هناء حجازي
(السعودية)

نصوص

يوميات

تقلقني روح تذمر تحوم حولي
أحاول أن أوقفها
تراوغني
أكرهها.. أرمقها من بعيد
لا أبالي

* * *


قلت لي يوماً عبارة
لم أفهمها
في المرّة القادمة
لن أرهق نفسي بالصمت


* * *


تتقافز حولي موجات الإذاعة
ألتقط واحدة
تسئمني
أكرمشها وألقيها على الأرض
ألصق أخرى بأذني
أيضاً ليست هذه
أقوم من مكاني
أتعثر في أكوام المحطات الملقاة
أركل إحداها..
بعد أسبوع
ألاحظ أثر جرحٍ في قدمي


* * *


كسرت قلمي
فانتشرت رائحة نفّاذة
لم تعجبهم
خبأتها تحت وسادتي
ونمت

16فبراير1991

قرارات عادية

كنت أحب كتابة الشعر .. كان يُهيّأ لي أني شاعرة .. لكنه أقنعني بغير ذلك .. رضيت من الغنيمة بكتابة القصة .. لا أعلم إن كان ضحك علي .. لكنني أحب الكتابة .. كتبت .. القصة التي تعجبه أنشرها ، والتي لا تعجبه أحفظها في درج بعيد .. أقول كما يقول لي يوماً سأعيد كتابتها .. وأنسى ..

حين قررت أن أدرس الطب ، لم أكن أحب أن أرى الدم أو أشفي الناس .. كان همي الوحيد أن أختلط بالرجال وأمشي في ردهات المستشفى بدون رداء أسود .. لكن الآن كثر اللون الأسود بين الطبيبات وأصبح معظمهن يمشين بقناع أسود .. وينظرن إلي باشمئزاز .

لم أكن أتصور يوما أني سأتزوج رجلاً أسود .. قلت مرّة لصديقتي أنا لست عنصرية ولكني لا أحب هذا اللون .. كنت أيضاً لا أحب البيض من الرجال .. كان لونهم يبدو لي غريباً .. ولحمهم المكشوف أثناء الحج كان يشعرني بالغثيان .. هو لم يغضب حين قلت له أني لا أحبه .. لكني اكتشفت فيما بعد أني لن أتزوج غيره .. هل كان أسود حقا.. ما أعرفه أني أحببته ..

قابلتها بالصدفة في زواج أحد الأقارب .. كانت تحمل ابنتها .. وأنا ألبس جديداً لأني عروسة .. سألتني عن إحدى الأخوات ، أجبتها أني لا أعرف عنها شيئا .. سألتني إن كنت لا زلت أحضر الندوات الدينية .. قلت لها أني أكتب القصة وتزوجت عن حب .. وضعت المصّاصة في فم ابنتها وهزّتها لتنام .

أريته قصصاً كثيرة .. قابلته في مكتبه بعدها بأيام كي يقول لي رأيه ..كان صديقه على المكتب المجاور مشغولاً بعض الشيء ، لكنه نظر لي وقال : لماذا تكتبين عن الفقر في بلادك ، اكتبي عن الأغنياء ، افضحي العلاقات الموجودة في بلدك .. نظرت إليه .. تذكرت الخادمة اليمنية التي تعمل عندنا .. حملت قصصي ومضيت .


27 فبراير 1995

عزاء حلم ميت

أقمت مجلساً للعزاء داخل قلبي
فيه كرسي واحد
المدعوون أنا


*****


أغمضت عيني
عاد الحلم القديم
هششته بيدي
التصق بالباب
فتحت النافذة
هطل مطر لم أكن أنتظره
الشمس في غياب
ونحن في أول الشهر


*****


حلمي الملتصق بالباب انكسر
سقط نصفه على الأرض
ونصفه الآخر بهتت ألوانه
النافذة مغلقة
هواء الغرفة راكد
ماتت النبتة


*****


بكيت .. بكيت .. بكيت .. بكيت ..
لم تجف دموعي
لكني أدركت أن لا فائدة

******


أمي تنظر إلي
أعرف أنها لن تسخر مني
لكني خبأت وجهي الحزين


******


قال لي الرحلة طويلة
في نصف الطريق توقف
تركني بدون يد

******


الجرح بقلبي واسع
الدموع مالحة .. ولا تفيد
أقفلت حلمي على جرحي النازف
ضحكت في فرح الأقارب
في طريق العودة تذكرت
ربطت قلبي
ونمت دون أن أحلم

