(أنتِ البكاء الطويل في الليل)

قاسم حداد
(البحرين)
شتاء 2011 - برلين

مساميرُ السفينة

قاسم حدادإهدأْ قليلاً
وانتظرْ تلك الحشود تمرُّ ذاهبةً إلى الماضي
ودَعْها ،
دَعْ لها مستقبلاً ينساكَ
واهدأْ
ريثما يتذكر القتلى خريطتَهم.
حشودٌ تنتشي بالغيم
تهفو للدلالة
فانتظرها وهي تعبرُ
ربما تكبو كما جيشٍ وهاويةٍ
وتحتملُ الخسارةَ
فانتظرْ واهدأ قليلاً.
ساعةٌ في التيه أقسى من يـدٍ مبتورةٍ
لَمْلِمْ مساميرَ السفينةِ وانتظرْ
يأتيكَ موجٌ من تجاعيد البحار
ويجيئُ حشدٌ ضائعٌ،
أين السفينة
كلما أصغيتَ أجَّلْتَ المراثي
لستَ في حِلٍ من التأويل
لا المعنى يَـدُلُّكَ
لا انتهاكات المُغنِّي وهو يَجْرَحُ صوتَه
لا رفقةُ الحيتان
إهدأْ وانتظرْ
وأنظرْ سفينتَك الوحيدةَ وهي تغرق عند رأس البحر
في حِلٍ من التأويل
شعبٌ شاخصٌ في الغيم
لم يحسنْ قراءةَ موجِه
لم يبتكرْ سفراً بلا سُـفـنٍ
ولا يُحصي مساميرَ السفينة وهي تَصْدَأُ
فانتظرْ واهدأ قليلاً
ريثما يرتدُّ بدوُ البحر عن أخلاطِهم
يأتون مضطربي العناصر
منهكين
ضغائنٌ في لغوهِم
فاغفر لهم
وأهدأ طويلاً ….
ريثما يبكون. *

الخبر

لا تريدونَ أن تسمعوا خبراً عاجلاً
في بدايات ليلٍ طويلْ
لا تريدون هذا العويلْ
ليس في البيت ما ينتهي للتأمل
فالبيتُ أن تنتمي
مثلما تفتدي وردة المستحيلْ
إنما في الحياة التي تشبه الله فينا
الحياة التي سوف تنتابنا
مثل أسطورةٍ
يَغدُرُ الله بالحلم في جسدٍ طازجٍ
كي نُصدّقَ أخبارَنا
هل تريدون أن تسمعوا بيتنا
مثلَ طفلٍ عليلْ.*

صديقة التشللو

تتركُ كمانَها في ركن البيت
مستوحشاً ..
والقلب في رعشة الحب
تنسى القوس
تنسى درسها
تنسى سلالمَ الإيقاع
ولا تنسى جنة العائلة.

تَحضنُ طفلتَها متلعثمةً بفصاحةِ المعرفةِ
واختلاجِ المذعور
ثمة غابةٌ تعيث في المدينة
ثمة طفلة في المباغتة
في انبثاق الهلع من مسامٍّ غضَّةٍ
طفلةٌ - أكثر جزعاً من أوتار الكمان -
تَـكـنُّ طفلتَها بحضنٍ حانٍ
كَمنْ يحمي وردةً في عاصفة.

هذا هو الدرس .. قبل الموسيقى وبعدها
خوفٌ يحبسُ الطفلة في خشية الأم
ويزيح الكمانَ في العتمة.

طفلةُ في الموسيقى
أوتارُها أدنى من الصوت
وأقصى رهافةً من الصمت
تصغي مأخوذة ... مثلَ اكتشاف الحياة
فالخوفُ موسيقى أيضاً.

طفلةٌ تسهر في حضن طفولتِها
مشغولةً عن كمانِها
تروي حكاياتها عن شمسٍ في الحَبس
وتضعُ الحبَ في مكانه.

فيما الحزنُ في الناي
فيما الغموضُ في الغيم
فيما الغيابُ في السَفَر
فيما السؤال في الناس
فيما الكمانُ وحده
يصغي ويكفُّ عن النوم.
طفلةٌ وحدَها ،
في آخر الليل
تسمع كمانَها الوحيد ..
يعزفُ الحزنَ .. وحده . *

خطأ الدم

ليس للدَّمِ صوتٌ
انه الصوتُ
والصمتُ والمستَخفُّ من الروح
فالدَّمُ لا ينتمي للكلام
انه شهوة الغائبين عن البيت في العُرس
قنديلةُ الضائعين
ارتعاشُ الضغائن في لحظة الحب
بابٌ لنا عندما يعترينا الندمْ.

ليس للصوت دمْ
نسمِّيه أخطاءَنا
كي يرى الله
- من حمرة الأزرق المستهام –
ويغفرُ أنّـا خرجنا عليه
رفضنا دماً في الكلام.

فمن يسمع الصوتَ في الدمّ
يصغي إليه ... وينتابنا. *

حيرةُ الروح

مثلما يُطفأ الضوءُ في الليل. كفَّتْ المخلوقات عن طبيعة اللغة، وتوقفَ الكلامُ عن البوح، وجَمدتْ الحياةُ في الناس. أخذت الرطانات تَصرخُ والصمتُ يُزهر في بهجة الجُرح، والمجابهات تعوِّق حواس الكائن. يهرع صديقٌ فيرى في الصديق عدواً ماثلاً ممتثلاً لوهمٍ عدوٍّ. يدُه طليقةٌ ورُوحُه في الأغلال. حشدٌ يتلعثمُ بوسائطَ حبٍ فاترٍ، ويتعثَّر بأشراكٍ ضاغنةٍ وتناله الحيرةٌ الضارية.
هكذا بغتة كمن يقتل الضوءَ في غرفةٍ.
نرى حياتنا تنسَلُّ من العناقات مثل سوط النار في كواهل العبيد. ثمة خرافة تتماثل في الغفلة. *

