تطلع الشمس من نخاع الشرق وتتقطع معها نياط قلبي لقد أمضى ليلته انتظارا عاضّا على نواجذ نبضه راكضا في كل احتمالات المجيء واللامجيء وها هو يستلم بريده الشمسي أخيرا قبل اندلاع الجنون بدمعتين جارفتين وشهقة عاصفة!!
حملت الشمس إلي البريد رغم عيون خفر الحدود والسواحل والسماوات رغم الحروب والخصومات والجهل رغم التعفن والاضمحلال والتآكل ورغم أنف آلهة الذباب والقمل والخنازير!!
يفضّ قلبي بريده الملغّم بتمر البصرة وبرتقال ديالى ونرجس المواصل بكباب كويسنجق ومواويل الناصرية واتركني مخطوبة بيوجد لدينا لبن أربيل وقلب الحب وبحة داخل حسن بدخيل سبع الدجيل ومرينه بيكم حمد واحنه بقطار الليل...
فيندلع العراق في أعماقي بركانا من الحكايات التي تصهل تصهل تصهل غير عابئة بصياح أي ديك!!!
أيتها الشمس, يا ابنة الأعالي أريد لابني أن يشرب من ماء الفرات فهو النهر الوحيد الذي ينبع من الجنة وأريد له أن يلمس بيديه وروحه شجرة آدم فهي الشاهدة الوحيدة على أننا من نسل ذلك السيد النبيل أيضا!
أيتها الشمس, يا ابنة الأعالي قولي لأشجارنا الحبيبة إننا ننحني بإجلال لوقوفها الفذّ ولعلي بن أبي طالب أن يمسك الأرض من سرتها جيدا كي لا تميد ولدجلة والفرات إلا يتخاصما أبدا كي لا تفنى الخليقة!!
أيتها الشمس, يا ابنة الأعالي
قولي لذلك الطيار الأمريكي
الذي قطع البحار والمحيطات والقارات
ليدافع عن نفسه في سماء العراق
أن يترك لنا شجرة آدم, شجرة آدم لا أكثر
لنستدل بها على فواجعنا
حين نعود من التيه الأكبر
بين سندان المنفى
ومطرقة الحنين!!!!
وتلك لنا آية في انك تنتالوس احناتيوس ولو لم نعط تلك الآية لقلنا لك كن بأمر مشيئتنا التي لا نملك من أمرها شيئا ولو كان أبوك كعب إبريق لقال قائلنا انه الصاعد كالوادي ولو كنت دبر لقن لقال قائلنا انك الهابط كالجبل!
***
سنقول فيك الكثير أيها السيد
فلا تنشغل بأمر الزينة,
شعراؤنا سيهتمّون بتزيينك
لست بحاجة لتنميق خطبك,
جهابذة الفكر سيفلسفونها
لست بحاجة لتدوين سيرتك,
سنعيد كتابة التاريخ كله
من أجل رموش عينيك!
***
إننا نغريك ونستدرجك
نعرض عليك مفاتننا ولمعاننا
مفاتننا التي في الماضي
ولمعاننا الذي في التراب
وما بسنهما إلية الكبش
ممتدة من محيط الرثاثة
إلى خليج الغياب
إننا نغريك ونستدرجك
علّك أن تنزلق إلينا
من صعود الوادي
إلى هبوط الجبل!
***
فلتقدم إلينا أيها المبجل,
أقدم إلينا كثيرا كثيرا بالهرج والسوط والقرود بالطبل والزعيق والرنّة بالوهم والمناديل الملونة نريد أن نرقص أيها السيد ونغني ونهز أوساطنا هزّا عنيفا لا ينقطع أبدا ونريد أن نتشقلب على الجنبين والقفا نريد أن نقفز في الهواء ثلاثة أرباع البرلمان
وستة أعشار الكرامة
ونريد قرودك أن تلعق أحزاننا
التي تندلق كألسنة مفرطة بالفصاحة
ونريدك أن تضربنا بسوطك المقدس
حين تأخذنا رعدة البكاء والعويل
لا نريد أن نبكي ونعول إلى الأبد
لا نريد أن نظلّ قصّرا فطّرا
نريد أن نعلن فطامنا الأخضر
نريد أن نسيل في الشوارع كالفضّة
ونبرق فرط السعادة كالذهب!
***
باغتنا إن شئت مع فزّة الطير,
وقت الهاجرة, أو عند سدول الظلام كلّ الأوقات سواء لدينا وما الوقت عندنا إلا سدى يعبث به سفهاؤنا,
يعفرونه بالفراغ, يقذفونه بالمرارة,
ثم يربطونه إلى جذع خرافة باسقة!
***
نحن قبائل العرب الكذا وعشرين
ضعنا في صحراء الزمان ورماله
صرنا منبتّين يقتلنا يأسنا وأسانا
وصارت تتربص بنا وحوش الفيافي
ونحن لا نستطيع هشّ ذبابة أو نشّ نملة
فيا لقلة ناصرنا
ويا لجور الذباب والنمل
ويا لضعفنا
وكل ذبابة تعدل فيلا
وكل نملة تكبر جبلا
ونحن شاحبون وبلا معنى
ولا نقدر حتى أن نعطس
خشية أن نسئل
لماذا تسبون الخندريس!
***
أغراب نحن وصابرون لا نفعل شيئا في يومنا وليلنا سوى أن نرعى قطعان ضجرنا الضجر هو ماشيتنا الوحيدة نحلبه ونأكل لحمه نرتدي جلده ونلتحف به ونركبه لقضاء حاجات ديننا ودنيانا!
***
إننا نغوص في الرمال فلتأت!
بأرواحنا الحزينة سنفديك وبقلوبنا المتعبة سنحبك وبحناجرنا الصدئة سنهتف لك وبأيدينا المرتجفة سنعقد لك إكليل الغار وسنتوجك رجلا لنا مدى الحياة تعال أيها المخلص!
