مأمون التلب
(السودان)

الإهداء
أمي...... السيدة/ رشيدة حبيب الله
أتسائل عن هذا العالم لأجلك
.....
أبي.......السيد/ الفاتح حسن التلب
متى تقتل هذا الغياب
....
أخي... السيد/ محمد الفاتح التلب
أينما يعيش الصفاء تعيش
....
أصدقاء لن أحددهم
أحن إليهم ... وينتظرهم العالم والبلاد الجريحة
...
إليها ... بينما أتعلمها حلماً وأرضاً عامرة

مشاهد تتلوَّن فوقَ جدارِ الخسارة

[ تتنبَّأ يا جسدي _ دائماً _
كيف تبدو بصدر مرايا السنان
لهذا أراك على طرقٍ قد تؤدي إلى محرقة
_ وقبل الوصول _
يتصاعد منك الدخان ]

لن تنبت السنبلة
بين أقدامنا ..
وتعيش الثعالب بين الفؤاد
وبين الرئة..
...
لا تغوص الأنامل
في لجةٍ شاردة... نحو جثتها..
دون أن تُرسَم المدن الوائدة
_ مثل حناء _
بين سواحلها..
...
فتعالى على الشمعةِ الشاحبة...
........................... ليس فيها سواكْ !!
تعالى على الشمس
إنها لا تخبئ خلف الفراش الذي يتحرَّق في جلدها...
غير الظلال..
الظلال التي نسجت كل شئ..:

  ( نغمات الخطى
والتلال التي تتناثر بين تضاريس حلمكْ
    ...
الشتاء الذي تطمئن إليه
الورد خلف القناع الجميل
خراب المدينة في أعين الشِعر
و الناي حين تكون الثقوب التي تتوزَّع في بوحهِ
تشبه البحر في بعده عن نقاء السحاب)
...
     
(1)    
تَحار الرؤى
عندما تستحم بشمسٍ
وتنفض عن نفسها بللاً واضحاً..
....
     
  مِقبَض باب المنافي
يحار
إذا ما رأى الكف تمتدّ نحوه..
ويخمن:
(أيهما يقبل الاحتراق الحنين وأيهما _ أولاً _ ينطفئ)
وأنا حيرتي
أنني لا أزال أردد:
[أنظري كيف أصبحت في قمتي
  سيِّداً للذنوب
شاحباً
كالغبار الذي يتشنَّج فوق غصون الصدى
أنظري
كيف يخدعني الورد
   
  حين تراه عروقي: (تميل مع العطر حيث يسيل)
إلى أن تفرِّغ ما يتراكم فيَّ من الجسد المتثاقل..
حتى أصير كما العطر............... لا ألتقي              أحداً لا أحد يتلقى مني سوى الانتعاش المزيَّف!!
إلمسي انحناءات جلدي
وعظمي:
   
  (كيف تبدو البلاد؟!
وكيف يذوب الرماد؟!)
 
(2)    
على نهرِ أغنيةٍ حذرة
أَلفُ حرفٍ تجمَّع بين ضلوع الشباك (التي لن أراها)
وألقيت تلك الشباك بقلب المياه
...
قلت:
(وماذا سأفعل بالحرف
  إن لم أكن ملكاً للغروب
     ملكاً للشروق
           .....أريد ملامح تيهٍ عميق)
 
وفي المرَّة الألف
جاءت إليَّ الشباك
محمَّلةً بالهواء الطري
لم يبق إلا حروفٌ تجمِّع أجسادها في الضفاف ...
خلع النهر في لحظةٍ جسد الماء
لم يبق إلا قليلٌ من الطين....
قال النهار الذي ملَّني:
(تأكد بنفسك لا تِيهَ في جسد النهر)
لكنني ابتسمت
وعدت إلى منزلي المختبئ
 
          في شجون الجحيم
          وأطفأت نفسي هناك بنيرانه الباردة!!
 
(3)    
كل الحبال التي صنعت
_ العيون التي قد رأت _
   
 

حبالٌ
_ عيونٌ _

لمشنقةٍ في أقاصي الدليل

 

(4)

نيزكٌ جالسٌ
فوق أطرافِ هذي المجرَّه
يَخلِف أقدامه فوق بعضٍ
يحدِّقُ صوب النجوم
_ التي أرَّخت للظنون على نهرنا المتعري من الانتحار_
ويسكر بالسنوات التي تفصل الأرض عنه
يخبئ في دمهِ قهوة العالم الباهتة
يظلُّ بعيداً كما فسرته المسافة...
...
نيزكٌ في فؤاد المجرَّه

لماذا يجرِّده الآخرون من التجربة...

(5)

في فوهةِ البندقية..
يرقد هاجس أن نلتقي بالحديقة.....
....
....
ندركُ أنَّا أقلّ ذكاءاً من القنبلة....

(6)

أرى (دستوفسكي)
  يلوِّح للساقية
التي تتمايل في سطحِ بحرٍ
تحوَّل في الصيف ثلجاً
 
أرى (أدونيس)    
  يذوِّبُ أنفاس نجمٍ
على وترٍ غامضٍ
ويرى الموت منتحلاً جسد الشمس
ثم يغني...
 
