صنفت لجنة من أصدقاء الشاعر الراحل
في باريس (ربيع 1981)
قصائد هذه المجموعة واختارت عنوانها.
الصباح الميت
بيروت، 1965
على من يطل صباحي؟
على مقبرة.
على رجمة ميتة مقفرة
على كومة من جراحِ.
ليالي صمت وجدب ووحشة
وفجري وحل
وبيدر عمري غلال شقاء ومحل
وكلي، أنا ومصيري، سؤال جنين يحضر نعشه.
تعيش الأظافر في مقلتيا
وتلهو الأفاعي
فتزرع خطوي الضرير على كل ناب
وفي كل قاع.
لتوقظ في ضياعي
لترمي سموم الفراغ على وجه دربي و بين يديا.
أنا أي لحن كئيب.. و أية غصة؟
أنا أي كون غريب.. و أية قصة؟
أنا .. من أنا؟!
يا شفاه الزمان
أجيبي سؤالي
ويا قمة خلف حد المكان
بأي جواب سأسكت جوع الغناء
يضج خيالي
ويحمل فكري
إلى جنة، كنت فيها اله،
على باب قبري.
****
الذاكرة
تشرين أول، 1962
المجد لي؟
المجد للسجان، للحشرات تعبث بي
لشتائم تنهال كالسحب
المجد للجدران هازئة
مزروعة بالرعب والغضب
وعوالمي البيضاء غارقة
بالخيبة الرقطاء والعتب
وعوالمي تنهار بين يدي
تنهار مثل تساقط الشهب
وأدور.. أين أنا؟ و أين غد؟
عمرته بالماس و الذهب
يا طول ما مجدت ثورتهم
وحرقت في ظلمائهم غضبي
يا طول ما غنى دمي لهم
وتراكضت لعناقهم كتبي
.. يا رب لو تغتال ذاكرتي
كم كنت غرّا، جاهلا، و غبي.
****
الصخرة
للصخر فم ينمو حولي
يمضغني...
ثم يمل و ينهزم.
للصخر يد
تتربص في أحجار الدار
تسري في الليل وتنتقم
وحدي، وحدي
أترصدها، ليل نهار.
أعلم أني فيها أسكن، فيها أجري
لكن الصخرة لا تحترم
مجرى النهر
والصخرة لا تبتسم
إلا عن قبر.
****
صلاة
كان، الاثنين 3. 1965
الوجوه ارتعشت حول الخليج
الوجوه المظلمة
أبرقت وانطفأت عند الخليج
وتوارت
في قناع اللذة المنهزمة.
أيها الحزن الذي ينبت في
حين ترسو حول روحي
جثة الحب ونار ألكلمه
يتدلى من جفوني، من جروحي، كالنسيج،
أتخلى عن جفوني و يدي
وأصلي عبر أسرارك في
لمصابيح الخليج.
الرجل الوحيد
كان، 6. 6. 1965
- 1 -
الرجل الوحيد،
الرجل المليء بالأسرار
يقبل من بعيد
ينزف في شوارع المدينة
يرشح بالغيوم والغبار
الرجل المشوه الوحيد
تعشقه المدينة
نحبه وننحني لحزنه الوحشي
يمخر كالسفينة
حياتنا،
يشق في أرواحنا
مضيقه السري...
في الليل والنهار
تسألنا نساؤنا عنه
يسألنا أطفالنا عنه
وكل ما ظل لنا منه
هذا السكون الدائم الانتصار.
- 2 -
كان، 11. 6. 1965
الرجل الوحيد
يسكن في أحداقنا
يكمن في أعضائنا، يصطادنا،
يدخلنا كفاتح...
ملوحاً ندوبه الوحشية الأحزان
كراية القرصان.
- 3 -
كان، 15. 6. 1965
الرجل الوحيد يستطيل في أفواهنا
ينمو هنا، في داخل القلب
يملؤنا بالنار والدخان،
ونحن،في دوامة الرعب،
أشجاره المحنية الأغصان.
لكنه يخاف أن نراه
أن نفضح السر الذي أرساه
في أرضنا...
يدخل من بوابة المقهى
يختار من زاوية المقهى
مكانه القديم
يخرج من جيوبه السرية
آلامه الشرقية
ينشرها كامرأة تنشر في الصباح
ثيابها، و نحن كالرياح
نهب من فضولنا
نهب من مقاعد المقهى
نرمقه بأعين ولهى،
نود أن نثقب هذا العالم الصغير
من حوله، نود أن نراه
يسقط في شباكنا... مطوقاً، أسير.
****
أغنية
باريس، 17. 9. 1965
لست إلا شاعراً
يقطن سطح الكلمة
عابراً في مهرجان الشعراء
لغتي بضع حروف مظلمة
والشرايين اختفت منها الدماء!
****
غرور
باريس، 9. 12. 1965
أرميك من نافذة الغرور
لكي يكون لي
خضوع طفل طائش مقهور
لكي يكون لي
وجهي الذي أعشقه
وجهي الذي تعشقه الّنسور
ملطخاً بالذل... بالغرور.
****
دليل الفارس الصغير
باريس، 29. 7. 1966
"إلى طرفة بن العبد"
أصبعاً... أصبعاً
بعدد النهود
بعدد السيوف، و الكؤوس، و الأقلام!
كي تستطيع هذه اليد أن تعود
يدي،
و هذا الرأس أن ينام.
****
رحلة
تعبت حروف قصائدي
في لوعة الدرب الطويل
تعدو وراء أحبتي
ووراء حلمي المستحيل
عبر الصحارى الشاسعات و قيظها المر الثقيل
تعبت و أرخت للنعاس جفونها عند الأصيل،
فهرعت أوقظها بأغنية المراكب و الرحيل :
هيا. فرحلتنا الجديدة نزهة في فجر "ليل"
****
قعر المرآة
خرجت للدنيا بلا سيف و لا ثياب
قرعت أجراسي على كل باب،
حلمت في مرآة عريي أن أعانق البشر
أن أجد الحياة و السلام،
لكنني، و ألمي، رأيت كيف العالم انتحر
في قعر مرآة من الثياب و الكلام.
