خالد جمعة
(فلسطين)

****

ليلة لا يالذكرياتُ،

خالد جمعة1

لكلِّ امرأةٍ طقوسُها ، وللحياةِ شهوةٌ أخرى غيرَ اللُّغة
طفلٌ. الذكرياتُ ، الليلُ متحوِّلٌ كافرٌ سيّدٌ بلونِهِ وهواجسه
موغلٌ في السذاجةِ والغرابةِ مستقلٌّ كالحرّيّةِ صاخبٌ كالسكونِ
وطفلٌ .. كالأطفال
ألفُّ الماءَ الذي هو لغةُ العيونِ حين تحزنُ دونما قصائد،
هكذا القصيدةُ دمعةٌ مختزنةٌ أو الدمعةُ قصيدةٌ لن تُكتب ثانيةً
والليلُ ذو علاقةٍ جيّدةٍ بما يحدثُ دائماً
فلماذا تتكرّر زياراتكِ عندما يأتي الليلُ
وحدهُ؟

2

لماذا أحبُّكِ كلَّ هذا الليل؟
نصفُ السؤالِ هوّةٌ الوقوعُ فيها نصفُهُ الآخر
كيفَ يأتي الكلام؟
حذّرتني اللغةُ وقشّرتُها، قصفَتني المفرداتُ ولم أُعطِها معنىً واضحاً
الليلُ دائماً يحفظ لي بعض الودَّ وبعض اللغة، يأتي معافىً كتاريخٍ محبوكٍ جيّداً
الكلامُ ليلاً لغةُ أخرى تستعيدُ النّفَسَ المخثّرَ في حشاشةِ النهار
يثيرُ النبوءة في مخدعِها ويخرجُ رافعاً انتصارَهُ على ورق
تُشَبَّكُ المساحةُ البيضاءُ أصابعَها خلفَ بياضِها
تتثاءب:
أُكتُب.. قبلَ أن أنام.

3

لماذا لديكِ هذا التوازنُ بينما لا هوّةَ تحتكِ؟
كأيةِ دمعةٍ كان الفنجانُ يذرفُها قهوةً على يدي،
يشفطُ نصفَ الكلماتِ شاهداً ألاَ نساءَ يملكنَ مثلَ وجهكِ لاستخراج الكلماتِ
من مقابر الشعراءُ. تتلمَذَت على يديَّ البحورُ، كلُّ ميزانٍ حاوَلَ صياغةَ روحي:
كَسَرتُه
عشقتُ الاختلاف الكبيرَ الذي بيننا،
يشرعُ السؤالُ يلبسُ فضاءات اللغة ولا يشلحُ إجابةً واحدة
لماذا أنت ِ؟
أيُّ نِفاقٍ يدَّعي أن للقلب حدوداً؟
تسبكُني قناعةُ أن الأشياءَ خطّها قلمُ رَصَاص، وأننا جميعاً نعشقُ الممحاة
وأيُّ عالمٍ يأتي ولا يذهب: حقّاً تعرفين؟

4

صمتك يشبه بالذات مقاماً حزيناً على العود،
للعود أسرار نرجسية تمتص القصيدة في احتمالات كثيرة
كحقل أرز
للعود ما هو أبعد من اللحن والإحساس
ما لا يكتب
ذبيحة تشتاق لهذا الذبح
الفضاء الذي للشرق
متبلاً باختصارات كاملة للروح والجسد

5

إليك تذهب إمكانات الكتابة، ما يعادلني حين أكتب عنك لا يقاس
ترفلين بنواقيس الكنائس وخبرات الملائكة ـ لهم معرفة بما يصلح للسعادة ـ
وحين تنقض عيناك على جرحي وهي تبتسم
يتلاشى الخوف كرسول للمرحلة.

6

البلاد صيغة العشائر الحديثة،
تطوف على كلمات التقدم حين يكسرها قاموس الذين خرجوا إلى ليل أشد
فجأة: يخرج للوقت ريش
وهنا تبدو ملامحك أكثر انتشارا مما للهواء من قدرة على ذلك
وهنا أنت إختبار والباقيات صحراء بأبعاد الكلمة والمكان
جئت كي تحرمي ما ليس لي علي وتستريحي
هل استرحت؟

7

على وشك الصباح كنت أصالح الكتابة
لفم الصباح أسنان من الظل الكئيب، وحين نفترض ليلة لا يمكن الكتابة عنها أو كتابتها
فلذلك لأنك خاصة كملاك، وذلك لأنني مميز كشيطان
لليلة واحدة
أغلقت شيطاني وتسللت بما في من طفولة، أسرد انهياراتي دون أن أخجل منها أما أيار
كان مجرد فاتحة للنواح.