*****


أنسى متى ولدت
بالهجري ، أم الميلادي ..
الأيام جميلة
لكني ولدت فيها


******


أنسى الموت
المأساة .. أني أعيش
حين أموت .. أوصيت أن
يدفنوا حلمي في مكان آخر

23/8/1996

الكبير

جلس أمامي .. حاول المراوغة لكنهم اضطروه للبقاء .. فجلس أمامي .. لم يكن الخيار أمامه كبيراً .. لاحظت أن السنوات التي لم أره فيها أضافت إلى جسده كثيراً من الشحم الذي توزع في أنحاء مختلفة .. كان يزوغ بنظره عني .. مال بنصفه الأعلى إلى ناحية في محاولة لملء الأريكة التي يجلس عليها .. بينما احتارت ساقاه الطويلتان أين تذهبان .. فصار شكل جلسته المرتبكة مضحكاً .. وجهه كان ممتلئاً بإرهاق كثيف .. ولحيته التي استنبتها على أرضٍ جرداء فتوزعت على أجزاء متفرقة من وجهه جعلته كمن خرج لتوه من مرضٍ طويل أو قدم من وراء قضبان ما ..
جلست أنا أمامه .. على كرسي صغير جداً .. قدماي كانتا مصفوفتان بأدبٍ شديد .. لكن .. على نحو ما .. أحسست أن أدبي هذا احتجاج صارخ على العنجهية التي ظهر بها أحسها هو أيضاً فزاد انتفاخه وصار يتحدث بصوتٍ عالٍ .. وكلمات ضخمة .. كانت تصطدم بمنظري الهادئ فتزيد حنقه .. كان يتحدث بلهجة الواثق من أن كلماته هامة جداً .. خطيرة جداً .. وجديدة جداً ..
حاولت أنا أن أخفي التعبيرات التي لا ينجح وجهي دائماً في إخفائها .. لكن ظل ابتسامة ساخرة لابد أنه كان قد ارتسم بشكلٍ ما .. ولأنه كان لا ينظر إليّ بتاتاً .. عرفت أني بمنأى عن الخطر .. فهو كما أذكره من النوع الذي غالباً ما تكون ردة فعله عنيفة جداً لو هدد أحد ما شعوره بأهميته .. فكيف لو كنت أنا .
تحدث في السياسة .. الرياضة .. والطب .. قلت في نفسي .. بقيت الثقافة والفن .. لكنه لم يفعل .. لم يكن السبب قلة معرفته بهما كما قدرت .. ولكنه ضيق الوقت .
في النهاية أصدر قراره الذي ظن أنه هام جدا .. لابد أنه تخيل أنه يرأس أحد الاجتماعات في الشركة التي يملكها .. ثم قرر المغادرة .. لأن الأصدقاء ينتظرونه في كابينة البحر .. وهو وعدهم بأن يرافقهم في رحلة على "البوت"..
نهض بسرعة في محاولة لاستعادة نشاط فقده منذ زمن بعيد .. حين كان لا يزال طالباً في الكلية ..
وبشكلٍ حاسم لفظ قراره الأخير .. غادر بنفس النظرات الزائغة .
بينما اتسعت الابتسامة التي ارتسمت على شفتي...

14 نوفمبر 1997

كل ليلة..

لا تخافي .. يقول لي .. لا تخافي ..
أهزّ رأسي ..
كني في الليل .. لا أعرف .. شيءٌ ما يوقظني .. أو هو يمنع عني النوم .. كأنه برد .. لكني لا أكون بردانة .. وليس التفكير .. لأن رأسي يكون فارغاً من الاحتمالات أو الخيالات .. فقط أجدني متيقظة .. أجلس في الصالة .. أفتح التلفزيون .. وأنتظر .. أذناي مع تكة الباب .. الآن يحضر .. لا أدري كم مرة أكرر هذه العبارة ، ربما آلاف المرات ..
صبح كل حواسي مرهونة بالباب الخارجي ..
سمعه يحضر عشرات المرّات .. أحيانا أقوم من مكاني وأنا متأكدة من أنه قد حضر .. وأعود لأجلس بعد أن أكون قد تأكّدت أنه صوتٌ ما .. صوت الجيران ، لكن الدنيا ليلٌ جدا .. والجيران نائمون .. صوت الحارس ربما .. أو صوت معدنٍ يتمدد من الحر كما تقول كتب العلوم ..
ي صوتٍ آخر .. لكن ليس هو ..
أعود أسمع بعد قليل صوتاً آخر .. لأقوم وأتفحص العين السحرية .. مرة أخرى لا أحد ..ولست أخاف .. ذهني يكون مشغولاً بانتظاره عن توقع أي سوء .. فقط أنتظر .. قدماي تروحان وتجيئان بين الباب وبين الكنبة في الصالة .. هناك التلفزيون ، وقطعة التطريز .. كم أنا ممتنة لهما ، لابد أني كنت سأجن لولاهما .. أحيانا أكتب على الكمبيوتر .. لكن ذلك في الغالب في أول الليل .. أو ربما عند منتصفه .. لكن حين تمشي عقارب الساعة مشواراً طويلا ، يصبح التركيز وقتها مشكلة .. وقدماي تطلبان الحركة عند أدنى صوت .. يصبح من الصعب عندها أن أغادر الكمبيوتر كل قليل ، فأتركه مفتوحاً على أمل أن أعود بعد قليل ، حين يرتاح ذهني قليلا .. طبعا لا أعود .. ويظل الكمبيوتر يرسم أشكالاً تروح وتجيء ..
يقول لا تخافي ..
وأنا لا أخاف .. فقط أحس أن أعصابي متوترة قليلاً .. مشدودة قليلاً .. أبداً لا أرسم في خيالي أي صور لأي شيء ..
لا أتذكر أبداً أني تخيلته يُضرب .. أو يستوقفه أحد ليسأله أسئلة سخيفة .. فعلاً لا يحدث هذا لي .. ولا أدري لماذا .. أحياناً أقول لابد أن دماغي يدافع عن نفسه ، فهو يشغل نفسه بالانتظار فقط .. بتوقع وصوله أية لحظة .. تخيلت لو كان بإمكاني بالإضافة لذلك أن أرسم صوراً مختلفة .. إهانة وضرب وتمزيق أوراق وملاحقة ثم يتطور الأمر لأرسم صوراً أبشع .. لابد أني كنت أموت ..
وأنا لابد أن أبقى حية كي أنتظره كل ليلة .. كل ليلة ..

