا في الغيم
نسيت كم هي قليلة
كل هذه الرئات؟
أنا رأيت ذلك
ولم أنس،
حين كنت تنتظرهم على النواصي،
أصدقاؤك الرائعون
الذين لا تحبهم !

****

علي المقري
شاعر من اليمن، صدر له:(نافذة للجسد)، مكتبة الشعب، القاهرة 1987م.(ترميمات)، الهيئة العامة للكتاب (وزارة الثقافة)، ط1صنعاء 1999. (يحدث في النسيان)، اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، ومركز عبادي- صنعاء 2003.

يحدث في النسيان

جثة النصر
يهتكونَ النِّسيان
بحثوا عنه في الهيْبَةِ,
صرخ أقلَّ من رصاصةٍ:
- أنا لستُ قميصَ الشَّعبِ,
أو حذاءَ الدولةِ.
لكنهم تحدَّثوا عن تفاصيله,
كأنَّهُ جُثّةُ النّصر
كأنَّه ليس هو
كأنَّه كانهم
كأنَّه كان
نسينا الكلام
جئنا على حربٍ, في ليلٍ يتراكمُ فوق بعضه الذي هو نحنُ.
قَطَعْنَا الإسفلتَ, ومضينا في طريق سيَّل خطواتنا إلى جهات تسْطعُ بالعتمة وهي تحترق بحطب الأوهام وزيت العادة.
نمشي حيثُ لا نمشي
كأنَّنا عرفنا الحربَ أوَّ لَ مرةٍ
أو عُدْنا من موتٍ توغَّلَ في أصواتنا
نحن الذين كُنَّا قد نسِينا الكلام
نتحدث بصمتِ صافرٍ (*)
كي لا نُتَّهَمَ بالصَّمْت أو بالكلام.
.....................

صرتُ أشبه الذي هو أنا

أنا الذي هو كنتُ في المرآة
لم أكن أنا الذي كنتُ هو خارجها.
استسلمتُ للمرآة,
أنا الذي هو في خارجها
هو الذي أنا في داخلها.
صرتُ أشبه الذي هو أنا.

20/8/2002.

***

أنامُ بدون عُكَّاز
أنامُ في النَّهارِ
أصحو في الليلِ
أنام في الصَّحو
أصحو في النوم
هكذا, أكسِرُ الأزمنة من عَضُدِها
أكسر حاجتكَ إليَّ,
حاجتي إليكَ,
لنبلك العالي,
وانضباطكَ الرفيع
أكسر النهار من ساقه
وأنام بدون عكَّاز الغد.

21/1/2002.

تدليك

أحتاج إليكِ بشكل مؤقت
يمكن أن تُسمِّيه حُباً أو عِشقاً أو جنوناً
ما أحتاجه ليس عناقاً
أو قبلةً عابرة
لكنَّهُ ،أيضا، ليس دواما طوال الَّليلِ
لساعة واحدة فقط
أريد أن أعرِّيكِ تماما
ثم آخذكِ إلى الحمّام وأدلكُ جسمكِ بالصابون وتدلِكينني
حتى يسهل الدخول إليكِ والخروج مِنِّي
بعدها تقفين عاريةً تنشِّفينَ جسمكِ بالمنشفة التي أُقدِّمها للناس الذين لا أهتمُّ بهم كثيرا
وتذهبين بدون وداع.

4/9/2002

يحدث في الذكرى

في برلين كنيسةٌ، قَصَفَتْها الحربُ، للذكرى
متحفٌ، يؤرّخُ العلاقاتِ الجنسيَّةَ، للذكرى
بقايا جدارٍ وبوّابةِ وحدةٍ للذكرى
برلمان، تحت قبَّةِ الكلامِ،للذكرى
كلامٌ صاخبٌ،في ليالٍ عابرةٍ، للذكرى
نازيَُّون ورجالُ حروبٍ ودِبَبةٌ للذكرى
عراةٌ ومسالمونَ ومهرجاناتٌ للذكرى
أطفالٌ يولَدُون للذكرى
أناسٌ يعيشونَ للذكرى
ما يحدُثُ في بِرلين
يحدُثُ في الذكرى