تعال, خلّصنا!
***
لست بحاجة إلى العدة والعدد يكفي أن ترسل أحد طهاتك لا تهتم بأمر الطبول يكفي أن تضغط على منبه سيارة لا تفكر بالطائرات خارقة الحواس يكفي أن ترسل عنزة لا تنزعج بأخذ احتياطات الدفاع انك لن تحتاج إلى الهجوم حتى!
***
ما الذي يوقفك حائرا هكذا!
تقدم أيها السيد تقدم
دس على فتنتنا ولمعاننا
فو الله ما تقلدهما
من هو أعظم منك شأنا
منذ أزمنة بعيدة!
عد يا ايليان!
فالشمس بعدك كاسفة
والقمر متورم العينين
والبحر هائج...
توقفت الأشجار عن إنتاج الثمر الرياح لا هم لها العويل الطيور كفت عن السقسقة والنجوم شديدة الحزن!
عد يا ايليان!
منذ غبت
غابت عنا المسرة
لم تعد الحياة حلوة كالدرّاق
لم يعد الغناء يسيل في الشوارع
لم يعد الغناء يهطل كالمطر
لم تعد الوجوه يانعة كالمانغو
لم تعد المهرجانات مسلية
لم يعد للسيجار نفس المذاق
شيئ ضخم ينقص حياتنا
انه أنت يا ايليان!
عد يا ايليان!
فمن مثلك يمنح الوجود معناه الكبير من مثلك يملك سر
أن يجعلنا سعداء
انظر إلى الصيادين:
شباكهم فارغة من أي صيد!
انظر إلى المزارعين:
حقولهم كالحة الغلال
أنظر إلى النساء:
لم تعد لهن رغبة في الحبل
أنظر إلى الرجال:
لم يعودوا رجالا كما ينبغي!
عد يا ايليان!
حتى تكمل الأرض دورتها
ويجري كل نهر إلى مصبه
عد يا ايليان عد
عد إلينا
لأننا, وحدنا,
من يحبك
فوق مستوى
الشبهات!!
* طفل كوبي, كان الناجي الوحيد بعد غرق سفينة مهاجرين غير شرعيين
إلى الولايات المتحدة. وبعد إنقاذه إلى الشواطئ الأمريكية, ثار جدل سياسي بين كوبا والولايات المتحدة حول أحقية عائدية الطفل!
كعنقاء..
انبثق من رماد
لأفنى في حريق..
وكوعل بريّ..
أقفز من قارة ساخنة
إلى أخرى مشتعلة..
وكأرنب مذعور..
أهرب بأحلامي وحريتي
من منخفض إلى رابية
ومن رابية إلى جبل
ومن جبل إلى سديم!!
لم أتريث كما ينبغي
في رحاب أبويّ
خافضا لهما جناح الذل من الرحمة
لم أتريث كما ينبغي
في بساتين أخوتي
كي أستزيد من فاكهة محبتهم..
لم أتريث كما ينبغي
في حضور الأصدقاء
كي أمنحهم فرصة أن يفتقدوني...
لم أكن صبورا بما يكفي لكي:
أقشر جسد الريح وأقرأ مذكرات المطر
أغني لنجوم الظهر وفقراء الأرض
والممنوعين من الفرح..
أصغي لأنين الموتى الأحياء
والأحياء الموتى..
لذلك فآتني أن أسأل الموجة لماذا تعول
والغيمة عن جهتها القادمة
والنيزك عن عنوانه الدائم
والعاصفة متى تثور
والغضب متى ينفجر
والحب متى يسود!
كانت تحلق معي أشيائي كلها
ومن خلفي يعلو الهتاف
لشوارع وفنادق ومحطات ومطارات
كنت آخيتها
مدن أشبعتها حبا وأخرى أوسعتني مرارة
رجال أساءوا فهمي ونساء آذينني بالحب
كان الهتاف يتصاعد حد التخوم
لينعقد غيوما تمطر تمطر حتى الذهول!
كنت أجري كالريح
كي أفلت من قبضة الاعتياد
لم أرد للحب أن يجيء بي حدّ الذوبان
لم أرد للغضب أن يذهب بي حدّ الاشتعال
لم أرد لأي شيء أن يكون كل شيء
كنت حين أنعس
أنام بإحدى عينيّ
وحين أتناول طعامي
لا أسهب في فلسفة الرز
وحين أسافر أستعجل الوصول
وحين أصل أستعجل السفر
وحين ألتقي بنفسي أهرب منها سريعا
وحين لا أجدها أجهد في البحث عنها
لقد كنت أجري بلا حدود
وأتطلع من شرفات الدنيا كلها
ساعيا في كل ذلك كي أكون هناك
هناك حيث سيحدث
الذي يجب أن يحدث!!!
في الطريق إلى السماء
كانت الطائرة تغصّ بركاب صامتين
الطريق تغري بأكثر من رحلة
والشاعر يتحفّز كنسر!
كان عقله مستغرقا بفكرة شاسعة
قلبه يمهد لنمو جناح أبيض
وعيناه مثبتتين بمايكرفون مشاكس!
تنضج الفكرة
يكتمل الجناح
يزداد الصمت كثافة!
يتنحنح الشاعر,
يغادر مقعده بهدوء
يتوجه نحو قمرة الطائرة
يستولي على المايكرفون بطرفة عين!
أرجو الانتباه!
على الجميع التزام الصمت
وعدم مغادرة المقاعد
لا داع للبكاء سيدتي..
وأنت أيها السيد الزم مكانك..
واصل طريقك بسلام أيها الكابتن..
ليس هناك ما يدعو إلى الخوف..
أعدكم بشرفي, سينتهي كل شيء بعد دقائق..
أعد بشرفي, أيتها السيدات, أيها السادة!
كانت العيون زائغة..
الآذان مرهفة..
والقلوب شديدة الخفقان...
دسّ الشاعر يده في جيبه..
أصوات همهمة واستغاثات..
