" هذا أنتَ من المني إلى المنيّة " توفيق الصايغ | |
***
أملاك
لِمَنْ كُلُّ هذه الشمس ؟
لمن كلّ هذه الشواهد الـ مِن طين ؟
و تحَتًا :
لمن كلّ هذه الجمجمة ؟
والتُّرقوتانِ ؟
والحوضُ
وعصعوصُ الظَّهْرْ ؟
إِنَها لَهُمْ
إنّها احتياطيّهم الباقي
في عُبورِهِم السّريع على هذه الدّنيا.
استمهال
إسمعْ !
ماذا لو قلتُ لكَ
استمهلني حتى تتزوّجَ
آخرُ بنتٍ عندي ؟
ربما ستضحكُ هازئاً
ورغم ذلك سأقولُها :
أيّها الزائرُ الهرطوقيُّ
أيّها الكلب ..
استمهلني حتى تتزوّجَ
آخر بنتٍ عندي !
إختزال
(مِنَ التّرابِ جئتُ
وإلى التّراب أعودْ) ؟
كلا
و أَيْمُ الحقّ
.. كلاّ !
ثمَّة مَن جاءَ بعدَكْ
أيّها الجامعه
ثمّة من كان أعمقَ مِنكَ
غوراً,
و أكثرَ عبقريّهْ
ثمة مُواطنيْ توفيق
صائغ
وثمة:
( من المَني
إلى المَنِيّه )!!
شهوات
يا جسدي
يا فتيلة الأرملة
يا آكل خبز الطوابين
وقارئ أطياف ماركس
لاترعوِ
بل مزيدًا مزيدًا من النار
ففي جسم نملةٍ أكثرُ مما فيك
من شهوات !
عن التعب والرّاحة
أبونا الذي في السماواتِ و الأرضِ تركَنَا عُزّلاً أمـــامَ
أقدارِنا - واستراحَ منذ يومِهِ السابع إلى الأبدْ.
أبونا الذي نراهُ في النملة والجبل وزهرة البامياء وبُحّة
الناي... الذي نلوذُ به من وحشة بيوتنا فنخرجُ
لِنقابلَهُ في قوس قُزح وكركرة طفل ودمعة شيخ .
أبونا هذا استراحَ من سابع أيامهِ لنشقى نحنُ مواليد
النساء من أزل الدنيا إلى يوم الدينونه .
حَسَنٌ ! وإنْ كان يُخَيّلُ ليس حسنًا أحيانًا !
حسنٌ - فلتكن راحتُهُ مُقدّسةً . وليكن شقاؤنا أيضاً
مقدّساً.
فمِن هذا الشقاء انسابت
الموسيقى وتزيّنت المرأةُ و إخضوضرَ عُودُ البنفسجِ وكَتَبَ
الشعراءُ أبهى كلماتهم
حسن ! ليكن ذلك السابعُ حَسَنَاً مرّةً و مشؤوماً مرّةً
وغامضاً مَرّاتٍ. غير أننا في جميع الحالات مَزْهُوّنَ
بحياتنا: ترفعُ لنا قرصَ العسل تارةً وتاجَ الشوك
أخرى فنحبُّها في التّارتين .
حسن يا أبانا. حسن جداً . ولكن الحسن أيضاً أن
تغفرَ بمحبّةِ الأبِ الرّحومِ طيشَ الأبناء المُتعبين . آمين
. هللّويا . آمين .
(........)
وكلّما تذكّرتُ قولَ أحدِهِم
بأنّك أنتَ الشاعرُ
وسيْديْكَ و تاجَيْ رأسِكَ
هُمُا فقط حكيمان -
أشحتُ وجهي عن ديوانِكَ طبعة 1987
وانتابني الغضبْ .
انتابني الغضبُ . كأنَّ أحدهم داس على قدمي .
بل واعتورتني تجاهكَ الكراهية !
ألمغفرة يا أبا عُباده
أعرفُ أن هذا لايليقُ
بشاعرٍ من أحفادِكْ
بشاعرٍ مثقّفٍ من عصْر ما بعد الحداثه .
ولكن هذا ما يحدثُ معي
وهو من حُسن الحظّ
لا يحدثُ إلاّ أحياناً
ألمغفرة يا بُحْتُرِي
غُفرانكَ مرّةً ثالثه !
غنيمة
حَبّةُ الجوّافَةِ التي تسقُطُ فجْراً من تلقاء نُضجِها, صفراءَ
ذاتِ عَسَلٍ لاذعٍ , مدوّرةً مثل بنّورةٍ كبيرةٍ , ولها عَبَقٌ
في أواخر آب .. , حبّةُ الجوّافةِ تلك, هي كلّ ما
أبتغي الآن ما أبتغي الآن ما أبتغي يا مُتَنَبّي!
فبعدَ أن طوَّفْتُ في آفاقِ ليلٍ بورٍ, بحثًا عن كركدنّ
في أَجَماتِ الرّوح .. حتّى كَلَّ مَتْني , ولا مِن بيتٍ
. حتى تنحنحَ مُؤذّنُ الجامعِ القريبِ , ولا مَقْطَعَ . حتّى
تَحرّكَ الرّوماتزم في عظْمةِ العَضُدِ , ولم تتحرّكِ المُخيّلةُ
. حتى لم يَعُد في العلبةِ إلاّ واحدة - أُشعلُها قبلَ النّومِ
.....,.....,.......,
ماذا يتبقّى لي أنا الفاني ؟ حفيدُكَ الذي أغويتَهُ , حارسُ
الزّؤانِ والملحِ , الهَشّ كجناحِ فراشةٍ , المملوءُ بـ ( جَلَّ
أَنْ يُسْمَى ) , حاطبُ الليلِ الذي لم يحتطب سوى قشورِ
لُحاءاتٍ ميّتةٍ وهياكلَ عظْميّةٍ لِعظاءاتٍ , الذي حَوَّلَ
البيتَ إلى جحيم, الزوجةَ إلى أرملةٍ بِبَعْلٍ حيٍ
......,......, مِن غنيمةٍ سوى الحبّة إيّاها تلك
الصفراء - ذات العَسَلِ اللاذعِ - العَبَقِ الجزيلِ - المُدوّرة
.... يأكُلُها وينامُ, آكُلُها و أنام ؟؟
عبء أن نحيا
لَكَمْ تشظّت هذه اللبؤة الهَرِمَهْ
خُذْها من يدها ,
ودُلَّها على ماضيكْ .
هُنا أيتها الغافيه
كانت لنا حياةٌ
وكان أصحابٌ يملأونها
هُنا , علي جذّع هذه الشجرة
كتَبْنَا ذات نهارٍ :
( عبءُ أن نَحيا )
أَمّا الأصحابُ فقد رحلوا أيدي سَبَأ
و أَمّا الشجرة
فقد سقطت بعد صيفيْنْ
وبقينا أنا وأنتِ
لِنواصلَ أعباءَنا / لِنُواصلَ أعباءَهم
ألا تذكرين يا سيدةَ الثقوب ؟
....... لكم تشظّيتِ أيتها الذّاكرةَ
لكم حتى صرتِ عبئًا عليّ !
رجل النوستالجيا
دُقّوا بابَ غيْري
لستُ أنا من يصلحُ لهذه المهنة:
( الذهابُ إلى المستقبل ).
إنني رجلُ النوستالجيا
بيتي قبوُ كُتُبٍ
وسنواتي حَجَرٌ خلفي .
اذهبوا أيها الإخوة
شكراً جزيلاً
لقد أخطأتم العنوان .
مسرة
هي ربيعُكَ الغافي في الفراش
و أنت شَأْبوبُ غُلْمَتِها ..
الفانية!
المكتفيةُ بقليلها .
........
ماذا عليك لو
أعطيتَها في ليلةٍ كهذه
من دفء نعناعِكَ السائل ؟
أيها العدميُّ الطيّبُ
كُن أكرمَ من أبيك
ولا تتردد !
ليكون له المجدُ كاملاً في الأعالي
ولكما بعض المسرّة في الأرض .
حرمان
أَلْوَجْدُ
آهِ ...........
مِنْ كَمْ مِنِ السّنواتِ
لم أَذُق
هذه الفاكهة المسحورَةْ ؟
سجن
أنا المهرّجُ
في مدينةٍ لا يحسدُني أهلُوها
على إجادتي في عملي
و إنما على رحيليَ القريبِ عنهم !
لزوم
لِكَي يكون مِعْراجٌ
يَلْزَمُ أولاً: ليلٌ
تالياً: مُخيّلةٌ جسورةٌ
أخيراً : طبقاتُ فضاءٍ بلا مطبّاتٍ هوائيّة.
والشعر، أيضاً
تلكَ النارُ الصافية
تحت بَشَرِة الثدي
وذلك النَفَسُ الإلهي
في درنة البطاطا .
وَهَنْ
ومن شدّة انشغالي بها :
يُوهِنُنِي الوهنُ الذي
في الفكرة.
ضراعة
الثقافةُ , كَمَلاَذٍ
حين تَكْثُرُ الصحونُ كالذباب .
الثقافةُ , كَمَلاَذٍ
حين يجعلُ إلهُ الميديا
مِن كلّ واحدٍ , حواليك ,
لا أحد !