8

ذاكرتي تخجل من قوافل النساء
خارجة من دمي
وقادمة أنت
إليك أجمل الذهاب، المجيء، المكوث
هل إنتهى هنا
أم بدأ الكلام؟؟

عن الطين
الذي لا يعرفه الآخرون

"كتابة أولية لنص استثنائي"

*

الروح مخزوقة مثل قرش قديم
آتي ولا آتي أيتها الموت ـ الطين

*

الطين يركب أعضاء الناس مرتين، فيما
يضحك البعث وتنزلق الأسماء إلى ذاكرة
الرمل، والقبور مسرح الديانات كما
يرى الرسل.

*

القتلى الجاهزون يرتعبون من ظلالهم على
أمل أن رعبهم سيشفع لهم لدى الطين
فيحبس دوده التاريخي عن طينهم العاري.

*

من أي صلصال يفكر الشعراء أن يصيغوا
لهاثهم؟

*

فيما نحن من طين، والطين إلى جهنم..
ألا يزداد الطين صلابة حين يحترق؟

*

أبحث عن تعريف كامل لأي شيء في خلايا الطين
لا أعرف ما الذي أبحث عنه إلا عندما أصبح جزء
منه
"هكذا لمح لي الطين"

*

من الناس من يراقب الطين انتهاءهم إلى الجرح حتى
يهدأ من دعسة أقدامهم

*

الطين لا ينسى..
يأكل في النهاية كل من داس عليه

*

الطين الذي استعاد حيرته من الأجساد،
يقاوم رحلة التحول الأخيرة

*

المادة التي خلق منها الناس ما هي إلا
الجزء المغضوب عليه من الطين

*

أعلاك أيها الطين
ذهاب دائم إلى آخر ما ...

*

أعرّي شهامتي من بشرتها،
تسقط كأية ثمرةٍ فاسدة.

*

قال لي عالم الأسرار سراً لم أعد أذكره
لكنني أذكر جيداً كم خفت حين قاله.

*

آلت إلى الطين جميع الأفكار التي مات أصحابها
قبل أن يطلقوها.. واستناداً..
ما أذكى الطين

*

القضاة الذين لا أعرفهم سوى من الكتب، أيقضوا
المحاكم في ذرات الطين، فقد هذا حياديته
أصبح من العرج بحيث لا يرحم من استقامت مشيته

*

قاعدة أن كل حي سيحتضنه الطين يوماً كسرها
استثناء صغير
"أن الفكرة هي كائن حي"

*

الأنهار أوردة الطين ..

*

البراكين تعبير واضح عن إصابة الطين بالحمى..

*

كيمياء الطين تقول: أن كل شيء قد خرج
من الطين.. حتى الفكرة..

*

يملك الطين إرادة أن يرفض أو يقبل
لذلك تراه أحياناً وهو يأخذ شكل صخرة
وللطين جنس.. لذلك تراه جبلاً مرة.. وأخرى هاوية..

*

أكثر الأماكن دفئاً في الطين هي أعمق مكانٍ فيه

*

للطين أكثر من اتجاهات ست

*

الطين طفل في الصحراء، شابٌ في الحقول
عجوزٌ في الجبال
وميتٌ
حين يصنع منه الناس..

*

للطين شبق ينطفئ في رعشة الزلزال

*

دمن الطين ما هي إلا كوابيس ليلةٍ غاضبة

*

أشهد الطين ألا رغبة لي في اقتنائه في جسدي
لأنني ما زلتُ نصاً مكتوباً كتابةً أولية

*

أراهن أن الأشجار هي فكرة الطين
وأن المطر رديفة الثقافي
فيما الناس يأكلون ويشربون كي يتعلموا