لا تزال يد الشاعر في جيبه..
نجنا يا ربّ..
وحين تتسع حدقتا الشاعر..
يكتم المسافرون أنفاسهم..
تخرج يد الشاعر من جيبه..
العيون تتبعها..
في اليد ورقة..
العيون تتبعها..
يفرد الشاعر الورقة..
العيون تتبعها..
يبدأ الشاعر الترنم بقصيدته الجديدة
التي كتبها قبل أن ينام!
يزداد اللغط من حوله..
صوت أصوات.. صوت رصاص.. صوت كلمات..صوت لكمات..
صوت شرطة.. صوت نحيب.. صوت صمت.. صوت محققين..
صوت دفن.. صوت أموات.. صوت ملائكة..
صوت مضيفة.. صوت قبطان.. صوت طائرة..
صوت سماء.. صوت حلم.. صوت قصيدة!!!
أهكذا يا مانديلا..
تفعل الفضيحة تلو الأخرى
جهارا نهارا
وكأنك مصرّ
على خدش حياء العالم!
ما الذي كنت تفكر فيه
لحظة أن خطوت تلك العتبة
عتبة الزنزانة الانفرادية..
أية أفكار حمراء أو صفراء
كانت تتقافز بصخب
داخل ذلك القحف العتيد
وهو يرتمي في فضاء الحرية!
كان العالم يترقبك من بعيد
صار العالم يرقبك عن كثب..
هل ستبطش بالخصوم
تصفي رفاق النضال
تملأ السجون بالآراء الأخرى..
فما الذي فعلته
وأنت تتخايل مزهوا
بقميصك المزركش
ساخرا من لوائح البروتوكولات!
دون أدنى حياء
حررت شعبك من نير الاستعمار الأبيض
وأطلقت الحمام الملوّن
في سماء جنوب أفريقيا!
أهذا ما يفعله المناضلون يا مانديلا!
لم تنتف ريش الشعب
لم تنتهك أعراض قومك
لم تلق بهم إلى المهانة والذل
ليدفعوا ضريبة نضالك الأسود
تاركا سجون بلادك تشكو
من الإهمال والفراغ والبطالة!
وماذا أيضا يا مانديلا!
على مرأى ومسمع من الجميع
وقفت على رابية عالية
وهتفت بالناس أن استمعوا
فلما أصاخوا السمع
قلت لهم أريد أن أتقاعد!
هكذا وبهذه البساطة
أيها الطاغية المتسلط
لم تنتظر حتى تتحول إلى جيفة عفنة
لم تمنح شعبك شرف اغتيالك
أو الإطاحة بك أو كرهك!
أردت أن تتقاعد هكذا من الألوهية
وكنت تغني جذلا
وأنت تسلم خليفتك
مفاتيح جنوب أفريقيا!
لقد كنت قزما بحجم التاريخ
وأنت تنزل من كرسي العرش
صاعدا باتجاه الشعب..
فما الذي كنت تفكر فيه
لحظة أن خطوت تلك العتبة
عتبة قصر الرئاسة...
هل كان أكثر من
قميص مزركش جديد
وثرثرة مع أصدقاء العمر
على ناصية مقهى ما!!
إنهم يتهامسون ويتلامزون
يجهرون يبطنون يظهرون
جلسة سرية هنا
واجتماع علني هناك
جلبة قدور ودويّ أقدار
التقى عمرو زيدا بالمصادفة
وقال زيد أن مادلين لم تضربه
أزعج كلب الجيران حمارنا
وبال الديك على تمثال الوالي
ومليون طفل يموتون بسبب الحصار
و..احنه الصف الأول
أحسن الصفوف!
عيونهم تلمع وشهواتهم تصيح
لعابهم يسيل وأنيابهم ثائرة
مخالبهم حديد وقلوبهم حجر
ونحن وحيدون وأرانب
وأنت غائب عنا وبعيد!
يعلو الضحك والعفاط والغبار
يعلو الكذب والأست والغائط
يعلو الدولار والبتاع والذل
يعلو التبن والتفسخ والعفونة
تعلو القمامة والنفط والكروش
وينخفض الرأس والدينار والجمال!
إنهم سعداء لطفاء مرحون طيبون
في سيمائهم العلية رقة نمر
وطيبة ظبع وحياء خرتيت
سادة هم ونبلاء جدا
حين كانوا يحثون الخطى
إلى هناك حيث تتوقد نار المحرقة الكبرى
وحيث تقام وليمة الشواء العظيم!
فما الذي يتقاسمه القوم؟
انه ليس ثورا مسمنا
وليس خنزيرا مرققا
وليس ضبا محمصا
بل هو جمل كثرت سكاكينه!
بل هو العراق الضخم
عالق بأحبولة الرثاثة
بل هو التاريخ
متعثر
بهوامشه!!
اكبر يا بنيّ, اكبر..
انزلق من حاضنتك وأحضان أبويك
واسع زاحفا في أنحاء البيت
مصطحبا عصافيرك وغزلانك وملائكتك
مطلقا هديلك السماوي في الزوايا والمنعطفات
متأملا اللعب الملونة والأغاني والوجوه
تلك التي سوف ترافقك إلى الأبد!
اكبر يا بني, اكبر..
تخلّ عن الزحف على ركبتيك كسحلية
وثب واقفا على قدميك كفارس
فهناك الكثير من الرفوف العالية
التي يتوجب عليك اكتشافها!
اكبر يا بني, اكبر..
لماذا هذا البكاء المتواصل؟
استرخ, يا بنيّ, واخلد إلى الراحة
املأ عينيك بالنوم العميق
واحلم! احلم! احلم!
بكل ما لخيالك الطفولي
من أجنحة!
اكبر يا بني, اكبر..
لا يكفي أن تقف على قدميك الطريتين
لكي تقول انك بطل!
