(1)
أعدكَ،
إن أنت أتممت جسدي
سأعود
إلى نسيان قديم...
هناك،
حيث القرى
تتناثر
بين ذاكرتين.
أعدك
حين نؤنث الليل،
ستستيقظ الرائحة
في تلك السهول...
هل تعبت من الكلام؟
أنا أيضا...
(2)
إن أنت استيقظت
من ثَبات
دع الصبايا
يغزلن لك
وحشة أخرى
دع القصب
يغني لنا قصيدة،
ماء
لم نجد بدا منه.
لا تروِ
هل تعبت من الكلام؟
أنا أيضا.
(3)
كم من الغرباء
سيشكون هذا الخريف
والشجر الساهر على أحلام
البحار.
يحصدون ظلالهم،
يعودون من آثام الغابات الكثيفة.
هل لك ملامح؟
أيام
نستبدلها
تحت أمطار العائدين
من بلاد بعيدة؟
قل لي...
أما يزال للكلام ليل
يتركنا
جالسين تحت انعكاسات
الشجر؟
أنا أيضا
تعبت
من صوت الغيوم
الذي يمر خلسة
ولا نسمعه.
أنا أيضا
أشكو الخريف.
(4)
حقول يسمونها بريدا
حقول
لا تتعب من انتظار رسائل
وأنت هنا
لا أعلم
لماذا تذبل داخل هذه السنين...
أكان عليك
أن تنتقي ضبابا
لتدعو
الأسماء كلّها
ألا تذكر
أن الأصدقاء
كلام رسائل لن تعبر الجسر؟
حقول يسمونها بريدا،
وأنت لا تزال تنتقي الليل
كي لا يصلوا
إلى نومهم.
(5)
ها أنت تخرج من سمائك.
السواحل
لا تذكرنا بالأعداء.
وهذا النهر
مدينة للسومرية التي تعبت
من إحصاء الحروب.
أعدك،
إن أنت أتممت النذور
لن آخذك إلى تلك البلاد
حيث لا شجر
حيث النخيل
يضيء عريكن
حيث الأجراس التي تقرع
كلّ صباح
تنسى أن تمحو،التراتيل
من على صدرها...
أتعبت؟
أنا أيضا.
(6)
مضت أيام
منذ أن استيقظت.
مضت
أنهار وأشجار
منذ أن أومأت إلى نخلة.
ما من أخوات يشبهنك
ما من نسيان
ليستدير فوق خارطة
الفصول.
نجلس الآن أمام موتك،
أما من أب لك
ليمنعك من الخروج
فوق رؤوس الرماح.
(7)
ليلك أم دمعي؟
المعسكرات تعيد الذكريات
إلى مولدها.
لماذا تأخذ المطر؟
لماذا الأمكنة بلا يوميات،
بلا أحداث نتبعها
حتى الحروب؟
أيام وأيام...
وشوارع تتبدل كلّ يوم
بالجنون ذاته.
أتذكر ذلك الزمن؟
كانت الجنازات بلا أحلام
كانت الجنازات
بلا غرباء...
(8)
أيحق لك اليوم أن تنتقي الليل؟
هنا نجمة
سقطت باتجاه النهر،
رجمت بها العتمة
أيامها.
هنا،بقيت سماء
لم تشاهدها
وأنت تنتقي موت المطر.
آه يا أنكيدو
كأنني سواد،لم يعرف كيف
يصف غيابه،
كأنني آخر الأيام
وهي تهرب من ذاكرة
لم تستطع أن تنسى
ضفتك الأخيرة.
(9)
أي بلاد
ستتعقب الهاربين
من الذكريات؟
هو الماء
وأسميك ليلا
وأنسى السنة المقبلة.
أكان عليك
أن تتبع حدائق السومرية
والريح من كل الجهات؟
أصغي إلى أقدامك
كي لا أقع في الشتات
أصغي إلى ما ستقوله
قبل أن تغادر النهر
لتبقى وحيدا.