أشياء زائدة
نستيقظُ معا - أنا و أفكاري
ولا يلبث كلٌّ منا
أن يشعر بالحرج حيال الآخر :
ماذا أفعل بها , هنا
وماذا تفعل بي ؟!
أسباب
ولأنك مستقيمٌ
ولأنك صافٍ وعذبٌ ومطمئنٌ
كماء الينابيع ـ
قل: وداعًا للشعْرْ !
بيروقراطي
أُنْظرْ !
حتى وهو ( يتنهّدُ ) يظل بيروقراطيًا !
يا إلهي !
أما من برق تائه يعبر هذه الروح ؟ّ!
نشوة
و أنت تفعلها تحت
شجرة خروبٍ مُعمِّرة
بالقميص نصف الكُمّ
والقدمين الحافيتين,
( فيما الليلُ رهيفٌ و أولُ ليلٍ )
أيُّ نشوة تكثفتْ , آنها ,
في دمك ؟ بل أي نيرفانا -
لم تذق مثلها / مثلهما, لا مع
الكتب ولا النساء !
خاطرة
غنيمة في حرب .
بزَّاتٌ كاكيه,
وانتهازياتٌ مختلفة
قصيدةُ النثر .
جنة
بشفتين مزمومتيْنٍ
وطيفِ ابتسامةٍ فردوسيةٍ
وأنفٍ أفطسَ قليلاً
تدخلُ الفكرةُ البدويةُ
راضيةً مرضية في جنة الأنترنت !
تكرار
حتى لو عشتُ أربعين سنةً أخرى
فلن اكتبَ قصيدةً
فيها ( مطرٌ على.. ) أو ( دمٌ على...)
يا إلهي: أُقسِمُ !
يا إلهي : هذا وعدٌ عليّْ !
استرابه
لأننا علي مشارف ألفٍ ثالثة .
ولأنَّ لسانيَ ليس بشعبتين .
ولأن وجهيَ واحدٌ .
وقلبي بشوش .
ويحبُ امرأةً واحدةً.
ولأَنّي أقرأ كتُباً سميكة .
...... ثمة من يستريبون فيّ !
استغاثة
. . . .إلى زكريا محمد
يا إلهي :
مُفسدو الليل الجميل
الذين يقتلونني بأُلفتهم العائليّة
يُنبتون لي في حلقي حَجَرَاً
فيهربُ كل أكسجينكَ السماويّ
يا إلهي !
مختصر أوَّل
يا إلهي ...
مفسدو الليل الجميل
الذين يقتلونني بألفتهم العائلية
يا إلهي !
مختصر ثانٍ
يا إلهي :
مفسدو الليل الجميل !!
صغيرة كغرفة
أقولُها
ولا أخجلُ:
( أنا أكبرُ منها .)
أنا شاعرٌ بروحٍ
لا يسعها الكونُ
فكيف تسعها هذه الصغيرةُ كغرفة ؟.
أقولها
ولا أخاف :
( أنا اكبرُ منها.)
و أظنُّ :
هكذا يجبُ أن يقولَها كلُّ شاعر
وخصوصاً إذا كان فلسطينيًا ومُحباً لفلسطين.
فما أكبر الشعر في المطلق
وما أصغر بلادنا في الخريطة .!
ليلة في آب
لتكن هذه الليلةُ مباركةً حقاً
فمنذ ساعاتها الأولى
لم تهدُرْ شاحنةٌ في الخارج
ولم يتشاجر مُتَبَطِّلانِ وراءَ الحائط
ولم تشكو الزوجةُ من ثِقَلِ مسؤولياتها
ولم يحضرْ شبحُ المسؤولِ في العمل .
فقط كان " لوركا " بِمُجَلداتِهِ الثلاث
مُتَأنقاً ومُشعّاَ
وفقط : كانَ الصمتُ الكبيرُ المترامي
متواشِجًا مع قمر آب في تمام بهائِهِ
يُشرقانِ من عَلٍ
على بيت صغير خالٍ - للمرة الأولى -
من الفئرانِ والبعوضِ والمُناكفات !
زيارة
مَن لهم ؟
في نعاسهم الأبدي ..
هؤلاء الذين رحلوا
صُدفةً
قبلنا ؟
من لهم
في وحشتهم الباقية ؟
غير أيدينا تَرشُّ
على قبورهم الماءَ والوردَ
غيرَ أدعيتـنا
تزيحُ عن أرواحهم الوحشة ؟
انحياز
معجبٌ أنا بالفواكه
ولا شك : فكل فاكهةٍ
عبقريةٌ في شكلها وطعمها ولونها
من المانجا حتى البندورة .
و لكنْ: من فكّر في عبقرية الفلفل ؟
هذا النبات الأشبه بأصابع الفقراء
و أحياناً بأصابع عازفي البيانو
هذا النبات ذو الطعم الجهنمي
والرائحة الوثّابة
واللون الأليف ؟
غير أنه لا مجال للمقارنة
بين الفواكه والفلفل
فالتربةُ التي تنبتهما واحدةٌ
والماء واحد
والهواءُ كذلك, ولِكُلٍّ طعمهُ العبقريّ .
ورغم ذلك.. , لو سألتني أنا ؟
أنا أنحاز
للفلفل !
إسفنجه
ليبزغ الفجرُ من سمائك الخفيضة يا خانيونس
وليخرج اللّحامون بذبائحهم إلي السوق
ولتلتهب العصافير شقشقةً ضاجّة
وليستيقظ أولاد المدارس مُتبرمين
وليشترِ الجار - نصف نعسان - صحنَ فولِهِ
ولتدلق الجارةُ - مُتورّدةً - ماءَ استحمامها
ولينده بائع الحليب نداءه البائر
ولتحمُ الشمسُ
وليتصاعد غبارُ الخطى في الطرقات
وليتعالَ دبيبُ المكائد في الصدور
وليتطاحن الحمقى علي نصيب من الجيفة
وليجأر غيري بشكواه
وليهنأ سواي بانتصاراتهِ
وليستمع ثالثٌ لأخبار لندن
ولأظلّ أنا ( أنا ماليّاً )
حتى يجيءَ ذلك الغائبُ المشتهى
فيمسحُ بإسفنجته كلّ المهازل الواردة أعلاه !
كيفَ أصبحتَ غريباً تحتَ سماءِ خانيونس ؟
إلى: أحمد عمر شاهين
* إلْحَقْ !
الذكرياتُ تتدافعُ - مُتصاخبةً -
هاربةً على
درجات السُّلَّمِ ...
وورقُكَ أبيضَ ما يزالُ *
*إلحق !
تفاحةُ آدمَ سقطت كفأرٍ
في زغب رئتيكَ الثقافيتيْنِ
فتخثّرت إستغاثاتُ كافكا مُسوخاً أمام بؤبؤيكَ
وتصمّغَ أنفُ غوغولَ ضفدعةً خلفَ اللسانِ !
* إلحق !
سوف يشمُتان بكَ غير مَرّةٍ
ويشيرانِ بأصابعهم الوسيمةِ نحوكَ
ويقولانِ
" رجل من خانيونس هربتْ منه حتى الذكريات "
* ألحق !
كيف تشرب شايكَ مطمئناً بعدَ
اليوم تحت سماءٍ صباحيةٍ مُغبرّةٍ غير سمائها دون
أن ترتعش أصابعُك التي تمسك الكوب ( عشرٌ وواهنةٌ
بلا أيما ذكرياتٍ ) و كيف - وهذا هو الأسوأ - ستنده عليها
بعد ذلك فتجيئك في غرفة المكتب مُلبيةً مالئةً بياض
أوراقكَ في اسوداد لياليك !
* إلحق !
- إلحق سريعا !
- - ألحق حالا بالاً !
- - - إلحق واكتمِ المذياعَ !
* ( كأنه خانيونس .... , ... أهِ خانيونسُ المستعادةُ في
الذهن بيضاءَ من غير سوءٍ ولا أتونوميا, تلامسها
نوستالجياك على غِرّةٍ فتراوغك الآن مسكونة بتوائمها- الجُوفِ
في زمن اللعنة - الاختناقِ........ - فآهٍ أيا أحمدي:
هل تصيرُ مدينتك- البيتُ مدينةَ رَجْمٍ و ... قَط ؟)
الغريم
يوماً بعد يومٍ
يكبُرُ " الماضي ", ويشبُّ عن الطوق:
تمتلئُ عروقه بنشوات غامضةٍ
ويَشْرَهُ في الكيك والتدخين والفيديو .
ويوماً بعد يوم
يزدهرُ " الماضي ", وتكتملُ فُتوّتُهُ:
تنبتُ له أكتافٌ من غرانيت
وأسنانُ نمرٍ
ونوايا سيئة.
و يوماً بعد يوم
يَهْزُلُ " المستقبلُ..."
تتهدّلُ كتفاهُ, وتنشفُ عروقُهُُ
ولا يتبقى له في أواخر أيامهِ
في أواخر قلعته
سوى خذلانِ الحكمةِ الأخيرة :
أن يتنحّى جانباً ويدع غريمَهُ يُقيم !
أحكم الكائنات
أفكّرُ في اليعسوب :
رأيته مرة في التلفزيون ,
ورأيت لحظته الخالدة .