بل عليك أن تنقل خطواتك برشاقة
في فناء البيت والحديقة
فهناك الكثير من الفراشات والنجوم وأقواس قزح
التي تريد أن تراشقك بالحب والأغاني!
اكبر يا بني, اكبر..
ما هذه مشية السلحفاة!
عليك أن تجري في المروج
مسابقا الرياح والغزلان والطيور
فهناك الكثير من الأزهار
التي عليك مراقصتها!
اكبر يا بني, اكبر..
ما هذا الحزن الذي يخيم على محياك!
الق بهمومك جانبا
وافرح كما لو لم يفرح أحد من قبلك
إن في هذه الحياة
ما يستحق أن تعيش من أجله!
اكبر يا بني, اكبر..
ما هذه الخفة التي تعبث بك!
تخلّ عما يشينك يا بنيّ
واعقل فان العقل أمان
واعلم أن الخفة تورث الاستخفاف
ولا أشد من أن تنام مستخفا بك!
اكبر يا بنيّ, اكبر..
أعرف مصدر هذه الدموع الساخنة!
لا ينبغي للرجل أن يعلن بكاءه
فان كان لا بدّ منه
فليكن غناء يغسل القلب
غنّ يا بنيّ, عنّ
حتى يشفّ جسدك فرط الغناء!
اكبر يا بني, اكبر..
عليك أن تزرع رجالا كثيرين
ونساء كثيرات
وحين ينضجون في حقول الجمال
عليهم أن يطلقوا نشيدهم العظيم
لإطفاء الحروب التي يشعلها السيئون
على صدر أمنا الأرض!
اكبر يا بني, اكبر..
هناك بلدان جميلة لتحبّ
وصداقات كبيرة لتقدر
وحب عظيم لتعيش
وآلام مبرحة لتعاني
وخيبات مريرة لتتجرع
وأصدقاء عابرون لتنسى
وذكريات رائعة لتتذكر
وأن تتوقع الكثير مما لا تتوقع
وإذا أردت أن تزاحم الأفق بمنكبيك
فاحرص أن تكون قدماك ثابتتين في الأرض
ولا تنس أبدا أن تقايس نفسك بارتفاع الأشجار
لا بطول الزواحف!!
2-11-89
هلمّوا
هلمّوا
هلمّوا
إلى المزاد الأعظم
إلى مزاد المزادات
المزاد الذي لم ير من قبل ما هو أفخم منه
المزاد الذي سيجعلكم تكتمون أنفاسكم دهشة!
هلموا
هلموا
سيداتي، سادتي الأعزاء
هلمّوا إلى مزاد القرن
حيث بانتظاركم أعجوبة الدنيا
ومهد الحضارة:
ميسوبوتيميا
سوميرينز، بابلونينز، أسيرينز
هلموا إلى حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت!
انه المعجز الفريد
انه الأزل متجلّيا بأبهى صوره
انه الأسطورة نابضة بالحياة
انه تاج العراق العظيم
أعني:
أول تاج وضع على رأس العالم!
بلا، سيدتي
انه فعلا تاج العراق
أمر واضح أيها الحضور:
حين نقول العراق إنما نعني العالم
اتفق معكم في هذا
إننا نتحدث عن تاج التاريخ دونما شك!
يعجبني تعليقك، أيها السيد،
بخصوص الخمرة المعتقة
بامكانك تسميته التاج المعتق
ألم تصغه كف الزمن منذ آلاف السنين؟
ألم يتفنن العباقرة والمبدعون في تأصيل معدنه
انه تاج العراق المعتق، سيداتي سادتي!
لا..لا..أبدا!
انه مزاد مفتوح للجميع
ادفع أكثر تفز
ليست لدينا مشكلة حول من يشتريه
شرقي غربي شمالي جنوبي
أسود أبيض أشقر أحمر أصفر
دجال سمسار غجري خائن
عتلة جنرال لص مرتزق
وما دام الجميع يستوون في ميزان الوكالة العامة
لذلك فالجميع مرشحون للفوز
إدفع أكثر تفز
هذا هو المبدأ، أيها الأعزاء!
هل أنتم جاهزون سيداتي، سادتي؟
نفتتح المزاد إذن..
ميسوبوتيميا...
سوميرينز...
بابلونينز...
أسيرينز...
....
...