*

رائعٌ أن تفتح قلبك وتغلقه وقتما تشاء..
ولكن هل تستطيع؟

*

الموسيقا أوصالٌ لا نعرف لمن تنسب
فيما الخطى فوق الطين إيقاعها

*

الشر مصنوع من قرص قديم يتشلخ
بين يدي امهر العازفين

*

الزمن استثناء لا بأس به

*

الطين ذئبٌ أكل لساني
لكنه لا يتكلم

*

حين يقلق الطين تحدث الفصول

*

أشعر بالخذلان واللاجدوى
الخذلان واللاجدوى تشعران بي

عن سيجارة في منفضة

واحد
أي ليلٍ هذا
أقرأهُ والسيجارةُ مبتدأ
أما المنفضةُ
فتنتظر

إثنان
روحي
سيجارةُ تتكرر
كلما مت
وحين أتنباُ بالحريق
أجفُّ
ثم أحترق

ثلاثة
دخانٌ
يصنعُ حلبةً
يصارعُ الهواءَ
فيما أنا دائماً آخر النتائج

أربعة
لماذا النفسُ الأخيرُ
الذي يسبقُ المنفضة
أطول التنهيداتِ جميعاً

خمسة
كلما انتهت سيجارةٌ إلى المنفضة
يساومني حزنٌ كذلك الذي يبعثهُ
غيابٌ ما

ستة
أحياناً حين تدخّنُ
لا تحسُّ أنك بحاجةٍ إلى منفضة

سبعة
ما زلتُ لا أعرف هل مابين السيجارة
والمنفضة أكثرَ مما نعرف؟

ثمانية
الموت
هو إنتهاؤك إلى منفضةٍ
وحدك

تسعة
تقولُ سيجارة لأخرى في المنفضة
مادُمنا هنا
لماذا تقولين أن من دخنكِ كان مهماً أكثر؟

عشرة
المنافضُ
تدخّنُ ما دخّنهُ الجميع

أحد عشر
أحدّقُ في المنفضة
منتظراً عنقاء الرماد

إثنا عشر
في ممارسة التدخين
مع أن القداحة مهمةٌ
إلا أننا دائماً نتناول السيجارةَ
أولاً

ثلاثة عشر
أتساءلُ:
هل أن مكتشف السجائر هو الذي صنع المنفضة؟

أربعة عشر
مرّةَ
فيما الليلُ ليلٌ
ارتعبت من فكرةِ فراغِ عُلبتي
فطمأنتني سيجارةٌ من بعيد

خمسة عشر
كلما أشعلتُ سيجارةً
أحسستُ بأني مختلف
وكلما غرستُها في المنفضة
أصبحتُ كالجميع

ستة عشر
مكتوبٌ على عُلبةِ التبغ
كما هو مكتوبٌ في كفّك تماماً

سبعة عشر
إذا أردت ألا تدخن
فما عليك إلاّ أن تحرَّر عقلك
من فكرته

ثمانية عشر
الفرقُ بين من يدخن ومن لا
أن الثاني يدخنُ الطريق إلى الفكرة

تسعة عشر
الفرقُ بين المرأة والسيجارة
أننا حين ندخن المرأةَ
ننتهي نحنُ إلى المنفضة

عشرون
مَن مِنَ الذين يدخنونَ يأبهُ لنوعِ المنفضة؟

واحد وعشرون
يخامرني شعور أننا جميعاً ـ المدخنين ـ
سنسقطُ دون منفضةٍ لرمادِنا

الحواجز

حاجز1
الحواجزُ تختزل قلبي إلى هاتفٍ
والشرطةُ لا علاقة لها بالأمر
أُدركُ أنكِ لا حاجزٌ ولا شرطة.

حاجز2
البلادُ وظيفةُ الذين يحبونها
أما الذين يعشقونها فإنهم
يتلونَ الحواجزَ كالمزامير

حاجز3
كلما وضعوا حاجزاً بين عينيك وقلبي
تجمع العشقُ تحت جلدي
مهيئاً لانفجاري قُبلةً

حاجز4
الخارطةُ أيضاً
لا تخلو من الجنود

حاجز5
أحبُّك
أفردُ أجنحتي
يطلقون حواجزهم من رشاشٍ آلي

حاجز6
أفهمُ الحواجز كلها
ولا أفهمُ
لماذا أفهمُها

حاجز 7
معي بطاقةٌ تجعلهم لا يوقفون مسيرتي
عند الحواجز
بمجرد أن يروها أولاً

حاجز 8
أمرُّ على الحواجز مستعيناً بالذاكرة
يشبهني الجنديُّ .. يبتسمْ
معتذراً عن وقفتِهِ

حاجز9
يوقفونكَ ثمّ يقولون :
لا تخفْ من الحاجزِ القادمْ

حاجز 10
الحاجزُ الكبيرُ لم يوضع بعدْ

حاجز 11
الحواجز نوعان :
حاجزٌ لك
وحاجزٌ عليكْ

حاجز 12
أغفرُ للحواجزِ
عندما تمنعُكِ من الرحيل

حاجز 13
حاولتُ التصفيقَ
لولا الحاجز الذي بين يديّ

حاجز 14
ـــــــ ــــــــ
ـــــــ ــــــــ

***

مساءٌ ما

-1-

إلى الحقولِ المجاورة
تسيرُ مترفةً شمسُ المساء
فيما أنا طفلٌ لا يدركُ آخرها
ولا ينجحُ في اصطيادِ شيءٍ
سوى ذيلِ العتمةِ التي ستأتي
لا محالة