****
الصمت و الحصار
جنيف، 26. 3. 1969
-1-
كان لي الصمت سريراً و كتاب
خلف جدران الألم
وجراح الاغتراب
كان لي الصمت صديقاً، والقلم
جمرة تحرق أوراق الإياب
غير ان الصمت - هذا البلبل العاشق-أضحى
بومة تنعب في القلب المهاجر
وغراب
يحمل الأنباء من أرض الخراب
من بلاد أثمرت قتلى وجرحى
وحناجر
قطفت كالبرتقال
من بساتين السكوت.
كيف للشاعر بعد
ان يواري صوته أو قلمه
تحت أكوام الرمال
كيف لا يفجر في كل البيوت
والحروف الناعمة
ألف زلزال ورعد
-2-
يا أحبائي في عصر المطر
والزوايا المعتمة
وحكايات السمر
الأعاصير أحاطت بالمدينه
وجوازات السفر
بقيت، مع كتب التاريخ والشعر،
على ظهر السفينه
والسفينه
نكست كل البيارق
مزقت خارطة الدنيا و قانون الجهات
واستحالت، بين أحشاء الحرائق،
في زفاف الماء و النار، جنيناً للقدر
وصدى يصعد من قلب السكينه
صارخاً آية طارق
معلناً ان الخطر
وحده باب النجاة.
لم يعد، بعد لنا أي اختيار
لم يعد في وسعنا حتى الفرار،
خلفنا البحر، وحول السور أمواج التتار
خلفنا الماء، وخلف السور نار
خلفنا الليل وعبر السور أبواب النهار ...
****
علية الموسيقى
1970
يسقط من علية الموسيقى
نهد ويستحيل
حمامة تحمل في منقارها الجميل
صديقا.
****
نهاية
جنيف، كانون الثاني، 1971
آثرت أن أبدأ من نهاية الروايه
قراءتي
آثرت أن أبدأ من نهاية الرساله
كتابتي
كي أقنص الألفاظ من أعضائها الخفيه
وأدفع القراء خلف نجمة معصوبة العينين أو غزاله
تركض في أغواري القصيه،
آثرت أن أعقد الحكايه
حكاية التاريخ و الأشياء ... أو حكايتي
لا رغبة ... بنعمة الألغاز والأحاجي
بل رهبة من شبح النهايه.
****
منفى
جنيف، 15 آيار 1971
نحن الكلمات المنفية
نحن الصدفات المرمية
في قاع العالم، في آبار الوطن
نحن الأوراق المنسية
في جيب الريح، و في أدراج الزمن.
لكنا نبقى،
نحن البحر، ونحن الغرقى
نحن المطر.
من يسمع هذا الشاعر يبكي،
ريشته تبكي،
فوق رصيف الليل،
تقوس، تنكسر ..
****
ثقب الإبرة
17. 7. 1977
أدخل ثقب الإبرة، أحمل تحت ذراعي
جملا؛
أصل الجنة، أدرك أن الجنة ليست غير خداع
فأعود إلى وطني مقهوراً، بين سطور كتاب
لكني لا ألقى من يعرفني -
لا ألقى درباً أو باب.
****
بهلوان
1979
كان يمشي فوق حبل المشنقة
فوق خط الاستواء
لابساً كل ثياب البهلوان
صفق الجمهور. كان المهرجان
هائلا، والمشنقة
تتدلى في الهواء
مثل أنثى،
صارت اللعبة أحلى
صارت اللعبة أقوى
من حدود الامتحان :
قفز الفارس من ثقب الزمان
سقط الشاعر في بركة ضوء مغلقه
رائعاً
مثل شجاع
أو ... جبان !
****
الموت الأخر
" في ذكرى وديع حداد تذكرت صديقي "إرهاب".
كان فتى جميلا لم يكتمل، مات قبل البلوغ. كنا نسميه
خجلا "العنف الثوري". وكانت له أسماء مستعارة
كثيرة منها: وديع حداد، وأبو حسن سلامة، وفؤاد
الشمالي، ومحمد بوضيا وغيرهم ممن ماتوا قبل أن
يموتوا ".
****
البكاء
أبكي غيابك أم غيابي
وجوادك الفضي يصهل عند بابي ؟
أبكي ويرد عني الصهيل :
أنت المسافر في عذابي
وأنا القتيل.
أبكي و لست عليك أبكي
بل على وطن عثرت عليه في أشلائك
المتبعثرة.
أبكي وقد مر السنونو،
وامتد حقل الحزن من صوتي إلى كل الخيام
وشرعت أسأل: من يكون
هذا المهاجر في قطار المجزرة ؟
وصرخت: لا، لا تمنعوه من الرحيل
وقد خشيتم من يديه على السلام !
بل صادروا دمه الخصيب، وحزنه الرائي،
ولا تنسوا حقائبه القديمة
فلقد رأيت بها خريطة ذلك الوطن التي
ضاعت، وصار مجرد البحث الخجول بها
جريمة !
أبكي، وأنت الفارس الطاغي
الذي ينفي البكاء
ويعلم الدمع المهاجر أن يعود إلى الجفون
ليصير أجراساً من الرعب الجميل
تعلو وتعلن فوق وديان الجليل
زمن التجرد و الفداء -
زمن الجنون.