21 أغسطس ‏1999‏


لا تحزن

- لا تحزن .. إنه لا يستحق ..تقول له
- لست حزيناً .. يجيب . وينقلب إلى جنبه الآخر ..
لكنها تعرف أنه حزين .. كل هذا الألم الذي يجول في صدره تشعر به .. تعرف أنه لا يحزن على صاحبه ، لكنه يحزن على الأيام ، على الناس ، على المعروف ، تعرف ، هو لا يتكلم ، لكنه ليس بحاجة للكلام ..
يجلس على السرير ، يغادر الغرفة ، تسمعه يقلب في الأوراق ، تخرج وراءه ، تتجه إلى المطبخ ، وتصنع شايا ..
تضعه أمامه ، ينظر إليها بعينين حانيتين .. لكنه حزين ..
- لا يستأهل كل هذا التعب ..
- أعرف ، ليس من أجله التعب .. من أجل الناس .
تتصنع مشاهدة التلفزيون ، تشرب قهوتها ، وتتأمله يكتب .
يكتب كأنه يثبت في الورقة أحلامه ، أفكاره ، أيامه ، تعبه ، عرقه .
تتذكر الليلة الماضية ، عاد قرب الفجر .
- جوالك لا يعمل ، خفت عليك ..
- لا تقلقي ، كان حادثاً أخَّرني ..
لا تعلق على الموضوع ، لم تسأله حتى عن الضحايا ، تعرف أنه يكذب .
- حاول أن تخابرني المرة القادمة .
يقول نعم ، وتعرف أنه لن يفعل .
تذهب إلى الغرفة الأخرى لتطبع شيئاً على الكمبيوتر ، تسمع رنين الهاتف .
-إنه أحمد .
- سأرد عليه .. يجيبها .
كل هذا الضجيج من أجل تافه ، يعرفون أنه تافه ، لكن الأيام ما عادت مضمونة ، والتاريخ لم يكن أبداً صادقاً ونزيهاً دائما .
- البلد كلها تتحدث عن خسته ..
- أعرف ، وأنت لا يجب أن تشغل نفسك به ، إنه أقل بكثير من ذلك ، وأنت تعرف .
- أعرف ..
يعرف .. لكن أخلاق الفرسان التي تعرفها فيه لا تصدق أن يبلغ إنسان هذا المبلغ من ضعف النفس .. تعرف أنه لا يشبه شيئاً من أخلاق هذا الزمان ولا يدري كيف يصنع في عالم ليس عالمه ، أو حتى قريب منه ، كأنه عنترة أو طرفة خارجاً من دواوين الشعراء بعباءته يلوح بسيفه ينصر ضعيفاً أو يثور لحق ، كأنه أحد فرسان ألكسندر دوما ، كأنه حلم طاف بخيالها وتخلق إنساناً كما تشتهي ، لذا تحزن وهي تراه يحزن ..
- لا تلتفت إليه ، كأنه قذر وتخلصت منه ..
- أعرف .. أعرف .
لكنه لا يعرف ، لا يعرف كيف يقبل أمراض الناس ، وهو لا يدري أنه لا يعرف ، والناس والأصدقاء ، والحزن الذي يسكن القلوب ، وموت الشعراء ، وضمير الساحة الذي يتغافل كثيرا .. كيف ينسى ، لا ينسى .. فقط يغمض عينيه في محاولة أخيرة للنوم ، يقوم بعدها ليصنع فنجاناً من الشاي ، ويكتب .

10 سبتمبر 1999

ثرثرة

أسير في ليلٍ أزرق .. أو أزرقٍ ليلي ..
أفكر في كل هذه الثرثرات التي تملؤنا .. أتعجب من مقدرتي الفذة على الكلام ال ليس له معنى .. عادة قديمة ..
أجلس أمام التلفزيون .. كالعادة ..
كالعادة ..
أُقلَّب القنوات .. أيضاً كالعادة .. مسلسلات .. أفلام .. وابني بجانبي يصيح كارتون .. كارتون .. أنصاع له وأفتح أنا الجريدة ..
أحد رجال الأعمال الصغار المتورِّدي الخدود يتحدث عن السعودة ..
أقول في نفسي وبدون صوت "يا بخت…… بيك"" كي لا تلتقطها الأذنان الصغيرتان المتأهبتان بجواري ..
أرمي الجريدة جانباً قبل أن يرمي جسده الصغير عليها كما يفعل دائماً كي يشدَّ انتباهي .. لكنه مستغرق الآن في الكارتون ..
أقوم لأصنع كوباً من القهوة .. حين أعود يكون قد غادر إلى غرفة الألعاب .. أعود إلى تقليب القنوات .. يطالعني مذيع إنجليزي يعلن عن يوم لذكرى الهولوكوست الرهيب ..
رهيب والله رهيب في قناة الأغاني ..
والمذيع المؤسسة في القناة العربية يسأل المشاهدين هل أخطأ السادات أم أصاب ، وفي نهاية الحلقة يعلن عن حلقة الغد المخصصة للكبار عن أسرار غرفة النوم ..
لا أشتم .. فقد تجاوز هذا الحد ..
أقفل التلفزيون .. لكني كاذبة .. أُدمن هذا الجهاز فأعيد فتحه ..
أقرأ موضوعا في الجريدة الأجنبية ثم أكتشف أن نصفه الآخر مفقود .. أو مقصوص ..
والصفحة المقابلة ملطخة بأسود أفسد الصفحات الأخرى ..
أقرر في النهاية أن أغمض عيني وأشرب القهوة ..
تخابرني صديقتي .. سأُفصل.. لكن كيف ، أنت تحملين شهادتين ، كنت أنتظر خبر الترقية ، تنحشر الكلمات في فمي ، ولا يصبح لها أي معنى ..
أشعر بخواء يغلِّف كل الأشياء ..
أتذكر أستاذي المتشائم ، أقول عنده حق ، أنا أيضا متشائمة ..
متى تنجبين أخاً لابنك ..
يكفي أنتم .. أصيح .. يكفي أنتم ..
أنجبوا .. افرحوا .. عيشوا ..
أصرخ .. أصرخ .. أصرخ
هو في أبها .. من أجل العمل .. العمل .. لقمة العيش .. رجل .. عمل .. احترام .. كلمات ..
كلمات ..
يصدح صوت ماجدة الرومي ..

أغسل وجهي كي أنام… .