برلين 30/11/2002

****

محمد خضر
شاعر من السعودية

الأنثى

قالت الأم لطفلتها :
يا بنتي أحذري أن تعدي النجوم كي لا يصاب وجهك
بالاثلول أو البقع !
هزتّ البنت رأسها
-حاضر يا ماما
قالت الأم لطفلتها
يا بنتي
أحذري أن تقذفي أسنانك المتساقطة
لصندوق القمامة
اقذفيه لشمس الله الندية
واشرعي بالأمنيات !
قالت البنت : حاضر يا ماما
قالت الأم :
يا بنتي
إياك أن تتركي قلبك
مثل بحيرة أزهار
ملقاة في الطريق

قالت البنت :
آسفة يا ماما

المُتحوّل

لأنه مصاب بالوحدة..
والشيزوفرينيا المستعصية مثل جبل..
مصاب بمشاهدة قناة (فوكس(..
وتقليد عمر الشريف في خطواته نحو حبيبته!..
يقرأ صحيفة واحدة تهتم بكرة القدم..
ويكتب أحياناً مذكرات صغيرة بعمق حبة كرز..
يلتقي الأصدقاء..
مرة بلحية طويلة كلحية كاسترو..
ومرة بلا شوارب ويبدو منظره غاية في الظرافة..
ولأنه آمن مؤخراً بجدوى أن يكون خليطاً من الأفكار..
أصبح يرتدي الجينز.. ويغني لإلتون جون..
لكنه بالكاد يترجم Delete و Help
لأنهما المفردتان اللتان تجعلانه وحيداً وصامتاً كقديس

كأننا لم نكبر يوماً

الشيخ ُ الذي يقلنا للمدرسةِ
منذ صغرنا إلى اليوم
أصيب بالسل !
وراحوا يغطونه بــ 18 بطانية
بحيث لا يظهر إلا أنفهُ
كانَ صادقاً وهو يخبرنا
أن الموت قادمٌ ..
بأية طريقةٍ
كلما توسلنا إليه ..
أن يخفف من حاسة الكوابح
....
كان صادقاً أيضاً في رحيلهِ
حينما أخبرنا آخر مرةٍ
أنه لم يعد قادراً
على تمييز يوم الإجازة
من غيرهِ ..!

لذا ..
لم نره مجدداً ..

****

محمد الصالحي
شاعر و ناقد من المغرب

تلصص

أن تتلصص على ذاتك
فى غفلة من الإدراج
أن ترى الشهوة
من نفس الثقب الذى
تراك منه
أن
تكتب شعراً.
عناد
إن كنت حريصاً
أيها السهو
على عدم تذكيرى
فأنا
حريص قبلك
على النسيان
اكتشاف
لم أغادر غرفتى
طوال هذا الشهر
القمرى
إذا اكتشفت
امرأة
بثياب النوم
فى النافذة
المقابلة.
افتراش
عجباً
يوقظونك من نومهم
ليفترشوا
أحلامك.
أنت
أنت
هززت شجرة
فى المستقبل
فسقطت ثمار
فى الماضى
صعب
حتى
على
السحرة
عجب
عجباً
كيف أسير الآن
وأنا
واقف
منذ صباى
فى صورة
العائلة.
زهو
الصباح المزهو بنفسه
لأجلى يتزين
ثم
يوقظنى.