-2-

كيفَ يرسمُ الدّوّارُ حزنه والمغربُ يغوصُ في قارب ..؟
لا ينفعُ يا حبيبتي أن البحر له من الحكمةِ أكثرُ مما لليابسة
ألضمُ سرابي المزركش تحت ليلٍ وداعيٍّ جميلْ
وأخوِّفُ نفسي أينما أسمعها تردِّدُ تفاصيلكِ
فلا تخاف

-3-

هل أنتِ امرأةٌ من البعيد .. ؟
كلُّ النساءِ كذلك
لولا هذا الفرقُ البسيطُ
بين الحاجبين

- 4 -

عليكَ سلامي يا آتياً دوماً ولم تصل
عليكَ اللعنةُ
وانتظاري الطويلْ

-5 -

أشعرُ أن للناسِ ذنوباً
لا يريدونَ غفراناً لها

-6 -

أما البناتُ في طريقِ الرجوعِ من المدارِسِ
فلا يفكِّرنَ أيةَ مأساةٍ هنّْ

-7 -

الحياةُ
فقط
الحياةْ

عن الرسم

-1-

الرسّامُ و اللوحةُ إثنان
الرسّامُ و الشاعرُ واحد

-2-

عندما ترسمُ
تضعُ الفكرةَ في إطار
و عندما تكتبُ
تضعُ الإطارَ في فكرة

-3-

اللونُ إنسان
اللوحةُ قبر

-4-

أعرفُ واحداً يرسمُ
أعرف واحداً يكتبُ
أعرف واحداً يضحكُ منهما معاً

-5-

الطبيعةُ لوحةُ الله

-6-

حاولتُ رسمَ اللُّغة
رسَمَتني

-7-

الرسّامُ الذي كسرَ لوحتَهُ
أعظم رسّامي العالم

-8-

لن تجدَ لوحةً تساوي الخيال

-9-

الوقتُ خارجَ اللوحةِ
يغارُ من الوقتِ داخلها

-10-

اللوحةُ تختصرُ العالم
إلى بُعدينِ فقط

-11-

الرسامُ الفاشلُ فقط
هو الذي يرسمُ ما يراه

-12-

الرسامُ وضعَ تفاحةً في لوحته
الشاعرُ أكَلَها

-13-

الرسمُ و الشعرُ
علامتان للجنون
.
.

قصائد من خشب

1ـ خطأ
الأنبياء مروا
أفرغوا رسالاتهم تحت شرفتي
أنبأوني بحراب ذئبية
تمر على آذان المقعدين
تنشر أحلامهم برفقٍ مبالغ فيه
صدقت
لما لمع بريق الرصاص عندما كان الليل يقشر آخر أقدام النهار
إكتشفت الظل الذي لوح أصواتهم في فضاء معتم إلى حد النزيف
الأنبياء فصلوا التاريخ كسمكة مشوية
( لم يدخلوا تاريخ البحر من كروم السواحل
وقد كان هذا ـ ربما ـ خطأهم الوحيد)

2ـ مرسوم
البحر جاء حاملا ملحه
لم أعرف تماماً. لم أسأله لماذا ألقى جثتي عند أقدام صفراء تفتح الطرق البعيدة بمرسوم فاشل
كان جسدي أخشاب زورق لم ينجح في اصطياد المسافة بين لؤلؤتين
البحر تقدم والملح نشيده المحروق
على كناية مطوية في سراب الرمل
رزم حيرته وخياشيمه
وكف عن ملحه.

3 ـ المدينة
أسواق المدينة ابتلعت مدينتها
المصلون جاهروا بفروضهم في حضن مسجد
يكعب المسافة نحو الجنة عبر نافذتين ضيقتين
أما الإمام
كان تميمة لمكاسب التجار

4 ـ مرة في السنة
كم أنت بعيد عن نهارنا حين تصرخ في الفضاء لنشربك
هل نأكل من عطاياك السمينة ممزوجين بكراماتك الفصلية
ندور إلى سبيل حاشد ثم لا نلتقي
الجنة تبدد عاشقيها مرقمين كحجرات الفنادق تحت سلم صاعد نحو الفراغ
( إلى جانب الطريق المقوسة كان طفل بلحية مصطنعة يقلد الحاكم)
على أبواب أورشليم: سليمان لم يفارق هيكل المدينة
وأنت بعيد عن نهارنا حين نلخص عرينا فوق المصاطب مرة في السنة.

5 ـ مهماز فرس
لم ننكر أننا جراد
أتينا بلاد المساء متخفن بزي مذهبي كي نشهد ولادة الطاووس
المساء تسلق ظلنا بكلابتين كنعانيتين وارتدانا كمهمازي فرس
محتفلا بقبعة منزلية بنا
لبسنا رجاءنا مكورا فوق حذاء الأفراس الأشعث
إستغل فجواتنا ليملأ سندانه ببقايا وجوهنا
رتبنا مع النواقص لقاء ثالثاً( أفشل اللقاء أن الريح غربية كالعادة).