أرى (أبو ذكرى)    
  يفتٍّشُ في لمحةٍ سقطت من جروح الشجر
عن دماء الرحيل
...
في ثوبهِ
بقعة الحبر تخلع من وجهها دمعةً للحدود..
يترك كل الذي في يديه....
ثمَّ يخرج مبتسماً
تاركاً خلفهُ الباب.................... (موارباً)
أتتركنا هكذا؟!!
 
(أمل)    
  في لجة الطوفان
ويفتِّش عن اسمهِ
فيرى وجهه في المياه.....
يقرر في اللحظةِ التالية
 
أن يفتّش عن دمهِ    
(ضد من ؟!!
ومتى القلب في الخفقان اطمئن؟)(1)
وفي مخلب الوقتِ
بين البريق الذي يتنزَّه فيه
وبين الحطام الذي يتعبَّد فيه
أسائل (درويش):
 
  (أين الفتاة التي سلَّمتك إلى الهاوية
كي تعلمني الطيران وحيداً
وتنزع عني ثياب المكان؟؟)
 

(7)

تلك التي هجرتني....
.. أشاهد أشباحها في الشوارع
          تخطو
          فتصدر صوتاً كصوت الغصون التي تتكسَّر
          بين ذنوب الجفاف..

أتمتم:
( ياليتنا نتقابل
   
  في صدفة الزحمة القاتلة)
أشاهد أشباحها
ولكنها عندما عبرت جانبي _ فجأةً _
لم أرها!!!
 
رأيت أشباحيَ السافلة
تتهالك في الطرقات !!
   

(8)

الجميع هنا
(فئةٌ ناجية) !!
...

 
  لهذا سأختار عمداً دخول جحيم الإله
وأخنق في راحتيَّ الغنيمة
....
          وأفتح أشرعتي
          لرياح الخسارة ...
                    في طوفان المدينة...
 

(9)

( من يتساءل في هذه الأرض يعدم)
...
عندما نتساءل عن مصدر الضجر المستمر
نفقد الأصدقاء
..
عندما نتساءل (في سرِّنا) عن هطول المطر
تقصفنا الصاعقة!!
..
عندما نتساءل أين اختفت جثة الموج
سجن الرياح
وعمق الندى في عيون الخطر
نفقد العقل في أعين السابلة
عندما تتعرى الكتابة في داخلي
وتزيّن إغراءها في العروق
ثم تسأل عني
أفقد تلك الفتاة التي دائماً ما أراها
_ مسيَّجةً بحوار المياه مع الشمس _
في رصيف القطار
تودعني وهي تبكي
وتهرع حافية نحو أفراحها
في السنين التي سوف تأتي
بدوني!!
...
     عندما نتساءل باللمس
          عن جهةٍ تتصدع في دهشة الفقد
               نهجر بوصلة الدمع
                    في الانحناء الأخير لبطش الملك
                         ليتركنا الله في مغزل الاستحالة
                              نخيط شرود الغزال الفسيح
                                   على خنجرٍ مرتبك...

(10)    
  دائرةٌ لغذاء
دائرةٌ للمزاج
دائرةٌ للكتابة
دائرةٌ لاتخاذ القرارات
دائرةٌ للتراجع عنها

ودائرة الاتجاهات
(لا تخطئ الاتجاهات)
دائرة القلب مركزها في النزيف
وفي قطرها يكمن السر:

  (سر الخريف
وأشباح من يتهجى الرصيف ولا ينتهي
و الفتاة التي تتلفَّت عند التقاطع :
    [ ريفيةٌ صافية
مثل ريشة نسرٍ وحيدة
تدوخ مع الريح في الاتجاهات
تفضح زيف العواصف] )
..
دائرةٌ لمعنى الخسارة
لاتساوي سوى دائرة...
   

(11)

لن تعيش بدون شجر
     ربما يتشابه
          لكنه يختلف
               في حدود الظلال
                    في غبار السنين الذي يتراقص بين الورق
                         في الجذور التي تتعمَّق
                              باحثةً بالحنين... عن قاتل الظمأ المستبد
                                   أو...
                                        ( لتلامس بالهمس ... والشهوات
                                             معادن هذي الاراضي القتيلة في داخلي)

(12)

في آخر الرعب الجميل
يتفتح الحجر المضئ
ملوِّحاً للخطوة الأولى لشرخ الناي
يكشف خاطر المدن التي سكنته:
( أُرهِقت الحدائق من غناء الطير فيها
إستشفَّ الموت جثته القديمة في شقوق الضوء
حين يخمِّن الاحلام في رئة الرصيف البالية)
...