كان هو وكانت الملكة
وكان سريرها أعلى ذؤابةٍ
في شاهق الشجر ,
كم كان سيدَ لحظته
كم كان رواقيا خالصاً
كم كان ! وهو يَشْرَعُ ..
وهي تعنو له ,
وزهرةُ الجنس بينهما
تتفتحُ
يا ربّ : أيّ حسدٍ
ضرب قلبي آنها
و أي احترام مَحضته
وهو يتقدم
جريئاً نحو لحظته الخالدة
جريئا نحو موته المحقق بعدها
جريئا وتحته يعاسيبُ جرّبوا
وماتوا ...
ماتوا, وهو مثلهم, سيموت
ما هَمَّ !
فبعد برهة من الجنةِ
أيّ معنىً يعود لحياةٍ تطول أو تقصُرُ ؟
كم غبطتُهُ,
وكم أغبطه إلى الآن !
فأي حياةٍ اختار أن يتوّجها
بتلك الخاتمة ؟
وأيّ خاتمةٍ اختار أن يُنهي
بها تلك الحياة ؟
بل أي حكمةٍ
حُوبِيَ بها وحدَهُ ليفعلَ كل ذلك ؟
إنّه أحكمُ الكائناتِ ولا شكّ
بلى !
فمن يختر لحظة موته
ثم من يختر ميتةً كهذه !
لا ألذَّ ولا أمتعَ لتكون خاتمةً
هو حقاً أحكمُ الكائنات
وهو حقاً أسعدها طُرَّا .
.......................
.......................
أفكّرُ في أليعسوب
نعم
اليعسوب
ولا تقل لي: الفيل
أو شبيهه الإنسان.
اليعسوب
وفقط اليعسوب
هو أحكم الكائنات وأسعدها طُرّاً !
رسائل قديمة
- إلى امرأة :
عندما تحيضين
يصبح طعمُ العالم
حامضاً.
- إلى شجرة :
أعرف مسبقاً
أنني أريقُ عليكِ حماقاتي
لكن : إحتمليني .
- إلى سيجارة :
دائماً أراك أهمَّ عندي من " ديكارت "
- إلى نملة :
الذي يُؤكِّلُكِ
ويؤكّلُ أطفالي
: واحدٌ .
ولستُ , بعدُ , سوى فائضٍ
عن الحاجة .
- إلى رِجْلِ طاولة :
أحياناً ,
بالأمس مثلاً :
تمنّيتُكِ وتداً لروحي .
- إلى إبريق قديم:
السّيمتريّون الخِفاف
تغاضوا - بقحّةٍ - عن رصانتك
وأنا, فحسبُ, من ستدخل معي
متنَ القصيدة الحديثة .
- إلى ميلان كونديرا :
يحدثُ معي أنا أيضاً.
: صباحاً
تشدّني أمعائي إلى الأرض
وحالما أنتهي
يقودني الناتجُ إلى مسالك الميتافيزيقا.
- إلى قطرة طلّ :
لكِ كثافةُ المَنيّ
ولي: نُبوُّ المخيلة.
- إلى قميصي :
متى , في الأعالي , سترقى إلى قميص عُثمان ؟
- إلى بورتريهي :
لَشدّ ما أمقتُ قماشيّتَكَ
ولشدّ ما أشتهيكَ مرآةً أو
مرأةً .
- إلى دستويفسكي :
تُرى : ماهي أخبارُ لِحيَتِكَ الخمسينيّة
هل شذّبها " نكيرٌ"
أم أكلتها دودةُ روسيا ؟
- إلى العزيزة المُدبِّرة:
نهارُنا: مانجو
وليلنا: رُجيم
وهكذا يا أمُّ صرنا في حراك طبقي.
- إلى أينشتاين :
واحدٌ في الرياضيات غيرُ
واحدٍ في الدين غيرُ
واحدٍ في مخيم خانيونس
أليس كذلك يا أبانا الأصلع ؟
- إلى سدّادة كوكاكولا :
يا 3 غرامات من البلاستيك
هل قلتُ لكِ إنكِ أكثرُ خلودًا من
الكائنِ البشريّ ؟
ورزانةً
وحكمةً
من الأشجار ؟
وثِقَلاً من الفكرة ؟
وهلْ , أيضاً , وسَمْتُكِ بالأشدّ وسامةً
من فَتَحاتِ الإناثِ بشريّاتٍ وغيرهنَّ أمْ
تُراي تلهّيتُ عنكِ بشربِ ذلك السائل السحريّ
في صُهد ذلكَ الصباح ؟
- إليها......
عادةً
أيتها الذَنَبيّةُ
يانجمةَ أغسطس العَطِن
عادةً ما ترفعينَ لي ذنبكِ
في لياليَّ الكتيمات
وعادةً ما أغضُّ بصري خَجِلاً ومُبتسما
لكنني الليلة قد ثبّتْهُ مُغْتَلِما .
- إلى الله :
أيهما أبهى
أيهما أوسعُ
أيهما أكثرُ مضمونيّة
الماءُ
أمِ المعنى الكامن في الماء !
- إليّ........
صهٍ ,
صهٍ :
غالباً حُموضةُ المعدة لا تلد عسلَ الكلام .
"فُورْسَة" الكائنات
الظهيرةُ أعتمت.
الياسمينُ والصِّيصانُ وحوضُ الثومِ ناموا
سوى فَرْخِ دُوريٍّ يُهَمْهِمُ
سوى حمار الجارِ
سوى الأذانِ ... سواكَ .
الآن بُهْمَةُ الصمتِ
يَسْتَتِبُّ اللهُ في ازْوِرَارِه عنكَ
وتنحلُّ الغمامةُ والغيمُ
يُغضي حجرُ الناسِ
يغيضُ حتى ذئبُ المخيلة .
مالَهُ ؟
ما لَهُمْ ؟
ما الذي نَوَّمَهُمْ ؟
ما الذي - فُجاءةً - سَرْنَمَهُم ؟
أمتعبونَ هم ؟
أنِصفُ مرضى ؟
يا إلهي
.... كأنَّ ثمةَ اتفاقاً !
كأنها المكيدةُ ...
كأنهُ الضجرُ الكاوي !
أم هو السحْرُ ذو السطوةِ يوميّاً ؟
أم هي "فورْسَةُ" الكائنات ؟
الظهيرة أعتمت
الياسمين والصيصان وحوض الثوم ناموا
متى تنامُ أنت ؟
متى ينامُ
هُوَ ؟
جِرَاءْ
نحنُ جِراءُ موتانا
شاخت أزمنةٌ , وتبدلت
عصورٌ, ومازلنا جراءً
لم نبلغ سنّ العضّ !
مَن لي بكثيرٍ من الكالسيوم
لأُقَطّعَهُ إرباً إرباً -
هذا الماضي الثقيل
ككيسٍ من الملح !
الآن
مثل أمس
مثل غداً :
أحلمُ بالدخول في
غابة الفِجْلِ
البحريّ.
آه ...........
: الفِجْلْ !
الفجلُ أيها الجرو
أعني الكالسيوم
لا الميتافيزيقا !
هذيان
... إلى ذكرى فوير باخ
* فيورباخ !
نَحِّ ميّتَ الأمسِ عن
أصابعي يافيورباخ !
* فيور باخ !
لستُ أنا بناجٍ فَضْلَ حُنكةٍ
ولا هُمو الناجونَ طعناً يافيورباخ !
* فيورباخ
بل همو الثاوونَ في مُنْحدرِ العانةِ
و أنا الطاوي كُليْماتٍ يافيورباخ !
* فيورباخ !
وقتما الأزرقُ سيْماءٌ
والرجال ُ ذكرياتٌ
أحسدُ غبطةَ الحمارِ يافيورباخ !
* فيورباخ !
نحِّ
نحِّ
ربما
ثلاثُ أشجارٍ تصيرُ مطلقَ الجنةِ يا فيورباخ !
* فيورباخ !
نحِّ
نحِّ
ربما
النيةُ تُمسي حَجَراً عميقَ الغورِ معشوشبًا يا فيورباخ !
* فيورباخ !
أنتَ واسعُ الأُموّةِ سوى
أنّ جثمانيَ ضيقٌ عليّ يا فيورباخ !
* فيورباخ !
أبِدْني حالَ شئتَ أو ...
أبْدِ بعضَ تحنانٍ إزائي
لكن لا تُؤبِّدني هكذا يا فيورباخ !
* فيورباخ !
جثتي في حَنَكي يا فيورباخ !
* فيورباخ !
نحِّ ولا تنحُ منحىً ثانيا يا فيور باخ !
* فيورباخ !
لماذا الصمتُ هذا كلّهُ يا فيورباخ !
* فيورباخ !
لماذا صرتَ كلبياً مراراً لا مرةً يا فيورباخ !
* فيورباخ !
ثَكَلَكَ بَلْهاووكَ , مَنسيَّـتُكَ ,
ثكلتك أعالي مكتبتي يا فيورباخ !
* فيورباخ !
كم ظهيرةً سأناديكَ يا فيور الكلب !
ثلاثين ؟ سبع مئةٍ ؟
* فيورباخ !
فيورباخ !
فيورباخ !
يلعن أبوك إلى ما لا نهاية يا زميل !!