6 ـ دليلة
دليلة عبرت فوق أصابعها إلى مخدع لائق بأميرات الخرافة
الغباء قوتان مجتمعتان
النهر الأنثوي صالح للتنفس قليلاً
ما كاد شمشون ينتهي حتى نفذ الوباء وصيته
لاهثاً على مسرح صغير فوق جثة الجنس
(الجنس يركل أعظم النوايا، يثبتها بمسمار على حائط)

7ـ حذف
حاولت شطب تعريفات الشعر كلها
لم أجد تعريفاً واحداً صالحاً للشطب.

8 ـ تشابه
أعظم تشابه لمسته فيك
وقتك.

9ـ أحبك
بيننا مراحل من تاريخ وفولاذ
وحين اعترفت أنني لا أساوي رملة في مطلق التكوين
ساومتني على اعتراف آخر قلتُ:
أحبك

10ـ كابوس
أخرج من تحت الغطاء مثقلا بالسوس
أعد أعقاب السجائر في المنفظة
أحسب كم رئة بقيت
أكون فكرة عن كابوس سيزورني
ثم اقرأ الليل مكتوباً على العتمة

11ـ قارورة حبر
أطلقيني من هذا الفراغ الحر
أرزميني نخلة تحت إبط الامتداد
صبي رمادك من نهرين تعلقا كوسامين
إلهيين على صدرك
وضعي صمتك في قارورة حبر

12ـ الشارع
الشارع مغطى تماماً بأزقة مرواغة
تختلف لغات الرمل كلما هزها جمهور فاشل
فتح الشارع جلده في ساعة محرجة وهزيلة
كان شهيد يداعب كرة من النوار نبتت
على كفه حين راوغ المستحيل
لكنه حين استلقى على فراغ فاصل بين رئتيه
لم يستطع أن يحدد لون كرامته تماماً

13ـ الشارع مرة أخرى
ذات الشهيد"مشهد مخصص للمتفرجين"
ينمو بين قلادتين ودعاء امرأة لا تعرفه
لم يقتل تماماً، في جوه عطش وغفران قليل الاستجابة
وفي يديه عرق وبكارة بنت الجار
لم يقل كل نبضاته، لم يفتح فضاء أسئلة الموتِ الخمس
"كلها كانت مجرد درجات للون واحد"

14ـ ذاكرتي
أية فكرة لم أدخنها
أية شجرة لم أقصف دولتها
أي هواء لم تدسه رئتاي
أي سؤال قضمته قبل الإجابة
بأي الألوان تغتسل ذاكرتي

15ـ القصيدة
شرف القصيدة شيطان واحد
بلغات لا نعرفها
شعراء لا نعرفهم
وأبجدية...
لا تعرفنا

عرق
تحت إبط الثلاثين


من ثلاثين من السنوات
أسرق نبض جارنا
أحيا راكبا عاهتي
وهذا البله يقنعني
أني أسترد عاهة القصيدة


من ثلاثين من السنوات
أغزو نساء أخريات
في غير قبيلتي
حاشداً أفراس اللون
ساقطاً دائماً في عروة التعب


من ثلاثين من السنوات
أقضم البنفسج في الصباح
وأزين صورة المدخل بالخبز
فيما الساعة منهارة
كنجم هائل في منفظة


من ثلاثين من السنوات
أنسى حين أدخن ملامحي
أنني عبدٌ
وأن لي "كرباجاً" أسميه اللغة
وأن أعقاب سجائري
بقايا قلوب الذين ماتوا
صدقة فوق المئذنة


من ثلاثين من السنوات
أرسم مرآي على الجدار
عينين مبللتين
وجهاً مستيقضاً دائماً
كمساءٍ هامشي في جدول المدينة الطويل


من ثلاثين من السنوات
وامرأة واحدة تقتلني
عينتها الأمسيات مقاتلة
تجيد عبوراً مذهلاً إلى القلب
تدخن البلاد كالوساوس الصغيرة
وتنام


من ثلاثين من السنوات
أكتب ذكرياتي فوق ضباب الغرفة
عازفاً كل النساء على هواء القلب
ممسكاً ضياعي من خصيته

8 ـ
من ثلاثين من السنوات
خمرتي نحلة في السماء
تطن على إيقاع جنازتي
أثلج صدور القائلين بموتي
كلما صمتت لحظة
كي تقتل ذكرها الوحيد


من ثلاثين من السنوات
لي أمسيات مشبعة بالرطوبة
أخلاق مسماة سلفاً
وأصدقاء لا يعرفونني
كما أشتهي

10ـ
من ثلاثين من السنوات
أرى هشاشة الأيام في الصباح الفاتح
قبل أن يصبح فكرة

11ـ
من ثلاثين من السنوات
أنحت صمتي تمثالاً
وأكسره
ينحتني الصمت تمثالاً
وأكسره...