****

محي الدين بن جرمة
شاعر من اليمن، مواليد 21 / 11 / من نوفمبر 1973 م. دبلوم فني/مهني بإشراف الهيئة الوطنية العامة للحفاظ على المدن التاريخية – صنعاء .شاعر عصامي و كاتب صحفي وناشط مستقل في الشأن الثقافي المدني والإنساني والدفاع عن الحريات والحقوق. أسس مع كوكبة من الأدباء في مطلع التسعينيات " جماعة الغد " الأدبية . عمل سكرتيرا لصحيفة " الكشكول " الأدبية 1992م، مشرفا ثقافيا بصحيفة " الوحدة " في الفترة ما بين 93- 94م، عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين حتى الفترة 2005، حاليا عضو ( اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين سابقا ) " :

أصغي كثلج ٍقبل أن يذوب

في صحراء النوم
القاحل من الأحلام
أراكِ بظهر مطعُونٍ :
بنظرة الملايين المكبوتة للوراء.
بكلمات كلماتي أراكِ
وأشرب عذوبة صمتك المسموعة
أصمت اخضراراً
ولشدّة فقدي أكاد أخلقكِ
ولستِ بعيدة
أراكِ تنفُساً
أدغدغني وأعجز أن أضحك
( أدغدغ ريح ظلال أحلامك )
فينهض ماءٌ في يدي
بحجم الحياة
وتسمعينني بماء شَعركِ النهريّ
فأتسع صمتاً بكِ
في تراب الريح
وربيع الأزهار الشاهقة
في سقوط ورقة خرُافة

إقترنت قصيدة هو مير بالملحمة
منذ ما قبل ميديا يو ريبيد يس
أما ملحمة الشرق اليوم
فصارت تعني:
مكان الذبح
غير أن شفّاف صدركِ
أستوديوه طبيعةٍ مفتوحٍ
لم يكتشفه بعد:
لا أحد.

*******

صدرُكِ الذي لا يقبل الشرح
يتّسع لجهات كثيرة
وسمواتٍ أخرى لم أكتشف لونها بعد

أعيشكِ
عشقاً رفيعاً
كخيط ماءٍ - لا أظمأ بعده ..... –

أعاني كثيراً
من فرط المعنى
ووهم الالتئام

أحيا بحياة نظرتكِ
تكسر زجاج المسافة
وتدلق نعاس الماء المشتجر
مع فراسِكِ الحلم

وبشهي قُبلِكِِ الشهيّ
كمشمش الضوء بصيف بارد
أحيا بخيال خيالكِ المعصُور
كشَمّامٍ حلو
بلا سُُكّر في الدم

أحيا بحياة حبّكِ العصافيرية
أرتني يداكِ عروق ماء الضوء
لحظة مداهمة حلم
في نأمةِ يمام

القصيدة: شاعري المُفضّل.
وأنت القصيدة التي أعشق
بلا غزو
أو غزلٍ.

بحياتكِ
ُأمِيتُ حياة الموت
وُأقطِرُ عسل هواءٍ بلا حدود

بفرشاة مائكِ الذي يروي الماء
أحطّ على ريش نومكِ الهادىء
كمحيطٍ
خارج المحيط.

في زرقة عينيكِ السوداوين
أعلو كبرق أشرعة خفيفة
وأغفو
على ذهب أجنحة الفَراش.
بحرير سمائكِ أدفأ
يبلّلني كريستالُ ضوئك
ويتلفّعني بردٌ :
فارّاً من قسوة ِصفاتِهِ.

لا شفاهية أنتِ
ولا مُرتجَلة في فم ٍ
يُطبق بثرثرته على عابرين
ويوصد الفضاء
ونوافذ منفوخة كخشب البالون

أكتبكِ لا لأكذب
لا... ِلأكونَ صادِقاً

ِلأصغي إلى حنو حنجرتكِ إذ تصمتين
لورد شجركِ الناعس في يقظته
ِلأعلن مروري في حقيبة الماء
التي تحملين

في حيرةِ صمتك المطلول
في إناء زهر إناءٍ يبتسم
كطينة ريح مغسولةً بالمشاع
والقُبلِ النظيفةِ

أصمتُ
ولا أتشابه.

كطفل عينيك في استعارة المرايا.

أراني في نهدِ تنهُداتِكِ
أصلّي في ضلالكِ
وأسيرُ في ظِلالِكِ البعيدة
والأقربُ مما:
أتصوّري/ ن.