8 فبراير 2000

حين كرهت بكائي

إلى نزار الهندي

حين تكره بكاءك تغنّي ..
وحين تكره مدينتك .. ماذا تفعل .. تغادرها ، تلعنها ، تواريها .. تداريها .. تبكيها .. تنظر خلفك .. وتغنّي ..
تكتب أو تقرأ .. ربما ترسم .. تعاند طفلاً صغيراً تكتشف في النهاية أنه طفلك .. تراقب تلفازاً غبياً أو ذكياً ..
تركل صحفاً ليست لك ..
تتصفّح مجلاّت الأسرة .. تغرق في إعلانات الزينة .. تتفحّص الوجوه الجميلة .. تبكي .. أو تغنّي ..
تبحث عن أصدقاء يمنحوك صفاءً دافئاً أحسسته منذ زمنٍ بعيد ..
تتلفّت .. تبكي .. ربما تغنّي ..
حولك ناس .. قليل وربما كثير .. بشر .. أشخاص .. أوادم .. تبحث في مخيلتك عن مختلف التصنيفات .. تكفُّ عن البحث وعن النظر إليهم .. تلجُ إلى عالمك .. وحدك .. لا تكتب أو تقرأ أو ترسم .
تصمت .. تبكي .. أو تغنّي ..
لا خيار .. صمت .. بكاءٌ أو غناء ..
أو هو بكاءٌ غناء .. غناءٌ بكاء ..
حين تكره الكلام الكلام ..
الحروف التي تصطف إلى جوارك .. تنتظر دورها .. تكره الأفواه التي تصدر أصواتاً مكوّنة من حروف تتجمّع وتتفرّق وترغي وتزبد .. وتطير فقاعات في الهواء ، حتّى يمتلئ الهواء حولك فقاعات .. لا أوكسجين .. تختنق ، وتصير تضرب بيديك هواءً لزجاً بحثاً عن الأوكسجين ..
تبكي .. أم تغنّي ؟؟

موتٌ حياة / بكاءٌ غناء
هو الذي يخلق هذه المترادفات .. يفجّرها .. ويبعث فيّ هذا الحنين إلى الكلمات .. وأقرر حينها أن أكتب .. أقرأ .. أو أرسم ..
وأكره بكائي .. وأغنّي ..

30 يونيه 2000


الأيام الجميلة

انقضت الأيام الجميلة
في الأفق البعيد
تكمن دائما ، نجمة
ابتعدي ، لا وقت للدموع


*****


أرتدي ملابسي
عزائي الوحيد
الدمية فوق المكتب
لا تنظر إلي
رجل في بيتي
لا ينظر إلي
أفتح التلفزيون
عزائي . . . . .


*****


أيتها الريح التي لا تطل علينا
ادخلي في ضلوعي
زلزلي وقت العبث
ازرعي الجنون
احصديني
احصديني

*****

نار باردة
ترقص في كسل
وتخبئ في فمها تثاؤباً رخيصا
أشرب جرعة الماء
وأتثاءب

*****

لا فائدة
الأيام الجميلة انقضت
الآن لابد أن أشرب جرعة الماء
كي أضحك
لا بد من لحظة ملائمة
في مقاهي القاهرة
لا بد من وجود صديق
ثالث
قبل أن نفتح فمنا ونضحك
الآن أفتح فمي
وأتثاءب

*****

الأيام الجميلة
ذكرى جميلة

6 مايو 2001

 

الجسد الصغير

أنظر إلى التلفزيون .. ينظر هو أيضاً إلى التلفزيون .. ويحتار يوسف بيننا .. ثم يقف ليسد بجسده الشاشة .. أنظر إلى جسده الصغير .. لا أضحك ولا أبكي .. فقط أفهم .. أخجل .. لكني لا أكف عن المتابعة .. ولا يكف الجسد الصغير عن سد الشاشة.
تعال نقرأ .. يفرح .. يحضر كتابه كي نقرأ السيارة الحمراء .. هو يشرب الشاي .. ويصمت .. أبحث أنا عن موضوع ما كي أنكد عليه الصمت .. أسدُّ صمته بنكدي .. وهو لا يضحك ولا يبكي .. ولا أعرف إن كان يفهم .. فقط يستعيد صمته في غرفة أخرى .
المواعين تتكوّم في المطبخ .. أغسلها .. أغسل بعضها .. وبعضها الآخر يحدِّق فيَّ بعينين وقحتين .. أنظر إلى الغبار يغطّي أرجاء المنزل .. أكره الغبار .. أتحدّاه .. وأتركه يعكنن عليّ عيشتي .
أنا آسف يا ماما .. لا تزعلي منّي .. يقول وهو يقبلني .. ثم يعود لممارسة نفس الخطأ .. يا بكّاش .. كم من البكش سيكبر مع ابني ..؟؟ لا أعرف .. يكون الاعتذار والقبلة قد مسحوا تعب اليوم ولم يبق سوى أن أحضنه وأضحك ..
يلعب معه .. يضحكان .. ويتصارعان .. ثم ينزلان سوياً إلى البقالة .. الأرض تحتاج إلى كنس .. والحمام إلى غسل .. والملابس إلى مكوى ..
أريد أن أرسم
أن أترجم ..
أن أكتب صفحة جديدة في رواية ثقيلة ..
أتذكر رئيسي الذي يصغرني سناً وخبرة ..
يكبرني مقاماً وتوقيعا ..
أستسلم للتلفزيون .. أؤجل مشروع الرسم قليلا .. أنسى الترجمة قليلا .. وأغلق باب الرواية حتى يأتي الموعد المناسب .
غداً لابد أن أجمع أوراق الترقية ..
لماذا يحرص عليها الجميع .. مع أن الوظيفة نادرة .. لابد أن هناك خللاً ما .. عندي طبعا .. ألوم كسلي قليلا ..
غداً لابد أن أبدأ في جمع الأوراق .
لابد أن نتصل أيضاً على الناشر كي أتأكد من طبع المجموعة ..
حان إذاً وقت قليل من النكد لأنه هو الذي سيتصل بالناشر .
الآن ننظر كثيراً إلى التلفزيون ..
قبل أن يسدّه الجسد الصغير ..

