Gitanjali
Rabindranth Tagore
A collection of Prose translations made by the author from the original Bangali.
With an introduction by : W.B. Yeats.
Formerly issued (1912) by the Indian Society
(London : Macmillan & Co Ltd, eds 1913, 1949, 1951, 1953, 1959).
تقديم: العاشق الأكبر
بقلم ظبية خميس
من لغة السحاب والأرض ينبثق طاغور ، ملهماً أو ملهما. يشبه طين بلاده ، ويشبه ندف السماء ، وصوته جلي لكل روح وكلماته تواضع المحبة في هذا الكون. هنالك بشر للعالم أجمع ، وطاغور هو أحدهم. إنه المغني العاشق لنور الله ، للإنسان ، للطبيعة وكائناتها. يطرق السمع لموسيقى الكون ، ويترقرق شعره لجمال وبؤس الإنسان. وكتابه هذا الذي أترجمه وأقدمه للقارئ العربي اليوم هو صلاة طويلة بعنوان "قرابين الغناء". إنه كتاب تأمل ، وحكمة زاهد ، وشعر عابد. نص يسعى إلى الصفاء والمصافاة ويأخذ معه قارئة إلى ذلك الطريق. ترجمه بنفسه من اللغة البنغالية إلى اللغة الإنجليزية ، وحاز على جائزة نوبل للآداب بسبب هذا الكتاب الذي ما زال يرنم ويغنى في أنحاء الهند بمختلف لهجاتها. ورغم الكلمات فإن قرابين الغناء هو كتاب من كتب الصمت الجليل. إنه همس ، وإشارات، وظل من ظلال الروح.
عن الحب المقدس يتحدث طاغور ، عن حب الله للفقراء ، والتعاسى ، والمحزونين والبؤساء. إنه يرى نور الله حيث يوجد العمال ، والفلاحين والناس البسطاء. ويرى بركته بين قطرات عرقهم ودموعهم. إنه يتحدث عن البساطة الخالصة وعن الرحمة وعن العبادة الصامتة.
يقول طاغور : "إنني في انتظار الحب فقط ، لكي أسلم نفسي إلى يديه". يبحث عنه وينتظره على قارعة الطريق ، ووراء الجدران ، وداخل روحه في الليل والنهار مثل شحاذ لا يكل ولا يمل ولا يتعب من أمل اللقاء بذلك النور. عن العذوبة المكتملة يبحث طاغور في رحلة الحب وعن الرؤية التي تضيع وتأتي دون أن ينتبه إليها فتتصاعد زفرات حسرته. يقول:
"إذا لم أدعوك في صلواتي ، إذا لم أحتفظ بك في قلبي يبقى حبك لي منتظراً رد حبي لك".
في لغة طاغور تنطق لغة الهند بأمطارها وسيولها ، بطينها وأنهارها ، بحرارتها المحرقة وعذوبة نورها ، يصبح المطر لغة والطين لغة والشجر لغة والليل والنهار لغة في كلمات طاغور.
خلال إقامتي في الهند في عام 2004 ، عثرت على كتيب مكسواً بالغبار والنسيان في مكتبة بعثة الجامعة العربية هناك والتي كانت مهملة يحفها النسيان، وما كان ذلك الكتاب إلا نسخة قديمة لقرابين الغناء الذي صدر للمرة الأولى في عام 1913 في لندن، وقدم له الشاعر دبليو – بتلر – ييتس بدهشة وإعجاب، ونال جائزة نوبل في العام نفسه. أما النسخة التي عثرث عليها فقد كانت طبعة عام 1959 من نفس دار النشر التي نشرت أول طبعة. وعندما غادرت الهند لم تغادرني، بقى حنيني لها ولكنه حنين غريب: حنين للفجر والأشجار وأصوات العصافير، للقردة اللذين يتجولون بحرية في ديلهي، للأفيال التي يجلس عليها قادة المعابد والرهبان، للغربان وهي تحتل شجرة أمام بيتي هناك، لعصف المطر والبرد القاسي والحر الشديد. كان شوقي، ولا يزال، للخرائب والمعابد وأصوات الغناء الصوفي لديهم، لأطواق الورد والفل على قارعة الطريق ، ولبخور معابدهم.
وفي قراءتي لكتاب طاغور حضرني ذلك كله فكنت أترجمه وأعيشه وأحيا الهند بداخلي من جديد.
ولد رابندرانث طاغور في مدينة كالكاتا في شرق الهند لعائلة بنغالية ثرية من طبقة البراهما النيلة في الهند في عام 1861 يوم 7 مايو ، وتوفي في عام 1941 في يوم 7 أغسطس. وقد كان شاعراً، وروائياً، وموسيقياً، ورساماً وكان أول أديب من قارة آسيا يفوز بجائزة نوبل في عام 1913. وقد كان طاغور أصغر إخوته اللذين يلغ عددهم 14 أخ وأخت، وتلقى تعليمه في البيت وكتب مبكراً حيث نشر أول أعماله في عام 1877. انتقل إلى بريطانيا لدراسة القانون في عام 1878 غير أنه عاد إلى البنغال دون شهادة في عام 1880.
وفي الهند تابع مسيرته كشاعر وكاتب وموسيقي ومعلم ، وأسس لمدارس ومراكز روحية عديدة ، وقد اشتهر آنذاك في الهند غير أنه لم يكن معروفاً في العالم. وفي عام 1912 قرر فجأة العودة إلى بريطانيا لأول مرة منذ قاد غادرها وكان في عامه الواحد والخمسين ، وكان معه أحد أبناءه. وفي الطريق إلى بريطانيا بدأ الترجمة إلى الإنجليزية لأول مرة لأخر أعماله آنذاك "قرابين الغناء". كتبها بخط يده في دفتر صغير كان يحمله في جيبه معه، وعند وصولهم إلى لندن نسي ابنه حقيبة أبيه التي تحتوي ذلك الدفتر الصغير في محطة لقطار الأنفاق. ومن حسن الحظ أن أحدهم عثر على تلك الحقيبة وأعادها في اليوم التالي. وقد اطلع على ذلك الدفتر أحد أصدقاء طاغور من الرسامين في لندن والذي انبهر بما قدر رأته عيناه فاتصل بصديقه الشاعر دبليو.ب.ييتس وأقنعه بقراءة ذلك الدفتر المخربش عليه بخط اليد. وقد انبهر ييتس بما قد قرأ وكتب فيما بعد مقدمته الشهيرة لكتاب "قرابين الغناء" والذي طبع في طبعة محدودة في عام 1912. ومن ثم فإن الشهرة الساحقة تحققت للشاعر طاغور وكتابه فوراً بعد ذلك النشر في الأوساط الأدبية الإنجليزية في لندن.
وكان ذلك الحدث بوابة أولى للكشف عن روعة الهند وعمقها الروحي بالنسبة للغرب. وتلا ذلك فوزه بجائزة نوبل في عام 1913، وأخذته شهرته ليحاضر ويقرأ ويتحدث حول العالم. وفي عام 1915 تم منحه رتبة فارس من قبل الملك جورج الخامس، وقد تخلى طاغور عن ذلك الوسام والرتبة في عام 1919 بعد مذبحة أمريستار التي راح ضحيتها 400 هندي من المتظاهرين على يد السلطات البريطانية للاحتلال في الهند. وبالرغم من صداقة طاغور لغاندي إلا أنه كرس نفسه للتعليم وإنشاءه المدارس وتنوير عقول النشء الجديد. لقد كتب طاغور أكثر من ألف قصيدة ، وثمانية أجزاء من القصص القصيرة، وأربعة وعشرين مسرحية، وثمانية روايات، والكثير من الكتب الأخرى في المواضيع التعليمية والاجتماعية.
كما أنه قد ألف أكثر من ألفين أغنية بنغالية وأصبحت اثنتان منهما النشيد الوطني لكل من الهند وبنغلاديش. وفي عام 1929 بدأ الرسم ولوحاته موجودة في الكثير من المتاحف.
لقد كان طاغور عبقرياً في موهبته وإنسانيته ، معاً.
ظبية خميس
15 نوفمبر 2006
مقدمة ويليم بتلر ييتس
منذ أيام قليلة مضت قلت لطبيب بنغالي قدير، " أنا لا أعرف الألمانية، غير أنه لو أن ترجمة لشاعر ألماني قد أثرت في، فلسوف أذهب إلى المتحف البريطاني وأعثر على كتب الإنجليزية لأتعرف على حياته، وتاريخ أفكاره. لكن بالرغم من أن هذه الترجمة لأشعار رابندرانث طاغور قد حركت دمائي كما لم يحدث من قبل منذ سنين ، فإنني لن أعرف أي شيء عن حياته، وعن حركات الفكر التي ولدتها، إذا لم يحدثني رحالة هندي، ما، عنها ". وقد بدى له أنه من الطبيعي أن أتأثر، ذلك أنه قال، "أنني أقرأ رابندرانث كل يوم، أن تقرأ سطراً واحداً له يجعلك تنسى كل هموم هذا العالم". قلت، "إن رجلاً إنجليزياً يعيش في لندن في فترة حكم ريتشارد الثاني لو رأى ترجمات لبيترارش أو دانتي ما كان ليجد كتباً لتجيب على أسئلته، غير أنه كان سيمضي ليستفسر من مصرفي من فلورانس أو تاجر من لومبارد مثلما استفسر أنا منك. كل ما أعرفه أن هذا الشعر بسيط جداً وفياض، إن عصر النهضة الجديد قد ولد في بلادك ولن أستطيع أن أعرف عنه إلا من خلال سردك لي عنه". أجابني قائلاً، "إن لدينا شعراء آخرين، لكن لا أحد في قامته ، إننا ندعو هذا عصر رابندرانث. لا يبدو لي أن هنالك شاعراً في أوروبا بلغ شهرة طاغور لدينا. إنه عظيم في الموسيقى كما هو في الشعر، وأغانيه تغنى من غرب الهند إلى بورما حيثما تنطق البنغالية. لقد نال شهرته وهو في التاسعة عشر من عمره عندما كتب روايته الأولى، ومسرحياته قد كتبت عندما كان أكبر بقليل وما زالت تمسرح في كالكاتا. أنني معجب أشد الإعجاب باكتمال حياته، عندما كان يافعاً جداً كتب الكثير حول شؤون الطبيعة ، كان يافعاً جداً كتب الكثير حول شؤون الطبيعة ، كان يجلس طوال النهار في حديقته ، ومن سن الخامسة والعشرين وحتى الخامسة والثلاثين ربما، عندما كان يعيش حزنه، كتب أجمل قصائد حب في لغتنا"، ثم قال بانفعال عميق، "أن الكلمات تعجز عن ما أدين له به، وأنا في سن السابعة عشر، بسبب قصائده في الحب. بعد ذلك صار شعره أعمق، أصبح روحياً وفلسفياً، إن كل آمال البشرية موجودة في تسابيحه. لقد كان الأول بين قديسينا ممن لم يرفضوا الحياة، وأغترف منها حديثه ، ولهذا نمنحه نحن محبتنا". وقد أكون حورت بسبب ذاكرتي كلماته ولكن احتفظت بأفكاره. "منذ فترة قريبة كان من المفترض أن يقرأ في الخدمة الإلهية في إحدى كنائسنا – نحن التابعين للبراهما ساماج نستخدم كلمة كنيسة بالإنجليزية – لقد كانت الأضخم في كالكاتا، ولم تكن فقط مزدحمة، ولكن الناس وقفوا عند النوافذ، والشوارع اكتظت بحيث لا يمكن عبورها".
لقد جاء هنود آخرون ليروني ومديحهم لهذا الرجل بدى غريباً في "عالمنا"، حيث نخفي الأشياء الكبيرة والصغيرة تحت نفس الغشاء للكوميديا الواضحة والتقدير نصف الجاد. عندما كنا نبني كاثدرائياتنا هل امتلكنا تقديراً مماثلاً لرجالنا العظام؟ "في كل صباح عند الثالثة – أعرف لأنني قد رأيت ذلك " – أحدهم قال لي، " إنه يجلس ساكناً بلا حراك للتأمل، ولمدة ساعتين لا يفيق من نشوة حاله حول طبيعة الإله. إن والده المهاريشي، كان يجلس أحياناً هناك طوال الوقت وحتى اليوم التالي، ذات مرة عند النهر، دخل في تأملاته بسبب جمال الطبيعة، ومجدفين القوارب انتظروا لمدة ثمانية ساعات قبل أن يواصلوا رحلتهم". ثم أنه أخبرني حينئذ عن عائلة طاغور وكيف أنه ولأجيال متلاحقة خرج من مهدها رجال عظام. "اليوم"، قال لي، "هنالك جوغنين درانث وآبياندرانث طاغور وهما فنانين، ودويجن درانث أخل لرابندرانث وهو فيلسوف عظيم. إن السناجب تأتي أوكارها لتتسلق إلى ركبته والعصافير تحط على يديه". لقد لاحظت في أفكار هؤلاء حس بالجمال الواضح والمعنى وكأنهم قد تمسكوا بمبدأ نيتشه الذي يقول بأنه لا يتوجب علينا أن نؤمن بالجمال الذهني أو الأخلاقي الذي لا يقوم عاجلاً أم آجلاً بطبع نفسه على الأشياء الحية. لقد قلت، "في الشرق تعرفون كيف تحافظون على ألق العائلة. في ذلك اليوم قام راعي متحف بالإشارة لي إلى رجل ضئيل داكن البشرة كان يرتب رسومهم الصينية وقال "إن هذا هو الوريث لسلسلة من الميكادو، إنه الرابع عشر في عائلته يحتفظ بهذا المنصب". أجابني هو، قائلاً، "عندما كان رابندرانث صبياً كان محاطاً من حوله بالكتب والموسيقى في بيته". فكرت في الترف الفياض، في بساطة الأشعار، وقلت، "في موطنك هل هنالك الكثير من كتابات البربوغاندا (الدعاية)، الكثير من النقد؟ يتوجب علينا أن نعمل الكثير، خصوصاً في بلدي، بحيث أن أذهاننا تشحب بالتدريج ويتراجع عنها الإبداع، ورغم ذلك فإننا لا نستطيع عمل شيء إزاء ذلك. إذا لم تكن حياتنا كفاح ومشقة مستمرة، لا نستطيع أن نتذوق، ولن نعرف ما هو جيد، ولن نستطيع العثور على جمهور وقراء. أربعة أخماس طاقتنا مبذولة في انتعاش مع الذوق السيئ، سواء في عقولنا أو في عقول الآخرين". "إنني أفهم ذلك"، أجاب هو، "نحن أيضاً لدينا كتابة الدعاية. في القرية يتلون قصائد أسطورية طويلة مقتبسة من السنسكريتية في العصور الوسطى، وغالباً ما يحشرون فيها مقاطع تقول أن على الناس أن يؤدوا واجباتهم".