لشجر مُعطّر بخفّتِكِ
أسافِر

ألمِسُ حواف الريح في وريدكِ
وأصغي كثلج:
قبل أن يذوب.

أنفض غباراً عن - سطح العالم -
أمشي كشجر قُرب نوّار ظِلالهِ
ككلمةِ صامتةٍ
تتأمّل «بكاء الدموع».

وبفِمٍ لا سطحٍي
أبوسُ شِفاه صوتكِ
وقُبلكِ الطائرة

أروي نومكِ بآبار حلمي الجوفيّة
ليفيض عنب النبع
وتنمو زهور الصمت
في اختلاف الظلالِ
ويعشب الماء على رفّ كتاب الهواء

أعرف كثيراً أن صمتي سيُسرقُ
من غرفِ - حقوق الملكية -
سيسرقه استبداد جمهوريات الموز
بوفرة مؤخِّراتِها الفقيرةِ
ومن يكتبون على مرايا ليلهم

أنا الموقِّعُ أعلى هذا:
أكتبُ لأصمت.
لأتحدّى بلا أعصاب.
لتصغي إليّ الملائكة
و«شياطين الإنس»

ليصغي إليّ الإصغاء
في ضجيج السكاكين
والمو تى
في عبورهم اليوميّ.

لتصغي إليّ البيوت الكائنة:
في الحي الميّتِ /جوار المقبرة
وتظلّين أنتِ عنوان الدليل
إلى نفسهِ
وكفّ رؤية الكفيف
لا المبصر الأعمى
مهندس الخطأ
وحضيض الأغاني.

*****

نديم الوزة
شاعر من سوريا، مواليد دمشق 23/2/1966، يعيش و يعمل فيها وفق إجازته الأكاديمية بمادة اللغة العربية. مؤسس موقع الشاعر الإلكتروني، وناشر مجلة أوغاريت الإلكترونية التي يرأس تحريرها. من أعماله المنشورة: خارج الجحيم، دمشق، وزارة الثقافة، 1998. وجه لا يبقى كصورته، دمشق، وزارة الثقافة، 2000. الشعرية العربية، دمشق، منشورات نديم الوزه، 2001. حكاية صوفي، تونس، دار صامد، 2005.

شارع البرازيل

المدينةُ غريبةٌ كأمّي
قبلَ أن أولد،
حتى أنَّ سحابةً عابرةً خدعتْني
بأمطارِها،
قلتُ: "تأخرتِ كثيراً
حتى أنّكِ لن تأتي غداً"،
بل لأحيِّدَ هذهِ الوردةَ المرتوية
فلا تأسفَ لرقّتي
رميْتُها بنظرةٍ بائسةٍ إلى الأوراقِ اليابسة..
نظراتٌ تتشُّ،
وخطواتٌ لزجة،
والسياراتُ تمسحُ عن عيونِها دموعاً كاذبة،
ولا شيء،
شارعاً
شارعين
وها هوَ الصحوُ يستأنفُ الحركة
ويذيبُ أضواءَ الجليد
كي يرجفَ قلوباً مزجّجة..
الحيُّ عريقٌ ككآبتي،
والمارّةُ داخلَ ياقاتِهم المتغطرسة
يخبّئونَ أفواهاً مفترسة،
الريحُ كلبُ السيّدة،
وآلافُ الكيلومتراتِ من السجائرِ دخّنتُها
كي أُسكتَ صهيلَ شهوتي..
أفكارٌ مشتَّتة
كتأرجحِ رأسي بين تفاهةِ هذا الوجود
ولترِ نبيذٍ كمعنى الوجودِ ذاته..
أجَلْ،
بيضاءَ هذهِ الليلة
أريدُها بيضاء ..
حتى أنّني مشرقاً أنحني
كي أرسمَ وجهَكِ الغائب
بأنفاسيَ بينَ كفّي
كقوسِ قزح...