ذخيرة

... ومَنْ لديه طاقة النسيان لينسَ
أما نحن ..
نسيانُنا يُفقدنا صورةً تصقلُ الخيالَ في الروح
مَنْ لديه طاقة النسيان
فليذكر أنه شاهدٌ في غابةِ الحريق
وأنه الدمُّ الأخير في القتل
وهو اللون الذاهبُ في الجُرح
فَمَنْ استطاع النسيانَ فلينسَ
أما نحن ..
خيالنا مشحونٌ بذخائر الليل
بالصورة مكنوزة بالمرايا وذكريات الغيم
حتى إذا ما نسيتمونا
تذكرناكم في صلاة الكتمان
ثمة قتلى لا يحسنون النسيان. *

يبكي ويعزف

هادئٌ مثل إعصارٍ وشيكٍ
أجنحتُه كثيرةٌ والريحُ تَشُحُّ
لماذا كلما نَهَضَتْ لغةٌ
كلما بكتْ قُبرةٌ
كلما اكتملَ ليلٌ
يرى الأنخابَ المخبوءة
فتناله الرأفةُ بالزُجاج في الماء
ويوشِكَ على الحُلم.
نيرانه المكتومة تصقل الجمرَ في مواقع أقدامه
أقداحٌ تفيضُ وتشفُّ عن ولعٍ طائرٍ في صداقة الريح
خطواتُه في الرمز الرشيق
يبكي لئلا ينسى
يبكي لكي يوقظَ الحجرَ من سباته
يَعزفُ أو ينزفُ
تُصغي إليه غفلةُ الناس.
عريشته في الحزن ومقصورته في الفرح
كلما التفتَ له شخصٌ احتضنه بالتآويل
وذرائع الأمل
له ذؤآباتٌ تنير عتمةَ الكائن
تَصْعَدُ به شرفاتٍ وسلالمَ وأغنيات
لإيقاعِه شجنُ العذارى وشَغفُ الثواكل
وشكيمةُ الفَرَسِ الهائمة
يُصغي لطرائد الطبيعة في الفَرار والفوضى
يبتكر صناجاتٍ تمنح المعنى طاقة السَفر
ويسهر على ترويض الأعاصير
كلما صادفَ جُرحاً طَرَحَ عليه الصكوك والمواثيق
كلما بَكتْه امرأةٌ منهمكةٌ بصنيع المعادن
تخلله غيمٌ وخالجته شهوة المغامرين
موسيقاهُ كنزُهُ الوحيد وخسارَتُه النادرة
ميزانُ الذهب ساعته
وكرةُ اللَّهب بوصلته في سهرة الندم.
محتقنٌ بالدلالات
يغوي الخطأ لكي يُصيب. *

ذئاب

ذئابُكَ ليستْ من الوحش
ليس مِنْ طبيعتِها مَـسُّ شخصٍ
يجاورُها في الحزين من النًّص.
ذئابٌ تَجسُّ جراحَ المصابين بالفقد
ذئابٌ لها من صفات التصوفِ
مِنْ صورةِ الناسكين يؤدونَ طقساً
ويستشهدون بأخطائهم حكمةً
فمن أين، في الناس، شخصٌ له حكمةُ الذئب
له في الحنان والشغف المستثار
.. مِنَ الناسِ
شخصٌ له شجنٌ مثل هذي الذئاب
فبجِّلْ ذئابك قبل الذهاب. *

الطعنة

ها أنتِ أيتها الطعنة تغمدين النصلَ في الخاصرة
ها أنتِ، يا الغادرة
لا أنا في مقتلٍ
وليس بوسعك شَـدِّ الخنجرَ دونَ موتٍ
ها أنتِ في الأعداء تدركين
رجعة النصل أكثرَ قتلاً من الطعنة الفاجرة
فمن أنتِ أيتها الطعنة
هل تعرفين الشخصَ في قَتلةٍ خاسرة ؟*

الأخدوعة

أخبارنا ضائعةٌ في البحار
والمرافئ منهوبةٌ في الفقد والتجارة
سفائنُ مكنوزةٌ .. لا تَصلْ
أيهذي البحار الغريبة
من أين تأتيكِ أخبارُنا
ولنا في القلوع الكسيرة أخدوعةُ الليل
بيضاءُ بيضاءُ يحرُسُها جوعُها
البلادُ التي ضيعتنا بأنشودةٍ لا تصلْ
فهل نحن بحارةُ الفقد
نصطادُ لؤلؤةً كي تضيعْ،
نُغنِّي لها عَلّها تستجير بنا مرةً
في هدأة الليل
في خشبٍ تائهٍ
في مواثيقَ مهدورةٍ
في النساءِ اللواتي بَعثنَ لنا بالرسائل كي لا نغيبَ
فنرسل أخبارَنا،
غيرَ أن البريد المغامر في عَوْدِهِ لا يصلْ
جائعونَ وعطشى
وترجُعُ أخبارُنا كالصدى،
أيهذا المدى قُـلْ لنا
ما الذي يقطعُ الصوتَ فينا
ويسرق مَحّارَنا،
ما الذي سوف يبقى لنا كي يصلْ. *

الـفَـرَس

الفَرَسُ الشهلاءُ معوّقةٌ في الحظائر
يطاردُها العاطلونَ في الطرق المتربة
تُطلق صهيلَها المذعور،
تكادُ الأجنحة تَنْبُتُ في كتفيها
فتخفُّ عن الأرض لفرط الفَرار.
الفَرَسُ الشريدةُ في البحر
تصقلُ مساميرَها مستدقَّةً في حافر العاج
فيلعب العاطلون بالشِباك والمصائد.