(10)
لا شيء سوى الألم.
لا شيء سوى هذا الليل
الذي غادرته
تحت سماء بعيدة.
هي خديعة أخرى،
هي طريق لأسماء استبدلها
الحراس
قبل أن تتذكر
وجه المصادفات
وظلال الغرباء.
أسميك
أو أبحث لك عن خديعة
أخرى
لتتأكد أن البلاد
لم تعد تلك البلاد
أن الذين ماتوا
لم يعبروا جسر الضباب.
لم يدعنا أحد
إلى الوليمة.
هي طريق لأسماء أخرى...
أسميك
أو أبحث لك عن خديعة
لتتأكد أن البلاد
لم تعد تلك البلاد
أن الألم
لم يعد سوى هذا الألم.
(11)
لا أصفك
لكنه الكلام...
لا أناديك
لكنها المدن
تسترجع رسائلك.
ها هي ظلالك التي تهرب
من يديّ.
أنحني
لألتقط
اسما لغيابك
لأيامك الممحوة
من كثرة الذكريات.
لا أصفك
ولكنني أسيّج جسرا
وأعيد ترتيب الفصول
لتمرّ بجانب هذا النهر.
(12)
لم يبق لنا سوى هذا الفجر.
عمّا قليل،
ستنحني مياه النهر
لترسم
خرائب
وأغنيات
تكفي لتدعو الأميرة.
من دعا السومرية إلى هذا
الليل كي تنام؟
تكفينا
دهشة واحدة،
عينان
لننظر إلى هذه الغابة.
من يرتعش في صحبة النسيان؟
آه يا أنكيدو
تعبت أنا أيضا،
لكنه الكلام الذي يغوينا
يتركنا
تحت سماء
تحت اسم
نبحث عن معنى له.
(13)
لتدع هذا الشجر لي
وهذا الصفصاف
كي يغسل غيابك.
تجيء من العتمة
وتذهب في اتجاه الموت.
لمن ستترك هذا النهر؟
لمن هذه الأشجار
التي ما برحت تعيد رواية
الحكاية؟
لتدع الشجر لي.
خيالك هنا
مثل التائه يرتمي في هروب.
يتدلى
كآخر عنقود
لم تقطفه السومرية...
أما زال ظلها
طريدتك؟
لتدع هذا الشجر لي
وهذا الصفصاف
كي يغسل غيابك.
(14)
كم من ضفاف
لن ترجع إليها؟
ستغادر النهر والشجر
لست من نرايا
و لا أحد هنا
كي يكتب عن النخلة
أو كي يرسم بيتا.
كم من ضفاف،لن ترجع إليها.
كأنها تموت كلها
أو كأن الموت
يعبر بساتين وحروبا
ولم تترك لي
نسخة عن هروبك.
كم من ضفاف لن ترجع إليها.
كأنني الراحل،
وهذا النهر والشجر
كغيوم
لا آخذها،
كأنها
خديعة الغياب.
(15)
كأي فجر
مصاب أنت بالنسيان
لا تدون لي رسائل
فقط
صدّق هذا الربيع الذي
لن يأتي.
قل أن الخريف
لا ملامح له
لا شهوة تصلنا منه.
قل فقط كلاما
أتعبت؟
لا ندم في هذا الغسق
مطر كاف كي تعيد
إيواء
الوحشة
مطر
كي لا تفقد ما تبقى لنا
من شجر
أعدك
إن أنت أتممت جسدي
سأعود إلى نسيان
قديم.
(16)
لا تصدق الغيوم.
لا حزن يكفي كي نعيد
بقية الليل
أعدك،
إن عادت السومرية
من مصادفات الهضاب،
سأنسج لك غابات
لتبحث عن موت جديد.
لا تصدق الغيوم
هي مدن متشابهة
أصدقاء محروسون بقوة المقابر
لا تومئ للأشجار
غريب أنت
عن يديك.