12ـ
من ثلاثين من السنوات
أزوق ظلي على حائط الجيران
مكتملا كما لم يكن الجسد
مرهقاً من يتابع خطوط دائرتي
ومعلناً
براءتي من مومياء اللغة

13ـ
من ثلاثين من السنوات
أسوق حصاناً دون قوائم
لأعرف إن كنت لي

14ـ
من ثلاثين من السنوات
أحلم
بمن
سيقتلني...

خمسُ أغنياتٍ للخريف السادس

الأغنيةُ الأولى: لا لحنَ و مغنّين

أنشدنا الكارثة
قبلَ أن نقولَ صمتَنا
ساعةً في رصيفِ الذينَ غادروا
ولبسنا خاطرةً حالمة
يهطلُ
من
جيوبنا
الجنودُ
مرصعينَ بفكرةٍ فارسيةٍ
زوّقها الخليفةُ دون أن يعلم
أن الوقتَ صارَ يهرُّ
من جيبِ كسرى

الأغنيةُ الثانية : لمن لم يشأ سماعها

في وجهِ الشامِ
كان وجهي أسلوبَ حربٍ
فرصةً لمسالمةِ الرومِ
كي نستعيدَ معاً
حدوداً بلّلها التاريخُ
فيما يخرجُ القلقُ من أنف الصباح
تصطفُّ العساكرُ حولَ الخرائبِ
معلنين من جديدٍ
صورةُ اللهِ التي ليست كما نعرفُ
واللهُ يشوفُ نصفَنا المخدوع
ويسكتُ بجلالةٍ لا نحبُّها

الأغنية الثالثة: كما قال علي لمن سيجيئون بعده

هو بعد لم يدرك خديعة الأشعري
انسحبوا من خاصرتي
حماماً
حماماً
نبشوا في راحتَّي عن سيفٍ تألقَ
فأرقته الخوابي والفتوحات
كفوا عن نبوتي
تهبكم الجواري ما خلفه الخلفاء
انسحبوا
من بيت المال الذي من قراطيس وعسس
وانسحبوا
من خباء عائشة

الأغنية الرابعة:
ثلاثُ بكائيّات لمريم المجدلية تحتَ أقدام الصليب

البكائية الأولى: في الطريق إلى الصليب

أهدُلُ
مثل قنطارٍ من النبوة الجريحة
على مضائق البحار
أخفق توبة من بعيد
ردني لإنجيل البدايةِ عصفورةً
تحملُ بكارة الشتاء
وعنفوان المجدل الذي في السماء
والذي في اقلب

البكائية الثانية: تحت أقدام الصليب

عمَّ أتوبُ
والجدارُ ما بيننا طافحٌ بالعصافيرُ
كالحٌ كالنومٍِ مرةً أخرى لأجل المال
عمَّ أتوبُ
وخضوعي أغنيةٌ شقّت ما بين جلدي وجلدي
صوتُ ملوحةٍ
ما أبطأ هذي التوبةُ
ما أسرع ما تشكل جسمُكَ
على الصليب
البكائية الثالثة: تحت أقدام الصليبِ أيضاًَ

سيدي
ألن تقوم كي تصدَّق توبتي؟؟

الأغنية الخامسة:
"لِمَن سيكتُبها"

تداعيات الصمت والسكوت

* حاضر
عندما قصفوا هواء الشارعِ
قُمتُ قليلاً
كي أري حصتي من الهواء
لم تداهمها الشظايا
تركتهم يدافعون عن هوائهم: ونمت

1ـ عُري
على ليلي أقرأ تفاصيل السكوتِ
للقلبِ قوافلٌ
للريحِ ذاكرةٌ ومجيءٌ طفوليٌّ،
ولي خيالٌ لا يدركُ اللّيلَ
رسائلي عرايا
تكشفُني نصوصٌ غامضةٌ
تسقطُ إليَّ من بياضٍِ ثعلبي
من زجاجةٍ في البحرِ يتحرَّرُ قلبي
دونَ حدائقَ
متسخاً بصاحبه

2ـ فَض
أسكنُ هذا السكون
البياضُ فضيحةٌ مكتملةٌ
شوارعُ اله نسفت سورةَ الدُّنيا
وانحنت تلمُّ أعضاءَها
الجواريرُ ملأى بالجواباتِ التي
لم يفضَّها العاديونَ الثمالى
أفراسٌ شهيةٌ تضاجعُ حارتنا المنبوذةَ
وتلهثُ على مقرُبةٍ من دَمٍ ساخن
بلابلُ قلقٍ تفردُ الجمهورَ الليلكيَّ بمكواةٍ
تُنسقهُ لوجهِ القادمينَ
وتضحك

