***
كانت فاجعته من كثرة اندهاشه.
وكان كل شيء يحدث
أمام عينيه جديدا يلقاه بحب الطفل،
لدرجة أنه لم يتعلم أبدا من التجارب.
صبري موسي من
فساد الأمكنة
***
إنهن أمامكَ: يانعات، مَرِحات ومتقدات وبما توفر لديهن من قدرة على التجاوب.
بمئتي درهم والقليل من الحنكة يهبنكَ أجمل ما في العالم.
يهبنكَ مؤخراتهن العذبة
إشاعات المدينة
انكسارات العائلة
المغلفة بإحكام
ابتسامات فيها من العفة والمجون خليط قد يرجف أكثر المحتالين صلافة.
الصفعات التي رتبت قلبكَ
كم هي خافتة الآن.
الحب يتلعثم في قارة أخرى
وأنت حر كمجرم مبتدئ
يساوم بالتناقضات.
بحد أدنى من الحدس
تبيع نفسكَ بالتقسيط.
كوابيسكَ خاثرة بما فيه الكفاية
أصدقاؤك لا وقت لهم للصداقة
والبيرة مثل الرجولة سم محلي.
سيارات فاخرة
ومدن صفيح من كل الأنواع.
من أَلف هذه الموسيقى
كي ترقص هكذا وتنسجم مع الدناءة في أعماقكَ ؟
أبوكَ يشكر القدر في حانة محترمة ويدفع الكأس تلو الأخرى للعابرين
أبوكَ ورفاقه
مازالوا يمتعوننا بذلك الزواج الفريد بين الديالكتيك وتهشيم الأثاث في منتصف الليل بعد السكر.
أنتَ الآن في حوزتهن طازجا ومبهما.
ولأنك مجرد عابر
يضعن شيئا من الحنان البض في أفواههن
ويلحسنك بصدق.
في مملكة الهمس الدافئ تحصي أعضاءكَ
وتئن من فرط الخشوع.
تبدو مثل ملاكٍ في عالم تزينه الخديعة
وتفكر جديا بمضاعفة الثمن.
يطوحن بكَ نحو الأقاصي ويضعنكَ على شفير الإغماء بحذق طالما افتقدتَه حتى مع أكثر العشيقات تفانيا.
معطاءات وخبيرات الأيادي
مَكرُهن يفوق كل التوقعات.
واقعيات حد الغموض.
تحدٍ غريب يسطع منهن
وهن يتباهين بكونهن لم يتجاوزن العشرين عاما بعد.
إحداهن تطعمكَ نصف تفاحة. أخرى تنهاكَ عن التدخين برقة تصيبكَ بالقشعريرة أولا
ثم باليأس.
ما أحقركَ
حين تدس الورقات البنكية بعناية في حقائبهن اليدوية وتربت برفق على مؤخراتهن الصغيرة متمنيا لهن حظا سعيدا.
كأنك في لوس أنجلس أو تايلاندا وليس في مغرب يجعل من الصبايا سلعة سياحية وأحلامهن درجة مكسورة في سلم الأخلاق.
يبست النجمة الخضراء.
اللحى الكثة كما التنانير القصيرة
مجرد علامات في بلد ينقصه الماء
وحد أدنى من الذكاء.
في القطار السريع بين الرباط والدار البيضاء بكينا بحرقة على البلاد
تبادلنا تُهما خفيفة
وسمينا الإحباط مراكش.
تمارس شتى فنون
الجنس في الظهيرة
تتحسس كالأعمى أدنى آهة.
تتملى بمرأى الإنسانية من ثقب جديد
تدخن بشراهة كي تنسجم مع الألم.
في الشوارع يتسيد الزيف بصيغ واثقة
ويلمع كلوحة إشهار مستوردة.
الأمهات يمسكن بتلابيب بناتهن بحزم مبالغ فيه.
الشحاذون يتفننون في العويل.
رجال المخابرات يجربون معجما جديدا.
في زاوية مظلمة تمددت البراءة
بعد ما عثرت على دليل بسيط.
اتركِ القناعة للأثرياء الجدد وللشعراء المكرسين
الوفاء عملة صعبة
غير قابلة للتحويل.
الحياة نادرة وأنت هنا مجرد جرح خفيف.
تعلم الكف عن النزيف عند الإشارة.
لم يكن للظهيرة معنى قبلهن
الشمس أقل توترا عبر النافذة
الكوكاكولا منحازة للجنس
وصمت البواب يساوي عشرين درهما الآن.
إنهن حواليكَ بإيمانهن المضجر ونهودهن الصلبة.
طريق سيار نحو اللذة
لعابهن يضيئ
وأنت مزدهر كسكين.
تسكر في الليل مع فلول الشعراء والكتاب والصحافيين
جيش من الفاشلين المتضامنين ضد جيبكَ.
يلتهمون أعمارهم
ويكرهون البلاد باعتدال.
عندما تدخل فندقكَ في آخر الليل
وحيدا ومُخَربا
تتأمل مليا النافذة الموصدة
وتتأكد فجأة أن تلك الصغيرات العابرات
هن أصدقُ شيء في هذه البلاد.