لقد حملت مخطوطة هذه الترجمان معي لأيام، قرأتها في محطات القطار، أو في أعلى الحافلات وفي المطاعم، وكنت غالباً ما اضطر إلى إغلاقها خوفاً من أن يلحظ بعض الغرباء مدى تأثيرها علي. هذه الأشعار– والتي في لغتها الأصلية، يقول لي معارفي من الهنود أنها مليئة بالإيقاع الرهيف، وبحفنة من الألوان التي لا يمكن ترجمتها ، وبالإبداع في الأوزان – التي تعرض في أفكارها عالماً حلمت به طوال عمري. إنه نتاج حضارة راقية، غير أنه يبدو سلساً مثل النبت العادي للتربة كالحشيش والبرسيم. تقاليد، حيث الشعر والدين هما الشيء نفسه، مرت عبر العصور، تجني ثمار الرموز والعواطف من المتعلمين والأميين، ثم تعود لتحمل من جديد أبعاداً متعددة لفكر الدارسين والنبلاء. إذا بقيت حضارة البنغال متماسكة ولم تتفتت، إذا بقى هذا العقل الجماعي – سامي كما هو– يسري في الجميع، وليس كما هو الحال لدينا مشتت إلى دزينات من العقول التي لا تعرف شيئاً عن بعضها البعض، فإن شيئاً ما من تلك الأشعار سوف تصل، بعدة عدة أجيال، إلى حتى الشحاذ في الشوارع. عندما كان هنالك عقلاً واحداً في إنجلترا كتب شوسير الثلاثية والصليب، وظن أنه قد كتب ليقرأ، أو ليتلى– حيث كان زمننا قد وصل إلى انعطافه– وقد انشد له بعض الرهبان لبعض الوقت. رابندرانث طاغور، مثل شوسير من السابقين، يكتب الموسيقى لكلماته والمرء يدرك في كل لحظة أنه فياض جداً، وتلقائي للغاية، وجريء بشده في عاطفته، مليء بالمفاجآت، لأنه كان يقوم بفعل شيء لم يبدو أبداً أنه غريب ، مستهجن، غير طبيعي أو بحاجة للدفاع عنه والتبرير له. إن هذه الأشعار لن تنام في كتيبات صغيرة حسنة الطباعة على أرفف طاولات النساء اللواتي يقلبن الصفحات بأيادي كسولة ويتنهدن ربما بسبب حياة خاوية بلا معنى، وتكاد تكون هي كل ما استطعن أن يعرفنه من هذه الدنيا، أو أن يحملها طلاب في الجامعة ليضعوها جانباً عندما يبدأ عمل الحياة ، لكن بعبور الأجيال، سوف يرنمها الرحالة على الطرق العالية والرجال الذين يجدفون في الأنهار. العشاق ، وهم ينتظرون بعضهم بعضاً، سوف يجدون، وهم يترنمون بها، حب الله هذا خليج من السحر حيث يمكن لعواطفهم المرة أن تسبح وأن تجدد شبابها. في كل لحظة يتدفق قلب هذا الشاعر نحو الخارج صوب أولئك المحبطين والمقهورين، لأنه قد عرف أنهم سوف يفهمون، وقد ملأ نفسه بتلبس ظروف حياتهم. إن المسافر في أرديته الحمراء – البنية التي يرتديها حتى لا تظهر عليها غبار الطريق ، والفتاة التي تبحث في فراشها عن بقايا بتل الورود التي تساقطت من طوق عشيقها الملكي ، الخادمة أو العروس التي تنتظر عودة سيدها إلى البيت في ذلك المنزل الخاوي، كلها صور للقلب وهو يتحول نحو الإله. الأزهار والأنهار، صغير الأصداف والمحار، الأمطار الغزيرة لشهر يوليو، أو الحرارة اللاسعة ، إنها صور لأمزجة هذا القلب في توحده وانفصاماته، ورجل يجلس في قارب على النهر يعزف على العود، مثل أحد أولئك الشخوص المفعمين بالمعاني الغامضة في لوحة صينية، هو الإله نفسه. بشر بكاملهم، حضارة بكاملها، غريبين عنا بما لا يقاس، يبدو أنهم قد أخذوا بمثل هذا الخيال، ومع ذلك لم نتأثر بسبب غرابة ذلك، ولكن لأننا قد قابلنا صورتنا ذاتها كما لو أننا قد تجولنا في غابات روسيتي من أشجار الصفصاف، أو سمعنا، ربما لأول مرة في الأدب، صوتنا كما لو أنه في حلم.
منذ زمن عصر النهضة، فإن كتابات القديسين الأوروبيين مهما كانت رموزهم مألوفة لنا وكذلك البناء العام لأفكارهم – فإنها قد فقدت قدرتها على جذب انتباهنا. نحن ندرك أن علينا في النهاية أن نترك هذا العالم، ونحن معتادون في أوقات المحن أو التسامي أن نختار التخلي عنه وهجره، ولكن كيف يمكن لنا نحن، الذين قرأنا الكثير من الشعر، وشاهدنا الكثير من اللوحات، وأصغينا إلى الكثير من الموسيقى، حيث صرخة اللحم وصرخة الروح تبدو واحدة ، كيف يمكن لنا أن نهجره بوحشية ووقاحة؟ ما هو ذلك المشترك الذي نملكه مع القديس سانت بيرنارد الذي كان يغطي عينيه خوفاً من أن تغرق في تأمل جمال البحيرات في أراضي سويسرا، أو مع تلك العبارات العنيفة في كتاب الكشوف؟ سوف نجد، من الممكن، كما في هذا الكتاب ، كلمات تمتلئ بالتهذيب. "إن علي أن ارتحل. امنحوني الوداع يا أخوتي! إنني أنحني لكم جميعاً وأستأذنكم. ها هنا أعيد إليكم مفاتيح بابي – وأتخلى عن كل حقوقي الملكية لمنزلي. وأنا أسألكم فقط حسن الوداع بكلمات طيبة منكم. لقد كنا جيراناً لزمن طويل ، غير أنني تلقيت منكم أكثر بكثير مما استطعت أن أمنحكم. الآن اليوم قد غرب والقنديل الذي أضاء ليلي قد انطفأ. إن الاستدعاء قد جاء وأنا جاهز لرحيلي." وهو مزاجنا نحن، عندما يزيد على ذلك أ. كيمبيس أوجون الصليب صارخاً، "ولأنني أحب هذه الحياة، فإنني سوف أحب الموت، أيضاً". غير أنه ليس فقط في أفكارنا حول الفراق يتفوق هذا الكتاب عليهم جميعاً" لم نكن نعرف أننا أحببنا الله، أو ربما بصعوبة آمنا به، غير أننا عندما نقلب النظر في ماضي حياتنا نكتشف، عبر تجوالنا في دروب الغابة، في متعتنا التي نتخذها في الأماكن المنزوية على التلال، في ذلك الإدعاء الغامض الذي صنعناه، بدون هوادة، في ملكيتنا للنساء اللواتي عشقناهن، هذه العاطفة التي تخلق العذوبة الباطنية. "مقتحماً قلبي غير مدعو إليه مثل واحد من أفراد الحشود العاديين، ومجهول بالنسبة إلي، يا ملكي، أنت قد طبعت توقيع الأبدية على كثير من اللحظات الهاربة". هذه لم تعد بعد ذلك طهارة الخلوة أو الكارثة ، بل تصبح ، كما قد كانت، ارتفاعاً أقصى لتركيز أشد لمزاج الرسام، الذي يرسم الغبار ونور الشمس، ونذهب إلى صوت شبيه للقديس سانت فرانسيس وإلى وليم بليك الذي يبدو مغترباً جداً في تاريخنا العنيف.
إننا نكتب كتباً طويلة حيث لا صفحة فيها – ربما – تملك أية خصوصية لتجعل الكتابة لذة ممتعة ، مطمئنين إلى تصميم عام، مثلما نفعل عندما نتشاجر ونصنع الأموال ونملأ أدمغتنا بأفكار حول السياسة – كلها أشياء مضجرة بالفعل – فيما السيد طاغور، مثل الحضارة الهندية ذاتها، يمكث مكتفياً بما قد اكتشفه من الروح ويسلم نفسه لتلقائيتها. إنه غالباً ما يبدو مقارناً حياته بحياة أولئك الذين يعيشون حياة تشبهنا، ودائماً بتواضع كما لو كان متأكداً من أن طريقته هي الأفضل بالنسبة له: "الرجال ذاهبون إلى بيوتهم يلقون بنظرة إلي ويبتسمون ويملئوني بالخجل. إنني أجلس مثل شحاذة خادمة، وأسحب تنورتي لأغطي بها وجهي، وعندما يسألونني ما هو الذي أطلبه، أخفض عيني ولا أجيبهم". وفي مرة أخرى، متذكراً كيف أن حياته كان لها شكل آخر في يوم ما، سوف يقول، " لقد قضيت الساعات الكثيرة أبحث حول الخير والشر، غير أنه الآن في متعة اللهو في الأيام الخالية تلك التي تشد قلبي إليه، ولا أفهم الآن ذلك النداء المفاجئ لكل تلك العواقب غير المجدية". إن براءة ، وبساطة لا يجدها المرء في مكان آخر في الأدب تجعل الطيور وأوراق الشجر تبدو قريبة إليه كما هي قريبة للأطفال، وتحولات الأحداث العظمى بين الفصول أمام أفكارنا قد حالت بيننا وبينهم. في بعض الأحيان أتساءل إن كان قد حصل على ذلك من أدب البنغال أم من الديانة، وفي أحيان أخرى، متذكراً الطيور وهي تحط على يدي أخيه، أجد المتعة في أن أفكر بأن ذلك عامل وراثي، مسألة غامضة نمت عبر القرون مثل تهذيب لتريستان أو بيلانور. وبالفعل، فإنه عندما يتحدث عن الأطفال، تبدو تلك الميزة وكأنها جزء من روحه، والمرء غير متأكد بأنه لم يكن يتحدث، أيضاً، عن القديسين ، "إنهم يبنون بيوتهم من الرمال ويلعبون بالأصداف الخاوية. وبأوراق الشجر الذاوية يبنون قواربهم ومبتسمين يعومونها على العمق الشاسع. إن الأطفال يلعبون على ضفاف بحار العالم. إنهم لا يعرفون كيف يسبحون، ولا كيف يلقون بالشباك. إن صيادي اللؤلؤ يغوصون من أجله، والتجار يبحرون في مراكبهم، فيما الأطفال يجمعون الحصى وينثرونه من جديد. إنهم لا يبحثون عن الثروات المختبئة، ولا يعرفون كيف ينصبون الشباك".
دبليو.ب.ييتس
سبتمبر 1912
(1)
أنت خلقتني إلى ما لا نهاية ، وهكذا هي اللذة. هذا الوعاء الرهيف يفرغ مرة تلو الأخرى ، ويمتلئ للأبد بالحياة اليانعة.
هذا الناي من القصب اجتاز التلال والوديان ، وتنفس فيها أغانيه الجديدة ، دائماً.
وبلمسة أبدية من يدك يفقد قلبي حدوده في البهجة ويلد ما لا يوصف من منطوقات.
هذه الهدايا التي لا تحصى تأتيني فقط ، في هذه الأيادي الصغيرة التي هي لي. تمر العصور ، وما زلت تمنح ، وما زال هنالك مكان ليمتلئ بعطاياك.
(2)
عندما تأمرني بالغناء يبدو قلبي وكأنه سينفطر بالكبرياء ، وأنظر إلى وجهك لتنهمر من عيني الدموع.
كل ما هو خشن ومنفر في حياتي يذوب في لحن عذب – وعشقي يفرد جناحيه مثل طير سعيد في تحليقه فوق البحار.
أعلم أنك تستعذب غنائي. أعلم أنني ومن خلال كوني منشداً أقف أمام حضورك. ألامس حافة البعيد بجناح أغنيتي المرفرف الأقدام التي لا أستطيع أن أصبو إلى لمسها. منتشياً بفورة الغناء أنسى قدري وأدعوك بالصديق أنت الذي هو سيدي.
(3)
أجهل كيف تغني يا سيدي! إنني أصغي دائماً بدهشة صامتة.
إن نور موسيقاك يضيء الكون. الحياة تتنفس لحنك الذي يجري من سماء إلى سماء. أن الينبوع المقدس للموسيقى يتفجر عبر كل أحجار العثرات ويتدفق مليئاً.
إن قلبي يشتاق لينضم إلى أغنيتك ، غير أنه بعناء يجاهد ليجد الصوت. لسوف أتحدث ، غير أن الكلام لا يتفجر إلى أغنية ، وأصرخ حيراناً. آه ، أنت الذي خلق قلبي أسيراً بين نغمات موسيقاك ، يا سيدي!.