****
" في جحيم الكلام "
ذاهب أنت في نعيم السكوت
وأنا ذاهب في جحيم الكلام
أقرأ الأرض،
أسمع الناس،
واستطلع الخراب أمامي أيها الشاهد الشهيد الذي لا يموت
أيها اللاجئ الذي تتعانق في قدميه جميع البيوت :
قتلناك. والآن حول رفاتك نبكي ولا نخجل
و(يا للقبيلة لم تهزج بل ارتعدت في الليل
لما أتى من صلبها رجل)
"إرهاب" عفوك لا تصدق ما أقول
أنا منهم، من جملة الآتين من وحل الهزيمة
جئنا لنخفي عنك - أو عنا - تفاصيل
الجريمة
جئنا لنخفي خنجر الغدر الذي اغتلنا به هذا الرسول
"الخائفون من الرهان
باعوا سلاحك
وتدافعوا في المهرجان
ليسرقوا حتى جراحك"
****
" الموت الأخر "
راحل، يا صديقي، الآن مثلك في موتنا الآخر
موتنا العربي
(كان لنا موتان: موت الآخرين، وموتنا.
كنا نموت لأنهم ماتوا، ونبعث كي نموت
ليولدوا)
يا موتنا السري
من يصغي إليك ومن يراك
يا موتنا السري في كل الدقائق:
موتنا العلني ليس سوى صداك!
كنا نهضنا من سرير اليأس، نفتح المدائن والقلوب
وحولنا زمن عجيب
(زمن التجارة بالكرامة والتراب)
وسلاحنا جرح، يغني أو صليب
كنا انفجرنا من قناني الصمت
من رمانة الرعب الجميل وقد رمتها الصاعقة
فتناثرت فوق الكنائس والمساجد والسهول
قلنا: انتهى عصر، و ها كل الخيول
كل الخيول العاشقة
عبرت سياج الخوف، وانتشرت على
طول المسافة
بين صوتك والصدى
ورأيت كيف الموجة اتحدت بأشرعة المدى ...
لكن - و"لكن" طعنة فصحى ... وتختصر
العذابا - سألتك أجراس القيامة عن بلاد
في أقاصي النوم لكن حين لم تجد الجواب
جعلت من دمك الجوابا.
سألتك أحجار الجليل عن الندى والبرتقال
عن الخيام الباكيات بلا صدى
ففتحت بابا،
وصرخت : أين هم الرجال
وبكيت، وانفجرت دموعك في أقاصي الأرض
وامتلأ المدى بالرعد:
البعض خاف وعاد للنوم المطرز
بالسلامة
والبعض فر على كتاب أو خطاب،
أو حمامه
و.....
والبعض قام،
فقامت الدنيا. و قلنا: اليوم تبتدئ ألقيامه
لكن دموعك - أو قنابلك الحزينة -
يا صديقي
لاقت بمنتصف الطريق
سداً من الجثث التي تخشى مغادرة القبور.
حقلا من الأغنام من أقصى المحيط إلى
الخليج
وإذن ..
وإذن
لمن هذا الضجيج؟؟
ولمن نموت وموتنا جسر... وينتظر العبور؟!
****
" الموت الفصيح "
.....وصرخت
واتحد الصدى بالصوت
وسمعت ان جنودك انتحروا
وان جنودك الباقين قد عبروا
.. جدار الموت:
"عبروا مضيق الفاجعة
عبروا حناجرنا المضاءة بالجراح الساطعة
عبروا كتابي
كالبرق، كالرمح المبلل بالمطر
عبروا شبابيك السهر
دخلوا مخادعنا المليئة بالسراب
عبروا جدار النوم، والخوف المخادع،
والضباب
جاؤوا كعاصفة الدماء
في هذه الصحراء، صحراء الكلام العربية
جعلوا السماء
أرضا، وأحجار الجليل الملحمية.
سفناً تقل جنازة التاريخ نحو الأبدية".
ماذا نقول لهم، وموتهم الفصيح شهادة
ضد الكلام؟
ماذا نقول، وموتهم نفق من الضوء
المسافر في الركام
ماذا نقول لهم وقد صدئت بنادقنا...
القديمة؟
ماذا نقول لهم، وقد خجلت حناجرنا
العقيمة؟
سقطت ثياب بلاغة الشعراء
سقطت تماثيل الخطابة، والكتابة، والغناء
فرت مناديل البكاء
من بين أيدي العاشقين
فرت أمام رسالة امرأة
في القدس أو "جنين"
ترسل لي دموعها في طرف السكين.
****
تصميم
باريس، 1963
جئتك، يا باريس، في آخرة الشتاء
مستسلماً للنفي والهزيمة
في رحلة عمياء،
وكانت السماء
مستنقعاً يغص بالوحول
ينذر بالغياب والجريمة،
لكنني صممت أن أغوص في لهيب حوضك السري
كفارس مقتول
أغرق في عذابك الوحشي.
****
الجنين
باريس، 1963
في اللحظات الأولى
لحظات الفجر الأولى، كانت كل وجوه رفاقي
تنبض كالبركان
تطفر بين رياح اليقظة كالأوراق
كان الليل يضيق علينا في الأسواق،
كان جنين الثورة يصرخ فينا
يضرب رحم الصبر، يهدد بالطوفان
كان الصمت يدق نواقيس الميدان،
في اللحظات الأولى ...
****
حزن
باريس، 17 شباط 1964
من مقهى في الحي اللاتيني
تتصاعد هذي الكلمات
كدخان سجائري المحتضرة
كلمات جيوش منكسرة؛
من مقهى في الحي اللاتيني
حيث رمادي يجلس في كرسي
يلبس صورة إنسان
يتناثر بين الجدران
يتساقط في جوف المقهى
في جوف المقهى اللامرئي.
حيث العالم بين حروفي
هرم يعرج، حيث الحي اللاتيني
حولي كهضاب من جرذان
يطعن حزني كالسكين.