لهبٌ
على لهبٍ
وبينهما شفاه الوقت:

  تنسج قبلةً للتيه
و التجوال بين عيون عشاقٍ
يرون الغيم مقتولاً .. وينزف رعشةً سكنت
بعظم بلادهم
...
لهبٌ
على لهبٍ
وبينهما حقول الصمت:
  تطرد سرِّها من بين أجنحة الفراش المرتحل
صوب الحقول الباردة
_ تنمو على دم من يحبون البداية _
...
أعطني سري لاكتشف النهاية
ثم أقطع هذه الأقدام
كي يمشي فؤادي _ دون آلامي _
وابصر في الصخب
    لهبٌ
على لهبٍ
وبينهما ثلوج الموت:
تختار النوافذ في بيوت الحلم
تبكي
أو تذوب كما حنين النوم
في أرق النهايات _ الحواف الشاردة
وأنا أحدق
في النوافذ ... في الفراغ
   
  كطائرٍ هرمٍ
وبين يديَّ هذا الجرح
             و الرعب الجميل
 
(13)
   

[ في بيتنا
تتقافز سخرية المواسم:
قديماً:

 
  [أحذية كرة القدم
تتناثر عند الزوايا برائحةٍ نتنة
 
                           وابتسامات أمي
               تلوِّن أسماءنا .. والنبات الموزَّع في الواجهات
          و الجدران تلين لترى وجه حلمي يحوّم في الدار
     وحصار الأغاني يحدِّق في ضحكةٍ عابرة .. (تشبه جدتي)
 
وكنت أرى كل شئ
كل شئ ....
 

الآن:
لاشيء غير بقايا الخمور الرخيصة
دموعٌ مجمَّدةٌ في الملاءات
جرحٌ ضرير .. نسيته فتاةٌ معي .. (مثلما نسيت اسمي)
و (معنى) يَلوحُ بعيداً
على مسرحٍ من سرابٍ ...
يغني ... ويرقص
...
سؤالٌ يجف رويداً رويداً
فوق الوسادة:
(أين أمي؟؟!!)
..
البلاد التي أصبحت لا تهم أنيني
تأن على خنجرٍ
كان يرقد تحت السرير
....
... لوحةٌ نازفة
...
نَفَسٌ يتسرَّبُ مني
فيشبهني عارياً دون شوق
..
نباتٌ يراني
أنا ... لا أراه !!!
جملةٌ في الجدار الذي يتصلَّب
ضد السخط:
( عالمٌ للضحايا فقط!!)

إنتهى

سيرة النار
(محاولة لرسم خريطة الألم)

[هذا العالم مظلم
.. ظلمةٌ مضيئة
مضيئةٌ بالنار ....
النارُ
ذاكرةُ التاريخ
وحنين الليل لصبحٍ فاتر
لحبٍ
يشعلُ في الروح حنين الحب
وزلازل في العصب المَسنون
بهذا الرقص
...
أرقصُ في أحضان الألم
........ و أبصر]

  • ?خطوط المعنى .. في ثياب المكان

    (1)

    هي في هولها
    ..
    تَقْتَنصُ الوردة الحالكة
    من جذور الدماء
    ...
    تَقْتَنِصُ الومضَ
    من نابِ أغنيةٍ سافرة ...
    ...
    تجتثُّ من شهقة الشمس جذراً
    يفتَّشُ في تربةِ الفجر .. عن مخبأ القبر
    ...
    ثمَّ تكوِّن أنفاسها
    تتعانق ذرَّاتها ...
    جسداً تتخاطفهُ أعين العاصفة ..
    ...

    انتظر ...
    إنها تتفتّحُ .. أو تَتَحلَّقُ في لغةِ الطير
    و الطير في سحرهِ يتجمَّعُ
    تنحتهُ إتِّجاهاتُ ريحٍ على هجرةٍ
    صوبَ أطفال ليلٍ برئ ...
    ...
    انتظر
    إنها تتمشَّى على شاطئ الحلم
    ثمَّ تمثِّل دور النوارس في دقةٍ
    و أنا تائهٌ في محيط ...
    .... هي ذاكرتي
    و النقيض
    ....
    انتظر
    إنها تحتضر ...

    (2)

    أسيرْ
    ...
    حولي أماكن منسيةً في حجابٍ
    يعمِّدهُ الوهمُ شمساً
    ...
    أذرعةٌ
    تَتَشَقَّقُ من رحمِ الجدرانِ
    التي قد تحيط بهذا المكان ... وقد لا تحيط !!
    ...
    أذرعةٌ تَحمِلُ الصوت و البصر المحترق
    كقرابين للشوق في رئتيَّ
    ولا
    أسمع الهمسَ من جثثٍ تتوزَّعُ فوق شفاه الرصيف
    ..و شفاه الرصيف مشقّقةٌ بالبرودةِ و الإنتظار ...
    ...
    ضبابٌ حميمٌ
    يحوِّمُ حولي ....... يراني وحيداً
    و أنا أتوقَّفُ بين خلاياه ..
    ثمَّ أقدسه كي يخبئ عني الذي سوفَ يأتي ...
    ..
    أدركت أنَّ العراء
    ليس سوى وطن
    يتلظَّى على حلمهِ
    كان عطراً
    تراهُ السيوف:
    بعضَ شوكٍ .. وموتٍ وشيك ..
    ...
    و أمامك
    أشرحُ دون مواربةٍ يا عراء
    ما يتهتَّك خاف الضباب :
    ( البلاد الصبية
    تتوزَّعُ فوق دموعٍ صبية ...
    تتجرَّد في داخلي
    مرايا .. وثوباً يمزِّقهُ حدُّ هذا المدى
    و الصدى
    يتعانقُ مع موجةٍ
    جَرَحَتْ سرَّها .. و تعرَّت عليهْ
    يبوح العناق بنارٍ
    تشابه لون القُبلْ
    وفي لحظةٍ
    حلَّقَ البحر من أرضهِ
    و تكشََّف من صمتهِ
    أطفأ الشمسَ ..
    ثمَّ اشتعلْ )
    ....