(4)
يا حياة حياتي ، لسوف أحاول ، دائماً ، أن أبقي جسدي نقياً ، مدركاً أن لمستك الحية قد مست كل أعضائي.
لسوف أحاول ، دوماً ، أن أبقي كل ما هو زائف خارج أفكاري ، مدركاً أن فنك وهو الحقيقة قد أضاء نور المعرفة في عقلي.
لسوف أحاول ، دوماً ، أن أطرد كل الشرور من قلبي ، وأن أحتفظ بحبي في وردة، مدركاً أن كرسيك في حرم عميق في قلبي.
وسيكون مبتغاي أن أبديك في كل ما أفعل ، مدركاً أنك أنت الذي تمدني بالقوة كي أعمل.
(5)
إنني أسألك لحظة من عطفك كي أجلس بقربك. والمشاغل التي لدي سوف أنهيها لاحقاً.
بعيداً عن رؤية وجهك لا يعرف قلبي الراحة ولا الطمأنينة ، وعملي يصبح عناءً بلا جدوى في بحر من الكد بلا شطآن
اليوم جاء الصيف إلى نافذتي بهمسه وآهاته ، والنحل يطن ملاعباً الفناء ما بين أكمة الزهور.
الآن قد حان الوقت للجلوس بهدوء ، وجهاً لوجه معك ، وأن أغني للحياة في هذه الراحة المتدفقة والصامتة.
(6)
أقطف هذه الزهرة الصغيرة وخذها ، لا تتأخر! أخشى من أن تسقط ، وتذوي في الغبار.
قد لا تجد مكاناً في طوق الزهر ، لكن شرفها بلمسة من الألم من يدك وأقطفها. أنني أخشى أن يعبر اليوم دون أن أنتبه ، ويكون وقت عطايا القربان قد مضى.
ورغم أن لونها ليس عميقاً ورائحتها ما زالت خفيفة ، ستخدم هذه الوردة في العبادة وأقطفها طالما ما يزال هنالك الوقت.
(7)
أن أغنيتي أفقدتها الرغبة في التبرج. لا زهو لديها للبس والتزين. سوف تفسد الزينة لقائنا، سوف تقف بيني وبينك، سوف تطغى دقات الخلاخيل على الهمسات.
إن غرور الشاعر عندي يموت خجلاً أمام رؤيتك. أوه يا سيد الشعر، لقد جلست القرفصاء عند قدميك. فقط أدعوك أن تجعل حياتي بسيطة ومستقيمة، مثل ناي من القصب من أجلك لتملأه بالموسيقى.
(8)
الطفل المحشور في ثياب الأمير والمثقل بأغلال المجوهرات حول عنقه يفقد كل المتعة في اللعب، تعوقه ثيابه عند كل خطوة يخطوها.
خوفاً من أن تسحج أو تتبقع بالتراب يحتجب عن العالم، ويخاف حتى من أن يتحرك.
أيتها الأم، إنه ليس مكسباً ذلك الأسر من الترف، إذا كان ذلك يمنع المرء من الطين العفي للأرض، إذا كان يسلب الشخص من حق الولوج إلى الاحتفال العظيم للحياة العادية للبشر.
(9)
أوه أيها الأحمق ، أن تحاول أن تحمل نفسك فوق كتافك ! أوه أيها الشحاذ ، أن تأتي لتشحذ عند باب بيتك !
أترك كل أحمالك بين يديه، هو القادر على حملها كلها، ولا تنظر خلفك ، أبداً، بأي ندم.
إن الرغبة تخمد، حالاً، النور في القنديل الذي تلامسه بأنفاسها. إنه غير قدسي – لا تأخذ الهدايا من الأيادي الملوثة. تقبل، فقط، ما قد قدم عبر الحب المقدس.
(10)
ها هنا هو مسند الأقدام وعليه أرح قدميك حيث يعيش أفقر الفقراء ، والمنحطين ، والتائهين.
عندما أحاول أن أركع لك فإن سجودي لا يستطيع أن يصل إلى حيث قدميك ترتاح ما بين البؤساء ، والوضيعين ، والمشردين.
إن الكبرياء لا يمكنه أن يصل إلى حيث تتمشى في ملابس الزهاد ما بين الفقراء ، والعامة ، والتائهين.
إن قلبي لا يستطيع ، أبداً ، أن يجد طريقه إلى حيث صحبك من الوحيدين من البؤساء والوضيعين والمشردين.
(11)
دع عنك هذا الإنشاد والغناء وأنباء التسابيح ! من ذلك الذي تعبده في هذه الزاوية المعتمة من معبد كل أبوابه مغلقة ؟ افتح عينيك لترى إن الإله ليس هناك أمامك !
إنه هناك حيث الفلاح يحرث الأرض الصلبة وحيث معبد الطريق يكسر الحجارة. إنه بمعيتهم تحت الشمس ووابل المطر ، وثيابه مغطاة بالعفار. ضع جانباً ردائك المقدس ، وحتى مثله اهبط إلى عفر التراب !
التبليغ ؟ أين هو موجود هذا التبليغ ؟ إن سيدنا بنفسه أخذ على عاتقه بمتعة خلاص الخليقة ، إنه ملتصق بنا جميعاً للأبد.
تعال وأخرج من جلساتك للتأمل وأترك جانباً الزهور والبخور! ما الضرر هناك في أن تتشقق ثيابك وأن تتبقع قليلاً ؟ قابله وقف بجانبه عند المحراث وفي صهد العرق بين حاجبيك.
(12)
إن الزمن الذي تستغرقه رحلتي طويل ودربه ممتد.
خرجت في عربتي مع أول ومضة للنور ، وتابعت رحلتي في أدغال العوالم تاركاً ورائي آثاري على الكثير من النجوم والكواكب.
إنه أشد الطرق بعداً للاقتراب الأكثر إلى نفسك وهذا المران هو الأعقد ليقودك إلى لحن البساطة الخالصة.
على المرتحل أن يطرق على باب كل مجهول لكي يصل إلى بابه ، وعلى الشخص أن يجوب خلال كل العوالم الخارجية كي يصل إلى أعمق محج بداخله في النهاية.
إن عيناي تاهتا في البعيد والشاسع قبل أن أغلقهما وأقول " "ها هو أنت !"
والسؤال والصرخة "أواه ، أين ؟ " يذوبان في دموع آلاف الينابيع وتغرق العالم بسيول التأكيد "أنا!".
(13)
إن الأغنية التي أتيت كي أغنيها مازالت لم تغنى حتى يومنا هذا.
لقد صرفت أيامي أدوزن وأعيد دوزنة أوتار آلتي.
الوقت لم يحن ، الكلمات لم تنظم جيداً ، فقط هنالك ألم التمني في قلبي.
البرعم لم يتفتح ، فقط هي الريح التي تصفر من حولي.
لم أرى وجهه ، ولا استمعت إلى صوته ، والشيء الوحيد الذي سمعته كان حفيف خطواته الرقيقة من على الشارع أمام بيتي.
النهار بطوله قد مضى في مد أريكته على الأرض ، غير أن القنديل لم يورى ولا يمكنني ولا يمكنني أن أدعوه إلى داخل منزلي.
إنني أحيا على أمل اللقاء به ، غير أن هذا اللقاء لم يحن بعد.
(14)
إن رغباتي كثيرة وصراخي يدعو للرثاء ، ولكنك كنت تحميني منها برفضك لها ، وهذه الرحمة كتبت على حياتي مرات ومرات.
يوماً إثر يوم تهيئني لكي أكون جديراً بالعطايا البسيطة والعظيمة التي تهبني إياها لكي أكون جديراً بالعطايا البسيطة والعظيمة التي تهبني إياها دون سؤال – هذه السماء ، والضياء، هذا الجسد والحياة والعقل – حامياً إياي من خطر الرغبات الطاغية.
هنالك أحيان أتكاسل فيها بوهن ، وأحيان أستيقظ فيها على عجل لأبحث عن غايتي، ولكن بقسوة أنت تخبئ نفسك عني.
يوماً بعد الآخر أنت تجعلني جديراً بقبولك الكلي عبر رفضك لكل شيء وللاشيء، حامياً إياي من مخاطر الرغبة الضعيفة والمشكوك فيها.
(15)
أنني هنا لأغني الأغاني. في هذه الردهة التي هي لك لدي كرسي في الزاوية.
في هذا العالم ليس لدي عمل لأعمله ، إن حياتي غير المجدية تستطيع فقط أن تتفجر بألحان دونما هدف.
عندما تحين الساعة للعبادة الصامتة في المعبد المظلم عند منتصف الليل ، أأمرني، ياسيدي ، لكي أقف هناك أمامك وأغني.
وعند هواء الصباح والقيثارة الذهبية قد دوزنت ، شرفني بأن تطلب حضوري لديك.
(16)
لقد نلت بطاقة دعوتي إلى احتفال هذا العالم ، وهكذا فإن حياتي قد بوركت. إن عيناي قد رأتا ، وأذناي قد أصغتا.
كان دوري في هذه الوليمة أن أعزف آلتي ، وقد قمت بكل ما أقدر عليه.
والآن ، أتساءل ، هل حان الوقت أخيراً للسماح لي بالدخول وأن أرى وجهك وأن أقدم لك تحيتي الصامتة ؟
(17)
إنني في انتظار الحب لكي أسلم نفسي ، أخيراً ، إلى يديه. ولهذا فإن الوقت قد تأخر كثيراً ، ولهذا فأنا مذنب بسبب هذا التباطؤ.
أنهم يجيئون بقوانينهم وحلولهم ليصلحوا من حالي سريعاً ، غير أنني أتجنبهم دائماً، لأنني لا أنتظر سوى الحب لأسلم نفسي إلى يديه.
الناس يلومونني ويقولون أنني بلا عقل ، وأنا لا أشك في أنهم محقين بلومهم لي.
إن يوم السوق قد انتهى وكل الأعمال قد انتهت. وهؤلاء الذين أتوا ليدعوني بلا رجاء قد عادوا أدراجهم غاضبين. إنني في انتظار الحب فقط لكي أسلم نفسي إلى يديه.
(18)
السحاب يتراكم فوق السحاب والدنيا تظلم. آه ، أيها الحب ، لماذا تجعلني أنتظر هكذا في الخارج عند الباب لوحدي ، تماماً ؟
في أوقات الزحام عند ذروة الظهر أنا مع الحشود ، غير أنني في هذا الظلام لوحدي ولا أأمل إلا فيك.
إذا لم تكن لتريني وجهك ، وإذا تركتني جانباً تماماً ، لا أعرف كيف سوف أقضى هذه الساعات الطويلة المظلمة والممطرة.
أستمر في التحديق في تجهم السماء البعيدة ، وقلبي يتشرد نائحاً مع عويل الرياح.
(19)
إذا لم تتحدث فإنني سأملأ قلبي بالصمت وأتحمله. سوف أبقى ساكناً وسأنتظر مثل الليل بجسد واهن ورأس محني ومثقل بالصبر.
الصبح حتماً سيأتي ، والظلام سيتبدد ، وصوتك سوف يسيل بالينابيع الذهبية تتفجر عبر السماء.
وحينها فإن كلماتك سوف تخفق أجنحتها بالأغاني من كل أعشاش عصافيري، وستتفجر الألحان في الزهور في كل أكمة غاباتي.
(20)
في اليوم الذي أزهر فيه اللوتس، ويا لحسرتي، كان ذهني مشتتاً، ولم ألحظ ذلك. كانت سلتي خاوية وبقيت الزهرة دون قطاف.
من آن لآخر حزن هبط علي ، وبدأت أستيقظ من حلمي وأحسست بأثر عذب لأريج غريب في ريح الجنوب.
هذه العذوبة الغامضة جعلت قلبي يتوجع بالحنين وتبدى لي أنها كانت أنفاس مشتاقة للصيف الذي يحاول أن يكتمل.
لم أكن أعرف آنئذ بأنها كانت قريبة للغاية ، وإنها كانت لي ، وأن هذه العذوبة المكتملة كانت قد أينعت في أعماق قلبي أنا.
(21)
يتوجب على أن أدفع بقاربي. لقد مرت الساعات الكسلى على الشاطئ – يا لحسرتي!
لقد منح الربيع أزهاره وارتحل. والآن مع ذبول الزهور والورود أنا أنتظر وأرتجي.
الأمواج قد هدأت ، وعلى الضفاف تتساقط أوراق الشجر الصفراء وتتناثر.
أي فراغ ذلك الذي تحدق فيه !
ألا تحس بتلك الرجفة العابرة من خلال الهواء وتلك المقطوعات القادمة من البعيد لأغنية تطفو من الضفاف الأخرى ؟
(22)
في الظلال العميقة ليوليو الممطر ، وبخطوات سرية ، أنت مشيت ، صامتاً مثل الظلام، مخاتلاً كل الرقباء.
اليوم الصباح أغلق عينيه ، غير مبالياً بالنداءات الصاخبة لرياح الشرق ، وحجاب ثقيل قد وضع على السماء الزرقاء اليقظة – دائماً.
أشجار الغابات خفضت صوت غناءها ، وكل الأبواب قد أغلقت في كل بيت. إنك المرتحل الوحيد في هذه الشوارع المهجورة والخاوية. أوه يا صديقي الوحيد ، محبوبي الأكثر، إن البوابات مشرعة في بيتي – لا تعبر من أمامها مثل الحلم.
(23)
هل أنت تجوب هذه الليلة العاصفة في رحلة الحب ، يا صديقي ؟ إن السماء تزفر بالأنين مثل شخص يتوجع.
النوم يجافيني هذه الليلة – مرة تلو الأخرى أتفقدك وأفتح الأبواب في العتمة، يا صديقي!
لا أرى شيئاً أمامي. أتساءل أين يكمن طريقك !