تنالُ من عُرْفِها الحرير حشراتُ المعدن وحراشفُ
السحالي الضارية.
الفَرَسُ الشهلاءُ في مدينة الحريق
تَهْشِلُ بالمطارَدين والأسرى
وتعقد الخير بأطفالٍ وأمَّهات
الفَرَسُ الشهلاءُ في النجاة والخديعة. *

قمرٌ صغيرٌ

ما إن انفجرتْ المدينةُ بالحشود، وتحاجزتْ الكائناتُ الصغيرة مثل أقوام شتَّى. حتى تَقفَّصَتْ الأرواحُ الغضّةُ في أجسادِها لفرط المباغتة. فرأيتُ قمري الصغير مرتعشاً في عريشة الغيم. يَلُوبُ في سقيفة الكون مثل نَمِرٍ أليفٍ في الذعر. يذرع المجرةَ بين الجرح والمطاردة وذريعة العمل.
قمرٌ صغيرٌ مثل قنديل البيت. كلما تفاقمَ الاحتدامُ في الأقوام وتمزَّقتْ المدينة، توهجَ الألمُ في أجنحتِه المهيضة، وشَحُبَ ضوؤُه واكتنزتْ روحُه بالانكسار والمَشَقَّة. تَضيقُ الجدرانُ على جسده الباسل، وتَقصُلُ روحَه المستوحشة رماحٌ غامضةٌ.
قمرُنا قائدُنا في جوقةِ البكاءِ في النهار والليل.
نتحلَّقُ حوله فينقذنا بعويله. *

الوصيفات

الوصيفاتُ يَضَعنَ الوردَ في حضن المليكة
الوصيفاتُ يُزَجِّجْنَ لها حاجِبَها المشجُوج
في مَـرآى من الجيش
ويَغسلنَ لها الأخبارَ قبل النوم
كي تغفو عميقاً
الوصيفات
لَهُنَّ الحظوةُ الأولى وبابُ القصر والتفسير
مِنْ قَطْرِ الندى حتى الأريكة. *

رشاقةُ الزجاج

أرفقْ بالزجاجات الرشيقة وهي ذاهبة بعكس الماء
هل في حضرة الأسماء متسعٌ لتأويلٍ صغيرٍ
لارتعاشةِ عاشقٍ
لمغامرٍ غضٍّ يرى بابَ النجاة سرادقَ الموتى.
فإنْ أمعنتَ في ماء الزجاجاتِ انتشيتَ
وأوشكتْ لغةٌ على المعنى
قميصٌ مترعٌ وبراءةٌ كالذئب في النحو القديم
زجاجةٌ أخرى ستغوي نسوةً
أرفقْ بِهُـنَّ
هَرِبنَ من دار الكلام الى السلام
أرفقْ،
يجئنكَ مولعاتٍ بالندى مترنحات
أرفق بما يبقى لنا
اغفرْ لهنَّ السهوَ والنسيانَ
كلُ زُجاجةٍ جُرحٌ ،
نبيذٌ جامحٌ
وقتٌ لتأويلٍ حزين. *

أحبُولة السفر

هل حقك في البيت
أقلّ من نصيبك في الغياب
كلما وضعتَ قدماً في طريقٍ
ارْفَضَّ وتقلَّصَ وتلاشى
طارتْ في وجهك غربانٌ وكفَّتْ شمسٌ عنكَ
لن تهزم المصادفات بمديح الأمل
بينك وبين الخسارة كتبٌ ورسائلُ
ويتاحُ لك اليأسُ كلما هَمِمْتَ بالشكوى
فالحقُّ في البيت
فهرسٌ يستعصي على السرد
نشيدُ القتلى طريقك
وغفلةُ المغادرين
أحبولةُ السفر. *

صلوات

ستصلي خمسَ مراتٍ
ولن يسمعكَ الحاجبُ
لن يصغي لشكواكَ ملاكٌ
ستصلي للشياطين لكي يَنْقُض بابُ الله حُكماً خاطئاً
ماذا ستجني من صلاة الليل
غيرَ الكهف في عين النهار
خمسُ مراتٍ ستبقى في انتظارٍ
دونَ أن يصغي لك الله
ولن يكترثَ الأسرى بحرِّياتهم
خمسٌ ولا تكفي
ففي منعطف الماءِ ستقضي عطشاً
صَليتَ أو خُـفْـتَ
لك الغيمُ وغاباتٍ من السلوى
فكُنْ في منتهاك. *

تَـرْكُ البيت

بالأنفاس المقطوعة
بانحرافٍ خاطفٍ من الحرس
حيث الجريرةٌ في الاسم
والجريمة في اللغة
وفي الناس المَشَقّة
والغيمُ زخةُ أكاذيب تملأ القُـفَـفْ
خُذْ النفَسَ الأخيرَ عميقاً
خذه
واعبرْ مَضيقَـك نحو البيت
فليس من الحكمة تركُ البيت وحده. *

ملوك

من أين جاءَت كلُ هذه الملوك دفعةً واحدة، في أرضٍ صغيرةٍ. يبحثون عن شعبٍ على سعتهم، يقيسونَ به الوقتَ ويضاهون الأرضَ به.
صبراً على وحشٍ بلا خوفٍ ولا ضغينة،
على موتٍ بلا ألم.
ملوكٌ في الكتب وفي الخناجر. *

البيت

ليس لك سلطةٌ عليه
لا سيفكَ يهزمُه
ولا ضغائنُ الليل تناله
بيتُ ذاهلٌ لفقد كائناته المأخوذة
يريد أن ينامَ في كتاب الحلم
في لؤلؤٍ
في مَحَارةٍ
في بحرٍ
في سفرٍ
وفي مكابدات.