    (3)

    عندما تصبحُ النار _ في لحظةٍ _
    جبلاً
    ...
    نتعلّم حفر الكهوف عليه
    ونقرأُ فوق يديه مصير الشجرْ
    ...
    نتعلَّمُ كيفَ نكون وحيدين بين صخور الألم
    ...
    و نسمّي النهار الذي يتهالك فوق التراب
    عاشقاً للسراب
    ....
    عندما تصبح النار _ في لحظةٍ _
    جبلاً
    ...
    نتسلَّقُ عمقاً جديداً من التضحية
    وندخلُ بين ثياب الفصول :
    (ندركُ أن الخريف الذي مرَّ منتحراً
    ليس من حقِّهِ أن يحدثنا عن لغاتِ المطر ...
    و أن الشتاء الذي لم يجد فرصةً لاختبار برودتهِ
    لن يحدثنا عن بريقٍ خبا في عيون الطيور التي هَجرتهُ
    الصيفُ مرَّ على عجلٍ
    بين أروقةِ الجبل المشتعل
    لكي لا يراهُ مرايا ...
    وكان الربيعُ يقطِّعُ أوردةً في زهور الرماد التي نبتت عالياً
    في القمم )
    ...
    عندما تصبح النار _ في لحظةٍ _
    جبلاً
    ...
    ستحطّ النسور التي قتلت عمرها
    _ بين انهياراتهِ و صلابتهِ _
    فوقَ كتفِ الصباح
    ثمَّ ترى ريشها يتساقط
    و الأرض تعلو
    رويدا ً .. رويداً ...
    و لن يجد الريش أرضاً يُريحُ عليها السقوط
    و لن تجد الأرض ريشاً لتعلو عليه ...
    ...
    يظل الصراع سجين الصراع
    و النار ظلٌ لذاك الجبل
    ...

  • دروب التضاريس .. في وضوح الرؤى

    (1)

    الأرض
    تشتعلُ الآن بالآخرين
    كتلةٌ من فحيح الغروب
    .... تستدير
    ...
    لهذا أسمي عيون القلق
    ودروب التشرّد باسم ارتعاش الندى :
    (الأرض)
    ...
    كان لدى الموجِ سرٌّ
    يخبؤه في السواحل و البرق
    ...
    لهذا رأيت رمال السواحل
    تطفو كدمعٍ لتسرقَ ما في الأفق من حنينٍ وحيد ..
    لهذا يمرُّ السؤال على البرق أسرعُ من ومضةِ الضوء
    _ دون اكتراث المطر _
    ..
    [- من أين تولد يا موج ؟
    - من أين تأتي الحياة ؟
    ...
    - الرعد يا سيدي يستجيب لهذا السؤال لأن
    التأخّر يرسمُ في الوجهِ بعضَ الملامح تشبهُ
    أرضاً تُدثَّرُ بالآخرين ...
    - لكن وقتك .... يشبهُ وجهك!]
    كان على النار
    أن تتواثب بين الشفاه التي تتحاور
    لكن إذا ما تغيَّر لونٌ عليها
    تكسَّرَ صوت المزامير بين حروف الحوار ...
    ...
    لن يجد القلبُ درباً
    ونبضُ النسيج الذي مرَّ _ من صدرهِ _ بصري
    دون جرحٍ
    سَيسفك أجنحةً قد نمت فوقهُ ....
    كان على النار أن تتوارى
    لكي يرتديها الجدار ... قناعاً له
    ويأتي الذي يحتمي بالتباس الخيال
    ليرقد جانبهُ
    يتسلى بنزف الزمن
    إلى أن يظنَّ الجدار مرايا
    ويبدأ في عزف ما يتيسر من صلواتٍ
    يبخِّر من رئتيهِ البلاد التي علَّمتهُ الجلوس
    على كلمات الترقّب ...
    ثم يعُدُّ الثقوب على زفرةِ الريحِ
    كي ما يُدين الصدى !!!
    و ترى مقلتيه
    أن البنادق
    هدَّت على دربها خطواتاً
    تشابه ذاك الحنين الذي يعتري الشجر المتعانقْ
    ...
    لا شيء يوصف
    سوى بصماتكَ
    حين ترى الموج يولدُ منها
    و في بصمةِ الموج
    نارٌ
    تضئ الصعود إلى سطحِ هذا الحضور العنيد
    ....

    (2)