على أية ضفة خافتة من ضفاف نهر الحبر- الأسود ، على أية حافة بعيدة من حواف هذه الغابة العابسة ، عبر أية متاهة موحشة أنت تغزل الطريق الذي ستأتي عبره إلي، يا صديقي ؟
(24)
إذا كان اليوم قد انتهى، إذا توقفت العصافير عن الزقزقة، إذا أعلنت الريح هدوئها، إذاً أطرح علي حجب الظلام الدامسة، حتى ولو كنت قد لففت العالم بغطاء النوم وبرقة أغلقت أوراق زهرات اللوتس المنحنية عند الغروب.
من الرحالة ، الذي نفذ متاع حقيبته قبل نهاية الرحلة ، والذي تشققت ثيابه وتعفرت بالتراب ، والذي خارت قواه ، اخلع عنه عاره وفقره ، وجدد حياته مثل زهرة في غياهب ليلك الرؤوم.
(25)
في ليل التعب هذا دعني أمضي إلى النوم دونما مشقة واضعاً ثقتي فيك.
اجعلني لا أجبر روحي المنهكة على تحضيرات بائسة من أجل عبادتك.
إنه أنت الذي جلب حجاب الليل إلى العيون المتعبة للنهار لتنعش أنفاسه لساعات اليقظة.
(26)
لقد أتى وجلس إلى جانبي غير أنني لم أستيقظ أي نوم ملعون كان ذلك ، يا لبؤسي!
لقد جاء حين كان الليل ساكناً ، كانت قيثارته بين يديه ، وأحلامي أضحت ناعمة بسبب عزفه.
يا للحسرة ، لماذا كل ليالي قد أصبحت ضائعة ؟ آه لماذا دائماً أضيع رؤيته ذلك الذي تلمس أنفاسه نومي ؟
(27)
النور، أوه أين هو النور ؟ أشعله بنار الرغبة الحارقة !
هنالك القنديل ولكن لا شرارة للهب ؟ - أهذا هو قدرك يا قلبي ! آه إن الموت كان أفضل بكثير من أجلك !
التعاسة تطرق على بابي ، ورسالتها هي أن سيدك مستيقظ ، وهو يدعوك إلى مجلس الحب عبر ظلام الليل.
السماء ملبدة بالغيوم والمطر لا يتوقف. أنا لا أعرف هذا الذي يتحرك بداخلي – لا أعرف معناه.
لحظة من برق الرعد تبعث بالكآبة العميقة إلى ناظري ، وقلبي يتعطش للطريق الذي تدعوني إليه موسيقى الظلام.
النور ، أين هو النور! أشعله بنار الرغبة الحارقة ! أنها ترعد والرياح تهب بالعويل عبر هذا الفراغ. إن الليلة معتمة سوداء مثل حجر أسود. لا تدع الساعات تنقضي في الظلام أشعل مصباح الحب بحياتك.
(28)
منيعة هي القيود ، غير أن قلبي ينفطر عندما أحاول أن أكسرها.
الحرية هي كل ما ابتغي ، ولكن أن أتمناها أشعر بالعار.
أنا متأكد بأن ثروة لا تقدر بداخلك ، وأنك أصدق أصدقائي ، ولكن لا قلب لدي كي أكنس بعيداً هذه الزركشات التي تملأ غرفتي.
هذا الوشاح الذي يلفني هو وشاح الغبار والموت ، إنني أكرهه ، غير أنني أحضنه بحب.
إن ديوني عظيمة ، وفشلي كبير ، وخجلي السري ثقيل ، غير أنني عندما أأتي لأطلب الطيب ، أسارع على عجل خوفاً من أن يستجاب لصلواتي.
(29)
ذلك الذي أضمه إلى إسمي ينوح في هذا الجب – الحبس. أنا دائماً منشغل ببناء هذا الحائط من كل جانب ، وفيما يرتفع هذا الجدار إلى السماء يوماً تلو اليوم أفقد بصيرتي لحقيقة كينونتي في ظلاله السوداء.
إنني أفتخر بهذا السور العظيم ، وأحشوه بالطين والرمال خشية بقاء ثغرة ما في هذا الاسم ، ورغم حذري ذلك كله فإنني أفقد بصيرتي لحقيقة من أكون.
(30)
لقد جئت وحيداً في طريقي إلى محاكمتي. ولكن من هو هذا الذي يتتبعني في الظلام الدامس؟
أناوره بالتحرك جانباً كي أتجنب حضوره غير إنني لا أستطيع الفرار منه.
إنه يجعل التراب يصعد من على الأرض بخيلائه ، إنه يضيف حسه العالي إلى كل كلمة أنطق بها.
إنه ذاتي الصغيرة نفسها ، يا سيدي ، إنه لا يعرف الحياء ، غير أنني أخجل من اصطحابه معي إلى بوابتك.
(31)
"أيها السجين ، أخبرني ، من هو الذي قيدك ؟ "
" لقد كان سيدي " ، قال السجين.
" لقد ظننت أنني أستطيع أن أتجاوز ثراء كل البشر في هذا العالم وأن أكون الأقوى بينهم ، ولقد عبثت في دار خزانتي بأموال كانت لمليكي. وعندما غشاني النوم استلقيت على السرير الذي كان لسيدي ، وعندما استيقظت وجدت أنني قد أضحيت سجيناً في دار خزانتي."
" أيها السجين ، قل لي ، من هو الذي أوثق سلاسل قيدك التي لا تنكسر ؟"
" لقد كان أنا " ، قال السجين ، " الذي جهز هذه الأغلال بدقة وحرص. لقد ظننت أن قواي الخفية والمنيعة سوف تأسر العالم تاركة إياي لحرية بلا منغصات. وهكذا خلال الليل والنهار عملت على صنع هذه الأغلال وصهرتها عبر نار لاهبة وطرقات لاذعة. وعندما انتهى العمل فيها ، أخيراً ، وصارت السلاسل مكتملة ووثيقة ، وجدت أنها أمسكت بي وسلسلتني بقبضتها."
(32)
بكل الوسائل يحاولون أن يحيطونني بالأمان أولئك الذين يحبونني في هذا العالم. غير أن الأمر مختلف في حبك الذي هو أكبر منهم جميعاً ، وأنت تطلقني إلى الحرية.
ما لم أنسهم ، فإنهم لا يدعوني أبداً لشأني. غير أن اليوم يمضي إثر اليوم وأنت لا ترى.
إذا لم أدعوك في صلواتي ، إذا لم أحتفظ بك في قلبي ، يبقى حبك لي منتظراً رد حبي لك.
(33)
عندما تبدى النهار جاءوا إلى بيتي وقالوا ، "سوف نأخذ منك فقط أصغر الغرف لديك."
قالوا ، "سوف نساعدك في عبادة إلهك ونتقبل بخشوع نصيبنا فقط من بركاته" ، ثم اتخذوا لهم مكاناً في الزاوية وجلسوا بهدوء وخنوع.
غير أنه وفي جنح الليل وجدتهم يقتحمون صومعتي المقدسة بعنف وضوضاء ويسرقون بجشع فاجر قرابيني من على مذبح الإله.
(34)
دع لي القليل مني ، فقط ، لكي أستطيع أن أسميك كاملي.
دع لي القليل من إرادتي ، فقط ، حيث أستطيع أن أحسك من كل جانب ، وأن أأتي إليك في كل شيء ، وأن أقدم لك حبي في كل لحظة.
دع لي فقط القليل مني بحيث لا أستطيع ، أبداً ، أن أخبئك.
دع القليل فقط من أصفادي لي بحيث التصق بمشيئتك ، ولكي أحقق أهدافك في حياتي– وهذه هي أصفاد حبك.
(35)
حيثما العقل بلا مخاوف والرأس مرفوعاً عالياً ، حيث المعرفة حرة ،
حيثما العالم غير مفتت إلى شظايا عبر الجدران الضيقة المحلية ،
حيث تخرج الكلمات من عمق الحقيقة ،
حيثما يجهد الجهد الحثيث نحو الكمال ،
حيثما جدول السببية لم يفقد مجراه إلى صحراء الرمال من العادات البالية ،
حيثما العقل مقود إلى الأمام عبرك إلى أفكار وأعمال عظيمة الانفتاح –
إلى جنة الحرية ، يا أبتي ، دع بلادي تستيقظ فيها.
(36)
هذه هي صلاتي إليك يا إلهي – اضرب ، اضرب حتى الجذور في أعماق قلبي.
امنحني القوة بخفة كي احتمل متعي وأحزاني.
امنحني القوة كي أجعل حبي مثمراً في خدمتك.
امنحني القوة كي لا أتخلى عن بائس أو فقير أو أن أحني ركبتي أمام سطوة المتعجرف.
امنحني القوة كي أتسامى بعقلي فوق التفاهات اليومية.
وامنحني القوة لأسلم قوتي إلى مشيئتك بمحبة.
(37)
لقد ظننت أن رحلتي قد وصلت إلى نهايتها وأن قواي قد قاربت على الاستنفاذ ، - وأن الطريق أمامي كان مغلقاً ، أن مؤوني قد استنفذت وأن الوقت قد حان كي أتخذ لي ملاذاً في الغموض الصامت.
غير أنني اكتشفت أنك لا تعرف نهاية بداخلي. وعندما تموت الكلمات القديمة على اللسان ، تندفع ألحان جديدة من القلب، وحيثما تضيع الطرقات القديمة، بلاداً جديدة تتكشف بعجائبها.
(38)
أن أبتغيك ، أنت ، فقط، يكرر قلبي ذلك بلا نهاية. كل الرغبات التي تراودني نهاراً، وليلاً ، كاذبة وخاوية حتى النخاع.
وكما يخبئ الليل في جهمته أمل النهار ، هكذا في أعماق قلبي وضميري تنطلق صرخة– إنني أريدك ، أنت فقط.
وكما تظل الريح تبتغي في نهايتها السلام حتى وهي تطرق بعنف ضد السلام بكل قوتها، حتى ولو كانت ثوراتي العارمة تنفجر إزاء محبتك فإن صرختي ما زالت – أني أريدك، أنت فقط.
(39)
عندما يكون القلب قاسياً وجافاً ، اشملني بفيض رحمتك.
عندما تفقد حياتي بركتها ، تعال إلي ببحر من الإنشاد.
عندما يعج ضجيج العمل ويرتفع طنينه من كل صوب حارماً إياي مما هو أبعد منه، تعال إلي ، يا إلهي للصمت ، وأجلب إلي السلام والراحة.
عندما يجلس قلبي الشحاذ القرفصاء ، إخرس في زاويته ، إكسر الباب عنوة ، يا ملكي، وتعال إلي في احتفال الملك.
عندما تعمي عقلي الرغبة بأوهامها وغبارها ، أوه أنت المقدس العظيم ، أنت الذي لا تأخذك سنة النوم ، تعال إلي برعدك وبرقك.
(40)
إن المطر قد امتنع لأيام وأيام ، يا إلهي ، عن قلبي المتصحر. والأفق ناري العري – ليس هنالك أي غشاء خفيف حتى من الغيم الناعم ، ولا بارقة أمل حتى في مطر بعيد بارد.
أرسل بالعاصفة الغاضبة ، المظلمة بالموت ، إذا كانت هذه هي إرادتك ، وبسياط من البرق أجلد السماء من الطرف حتى الطرف.
لكن استعد ، يا إلهي ، استعد هذه الحرارة الحارقة ، الصامتة ، الساكنة ، القاسية ، التي تحرق القلب ببؤسها الصارخ.
فلترسل بسحاب البركة من الأعالي يهبط مثل نظرة أم دامعة في يوم غضب الأب.
(41)
لماذا تقف خلفهم جميعاً ، يا سيدي ، مخفياً نفسك في الظلال ؟ إنهم يدفعون بك ويعبرونك على الطرق المتربة ، يعاملونك على أنك العدم. إنني أنتظرك هناك مرهقاً لساعات متعبة عارضاً العطايا والقرابين لك ، فيما العابرون يأتون ويسلبونني زهوري ، واحداً تلو الآخر ، وقد قاربت سلتي على الخواء.
لقد انقضى وقت الصباح والظهيرة ، وفي ظل المساء عيناي مثقلتان بالنعاس. الرجال العائدون إلى بيوتهم يلقون علي بنظرة ويبتسمون ويملئونني بالخجل. إنني أجلس كشحاذة خادمة ، أشد تنورتي وألقيها على وجهي ، وعندما يسألونني ما هو الذي أبتغيه ، أخفض عيني ولا أجيبهم.
أوه، كيف لي بالفعل أن أخبرهم أنني من أجلك أنتظر ، وأنك قد وعدتني بالمجيء. كيف لي أن أنبس لهم بخجل أنني احتفظ بهذا الفقر ليكون جهازي ومهري لك. آه ، إنني أحضن هذا الفخر واكتمه في قلبي.
أجلس على العشب وأحدق في السماء وأحلم بحضورك الرائع والمدهش والمفاجئ – كل الأنوار ستسطع ، والرايات الذهبية ترفرف فوق عربتك ، وعلى الشارع يقف المصطفون على الناحيتين ، عندما يرونك تهبط من عرشك لتنشلني من الغبار، وتجلس بقربك هذه الفتاة الشحاذة مثل نسمة باردة في عز الصيف.
غير أن الوقت يمضي ولا صوت هنالك – بعد – لعجلات عربتك. الكثير من المواكب يمر أمامي بالضجيج والصراخ ومظاهر العظمة. وأنت الوحيد ، الذي سوف يقف ساكناً في الظلال ، صامتاً ، وخلفهم جميعاً ؟ وأنا الوحيد الذي سوف ينتظر وينوح ويرهق قلبه بلا جدوى في الانتظار؟
(42)
في الفجر المبكر، تم التهامس ، أننا سوف نبحر في القارب، أنت وأنا فقط، ولا نفس في الأرض سوف تعرف عن حجنا هذا إلى اللا بلاد واللانهاية.