3ـ رُبَّما
على يجيَّ امرأة
أنتجت ورداً ووريداً ضائعاً
جّردتهُ من أسلاكه
وجردتني من لغةٍ فوضى
فيما البحرُ خشبٌ لا يتيحُ جلدهُ للمراكب
وللماء اجتهادٌ ربما
يكتبُ تاريخهُ بطبشورةٍ تحتَ المطر

4ـ ألَق
نرص الأمطار القليلةَ كي نمشي في
جوٍّ حالفهُ المطر
ذهبنا إلى سُراقنا دونَ أن نذهب
محطاتنا أكلتها العرباتُ
لم نحتفل بما خسرناهُ
إصطادَنا التصفيقُ كذُبابٍ مُزعجٍ
لنخرجَ من المطابعِ أكثر ألقاً وغموضاً

5ـ نيابةً عن
كاميرا تملأُ الكتب
يرفُّ مخُرجٌ بين موتين
يفشلُ المخرجُ
تفشلُ الكاميرا
تفشلُ الكتب
نيابةً عن جمهورٍ صغير

6ـ أسبرينة
تشوينا قررتنا على السكوت
وهذا الحديدُ من أصلٍ لُغوي
ينتابنا كلما تذاكينا
نصمتُ
نعلّقُ صمتنا وساماً على تذاكرنا النرجسية
نبتلعُ القصيدة ـ أسبرينةًـ
ونزقزقُ
كلغةٍ فاشلة

7ـ وزنُ المحاولة
كلُّ الموانئ سوفَ يهجُرها دَمي، كلُّ العرائس تنتمي لخطيئتي كي أغفر الأخطاء للموتى ولي، فوقَ المسارحٍ كنتُ نصّاً كالحاً يرتابُ في رؤيا سيكتبني لها عجزٌ يطرَّزُ صمتها حين التجأتُ لغربتي، أما رصيفُ نوارسي ما كان غير تجاربٍ غدرت بنصَّ الأمكنة...

8ـ يقول
له ريشةٌ ملونةٌ
وحدائقُ
وبعضُ أمانٍ
له صمتٌ يشبهُ نفسهُ
لوّنَ سكوتهُ الرفيع: واستمر

9ـ التّيه
عينان عاديتان
وطاولة
هذا التيهُ شبهُ مقهىً على رملٍ متشابهٍ
وخارطة
كأي ريحٍ مرت مرت الريح
واقفةً كخطابي فاشلٍ
أما مِزاجُنا
فلم يكن جاهزاً للتصفيق

10ـ خدعة
السواحلُ تضحك
القبورُ تفقدُ مِزاجها الدينيَّ
وتضحك
يضحكُ وجهُ السلاح المعبأ
أما فكرتي التي همشها الرصاصُ
فكانت تخدعني
وتضحك

هذا الدُّخَان

- 1-
كيف سأحملُ هذا الدُّخان
ويداي دُخان؟
ما اسمُك؟
ثلاثون تجعيدةً دونَ رؤى نبيٍّ
في وجه الساحل
قِديساً نصرانيا يخمشُ ريشةَ الصحراءِ
يحاول إبادةَ فكرتين
لم توصلاهُ إلى المدينة

-2-
الحياةُ فكرةٌ لا تُطاقُ
مرت هُلاميةً كليلٍ عادي
لكن الشابيكَ تضاءلت كمفتاحِ القلب
لم نعد نرى هياكلنا في زجاجات الكتابة
نحترف قرع النواقيس
ولا نجيد طقوس الكنيسة كاملةً
عبثٌ نحنُ
عبثٌ جوابنا الذي من أسئلة

-3-
جئتني
وجهاً معبأ باعتذاراتٍ سُدى
يدين من ندى
صلّيتُ كي تخرجي كاملةً
من زُقاق المرحلة
وصليتِ
كي أنام

-4-
صديقي الذي من قلق:
حبيبتي التي من ذاكرة:
لماذا تَلبسان العالم حين لا تجيدان الألوان؟
لم أغرز مزماري في جوقةٍ ربُّها المرحلة
أما الموسيقى:
كتبتنا لغةً أخرى
غير السقوط
وغير السقوطِ الذي يصلحُ للكتابة