    كيف تفتتحين المساء ؟
    ومسائي يحنُّ إليكِ
    ويبقى وحيداً ...
    ...
    خلسة
    تجرحُ الأرض وجه القمر
    ينزف الجرح في لغتي
    أندثر .... لكن ..... أراكِ ...
    الفَراش الذي حفظتهُ دموع الورود ... يحنُّ إليكِ
    و الهواء الذي يتنفسهُ النهر
    الصمت فوق شفاه الرمال
    و النافذة القلقة ...
    كيف تفتتحين المساء ؟؟
    و الرصيف يقلِّبُ ذاكرةً تتجرَّعٌ ما فيكِ من أغنيات :
    (أنتِ فوق الرصيف
    تضمين طفلاً يفسِّر عمق الظمأ
    في مسام البلاد
    يكسِّرُ لحن الصدأ
    في تهدجِ صوت المحبين في ليلةٍ شاهدة
    ...
    أنتِ فوق الرصيف
    تخترعين الشجر
    لهذا تظلُّ الطيور التي سكنتكِ
    مسيَّجةً بظلالٍ ملونةٍ
    و إخضرارٍ يذكر جلد الرصيف
    أنين الرياح التي عبرت شعركِ المختبئ
    في ضمير السنين
    وكيف تهاوت لترسم بوح الصباح
    لتحملهً الخطوات التي قد تمرُّ عليهِ .. و تمضي
    ...
    أنتِ فوق الرصيف
    تَعُدِّين ما يتساقط من جشعِ الكائنات
    لتصحو طبولٌ نمت فوق نبضِ الدليل(
    الحنين
    يقلِّب ذاكرةً
    تتوهج بالأغنيات التي شرحتكِ على وحدتي
    أنتِ
    يا................(وجهكِ النار)
    عند هطول لمساء
    حين تغيبين ..
    أرى مدناً تتصاعد في داخلي
    سفراً قاتلاً
    و أزقَّتها تنسج النهر في صدرها غارقاً
    ثمَّ تغرق فيها الصحاري
    ...
    وحين تجيئين
    في لحظةٍ تصمت الكائنات
    أتسرَّبُ عبر أصابعكِ الغامضة
    أتنزَّهُ فيكِ
    لأُقلِقَ ليلاً جديداً هناك
    عليهِ تنيرُ الظباء .... بُعد الكواكب
    يلتبس النجمً في لونهِ
    ويُصابُ كمانٌ تبعثر فوق الرياح بحمى الأرقْ) ...
    ...
    عندما ترحلينِ
    إلى وطنٍ
    وفضاءٍ يهرِّبهُ لمارة المتعبون إلى نومهم
    أتتبَّع خطوكِ
    حتى إذا ما وجدتكِ في حافة الكون
    و انتبه الآخرون
    ... أُقبِّلُ روحاً توحدنا
    تتساءل أين ستذهب
    حين تغيبين ... أو تحضري ؟؟!!
    ...
    كيف تفتتحين المساء ؟؟
    ولعنة أن نحتسي أمنيات الحداد
    بكوب الندم
    تتبارك في شهوات البلاد ؟؟
    ...
    نتهجَّى حروف الذي سوف يأتي
    على دمعةِ الأرض
    ثم نذوب
    كما شهقةٍ في انتظار الألم

    عدمٌ
    أن يغني الطريقُ وحيداً
    و تبقى شفاهُ الحريق
    تفسِّرُ لون الهزيمةِ في لوحةٍ
    قد تضم الولادة و القبر
    و الوقت بينهما تائهٌ ...
    ...
    كيف
    (وأنت التي_وجهك النار_ )
    تكتشفين المساء ؟

    (3)

    يحنّ القتيل إلى آدميتهِ
    و أنا
    لا أرى فيكَ يا لهب الثورة الشاحبة
    غير هذا القتيل !!
    ...
    ليلٌ
    سيمضي عليَّ _ عليكْ
    لكي نتشبث في ثوبهِ
    وهو يبحث عن لغةِ الإتجاهاتِ في دمنا
    فيُفاجأ بالقبرِ مبتسماً ....
    ...
    نتشابهُ في الكذب المتشابه
    لكنني أرفض الذوبان على قلبكَ المتَّسع
    تربةً للورود المريضة ...
    ...
    إنها لهجة الإنكسار
    التي لا تخص سوى الضوء
    حين يجرِّب درباً جديداً
    و أعمق من سطحِ هذي المياه ...

    (4)

    عنوةٌ
    و بكامل إصرار لون الأنين
    أذوِّبُ هذا الحنين على راحتيكِ
    و اكتشف النار فيهِ تعاني من الانتظار ...
    تبوح .. و لا يتقطَّرُ منها الجمال
    بل يتماسك ..
    بين أصابعها
    لتكون إلهً سيرسمني
    في انفلات مياهِ المضيقِ إلى البحر ...
    ...
    النار تبدو على جسدي .... جسداً
    حينها
    سوف يهرب منها الذين رأوا في القناع طريقاً لأحلامهم
    و أرى الأرض ملء الحريق ... وباطنها باردٌ
    لأن القبور
    لفظت نارها
    عندما وضعت شوقها للحياة
    في عيون الصغار الجدد ..
    ...
    ...
    كيفَ في زحمةِ النار ألقاكِ
    كي ما أذوِّبَ موت السنين على راحتيكِ
    أرى الحلم فيها يعاني من الإندثار البطئ
    ..
    حينها
    يتهاوى المدى عند نافذتي
    و أراني
    أنام على ركبتيكِ
    و أنتِ تُعدِّين في خاطري الأسئلة
    دون أن تنطقي
    ... أسجن الهمس في الطرق الواصلة .. بين نظراتنا
    و أقول :
    أنتِ ذاكرتي .. عندما أنطفئ
    ...
    ...
    غربةٌ تتنزَّهُ في أول القلبِ
    في آخرِ القلب بحرٌ و ناي
    أنتِ في المنتصف
    تقترحين النوايا القديمة .. و القادمة
    ..
    الشِعر في صمتهِ لغةٌ للغة
    وحين يغيب وراء تلال المعاني
    تُورقين الأغاني _ بلمستكِ الممطرة _
    في ثياب الشفقْ
    ...
    أنتِ ذاكرتي عندما نفترق ....