9 يونيه 2001

لهاث

أقبله كي ينام . وأنظر إليه . ها نصنع بيتاً في القاهرة . قد نبعثه يوماً للجامعة . وقد نرتاح بعد اللهاث المستمر فيها ..
تصر الأيام على أن تصارعنا . وننجر في اللعبة فنصارعها . كأي حمقى يعشقون الحياة ويعشقون دروبها المستحيلة ..
كم بقي من الوقت كي نحب . أو نكره ..
لكن لا ننسى ..
يشتعل الحب فينا كأي حمقى ..
ينام هو . يضع يده في ظهري. وينام ..
أظل أنا ساهرة . كم بقي من الوقت لأسهر . وكم بقي لأنام ..
وكم بقي للآخر كي يحبني أو يكرهني . يكرهني ..
تعال نذهب للقاهرة ..
القاهرة . هذا العشق المستحيل . لكنه يظل قابلاً للتحقيق ، ها نملك بيتاً فيها ..
نَصرّ متاعبنا ولهاثنا ونمضي ..
نرمي الصرة في النهر العتيق ونبحث عن متاعب جديدة تليق بالقاهرة العظيمة ..
لا نحيا بدون صراع . لا نستطيع ..
أصارع هنا الذين يعملون معي . البيت . أهلي . العباية التي أرفض الخضوع لها ..
وهناك ، أصارع الناشر . ناس أحببتهم وفقدت الثقة فيهم . سائقي التاكسي والبوابين ..
ماذا للعشاء . أسأله . وحين يقرر النزول كي يحضر العشاء أقول له لا تنزل . فيصر ..
أقبله وأخجل ..
أحبه . أقول لو يحبني أقل ..
وأحبه . وأقول . لو يحبني أكثر ..
أبحث في شراييني عن قلق دائم . يغذيني وأجده ..
أكره قلقي وعبثي ..
أغطي بعضي النائم في سريره جيدا ..
أعرف سيستيقظ بعد قليل كي يشاركني نومي المتعب ..
ماذا سيتذكر من حماقات أمه التي تركته وذهبت إلى القاهرة ..
أستيقظ في الصباح . أرتدي ملابسي في نور مطفأ كي لا أوقظه . كان يشكو البارحة من البرد . أعفاه من الذهاب إلى المدرسة اليوم ..
أكمل أنا صراعي . وعشقي للحياة . المستحيلة أحيانا ...

3 فبراير 2002

تأخرتِ

تأخرتِ .. يقول .. وأنا لا أدري عن ماذا ، عن موعدنا . أم عن سنوات قضاها في الحب والولع . تأخرت عن لهفة أشعر بها تؤجج أهدابه . تحرق دقائقه السليبة . وتغربل أحلامه . تأخرتِ .. وأسأل . أنا .. أنا طفلة تبحث عن يد تمسح على شعرها . ذراع تسندها في خطواتها الأولى . قلب متعب . روح تهيم في سراديب مجنونة . مجنونة تعشق الحب والأغنيات . ماذا في الحياة ؟! أن نحب وأن نُحب . هل أروع من ذلك ..
وأسأل ، هل أكف عن عبث تمنحني هو الأيام .. هكذا أجدني أسير في دروبي . أرفع رأسي لأستنشق هواء تمنحه الشمس للعالمين ، فتبزغ نبتة من بين حجرين تفاجئني . وحين أنظر ، تسلبني مقاومتي للحياة ، تسلبني تعبي وتشاؤمي .. وتقول لي أنا الحياة .. هكذا يحدث أني أرى في الدنيا أشياء جميلة تنسيني أني اليوم متعبة أو مرهقة أو حزينة ..
ويحدث أيضا أن تسرقني من نفسي . تهبني ولعاً ما ، عشقاً ما ، سفراً ما . وأجدني قد أشرعت نوافذي وفتحت روحي وشربت ما أرسلت لي دون أسئلة ..
أنا لا أتأخر . لا أحد منا يتأخر . نأتي دائما على الموعد . أو لا نأتي لأن الوعد يكون كاذبا . أو نأتي ونغادر دون أسئلة . أقبل نفسي والحياة دون أسئلة ، أتعبتني هذه الأسئلة ، أنا الآن في غامض أحبه وأعيشه .. فقط . قد يعاودني يوماً ما عشق الأسئلة . آه كم كنت أسأل . كم كنت أحتار . كم كنت أذهب إلى آخر دروب القلق والبحث . عن ماذا ؟ في النهاية عرفت أن لا بد أن أعيشها كما هي . هذه الحياة . التي تتأخر أحيانا . أو نظن ذلك ، لنكتشف أنها لا تتأخر أبدا .. هي تأتي في وقتها المناسب ، وما تراه مناسباً لا يملك أحد أن يعترض عليه ، وإذا اعترض ، لن يرى نبتته الطالعة بين حجرين ..
تأخرت .. قد لا أكون أنا التي تأخرت ، هناك أخرى تنتظر .. ستأتي يوماً ما . وتعشق . وتتوله . وتبكي عشقاً تأخر .. ربما .. ربما

4 مارس 2003

الماء

اشربي الماء . اشربيه . مرريه على كل ذرة من لسانك . اشربيه زلالاً قراحا ، صافياً رائقا ، عذباً عليلا . وحين ينزل جوفك . دعيه يجول في كل الممرات ، يغسل معه كل الآلام والأوجاع والأحزان والمخاوف . دعي كل السموم التي تنغص حياتك تنجرف معه إلى بعيد . عودي جديدة . رائقة صافية . مثله
اشربيه مثلوجا . ضعي في الكأس المكعبات الزجاجية الصقيلة ، تمنحه من بردها وصقيعها ، وتنقل إليه قوتها وجبروتها ، وحين ترشفيه ببطء يخزك ببرده ، يصدمك ويؤلمك ، وينسيك بألمه الفيزيقي ، هذه الأفكار التي تملأ رأسك . وببطء يزول الألم كي يسحب معه أفكارك الثقيلة المملة والمتكررة . تتجددين . وتصيرين قادرة على مواجهة يوم جديد .
أو اشربيه فاترا ، ناعما ، سلسا ، املئي فمك به ، غنيا ، وفيرا ، كثيرا ، واتركيه فيضاناً يمر على دواخلك فيجرف معه القلق والأرق والتوتر . اتركيه يملؤك ويمتلئ معك . يمنحك بركته وحياته ولمعانه وجماله . ويتركك جميلة ، يانعة ، حبيبة ، قريبة .مثله .
اشربيه حلوا . عسليا . كسولا . يتبختر في عروقك . يمشي بدلال فوق خلاياك . يلتقط منها الأوهام والوساوس . يجتذبها بعينيه الرخوتين ، يغويها كي تمشي وراءه ، ثم يرميها في البعيد الذي لا يصل إليك .
اشربي الماء . اشربيه أطراف الليل وآناء النهار . اشربيه في كل ساعة . قبل النوم وبعد النوم ، قبل الأكل وبعد الأكل . استمعي إلى نصائح الأطباء . وإلى نصائح جسدك ، وقلبك . ليس كالماء يشفي ، فقط سلمي له أمرك .