في أوروبا،
تنمو للحزن أظافر
تقفز من أرقام الساعة
تسكن في صيحات الباعة،
الحزن هنا
ينزف ملء وجوه الناس، وينطق سما وخناجر
الحزن الأخضر خان حياتي
الحزن صديق مات
... لكن،
لكن عيناك هنا مطر
يتزاحم ما بين الأبيات
يرقد بين جراحاتي
كصليب أحمر في الغابات.
****
معجزة
باريس، 7 نيسان 1964
خيم هنا على رؤوس الحراب
وارحل معي في نزهة للعذاب.
ارحل معي في صخرتي الخالدة
ارحل معي في قلب هذا السراب
ما هم أنا، كلما اجتزت باب،
هاجمنا من صلبه ألف باب،
ما هم، نحن الطفل والوالدة
نحبل من معجزة واحدة ...
****
المائدة
باريس، 1963
كنا على مائدة واحده
في بيتنا العتيق
وشمعة ساهدة.
... ودق باب بيتنا صديق
يقول في بوابة البستان
عاصفة غريبة تكسر الأغصان.
****
نوم
كان، 27 آيار 1965
أنام في حقيبة النهار
أنا وأشيائي،
أنام بانتظار
قاطرة المساء.
****
وجهان
كان، 28 أب 1965
وجهان لي، وجه لذاكرتي
يطفو ويمسخ وجهي الثاني
وجهان لي،
وجه ينابذني
يطفو، ويخنق وجه إنساني.
****
صقيع
كان، 31 آيار 1965
على جمرة الشعر، ندفأ حيناً،
وحيناً، على قبلات امرأة
ولكننا في شتاء قريب
نموت، صقيعاً بلا مدفأة.
****
تساؤل
كان، 1 حزيران 1965
أسأل في أيهما أمضي:
هذا الجسد المبحر بين يدي ؟
هذا البحر الراكد في عيني ؟
في أيهما أدفن جثة أرضي ؟
****
زمن الكسوف
كان، 9 حزيران 1965
نظلم كي نضيء
في قاعة المرايا
في شاشة الفصاحة البيضاء،
نظلم كالحروف.
بين حقول الورق العذراء
من أجل أن نقرأ، أن تضيء
في ظلنا، الزوايا
في زمن الكسوف.
****
مشروع
باريس، 11 كانون الأول 1965
أنام فيك، أترك العينين واليدين
يا وردة الرياح والجهات
وأخرج الحمام
من قفصي، من قفص الإعدام،
كي أسحر القضاة
كي أسرق الحياة
ولو للحظتين.
****
هجرة
باريس، 13 كانون الأول 1965
هاجرت نجمة شعري
في سماء الآخرين
فانطفأت
سكن العالم صدري
فرحلت
وتبللت بأمطار الحنين
فاحترقت.
****
سَهر
باريس، 17 تشرين ثاني 1965
أسهر في نحيبك الوردي
يا جاز، يا رمانة الضوضاء
يا نرجس الألم،
خذني إلى صليبك الوضاء
صليبك السري،
يا منقذاً أصابعي من وطأة القلم.
****
بحث
باريس، كانون الأول 1965
استيقظت في مدينة الملاهي
في وطن الحناجر العطشى،
حيث وجدت العالم الكسيح
العالم الأعشى
يركض في متاهي
يبحث عن مسيح.
****
عرفة
باريس، 1965
... وفجأة ينتحر
يدرك أن الموت
خديعة كبرى،
أن الصدى
خيانة للصوت.
****
اتحاد
باريس، 1965
تنبض في عَينيّ
تنبض في يَديّ
تنبض في سريري
جنازة النهار؛
لا، ليس لي اختيارالسفر المدمىالسفر المليء بالدمارالسفر المليء بالحمى
في سفن الدماء
حيث اتحاد الاسم بالمسمى
والأرض بالسماء.
****
وحشة
(إلى ج.م.س) - كان، 1965
يسكن في آلامنا الساطعة
نداؤه الصديق
يهيب أن نغني
جراحنا في سطوة الحريق؛
وأنت، يا سيدة الجراح
غني لنا أحلامه الرائعة
في عتمة الصباح،
نكاد أن نموت، وحدنا،
في وحشة الطريق.
****
أمنية
باريس، 6 نيسان 1966
يا ليت لي حريتي الصغيرة
حرية البحث عن السلام
حرية السقوط والنهوض والكلام
في مخدع الأميرة،
حرية الراغب أن ينام
حين تهب اليقظة المريرة.
****
دعوة - 1
باريس، 27 أب 1966
أدعوك ان تقرأ نار الجنس
في دفتر الأمطار،
أدعوك ان تعانق الإعصار
عند مضيق الجنس
جنازة، أو مولداً، أو عرس
للوطن المليء بالشرار.
دعوة – 2
باريس، 27 أب 1966
للمرة الأخيرة
أدعوك أن تمس يقظتي
بكلمة صغيره.
****
ضجر
1967 – 1968
دعوت الرياح التي تتثاءب بين الشجر
إلى غرفتي
قرأت لها ما كتبت أخيراً، رويت لها قصتي
فنامت
تركت لها في فراشي مكاناً صغيراً، وقمت دعوت الشجر
فجاء بطيئاً يجرجر خلف خطاه جذور الضجر.
****
خيام
1968
كان مثلي غيمة ثم انهمر
فوق صحراء الوجوه القاحلة
وتساقطنا معاً ... في طريق القافلة
وانتظرنا ألف عام
كي نرى فوق الغصون الراحلة
بعثنا، عبر الثمر
زهرة تنبئ عنا
برعماً يهمس أنا
صدفة، من ألف عام، قد تقمصنا المطر
وسقطنا
فوق صحراء الوجوه القاحلة،
فعرفنا
صدفة، أيضا، بأن القافلة
حين مرت من تحتنا
هرعت، واختبأت تحت الخيام.