(17)
واقف
كي يعبروا منك.
واقف
في الرائحة التي غادرت
من كثرة الوحشة.
أما كانت لك بلاد
تقيك
هذه الذكرى؟
أما كانت لك أنهار
تسدل أشياءها
فوق ظلال
الذين عادوا من حروب طويلة؟
أسميك
أو أبحث لك عن اسم.
لكن
لا سماوات
كي أعتذر
من هذا الشجر.
(18)
دلني على حقول النهار.
أعطني سهوا
كي تعود من عتمة الليل.
ليس لهذا الفضاء
من أرض
تقينا
سيرة الغابات.
أكان عليك أن تتدثر
ببعض أحلام
لتجهش تحت الفصول
ولتذهب في التسميات؟
دلني على حقول النهار.
ألم تدر أن الذين جاءوا
ليحصدوا المودعين
كانوا بلا ليل؟
ستصلك عزلتي.
لكنّ هذه الذكريات - الأخت
أرض حرام.
(19)
كأنك سيرة.
لم تعد سوى بقية نهار
يتدحرج إلى ضالته،
وأنا
أستمر في عبور الحقول.
ربما
لأن الهارب
كان يصدق الأشجار
التي
دلته إلى النوم.
كأنك سيرة.
ها أنت تنعطف
قرب الحواس
تسرع
لتؤوي ما تبقى
من مواعيد
وظلال.
لا تناد السومرية.
كانت هنا
بالأمس.
وحين رأت يديك
تقدمت لتضيء
هذا الليل
كأنها اقتربت من النهر
أو كأنها
عبرت روائح فقدتها
للمرة الألف.
آه يا أنكيدو
كأنك سيرة،
أو كأنك هذا الليل الطويل
الذي ينسج سيرته.
(20)
حتى الآن
لم تجد هنا
سوى هذه الظلال،
ربما كنت متعبا
أو...
منذ عصور
لا تأتيك سوى الليالي
التي تغادرك
قبل رحيل القافلة
قل
هذا هو الموت
وهنا على ضفة الرغبة
يزهر صفصاف
كي يعيد الكلام إلى بدايته
تعال
ثمة حلم
لنقضي ما تبقى لنا
من فجر.
أتعبت من الكلام؟
أنا أيضا.
(21)
ثمة صدى...
حاول أن تتذكر الضوء
الهارب من هذا الحلم.
حلم يحفر ليالي الصيف
والوقت الغريب.
آه يا أنكيدو
أعبت من الكلام؟
أنا أيضا.
لكنّ نجما
يمر كخيال
كنسيان معلق بين
السماء والكآبة.
حاول أن تتذكر الضوء
حاول أن ترى
هذا السراب الواقف
على ضفة النهر.
(22)
أكان لك حقا بعض الشجيرات؟
أيحق لك اليوم
أن تنتقي الليل؟
تعال وانظر إلى حافة الماء
ربما ستولد من الهواء
حكاية،
ربما ستشاهد مجددا
السومرية
قبل أن تسحب من سواد
الليل
أسماء العاصفة
والريح.
أعدك إن أنت أتممت جسدي
قد آخذك
فوق تلك التلال المذهبة
كي نلملم الحكايات
من الصمت.
أيحق لك أن تنتقي الليل؟
(23)
لم تعد لك تلك السنوات
ولا العين
وهذا الحلم
ليس سوى وهم
لن يوقظ الملاك.
ربما فيما بعد
قد تحمل كتفيك
وتهبط
صوب ضفاف هذا النهر.
أرأيت...
قلت
لم تعد لك تلك السنوات
ولا العين التي ترى،
فقط
قلبك الذي اشتعل
قبل أن تتناثر.
(24)
أعدك
إن أنت أتممت
جسدي
سنبحث عن نسيان قديم،
لكن
هذا كل ما تبقى لنا
كلمات اعتقدنا أنها خرافة
كي تستمر أنت في الهروب.