15 مارس 2003

دور

نحن الآن نجلس سويا ..
نأكل سويا
نشاهد التلفزيون أحياناً سويا

الكلمات تبكيني ، لأني لا أريد أن أبكي . أنا أكبر من البكاء . أكبر من الكلمات . أكبر من المشاعر . أنا البطلة التي ينظر إليها العالم كي تنقذ غريقهم . أنا تلك البطلة . ما أكرمهم . أطلقوا علي حكمهم بالبطولة كي يتوارى دورهم . الآن هو في أيدٍ أمينة . لا يحتاجون أن يخافوا أو يقلقوا ، لو لم أكن موجودة لقلقوا . أو ارتابوا . لكني هنا . فليناموا إذا .

عليَّ أن أراه دون أن أظهر له حزني عليه . أو علي .
عليَّ أن أحضنه وأقبله وأجلس إلى جواره وأرتاح إلى يده .
عليَّ أن أضع له الأكل في الطبق
استمع إلى كلماته المرتبكة وأفهمها .
علي أن لا أغضبه ، ولا أناقشه ، ولا أطلب منه شيئاً صعبا
عليَّ أن أقاسي مرضه دون أن أقاسي
عليَّ أن أخبئ قهري وحيرتي وخوفي وألمي في كيس نايلون أحفظه في الفريزر

لو أن يدي هذه تقدر أن تقول . لو أن الدنيا تسامحني قليلا ، لو أنها تداري عينها عني قليلا . أو تتغافل عني قليلا . لا بد أن أضحك للأصدقاء . لا بد أن أجيبهم وأنا أضحك . لا بد أن أقول أنه بخير وأني بخير وأن الدنيا جميلة وأن الجو ربيع . وأن المطر كان منعشاً الليلة الماضية . لا بد أن أفرح وأشكر كل الذين يتصلون بي كي يطمئنوا عليه ، لأنهم لا يستطيعون أن يستمعوا إلى كلماته المتعثرة ، لا يستطيعون أن يتصوروا كيف تحول من سيد الفصاحة إلى أبكم ، عليَّ وحدي أن أعيش هذه الحقيقة ، أن أتعامل معها ، أن أصدق أنه صار هكذا . أن أمتلئ دموعاً وبكاء . وأن أغطيني بالضحك والنكات . هكذا كي يتقبلني العالم أكثر . كي لا أصير مملة . كي أحتفظ بالأصدقاء الذين لا زالوا يتصلون بنا ، ويطمئنوا عليه .

أنا البطلة ، عليَّ الآن أن أفكر مع الناس في الحرب القادمة . ماذا سيحدث لنا . ماذا سيحدث لنا . قد حدث لنا .

18 مارس 2003

لست أمي

أدخل إلى رحمك الآن
أنت الذي تشبه أمي ، تشبه أمي ، لماذا . حين أشتاق إليها تفهمني ، ألجأ إليك . أنت الذي تأتي في وقتي الصعب . من أين تجيء . من حلمي المبتسر ، ذاك الذي حصدته قبل أوانه ريح إله اللا . لا تختبرني ، كما أمي تختبرني ، لتعرف إذا كنت صليت الفجر حاضرا . لا تفتش في قلبك إذا كنت فيه ، أو إذا كان يجب أن أكون فيه . لا تطردني من جنتها التحت قدميك . ماذا تكسب إذا رجمتني . أنت تشبه أمي . وأنا سجدت في محرابك ، لأنك تشبهها . لماذا إذاً تطردني ، أو تخبئ رائحة قميصها البيتي عني . لا تدير وجهك ، كما أدارته مرة . ليس بعد أن وجدتك . وجدت رحم أمي ، وضممت جسدي إلي ، بقوة . تدفأت بغشائها ، ونسيت ، نسيت أني أقلق أو أخاف . والآن تغمض عينيك . تمنع عني شلالات سلام أمالت فيه روحي رأسها وغفت . وتذهب بعيداً بعيدا ، كأنك تفرح في الرحيل ، هل تفرح ، هل يعجبك أن تجرب كيف لو عينيها تبحث عنك الآن . يغريك أن تتفرج على شغفها يدور حول غيابك . وعلى وجهها يجفل ، هل يريد السفر . ماذا أردت أنا ، أردتك أمي . هي التي ترفع يديها الآن إلى السماء . تفتقدني ، أم أفتقدها ، لكنك لا تفعل . تلقي بهاجس لا تكفي بهجته لمجابهة ما تحمل الأيام . وأنا خطيئة تستغفر لها الله أمي كل ليلة ، وأنا خطيئة تستغفر الله لها كل ليلة ، أو تلعنها ، أو تقرف منها ، أو تلقيها في جهة لا تصل إليها عيناك . هذي التي جاءتك مبللة بالخجل والأمنيات ، هذي التي جاءت تحكي عن زمن فات ، وحكايا قديمة ، وزمن تريد أن تنساه ، هذي التي جاءت تحكي عن جسد سلم نفسه لرحلة سقيمة ، وعادت تشكو من قلب لا يهفو . ماذا تريد . أنت لست أمي ، كنت وددت لو كنت رحم أمي ، كنت استلقيت فيه ، غطيت قدمي ببهاء استقبالك . وظننت أنك أمي . صدقت ، هل أفيق الآن . هل تطردني أمي من رحمتها مرتين . لماذا تمثلتك أمي . أضع رأسي على فم وجعي / وجعها ، وأقول الآن ارتحت . لم أرتح بعد . لا توجد راحة في صوت صرير باب أنتظر أن يفتح . وهو يطردني ، يطردني . ويأبى أن ينظر إلى جرحي . أكره جرحي ، أكره أن أنتظر أمي ، وهي مشغولة بأخي . وبالغسيل الأبيض ، تضع فوقه الزهرة الزرقاء ، يزداد بياضه ، ويزداد شوقي إليها ، وأتوارى ، أتوارى . والماء الساخن على خدي يغسل بياضاً كنت أتوق إليه ، لم أستطع أن أصل إليها ، بكاملي ، دائماً هناك جزء لا بد أن يحتجب كي أصل إليها ، وأنت أيها التشبه أمي ، أي جزء تريد أن أضع عليه يدي كي لا تراه . وتضع أنت يدك الآن على عينيك كي لا أتسلل . وتمسح عن شفتيك أثر ابتسامة حطت حين قبلت يدك . لا تشرعهما ، ذراعاك ، لا تضمني ، آه ضممتني ، لماذا ، أيها التشبه أمي ، لماذا أزلت بطرف أصبعك ، ماء كالدم سال من جرح رخيص ، آه من الضعف كم هو سخيف ومدمر ، لست أمي إذا . لا تملك رحما . لكني أتوق إليه ، هذا الرحم الذي لا تملك . افتح راحتيك ، والصقهما ، هل رأيت ، هاهو الرحم الذي حلمت به ، كيف لا أندفع كقطة محرومة إليه . كم أكرهه هذا الضعف ، وأحتقره ، أحمله على كتفي كمتسولة ، وأنا أكره المتسولين ، أكرهني ، ولن أصبح واحدة ، أقتُلُني لو فعلت ، أنا ، أحمل سكيناً حادة ، وأذبحُني ، أذبحُني ، لأني ذبحت منذ زمن بعيد فتاة ضعيفة تسرق حناناً تحسبه لها . وأكرهُني أكرهني أكرهني ، لو أني سلمت بضعفي . لكني فيك ، أقشر خوفي وقلقي . أرتدي جنوني . أو أكشفه ، أو أني كشفته مذ تمردت على خوف أمي . لا . لا أريدك أمي . كنت فقط اعتقدت أنك ربما تكون تشبهها . أستسلم الآن لشوقي ، لم أستطع أبدا أن أوقف أن أحن إليها ، إليك . لا فائدة ، هذه أنا وحدي ، والعالم الممتد من عينيك إلى أمي بعيدا . بعيدا ، تعودت . تعودت أني وحدي .