****
العودة اغتراب
1968
أراك، أم لا أراك ؟
أراك كي تراني
مختبئاً في دفتر الغياب
أراك في أوراق هذا الكتاب
مطارداً كالفهد في البراري
منتصراً في عصمة السراب
أراك في احتضاري
في كلمتيك: العودة اغتراب.
****
سبايا
نسكن عين الليل في النهار
وحين يأتي الليل
نسقط كالدموع فوق وجنة النهار،
نحن سبايا الحزن والضجر
في صدرنا للحب والسفر
أكثر من ينبوع.
****
صرخة
1968
يا صرخة في قلب هذا السكوت
تهب في الفضاء،
وبعدها، تغيب،
تقول لي: إني ضياء غريب
وبعدها، يموت.
****
قنبلة جنسية
1968
أحلم: قنبلة ذريه
تتعرى قدام المرآة
في قاعة عرض عربيه
تتبرج، تدهن بالكلمات
بعطور الشرق الروحية
كل الآلات
كل الآلات الجنسية.
****
الطريق
1968 – 1969
تنويع أول
ذهبت، وكان الطريق معي
وحين وصلت، وجدت الطريق، بداية جرح على إصبعي.
تنويع ثان
ذهبت وكان الطريق رفيقاً حزيناً
يسير ورائي،
وحين وصلت، سمعت الطريق
ينوح ويصرخ تحت حذائي.
تنويع ثالث
مشيت، وكان الطريق صديقاً أميناً
فأودعته قدميّ
وحين تعبت، جلست ونمت، فقام الطريق
وسار عليّ.
****
اكتشاف
سميته الصحراء، والمدينة المهجورة
سميته القارورة المكسورة
في منزل الرعبِ،
في طرف من حيرة وتيه
ثم اكتشفت فيه
عن غفلة، قلبي.
****
أسئلة
باريس
الحياة تراكم كالقش حول صراخي
والصدى زهرة ذابلة
تتساقط فوق حطام القصائد، فوق حطام الرؤى الماحلة،
اليد التي قبلوها انحنت واستقامت
والرياح التي أسرجوها مضت. من صهيل
الرياح، وأي أضاف إلى الأرض صوتاً،؟
وأي الخناجر أكثر موتاً؟
وأي الكلام يقين؟
****
ضحايا
كان مثلي شاعراً يصطاد ظله
ثم أدركنا معاً أن السراب
كان في أشعارنا الجيري مظله
لسؤال ساذج دون جواب.
أننا كنا ضحايا
في صحارى الاغتراب.
****
ثلج
وطن يتعلم من جرحي
أن يكثر من زهر النعمان
يتعلم شعب من حزني
أن زمان الغربة مات،
أغصان دمي هجرتها
أطيار الكلمات
وحقول الشعر مغطاة بالثلج تنقرها الغربان
للشاعر وجه أم وجهان
وجه للحزن ووجه للحرية
من يعلن خاتمة الأحزان؟
****
لا راحة
حذار، بعد اليوم، أن نستريح
في ملعب الصراع
لكي نكون الريح
والعالم الشراع.
****
حكاية ظنون
منذ أعوام ظننت
أن أعدائي هناك
خلف تلك الهضبات الغسقية
رابضون،
وحسبت
أنهم يحصون ليلاً ونهاراً كلماتي
ويحيكون الشراك
لحياتي،
أنهم يختبئون
في سراديب غريبة
تصل القدس بأوروبا، بأمريكا... بأقمار عجيبة،
أنهم يمتلكون
مفتاح سير النجوم،
أنهم كالله يملكون مصيري، ومصير البشرية،
فارتجفت
وأنا طير صغير
مسلم للريح والشعر قيادي
في تلافيف الغيوم،
وسقطت
صدفة، في أرض أعدائي، هناك
فتنقلت بأطراف البلاد
وتعلمت الكثير.
****
زمن
قلبنا صفحات التاريخ، وقفنا في بعض الصفحات
نتجاذب أطراف المأساة
كنا اثنين: صديقي الوطن
وأنا. أغلقنا الدفتر، كان الزمن
يتأبط بركة ماء
وقصيدة فخر عربيه
ويمر أمام المقهى...
فوقفنا
وقف الأخطل يخطب فينا
فترنحنا فوق سطور النشوة كالأقلام
صفقنا وملأنا المقهى
بهتافات تحريرية...
وخرجنا نبحث عن ملهى
أو نغرق في أحد الأفلام.
****
النار ماء
للنار هذا العالم المريض
للنار هذي الأوجه المهترئة
وهذه الضمادة التميمة
للنار، للحضيض
إلى متى تظل خلفها
جراحنا القديمة
فنادق وثيرة للأوبئة؟
لقد خبرنا منذ أول العصور آية الشفاء
لا طب، بعد الآن، لا مسيح
كي نبرئ الجراح، وكيما ننقذ الجريح:
" الكي آخر الدواء "
والنار ماء.
****
مغامرة
أثقب جلد العالم المريض
أدخل في جرثومة الأشياء
أزوّج السكون للضوضاء
أولد في قرارة الحضيض.
****
تشي
أيها السيد، كنا ننحني
لسياط اللذة المستعجلة
نحن أطفال السنين الموحلة
لم يعلمنا أب أن نستقيم.
لم يعلمنا نبي واحد أن نشتهي
... باب الجحيم.
****
فرس الموت
تحت قميص الليل
كنا نوقظ جسد الثورة
نعصر، سرا، عنب الحزن
ونشرب خمره
كنا نسرج فرس الموت لنقطف زهره
(كنا نحسب أن العالم زهره) ..