-5-
مررتُ كذلك الهدوء الساقط من سياطِ التشابه
كانت لي مدنٌ ومهرجان
رقصت سكاكينُ المراحلِ في جسدٍ
ناقشَ أبجديةَ الأشياء
جمعتنا فكرةٌ لا تُصالِحُ
لم نعرف لمن نعبّئُ خُبزنا
أو لِمن نشعلُ الأظافر
إصطادنا ذئبُ الهجرة
كُفّاراً كهذا الذي من مبادئ
وحينَ ساومتنا المدينةُ
لم نجد ما تُساومُ به

-6-
أحببتُ اشتعالي
حين اشتعلَ بين أصابعك اللّحنُ
أفقتُ منكِ حين احتلّني بارٌ صغيرٌ
تذكرتُ
أنّي نسيتُ فيكِ شعلةً من هواء
راجعاً من رسالةٍ لم أقرأ كاتَبِها
بيديَّ قليلٌ من الكلام
ورسالةٌ نسقتها يداكِ
وحريقٌ صغير
قبلَ اكتمالِ الفوضى
في ترتيبِ الأنبياء

-7-
المبنى الذي من حجارة
صارَ قوساً من حقائب
أما الشهيدُ:
فيبحثُ عن حقيبةٍ وملامِح

-8-
أطلقنا لغةَ استغرابٍ فاشلة
لطوابير الشوارع حين مرّت فينا
داهمنا شكلُ الحياةِ
وبهدوئكِ الذي من خرافة
كنتِ تعجنين بعينيك القلب

-9-
أرحلُ إلى وجهي القديم
بحاراً نشفتهُ الشُّهورُ
كافراً تصقله الملوحةُ
مؤمناً
يكفره الطحين
أما التفاصيلُ:
خرابيشٌ عبثيّةٌ
كفكرةٍ لم تولَد بعد

-10-
رام الله
ياروحَ المدن:
لم تسكُني
كي تُسكِتي ولداً بالقلب
أي داءٍ تركته يهرس الدم
دون غيظ صغير
من بساطة الحلم

-11-
على أعين الشجر
قلنا ما في التحية من بساطة
لكننا لم نعتذر
حين لم يسقط مطر

فرضيةٌ غير مثبتة

ـ ألف ـ
عمري كلماتٌ ثلاث
تشبهني
حين أراقصُ الهواء
مشتعلاً كتموز

ـ باء ـ
حبيبتي :
أهديكِ حمّاي
لأعرفَ مَن أنتِ في هذا الهباء
مُرَتِّباً وجهكِ البرتقاليّْ
خميرةً للذاكرة
ومعنىً للعبث

ـ تاء ـ
لا تشبهيني
لمّا أمزِّقُ بكارةَ الحزنِ
واقتربي
من فيضانِ هذا الجفاف
ليكسو عظمكِ الجليدُ
ويأخذَ حصّتهُ الحطامْ

ـ ثاء ـ
إقتربي
كي تحملي جنينَ الجنونِ
في ليلةٍ قرنفليّةٍ
كي يذبحَ نصفُ الإجابةِ قصائدَكِ
وكي تلدي السؤالْ

ـ جيم ـ
تنحتُ الأضواءُ شهوتينا
نفرغُ ذوائبَ الجسد
نتمنى !!!
أن يلبسَ الشيطانُ روحنا
فنكملُ ما تردَّدَ في جُرحِنا
ونهدأ.. مثلَ بركانٍ صغير

-حاء-
تحطّمي
كي تفهمي
هذا الحطام سيدٌ يجازفُ من أجلِ الهِدايةِ
ضدّان
وجهٌ للتميُّز
ونصفُ حياةٍ حالمة

ـ خاءـ
لا أريدك أكثرَ من لحظة
وتذكّري واحمليني إلى أوّلِ المنام
حيثُ الخطيئةُ تشرقُ من دمِنا

ـ دال ـ
أعطني منجمَ العُشاقِ البسيطينَ
أُريكِ ما يستحقِّهُ الذين تراجعوا
أو أعطني مفتاحَ الأرضِ ساعةً
لن تجدي شيطاناً واحداً سجيناً

ـ ذال ـ
ستعرفين أي موتٍ سكبتُ فيكِ
حبيبتي:
الموتُ أقصرُ الطرق
باتّجاهِ الحياة
والأطولُ
نحوَ قصيدةِ المساء

ـ راء ـ
ننسَّق دورةَ الفصولِ
كما يرغبُ اللهُ
أو
كلّما تنحني الأنظمة

ـ زين ـ
نكسرُ المساءَ كما نشتهي
بخطوةٍ
أو بقطعةِ ثلجٍ
وامرأة

ـ سين ـ
الطيرانُ متعةٌ خرافيةٌ
جناحُنا
مازال فرضيّةً
غيرُ مُثبتة

الطبعة الأولى2000
دار شرقيات للنشر
القاهرة


إقرأ أيضاً:

  • مازلتَ تشبه نفسك