19 مارس 2003

من أيامي

أيها الحزن العاتي .
أيها الحزن الحارق .
خفف الوطء .
لا تضغط بكعبك العالي على أوردتي
ولا تبرد أظافرك الطويلة في لحمي العاري
أيها الحزن . أيها الجارف . الكاسح . المالح . الشارخ
أتعبتني . أنهكتني . سلبت مني كل أسلحتي .
شرقت بملحك يترسب على جوانب حلقي ..
وطبعت أيامي بوجودك الرتيب ..
أيها الحزن كفى . كفى ..
عد كما كنت شفيفا ، رهيفا ..
لا تفرض وقعك على أيامي ولكن تغلفها برفق حنون ..
عد كالنسمة ، تهب أحياناً وتتركني للفرح والضحك أحياناً أخرى ..

لا تكن قاسياً ودكتاتورا ..
أيها الحزن ما عاد دمعي يساعدني كي أتخلص منك ..
لم يعد يغسل صدري ويتركني قوية أمارس حياتي بصلابة كما من قبل ..
أيها الحزن لا تسيطر . لست جميلاً حين تسيطر ..
عد كما كنت ، تأتي في وقت الراحة كي تمازحني قليلا ..
أشعر بك تغمرني في وقت الدعة ، كي يأتي بعدك الفرح طاغياً ولذيذا ..
لكنك الآن طاغية ، كالريح تجرف من وقتي وجهدي ولياليّ ..
اذهب . أرجوك . تعبت . أعدك أن أستقبلك في وقتك ، لكن لا تطغى على أوقاتي جميعا ..
أيها الحزن ، سأغلق بابي دونك ، فساعدني ولا تطرق كثيرا ..
أرجوك ، أيها الحزن . خفف الوطء ..
قلبي ما عاد يحتمل ...

2003

أمحوك

من أنت
ولماذا تدور في فراغي
لماذا لا أستطيع أن أمحوك .. أو أنساك . أو ألغيك . أو أنتهي منك . أو أعيشك . أو أحبك . أو أكرهك . أو لا أباليك . أو أخلعك . أو أخرج منك . أو أغسل بالي منك . أو أضعك على الطاولة وأتناول ما يكفيني منك وأترك الباقي لوقت آخر . أو أحكيك لصديقاتي أو أكتبك قصة على ورق أو أشعلك شمعة وأطفئك حين أكتفي من الرومانسية . أو أشربك قهوة صباح . أو مساء . أو أتناولك قطعة جاتوه . أو أحتفظ بك في ملف أراجعه حين أحتاجه . أو أشاهدك برنامجاً على التلفزيون أغلقه حين أمل منه . أو أرتديك شالاً للزينة أفكه من رقبتي إذا أحسست بالحر أو الاختناق . أو أضعك مكياجاً على وجهي أمسحه حين أشاء أو يسيل مع دموعي . أو أعلقك لوحة على الجدار أنظر إليها وأتملاها ثم أنشغل بأموري الأخرى عنها . أو أحملك نوتة تلفون أطالعها إذا نسيت رقمك . أو أتناولك بندول إذا أصابني صداع . أو أرشك عطراً في الصباح يختفي في المساء . أو أقرأك ديوان شعر حين أشتاق إلى قصيدة . أو أستمع إليك مذياعاً أغلقه عند نشرة الأخبار . أو أحملك حقيبة يد أضعها على أول كنبة تقابلني حين أصل . أو أضعك نظارة حين لا أرتدي عدساتي . أو ساعة في يدي أنظر إليها فقط حين يتأخر السائق . أو طلاءً لأظافري يجعلها تلمع وأزيله كل يومين . أو جوالاً أرسل منه الرسائل وأحتفظ بها أو أمحوها . أو فرشاة شعر أمشط بها شعري أحيانا . أو أحتسيك كأساً أسكر به في المساء مع الأصدقاء ويزول تأثيره في الصباح . أو أشعلك بخوراً تطير مع دخانه . أو أضيئك أباجورة جوار سريري أقرأ على ضوئها وأطفئها إذا تسلل النعاس . أو ألمحك حمامة على طرف نافذتي وأنا أتكتك على الكمبيوتر أنظر إليها تمنحني سلاماً وأقول لها سلاماً وأعود للكتابة . أو أغرزك دبوساً أقفل به فتحة البلوزة وأخلعه حين أبتعد عن العيون المتلصصة . أو أجتازك اختباراً أجيب كل أسئلته وأنجح . أو أثيرك أسئلة لا تنتهي . أو أتمناك أمنيات لا تتحقق . أو أؤجلك إلى ما لانهاية. لا نهاية