هذا كل ما تبقى لنا
ولم نعرف أن بياض النهر
كان أكثر حنانا
في احتضان جسدك
آه يا أنكيدو
أتعبت من الكلام؟
أنا أيضا.
(25)
لمن هذه الصحراء؟
لمن هذا اليوم الذي تهمله
كي يدوم...اليوم؟
هي السومرية
التي جاءت قبل الأمكنة.
هي الحياة
التي غادرت ذات عتمة.
لا تقل للنهر
إنني هنا كل يوم...
لا تقل
كي لا تعود الأشجار إلى نعاسها
لمن ستترك
عندها
هذه الوحشة
التي لا أستطيع إيواءها.
(26)
أتعبت...؟
أعدك
إن نجوت - أنا - من هذه الكلام
سأعود
إلى انتظار الفجر
عند أول لفتة للريح.
لكن طائرا
وقبل أن يغادر الشجرة
قال للسماء
إن الليل حل هذا المساء
وإن الحلم
لن يوقظ هذه الظلال
المرة
أكثر من الصمت.
أعدك...
آه يا أنكيدو
كم من الصبايا
سينتظرنك
في ريح الشتاء.
(27)
كمثل هذه الحجارة
التي تداعبها الريح،
كمثل هذا الوجه
الذي
يقترب من إغفاءة المياه
تغلق نصف جفنيك
وتقول للشجر الذي يمتد
على طول النهر:
"أما من موت يجعلني أبهى؟"
لا تدع
حياة بأكملها
تنساب فوق جناح الطائر
لا تدع
احمرار الأفق
يجيء من سراب الجبال.
هي الأيام
التي تتركنا نغادرها.
ماذا نستطيع إزاء
هذا السر؟
أتعبت
أنا أيضا؟
لكنني أعدك
إن أنت أتممت جسدي
سأعود إلى نسيان قديم
(28)
أقول هو ليل.
لمن تركت حطام هذه النظرة
أقول هو ليل
من يستطع أن يرد
العتمة
التي توقظ صوت الشجر؟
في تلك الظلال
كنت تحصي خراب الحلم
رعب الصرخة
التي
خرجت من صدر
السومرية
لمن تركت هذا الليل؟
لا شيء هنا
سوى عتمة
تعيد ذكرى
هذا الليل.
(29)
كمثل حجر
كمثل هذا النسيان
الذي لا يلم
ما بقي من براكين
قل
أهو الصوت الذي حلم
بالظلال؟
أم هو الموج
الذي عاند النهر
أنا أيضا
تعبت.
فهذا النشيد
الذي أسمعتني إياه
منذ أن غادرت السومرية
لم يعد
سوى حريق رسائل
سوى ظل لحلم
يهرب
ما إن تغلق يديك.
(30)
أرى تفاحا وليلا
أرى ملاكا.
من صفصاف النهر
أسترد موتا
يمحوك.
أسأل
أحقا تستعير نوم الغيم؟
كيف إذا
ستلملم شقوق الأيام
ونثار الصوت؟
أرى تفاحا وليلا
أرى ملاكا.
لكن،هناك
إن تأخر الوقت
سترفع جبالا
سترفع صفصاف النهر
كي تسترد موتا.
(31)
أقول
هو الليل الذي
لا نستطيع شيئا
حياله.
هو الليل الذي
ما إن تنام
يلمع على عتبة الماء
هو الماء
الذي - كمدينة -
يبدو كالغريب
الغريب الذي يمحو نجومه.
أقول هو الليل.
لكن
أعدك
إن أنت أتممت جسدي
سأعود إلى نسيان قديم
كهذه الظلال
كهذا الشجر
الذي ينسى أطرافه
على صدى النسيان.
(32)
أكان عليك
أن ترسم الفصول
ثم تمضي كالليل
أكان عليك
وأنت الغريب عن هاتين اليدين
أن تكتب؟
صدر عن : "دار الانتشار العربي" في بيروت العام 2003