****
الأحرف المشتعلة
سوف نمضي
أحرفا مشتعلة
في هشيم الصفحات
حيث لا شاعر،
لا ثائر،
لا برق يلوح
في صحارينا القديمة
يتهّجى معنا سفر الهزيمة
وتضاريس الجروح
سوف نمضي ....
****
تسمية
(إلى الأب م. ح.)
تحت سماء الموت والميلاد
تشرق نجمة المجوس، من جديد،
وقيل ان ضوءها خبا...
لكنني رأيته ينهل كالشلال
في جبهة الأطفال
رأيته يقتحم الخيام والسجون
يغزو ضمير العالم المجنون
رأيته ينتفض فوق قبضة الجلاد،
رأيتها، رأيت نجمة الميلاد، من جديد
ما هم إن سميتها المسيح، أو سميتها زياد.
****
بقاء
إلى محمد بوضيا
مر الكلام هنا، هنا
مر الكلام على ضفافك وانحنى
يا نهر، يا نهر الدموع
يا نهر، يا نهر الفرح
أدركت أنك راحل نحو المحيط بلا رجوع
كيما تعود مع الغيوم إلى الجبال
مطراً، وأقواساً قزح،
أدركت أنك راحل لما أتيت
من جرح ليل الراكضين إلى الصباح، وفي الصباح
لما هويت
في كل قبضة ثائر
في كل دفتر شاعر
في كل بيت
خلفت قلباً خافقاً نحو الكفاح
ها أنت تسكن في الجراح
ها أنت تطلع من ينابيع الرياح
الأرض تدرك أن صوتك لن يموت
الشعب يعلم ان صرختك المضيئة في الجبال
هزت جذوع النوم في جسد الرمال
هزمت مؤامرة السكوت.
سقطت قنابلهم سدى
سقطت على أطراف جرحك كالندى
بقيت لهم أشلاء جثتك الرقيقة
وبقيت فينا كالمدى
شررا يمد على ضمائرنا حريقه.
****
تواطؤ – حوار
معي يتواطأ هذا الكلام
مع البشر الساهرين على شرفة دمي، تتواطأ حنجرتي وخطاي،
ومثلي جلدي جبان،
ومثلي يجهد ان يتسلح بالبرق والصور الرائعة
ومثلي يجلس، ثم يقوم لكي يتردد صوت الجلوس وصوت القيام
ومثلي رقيق، يكاد النسيم يمزقه كالغمام،
تمر الحجارة عبري، وتنتقل النجمة الساطعة
خلال ستائر روحي،
ويبدأ بيني وبين كلامي، حوار ..
****
وجهان
وجهان لي، وجه لذاكرتي
يطفو ويمسخ وجهي الثاني
وجهان لي،
وجه ينابذني
يطفو، ويخنق وجه إنساني.
****
بيانات متفرقة لشعراء الحصار
الوداع
أيها الشعر، وداعاً
انتهت رحلتنا
بين أدغال الكلام
وبساتين الجسد،
ان في أعماقنا جرحاً ينام
حان أن نوقظه
حان أن يوقظنا
من أراجيح الأبد
نحن أجيال النيام
نحن شعب الكلمات المشرقة
والعيون الشيقة.
السراديب التي نسكنها
السراديب التي تسكننا
آن أن نهدمها
آن أن نرسمها
في كتاب الذكريات
شاهداً مر ومات.
أيها الشعر، وداعاً
انتهى عصر الكلام المخملي
وانتهى عهد السلام
بين جرحي والضمادة
بين رأسي والوسادة،
إننا ندخل عصراً بربري
طارحاً جمجمة الشعر العتيقة
بين أنقاض المعاهد
والمقاهي والملاهي والنوادي والمعابد
وبيوت الشعراء الحالمين
إنه عصر الحقيقة
إنه عصر اليقين
كل سعر ضله، ضل طريقه.
أيها الشعر، وداعاً
انتهت غربتنا
في تجاويف الرموز المقفلة
فلنخلف للرياح
لعصور أقبلت، أو مقبله
كل أشعار النواح
ودوواين الضجر
ولنمزق في الصباح
راية الحزن القديمة
وجوازات السفر.
أيها الشعر، وداعاً
انتهت رحلتنا
وأمحى من خلفنا وجه الطريق
إننا ندخل تاريخ الحريق
وجحيم اليقظة المشتعلة
حيثما الحرف سلاح
خنجر أو قنبلة.
أيها الشعر، سلاماً
أيها الشعر الصديق
بدأت رحلتنا.
****
الكتب
1 - كتب الشعر
الكتب اهتزت على الرفوف
ولفظت أحشائها السرية،
فالعيد للأرقام والحروف
لجثث القصائد المنسية،
الشعر كلمتان:
واحدة مدفونة في المكتبة
وكلمة – قيامة في طرف اللسان.
2- كتب الأطفال
الكتب انهارت عن الرفوف
في حفلة الميلاد،
فصرخت والدتي، وابتهج الأولاد
وامتلأ الهواء بالحروف،
فاقترحت صديقتي أن نفتح الأبواب
كي نطرد الحروف كالذباب
ووافق الضيوف
وبسملت والدتي وأسرعت بالمكنسة
لكنما الأولاد
تجمهروا من حولها وطوقوا ذراعها، وصرخوا:
"أستاذنا في المدرسة
علمنا: الحروف
تخرج كالطيور في الأعياد
تطوف في البيوت
فان تركناها
واعتصم الجميع بالسكوت
تعود وحدها للرفوف
وإن ضربناها
تحولت سرباً من الجراد
يقضم كل شيء:
الزهر والثمار والأطفال والسجاد
وصورة العذراء
وإن دعوناها إلى سهرتنا
فرقصت وأنشدت وشربت من خمرنا
وأكلت من خبزنا الطري
تطير في نهاية المساء
تطير كي تصير
كواكب في ظلمة السماء."