ما لأحدٍ سلطةٌ عليه
يطرح نشيدَه في الشمس
يحضن وحشَ الناسِ
يحنو على النخل
ويبكي
و يبكي
و يبكي. *

دارت بنا

كلما دارتْ بنا الدنيا هنا دُرنا لها
وتقاطرتْ سفنٌ لتقتلنا
فنبدو غيرَ مكترثين
نبدو..
كي نقدِّمَ للضحايا ما يؤجلنا قليلاً
.... أو كثيراً
لا يَهمُّ ،
نَفُكُّ أسرانا ونُطلقهمْ الى موتٍ خفيفٍ
ربما لا يحسنونَ الموتَ
كنا نُرْهِبُ الاعداءَ بالأحياءِ
ينتحرون
يزدردون موتاً ثانياً
دوائرُنا تدورُ بنا
ونحن في انتظارٍ،
كلما دارتْ بنا
مُـتنا قليلاً
واستدرنا نستجيبُ لها. *

سؤال

الى أين ستبعُدُ عن البيت
الأرضُ كرويةٌ
والطريقُ دائريةٌ
والرواياتُ تدورُ
وليس لاسمك معنى
في غير دارك. *

طيور الطيش

نصالٌ تشحذُ جلودَنا
لنُذبَحُ على حجرٍ
أمضينا الوقتَ نغرِّدُ في بئرٍ
ونحلم بالماء
لأطفالنا زعانفُ يتفصّد زيتُها
وينزفُ في الدفاتر كلما شهقت الأغنية
لا أحد يُصغي لصمتنا
وما مِنْ دمٍ إلا وازدهرَ فيه النسيانُ
وتَهتَّكَ الجسد
كأنه القميصُ الوحيدُ في البيت
نتبادله كلما فقدنا ولداً
نضعُ الأوسمةَ لنخفي الجراحَ
فيطفر الدمُ في طيورٍ طائشةٍ
تفـرُّ من حجرِ الذبح
عطشى ومشتهاة. *

لغة

لا تَـقُـلْ للسؤالِ الجوابَ
قُـلْ له الأسئلة. *

سورة الألم

ليس للألم الذي ينضحُ من طين البيت ويُنضِجُ أجساداً تتعافي متجاسرةً في التجربة.
ليس له الزعمُ بأنه الصخرةُ الصقيلة تجعل المرايا تتحدّرُ من تجاعيدنا.
كنا نَصُدُّ التفجَّعَ ونكبُتُ الصرخةَ ونسكتُ على موتٍ وشيكٍ لئلا يشي بنا الألمُ الفَظُّ فلا يرقى الى ذريعة الغيم ويقصُرُ عن المخاض.
ألمٌ يفقدُ أسبابَه ويخسر حق التأويل. *

ثاكلاتُ الـقُـرى

أقرأُ في نحيب القُرى
مثلما طائرُ النار في جوقةٍ لا تُـرى
أقرأ الليلَ
يبكي على ثاكلاتٍ
وأقرأ أطفالهنَّ المرايا الكسيرات
حسرى أسيراتُ مستوحشاتٍ
وأبكي كأنَّ القرى وحدها
تستجير من النار بالمستحيلات
أقرأها
أسأل اللهَ في عرشهِ أن يرى. *

الوحشة

صارتْ الوحشةُ في الطقس وفي الطريق. تمشي كأنكَ تُخَوِّضُ بجسدِك وروحِك في سديمٍ كثيفٍ من الخوف. خوفٌ تراه باليدين والقدمين والدماغ. غيمُ الرؤية. كمن يسير بين قتيلين متحاجِزَين بالجثث. تَحُفُّ بكَ الضغائنُ والمجابهات وتَخْتَرِمُك النصالُ والخدائعُ في أراجيحَ تُحرّكها ريحٌ غيرُ مرئيةٍ. تتقدمُ إلى وراءٍ. أعضاؤك في رمادٍ باردٍ يكادُ أن يشتعل. وبين يديك الشِراكُ شباكٌ تُحصِي أنفاسَكَ، تقطعها وتدفع بأطفالك نحو الغيم.
لا تكاد أن تدركَ ..
مأتمٌ أم ولادةٌ. *

ندمٌ طفيف

مُدانونَ بالأمهاتِ
يغسلنَ أجسادَنا بالندم
يصقلنه بالجزع
قَصُرْنا عن حمايتهنَّ بما يكفي من الدفءِ
لئلا تنْثلجُ أطرافهُـنَّ في الوحشة
مدانون بالأمهات
اللواتي ذرفنَ أجسادَهنَّ في اللبنَ والدمعَ والدمّ
ومنحنى الأخلاط
لكي تنشأ أعضاؤنا مثل جمر اليقظة
مثل اصطفاق الأجنحة وبُكُورِّية الشجر.
مدانون بهنَّ
يَصْطَفينَ النجوم بأحلامنا. *

شمسٌ بطيئة

كنا نحزُمُ المدينةَ بالبحر
بالبريد الأزرق في الأفئدة
كلما عبرنا ردهة الدار
انبثقتْ تنهداتُ النساءِ الوقوراتِ في الليل
كلما طرَقنا باباً انفتحَ الأفقُ في قلوبٍ مشغوفةٍ
بولع الفقد
صقلنا الدروبَ المتربةَ بخطواتٍ عجولةٍ
كانت "المحرّق" عريشة مفتوحة على البحر كله
فنلجأ لأعراس السفن بشراعها الرشيق وصواريها الحانية
نشارك في تجهيز الخشبَ للماء.
عربةُ البريد مهصورة في أحضاننا
لئلا يتأخر المسافرون في الغيم
والمدينة بابٌ لشمسٍ بطيئةٍ. *

الإبريسم العليل

مَرْضَى مثل الوحيد في الغربة
تنطفئُ قناديلنا في الأروقة
وتتهدَّلُ أعضاؤنا في القمصان
نَـذوي في الإبريسم العليل
في خُضرة الثوب الناحل
مَرْضى ونضاهي شجرَ اليقظة
ونُحسنُ الصبر بلا جدوى
لا لنبرأ من الضَرِّ
ليس لاستعادة الحياة
لكن لئلا نُحبَسُ في الخَشية

غير أن المرضى لا يموتون حين يرغبون
للمرضى مزيدٌ من المرض. *

نصفُ حزنٍ كاملٍ

نصفُ حزنِ الأمس كانَ مؤجَّلاً
كي يستقيمَ الوزنُ في نثر القصيدة
نصفُه يكفي لتفسير الجِراح
ومَحوَها في دفتر الأطفال
نصفٌ كاملٌ
فالحزن يَقصُرُ عن قصيدتنا
ويستعصي على نفي الضحايا
وابتكار حقيقةً أخرى تفي بالوردة الثكلى
قصيدتنا النَثيرةُ تَخرجُ من تخوم القوس
مَنْ يقوى على تقدير إيقاع البُكاء
كأنَّ حزنَ الناس بَحرٌ ثالثٌ
نصفٌ حزينٌ
والبقيةُ شهقةُ القتلى
وجوقةُ نادمين ونادبين
لكأنَّ نصفَ الحزن فعلٌ ناقصٌ
لا يقبل التأجيل. *