" وحدَه الذي عنده الشجاعة بأن يكون سلبياً بالمطلق, عنده القدرة على خلق الجديد "
فيورباخ
صباح
بملاعقَ من ذهبٍ
و أقفاصِ عجوة
جاءتني جدتي .
أتيتُ على العجوة
كلِّها
وخبأتُ الذهبَ تحت الوسائد .
في الصباح
في أوائل اليقظة
كان التقليبُ و كان الغضبُ.
وهكذا:
بمكائدها عن شاهقٍ
أفسدتِ الميّتةُ صباحي .
بصل أخضر
بيدٍ مرهفةٍ صافيه
بيدٍ أكادُ أقولُ أموميّه
قدَّمَ ليَ المضيفُ طبقاً من البصل الأخضر
( طبقاً بفحولٍ غضّةٍ مغسولةٍ وأوراقٍ زاهيةِ الخَضَار )
وعندما هممتُ بتناولِ واحدةٍ منها
استيقظتُ - كعادتي مع كل حلم سعيد !
ولكن - على غير ما ألفتُ هذه المرة
استيقظتُ بريقٍ جارٍ وجبين جاف .
منذُ متى لم آكل البصل الأخضر ؟
منذ متى لم أزر أمي !؟
شجار
في طعمهِ انحرافٌ
والانحرافُ
أفسدَ السيجارةَ الأولى
والأولى
هي ميزانُ ضبطِ النهار .
وهو خاثرٌ قليلاً
أعتمُ من مألوفي
وثمةَ - في قعرهِ - ورقاتٌ
وسُكَّرٌ نشاز .
لا !
ليستِ الورقاتُ لنعناعٍ
أو قيصومَ أيها النادلُ
ولا !
ليسَ هذا شايي أيها النادلُ
ولا ... .
لستُ مسؤولاً عن كل هذا الدم !
رضى
موافقٌ يا ربًّ
كل قصيدةٍ بأسبوعٍ من المرض
وشهرٍ من النقاهة
حتى إذا ما متُّ
كان ديوانٌ صغيرٌ كاملٌ
يقرأهُ قارئٌ مُبالٍ ..
ويرميه قراءٌ آخرون !
إنتظار
دخنتُ سيجارة
إلى أن فرغَ الحرذونُ من
فريستهِ
وتمطّى
وعادَ إليّْ .
هناك تحتَ شجرةِ التين الشابّة
في حديقةِ المنزل
يحلو السمرُ عادةً مع الحراذين
والأجملُ من ذلك
تغيمُ القصائدُ بعد ثلاثةِ فناجين
من النعناع
وسنةٍ من المراوغه
ثُمَّ ....
مرةً واحدةً تمطرُ .
ضجيج
أيةُ مصادفةٍ
وأيُّ مصيرٍ ؟
بيتي على شارعٍ عام
وكذلك مقبرةُ العائلة
يا إلهي
أَمَا مِنْ راحةٍ حتّى هناك ؟
قَرابة
... غير مرةٍ :
الأمعاءُ الرخوةُ تُحيلُ إلى قصيدةٍ متماسكة .
... وغير مرةٍ :
تأخذني هرطوقيّتي إلى رعونةِ الضحك .
... وكل مرةٍ :
يندلعُ العرفانُ عاليًا لهذه القرابة !
دُخان
الشبابيكُ مفتوحةٌ
والبابُ نصفُ مواربٍ
لكنهُ يسمّمُ رئةَ الرضيع
ويتلكّأُ عند أعالي المكتبة
يا سيجارتي
أي كلبٍ جعلتِني ؟
إستحسان
أسرقُ الشجنَ من الموسيقى
وأوزعهُ هدايا على الموتى العموميين
حتى يليقوا بموتهم
وحتى إذا ما زرتهم مرةً في العام
قَدِرْتُ على استحسانهم قليلاً!
آذان
... يصعدُ إليكَ من دريئةِ الجامعِ . الأشجارُ في مقاعدها تجلسُ .
الجسرُ في عليائهِ . و أنتَ في صفاتكَ . لا فاترٌ سواكَ . سوى
ريحِ أسلافكَ ومقادير أحلامهم.
... يصعدُ . مازالَ . 356×5×4 . يصعدُ . إِكسرْ يميناً .
خَوّضْ في الكتابِ. سيماءُ مَن حولكَ مُربدّةٌ . الصباحُ : يا
لملمسه ! العصرُ : يا لتبجّحاته ! الكتابةُ : يا لادعاءاتها
!
إِكسرْ يميناً . هنا المقهى والمكتبةُ. قُدَاماكَ هنالكَ يتحامقونَ .
شكسبير يحضرُ أحياناً . فيما صدى الجامعِ في الخلفيةِ ينسلُّ .
يستلُّ شكسبيرَ و زهوةَ ما تبقى . والليلُ دونهم قارٌّ. إِكسرْ : ثكلتكَ
وظيفتُكَ !
إِكسرْ يصعدَ.ا يصعدَ . كم تفاحة في المجاز ؟ وكم أرملة في
رواق الموظفين ؟ كم زجاجة ؟
لا غزةَ تأتيكَ على شفيركَ . ولا دانقٌ . هنا ( أبو خَضْرَة )
أَسْرَجْتَ . أُسْرِجْتَ . كان يوم 8/9 حامضاً. لعل حديدَ
الماضي منخورٌ ؟ لعلك تصعدُ أنتَ كذلكَ إليكَ من دريئة الجامع ؟ من يدري ؟ غزةُ لا تتأتى . من يهتمُّ ؟ ألاَ إنّهُ ؟ ما
عليك !
إِكسرْ . ليس فيكَ إلاكَ . إِكسرْ : للقرى - حيث لا تحتسبُ -
مكرُ ثعالبها . للقرى أيضاً و أيضاً. غير أنكَ ما لا تصلُ. دائماً
تتطاولُ . دائما تقتصُّ من غفلتكَ . غفرانَكِ يا نفسي ! غفرانَكَ !
يا ماءَ أبي. إِنكسرتْ بيضةُ ديكٍ .
.... على أنهُ إليكَ من دريئةِ الجامعِ . إليكَ عني . أيها الغامضُ
وضوحَ غيأصدقاءٍ.اتِ أصدقاءٍ . أتنطفي اللهفةُ والشعرُ ؟ شارعٌ
في شبكيّةٍ : الناسُ غادونَ . 8/9 غائبٌ عنهمْ . بكم البطاطا
الآنَ ؟ هل كتبَ درويش ديوان البيوت ؟ كم نجمة حصَّلَ
أخوك ؟ ما سعر الدولر ؟
إليك عني . إنهُ زمانهم . قارعو الطبل أحذقُ منكَ بما لا يظنّ
شيطانٌ واليوتوبيا ليست أجاصاً . و أوهى من محاولةٍ ثانية .
إليكَ ألف مرةٍ عني : أكبرُ ؟ على مَنْ ؟ لقد تهرّأ الحريرُ .
اكتهلتْ تفعيلتي . لقد تعبتُ .
إليكَ عني
إنها الفجيعةُ برُمّتها في حلقومي !
شاعرٌ في شِباكٍ أنا . أيها الواضحُ غموضَ بطلٍ أو أحمقَ..
كم رسّخَ مُستضافوكَ من تراثٍ؟
لا شيء ؟
لا شيء سوى ؟
إِكسرْ أنتَ إذن إِكسرْ
ليست الأرضُ كرويّةً سوى في الخريطةِ
إِكسرْ أنت إذنْ إِكسرْ
ليس الشهداءُ شهداءً سوى في المركز الثقافي
إِكسرْ أنت إذن إِكسرْ
ولا تكن بعدُ
شارعاً
أو شِراعاً
أيها الشاعر؟!
ينبغي تكريم الطبيعة
بأفكار متلاطمة و نوم ضحل -
تمضى حياتي بعد الأربعين.
الكروان,
وأم بريص ,
ونخلة الأكاديميا,
أكثر توفيقا وأنضر عافيةً .
بأفكارِ متوازنة ونوم عميق _
يتابعون حياتهم من بدئها لمنتهاها.
الكروان,
و أم بريص ,
ونخلة الاكاديميا
مَحضْتهم الطبيعةُ نعمة الهارموني الكبرى .
أنا و أضرابي من البشر
منحتنا الثقافةُ سعاداتٍ بديلةً
وأخذت أمَّ السعاداتِ جميعاً ...
أخذت منا سعادة النوم العميق ! .
في الثقافة سَمْتٌ يهوديّ ولا شك
إن أعطت باليمين تأخذ بالشمال أكثر
الثقافة تؤمنُ بالحساب .
الطبيعة نقيض ذلك
الطبيعة تعطي وتعطي بلا مقابل
الطبيعة سخاء سرمدي مبتوتُ الصِلة بالرياضيات .
الطبيعة - إن أصاب التعريفُ -: أمٌّ قديمة
والثقافة: أب حديث !
الأولى: معطاء رؤوم
والثاني: أناني !
الأولى تٌؤثِرُ البقاءَ في الظلّ
والثاني يحبّ اللغطَ الثرثار .
حقا :
ينبغي على المرء بعد الأربعين الالتفاتَ عميقاً
لهذه الفروق.