****
النزيف
هرمت سبابتي بين السطور
غير أني قد تعلمت الطريقة:
ان أربي كلماتي كالصقور
كالوحوش الجائعة
بين أدغال الحقيقة.
طالما أهرقت عمري
مطرا فوق الرمال
قبلا فوق الصخور
طالما ...
طالما أحرقت شعري كالبخور
في محاريب الخيال
ومقاصير الأحاجي
طالما علقت رفضي واحتجاجي
كالتميمة
حول أعناق التماثيل القديمة
حول أوراقي وأشواقي وناري وجنوني
وهتفت
من شبابيك ظنوني
بالجماهير: " تعالوا واقرأوني! "
وتكفنت بتيجاني ومت.
غير أني اليوم قد زحزحت صخري
وبعثت
من رماد التجربة
ونهضت
من دخان الصفقة المغتربة
من حطام الزمن المسقوف بالحلم وأزهار الغبار
خارجا من لوحة الرسام من أنقاض مرآتي الصغيرة
لابسا عريي وصوتي وشراري
صاهرا وجهي في نار المسيرة
ها أنا أولد في جمر الطريق
في ملايين العيون الزاحفة،
من كهوف الذل والحرمان
والحيرة والإثم العتيق،
من سراديب الحضارات العن،
نحو غابات الضياء.
ها أنا أمنح للريح ردائي
ومظلاتي الأمينة
ها أنا أمنح الأرض سمائي
ونجومي الزائفة
وعلى إيقاع جرح الأرض والإنسان
تنمو نبضاتي
وتهب العاصفة
من نزيف ساطع في كلماتي
وخطاي النازفة.
****
بلا تعليق
خرجت كل القبيلة
للعراء
ركعت، غنت، وصلت للسماء
طلبا للمطر
بقيت عشر أعوام طويلة
دون شكوى أو عتاب
بانتظار القدر.
ثم لما، في السماء، العاصفة
حملت فجر الجواب
أعلنت، بالبرق والرعد، السلام
هرعت كل القبيلة
بقلوب خائفة
هرعت واختبأت تحت الخيام.
****
غناء
جنيف 1970
مرت الريح وها نحن نغني
مرت النار وها نحن نغني
مرت الزلزلة الكبرى وما زلنا نغني
للفصول الأربعة،
أقسم العالم أن يرحل فينا
نحو غابات الضياء
فالغناء
لغة للعاشقين،
وغداً سوف تمر الزوبعة
وتظل الأغنيات
كالعصافير على كل الغصون
وتظل الكلمات
فوق أشجار الجنون
ثمراً للجائع، الشارد، أنغاماً جديدة،
وإذا العالم مات
نبعث العالم في زهو قصيده.
****
انتظار
1970
حين غنيت، شاهدت كل النوافذ ترحل تحت المطر
حين غنيت، هب المسيح وكان الثمر
يتساقط من حاجبيه، ومن شفتيه، وكّم ردائه
وكانت سرايا النجوم تزوبع تحت حذائه.
وحين غنيت، أبصرت كل الجبال تهب وتنهض من نومها،
صرخت، وظل البشر
نياماً، وراء القبور
ومثل المسافر، مازلت منذ مئات العصور
أراقب فوق الرصيف مجيء قطار العجيبة.
****
صعود
1971
صعد الموت إلي
بثياب الفقهاء
فتسلقت يدي
وتسللت إلى جوف السماء
فوجدت الله يبكي بانتظاري
وعلى ركبته، كان النبي
حاملاً مسبحة بيضاء من دمعي ودمع الشعراء.
****
سفر
29-1-1971
كأنها القبعات
وحيدة، تسير في شوارع المطر
بلا رؤوس؛
كأنها الحياة
تنوء تحت وطأة الخطر
تهم بالجلوس
في مقعد السفر.
****
عشب
جنيف، أيار 1971
أيها العشب، أيها الألم الأخضر كالجرح
في كتاب الطبيعة،
تستطيع الفصول أن تتكلم
عنك، عني، عن الدماء الوديعة
في عروق الايام، أن تتعلم
في ابتساماتنا، هدوء الفجيعة.
****
المسرح
بيروت، 1980
مثلكم تتراكض كل العصافير في شجر الاعتقال
مثلكم يتصاعد صوت الينابيع ذبحاً، وبعض الرجال
حاصروا الشاهد الوحيد على مسرح الاغتيال،
مثلكم، كنت ملقى وجرحي
ساهر، يتنفس صوت الرصاص، وحولي
وطن هارب (كنت ميتاً)،
مر من جانبي، رآني
مر من جانبي حارس الجرح، لكنه لم يشأ أن يراني.
****
مدار
-1-
هل الشعر يكفي لرسم خطاكِ ؟
وأنت صراخ الحياة، وكل الكلام الجميل، صداك.
-2-
تنحدر الأشجار والمراكب الصغيرة
من شعرك الهارب بين الريح
فوق صخور جسدي ..
-3-
يا جنس، يا فصاحة الجسد
يا وطني
بين حدود الموت والحياة
يا لغة الغناء والأبد.
باريس، 17-11-1965
-4-
بنيت في صياحكِ الزنجي
مدينتي الأخيرة
بنيت في سرّتكِ الصغيرة
عالمي السري.
باريس، 17-11-1965
-5-
... وأجمل رحلاتنا
في القطار الذي فاتنا.
****
الموجة
1967
كانت الموجة طفله
ولدت من سّرة الريح، وكانت
طفلة تولد، كالموجة، في ذاكرتي
هربت من شفتي
عندما قبلتها أول قبله.