حديد

تساءلتُ
هل أن الحديدَ الوحيدَ
يذوبُ على جرحنا .. وحدنا
وهل أننا سوف نبقى على هامش النص
والوحشُ ينهشُ تفسيرَنا
غيمنُا في الحديد طوال النهار
لينثال رملاً على ليلنا
تساءلتُ
ماذا يريدُ الحديدُ الوحيدُ من المعدن الحُرّ
وهو الذي قادَنا نحو بحر المفازات .. يغتالنا
أيها المستجيرُ بعلم السُلالات
يخذلكَ النادمونَ على الحلم
دعنا نعالجُ تاريخَنا
أيهاذا الحديدُ الذي في البدايات
افتحْ لنا
قل لنا بالتآويل
بالمشتهى من تفاصيلنا مَـنْ لنا
حديدٌ تحرَّرَ من شكله
سيدُ الجُرح ينهالُ في لغةٍ .. علَّـنا. *

الناسُ في الناسِ

في الرُكن القَصيِّ من الناس
تَرى .. حيثُ لا ينظرون
وتعرفُ في حشدهم نجمةً
ليس لاسمك وشمٌ ولا شامةٌ
قصيٌّ عن الليل والنوم
في الهامش البعيد من النص
ترثى حروفكَ
والناسُ في الناسِ في غابةٍ
عيناك مذهولتان
وقلبُكَ بَهْجُ الأقاصي
تنسى الكلامَ
وتنثالُ في شكلِ طيرٍ
في غزالةِ الذُعر
القصيُّ عن الناس والنصّ
حصنٌ يتلاشى وينهار. *

انتحارُ الجَوقة

جوقةٌ من ذكريات البحر
والموتى يقومون
وليلٌ واحدٌ ينسى
وتحديقُ التفاصيل على المرآة
يكفي للبكاء
ربما يكفي لتأجيل الضحايا
وانتحابات السماء
ليس عدلاً
كلما مُتنا انتحى الأعداءُ صَفاً واحداً
يحنو على صمت الصلاة
جوقةٌ
والمستعاد من الجراح حديقةٌ تُـرخي لنا خيلاً
وتُوقظُ موسماً وتشفُّ عن قتلى يضاهون الحياة
كلما ..
والزرقةُ القُصوى رُقَىً منهارةٌ
وجميعُ ما يبقى لنا فيها انتحارٌ طارئٌ
يتحدّرُ القتلى بأخبار السُلالة
كانتباهةِ غافلٍ
ماذا بوسع الليل
ما الجدوى من الجنّات
ما المعنى المؤجل لانتصارات الهزائم
ما الغنائمُ في حروبٍ
في احتمالٍ شائكٍ
ماذا سيبقى عندما ...
والجوقة الزرقاء تمحونا على باب السماء
هل عادت الأسماء للنسيان
هل في بيتنا للبحر نافذةٌ
وهل للبيت مرآةٌ نرى فيها الغياب.

الماءُ في المعنى
وفي الأخطاء تمويهٌ لتفسير الغيوم
الماء في القتلى قبيل الموت
هل نحن ضياعٌ شامخٌ
كي ندرك القاموس قبل النوم
نبكي جوقةً
ونظل نبكي
نمنح الأعداءَ أوسمةً
لكي يعفو القضاةُ ويفقه السَجانُ
يطلقنا الإلهيون من أوهامهم
لننام قبل الحكم في ليلٍ طويل
وانتباهة طائرٍ في الذبح
فالموتى يقومون على أشجارنا
والليل ينسى
عندما في السَبي ..
نحن نسوةٌ أم جوقةٌ
ماذا بوسع الله فينا
كلما خُضْنا بوهم الدمّ. *

الثوب

يتقطع الثوبُ في غيمٍ تائهٍ في الجسد المرضوض بقانون الآلهة جسدٌ ينْحلُّ في خيط ٍناسلٍ من سماء الله متروكةً واليدُ الوحيدةُ وحدَها في حجرٍ في جدارٍ طريٍّ تلوّحُ وحدها أن تعالوا لبقية الجسدِ جسدٌ بثوبٍ يَحُوْلُ يتلاشي لا يستر وليس لمِزَقِه عَـدٌّ ولا يَطالُه الوصفُ ما إن يُطلقُ له النشيدُ حتى يتقاطر حوله حَجَلٌ ظنَّاً أنه الطليعة فيتصاعد شَتاتٌ في لهبٍ يتكاثفُ بشفقٍ كأنه سلامٌ مغدورٌ إهابٌ ينسى شكله ويذهب الى الدرس. تنتظره الأمُّ إذا تأخرَ ونَسِيَ أنه شمسٌ ثانيةٌ لصباح العائلة.
أيتها الشمسُ هذا جسدُكِ المفقود هذا ثوبه تائهٌ في مَجرّة الناس.
أيتها الشمس من أعطاك ثوباً ذائباً لجسدٍ يذوي
خذي وهجَ الوحش وهاتي الغزالة. *

حواريون

دعنا نؤجِّلُ جنةَ المعنى ونرفلُ في الجحيم
نَفنَى قليلاً ريثما يستيقظ القتلى
وينثلجُ الحواريون في تابوتهم
دعنا نُـراهنُ أن دارَ الله واسعةٌ
لتشملنا إذا مُتنا بعيداً عن صلاة الخوف.
هل نحن على كثبٍ من الثوار
بعضُ النار تكفي لامتحان الليل
دعنا لا نرى في الأفق غير كنيسةٍ كسلى
تُصلي خارج المحراب
دعنا لا نردُّ الباب. *