فإنْ فعل, فيكون من الإنصاف أن يخصص
عاما كاملا في حياته لتقريظ الطبيعة .
فهذه الأمّ الكبرى تستحق - و أيم الله -
أكثر من ذلك.
تستحقّ تكريم العمر كله لمديحها
تستحقّ
تستحقّ
ولكن أغلب البشر لا يأبهون ...
أسباب
من يجرؤ على التفكير
في كتابة قصيدة ٍ
وعلبةُ سجائرهِ رُبعُ فارغةٍ ؟
من ناحيتي
15 سيجارة هي الحدّ
الأدنى لكي أشرع في مجرد
التفكير !
لذلك,
ما يمنع ميلادَ قصيدةٍ
هو أحيانا: ضيقُ ذاتِ اليد.
ومن لا يصدق فلا يصدق
أو : فليذهب إلى الجحيم !
إلهي !
لا شكوى ولكن...
( تنفيسٌ عن ضجر من الحياة,
شخصيّ , لا معنى له بالمرة . )
أكثيرٌ - سيدي - علي حارس ليلك
وقد بلغ سنّ النبوة
أن يشتري السجائر بالغروز ؟!
إلهي متى ينتهي قرض البنك العربي ؟
متى ينتهي قرض التامين والمعاشات ؟
إلهي ها أنا أخلص من كتابة " أسباب "
ولا أفكر في النص التالي
( رغم صفاء الليل, و إشراق المخيلة )
ذلك أنني - أطفئ الآن أخر سيجارة
ولهذا السبب يتوجب عليّ
أن أطوي أوراقي , وأذهب لأنام
كما يليق بأي عاقلٌ أن يفعل
وقد فقد آخر أسلحته ...,
عاقلٌ ؟
ومنذ متى كان حارسُ ليلك عاقلا
حتى تمشي عليه شريعةُ العقلاء ؟
..., ثم دعك من أنه شاعر ,
أليس هو حارس وحارس من طراز خاص ؟
وهل رأيت حارسا من أي نوع و أيا كان
لا يُدخّن ؟
إلهي ! بعضهم - قال - يُفكّر في " الخلود "
بعض أغبياء الشعراء يأخذ الحكاية على محمل الجدّ !
اللعنة !
أي خلود هذا وعدم وجود سيجارة
يمنع ميلادَ قصيدة؟
ثم..., ولا تؤاخذني يا سيدي :
أكان لابد أن تخلقنا من مادة هشة
كهذا الطين اللعين ؟ أكان ضروريا ذلك ؟
غفرانك يا إلهي !
كان من الممكن لو توفرتْ عشرُ سجائر إضافية
أن تختلف كتابتي هذه الليلة رأسا على عقب !
كان من الممكن - على الأقل - أن تكون ( شيئا من
غمغمة بايقاعات .) كما كانت عند السير ت .س.
إليوت . ولكن : كيف تكون روحي مليئة بالموسيقي
وهذه العلبة فارغة فاغرة فاها الآن وتمشي على
غلافها المقوى نملةٌ شقراء !
غفرانك !
غفرانك !
أخشى أن أكون زودتها حَبّةً الليلة.
غفرانك
و اللعنةُ على الإدمان !
نوم أسود أو الصيد في عرين الآلهة
أن تجلس إلى الطاولة
( وقد جفاك الشعر سبعة أشهر )
لتقرر أن تكتب الليلة -
ذلك يشبه في أحسن الأحوال
طعمَ قُبلة من وراء زجاج !
ولأنكَ تعرف أشياء أكثر
ولأنك تعرف حد الألم
أن لا ضراعة تجدي مع الإله الغامض
أن لا حيلةَ , ثَمّ , ولا تَعِلاّت
أن لا عزاء في العزاء الرخيص
لك , ولمن هم على شاكلتك
( من أخوة في الجمال والروح ) -
عليك أن تطوي أوراقك كما ستفعل الليلة
عليك أن تطفي النور كما ستفعل الليلة
عليك أن تستلقي علي سرير الشوك .. الليلة
وعليك أن تفعل ذلك بروحية من يعرف أشياء أكثر .
إلى أن يبزغ الفجر ببرودته وشجاه
إلى أن يذهب الناس إلي غاياتهم
إلى أن تغيم عيناك خلف رذاذ خفيف
إلى أن تقنع - وقد طلع الصباح - بنوم أسود
إلى أن تقنع من الغنيمة بالغطيط...,...
تماما كما تفعل الليلةَ
تماما كما فعلت في ليالي الأشهر السابقة
تماما كما ستفعل في مئات ليالٍ أخرى !
فلا عزاء أيها الشاعر
لا عزاء!
فللعب في العراء المكشوف
للعب أمام إله غامض
ثمة شروط وقوانين
وللمهنة أيضا أخلاقياتها
وما عليك إلا الصبر أو الصبر أو الصبر
مادمت اخترت اللعب مع الآلهة !
مادمت اخترت الصيد في عرين الآلهة !
من أخذ موتاي ؟
المقبرةُ هنا
ومائةُ مترٍ إلى الجنوب: الأحراشُ
والآن: ضحى.
أذهب كعاداتي مغربيةَ كلّ خميس
أتفقد أحوالهم
هل الماء , في الحنفيات , مقطوع ؟
هل الخبز عطْبَن قليلا ؟
هل نفدت حِصّتهم من الانتي بيوتك ؟
وهل نكهة النس كافيه باقية فيه ؟
أمس - الاثنين , بَرَقَ الهاتفُ
( كنت مفلوزا وسكري مرتفعٌ )
- " لا تكن بيروقراطيا "
- " إنهم لا يتدبرون أمرهم دائما "
وما كنت إلاي .. فذهبتُ
كانت المقبرة كمألوفها في مكانها
وصعداً إلى الجنوب : الأحراشُ ذاتُها
والوقتُ: الضحى.
كعادتي تفقدّت أشياءَهم
كل شيء كأفضل ما يُحْلَمُ:
الماءُ جارٍ ورطيبُ
الخبزُ بَضّ وبرتقالي
والكافيه عابقة في مظاريف من ماركة سويدية
فيما الأنتي بيوتك كرويٌّ وتامٌّ
أما القبورُ
فمفتوحة ٌبلاطاتُها أوسعَ
ولا أحدَ هناك !
..............
..............
..., وأنا أجرجر خطاي في طريق العودة,
رعب بارد شفطَ القلب ,
عرق حار واشعني ..
" من غرّر بهم من ورائي " ؟
" من أخذ موتاي الخصوصيين " !
تحولات
.. إلى ذكرى ماركس
يا السماويُّ .
لشدّ ما كنتُ مُتعلقا
بك آنذاك . هل
تذكر ؟ الزمانُ كان غير
الزمان. والمكانُ غيرُه أيضا .
كنتُ, يا السماويّ، فتى وكانت
" بني براك " خاليةً من رحمة الله. سوداء
... غابةً من اللحى والقبعات.
كانوا يضطهدونني نهارا أولئك
البيوريتانيون . ومساءً كنتُ أشكو إليك
أيها الجد . أسرد عليك
هواني عليهم . فتربّتُ على رأسي وتقول : أصبر
يا صغيري . " لن يدوم حال إلى الأبد ".
كانت أصابعك أبويةً . لا !
بل كانت هي ذاتُها: أصابعَ أمّ منير * !
ولهذا كان الصغير يذهب سريعا إلي النوم.
هل نسيتَ ؟
الفتى - و أيم الله - لا ينسى !
الفتى اليتيم: لا !
أوَ ينسى هديتك من الحلويات ألمانيةً في ذلك الفجر ؟
أوَ ينسي طعمَها الذائبَ في لعابه حين أيقظته ركلةُ شلومو الكلب ؟
لا يا ماركس !
الفتى ذو القلب الهش لا يحتمل ركلة 18 ديسمبر 1974 !
ومع ذلك،
كان لك في قلبي جلالُ الشعراء
القدامى. و ألفةُ الموتى
العائليين.
وكان بياضٌ لحيتك ( المليئة
بالفراشات ) يُحيلني إلي بياض
الملائكة. ويذكّرني بوداعة
الممرضات في "مستشفى إيخولُف" . ودماثة
أبي بكر في كتب السيرة .
ماركس !
كنتُ, شدَّ ما كنتُ وفياً
لك. وكأنك صديق مسافر . الآن ...
افترقت بنا السبلُ و التبستِ الرموزُ. ربما
لم تكن مخطئاً تماما أيها الجَدُّ. ربما
لم أكن مخطئا تماما أنا أيضا . لكنّ قسوة
التحولات . لكنّ " الحال الذي لا يدوم ". لكنّ الزمان
الذي والمكان
الذي.ماركس:كس :
وداعاً!
* أم الشاعر
صلات
1) إلهي......!
***
الذين برُعونة تاريخية أعطوا
الذهبَ سيماءَ
القشِّ.
***
صُنّاع المتاه و الديماغوجيا
***
المزمنون في زبد الألوان
***
مُسمنو عضلات المدينة - الإسفنجة
***
البرّانيون بحصر الإبانة
*
بعدُ
لم يتوارَوا عن المشهد يا إلهي
بعدُ
ولو مثقالَ برهةٍ
حتى
إلهي.....