العاصفة التي ضربتني ليست طويلة القامة ليست جميلة ولا من ذوات الحسب ضربتني باهظا وكنت ماشيا في الحلم لا بل كنت متزرا غيمة بل ممتطيا قبقابا أعني كنت أعور عميقا جدا بحيث بهت لشدة سقوط السماء على جمجمتي ولم أقو على التساؤل حينها ما إذا كانت السماء أما أم وطنا أم مجرد ديك يصيح عند تقاطع قطارين هائمين ولماذا تضربني العاصفة على جبهة روحي وكانت تتهيأ للنوم وأحسب أنك لا تشاطرني وجعي أيها المبرقش يا قمر الليالي وما جدوى أن أتملقك وأرتجيك أيها القمر الذي هو ليس قمرا كما ينبغي لقمر بل انك مجرد كتلة حقيقة عاطلة لا مجد لها سوى الضوء الذي هو مجرد ضوء وأريد أن أتنحنح الآن لأن حنجرتي بدأت بالتثاؤب المر وقد لا أستطيع سماعك فهل كنت تقول لي شيئا أيها الممثل في أعلى شجرة الدخان الملفوف بالزكام لا أبدا انه مجرد وهم تلبسني وأنا في الطريق إلى الجماهير المحتشدة على شرفي كنت أقول لحاشيتي العظيمة من الأرانب ماذا لو كانت هذه الجماهير جماهير حقا ماذا لو عرفوا الحقيقة كاملة وأمطروني بحجارة الشك وألقوني في السماء إنني أخاف السماء أخافها جدا أخافها وأقشعر كلما لامسني جلدها الزئبقي وكم كنت أظن أن السماء ربما تكون بركة عطر أو طفلة بجدائل من سماء حتى جاء اليوم الذي باغتتي السماء بعاصفتها أعني صواريخها التي شقت حلمي أيعقل أن سماء ولدتها السماوات يمكن أن تباغت الحالمين بالمسامير والقنابل لتكتم لثغة الطفل وقبلة العاشق ودعاء الأم وصلاة القديس وجمال الوردة أية سماء سليلة سماوات يمكن أن تجرؤ على تهشيم مكامن الروح والسقسقة قلت انه وهم أهوج وقد ضحكت الحاشية كثيرا لمرآي عابسا في المرآة ومكفهرا وكنت على وشك الهطول غزيرا حين باغتتني العاصفة لتدقني مسمارا في أفقها أعطوني سيجارة عاشرة وقلما باسلا أشدّ صراخا من هذا الذي في حنجرتي أريد أن أكتبني كما أتقلى وأسمعني كما أجن وأنطقني كما أتعذب أعطوني وطني ابعدوا عني بعيدا هذا الوطن النباح وأعطوني وطنا نخلة بارتفاع هيجان دميةإنني أتمرغ الآن محموما صدئا محاصرا بالحواس المهذبة ونشيد الهواء المرة الهواء الذي لا أقوى على استنشاقه خوف أن يفاجئني بقذيفة أو كذبة مدوية كم عمري أيتها الأرض وكم عمر أحزاني وكم قيامة أقمت لتشتيتي أيها الوطن الوطن الوطن الوطن أعني وطني الذي ضربته العاصفة على رأسي فانشق عميقا وطني و تناهبتني بعدك دروب الغربة يا وطني فكيف أستعيدك منهم الذين ضربوني على رأسك يا وطني بعاصفة وأربعة جهات كلها زور وأكاذيب وقمصانا عوراء فلا القمر قمرا ولا السماء سماء وما كان في الجبة غير الدرويش الذي عرفته جيدا يا وطني الذي ينام الآن على حصيرة مهترئة لشدة حوافر الصواريخ وصليل القنابل بودي لو أستبدل حصيرتك البالية بروحي أيها الشيخ الطاعن في الألم والتاريخ ولماذا تضربنا العاصفة على رأسها لتكسر قرن الجمال الذي كان نائما دون حدود مدد مدد مدد وسأحكي لكم حكاية الرجل والمرأة والولد والبنت وعمتهما العانس فهلموا أيها الغرباء هلموا اليّ أنا المتطفل الذي لا يعرف من الحكاية سوى ذيلها فما رأيت رؤيا ولا جاءني نبأ من السماء ولم أكن سوى في الطريق إلى شرم الشيخ لألتقي بأست الخردل وفرج القنبلة النووية قلت لكم لا أعرف أية حكاية صدقوني ولماذا تهتفون بحياتي ولماذا تصفقون لي على امتداد كذبتي الكبيرة وبنطالي المبتل بالبول وأشياء إن رأيتموها فلن تفقهوا منها شيئا ذلك إنني حوذي الآلهة المبجلين
فهل تجرؤون على تفتيش أحشائي التي تعج فيها الحيتان والتماسيح وبنات آوى وكثير من السباع فلنعد إلى أصل الحكاية حين فتح فرج القنبلة النووية فاه ليتكلم ففاض الطوفان وأختلط بحر الفرنجة ببحر العرب الذين كانوا يحتفلون عن بكرة أبيهم لميلاد عنزة ولي العهد وكانت عنزة ولا أجمل أقسم لكم برب العزة إنها أجمل من أفلاطون وماركس مجتمعين لأنها عنزة ولي العهد الذي كان يقهقه كالقرد طربا وزهوا لميلاد عنزته التي هي أجمل هل قلت لكم من المتنبي وشكسبير وصقور البيت الأبيض وباستثناء مادونا طبعا وتوم فرانكس فان ما بقي لا يعدو كونه عطسة عنزة ولا أعني عنزة ولي العهد التي هي الآن في ميعة الشباب ومن حولها تتخايل الكثير من التيوس ولست أحمل أية ضغينة للسيد توم فرانكس فأنا مجرد بدوي في شملّة ولا رأي لي إطلاقا ولا أعرف لماذا يلقبني قومي بالحاكم بأمر الآخرين وقد رآه الدرويش ممتطيا بغلته الشقراء ثم يتخذ طريقه إلى شرم الشيخ ليعقد ذلك الاجتماع المسلول مع الإست والفرج الذين كانا في غاية الدوخان والعصبية لميلاد تلك العنزة البهية التي سيكون لها شأن عظيم لا ريب فماذا لو وكيت وكيت وهلم جرا لذلك أسدل الدرويش نافذة رؤياه وأطبق جفنيه للنوم قليلا قبل أن يزوغ إلى العاصفة ليسألها لماذا ضربت حين ضربت ومن ضربها شديدا برأس من وأسئلة أخرى عما يدور في شرم الشيخ وخيمة ولي العهد التي زفت منها للتو عنزته البهية إلى عريسها صاحب السمو التيس المفدى حفظه الله وماذا بوسع الدرويش الطيب أن يفعل ليوقف زحف هذه العاصفة المدوية بالفضائح والأقذار والأكاذيب والروائح الكريهة والسلاحةوقد أوغلت في شبوبها حتى أصبحت على مرمى قطر وقد أصبحت العنزة حاملا بسبعين تيسا يا وطني الذي قتلوه غيلة ومشوا في جنازته يترحمون على روح الميت الذي لم يمت حقا إنما هو جدل يتراوح بين ذلك النباح البغيض وتلك النخلة السامقة حتى تخوم االسماء والألم واليوم كما كل يوم أخذوا طبعة أصابعي ووجهي وقد تحايلت لأترك على وجهي ابتسامة ماكرة فما الذي يحدث لوجهي الآن أية مكائن تلوكه وأية أحماض تذيب قسماتي وما الذي سيفعلونه بتلك الابتسامة أي الندبة الكبيرة التي تبدو كقمر حزين أضاع صنارته التي يصطاد بها الضوء الابتسامة التي غطيت بها وجهي على الضد من رغبة المحققة التي كانت تستجوبني طويلا وتستحلفني أن أقول الحق ولا شيء غير الحق فأفعل كي تنعم العنزة بالرفاه والبنين يا وطني فهل تعود من الغثيان وهل نعود من الهواء المر وهل تعود إلينا أمنا السماء
..............