حدّاد

يضعُ حديدته على سندانه القديم ويَطْفَقُ يَطْرُقُ بأثقل مطارقِه في ليلٍ بهيمٍ، مُصْدِراً الصوتَ أعلى من الرعد وأقربَ الى الرمز. التفتتْ نحوه الجُموعُ تضرَّعته الأقاصي ضَجَّتْ به الكائنات، وهو لا يكترثُ بالدلالات ولا يَكُفُّ عن الحديد.
سندانٌ ومطارقُ في حَمْأةِ العمل، يغفل عن حديدته الباردة. الحديدُ الباردُ يُصْدِرُ الصوتَ الهائلَ تحت الطَرْق، غير أنه لا يُطاوِعُ ولا يَقبَلُ الشكل. *

نجمة الهاوية

نجمةٌ على هاوية
والعرباتُ تنثر الزجاجَ في أشلائي
أشتعلُ من هنا وأنطفئُ من هناك
ليس لي جسدٌ أسمّيه بيتاً
وتَقصُرُ الأبجديةُ عن وصفي
لغتي تفضحُ الدمَّ
فللجراح صمتٌ يُضيئُ
ومَنْ يَسمعُ البُكاءَ له قلبٌ يتهدَّجُ
يُصغي لنجمة الهاوية. *

يغادَرَ تواً

لبنٌ رَسَمْنا في صقيله الناصع أحلامَ أطفالِنا المأمولينَ في أعقاب عربة العماء عشية الموت الثالث.
غادَرَ بوعدٍ نسعى إليه على رُكَبِنا المكسورة والرُؤى الموشورة بالجنازير. نسعى لئلا يَقالُ أننا خَذَلْنا أسلافَنا ذَوي الصَدَارِي المغسولة بالزعفران الموغلة في الخسارة.
هذا عزاؤنا فيما تغادرنا أكثرُ المرايا صِدقاً وأقلُّها وَلَعاً بالتقاليد. فالأصدافُ العائدةُ من سَحْتِ المَحَارِ مثل أحداق الأحلام الجائعة، لا يتذكرها الآخرون ولا ينتبه لها الحشدُ الا حين تسقُطُ يقظةُ الشمس.
ساعتَها يَعْتُمُ علينا صقيلُ اللبن ويكادُ ينطفئ.
ساعتَها يَهْصُرُ الندمُ الباسلُ أفئدةَ الرجال في وحشةِ البحر ويوقظ غضبَ النساء المفقودات.

ساعتَها تُصبِحُ المَجرّةُ بِرمَّتِها في خُرْجِ الفارسِ
وهو يترجَّل ويهوي ..
فتقصُرُ الخسارةُ عن حالنا. *

زَهرةُ المناديل

تُوزِّعُ مناديلَها في حَجَرِ الطريق، فينبُتُ زَهرٌ رشيقٌ يتصاعدُ منه عطرٌ يتوشَّم به الهواء. مناديلُها شهاداتُ الغائبِ على حاضرٍ. يُصغي إليها العابرُ وتُـنشِـدُ الأشجارُ لها، والخاطئونَ يتقدمون للاعتراف بين يدي الله.
اللهُ يأخذ المناديلَ شفيعاً يعفو عن الزهر الأصفر
والحبُّ حَجَرٌ عاشقٌ في الطريق. *

جنةُ البيت

جنةُ البيت لي بابُها
ولي شُرفاتٍ وِسَاعٌ تمنحني للملاك الذي يمسحُ القلبَ بالزنجبيل. كلما انهرْتُ في الليل يحضنُنِي قلبُها. ولها ريشةُ التاج والصولجانُ لها. سيدةٌ في البُكاء وأسطورةٌ في الأمل.
نهرُها يغمُرُ البيتَ، يا بيتَها في العيون. جنةُ الناس. أطفالُها. منتهى جنةِ البيت. عينان في الغيم عائدتان بما يجعلُ الأفقَ سجادةً للنجاة وتعويذةً للعمل.
عندما في جنة البيت يبقى الجحيمُ البعيدُ ...... بعيداً. *

نار باردة

كارتطام الحجر الصَلدِ بصخرةٍ صامتة
ما الذي سيفعل عُودٌ رَطْبٌ
بنارٍ باردةٍ وزيتٍ شحيحْ. *

طفلة

خطأ الكبرياء وصلافة البغتة
مخلوقات تَفرُّ من وهدتِها في شَرارٍ وفي وصايا
تلك طفلةٌ هائمةٌ في السرادقات والطرائدِ
بين نصلٍ كاسرٍ وسَهمٍ خاسرٍ.
فكفُّوا عن المراثي
ليس لدينا طفلةٌ للموت
أنها القتيلةُ وحدها. *

يقظة الخشب

مثل الخشب الخفيف في اليقظة
محمولاً على المناكب
تَهْشَلُ بكَ الشعوبُ نحو الغسق كأنها ترى قنديلاً يابساً
يوشك أن يحبو
تكبر والخشب خفيفٌ في يقظته
محمولاً على مناكبٍ كسيرةٍ في شفقٍ أخير. *

أصدقاء

أُمَيَّـزُ
أنَّ الذي غابَ عني صديقٌ
والذي ماتَ عني صديقٌ
والذي باعَنِي في الصباح صديقٌ
والذي ظَنَّنِي في العدوِّ صديقٌ
والذي ضَمَّنِي في العيون صديقٌ
والذي سَيفُه فوقَ حبي صديقٌ
والذي جَهَّزَ لي كفناً ذاتَ ليلٍ صديقٌ
والذي دَسَّنِي في الحشودِ صديقٌ
والذي غَالَنِي ذاتَ يومٍ صديقٌ
والذي حاربَ الوهمَ عني صديقٌ
والذي داسَ جُرحي صديقٌ
والذي ضاعَ بي في الجموع صديقٌ
والذي بعدَ قلبي صديقٌ
أميِّزُهُم ..
كلُّ نَجمٍ صديقُ. *