مقهى الإنترنت

إجازة طبّية منحتني فرصة أن أجلس مجدّداً في مقهى..كان صباحاً رائقاً وكان ينبغي على رأي جاك بريفيير ألا يمنح للعمل..لكن النادل الذي لايعرف بريفيير ولا آراءه، بدا نشيطاً وهو يتَّجه إليّ.. أخرَج دفتره وابتسامته، فطلبتُ فنجانَ نسكافيه بلا حليب، ومنفضةَ سجائر.. وبدلَ أن أفكّر بموقعي على الانترنت كما هي عادتي هذه الأيام، قلتُ:" أرتاح من التلاميذ" وأنا أخْرِجُ أوراقَ امتحاناتهم .. أشعلتُ سيجارة، ولا أدري لماذا شغلَ اهتمامي أن يكونَ التلاميذ قد أخرجوا كتبَهم الآن..؟ وهذا بائعُ الصحفِ يخرجُ صحفَهُ ومجلاتِه، مذيعةُ التلفازِ تخرجُ أوراقَها، وربما اكتظتْ غرفُ الموظفينَ بالاستماراتِ الورقية، وغيرِها، وغيرِها، ممّا أكادُ لا أراها من الزجاج؟ حتى كدتُ أنسى أينَ وضعتُ ورقةَ استراحتي؟ ورأيَ بريفيير؟ وموقعي على الانترنت؟ لأستذكرَ درسَ الورق، وكيف يُصنعُ من القطنِ والخشب، وأتساءلُ: إن كانتْ حرارةُ الأرضِ ترتفعُ بسببِه؟ وربما لولا بعضُ أوراقِ نباتٍ خضرٍ خلفي، وأماميَ وجوهٌ لا لونَ لها، حسبتُ الخليقةَ كلَّها مسرعةً بأوراقِها.. ربما من دائرةٍ حكومية إلى مصرف، أومن مصرفٍ إلى دوائرَ مغلقة..كيف تجري الأمورُ إذن؟ أين يخرجُ السيّدُ بآلامِ عبيدِه؟ وعلى أيّةِ أوراقٍ يمضي؟ والأرجلُ تتلاطم في الرؤوس تزدحمُ الحساباتُ تفشي السيارات وتضرط حتى الهواء يكادُ يختنق والشوارعُ تلفظُ أرقامَها الخاسرة.. عشرةً على عشرة، ثمانية من..، خمسة..، ستة..، اثنان، وا.... أقلّبُ أوراقَ امتحاناتِِِِِِِِِ تلاميذي الفرحينَ بكآبتي، والشامتينَ بشتائمي.. فتبرزَ أسنانُهم الكبيرةُ كضوضائِهم، والبيضاءُ من غبارِ طباشيرهِم،كي تطاردَ ما تبقّى من أعصابي المتلفة.. ألوذُ بنظرةِ امرأة لتغسلَ ذاكرتي قليلاً لكنها إذْ تجلسُ متربِّصةً بيدي لحظةَ تخرجُ من جيبتي تتنهّد كي تفوحَ في فمي رائحةٌ كرياحِ المصارف كريهة!.. ماذا تبقّى لي، وأنا في وحدتي، غيرُ أن أخرجَ بي إليّ..؟
... ... ...
... ... ...
... ... ...
ها هنا صندوقٌ للحساباتِ الجارية، للفرجةِ والحكاية، ومنزهٌ لرؤايَ الجديدة، حيثُ أفتحُ أحدثَ نظامٍ للأنتي فيروس، وأنقر: لا أشجارَ إلا ما ترفعُها أصابعي، لا طيورَ إلا ما ترفرفُها عيناي، ولا سماءَ أوسعُ من أزرقِ روحي، ولا أرضَ أبقى من هذهِ التي تحدُّها خطواتي، أنا النهرُ بعطوفاتِهِ السبعة، نديمُ غوطةٍ لم تحطّبْها الأقلام والدفاتر!

مقهى الهافانا/شباط 2007

لينا الطيبي
شاعرة من سوريا، تقيم في القاهرة، صدر لها: "شمس في خزانة"، "صورة شخصية"، "هنا تعيش لينا الطيبي"، "أهزّ الحياة"، "مقسومة على صفر".