...............................
..........................
....................................
أيتها الناضجة كالحلم
والمشتهاة كقطوف التين
إني لأمدّ أشجاني
لأهصر خصر فضائك الفسيح
فتزلّ بي النجوم
ويهوي بي المدى!
انه الدوران في فلك المحنة
أيتها الغافية على سطوح الرنين
أيتها الرخية كالينابيع!
منذ متى وأنت تحترفين السماء
منذ متى وأنت مغرمة بالزرقة
منذ متى وأنت ضجة سيسبان
منذ متى وأنت قوافل زنبق
منذ متى وأنت شديدة السطوع
منذ متى وأنت باسقة!
حدّقي فيّ مليا
فسحة من نهار
أو جلبة من ليل
في أغواري السحيقة
ورموشي المدلاة على شفير البوح
في العواصف التي تهب بلا هوادة
من شقوق ذاكرتي ونسياني!
ولا أغنيك!
بل أنسجك دالية
تلتف على أكتاف مياهي
بل أتجرد ساهرا
لأفسر معنى عذوبتك
معنى أنك جلّنارة
ومعنى أنك قريبة كالريق
أنت أيتها الممشوقة
أيتها الناضجة كالحلم
والمشتهاة
كقطوف
التين!!!
حين هبت عواصف الطوفان
قلت: احملوا في السفينة
من كل زوجين أثنين،
وأبحروا إلى مشارق الأرض ومغاربها.
حملنا في السفينة نهرين ونخلتين
جبلين وهورين
برجين وقبتين.
امتطينا ظهر المجهول،
قاطعين صحارى التيه والمسكنة،
مررنا بقوم أقزام في الروح،
استضافنا كرماء حد البهاء،
شتمنا أخوة لنا من نسل آدم،
وسامونا سوء العذاب،
وقعنا في حب الغيوم والسجائر والمدن الفاضلة،
رأينا من الغرائب ما يشيب الحواس،
وبكينا كثيرا كثيرا في مفترقات الطرق!
كنا نصيخ السمع لصوتك الواهي،
يأتينا عبر المسافات القاحلة وشقوق الأثير
نتلمس تهدج الصوت
وزفرات الألم
كانت مخالب الطوفان تمزق شغاف قلبك!
تعصرك خلية خلية،
نفسا نفسا
وكنت تعلو على فحيح العاصفة
ودوي الأعاصير
كنت تعلم أن مخالب الطوفان
سترتخي يوما ما
وتندحر العاصفة
وان فجرا أشما سيغسل جبينك المتغضن
وكنت تدري أن سفينتنا الحيرى
لا بد أن تعود إلى مرفئها الآمن!
أوصيتنا أن نبتعد كثيرا
عن مرمى الطوفان
أن ننسى كثيرا من الأغاني
نحذف الكثير من الأشجار
نغض الطرف عن عتب الأمهات
ولا نذكر اسمك إلا في جوازات السفر
وبطاقات الإقامة،
خشية أن يرتاب بكم الغرباء
انه الطوفان يا أولادي
فاجتنبوا مخالبه الدامية.
قلت لنا الكثير الكثير، أبتاه!
لكننا لم نقو على تنفيذ مشيئتك،
غفرانك أبتاه، غفرانك!
كنا كلما نظرنا حولنا، أبتاه؛
لاحت لنا أبراج بابل!
إنها تحدق بنا من كل الجهات
وكنا كلما ابتعدنا قليلا،
ازدادت تلك الأبراج سطوعا!
كانت تعلو......
تعلو.......
تعلو......
وتتجسد أمامنا
في قمم الأمواج وأجنحة الطيور
قامات الأشجار وهياكل الجبال
امتداد الأرصفة وتقاطع الطرق
ظهور المباني وناطحات السحاب
كانت أبراج بابل تعلو،
أبتاه،
تعلو حتى تملأ الأفق بقاماتها
وتسد جميع المعابر
كنا نراها في أسواق البالة
وفنادق الدرجة الخمسين
ووجوه متسولينا في ساحات الغرباء
نراها في مكاتب اللجوء
ووجوه المخبرين السريين
وعيون المحسنين
نراها في النوم واليقظة
في الحلم والحقيقة
تعلو أبراج بابل، أبتاه!
لتجثم على صدور القارات
وتفسد علينا حتى متعة أن نذرف دموعنا
حين نصطدم بصفاقة وجه العالم!!
10/6/2002
كان مترددا وهو يحزم حقائبه
بدأ بحقيبة واحدة وانتهى بسبع
لم يبد له الأمر منطقيا
اختصر السبع إلى ثلاث
والثلاث إلى اثنتين
والاثنتين إلى واحدة
هكذا شعر بالرضا
وهو يعيد جرد أولوياته!
***
سأحمل العراق كله في هذه الحقيبة
لدي من الوثائق ما يثبت ملكيتي لهذا الوطن
سأستخرج له جواز سفر إن لزم الأمر
لا أعتقد أن موظفي الحدود سيعترضون
إنني لا أهرب من هذا الوطن ولا أهرّبه
إنني أحمله معي حيث رحلت
خوفا على أنهاره أن تجف
ونخيله أن يتهاوى
وكبريائه أن يذل!
***
ماذا لو ارتاب الناس في المطارات البعيدة؟
ماذا سيظنون حين يرون رجلا يحمل وطنا في حقيبة
كيف أقنعهم أنني لا اهرّب هذا الوطن إنما هو وطني
دعني أفكر في الأمر ثانية...