    (5)

    النهار هو :
    أن تتقيأ درب النهار
    وتبحث فيهِ عن الشوكِ
    أن تدركَ الخطو _ في سُكرِهِ _
    قبل أن ترتقيكَ ظلال الحصار ...
    و الحرب أنثى
    ترتِّقُ ثوب الحياة الفقير
    بخيوط الردى
    و التبرير لجمرِ الدموعِ على خدِّ طفلٍ
    يؤرِّخُ حمى الرصاص على ليلةٍ
    يرتديها الشتاء من البرد ....
    ......
    ..
    ويلٌ
    يراني على جرحِ باب الندى
    ثائراً .. لا يحب سواكِ
    ...
    جمرةٌ تَتَمشَّطُ في صدرهِ
    و تحدِّقُ في قلبهِ
    ليراها الجمال ...
    نخنقُ صوت البلاد التي أنجبتها
    نهاراً
    و حرباً...
    ....
    ...
    أنا سائرٌ
    جثَّتي لا تحب سواك
    خطوةٌ تتزيَّنُ فوق المسافةِ
    ثم تحدِّق في حركات التراب النبيل
    لكي لا يراها الشرود ...
    و تخنقُ في شبقٍ بذرةً
    نقشتها العواصف
    حرباً
    و وجهُ نهارٍ تشوِّههُ الأمنيات
    ...
    في نسيج الرماد ...

  • ?الحدود

    [و .... غداً
    عندما ألمس الكائنات
    و أحس بأنَّ حريقاً يُجمِّلني
    ويبلِّلني بالحنين
    أقول :
    أيتها النار
    كوني
    برداً
    وسلاماً
    على الشياطين]

    حوارٌ بعمقِ السواد..


    هيكل
    المساء
    تدلى...
    ..
    والخيول التي زَحَفت فوقهُ
    حفظت موضع الكسرِ
     
      ها صهلت..
    كي تدير العيون التي برقت في الظلام إليها..
    وتُفزِعُ راياتها الشاهدة..
    أقولُ:    
      أُحبكِ
              أو
                        ليتني عاصفة..
    علّميني الفضاءَ
    أُعلِّمكُ الموت بين نسيج السواد الجميل
       
      حين المساء
    يُدلِّي هياكلهُ
    ليباركَ ما بيننا من رمال الدليل..
    والخريف الذي لن يجيء
    يجيءُ إذا كنتِ نائمةً تحلمينَ بحلمي..
    حينها سأنام لأحلم أكثر
    وأصحو لأكتشفَ الفرق بيني هنا..
       
      وبيني هناك!!
    داخل الحلمِ
    كنّا معاً..
    قلتِ في سرِّنا :
     
      (إذا ما تسرَّبَ بعضُ الملل
              في مسامِ الجحيم
              يسلِّي عذاباتهُ بمحاورةِ الجنةِ الخالية
    ويقول لها:
             لم يخبرونا بأيّ الأغاني سَنُرسَم..
             وأيّ العيون ستحشرُ في دمنا..
             لهذا أمرر كفي بصدري
             لِأُدهِشَ برقَ السواد هناك
    وأدرِكُ أيّ العيون اصطفيت
             لألهو بها
             وأصلي بها
             ربّما لستُ شرَّاً
                      أنا..
             ربما لست حلماً لهذا الصقيع..)
    ...
    قلتِ في سرِّنا:
    ( الجحيم جميلٌ
    جلوس المساء و (أنت)
             بقلبي جميل)
    ..
    قلتُ:
       
      (أنتِ سيّدةُ الأرض...)
    قلتِ:    
      (سيد الأرضِ أنتَ)
    ..
    قلنا سوياً وفي سرِّنا:
       
      (الأرضُ سيدةُ الأرضِ)
    ثمّ ابتسمنا.....
    ...
    هذا حزني:
       