في هذا المحيط الذي لا شاطئ له ، ومع ابتسامتك الهادئة والمصغية سوف تتفجر أغنياتي بالألحان ، حرة مثل الأمواج ، حرة من كل علائق الكلمات.
هل هذا الأوان ، لم يحن بعد ؟ هل ما زال هنالك أعمال لأدائها ؟ هابطة ، جاءت الأمسية إلى الشطآن وفي خفوت النور طارت النوارس إلى أعشاشها.
من ذا الذي يعلم متى ستنخلع الأغلال ، والقارب ، مثل أخر ضوء لمغيب الشمس، سوف يتوارى في الليل ؟
(43)
في اليوم الذي لم أكن مستعداً من أجلك فيه ، ووالجاً إلى قلبي دون أية ممانعة حتى كأحد الأفراد من الحشود ، مجهولاً بالنسبة إلي ، يا ملكي ، أنت قد وشمت سيماء الأبدية على الكثير من اللحظات الهاربة في حياتي.
واليوم عندما بالصدفة استضيء بها ، وأشهد توقيعك عليها ، اكتشف أنها كانت ملقاة هناك ومبعثرة في الطين تختلط بذكريات الحزن والسرور لأيام حياتي التافهة منسية هناك.
وبالرغم من ذلك أنت لم تذرني وحيداً ولم تغضب من لهوي الطفولي في التراب ، والخطوات التي أصغيت إليها وأنا في غرفة اللعب هي نفسها التي أسمع صداها بين نجمة وأخرى.
(44)
هذه هي متعتي ، أن أنتظر وأراقب على جانب الطريق حيث الظل يطارد النور والمطر يأتي ليهمي في عز الصيف.
رسل ، يأتون بطيات من السماوات المجهولة ، يحيونني ويسرعون الخطو على الطريق. إن قلبي فرحاً في الداخل ، وأنفاس النسيم العابر عطرة.
من الفجر حتى المغيب أجلس هنا أمام بابي ، وأدرك أن لحظة السعادة ستصل فجأة عندما أراك.
وفي أثناء ذلك ابتسم وأغني لوحدي تماماً. وفي الوقت نفسه الهواء يمتلئ بعطر الوعد.
(45)
ألم تسمع خطواته الهادئة ؟ إنه يأتي ، يأتي ، يأتي دائماً.
في كل لحظة ، وكل عصر ، في كل يوم وكل ليل إنه يجئ ، يجئ ، يجئ دائماً.
أغاني كثيرة رنمتها في أمزجة كثيرة للعقل ، غير أن كل نوتاتها أعلنت ، "إنه يجيء ، يجيء ، يجيء دائماً ".
في شظايا الأيام لأبريل المشمس ومن خلال الغابة وطريقها إنه يأتي ، يأتي، يأتي دائماً".
في كآبة المطر في يوليو ولياليه في العربات المرعدة للغيوم إنه يأتي ، يأتي، يأتي، دائماً.
في الأحزان تلو الأحزان إنها خطواته تلك التي تمشي في قلبي ، وإنها هي لمسته الذهبية برجليه تلك التي تجعل فرحي مشعاً.
(46)
إنني أجهل من أي زمن بعيد أنت تأتي دائماً تقترب لتلاقيني. إن شمسك ونجومك لا تستطيع أبداً أن تخفيك عن عيوني.
في صباحات كثيرة وأمسيات خطواتك قد سمعت ورسولك أتى من خلال قلبي ودعاني في السر.
لا أعرف لماذا أشعر اليوم بأن حياتي كلها قد تحركت ، وأن شعوراً بالفرح الهائل يعبر داخل قلبي.
إنه كما لو أن الوقت قد حان لأنهي أعمالي ، وأحس بفوح خفيف عذب لحضورك الجميل.
(47)
لقد انقضت الليلة في انتظاره ، عبثاً. إنني أخشى من أن يأتي فجأة إلى بابي في الصباح ويكون النوم قد خاتلني. أوه ، يا أصدقاء ، أخلوا له الطريق – لا تمنعوه.
إذا لم تقم خطواته بإيقاظي ، لا تحاولوا أن توقظوني ، أنني أصلي من أجل ذلك . إنني لا أتمنى أن أصحو من نومي عبر نداءات زقزقة العصافير ، أو مظاهرة الرياح في احتفالات نور الصباح. دعوني نائماً دونما إزعاج إذا ما جاء إلهي فجأة إلى باب بيتي.
آه يا نومي، يا نومي الثمين ، والذي ينتظر لمسته فقط كي يتلاشى. آه ، عيناي المغمضتان واللتان ستفتحان أجفانهما فقط لنور ابتسامته عندما يقف أمامي مثل حلم يبزغ من ظلام النوم.
دعه يظهر أمام ناظري كأول كل الأضواء ، كل الأشكال. الرعشة الأولى لفرحي ولروحي اليقظة فلتأتي من نظرته. وأجعل من عودتي إلى نفسي عودة فورية إليه.
(48)
إن بحر الصمت للصباح قد تفجر بأغاني الطيور ، والورود كانت تمتلئ بالبهجة على جوانب الطريق ، وترف الذهب قد توزع بين الغيوم فيما مضينا نحن منشغلين في الطريق غير عابئين بذلك كله.
لم ننشد أغاني الامتنان ولا لهونا ، لم نذهب إلى القرية للمقايضة ، لم ننطق بكلمة ولم نبتسم ، ولم نسترخي في الطريق. وأسرعنا الخطى أكثر وأكثر كلما تسارع الوقت.
الشمس صعدت إلى كبد السماء والحمائم تجمعت في الظلال. أوراق الشجر الذابلة تراقصت ودارت في الهواء الساخن للظهيرة. والولد الراعي استراح وحلم تحت ظلال شجرة البانيان ، وأنا استلقيت بقرب الماء ومددت ساقي المتعبتين على العشب.
رفاقي سخروا مني ضاحكين ، رفعوا رؤوسهم عالياً وأسرعوا في المشي ، لم ينظروا أبداً إلى ما ورائهم ولم يستريحوا ، لقد اختفوا في الأفق البعيد الأزرق. لقد عبروا الكثير من الحدائق ، والتلال ، ومروا عبر بلاد غريبة وبعيدة جداً. كل الشرف لك ، أنت المضيف البطولي للطرق غير المنيعة ! السخرية والاستهجان أجبراني على القيام ، غير أنني لم أجد دافعاً بداخلي. لقد تركت نفسي ضائعاً في أعماق الإهانة المحظوظة تحت ظلال المتعة.
إن طمأنينة الظلال الخضراء المطرزة بنور الشمس والتي انتشرت ببطء فوق قلبي جعلتني أنسى لماذا كنت قد ارتحلت وأسلمت عقلي دونما مقاومة إلى غابات الظلال والغناء.
أخيراً، عندما استيقظت من قيلولتي وفتحت عيناي ، شاهدتك تقف أمامي ، غاسلاً نومي بابتسامتك. كم كنت مذعوراً من أن الطريق سوف يكون طويلاً ومرهقاً ، وأن الكفاح للوصول إليك سيكون صعباً للغاية !
(49)
لقد أتيت إلي هابطاً من عرشك ووقفت أمام باب كوخي.
كنت أغني لوحدي تماماً في الزاوية، وقد مس اللحن أذنيك. لقد هبطت ووقفت عند باب كوخي.
إن السادة كثر في ردهتك ، والأغاني تنشد هنالك في كل الأوقات. غير أن هذه الأغنية المرحة والبسيطة لهذا المبتدئ نالت محبتك. إن وتراً صغيراً عادياً اختلط بالموسيقى العظيمة لهذا العالم ، وبزهرة كجائزة هبطت أنت وتوقفت عند باب كوخي.
(50)
لقد كنت أشحذ من باب لباب في درب القرية عندما بدت عربتك الذهبية في البعيد مثل حلم رائع وتساءلت من يكون هذا ملك الملوك جميعهم!
لقد ارتفعت آمالي عالياً وظننت أن أيامي السيئة قد وصلت إلى نهايتها ، ووقفت هنالك في انتظار الصدقات لكي تمنح دونما سؤال وللثروات لتنثر على جانبي الطريق الترابي.
لقد توقفت المركبة حيث وقفت. وسقطت النظرة علي ورافقتها ابتسامة. لقد أحسست بأن حظ حياتي قد وصل إلي أخيراً. ثم فجأة أنت مددت يدك اليمنى إلي وقلت ، " ما الذي لديك لتمنحني إياه ؟ "
آه أي تصرف ملكي ذلك أن تفتح كفك لشحاذ كي تشحذ! لقد كنت محتاراً ومضطرباً ووقفت دون أن أقرر ، ثم من محفظتي ببطء أخذت أصغر حبة ذرة وأعطيتك إياها.
غير أنه ما كان أعظم دهشتي عندما ، في نهاية اليوم ، أفرغت حقيبتي على الأرض ووجدت حبة صغيرة من الذهب بين ذلك الركام البائس. لقد بكيت بمرارة وتمنيت لو كان لدي القلب لأمنح كل ذلك لك.
(51)
الليل أعتم. أعمال نهارنا قد انتهت. لقد ظننا أن أخر الضيوف قد وصل وأبواب القرية كلها أوصدت. غير أن البعض قال بأن الملك قادم. ضحكنا وقلنا ، " كلا ، هذا مستحيل! ".
بدا أن هنالك طرقاً على الباب ، غير أننا قلنا أن هذا ليس سوى الريح. أطفئنا المصابيح، وخلدنا للنوم. غير أن البعض قال ، " إنه الرسول !". ضحكنا وقلنا ، " كلا ، لابد أنها الريح ! ".
انطلق صوت في قلب الليل. لقد ظننا نعسانين بأن ذلك صوت رعد قصي. ارتجت الأرض، اهتزت الجدران، وأزعجنا ذلك في نومنا. غير أن البعض قال، إن ذلك هو صوت العجلات. قلنا في همهمات دائخة " كلا، لابد أنه ضجيج السحاب!".
كان الليل لا يزال ساكناً عندما دقت الطبول. جاء الصوت ، " استيقظوا ، هموا ولا تتأخروا !". وضعنا أيادينا على قلوبنا وارتجفنا من الذعر. البعض قال ، "انحنوا ، تلك هي راية الملك ! ". وقفنا على أقدامنا وصرخنا ، " لا وقت هنالك للتأخير ! ".
الملك قد جاء – ولكن أين هي الأضواء ، وأين هي الزينات ؟ وأين يجلس صاحب التاج، أوه يا للعار ، يا للفضيحة ! أين هي القاعة ، وأين هي الزخرفات ؟. أحدهم قال ، " لا فائدة من النحيب ، استقبلوه وحيوه بالأيادي الخاوية ، قودوه إلى غرفكم العارية ! ".
افتحوا الأبواب ، أطلقوا صوت الأصداف والودع ! في عمق الليل جاء ملك بيتنا المظلم والموحش. الرعد يزأر في السماء. الظلام يرتجف بالبرق. أخرج قطعة بساطك المهلهلة وأبسطها في الفناء. مع العاصفة قد جاء فجأة ملكنا لليل المهيب.
(52)
لقد فكرت أن أطلب منك – غير أنني لم أجرؤ على ذلك – بقايا الوردة التي كانت في العقد حول جيدك. وهكذا انتظرت إلى الصباح ، عندما غادرت أنت ، لأجد بعض البتل على الفراش. ومثل متسول بحثت في الفجر لأجد بتلة قد وقعت أو اثنتين.
أواه يا أنا ، ما الذي أعثر عليه ؟ أي تذكار قد بقى من حبك ؟ ليس هنالك زهرة ، ولا بهارات ، ولا قارورة من ماء معطر. إنه سيفك العظيم ، يلمع كاللهب ، ثقيل مثل رصاص من الرعد. إن نور الصباح ينبلج ويتسلل من النافذة ناشراً نفسه على فراشك. عصافير الصباح تتلفت وتسأل، " أيتها المرأة ، ماذا لديك ؟ ". كلا إنها ليست زهرة ، ولا بهارات ، ولا قارورة ماء معطر – إنه سيفك المخيف.
إنني أجلس وأتأمل في حيرة ، ما هي هويتك هذه. ليس لدي مكان لأخبئها فيه. وأنا أخجل من ارتدائه ، هشة كما أنا ، ضعيفة ويؤلمني حين أضعه على صدري. غير أنه سوف أتحمل في قلبي هذا الشرف لمسؤولية الألم ، هديتك.
من الآن وصاعداً لن يكون هنالك خوف لدي في هذا العالم ، وأنت سوف تكون منتصراً في كل معاركي. رغم أنك تركت الموت ليصاحبني ، ولسوف أتوجه بحياتي. إن حسامك معي لكي ابتر قيودي ، ولن يكون لدي أي خوف بعد في هذا العالم.
من اليوم وصاعداً سوف أترك خلفي كل الزينات التافهة. يا إله قلبي ، لن يكون هنالك المزيد لي من النحيب والعويل في الزوايا ، لا مزيد من الغنج والدلال والدلع.
ورغم أنك أهديتني السيف لجماله ، غير أنه لن يعود هنالك من زينة العرائس لي!.
(53)
جميلة هي أسورة المعصم ، محفورة بالنجوم ، ومزينة بعناية بجواهر ملونة من التلال. غير أن الأجمل منها ، بالنسبة إلي ، هو سيفك بتقويسه اللامع مثل أجنحة منشور للطير المقدس لفيسشنو ، متأهباً بالكمال تحت النور الأحمر الغاضب للغروب.
إنه ينتفض كأنه الرمق الأخير للحياة في نشوة الألم في الضربة الأخيرة للموت ، إنه يلمع مثل اللهب الخالص للوجود وهو يحرق الحس الأرضي بوهجه المتأجج.
جميلة هي أسورة المعصم ، المزخرفة بالجواهر اللامعة ، غير أن سيفك ، أوه يا إله البرق ، يزخر بأقصى الجمال ، يصعب احتواءه أو التفكير به.