هكذا قرر المهاجر أن يحمل:
من الأنهار أعذبها
ومن النخيل أطوله
ومن الوجوه أكثرها ألفة
ومن الصداقات أعمقها
ومن الذكريات أجملها
ومن نفسه أشد ما فيها قوة!
***
حين انتهى من ترتيب أولوياته,
حمل المهاجر حقيبته وانطلق عابرا:
الوجوه والدموع والنشيج
الدعاء المر والصلاة الراجفة
العناق الذي لم يرد أن ينتهي
الشهقة التي كادت أن تدمر هيكل الحلم
الأمنيات التي سدت عليه الطريق
الحدود والشوارع والفنادق
الوحشة والضوضاء والخوف
الإقامة والرحيل والجوع
الاتجاهات المتقاطعة في يقينه
هذا مطار جميل
تلك طائرة فارهة
هذه سفينة جنة
هذا بحر ملائكي
يا الله إنني أكاد أصل!
***
قبل أن يضع قدمه في السفينة
اشترط عليه ربانها أن يتخلى عن حقيبته
لم تجد توسلاته وتوضيحاته نفعا
إنها مسألة أولويات بالنسبة للمهرّب
رمى المهاجر حقيبته في البحر
وصار عاريا إلا من ظله
لقد بكى بمرارة
وهو يرى البحر يلتهم أولوياته
الواحدة تلو الأخرى!
***
في الطرف الآخر من البحر
ظهرت قوارب ليست صديقة
فتل ربان السفينة المهرّب شاربيه
وهو يجرد أولوياته بعناية
وبلمح البصر ألقى في البحر
جميع ما تحمله سفينته من عوالق بشرية
وحين أحاطت به تلك القوارب غير الصديقة
كان كل شئ قد انتهى
وصار وجه البحر هادئا تماما
لا تنبئ قسماته عن أية أولوية!
***
منذ اثنتي عشرة سنة
والعراقيون يتقلبون كالسمك المسكوف
على نار الانتظار
في السنة الأولى للحصار
قالوا سيأتي العرب
سيأتون إلينا بالحَب والطحين وحقوق ذوي القربى
مرت السنة بفصولها الطويلة
لم يأت العرب
ولم يبعثوا برسالة عن أسباب التأخير
في السنة الثانية للحصار
قالوا سيأتي المسلمون
سيأتون إلينا بالرز والإحسان وما ترك السبع
مرت السنة بفصولها الطويلة
لم يأت المسلمون
ولم يبعثوا برسالة عن أسباب التأخير
في السنة الثالثة للحصار
قالوا سيأتي العالم
سيأتي إلينا بالمن والسلوى وحقوق الإنسان
مرت السنة بفصولها الطويلة
لم يأت العالم
ولم يبعث برسالة عن سبب التأخير
في السنة الرابعة للحصار
قالوا سيأتي الأمريكان
سيأتون إلينا بالأمل والسكر والمشاعر الطيبة
مرت السنة بفصولها الطويلة
لم يأت الأمريكان
ولم يبعثوا برسالة عن أسباب التأخير
في السنة الخامسة للحصار
قالوا سيأتي المعارضون
سيأتون إلينا بالبطولات والماء والهواء
مرت السنة بفصولها الطويلة
لم يأت المعارضون
ولم يبعثوا برسالة عن أسباب التأخير
في السنة السادسة للحصار
قالوا سنبيع ما زاد عن الحاجة
ونتقشف حتى يأتي الفرج
مرت السنة بفصولها الطويلة
باع العراقيون جميع ما زاد عن حاجتهم
لم يأت الفرج
ولم يبعث برسالة عن أسباب التأخير
في السنة السابعة للحصار
قالوا سنتخلى عن أنصاف الضروريات
نصبر حتى يأتينا المدد
مرت السنة بفصولها الطويلة
تخلى العراقيون عن الكثير من الضروريات
لم يأت المدد
ولم يبعث برسالة عن أسباب التأخير
في السنة الثامنة للحصار
قالوا سنبيع بعض أعضائنا
نتجلد حتى يأتي العدل
مرت السنة بفصولها الطويلة
باع العراقيون أغلب أعضائهم
لم يأت العدل
ولم يبعث برسالة عن أسباب التأخير
في السنة التاسعة للحصار
قالوا سنبيع بعض أولادنا
نحتسب حتى تسعنا الرحمة
مرت السنة بفصولها الطويلة
باع العراقيون فلذات أكبادهم
لم تسعهم الرحمة
ولم تبعث برسالة عن أسباب التأخير
في السنة العاشرة للحصار
قالوا سنهاجر إلى أرض الله الواسعة
نتمنى حتى يأتي أمر الآلهة
مرت السنة بفصولها الطويلة
تشرد العراقيون في مشارق الأرض ومغاربها
لم يأت أمر الآلهة
ولم يبعثوا برسالة عن أسباب التأخير
في السنة الحادية عشرة للحصار
قالوا خير لنا أن نموت
نثوي في قبورنا حتى تجئ القيامة
مرت السنة بفصولها الطويلة
أكل السرطان والسل واللوكيميا أجساد العراقيين
لم تجئ القيامة
ولم تبعث برسالة عن أسباب التأخير
في السنة الثانية عشرة للحصار
لم يجد العراقيون ما ينتظرونه
قالوا آن الأوان أن تنهشنا ديدان الأرض
علّها أن تخلصنا من هذا الجحيم
الذي نتقلب فيه كالسمك المسكوف!