أحجار

تُرَبِّي أحجارَها في المُهود
تُهَدهِدُها وتنتخبُ الأسماءَ لها
وتَـردُّ الضَرَّ عنها
وما إنْ تَـشبُّ عن الطوق
حتى يكون الوقتُ قد آنْ
ليطلعَ في كل حَجرٍ غصنٌ
وفي الغصنِ وردةٌ يضوعُ منها الأمل
يصقلُ خيالَ المارّةِ
ويَهدي العابرين في حديقة البيت
أحجارٌ تتعثَّرُ بها أقدامٌ عمياء. *

غرفة الخوف

كانوا في غرفة الخوف
والكونُ في سديمه
بلا خَلْقٍ ولا ذَريعةٍ ولا مأوى
يَذْرعُونَ المكانَ الضيّق والقلب الواجِفْ
نَحضنُهم بالريش والأجنحة
ونجهشُ معهم في بكاءٍ محموم
كَمَنْ يقصُرُ عن الأجوبة
يتهجى اللغةَ في غرفة الخوف
ذاهباً الى الدرس.*

وَلَـد

لم تكنْ القذيفةُ تُدرك الهدف. ولا تكترثُ بالولد، وليس بوسع التفسير أن يكفي. وحين يفرغُ القادةُ من صلاتِهم ويكتملُ الموكبُ، يكونُ الولدُ جاهزاً للمغادرة. لا يُودّعُ الأب. لا يتبادلُ القبلات مع الأم. ويكونُ على مبعدةٍ من العويل.
القذيفةُ وحدَها لا تُدرك ما تفعل،
ولا يعودُ بمقدورها الاكتراث بطقوس الجنازة.

الأرجَحُ أن قذيفةً مثلها توشك على ولدٍ آخر. *

شمس

لا تَقُلْ للصباح : انتظرْ .
هاتِه من تجاعيدِ ليلٍ طويلٍ
وهاتِ له الصافناتِ التي عَوَّجتْها الأحابيلُ
قُلْ للصباح الذي فاتَ أسلافَنا
ليلُنا باهظٌ
والذي باعَ أحلامَنا كامِنٌ حولنا
أيهذا الصباح استعرْ .. وانفجرْ
مثل شمسٍ لنا. *

مكانٌ ضيقٌ

يسحقُونَ أعضائي بالمناجل والشواقيل
ويحرسونَها في المداخل
وكلما سألتُ ماءاً جاءني شواظٌ
سألتُ شمساً جاءني ظلامٌ
يدايَ مقصولتانِ بالعطش
ورأسي مقصوفةٌ بحُلكة الهواء
لأحفادي أن يستعيدوا كتابي من الليل
ولهم خبيئة الخَطَّ مُضمَّخةً بالأحبار
واقفٌ
يقتسمُنِي الوقتُ
ويجتاحنِي مكانٌ يَضِيقُ عليَّ. *

العظم الواهن

يكلِّمُ أطفالَه بأنينٍ يَصدُر من عظمٍ واهن. فيسمعون الصوتَ ويتداركونه قبل أن يسقطَ في حجر الطريق. يحمُلُونَه في الصدى ضارعين للشمس أن تمدّ ظلَّها حتى عريشة البحر.
أنينٌ يتذكر عودتَه الأخيرةَ من البحر. كان السفرُ بعيداً والساحلُ يرى القلوعَ تنقصِفُ تحت حوافر الإعصار قبل الأرض.
الأنين عائدٌ من البحر وحده
والأطفال يكبرون . *

سَقْطُ النهد

تُعرِّي صدرَها بيدٍ ترتعشُ في جسدٍ ينتفضُ في عصفورٍ يُـذبَحُ تُمسِكُ بنهدِها متقدمةً نحو جنديٍ يَضَعُ جزمتَه على صدغ رجلٍ مكسورٍ مقطوع الدمّ تقول للجندي متضرعةً رافعةً نَهدَها مثل بيرق السَبَيِّ:
خُذْهُ خُذْ نَهدِي اقْطَعْهُ لكن لا تقتلُ أبي.

يَقطعُ الجنديُ نَهدَ الصبيّةِ
يأخذُه ... ويقتلُ الأب. *

نساءٌ طويلات

النساءُ الطويلاتُ
منحنياتٍ على نايِهنَّ
يُؤلفنَ أغنيةً للتفاصيل في آخر الويل
يغزلنَ شالاً وترنيمةً للرجال المُحالِين للغيم
النساءُ النساءُ الحزيناتُ
يفرحنَ بالخوف يَفضَحُ أزاوجَهنَّ المدانينَ بالمُشتَهى
النساءُ الطويلاتُ يَمْنَحْنَ للنايِ،
- في غفلةٍ من رجالِ المدينة -
أسرارَهنَّ الخفياتِ صَمتاً يَشِفُّ عن الرقص
عن جوقةٍ سوف تغزو المدينة
تلك النساءُ الطويلاتُ في الليل. *

يوسف

هل هذا نشيجُكَ وأنتَ تُخيطُ جراحَنا، تمسحُ دمعَك بيدٍ وتحضُنُ دَمَنا بالأخرى. الإبرةُ ضائعةٌ في الجهات. بوصلتُك تعرفُ والشِقُّ يتسعُ والجُرحُ يرّْعُفُ في أصابعك وأنتَ تَصُدُّ البُكاءَ والفقد.
جراحُنا أكثرَ من رُقَعِكَ وأبعدَ من خيوطك
وينتابنا الهَلعُ لفرط نشيجِكَ الأعلى في القتال.
تذرِعُ المسافةَ بين القلب والقميص
تَرى إلى أخوتِكَ من قاع الجُبْ. *

ميناء

كان علينا أن نُقنعَ البحرَ بالسَكينة، أجلَ أن ترسو السُفنُ في موجٍ عاصفٍ في ميناءٍ لم يزل في دَرَجِ العمل.
كان علينا قبل ذلك أن نكتشفَ الأرضَ ونَـرُوْزَ الرملَ في الساحل، نهندسَ الحَجَرَ، نبدأ في نَصب مينائنا، ونُحسنَ البناء.
علينا أن نفعلَ ذلك
دونَ أن نغفلَ عن مزاج الموج
حرِّية البحر ورَجاحة الجُزر.
هل كان علينا أن نفعلَ ذلك كله
دون أن ندري. *