بداية

أستقبلُ العالم
العالم الخطأ
بركلة من قدمي
كما لو أنه برتقالة قديمة
كما لو أنه بركة راكدة..
أستقبله
في الخطأ
حينما الصواب فادح
لا يعرف منتهاه.
لو..

لو متُّ من ذا الذي سيقرِؤني السلامَ
من ذا الذي سيمسحُ عن جبيني ما أَثقلهُ،
من ذا الذي سيُغمضُ عينيّ؟
لو متُّ من سيهمسُ في أُذني صلواته
من ذا الذي سوف يُوسِّد رأسي مخدته،
لو متُّ من ذا الذي سيؤاسي أمي،
ومن ثم خفيةً يبكي..؟.
لو متُّ...
لو سريعاً متُّ..
من ذا الذي سيزيحُ عن قلبي قلبكَ؟
شموس

ليست الشمس سريّة ولا مخبأة؛
علنية وكبيرة
حارقة
وسمراء،
ليست الشمس سوداء لتتكور على نفسها
ليست بيضاء لتخاف من اثمها..
الشمس مثلكَ
تنكشف بسهولةٍ،
وبنعومة تجتاز الستائر نحو الأسرَّةِ..
خصلاتها تحرق ما تبقى من أغطية
تجفّف الوسائد من عسل النوم.
بورتريه

لم يكن عجوزاً بما فيه الكفاية
يبتسم كلما مرّ الخريف
ويدوسُ بخفة على ما تناثر من أوراقٍ صفراء.
كان يُصَّفرُّ مراراً سعيداً
لأن قلبه ما زال يخفق.
ولأن أنامله باستطاعتها أن تلامس المطر.
لم يكن عجوزاً بما فيه الكفاية
عندما أغمض عينيه وهو يعدّ نجوم المساء
كان يحلم بمدن بيضاء
ونساء من نور
وكان يتدفق بملء روحه
وهو يصعد عالياً.
لم يكن عجوزاً بما فيه الكفاية
لما وسَّدوه نعومة التراب
كان ما يزال مبتسماً
غير أن قلبه
قلبه الوحيد
لم يغنِ بصوت عالٍ
وهو يتذكر كل خريف مرّ.
لم يكن عجوزا بما فيه الكفاية
عندما كان يحاول أن يلصق رأسه بالتراب أكثر،
وأن يغوص بأصابعه المتشجنة في الأرض
وهو يجرّب أن يسمع صوت الوجيب ثانية.
كان يبتسم حقاً
وهو يلوّح بأصابعه لنساء من نور
وعده بهن شيخ الجامع المقابل لبيته
كان يبتسم حقًا
وهو يلامسُ بأصابعه مطر أجسادهن
ولم يكن عجوزا بما يكفي
غير أنه بالرغم من ذلك
لم يستطع أن يقف ليلتقط ولو صورة واحدة
مع نسوة كن يحرقن الكاميرا بنور أصابعهن.
هولاكو

بلا مظلات.. وتحت مطر كثير ..
بلا أجنحة وفي طيران عال ..
بلا شمس ولكن بضوء طاغٍ
بلا اسمي ولكن باسمكَ
كما هولاكو؛
كما هو تماما
بغير هلاكٍ
بضحكة كبيرةٍ
سأجوز هذه المدينة
باحثة عنكَ
في قلبِ الليلِ .. وفي قلبِ قلبهِ
سأجوبُ المدينة
أرتقي الى شرفتك الأرضية
أتسلق ياسميناتها
....
وكما هولاكو
سأجتاح ذكرياتكَ القديمة
كما هو تماماً
سآمر جنود مسامك
أن لا تنفتح إلا عند أصابعي..
وكما هولاكو
سأظلّ شريرة قلبك...
كما هولاكو
كما هو تماماً
سأكون في كتابكَ
ذكرى اجتياح عاصف.