سوفَ لن يسألَ قمرٌ قتيلٌ عن ظلّه ولا نخلةٌ عن صويحباتِها المتفحماتِ فالطريقُ بينَ ريقِ السماءِ وعطشِ الأرضِ مرصوفةٌ بالخرابِ فهل نقولُ جفَّ ضرعُ الندى فما عادَ يهمي رخيّا على فحيحِ أعماقنِا أم نقولُ شبنا كما شابَ غرابٌ ينعقُ محموما من شدةِ يأسهِ الكاسرِ ريحٌ تسفُّ على صحارى الروحِ وريحٌ أخرى تهبُّ محمومةً على صحارى الريحِ التي تهبُّ على هذياني الذي يندلقُ كلسانِ الأبلهِ في عرسِ بناتِ آوى ومهرجانِ الضباعِ فقد متُّ كثيرا ومتُّ كأشدّ ما يكونُ الموتُ لمرأى الموتِ وهو يميتُني من جميعِ خلاياي وينسكبُ إلى كرياتي السوداء لشدةِ خوفي من الموتِ وهو يتنكبُ ظهرَ دبابةٍ تتنكبُ ظهرَ صاروخٍ يتنكبُ ظهرَ قاذفةٍ عملاقةٍ تتنكبُ ظهرَ بارجةٍ بطوابقَ لا حصر لها تتنكبُ ظهرَ بحرٍ أجاجٍ مزدحمٍ بالأساطيلَ التي تتنكبُ ظهر كارثة يلهبُها بالسياطِ قدرٌ لشدَّ ما نعرفُ ملامحَهُ ودقائقَ صيرورتِه التي ستصيرُ كينونتَنا المحورةَ بفعلِ الموتِ الرهيبِ الذي يجري في عروقنِا لشدَةِ وقعِ الموتِ الذي يقطفُ الرؤوسَ التي أينعتْ والتي لم تينعْ ولكن تقررَ قطافهُا وهي في أحضانِ النومِ أو تلهو على درجاتِ حلمٍ لن يتحققَ أبداً فقد جُزّ
رأسُ الحلمِ وهو يحلمُ كم يلزمُنا أن نصحو وأن نصحو صحواً كأنَّهُ الصحوُ كلّه لكي نفقهَ ما يدونُه الآخرون فوقَ صفحاتِ تاريخنِا الذي نخرتْهُ أنيابُ القدمِ وكم يلزمُنا من التاريخِ كي نمحو سوادَا سطَّرَهُ الآخرون على جباهِنا التي تبتهلُ الآنَ مشدوهةً بالذلِّ والعزلةِ والانكسار الشاسع شسعَ المحيطاتِ كلَّها التي تصطفُّ الآنَ في خدمةِ الخرابِ الذي لا مفرَّ منه ولا هم ينصرون أيعقلُ أن تجيءَ المحيطاتُ البعيدةُ بكلِّ بربريتِها وما قبل تاريخيتِها
ولا تشكلها النهائي لكي تعلنَ شهواتِها الخبيئةَ لكلِّ ما يلمعُ منرنينِ الفتنةِ التي تتمددُ مزدهاةٍ بين نهرين عاريين عريَ حلمٍ خافقٍ بالمباهجِ الفوّاحةِ المتناثرةِ على مشارقِ الأرضِ ومغاربِها إنها فتنةُ المشتهى ذي الرنينِ العالي والتيهانِ وما تخبئُه الأرضُ
في جوفِها من أباريقِ الجنّةِ وأفوافَ الخلودِ أي جلجامش يا أبانا الذي ماتَ من شدّةِ خلودِهِ في سلالاتِ البرقِ أي جلجامش يا جلجامش كيف نناديك نحنُ أيتامُ التاريخِ وغجرُ المنافي فهل تسمعُنا ونحن نُجنُّ لشدةِ ما يعتصُرنا العصرُ تهدمتْ أوروكُ ثانيةً وسُرِقَ تاجُك وصولجانُك وهُشِّمَ إبريقُ زفافِك على ربّاتِ المجدِ ودخلَ على أمَّك في قيلولتِها أقوامٌ لا يشبهون الآدميين يا جلجامش وسرقوا من تحتِ وسادتِها وصاياك التي دونتَها على رُقُمِ طينٍ عجنتَه بيديك من ضفافِ الفراتِ وقلتَ لنا هذه وصاياي فإياكم والغفلة ساعةَ تُجَنُّ الوحوشُ وقلتَ احذروا كيدَ الثعالبِ وغدرَ الضباعِ ولا تأمنوا الحيَّةَ وخذوها عِبرةً من أبيكم جلجامش وعشبتِه لكنَّهم سرقوا وصاياك يا أبانا من تحتِ وسادةِ أمِّك وقتَ قيلولتِها
وها أن بنيك الآنَ في مَهَبِّ الأقدارِ يا أبانا ونكادُ أن نذوي فرطَ الخجلِ من أن تطلَّ علينا من عرشِ خلودِك لتسألَنا كيف أضعنا رُقُمَ الضوءِ وكيف أمِنّا الحيّةَ وكيفَ دخلَ الأغرابُ إلى مخدعِ أمِّك ولا نكذبُك القولَ يا أبانا فقد كانَ من شأنِنا أننا كنّا نَغَطُّ في السُباتِ
فانسَرَبَ الوطنُ من بينِ أهدابِ عيونِنا كما حُلُمٌ يهربُ من ذاكرةِ الحالمِ
...................
.............
........
فضل خلف جبر * من مواليد العراق- ذي قار 1960. - حاصل على شهادة البكالوريوس في الآداب/ الترجمة من الجامعة المستنصرية/ بغداد 1987. - بدأ كتابة الشعر مع بداية السبعينات، ونشر نتاجاته في الصحف والمجلات المحلية والإقليمية. - زاول العمل في الصحافة الأدبية محررا ومترجما حتى مغادرته الوطن عام 1992. - حائز على جائزة مجلة " الأقلام" في دورتها الأولى عام 1993. - أصدر ديوانه الأول " حالماً أعبر النشيد" في بيروت/ لبنان عام 1993. - أصدر ديوانه الثاني " آثاريون" في عمان/ الأردن عام 1997. - لديه العديد من المخطوطات في الشعر والترجمة والمسرح والدراسات بانتظار النشر. - يقيم حاليا في الولايات المتحدة. |