طريق

أقدامُنا عاريةٌ وللصخور أسنانٌ وقنادِيلُنا شاحبةُ الزيت.
نتقرّى مواقعَ أعضائِنا بعُصِيٍّ أكثرَ هَرماً من خطواتنا.
كلما سألنا عن المآلِ نَهَرَتنا ضِباعٌ
وطفرتْ الدماءُ من أطرافنا.
نتسارع متدافعين في هاويةٍ ووهمٍ شاسعٍ.
طريقٌ مطهمةٌ تقضُم أقدامَنا المرتعشات
في عُتمةٍ واضحة. *

نُحاةُ البحر

هاتِ السفينةَ للبحر
نحن نُحاةٌ نأوِّلُ أخطاءَنا في المراصد
نقرأُ أنَ الطبيعة سيدةُ البحر
هاتِ السفينةَ
هاتِ القلوعَ لها
عندما في الرحيل الطويل نناديكَ
هاتِ الغيابَ لنا
وافتحْ البحرَ
دعنا نُصدِّقُ أخطاءَنا في القناديل
في حرس النوم
في شغفِ الحالمين. *

الخريطة

الخريطة قالت لنا. نغادرُ جحيماً لا نحبه، لنذهبَ الى خيمةٍ تكنُّ لنا الضغينة. مثل شخصٍ لديه من الذرائع ما يكفي لوضع جسدَه في عربات الغيب، لئلا يخسرَ حضوراً غيرَ موجود. فكلما تصاعدَ المدُّ في الأرجوحة أوشكَ الهواءُ أن يفرغ.
في أروقةِ الكابوس نُصغي لمن يريد. *

نساءُ البحر

جاءتْ نساءٌ كُـنَّ يَحرسنَ الحشودَ
ويضطربنَ بقدر ما تَخشى الخيولُ خديعةَ الحوذيّ
يحرسنَ اختلاجات المدينة
كُـنَّ في خيط الجنازات الطويلة
مَـنْ رأى في نُسوةٍ جَرساً
و مَـنْ يُعطي دليلاً واحداً يكفي لتأجيل البُكاء
فلسنَ منسياتُـنا
هذي نساءٌ يختبرنَ رجالهنَّ
وتنتهي فيهـنَّ ذكرى لا تَكُفُّ عن العويل
لسنَ مسبياتُـنا

ولهنَّ فينا نِصفُ ما يبقى لنا من خابيات البيت
يحرسنَ الحشودَ ويشتهينَ قُلامةً من جَنةٍ
ولهنَّ حقُ الصوت في الصحراء
هل نحن نساءُ البحر؟*

المعرفة

ليست المعرفة تَرَفُ الكائن، والغيم يستعصي على الرَتْقِ بالابرة والخيط. تعالوا انظروا لقمصاننا وهي تتهرّأ وتَحُولُ وينال البردُ من لونِها. تعالوا، إن كان لديكم لأحلامنا مكانةٌ ولأرواحنا مكان.
ثمةَ مَنْ يَسمَعَنا في هذا الغيم. *

غضب

مُتنا كثيراً فوقَ هذي الأرض
لم نسألْ عن الأسباب
لم ينتابُنا غضبٌ عليها
تلك جنتنا الفقيدة
ضاقتْ الدنيا بنا حين انتحبنا عند مقتلنا
ولم نسمعْ رثاءً
لم تُؤبّنا سوى أشلائنا
كنا نموت على هوانا
مثلما يستغرقُ العشاقُ في أحلامهم
مُتنا
ولم نشعرْ سوى بالحب
هل ماتَ المحبُونَ انتحاراً مثلنا.

جارتْ علينا
واستجارتْ بالعدوّ لكي تؤجِّلَ حلمنا
كنا نُبَجِّلها
ونحسَبُ مَوتَنا عتباً طفيفاً
كلما مُتنا رجعنا
وهي سادرةٌ ... فنوقظها
ونبدأ مرةً أخرى
نهيئ عرسنا. *

قمصان

غيمٌ يأخذهم وغيمٌ يأتي بهم. قمصانُهم مهلهلةٌ. خيوطُها مشلوحة خلفهم في سديمٍ غامضٍ. يتملصون من عناقات الأحباء لحظة الوداع حتى تمزقت القمصان وبقيت المِزقُ في أكفِّ المودعين.
الغيمُ قاطرةٌ للذهاب وتابعةٌ للأياب.
غير أن أحدأً لم يكن في استقبالهم في العودة.
كان الجميع قد توزَّع بين القبر والقيد والمنافحات. *

البِحار الكثيرة

صرنا بحاراً كثيرةً، وأقاليمَ وخلجاناً ونوارسَ تائهةً في قوس الغيم. والفؤوس تشجُّ الأفكارَ وتغلق الموارَب من أبواب المدينة ونفوسِ الناس.
بحارٌ تتناسل في ضغائنَ تخرجُ من الغابة.
بحارٌ كثيرة بلا ماءٍ ولا سفنٍ ولا مرافئ للشكوى. *

أسماء

لو كنتُ أعرفُ كَلَّ أسمائي. *

بيتُ الحَمَام

جنةٌ إن أنتَ بجَّلتها
وانحنيتَ على غصنها
وانتميتَ احتميتَ بها
جنةٌ جَلَّها الله لَكْ
كلما جئتَ تبكي لها
هَدْهَدَتْ قلبَكَ المستهام
جنةٌ مثل بيت الحمام
إن أنتَ ربيتَها. *

عيناك

دَعْ لعينيكَ أن تَرى ما لا تراهُ
دَعْ لها أن تفسَّرَ ما يَستقيمُ مع الحُلم
عيناك مأخوذتان بما يجعلُ النومَ أحبُولةً
والقميصَ الجريحَ احتمالاً
وما سوفَ يبقى من الموت أخْدُوعَةً للحياة
دَعْ لها
فهي مأمورةٌ
سوف يبقى لها أن تَرى ما تراه. *

*****