الشراة من ديزنغوف والسهارى في أشكلون يا إلهي
أ) الذين يروق لهم ( خفية وخفافا ) أن
يشمتوا بأحلامنا المعطوبة.
ب) الذين لم يقولوا " كفانا " أخدنا كفايتنا "
" فلنكفّ "
( ولا مرةً كفكفوا لنا دمعةً خارج حرم التلفزيون )
ج) .......؛ ........؛ ........
؟
د) المماليك بالفم الملآن يا إلهي
بعد
لم يتواروا عن المشهد ...
بعد
ولو مثقال برهة حتى
ليل كهذا
الآن
وقد نام من حولك الدهماء
هو ذا الليل: كله لك.
كله - بأشباحه
وصمته القرمزي
وثمراته المحرمة.
مند عامين و أنت تتمنى
ليلا كهذا:
ليلا عميقا كهاوية في صحراء
ليلا ترفّ علي صمته أحيانا
شقشقةُ " أم بريص " ..
و أحيانا صياح ديك بعيد
وأحيانا حفيف قصب في الجوار
ولا شئ أكثر,
لا شئ أكثر .
ليل من سديم وعتمة .
ليل من هيولى و غمغمات .
ليل من قصب وميتافيزيقا .
ليل من شجى وماء وانتباهة روح
الآن
وقد نام من حولك الدهماء
نامت المدينة
نام طيارو سلاح الجو الإسرائيلي
الآن: جيد أن تفكر في الكتابة
جيد أن تتأمل
جيد أن تقرأ.
فمن يدري ؟
ربما تنتظر عامين آخرين
لتتمتع بليل كهذا :
ليل عميق كهاوية في صحراء
ليل ترف على صمته أحيانا
شقشقة " أم بريص " ..
و أحيانا صياح ديك من بعيد
وأحيانا حفيف قصب الجوار
ولا شئ أكثر .
لا شئ أكثر .
ما الذي فعلته بحياتي
كيف أعيش حياتي هكذا ؟
في الصباح: الفولُ والشاي,
في الظهيرة: النوم,
في المساء: الأصدقاء السنتمنتاليون,
وهكذا دواليك
وهكذا دواليك.
الأيام تأتي والأيام تذهب
والعمر ينقص والدولاب لا ينفك يدور
فكيف أقبل بهذا ؟
ومن أجل ماذا ؟
من أجل الحفاظ على قدسية الروتين !
تبا لحماقاتي !
تبا لقلة نبلي !
أ ُعْطيتُ حياةً كاملة
فبددتها في الغباء الكامل !
ولم أحاول ولو مرة
أن أكون جديراً بما أعطيتُ.
حقا
ما الذي فعلته بحياتي !
عام خارج البيت
أخيراً ارتحتُ
أخيراً استطعت بعودين من خشبٍ
أن أمسكه من ذيله
وألقيه خارج النافذة .
"1984" !
حمداً للرب أنك لن تتكرر
في رزنامة أخرى
لن تتكرر ولو عاش البشر
1984 مليون سنة كبيسة!
ندوب
السنة البسيطة
ذئب بناب ناقص
ذئب بذيل أقصر قليلا
ذئب وعيناه مريضتان.
مع ذلك
السنة البسيطة
هي أيضا تترك ندوبا في الروح !
هي أيضا تنهش
هي أيضا تتقن كوابيسها
.................
هي أيضا: روم كالروم
فعلى أي جانبيك تميل ؟
بدائل للرحم
لمّا كانت العودةُ إلى الرحم
مهمةً أكبر من مستحيلة
رأى الشاعر أن يتعامل مع الليل
باعتباره رحماً.
ففي جوف كليهما ظلامٌ رؤوم
ولا يخلو ملكوتهما من حنان سابغ.
*
بعد ثلاثين سنة من ألفة الوهم الجميل
أستيقظ الشاعر على الحقيقة الذريعة:
الليل ليس رحما.
كلا !
ولا يمكن اعتباره كذلك !
بل من الهرقطة القول بإمكانية تصور الأمر؛
فالليل ليل والرحم رحم
مستحيل أن يتماهيا معا
*
إن في الرحم أشياء لا يوفّرها الليل
التغذية الذاتية مثلا
والنخط .....
هل يمكن أن يوفر الليل نُخطا للشاعر؟
*
ما العمل إذن ؟
وكيف السبيل إلى تدبير رحم
يتسنى للشاعر أن يعود إليه
كلما سئم من فراغ الكون ؟
*
لابد من رحم
*
لابد، في الأقل، من الممكن المتاح:
اختبار غرفة مظلمة في بيت ما،
بدرجة رطوبة عالية ،
وحبذا لو كانت منعزلة،
وسط الحقول،
أو علي شفير جرف .
وإهدائها للشاعر...
*
لابد من هذا
لابد...
وإلا.. فسوف يتفاقم شعور الشاعر
بضغينته على هذا العالم
*
كلا !
أنقذوا الشاعر يا أثرياء الدنيا
أنقذوا الشاعر يا دُعاة المحبة !
إنقذوا الشاعر ...
وفّروا له رحما - غرفة !
فالشاعر صعب أن يعيش
بعيدا عن بدائلَ للرحم ....
قبضاي صغير
إضافة إلي متعلقات أخرى
تركوه تحت حمايتي
ونزلوا بأبنائهم - جذلين - إلى البحر.
في الساعة الأولى
أديت دوري بحماس من حاز
ثقة المعلمين الكبار.
في الساعة الثانية
بدأ الشيطان يزغزغني في حلقومي.
في الثالثة - والشمس برتقالة كبيرة ومائلة؛
انتبهت على ما في حالتي من إجحاف ..
فها هو النهار يمضي دون أن أبتل في الماء المالح
أو أبل ريقي بالعصير.
( هل نسوا من أكون ؟ )
في الرابعة عبأني الشيطانُ بروح الانتقام
نظرت ناحيتهم ونظرت يمنةً ويسرة
ثم انقضضت على متعلقاتهم وخصوصا تيرموس العصير
( خزيني الاستراتيجي في رحلة العودة )
وبنشوة الواثق من تدابيره في كل ما يأتيه
وبقوة من وطّد نفسه على المشي ثلاثة كيلومترات تحت
ليل رحيم
نظرت خلفي خطفا ثم وليت - صاعدا - لا
ألوي على شئ !
ببلوغرافيا
أنا صانع تورتات
عمري 27 سنه
أعزب
كنت شاعراً فيما قبل
والآن
صانع تورتات
أعمل 16 ساعة في اليوم
ستة أيام في الأسبوع
ويوم الجمعة
أعود إلى خانيونس
مسقط رأسي
لأمضي فيها عطلة السبت
في الغالب أنام معظم الوقت
لأن يوم الأحد
مثل يوم الخميس
من أكثر أيام الأسبوع ضغطا وشغلا.
*
أنا صانع تورتات
أصنع أحيانا ألف تورته
من الألف إلى الياء
عدا 80 صنفا من الحلويات الأخرى
وأعمل من فجر الخميس
حتى ظهر الجمعة
دون أكل، دون راحة
دون حتى ساعة نوم
فقط أدخن وأشرب القهوة
الكثير من التبغ والكثير من القهوة
( لقد بدأت أعاني من الآم في المعدة
وتقلصات في القولون. )
*
أنا صانع تورتات
وراسب في التوجيهية
وحديثاً أصبت بمرض السكر
استهلك طنا من السكر في الأسبوع
للحلوى
وقليلا من الملح (
فقط للبيتزا و البور يكس )
*
أنا صانع تورتات
معلمي يدعي ( كذا ) وهو بلغاري من يافا
كان سابقا يعمل في " الشين بيت " ويحب بن غوريون
والآن مفتون بأريك شارون
ويسميه ملك إسرائيل
ضيق الأفق
دكتاتور في المصنع والبيت
يعامل عائلته كما يعامل عماله
بالعنف ومزيد من العنف
لكنه أمامي يخجل
لأنني بصمت ودون كلام
أضرب له مثلاً حيّاً
لمكسيمام الجهد الفردي
والتعالي عن التفاهات
حاول كثيرا أن يكافئني بكرمه المقنن
ولكني رفضت
رفضت جزمته الـ " غالي "
سعرها ( 150 شيكل)
رفضت زيارة العائلة والسمر
رفضت الفتاة المبعوثة خصيصا
للترفيه
إنه وراءها بلا شك
وكم تعب ذهنه الضيق كثيرًا
في محاولة الفهم
لكنه أخيرا استسلم لكوني ( هكذا )
واحترم ذلك
إنه زير نساء، لا يشبع من لحمهن أبداً
(مغرم- تحديداً- بفتيات البغروت
والسحاقيات)
ضاجع مرة- كما افتخر أمامنا- بنت الجيران
زميلة ابنته في المدرسة
وعندما حدقتُ فيه
خجل من نفسه وغضب مني
لست أخلاقيا كما يتبادر إلى أذهانكم
" فالطريق المستقيم في الأدب والأخلاق
لا يؤدي إلى شيء ذي بال "
ولكني أعرف الحقيقة المرة البشعة
حقيقة أنه اغتصب ابنته هي الأخرى
وقد اعترفت لي بذلك من خلال دموعها
عندما كنت وحيدا في المصنع وجاءت لتأخذ "الأزمناه"
كم هي لطيفة حقا هذه الفتاة
وكم هي مضطهدة
لقد أجبرها مرة وأدمن عليها بعد ذلك
فكيف لها ان تكشّف ذلك السر الرهيب
للأم مثلا, أو الشرطة ؟
إنني الصديق الوحيد الذي عرف سرها
ربما لأني حلقة الضعف الوحيدة في سلسلة معارفها
تماما مثلما تضاجع سيدات البيوت في الخليج الخدم
الغرباء
ولا يتحرجن من ذلك
آه ... يا " راء "
بعد شهرين تذهبين للخدمة في الجيش
وتحملين بندقية الإم - سكستين
وربما يبعثونك " للمناطق"
آه .. " يا راء "
كم ستبقي من وداعتك بعد عامي الخدمة ؟
وكم مجنداً سيذوق عسل شفتيك ؟
( سمعت أنهم يستمتعون جيدا كلما حانت الفرص)
آه .. يا " راء "
أتمني من الصميم أن تظلي وديعة مدى الحياة
وألا تشوهك فاشية أبيك
أو أخلاق المؤسسة
أتمني من الصميم أن تحافظي على عذوبتك
ونبل عينيك الأنثويتين
فأنت - رغم كل يفرقنا - إنسانة جديرة بالإعجاب
ورقيقة.