      أن أختار ...
         وأن أعلن الآن أن الحياة
              هي الدرب والخطوات
                   شكل الرياح
                        ورائحةِ الشجر المحترق
                             والذبول...
    وليس الوصول...
    ..
    هذهِ بيئتي:
      السواد...
    لأن الذي وحَّشَ الغيم
              والأرض
                   والكون
    كان البياض يعري أياديهِ
    من وظلمها..
    وأن الحبال
    وأحشاء كل المشانقِ
    مخنوقةٌ بالبياض
    ..
    والنبي البعيد
    عندما يهجر الأرض
    يحملُ في قلبه ابتسامته
    تاركاً
    ثوبهُ
    أبيضاً
    لحماةِ الحروب
              رعاة السجون... وأرحامها
    يتسرَّبُ بعضٌ من الثوبِ
    يصبحُ خيطاً يرفرفُ في علمٍ
    يتمايلُ في غنجٍ غارساً نفسهُ
              في عيونِ الجثث..
    ..
    أُجيدُ السواد
    لأن البياض دمٌ للعبث
    ..
    هذا جسدي:
      (ليتني عاصفة)
    آهِ
    يا ليتني عاصفة
    لكي لا أموت وحيداً
    بل سيدفنُ في جسدي بعد موتي:
        حطام البيوت...
    الحقول المسنّةِ والكاذبة...
    جلود النوافذِ
    _تحمل آثار من يسهرون صباحاً_...
    وصعقة من يتهشَّمُ فيهِ الجدار الجميل
    وهو يقطفُ أزهاره في المساء..
      ليتني عاصفة
    لأقول بأنكِ حين تغيبين
    أُحسّ بأن جميع النساء ذهبنَ
    وحين (سأنساكِ) يوماً
                        أقول بأني نسيت بمنعطف الدربامرأةً واحدة...
    ..
    ليتني عاصفة..
    لأصير لوجهكِ مرآتهُ
    وأكسِرُني حين تبكين من خطوات الغبار
      الذي يتجرَّحُ فوق شرايينكِ الـ...كارثة
    أسودٌ لون كفيكِ
    حين تموت الغيوم عليها
    وتصبحُ مهداً لهذا المطر..
      أسودٌ كل هذا التعب
    بين نهديكِ
        هذا التعب
    في جفون الجبال الكئيبةِ
    حين تكسِّرُ أنفاسها فوق صوتكِ
            أو
            تعبٌ
      في زوايا روائحَ تنسلّ من جثةِ الشمس
    حين طفت فوق حبّكِ لي
    _ فوق رملكِ أيتها الأرض _
    أيتها الغدر
    في لحظات العناق الطويل
    وفي لحظةِ القبر!!
       
      إرمي بكل البياض بأنياب هذي المذابل
      ثم اغسلي الماء من لونهِ
            عبّئي جسدك
            ببقايا الغسيل
             واقتلي اسمكِ أولاً
                     فهو قيدٌ خفي..
    فالذكريات التي تتقافز
    عبر الغروب وعبر الشروق...
    الذكريات التي لن تذوب بوجهِ المساء
    كما لمحةٍ سقطت صدفةً في شفاهكِ
    ثمَ نَمَت شجناً في ضلوعي..
    ..
    هذه الذكريات
    خيّرتني
    لأفتح قلب السفر
    وأختار اسماً يناسب مشهدكِ المختبئ
      في جروح السواد..
    وأنتِ
    تقولين بأنّ أصابعكِ الشاردة
    لم تمشّط ذهولاً تدلى على جبهةِ التاريخِ
    وأنهُ لا يهمكِ في شئ...
    إذاً..
    كيف أراكِ موهِّجةً انحرافاتهِ
    ومغيّرةً اتجاه البحار التي سرقت اسمهُ
    دون أن تشتهي ذكريات البياض؟!!
    ..
    قلتُ:
      فليذهب الاسم أنّى يشاء بنهر دمي
    وليكن في دمي فيضان الغروب/الشروق
    (فمن كان منكم بلا حلمٍ
    فليرمِ هاويتي بجسده!! )
    ...
    وكشخصٍ
    يغسل أحلامه تحت أمطارها ويغني
    أقول:
      أنتِ
    جميلةٌ
    جداً..
     
    ..
    يدايَ شجوني...
    هنا
    كنتُ محتطباً قلقي
    عابراً تحت نافذتك
    كنتِ خلف الزجاجِ شتاءً يقلِّبني فوق أنّاته
    ترفعين الغطاء
    وتلقين لي شهباً من خيوطِ العناكب..
    لكنني كنتُ في وقتها
    أتسامحُ مع قبلةٍ فاترة
    نسيتها شفاه الشتاءِ البخيلة
    ..
    لم يكن في يدي دليلٌ
    ولا سببٌ لاشتعالي وحيداً بعينيكِ
      يا ساهرة
    عند نافذةٍ
    وتخيطين لي شهباً من خيوط العناكب
    كي أتشبَّث في جلدها كالمشيمة
    ثمّ تموت الولادة في خاطري
    وبفأس السراب
    أشقّ لها في رؤوس المرايا
    قبوراً تبعثرها
    لترى في الكوابيس أشلاءها

    لهذا أقول : يدايَ شجوني
    يدايَ التي رسمت كل هذا بخصركِ ليلاً
    وقد كنتِ نائمةً
    تحلمين بحلمي
    ...
    ...
    أتساءل
    كيف سحبت غطاء السماء
    وألَّفتِني طرقاً ضائعة
    فوق عري الفضاء الفسيح..
    حينها
    كنتِ مخفيّةً ومخيفة
            _ وهو خوفٌ رقيقٌ على كل حال _
    وسوَّدتني
    ثم هاجرتِ في الفرق بيني وبينكِ
      شوكاً يسد الأفق؟؟!!  
    ...
    أتساءل
    كيف سحبت حجاب العروق
    وألَّفتني لغةً واسعة
    في مضيق الدمِ المستحيل
    وأرَّقتِ هذي الأصابع ... برعشاتها
         وأرَّقتِ رعشاتها بالقيود...؟!!
      ..
    أنتِ
    جميلةٌ
    أبداً...
     
    كيف ذهبت؟
    ..
    ذهبتِ بلا شمعةٍ واحدة
    في جحيم البياض الذي لن يعود؟!
       