1 أبريل 2003

خيانة

تجلس وحدك
تتأمل الأيام
هذي التي تركتك وحدك
تتفقد الحروف
تلك التي كانت رفيقتك
تلهو بها
تشكلها
تنحتها
وتعيد رونقها
تخونك الآن
تتخلى عنك
تهرب منك
أتعبتها .. أم أتعبتك
لا حقيقة سوى الفقد
تعرف ذلك الآن جيدا
غريب طعم الفقد
مر .. ولاذع
وحقيقي
لا شيء يمكنه أن يخفف عنك عزلتك
فرفيقتك خانتك
تهرب منك
تراوغك
وأنت تنظر إليها
تتلمس الفقد
لا تقوله
لا تستطيع أن تقوله
هذه الغصة التي تشق قلبك
لا تستطيع أن تصفها
وحدك .. بدونها
هذه الحروف الخائنة


2003

قلب ثقيل

أحلم أن قلبي ثقيل ، يلفه ورق الألمونيوم الفظ ، ويرقد أسفل محيط عميق .. غريق . وأستيقظ فأجد أن قلبي ثقيل ، يلفه ورق الألمونيوم الفظ ، ويرقد غريقاً أسفل محيط .
ماذا بعد .
بعد هذا الحزن والألم . لا مفر . أيام حزينة . حزينة .

ونبحث عن الضحك . عن الفرح . هل ثمة فرح . أين . دلوني ، وسأذهب ، صدقوني سأذهب . من هذا الذي يجل الحزن ، أنا لا أريده ، أنا بياع .

من يبدل ورق الألمونيوم الصقيل الجارح بورق السلوفان الشفاف المرح . أهديه قلبي هدية يلفه به ويربطه بوردة . يهديني قلبي الفرح الذي أعرف . هذا الذي أحمله الآن لا أعرفه . ولا أطيق أن يظل مرتبطاً بصدري وأنا أمضي أيامي الرتيبة .

أغسله هذا القلب ثلاث مرات ، قبل الأكل ، ومرة قبل النوم ، لكنه يأبى ، هذه الأيام يصر على الوجع . والوجع آه . مر . أكرهه ، يقبع كحجر فوق شفتاي . حتى الضحك الذي حرصت دوماً ألا يغادرني ، يغادرني . يأتي في زيارات خاطفة ، أستبقيه لكنه يتعذر بمشاوير أخرى ، أعرف أن الضحك لا يحب الأماكن المظلمة ، لكني أحاول ، مخلصة أحاول ، وأفشل .

أطالع كلاماً كثيرا . أبحث عن النكت ، والطرائف ، في كل مكان . تصارع الحزن والكآبة الذين يحيطان بي ، لكنها لا تقوى ، تعتذر أيضاً النكت ، تقول لي قلبك مخبأ وسط الكثير من الألم ، حاولي أن تقشريه أولا ، وستجدينا هنا ، حاضرين ، أذهب أنا هذه المرة ، أتوارى .. وأنتظر

انتظري يا نفسي . أصبرها ، وأعدها بأيام أحلى ، وفرح صاخب ، وحياة جميلة ، أعدها بسماء زرقاء ، وبالونات ملونة ، وموسيقى رائعة ، وأناس يمشون على الشواطئ يضحكون ... وأنتظر

2003

الناثر

هكذا هم الشعراء ، حين يعشقون ، يشربون الأقداح حتى الثمالة ، ليسوا ككتاب النثر ، أصحاب الشعر الوشيك ، الذين يفصلون لغتهم على مهل ، يرتقون خللها على مهل ، يضعون الكلمة جوار الكلمة ، كي تغدو حكاية ، الشعراء يفجرون اللغة ، يصنعون رمزهم ، أو يغتالونه ، سواء لديهم ، ليسوا مثلك ، أنت الذي بيدك ، كإله ، ترتب الأوقات والأحداث ، تهيئ المكان ، وتنتظر زماناً ملائما ، الشعراء يخلقون أزمنتهم ، ويلهون بقلوبهم قبل قلوب الآخرين ، يغرزون فيه الوجع حتى يصرخون من الألم ، وأنت ككتاب النثر ، تدفع الألم بعيداً عنك ، حتى يقتلك الملل والانتظار كإله ، تصنع معبودتك ، وتتأملها وهي تبتهل لك ، وتغفو على حلم جنتك ، وأنت لا تمد يدك ، لتأخذها إليها ، أبدا ، أنت تكتفي بمراقبتها ، وهي تبكي حنيناً إلى تلك الجنة الموعودة ، كأي إله ..
متعتك أن تلتقط التفاصيل الصغيرة ، تدونها في كتابك ، وتحرص ألا يفوتك منها حرف ، تفوت على نفسك العيش فيها ، حتى لا يفوتك تسجيلها ، تلك اللحظات الساخنة المتدفقة ، الصارخة ، الصاخبة ، تقف أنت هناك ، في البعيد ، على شفا حب ، وله ، أو عذاب ، تكتبها ، فقط ، وتتركها هي تحب ، وتتوله ، وتتعذب ، وتناجيك ، وتناديك ، وتبكي على أعتابك ، وتطلب رضاك ، وتخاف من سخطك ، وتترجاك ، وتترجاك ، وتترجاك .. كأي إله ..
الآلهة لا يعيشون العذابات الصغيرة ، لا يمشون معنا على الأرض ، لا تأكل قلوبهم الحسرة ، ولا يفتتهم الألم على معشوقيهم ، الآلهة لا يغامرون لرؤية الحبيب ، لا يتعرضون للإهانات وهم ينتظرون في ال