رقيقة مثل أوَّل النعاس
*
أنا صانع تورتات
حلواني
وكُندْيْتُور
كما أُسمى في اللغتين العدوتين
أحاول جاهدا أن أكتب بلا تداعيات
ولكن لعنة " يُولسس" تلاحقني
منذ قرأت هذا الكتاب
صرت سيئا في الكتابة ..
أعاني من عدة ورطات قاتلة
فقد تماهى الحكّاءُ في الشاعر
ولم يعد سهلا الفصل بينهما
وهو مأزق جد خطير كما لمستم
فالكتابة العربية لا تحبذ ذلك
إنها كتابة الضوابط الصارمة
تنحاز لقواعد لها قوة الدين
ولا تؤسس في الأفق المفتوح
ولكن ما العمل ؟
إنني أسير منظومتين مختلفتين
أفكر بلغة و أكتب بأخرى
لا لست مثل مالك حداد
أو كاتب ياسين
لم تصل المشكلة إلي هذا الحد
ولكنها في طور التشكل
من يدلني ،إذن، على صُوى السبيل
ومن ينقذني ؟
لا أحدٌ يدلُّ أحدا في بات يام
ولا احد ينقذ أحداً في خانيونس
(إنه مأزقك الخاص وعليك وحدك أن تخرج منه )
*
أنا صانع تورتات
عمري 27 سنة
وطموحي أكبر قدراتي
أتمادى هذه الأيام في الذهول والغفلة
( أمس نسيت التنور والعا طول الليل
فكادت أن تحدث كارثة)
واليوم أخطأت في مكاييل
عجنة البخزنيوت
فخسر المعلم 3000 شيكل
( زعمت له أن مكالمة تلفونية وصلتني
من الأهل تخبرني بوفاة والدي
{توفي أبي وأنا في سن الرابعة}
*
أنا صانع تورتات
لا أحب الكذب أسود أو أبيض
ولكن الحياة وقحة
أفكر الآن أن أهجر الكتابة نهائياً
فهل أستطيع ؟
*
أنا صانع تورتات
كنت ذات يوم أحمق
فصدقت مقالب المخيلة
واستسلمت لنرجسية الذات
سوف تكون شاعراً !
سوف تكون مبدعاً كبيراً !
اللعنة
ما ذنب معلمي وما ذنبي أنا أيضا
هل نسيت ،حقا، من أنا ؟
أنا عربي من غزة
لا يغرّنكم أنني أصنع تورتات
و أنني الكُنْدِيتور الثاني في بات يام
( بعد "يعكوبي" )
فأنا في الأخير مجرد ترس
في آلة هائلة
ومن الممكن جدا أن يطردني معلمي
في أية لحظة
( إنها علاقات الإنتاج لا العواطف )
أعرف ذلك بالتجربة
رغم عدم تبحري في فلسفة طيب الذكر ماركس
( اشتريت أعماله الكاملة في خمسة أجزاء
ولم أجرؤ على قراءتها إلى الآن )
*
أنا صانع تورتات
أتمنى أن تنتهي علاقتي بالقلم
أتمنى أن أُشفى من وهم الكتابة العنّين
أتمنى أن أظل: صانع تورتات في بات يام
لا " مهندس شوارع " في خانيونس
صانع تورتات فحسب
فحسب ؟
أجل ... فحسب !
ببلوغرافيا
يتنفس خارج الأيدولوجيا
ويحدق في زحام الضحايا
لا غواية تحرض عقلَهُ..
غير غواية البحر والغمامْ
جسداني حسيُّ البصيرة
مستوحد مثل جبل في الليلْ
يلكز الوعول أن تمتطي الوعولْ
ويذعن لفرادة المشهدْ
يجأر مثل أسد محتبس فيما
الظهيرة: أرجوان معتمٌ
والشجرُ ذبابُ ثابتْ
إنه الكائن الجميلْ
لا صحافة له ولا محظيات
ولا منزلا للكتابةْ
كل ما يملك خمس حواسٍ فحسبْ
وفطرةٍ حارّة
يهب قلبه بالإشارة
ويتوسل إلى الشعر بالتأمّل
لا يحتاج من البحر أن يقول: "هيت لك"
ليعتلي حصان البحر
ولا يتقدم إلى السماء بطلب تصريح
ليسوس غيمها المائيّْ
إنه الكائن الجميل
نديم الجغرافيا وملكها المتوّج
سيد أغنياته وحبيب الرياح
ربما تراه في المقهى
وربما في عيادة الوكالة
لكنه ،أبدا، لا يكون في إتحاد الكتاب
فهو لم يبلغ من الوقاحة ما يؤهله لاحتراف النميمة
وهو لم يبلغ من السذاجة ما يغريه بالتنظير
إنه ، فحسب ؛ وقحٌ مع المومسات في شارع اليركون
وإنه ، فحسب : ساذج مع أحلامه في ليل الكنديتوريا
يحب طائرَ الدوري، والمانجو، وصقيع آذار
ويمقت "المعلم"، ولحم الضأن، و كلمة "إلى الأبد"
يؤسفه أحيانا موت عصفور على الإسفلت
ويغضبه دائماً رحيلُ الشباب قبل آبائهم
لا يفهم كثيراً في السياسة
لكنه يكره السياسيين كما يكره تجار الكوك
ويتأذى من رؤية طلاب المعاهد الدينية
( خصوصاً ذوي السوالف السائبة
والرؤوس المحلوقة
ممن يأتون إليه ضحي الأحد
لأخذ البوريكس البايت ، مجانا)
إنه الكائن الجميل
( أو هكذا يدعي لنفسه )
يهمه جدا أن يتعرف أسرارَ الشوارع
لا أن يعيش أسير الكتب
يستمتع بسكونية المعدن
ووداعة الماء
وفحولة النار
ويحب مرارة الخِيار و يتعاطى الود مع الله
يتلمس زغب الخوخ كما يتلمس زغب الحبيبة
ويحتفل بالشمس حين تنبثق من البحر
وحين تزدهر في الظهيرة
يُجن بإستدارة فخد الأنثى
ويسميه: الرخام المضيء
إنه الكائن الجميل
يعرفه الكثيرون في بات يام
وينادونه : " دوف "
تعرف خلاصة الطبقة الراقية
( نساء وشابات على الخصوص )
ويعرفه رموز العالم السفلي
ويسمونه : " آخميد "
يأتون إليه في ليل الكودتوريا الموغل
ليأخذوا أغلى ما فيها من حلويات
مقابل الحماية الغامضة
لـ " عربوش " ،لا محالة، مُستهدف
إنه الكائن الجميل
( كما يجامل نفسه )
أو العزّاتي النِّخْباد
( كما يجماله العفريانات )
يخرج فجر الأحد من غزة
ليعود إليها فجر الجمعة
48 ساعة هناك
و 120 ساعة هنا
عشر سنوات وراء لقمة العيش
عشر سنوات ( 3650 يوم )
ربما 1/6 العمر أو أكثر
وقد تكيف رغم كل شىء !
رغم كل شىء ؟
أجل !
ولتذهب المكابرة إلي الجحيم !
صحيح ، لم تؤرقه ازدواجية اللغة
رغم توهج اللغة الطارئة
وصحيح، لا يزال يكتب الشعر
أحيانا قصيدتين في الليلة
وأحيانا واحدة في الست سنوات
وصحيح، تورط في تعلم الحروف
لا ليقرأ إعلانات عاملات التدليك في الصحف الملونة
ولكن ، أساسا ، ليكتب بقلم الشوكولات
على التورتات الفخمة خماسية الطوابق
لـ"داني ".." عاد مئه بعسريم "
لـ"شوشانا " .. " مَزال توف "
لقد أصرّ " المعلم " على ذلك، لسببين معاً
الأول: أنه لا يملك وقته دائماً
والثاني: أنه لا يريد لزبائنه المحترمين
أن يعرفوا " دوف "
تلميذه الذي تفوق عليه -
لا يجيد الكتابة
إن " دوف " عربي صحيحٌ
إلا أنه فنان ووسيم
وفوق ذلك " حصان شغل "
يعمل ثمانين ساعة في الأسبوع
ومرة في "البيسخ" أكمل المئة !