(54)
لا أطلب منك شيئاً، لم أنبس بإسمي إلى مسمعك. عندما استأذنت للرحيل وقفت صامتة. كنت وحيدة عند البئر حيث مال ظل الشجرة، والنساء قد مضين إلى البيوت حاملين فخار الماء الطينية، ممتلئة حتى أخرها. نادينني وصرخن، " تعالي معنا، إن الصباح قد تحولت حرارته إلى الظهيرة". غير أنني تأخرت عنهن وغرقت في وسط تأملاتي الغامضة.
لم أسمع وقع خطوك عندما أتيت. عيناك كانت حزينتان عندما وقع نظرهما علي ، كان الصوت مرهقاً وتحدثت بصوت خفيض – "آه" ، إنني مسافر ظمآن ". صحوت من أحلام يقظتي وصببت الماء من جرتي في كفيك المعقودين. الأوراق حفت فوق الرأس ، والبلبل غني من ظلمة غير مرئية ، وعطر زهور اللبلاب فاحت نحونا من جانب الطريق.
أطرقت خرساء بالحياء عندما سألتني عن أسمي. يا للهول ، ما الذي قدمته لك لكي تحتفظ بي في الذاكرة ؟ غير أن ذكرى الماء الذي رويت به عطشك سوف تلتصق بقلبي وتلفه بالعذوبة. إن ساعات الصباح قد ولت ، العصافير تشدو بزقزقة تعبة ، أوراق شجر النسيم تحف فوق الرأس وأنا أجلس وأفكر ، وأفكر.
(55)
الفتور في قلبك ، والنعاس لا يزل في عينيك.
ألم يصلك الخبر بأن الزهرة تمكث في النعيم بين الأشواك ؟ أفق ، أو أستفق ! لا تدع الوقت يمضي هباءاً !.
في أخر الطريق الحجري ، في موطن العزلة العذراء صديقي يجلس وحيداً، تماماً. لا تخدعه . أفق ، أوه أستفق !
ماذا لو أن السماء أرعدت وأزبدت بالحرارة الحارقة في شمس القيظ – ماذا لو أن الرمال الحارقة لهثت بالظمأ –
أليس هنالك من فرح في أعماق قلبك ؟ عند كل موقع قدم لك ، ألن يتفجر عندما لحن الألم العذب للقيثارة ؟
(56)
هكذا فإن البهجة في داخلي مكتملة. هكذا كنت أنت الذي هبط إلي. أوه يا إله كل السماوات ، أين كان سيكون حبك لو لم يكن لدي ؟
أنت أخذتني كشريك لك في كل هذا الثراء. إنه في كل قلبي كل هذا اللهو الفائض في المتعة. في حياتي مشيئتك تتخذ أشكالها.
ولهذا ، فأن الذي هو ملك الملوك قد غمست نفسك في الجمال كله لكي تستولي على قلبي. ولهذا فإن حبك يذوب في حب العاشق ، وأنت هنالك ترى في الاتحاد الكامل لاثنين.
(57)
أيها النور ، يا نوري ، يا نور العالم ، أيها النور الذي يقبل العينين ، نور القلب – العذب!
آه ، إن النور يتراقص، يا حبيبي، في قلب حياتي، إن النور يضرب، يا حبيبي، أوتار عشقي، إن السماء تنفتح، والرياح تتراكض ببرية، والضحكات تعبر فوق الأرض.
النور يشع كالذهب فوق كل سحابة ، يا حبيبي ، ويلقى بالجواهر في ترف.
الطرب يتوزع بين الأوراق ، يا حبيبي ، والسرور بلا حدود. إن نهر الجنة قد فاض على ضفافه وسيول الفرح قد عمت الدنيا.
(58)
دع كل أوتار البهجة تتلاعب في أغنيتي الأخيرة – تلك البهجة التي تجعل الأرض تغتبط بجنون بالعشب الكثيف ، البهجة التي تصاحب الأخوان التوائمين ، الحياة والموت ، البهجة التي تكتسح الزوبعة ، راجة وموقظة كل الحياة بالضحك ، البهجة التي تجلس ساكنة بدموعها في ألم تفتح زهر اللوتس الأحمر ، والبهجة التي ترمي بكل شيء تملكه في التراب ، ولا تعرف كلمة واحدة.
(59)
نعم ، إنني أعلم ، أن هذا لا شيء سوى حبك أوه يا حبيب قلبي – هذا النور الذهبي الذي يتلاعب على الأغصان ، هذه السحابة الكسول التي تبحر في السماء ، هذا النسيم العليل الذي يترك طراوته على جبيني.
إن نور الصباح قد أغرق عيني – هذه هي رسالتك إلى قلبي. إن وجهك ينحني من الأعالي ، عيناك تنظران إلى عيني ، وقلبي قد لامس قدميك.
(60)
على ضفاف العالم اللانهائية يلتقي الأطفال. إن السماء الممتدة تقف ساكنة فوق الرؤوس والمياه القلقة تجري صاخبة. على ضفاف العالم اللانهائية يلتقي الأطفال يلهون ويرقصون.
إنهم يبنون بيوتهم من الرمال ويلعبون بالأصداف الخاوية. وبالأغصان الزاوية يبنون زوارقهم ويطلقونها مبتسمين إلى العمق الشاسع. إن الأطفال يجدون لعبهم على ضفاف بحار العوالم.
إنهم لا يعرفون كيف يسبحون ، ولا يعرفون كيف يرمون بالشباك. إن صيادي اللؤلؤ يغوصون من أجل اللؤلؤ ، التجار يبحرون في مراكبهم ، فيما الأطفال يجمعون الحصو وينثرونه من جديد. إنهم لا يبحثون عن ثروات مختبئة ، إنهم لا يعرفون كيف ينصبون شباكهم.
إن البحر يطفح بالضحكات ، وابتسامة شاطئ البحر تشع. الأمواج التي تحمل الموت تغني أغاني بلا معنى للأطفال ، وحتى مثل هدهدة الأم وترنيمها لوليدها وهي تهز مهده. إن البحر يلاعب الصغار ، والابتسامة تشع من شاطئه.
على ضفاف العالم اللانهائية الأطفال يلتقون. الزوابع تدور في السماء التي لا دروب فيها ، المراكب تتحطم في المياه العميقة ، الموت مقلعاً والأطفال يلهون. على ضفاف العوالم اللانهائية يحدث الاجتماع العظيم بين الأطفال.
(61)
إن النوم الذي يغمر عيون الوليد – هل يعرف أي أحد من أين يأتي ؟ نعم هنالك شائعة أنه يعيش حيث ، قرية الحوريات ما بين ظلال الغابة المضاءة ضوءاً خافتاً ينعكس من الديدان المنيرة ، هنالك يتدلى برعمان صغيران للسرور. من هنالك يأتيا ليقبلا عيون الطفل.
الابتسامة التي تتسلل إلى شفاه الوليد عندما ينام – هل يعرف أي شخص أين قد ولدت ؟ نعم ، هنالك إشاعة بأن ضوءاً شاحباً صغيراً للهلال قد لامس حافة سحابة خريف ينقضي، وهنالك في البدء ولدت الابتسامة في حلم صباح مغسول بالندى – الابتسامة التي تلتمع على شفاه الطفل عندما يذهب في النوم.
إن تلك اليناعة العذبة والناعمة التي تزهر في أطراف الوليد – هل يعرف أي أحد أين كانت مخبوءة لزمن طويل؟ نعم، عندما كانت الأم صبية صغيرة استلقت غامسة قبلها في رقة الغموض الصامت للحب – إنها اليناعة العذبة والناعمة التي أزهرت في أطراف الوليد.
(62)
حينما أجلب لك الألعاب الملونة ، يا طفلي، أفهم لماذا هنالك كل هذا اللعب للألوان في الغيوم، والماء، ولماذا الزهور مرسومة وملونة – عندما أمنحك ألعاباً ملونة، يا طفلي.
عندما أغني من أجلك كي ترقص، أعرف حقيقة لماذا هنالك موسيقى في الأغصان، ولماذا ترسل الأمواج إلى قلب الأرض المصغية – عندما أغني من أجلك كي ترقص.
عندما أحضر بالحلويات إلى يديك الطماعتين أعرف لماذا هنالك عسل في كأس الوردة ولماذا الفواكه محشودة بالسر بالعصائر الحلوة – عندما أحضر الحلويات إلى يديك الطماعتين.
عندما أقوم بتقبيل وجهك لأجعلك تبتسم ، يا حبيبي ، فأنا بالتأكيد أفهم ما هي تلك اللذة التي تتدفق من السماء تحت نور الصباح ، وأية متعة تلك التي يجلبها نسيم الصيف إلى بدني – عندما أقبلك كما تبتسم.
(63)
أنت قد جعلتني معلوماً عند أصدقاء لم أعرفهم أبداً. أنت الذي منحتني أرائكاً في بيوت ليست لي. أنت الذي قربت البعيد وجعلت من الغريب أخاً لي.
إن قلبي يغتم عندما أضطر إلى ترك مكاني المألوف ، وأنسى أنه في القديم يختبئ الجديد ، وأنك هنالك أيضاً مخبأ.
من خلال الولادة والموت ، في هذا العالم أو العوالم الأخرى ، أينما تقودني فهنالك أنت، الصاحب الوحيد لحياتي الممتدة الذي يربط ما بين قلبي وروابط الفرح في ذلك المجهول.
عندما يتعرف عليك المرء ، فلا غريب هناك ولا باب يكون موصداً. أوه ، حقق لي صلاتي يا مولاي كي لا أفقد أبداً بركتك أيها الواحد الأحد في لهو الآخرين.
(64)
على المنحدر عند النهر المنعزل ما بين الحشائش الطويلة سألتها ، " أيتها البتول ، إلى أين تمضين ساترة مصباحك بدثارك ؟ إن بيتي كله معتم وموحش – أعيريني نورك! ". رفعت عينيها الداكنتين لبرهة ونظرت إلى وجهي من خلال الغسق. " لقد أتيت إلى النهر"، قالت، " لكي أجعل مصباحي يطفو على الجدول عندما يميل ضوء النهار إلى الغرب". وقفت وحيداً بين الحشائش الطويلة وراقبت اللهب الخافت لقنديلها منجرفاً بلا نفع إلى أمواج النهر.
في صمت الليل المجتمع سألتها ، " أيتها البتول إن أنوارك كلها قد أضاءت – إلى أين تذهبين إذا بمصباحك ؟ إن بيتي كله معتم وموحش – أعيريني نورك ". رفعت عينيها الداكنتين إلى وجهي ، ووقفت لبرهة في حيرة. " لقد جئت " ، قالت أخيراً ، " لكي أكرس مصباحي للسماء. وقفت وراقبت نورها يحترق بلا جدوى في الفراغ.
في جهمة الليل الذي لا قمر فيه سألتها، " أيتها البتول، إلى ماذا ترمين وأنت تمسكين بالمصباح قرب قلبك؟ إن منزلي كله موحش ومعتم، - أعيريني ضوءك". توقفت لبرهة وفكرت وحدقت في وجهي في الظلام. " لقد أحضرت نوري". قالت، "لأنضم إلى كرنفال المصابيح". وقفت وراقبت مصباحها الصغير تائهاً بلا جدوى ما بين الأضواء.
(65)
أي شراب قدسي سوف تتناول يا إلهي ، من هذا الكأس الذي يفيض من حياتي ؟
يا شاعري ، إنه يسرك أن ترى خلقك عبر عيني وأن تقف عند بوابات أذني صامتاً لتصغي إلي موسيقاك أنت الأبدية ؟
إن عالمك يغزل الكلمات في عقلي والفرح يضيف الموسيقى إليها. أنت قد منحت نفسك لي بمحبة ثم أحسست بعذوبتك الكلية بداخلي.
(66)
هي التي بقيت دائماً في أعماق وجودي ، في نور الغسق والتماعاته ، هي التي لم تكشف حجبها أبداً في نور الصباح ، سوف تكون هديتي الأخيرة إليك ، يا إلهي ، مطوية في أغنيتي الأخيرة.
الكلمات حاولت إغوائها غير أنها فشلت في أن تكسبها ، ومحاولات الاحتواء مدت إليها أذرعتها بلا جدوى.
لقد جلت من بلد إلى بلد محتفظاً بها في قلب قلبي ، ومن حولها ارتفعت وتساقطت أعمدة نضوجي وتفسخي في هذه الحياة.
على قمم أفكاري وأعمالي ، أحلامي ونعاسي ، حكمت غير أنها عاشت وحيدة ونائية.
الكثير من الرجال طرقوا باب بيتي وطلبوا قربها غير أنهم عادوا خالين الوفاض.
ليس هناك أي شخص في هذا العالم استطاع أن يراها وجهاً لوجه ، وهي تسربلت بوحدتها في انتظارك.
(67)
أنت هو السماء وأنت هو العش ، أيضاً.
إنك جميل، هنالك في العش يسكن حبك الذي يلف الروح بالألوان والأصوات والغرام.
ها هو الصباح يأتي كفتاة تحمل سلة ذهبية في يدها اليمني مليئة بأكاليل الجمال، تحملها بصمت لتتوج الكون.
وها هو المساء يأتي والمراعي الوحيدة التي هجرتها القطعان، عبر الطرق الوعرة، يحمل كفتاة جرعات من السلام في جرتها الذهبية من المحيط الغربي للراحة.
لكن هناك، حيث تمتد السماء بلا حدود للروح كي تحلق فيها، يسكن الشعاع الأبيض الذي لا بقعة فيه. ليس هناك من نهار أو ليل ، ولا شكل ولا لون ، وأبداً، أبداً لا كلمة هناك.