***
كل ما تعلمناه من الحب كان في الروايات والقصص والأشعار. مع الفقر والإحباط وضيق الأفق صرنا نحب بسهولة مريعة ونتعذب بسهولة أكبر. ومع ذلك تشبثنا بذلك الحب الذي لا حياة له ولا مقام له سوى بين السطور.
هزائم الحب فتكت بالكثير منا. شردت الآلاف وبسببها اختفى الكثيرون عن الأنظار. ورغم ذلك من حين لآخر يظهر محارب ما، شاب على الأرجح، ملوحا بعلم مهترئ هازئا بجبروت الواقع وطاحونته الدموية. إنه على يقين بأن لوعته أكثر قيمة من سيارات المرسيديس التي تحاصر معشوقته الفقيرة وبأن صدق الإحساس سلاح مدمر يكفي إشهاره كي تُحسَمَ المعركة.
نحن معوقي هذه الحرب نتحسس ندوبنا ونحن نحتسي كؤوسا رخيصة مع عاهرات بدون أسماء في حانات مظلمة ونشفق على كل شاب يبزغ فجأة من أطراف المدن يمتطي قصيدة موهوبة ويدخل الجبهة أعزلا.
***
يا للغرابة
كيف تستمر أشياء الحياة البسيطة
على بساطتها بينما نحن نتعقد أكثر فأكثر
ريشارد بروتيغان " إجهاض"
كل الطرق تؤدي بكَ إلى هذه اللحظة:
تستأذن ضيفتكَ معتذرا بحاجة ماسة
تخترق صفوف المطعم بسرعة
تتفحص وجهكَ في مرآة المرحاض
مدركا أنها ساعة الحقيقة
وأن نيلَ اللذة مقامرة يتساوى فيها الربح والخسران.
تعود إلى الطاولة
وتنقض عليها بقبلة مفاجئة أمام الملأ.
سبعمائة ألف امرأة تعشن وحيدات في باريس.
أعمارهن تتراوح بين الثلاثين والأربعين
عازبات أو مطلقات أو
أمهات.
كان صوت المذيع في غاية الحياد
وهو يلوك هذا الرقم العادي من تفاصيل المدنية الحديثة
مختتما نشرة الأخبار.
سبعمائة ألف امرأة وحيدة
يا رجل
وأنت تعذب نفسك أمام شاشة الكمبيوتر منذ ساعتين
باحثا عن جملة مناسبة تعكس بؤس العيش بدون امرأة.
***
كانوا يستشهدون بكَ
ويهمسون باسمكَ كنبي قادم من بعيد
من فمه تصدح موسيقى لا يُشَق لها غبار.
فرنسيتي لم تكن تسعفني لكي أشتري حتى الخبز بشكل لائق
لكن رنين اسمكَ
في المناقشات الجانبية كان له سحر خاص
طالما أخجلني من فرط الجهل.
الهجرة حق مقدس، قلتَ ذات مرة.
لم يقلها أحد قبلكَ ولم يجرأ على ترديدها أحد بعدكَ
في هذه البلاد التي تزوجناها عن حب
أنا ومحمد وعبد القادر وفاطمة
وعرب آخرون تضيق بأسمائهم المغبرة هذه القصيدة.
حتى الآن لم أعثر على أحد يشرح لي طلاسم عبارتك المبهمة.
القوانين تقول العكس من حكومة لأخرى
والبواب فرنسي من أصل برتغالي
ويحتقر الفلاسفة.
كنتُ في المترو أتلصص على صفحة جريدة يقرأها أحد الركاب
كان اسمك مكتوبا بحروف بارزة وكان العنوان موتكَ.
رميتَ بنفسكَ من النافذة على ما يبدو
لماذا إذن كل الذين يحبونك حتى العمى
يعشقون الحياة أكثر من أي شيء آخر.
خجلت مرة أخرى من جهلي العميق بكَ
وكرهت نفسي بعربية فصيحة
رغم تأفف صاحب الجريدة الأسود.
الهجرة حق مقدس
عبارةُ يكفي أنها قيلت ذات يوم
لكي أستيقظ كل صباح
محتميا بكَ يا دولوز.
***
أنت الآن في بعبعكَ المغربي
آمنا كما تمنيتَ
بعيدا عن الصداقة القاسية.
أراكَ تتململ في حياة اخترتَها مكرها
أو ربما عن قناعة كما يبدو لي ذلك بعد هذه البيرة العاشرة
في حانة قصدتُها عمدا هذا المساء وسط المدينة التي يتمتنا معا ذات يوم.
سأشرب بيرة إضافية
وأنسى حبك أيها الصديق.
***
أتمنى أن لا تشبهني قصائدي أبدا
فأنا رجل عصبي لا صبر له
بطني متهدل
وأسناني الأمامية شديدة الصفرة
كما أنني نذل
وتنقصني الكرامة.
أتمنى لو تشبهي أيتها القصائد
سرب الصبايا هذا الذي يعبر أمامي الآن بقسوة.
أتمنى لو تشبهيهن
وهن يتضاحكن ويتغامزن
غير آبهات بنظرات البالغين المجرمة.