إنه باختصار "ختخات عربي ندير "
وباعل مكتصوع مُوْ عُليه "
من الصعب الحصول على مثيل له
أين وصلنا ؟
أوقعتكم في حبائل التداعيات ؟
لا بأس !
نعود " من أول وجْديد "
صحيح، لم تؤرقه ازدواجية اللغة
( فلغة الغالب خبز المغلوب )
غير أنه شفاهةً صار يخلط بينهما
إلي حد حزين !
لقد انتفت الازدواجية ، وحل محلها
خليط عجيبٌ من اللغتين معا
يكّلم زملاءه العرب بهذا الخليط فقط
وهنا مكمن الغرابة..
فهو لا يحتاج لهذا الخليط مع يهود بات يام
إنه يكلمهم بسلاسة وصفاء مثيرين
حتى أنه كتب أغنية لإحدى المغنيات المغمورات
مقابل مئة شيكل وقبلة بادرته بها
فأُخِذَ مبهوتاً
إن أسوأ ما في الأمر الآن
يقول الكائن الجميل -
أنه لم يعد قادر علي تعاطي القبلة في خانيونس
( مع من يحللها الشرع )
فما بالكم بالشيء الآخر
لقد فقد بكارة شفتيه
والأكثر سوءً من ذلك
هذا الإحساس الذي - أبداً ليس طارئا -
بدأ يستقر في عمق الأعماق..
لقد اكتشف علي غرة
أنه غريب في بات يام
غريب في خانيونس
غريب في تعامله مع اللغتين
وغريب، وغير ذي جذور وفروع،
في كلتيهما
فما العمل ؟
خربشات
شباك الغرفة مفتوح علي زبّالة المخيم
شباك الغرفة يأتي بأسراب الذباب
ذباب كبير، قاس، أزرق، كسول الحركة
وذباب صغير، رشيق، مُلِحّ، متوحش
وكلاهما له حصانةٌ ضد الكاز
والصمت، رغم الأزيز اللزج، بلا لون ودون خاتمة
وهو..، كماهو:: محتدم حد الإعياء
لم يكن هكذا قبل سنوات قليلة
كان طوباويا مثل مراهق ريفي
وكان وجدانه أكثر تألقاً
أما الآن .. فإليكم وعورة المشهد
إنه يحوم منذ يومين حول معنى متسلط
يجهد أن ينسبه إلي القصيدة
ولكن المشكلة دائما في الصياغة
كيف يصوغه بأقل عدد من المفردات
فيأخذ شرعية الانتساب للشعر
إنها إشكالية حرجة تكاد تكون مستحيلة
خصوصا إذا عرفنا أن الوقت منتصف آب
والبيت مُفتَرس بعراك الأطفال
والأم غائبة !
كيف يجترح المعنى دون شبهة قلق ؟
فليحاول قليلا ربما ينجح
( إن ثورة تحولت إلى مؤسسة
تنحاز دائما لمصالح المؤسسة لا مبادئ الثورة )
ثقة نثرية سمينة تمجها حتى بلاغة الصحف !
لا .. ليس كل هكذا يتطابق المأمول وما كان
إذن فليجرب صياغة أخرى
( عندما تصبح الثورة مؤسسة )
( تموت الثورة لتحيا المؤسسة )
كلا .. لقد ماتت الحساسية الموحية في المفردات
على أن ثمة شعارية بغيضة
وشبح تنظير غير مرغوب فيه
إذن ما الحل ؟
تتطاول الأسئلة .. هل يكسر القلم ؟
إن حلولاً متعددة سهلة المنال
لكنها تصبّ دائما علي عتبة الصحف
مقال مثلاً ؟
خاطرة ؟ رسالة إلي صنم ما ؟
ولكنه، أبدا، لا يزيد...
ولا يريد، ولو للحظة، أن يتنازل عن فعالية القصيدة
فيسقط في سهولة الصحافة !
( الأدب، و الصحافة )
يا لهما من عدوين عملاقين
ويا له من صغير بينهما
ورغم كل ما يُعصْبن
سيحاول ألف مرة دون كلل
فالواقع القبيح لا يخفف منه
إلا الكلام الجميل
اللعنة !
لقد تورط فيما يحذره
سقط في رعونة الحكمة
ما الحل ؟
حقاً ماهو الحل ؟
إن عقله متوهج وغاضب
لكن فطرته شاحبة
إذن ، فليؤجل المهمة
الي أن تأكل المؤسسةُ نفسها بنفسها
وحينذاك ، لن يجأر بنشوة الشامتين
( ألم أقل لكم ؟)
لكنه ، مينيمام ، سيكتب
بحياد المؤرخ، وألم الشاهد الذي أُجبر أن يكون في
الزاوية
على الأقل ، حينها ، سيكون ثمة
ميزتان مغريتان للكتابة
أولاهما : الابتعاد عن الحدث
و الأخرى: الرحيل من الزمن !
دخول
"الجحيم"
كانت محض كلمة في اللغة
ولم تبرحْ.
حتى دخلتَ ظِلّكْ!
نعمة
"رفّة جناح"
بعضهم لم يذق نعمةً كهذه
منذ ولدته أمّه!
روحي تتلعثم
لا أجيد الكلام مع الناس.
من شدة إدماني للقراءة في الكتب
من شدة اقتناعي بخيار العزلة
كلما اضطُررتُ: روحي تتلعثم!
أعمق ألماً
اليد التي تلوّح بمنديل الوداع
شيء عرفناه، فقط، في التلفزيون
رغم ذلك:
اليد التي تلوّح بمنديل الوداع
أعمق ألماً
من اليد التي تضرب في قبو المخابرات.
قرص
وأنت في الصيدلية،
أنت قرص فاليوم.
وأنت في بيتي،
أنت فاليوم
عرضه السماوات والأرض!
دَين
مدينٌ قبل اللغة
مدينٌ أنت لخساراتي.
أيها الشعْرْ!
دليل
مزيداً من الفجيعة؟
إذهب إلى الأكاديميا.
فجيعة أكبر؟
إلى اتحاد الكتاب.
سكتة قلبية؟
مبنى التلفزيون!
شفقة
حتى أنت أيها الحَجَرْ
حتى أنت أشفق عليك!
ألست مثلي سجينا في شكلك
شكلِ الجسد؟
عفوا: شكلِ الحجر؟!
استعارة
من حقه أن يجأر بالتعب. ثلاثين سنة والشاعر يمتح من
ذات البئر. أليس من بئر أخرى؟ اللعنة! حتى وهو يَحلّ
لابنه مسألة في الحساب يجتاحه رذاذ الاستعارة!
الحياء من الإنسان
كبارٌ هم ومشهورون، لكن ما ينفّرني منهم هو
غياب هذه الصفة: الحياءُ من الإنسان!
يستأهل الحمد
أيُّ حياة مرعبة لو لم يكن في العالم نساء؟
أي حياة مرعبة لو لم يكن في العالم ليل؟
حقا: ماذا كنا سنفعلُ؟
حقاً: يستأهل الحمدْ!
أنا نفسي لا أعرف ليش
لست فاشيا. لست نازيا. لست صهيونيا.
لست شوفينيا. لست ساديا. لست أصوليا.
أنا باسم النبريص الفنان الرقيق كالنسمة، الذي
يخجل من أخيه الإنسان الذي لا يستطيعُ
أن يكره- كراهية حقيقية - حتى عدوه. أريدُ
أن تغفروا لي هذه النزوة: أريد أن أضرب
الجنس البشري كفّاً على وجهه. ( وصدقوني:
أنا نفسي لا أعرف ليش)!
ضجيج
صمت يهوديٌّ
هذا الضجيجُ
وأنت بين براثن الرعاع من شعبك.
كلبها تحت السرير
كل لحظة لا تأخذ بيدك
للحظة التي تليها.
جثة هي وأنت كلبها
تحت السرير!
عادة
وفي الليل
أربط نجمة بخيط قُنّبٍ
وأدعها تلَعْبطُ في بركة
وأنام.
حوليات، أحوال
غلبان زهير بن أبي سلمى.
ضيع ماله في الكرم
وضيع عمره في تجويد القصائد.
جَدٌّ طيبٌ وضالّ.
لا ينفع أن نكون أحفاداً له.
لا ينفع لعصرنا: عصر " الأعمال
الكاملة" - المجلد الثلاثون!
شكوى
في الليل متّسعٌ.
كان ذلك هو العزاء لك دائما.
الآن: لا.
الآن يباغتك الأذان قبل
أن تغسل روحَك من سموم النهار!
..............................
ما أقلَّ الليل. وما أمرَّ الشكوى.
تأريخ
ربع قرن من تأريخ الألم.
ما ذنبك أنت أيتها اللغة؟
والشاعر؟
ذلك الألم الثابت والرصين حول أذُنيْ الحمار.
وأشياء أخرى
روعة الشمس في المغيب- من يُحبّ الورد.
روعة الشمس في الشروق- من يحب القمح.
أنا أحب الروعتين والورد والقمح وأشياء أخرى.