(68)
إن شعاع الشمس يأتي إلى هذه الأرض التي هي لي بأذرع ممدودة ويقف عند بابي طوال النهار كي يحمل إلى أقدامك، عائداً ، سحب مصنوعة من أدمعي، وآهاتي، وغنائي.
بمحبة عميقة أنت تلف الصدر المرصع بالنجوم ، هذا الدثار من الغيوم الملبدة، محولاً إياه إلى أشكال لا عد لها تبسطها وتلونها إلى درجات من الألوان المتحولة.
إنها خفيفة للغاية وتطير بسرعة، رقيقة وممتلئة بالدموع ومعتمة، ولهذا أنت تحبها، أوه أنت الخالي من البقع والجميل الهادئ. ولهذا فإنها قد تغطي نور بياضك الشديد بظلالها التعسة.
(69)
إن مجرى الحياة نفسه الذي يسيل خلال شراييني ليلاً ونهاراً ، يجري في العالم ويرقص بإيقاع موزون.
إنها الحياة نفسها التي تنطلق بفرح عبر طين الأرض في أجمة العشب وتتكسر في زبد الأمواج وتطل من أوراق الأشجار وزهورها.
إنها الحياة نفسها التي يتم حفرها في مهد المحيط للولادة والموت ، في الجزر وفي المد.
أشعر بأن أطرافي قد أصبحت رائعة بلمسة من عالم الحياة هذه. وأن كرامتي هي من ضخ الحياة هذه لعصور تتراقص في دمي هذه اللحظة.
(70)
إنه يتجاوزك أن تكون فرحاً مع الفرح الهائل لهذا الإيقاع ؟ أن يرمي بك وأن تضيع وأن تنكسر في دوامة هذا الفرح المهول ؟
كل الأشياء تتدافع ، لا تتوقف ، إنها لا تنظر إلى الوراء ، لا قوة تستطيع أن تمسك بها، إنها تندفع بسرعة.
إنها تحاول اللحاق بخطوات هذه الموسيقى القلقة ، والسريعة ، الفصول تتلاحق راقصة وتمضي – الألوان ، الإيقاعات ، والعطور تصب في حدائق غناء بلا حدود في هذا المرح الوافر الذي يتوزع وينتهي ويموت في كل لحظة.
(71)
أن أفخم في ذاتي وأقلبها من كل الجوانب، ناشراً بذلك الظلال الملونة على نورك، هذا هو الوهم ، المايا.
أنت تضع الحواجز في وجودك ثم تطلب أن تخدم على ربوتك العالية. إن هذا هو انفصال نفسك الذي اتخذ له جسداً في.
إن الأغنية الصارمة تتردد صداها خلال كل السماء بدموع كثيرة –ملونة وابتسامات، أصوات يأس وآمال، إن الأمواج تصعد عالياً وتنكسر من جديد، الأحلام تتكون وتتبدد. في نفسي أمتلك هزيمتها.
إن هذا الستار الذي رفعته مرسوم بأشكال لا حصر لها بفرشاة من الليل والنهار. خلفه عرشك منسوج بعجائب غامضة من الانحناءات ، ضاربة بكل الخطوط العارية والمستقيمة.
إن المشهد العظيم لك ولي قد انتشر في المساء. بنغمك ونغمي كل الهواء يترنم ، وكل العصور تمر عبر الخفي لتبحث عنك وعني.
(72)
إنه هو، الواحد في عمق الأعماق ، الذي يوقظ كينونتي بلمساته العميقة الخفية.
إنه هو الذي يضع فتنته على هاتين العينين وببهجة يعزف على أوتار قلبي ألحاناً متنوعة للمتعة والألم.
إنه هو الذي ينسج بيت الوهم – المايا هذا في خيوط من الذهب والفضة، الأزرق والأخضر، ويسمح لنا أن نسترق النظر من خلال طيات أقدامه، والذي بلمسة منه أنسى من أنا.
الأيام تأتي والعصور تمر، وهو الذي دائماً يحرك قلبي، بأسماء كثيرة، بوجوه كثيرة، بأزمنة كثيرة من الفرح والأسى.
(73)
الخلاص ليس لي عبر العزوف عن الدنيا. إنني أشعر بحضن الحرية في ألف رباط ورباط للمتعة.
إنك دائماً ما تصب لي من ذخيرتك الطازجة من خمرتك ذات الألوان المتنوعة والأريج، مالئاً كأس الدنيا هذه حتى الثمالة.
إن عالمي سوف يضيء مصابيحه المئة المختلفة بلهبك وسأضعهم أمام المذبح في معبدك.
كلا، إنني لن أغلف أبداً بوابات حواسي. نعمة النظر والسمع واللمس سوف تحمل كلها متعتك.
نعم إن كل أوهامي سوف تحترق لتصبح شعاعاً من الفرح ، وكل رغباتي سوف تنضج لتكون فاكهة الحب.
(74)
النهار لم يعد، إن الظلال قد خيمت على الأرض. إنه الوقت كي أمضي لأملأ جرتي من النبع.
إن هواء المساء متلهف مع الموسيقى الشجية للماء. آه ، إنه يدعوني للخروج إلى الغسق. في الدرب الوحيد لا عابر هناك ، الريح قد صعدت ، والأمواج عاتية في النهر.
لا أعرف إذا ما كنت سوف أعود إلى بيتي. ولا أعرف من الذي سوف أصادفه في الطريق. هناك على حافة القارب الصغير الرجل المجهول يعزف الناي.
(75)
إن هداياك لنا نحن البشر تكفي كل احتياجاتنا ومع ذلك نحن نهرع من جديد إليك لنطلب المزيد.
إن للنهر عمله اليومي الذي يؤديه ويسرع يجري عبر الحقول والبساتين، غير أن جداوله تجري بلهفة كي تغسل قدميك.
إن الوردة تجعل الهواء عذباً بأريجها، غير أن هدفها الأخير هو أن تقدم نفسها إليك.
إن عبادتك لا تجدب هذا العالم.
من كلمات الشعراء ينتقى الناس ما قد يرضيك، غير أن ما يعنونه الأخير كله يشير إليك.
(76)
نهاراً تلو الآخر ، يا سيد حياتي، سوف أقف أمامك وجهاً لوجه. بيدين مكتوفتين، أوه يا سيد كل العوالم، سوف أقف أمامك وجهاً لوجه.
تحت سماءك الشاسعة في الوحدة والصمت ، وبقلب خاشع سوف أقف أمامك وجهاً لوجه.
في هذا العالم المنشغل والذي هو لك ، والذي يعج بالحركة والكفاح وما بين الحشود الغفيرة المسرعة سوف أقف أمامك وجهاً لوجه.
وعندما ينتهي عملي في هذه الدنيا ، أوه يا ملك الملوك ، وحيداً وغير قادراً على الكلام سوف أقف أمامك وجهاً لوجه.
(77)
إنني أعرف كربي وأقف بعيداً – أنا لا أعرف إنك لي لأقترب. أنني أعرفك كأبي وأركع أمام قدميك – لا أدرك أن يدك هي صديقتي.
أنا لا أقف حيث نزلت وقدمت نفسك على أنك لي ، هناك كي تلتصق بقلبي وكي أتخذك رفيقاً لي.
إنك الأخ بين أخوتي ، غير أنني لست بحاجة إليهم ، إنني لا أقتسم رزقي معهم ، بل أقتسم كل ما لدي معك.
في السراء والضراء لا أقف بجانب الرجال ، ولكن أقف بجانبك. إنني أنكمش كي أودع الحياة ، وهكذا أغوص في المياه العظيمة لهذه الحياة.
(78)
عندما كان الخلق جديداً ، ما يزال وكل النجوم أشعت بروعتها الأولى، اجتمعت الآلهة في مجلسها في المساء وغنت، " أوه، إنها صورة الكمال! الغبطة الخالصة!"
غير أن أحدهم صرخ بغتة – " يبدو أن هنالك في مكان ما انكسار لسلسلة الضوء وأن أحد النجوم قد ضاع. "
الوتر الذهبي لقيثارتهم توقف، وأغنيتهم توقفت ، وصرخوا بغضب – "نعم، إن هذا النجم الضائع كان أفضلهم، لقد كان فيه عظمة كل السماوات! ".
منذ ذلك اليوم صار البحث بلا توقف عن تلك النجمة التائهة ، والصرخة تستمر من واحد إلى آخر بأن العالم بفقدها قد فقد بهجته الوحيدة !
وفقط في عمق الصمت لليل تبتسم النجوم ، وتتهامس فيها بينها – " يا لهباء جدوى هذا البحث! إن الكمال غير المنكسر يغطي العالم! ".
(79)
إذا لم يكن من نصيبي أن ألقاك في هذه الحياة فلتجعلني ، إذن ، في شعور دائم بأنني قد فقدت رؤيتك – لا تجعلني أنسى للحظة ، دعني أحمل فرع هذا الأسى في أحلامي وفي ساعات يقظتي.
وفيما الأيام تمر في هذا السوق المزدحم لهذا العالم ويداي تثقلان بأرباح اليوم ، دعني دائماً أشعر بأنني لم أكسب شيئاً – لا تدعني أنسى ذلك للحظة ، دعني أحمل قرع هذا الأسى في أحلامي وفي ساعات يقظتي.
عندما أجلس على قارعة الطريق ، متعباً ، مرهقاً، عندما أبسط فراشي في حفيض التراب، أجعلني أشعر، دائماً، بأن الرحلة الطويلة ما زالت أمامي – لا تدعني أنسى، ولو للحظة، دعني أحمل قرع هذا الأسى في أحلامي وفي ساعات يقظتي.
عندما تكون غرف بيتي مزدحمة وصوت النايات والضحكات يملأ أرجائها، دعني أشعر دائماً بأنني لم أدعوك أنت إلى منزلي – لا تجعلني أنسى ولو للحظة، دعني أحمل قرع هذا الأسى في أحلامي وفي ساعات يقظتي.
(80)
إنني مثل بقايا سحابة في الخريف، تجوب السماء بلا فائدة ترجى، أوه يا شمسي العظيمة النور دائماً! إن لمستك لم تذب بعد ماءها، لتسمح لي بأن أكون واحداً مع نورك ، وهكذا فإنني أحسب الشهور والسنين التي تفصلني عنك.
إذا كانت هذه هي إرادتك وإذا كانت هذه هي لعبتك ، إذن خذ هذا الخواء المحلق في داخلي ، لونه بالألوان ، غطه بالذهب ، أجعله يطفو في هذه الريح العاصفة وأنشره في العجائب المختلفة.
ومن جديد عندما تكون هي إرادتك أن تنهي هذه الملهاة في الليل ، لسوف أذوب وأتلاشى في الظلام ، أو ربما في ابتسامة الصباح البيضاء ، في برودة الشفافية الخالصة.
(81)
في أيام كسولة كثيرة تحسرت على الزمن الضائع غير أنه لم يكن ضائعاً أبداً ، يا سيدي. أنت قد أخذت كل لحظة من حياتي بين يديك.
مختبئاً في قلب الأشياء أنت ترعى البذور لكي تنبت ، البراعم لكي تزهر ، والزهور الناضجة لكي تمتلئ بالأريج.
لقد كنت متعباً ونائماً في فراشي الكسول وتخيلت بأن كل العمل قد انتهى. في الصباح استيقظت ووجدت أن حديقتي تمتلئ بالزهور الرائعة.
(82)
إن الوقت بلا حد ، بين يديك ، يا سيدي ليس هنالك من أحد ليحسب دقائقك.
الأيام والليالي تمر والعصور تزهر وتذوي مثل الزهور. أنت تعرف كيف تنتظر.
إن قرونك تمر وتتبع بعضها البعض من أجل أن تجود من صنع زهرة برية صغيرة.
نحن لا نملك الوقت لهدره ، ولأننا لا نملك الوقت فإننا نتصارع للنبش عن فرصنا. إننا أفقر من أن نتأخر.
وهكذا فإنه هذا هو الوقت الذي يمضي فيما أمنحه لكل رجل عجل يطالب به، فيما مذبحك خالياً من كل العطايا حتى آخره.
في آخر اليوم أسرع الخطى خائفاً من أن تكون بوابتك أوصدت ، غير أنني أكتشف أنه ما يزال هنالك وقت.
(83)
أماه لسوف أنضد عقداً من اللؤلؤ لعنقك بدموع أساي.
إن النجوم قد جلبت خلاخيل أنوارها لكي تضعها على قدميك ، غير أن ما هو لي سوف يتدلى من على صدرك.
إن الثراء والصيت يأتيان من لدنك وأنت من يتيح أو يمنع. غير أن هذا الأسى هو ملكي، تماماً ، وعندما أحضره لك كقربان تكافئني بكراماتك.
(84)
إنه قرع الانفصال ذلك الذي ينتشر عبر العالم ويمنح الولادة لأشكال بلا عدد في السماء الشاسعة.
إنه حزن الانفصال ذلك الذي حدق في صمت طوال الليل في نجمة تلو نجمة ويصبح إيقاعاً ما بين حفيف الأوراق في العتمة الممطرة لشهر يوليو.
إنه هذا الألم الذي يعم هو الذي يتعمق في الحب والرغبات ، في المعاناة وفي السرور في منازل البشر ، وهو الذي يذوب دوماً ويسري في الأغاني عبر قلبي الشاعر.
(85)
عندما خرج المحاربون في البدء من قاعة سيدهم ، أين خبئوا قواهم ؟ أين أخفوا دروعهم وأسلحتهم ؟
لقد بدوا فقراء وبلا حول ولا قوة ، والسهام قد هطلت عليهم في اليوم الذي خرجوا فيه من قاعة سيدهم.
عندما حث المحاربون الخطى عائدين ، من جديد ، إلى قاعة سيدهم أين أخفوا قواهم تلك ؟
لقد أسقطوا بالسيوف وأسقطوا بالأقواس والسهام ، كان السلام على جباههم وتركوا وراءهم ثمار حياتهم في اليوم الذي حثوا الخطى عائدين في قاعة سيدهم.