****
جنون
جنيف، شتاء 1969
آتيكِ كالرمح الشريد، بلا طريق أو أدله
من قاع شهوتي الحرون
فأغيب فيك، أموت، أحيا، والجنون
يعدو أمامي كعاشق يصطاد ظله
وأطير اتبعه، ونهدك في يدي اليمنى مظله.
****
ضياع
جنيف، 1970
اسقط في أدغالِك الوردية
كالرمح في المياه
أغيب في أحشائك السرية
كفاتح، كسائح
كجدول مشرد،
يبحث عن مجراه ...
****
النبع والمقصلة
الصخور الصخور الصديقة
الصخور التي تفصل خطواتنا
تنحني، تتجول موجاً رحيماً يراقب خطوتك المقبلة
من وراء السهول، السهول العشيقة
من وراء المدائن والجزر المقفلة
وذراعي طفل ينام، وينهض، يصرخ بين الرياح العتيقة
يقول لنهدك كل الكلام الذي لا يقال:
" تعال، أنا الحرب والسلم، والنبع والمقصلة "
****
حطام
الكويت، 1974
أحس بصوتك يأتي كرمح
كرمح من الملح، يقبل نحوي، يغوص بجرحي
ويمشي معي في تلال الهواء الخفيه
أرى قدميك تمران في جسدي المتعب
مساء. أرى لهبي
يتصاعد منك ويمتد بين الشجر
وفوق حطام الصواري،
أحس بوجهك يأتي كجرح
كقوس المطر
ليحرس حزني المسافر بين الصحاري
لأسمع فيه انهيار الحدود، وأقرأ فيه انتحاري.
والمح نهدك يأتي
يخيم فوقي مثل الغمامة
وكالكأس يعلو ... وينكسر الكأس فوق جراحي
ويلقي عليها حطامه.
****
لمح
2-2-1972
حين مررت فيك وردةً في الماء
حين اكتشفت صدرك المسكون بالرياء،
أحسست أنني قطعت مجمل المسافة
كاللمح، بين المهد والضريح
عرفت أن الريح
أنِت، وأني وردة اللطافة.
****
لهاث
بيروت، 1973
حملت شتائي إليك،
وهذا الزمان الذي يتفتت كالرمل بين يدي
حملك لك البحر والشعر –
هذا الجنون الذي يتمرد حتى عليّ
حملت حرابي وموتي
وأغرقت صوتي
بأهدابك الراهبة
وعند الصباح، رأيت حياتي تلهث
كي تتسلق موجتك الهاربة.
****
طريق الموت
إلى سانت إكزوبري - 1973
ابتعدي
لكي أحس في دمي صداك، كي أراك
فلغتي مصابة بمرض المسافة
القلب لا يرى الأشياء جيداً
حين تظل في مجال العين واليد،
أحس صوتي في يدي مثل برتقاله
لأنني عبرت من جدار الصوت
وها أنا أرى حياتي جيداً
لأنني ابتعدت عنها في طريق الموت.
****
خزامى
1974
خزامى،
لعينيكِ آتي بشوق المصلي
بشوق المسيح لحمل الصليب،
وقلبي، مثل الحمامة، يخفق حزناً وشعرا
وينشد بين يديك السلامة،
ولا أستطيع الوصول، لان شراك الحياة
تلاحقني مثل ظلي.
أمامك، يعصى على قلمي الشعر،
يصغر، يصغر حتى يكاد يصير كلاما.
****
زهرة الليل
1974
هجر النعاس قصائد الشعراء،
كان النهر يبحث عن سرير في الحقول
مرت فصول
وامتد خيط الحزن من جرحي إلى وجع التراب
وسألت شعرك ان يطول، وأن يطول ...
ويثير مشنقتي ومشنقة الملايين التي جاءت تخيم في السهول
جاءت تخيم في كتابي –
أنا زهرة الليل المضاءة بالعذاب.
****
احتراق
يقولون ان السماء بكاء
وان كلام السهول وساده
وانك مثلي أتيت على هودج من مطر
إلى حضرة الأنبياء
فأحرقت أول حرف بسفر الأفول
وآخر حرف بسفر الولادة.
****
الرجوع
بيروت، آب 1974
كانت سماؤك، حين كنت قريبة
تدنو وتهبط فوق وجهي كالحجاب
فرأيت كل الناس والأشياء، عبر حريرها الوردي،
ترقص كالقصائد في كتابي
وحسبت أني حالم
مزج الحقيقة بالسراب
وحسبت أني شاعر
يصطاد في بحر العذاب
جرحاً جديداً، زهرة وحشية بين الخراب
فعزمت أن أصحو على ضوء الغياب
ورحلت.
كنت معي حريقاً لا يهادن في الذهاب ولا الإياب
وظللت أحمل نارك الخضراء من باب لباب
ورجعت.
ها صمتي البليغ ينوء من حمل الجواب.
****
اقتبس الجنون
آب، 1974
اقتبس الجنون
من لحمكِ المليء بالخطر
اقتبس المطر
من بعض ما تسكب في يدي
غيوم عينيكِ
لكن في عينّي
ما لا تراه العيون:
شوقي لان أكون
سفينة مجنونة ترسو
ما بين زنديك
سحابة وردية تفنى
في بحرها الأغنى
ما بين نهديك.
****
هرب
بيروت، 1974
ورأيت انك ترحلين
بين السطور النازفة
ورأيت نهدك هارباً في العاصفة
والليل ينهض خلف شجرة ياسمين
كانت تنام وحيدة في قاع روحي كالجنين
وسألت نهدك كيف يهرب من يدي ؟
فأجابني:
هو هارب مني إليّ.
****
الصدى
1974
سألتُ النجوم التي تتساقط حولك مثل الندى
سألتُ الصحارى، سألت البحار، سألت المدى
سألت بأي طريق أمر إليك
وألقي مراسّي بين يديك،
سألت وكان جواب سؤالي الصدى.