(86)
الموت ، خادمك ، على الباب.
لقد قطع بحار الغيب وجلب ندائك إلى بيتي.
إن الليلة مظلمة وقلبي يرتجف من الخوف – غير أنني سوف أخذ المصباح، أشرع بوابتي وأنحني له مرحباً. أنه رسولك هذا الذي يقف عند بابي.
سوف يعود إليك منجزاً المهمة ، تاركاً وراءه ظلاً دامساً في صباحي ، وفي بيتي المنعزل سأكون أنا فقط القربان الأخير الذي أهديه لك.
(87)
في رجاء يائس أمضي لأبحث عنها في كل زوايا غرفتي ، غير أنني لا أجدها.
إن داري صغيرة وما قد خرج منها لا يمكن أبداً أن أعثر عليه من جديد.
غير أن قصرك المنيف بلا حدود ، يا سيدي ، وإلى بابك قد قصدت كي أبحث عنها. إنني أقف أمام عرشك الذهبي تحت سماء المساء وأرفع عيني بلهفة إلى وجهك.
لقد أتيت إلى حد الخلود حيث لا شيء يضيع – لا أمل ، لا سعادة، لا صورة لوجه يرى عبر الدموع.
أوه، أغمس حياتي الخاوية في هذا المحيط، نمضي بها إلى أعماق الامتلاء. دعني أشعر لمرة بتلك اللمسة الحلوة الضائعة في أرجاء هذا الكون.
(88)
يا آلهة المعبد الخرب: إن أوتار فينا المكسورة لا تعزف مديحك بعد. الأجراس في المساء لا تعلن عن وقت الصلوات. إن الهواء متلبد وآسن حولك.
في عيشك المهجور تهب نسائم الربيع العذبة. إنها تجلب فوح الزهور – الزهور لم تعد توضع قرابيناً على مذبح عبادتك.
إن ناسكك القديم ما زال يبحث بشوق عن ما قد رفضت أن تحققيه له. في مد المساء، وعندما النار والظلال يمتزجان بكآبة الغبار، يعود هو متعباً إلى المعبد الخرب بجوع يشتد في قلبه.
الكثير من أيام الاحتفالات تمر عليك في صمت، يا آلهة المعبد الخرب. الكثير من ليالي العبادة تنقضي دون أن تضاء مصابيحك.
الكثير من الصور الجديدة يبنيها سادة الفن الماكر وتحمل إلى جدول النسيان عندما يحين وقتها.
إنها فقط آلهة المعبد الخرب تلك التي تبقى دون أن تعبد في إهمال مميت.
(89)
لا مزيد من الكلمات المزعجة والعالية الصوت منك – هكذا هي إرادة سيدي. ولذلك فإنني أتعامل بالهمس. إن كلام قلبي سيحمل في أغنية أهمهم بها.
الرجال يسرعون إلى سوق الملك. كل الباعة والمشترين ، هناك. غير أنني أتخذ رحيلي غير المنضبط في منتصف النهار ، في ذروة العمل.
فلتجعل الزهور إذن تتفتح في حديقتي، رغم أنه ليس أوانها ، ولتدع نحل منتصف النهار يطن بطنينه الكسول.
ساعات طويلة، ومليئة قضيتها في البحث عن الخير والشر، غير أنها الآن متعة اللهو واللعب في أيامي الخوالي تلك التي ينشدها قلبي، ولا أعرف لماذا هذا النداء المباغت ولأي تبعات غير مجدية!
(90)
في اليوم الذي سوف يطرق فيه الموت على بابك ما الذي سيكون لديك لتقدمه له ؟
أوه ، سوف أضع أمام الضيف قارورة حياتي الممتلئة – لن أدعه، أبداً ، يمضي بيدين خاويتين.
كل تلك العذوبة المعتقة لكل نهارات خريفي وليالي الصيف، كل مكاسب وأرباح حياتي المنشغلة سوف أضعها أمامه في خاتمة أيامي عندما يطرق الموت على بابي.
(91)
أوه أنت يا خاتمة اكتمال حياتي ، أيها الموت ، موتي ، تعال وأهمس إلي!
يوماً تلو اليوم بقيت أرتقبك ، ومن أجلك تحملت أفراح وصدمات الحياة.
كل ما هو أنا ، كل ما هو لدي ، والذي أتمناه وكل حبي كانوا على الدوام يسيلون نحو في أعماق سرية. نظرة واحدة ، وأخيرة من عينيك وسوف تكون حياتي ملكك للأبد.
الأزهار قد نضدت وعقد الزهور في انتظار العريس. بعد العرس سوف تغادر العروس بيتها وتقابل سيدها لوحدها في عزلة الليل.
(92)
إنني أدرك بأن اليوم سيجيء عندما يخبو وينطفئ نظري في هذا العالم، وأن الحياة سوف تستأذن للانصراف في صمت، ساحبة الستارة الأخيرة على عيني.
ومع ذلك فإن النجوم سوف ترقب الليل، والصباح سوف ينهض مثل عادته، والساعات ستتلاحق مثل موجات البحر ناشرة المتعة والألم.
عندما أتأمل هذه النهاية للحظاتي ، فإن حاجز الزمن ينكسر وأرى تحت نور الموت دنياك بثرواتها المهملة ، نادر هو كرسيها الوضيع ، نادر هو دناءة حيواتها.
الأشياء التي صبوت لها دون أن أنالها والأشياء التي ملكتها – دعها كلها تعبر. لا تجعلني أمتلك شيئاً بصدق سوى الأشياء التي دفعتها ، جانباً ، دائماً وأغفلت عيني عنها.
(93)
لقد أذن لي بالانصراف. ودعوني وأدعو لي يا أخوتي! إنني أنحني لكم جميعاً وأستأذن في الانصراف.
ها أنا أعيد مفاتيح بابي – وأتخلى عن كل حقوقي في بيتي. أنني أطمع ، فقط ، في بعض الكلمات الطيبة منكم.
لقد كنا جيراناً لزمن طويل ، غير أنني أخذت أكثر مما أعطيت. الآن اليوم قد حان والقنديل الذي أضاء زاويتي المعتمة قد أنطفأ. لقد وصل الاستدعاء وأنا جاهز لرحلتي.
(94)
في وقت رحيلي هذا ، أدعو لي يا رفاقي! إن السماء تشع بالفجر ودربي جميل يرقد أمامي.
لا تسألوا ما الذي هو لدي لأأخذه إلى هناك. إنني أبدأ رحلتي بيدين خاويتين وقلب يرتجي.
لسوف أرتدي حلة عرسي، إن ردائي ليس هو بالأحمر –البني الذي يرتديه المسافر، ورغم أن هنالك أخطار في الطريق فلا خوف في رأسي.
إن نجمة المساء سوف تبزغ عندما تتم رحلتي وألحان المغيب سوف تنطلق من بوابة ملكي.
(95)
لم أكن واعياً بتلك اللحظة التي اجتزت فيها أولاً عتبة هذه الحياة.
ما هي تلك القوة التي جعلتني أتفتح في هذا الغموض الشاسع مثل برعم في الغابة في منتصف الليل!
عندما وفي الصباح نظرت إلى النور أحسست للتو بأنني لست بالغريب في هذا العالم، وأن الذي لا يوصف ولا اسم له ولا شكل قد أخذني بين ذراعيه في شكل أمي.
وهكذا، حتى في الموت اللامسمى ذاته سوف يتبدى لي كما قد عرفته للأبد. ولأنني أحب هذه الحياة، أعلم أنني سوف أحب الموت، أيضاً. إن الطفل يصرخ عندما تأخذه الأم عن ثديها الأيمن ، وفي اللحظة التالية يجد عزاءه في الثدي الأيسر.
(96)
عندما أمضي لتكن هذه هي كلمتي الأخيرة، أن ما قد رأيته لا يمكن نقله.
لقد تذوقت من رحيق العسل المخبوء لزهر اللوتس هذا الذي يمتد في محيط الضياء، وهكذا فقد حلت علي البركة – لتكن هذه هي كلمتي الأخيرة.
في بيت اللهو هذا للأشكال غير المحدودة قد نلت حظي من اللهو وها هنا اصطدت نظرة إليه هو الذي لا شكل له.
إن جسدي بكامله وأطرافي قد اهتزت للمسته هو الذي يتجاوز اللمس، وإذا كانت النهاية ستأتي إلى هنا ، دعها تأتي – فلتكن هذه هي كلمتي للوداع.
(97)
عندما كان لعبي معك لم أتساءل، أبداً ، عن من تكون. لم أعرف الحياء ولا الخوف، كانت حياتي صاخبة.
في الصباح الباكر كنت تدعوني من نومي كرفيق لي وتقودني راكضاً من ممر إلى ممر في الغابة.
في تلك الأيام لم أهتم مطلقاً بأن أعرف معاني الأغاني التي غنيتها لي. صوتي فقط قلدها، وقلبي تراقص لألحانها.
الآن، وقد انتهى وقت اللهو، ما هذه الرؤية المفاجئة التي قد ملأتني؟ إن العالم بعيونه الساجدة لقدميك يقف مسحوراً بكل نجومه تلك الصامتة.
(98)
سوف أزينك بنياشين، وعقود الزهور لهزيمتي. أنه ، أبداً، ليس بمستطاعي أن أهرب دون أن أهزم.
إنني أعرف ، بالتأكيد ، بأن كبريائي سوف يمضي إلى الحائط ، وأن حياتي سوف تتفجر ببحيرات من الألم العصي ، وأن قلبي الخاوي سوف ينتحب ويدمع بموسيقى مثل عود خيزران خاوي ، وأن الحجر سوف يذوب بالدمع.
إنني لأعرف بالتأكيد أن البراعم المئة من زهر اللوتس لن تبقى مغلقة للأبد وأن السر الذي يخفي عسله سوف يصبح عارياً.
من السماء الزرقاء عين سوف يظل وتحدق بي وتستدعيني في صمت. لا شيء سوف يبقى لي، لا شيء على الإطلاق ، والموت الخالص سوف أتلقاه عند قدميك.
(99)
حينما أتخلى عن الدفة أدرك أن الوقت قد أزف لك لكي تأخذها. كل ما يتوجب فعله سوف يتم بدونما تأخير. لا فائدة من هذه المقاومة.
إذن أسحب يديك وتحمل بصمت هزيمتك ، يا قلبي ، وفكر في مدى حسن حظك في أن تجلس ساكناً تماماً حيثما تم وضعك.
هذه هي قناديلي تنطفئ كلما نفخت فيها الريح نفخة صغيرة ، ومحاولاً أن أشعلها أنسى كل شيء أخر مرة ، تلو الأخرى.
غير أنني سأكون حكيماً هذه المرة وأنتظر في الظلام ، باسطاً بساطي على الأرض ، وحينما ترغب يا سيدي ، تعال بصمت وأتخذ مقعدك.
(100)
إنني أغوص في أعماق محيط الأشكال ، آملاً في أن أربح اللؤلؤة الكاملة لما لا شكل له.
لا مزيد من الإقلاع من ميناء إلى ميناء بهذا القارب الرث والمنهك. لقد مضت تلك الأيام منذ زمن طويل ، عندما كانت رياضتي هي أن تتقاذفني الأمواج.
والآن أنا بشوق لكي أموت فيما لا موت له.
إلى بهو الجمهور عند الهاوية التي لا قرار لها حيث تتورم موسيقى الأوتار غير المهيئة سوف أأخذ قيثارة حياتي هذه.
سوف أدوزنها إلى ألحان الأبد ، وعندما تكونين قد ذرفت آخر بوحك ، استلقي في صمت يا قيثارتي عند أقدام الصمت.
(101)
طوال حياتي كنت أنشدك بأغنياتي. لقد كنت أنت الذي قادني من باب إلى باب ، ولديهم كننت أبحث عنك ، باحثاً ومنقباً دنياي.
لقد كانت أغنياتي تلك التي علمتني كل الدروس التي قد عرفتها ، لقد أرتني دروباً سرية، لقد جلبت إلي نجوماً كثيرة في أفق قلبي.
لقد دلتني طوال الأيام إلى الأسرار الغامضة لبلاد المتعة والألم ، وأخيراً ، إلى بوابات أي قصر قد جلبتني في المساء عند نهاية رحلتي ؟
(102)
لقد تفاخرت بين الرجال بأنني قد عرفتك. إنهم يرون صورك في كل أعمالي. يأتون إلي يتساءلون، " من هو؟ " "ولا أعرف كيف أجيبهم. أقول، " في الواقع، لا أستطيع أن أخبركم". يلومونني ويذهبون ناقمين. وأنت تجلس هناك وتبتسم.
أضع حكاياتي عنك في أغاني خالدة. السر يتسرب من قلبي. يأتون إلي ويسألون، "خبرني عن كل معانيك". وأنا لا أعرف كيف أجيبهم. أقول، "آه، من الذي يعرف ما تعنيه!". وهم يبتسمون ويذهبون بنقمة خالصة. وأنت تجلس هنالك وتبتسم.
(103)
في تحية واحدة إليك ، يا إلهي، دع كل حواسي تتوزع وتلمس هذا العالم عند قدميك.
مثل سحابة مطر في يوليو معلقة عن قرب بهمها من الأمطار المثقلة بها دع كل عقلي ينحني عند بابك في تحية واحدة من أجلك.
أجعل كل أغنياتي تجتمع وتجمع كل أوتارها المتنوعة في موجة واحدة لتسبح نحو بحر الصمت في تحية واحدة لك.
مثل سرب من طيور الكركي التي تحن إلى أوطانها محلقة طوال الليل والنهار نحو أعشاشها في الجبال، دع كل حياتي تتخذ رحلتها إلى بيت ديمومتها في تحية واحدة من أجلك.
******