    نقوش على ملامح الغريق
    أتوقع أن أنتقي غيمةً من يديك
    أعلَّمها كيف تكتب شعراً لتكشفَ في خاطر الحلم درباً
    إلى بلدةٍ لا تحب المطر
    ثمَّ تمضي إليها بكامل زينتها ..
    ..
    أتوقع وقتاً غريب النوايا .. يسير على حافةٍ
    لا تخصّ البكاء و لا الحزن
    لكنهُ يترنح إذ يتخيَّل ريحاً تشابهُ فصل الحنين الذي لا يُحسُّ
    إذا مرَّ عامٌ
    إذا مرَّ يومٌ .. إذا مرَّ وقتٌ غريب المرايا ..
    ................
    تكسَّر لونٌ على انحدار السماء
    فمالت تجاعيد المدينةِ نحو الغناء
    وكانت شوارعها لا تضمّ النّحوت التي عبَّرت عن براءة أطفالها ثمَّ كانت شوارعها تتقيأ أشباح عشاقها حين يبكي المغيب ...
    رويداً .. رويداً .. سيمضي الغريب إلى دارهِ
    ثمَّ أصبح أعمى .. وتشتدُّ أوتار حلمي على ساعد الغيب
                                هذا ضبابٌ سيكفي ليرسم وجهك
    هذا سرابٌ سيكفي ليخدع لوناً تكسَّر عند انحدار السماء الأخيرة
                                السماء التي :
                                كلما حنَّ طيرٌ إليها .. وحلق فيها
                                                            أصيب بِبعد النظرْ ..
    ..
    أتوقَّعُني قَلِقاً .. لا ينام يقينٌ بليلي لأجرحهُ بمنافي الشجر
    و أحسُّ بأني غريقٌ .. لأدرِكَ أني أرى السطح
    و القاعُ فيَّ قتيلٌ :
    ( كما وطنٌ لا يرى حين ينسرِبُ النهر نحو جهاتٍ تراها الضفاف فيندهشُ الطين من شدة الدمع)
    [أعرفُ ذاكرتي : ( يتَّسع الدرب فيها لتحملَ ما كان من خطوات الرموز السخيفة و الأمكنة .. و أعرفُ أن الجميع يَدقّونَ طبلاً يُحبّونهُ كي أحسَّ بحرّيتي تختنق ثم أرقص حتى يشاء الإله .. و حتى تشاء الطبول) ]
    ( أحس بأن عمري قصير
    و أني على الأرضِ سائح )
    و أن الصباح الذي إقتسمناه في المفترق …
    ليس في قلبهِ ريشةٌ تستطيعُ السموَّ لترسم وجهك
    حين الشجر ..
    يتجوّف حتى يجف الشتاءُ عليهِ و يصبح ما فيه من صرخةِ الناي محضُ صدى ..
    ..
    أحسَّ بأن ملاكاً سيبكي تساقط ريشِ جناحيهِ حتى تجف البحار
    وتكشف عن قاعها المتشقق من جثث الضوء و الحلم ..
    لكنني لست أدرِكُ نفسي :
      [أراكِ تنامين في خاطري
    وردةً .. وحريق ..
    و أرى ومضةً من بروقٍ حزينة
    تمرُّ على نبضِ نجمٍ جريح
    أرى النجم يهبط من درجٍ صنعتهُ الأساطير في عريها
    ليشقَّ الطريق إلى روحك الواضحة
    ثمَّ يمسكُ في كفهِ دمعةً تستحيل كماناً أنيقاً .. ويعزف..
      ..
    تميلين
    ينسابُ ليلٌ وحمى .. و يولدُ حلمٌ
                     تميلين
    يشتعل اللون في همستي
    يَنبتُ الشمع بيني و بينك ثم يغني
    تميلين
    أدرك أن المدى سيّدٌ في يديك
    ويكشف عن عتمةٍ سَقَطت من نسيج القدر
    ثم ينفخ فيها حدائق من روح قطر الندى ]
    ها هنا
    زمنٌ يتدفق .. يترك في إثره هيكلاً مستديراً كما الأرض .. و أراني أعُدّ العظام و يصغر سنِّي لأصبح طفلاً أمرِّرُ كفي على الهيكل المتقرِّح كي أستكين فأهمس
    يسقط من شفتيَّ نهارٌ يغطيهِ شيباً
    ( أحس بأن عمري قصير
    و أني على الأرض سائح )
    ..

    أنا باهتٌ
    و البريق الذي دفنته الأكاذيب في لغتي … باهت
    ليس لي غير حبٍ صغير
    و يخشى المرايا لكي لا يرى قبحهُ
    ......
    كم أحب المسافة بين الحريق و بين الرؤى
    فحريتي تترنَّح فيها من الخمر
    و الخمر قد يتفصد من بشرةِ الحلم ثم يجمده البرد و الوحدة الخائنة
    أحس بحريتي تتخللني ثمَّ تمضي إلى شبحي و الذي لا يفرط في لحظةٍ صامدة
    إذاً

    إنها النافذة :

    • لا تميّز طعم الشتاء من النظرات التي تتدفق مني عليها إذا حطَّ فوق دمي وترٌ من أنين المساء .
    • لست أذكر أني انحنيتُ عليها لأخبرها ( كيف أحلم ) كي تتوعدَ قلبي بهذي الشروخ .
    • أخبرتني بأنَّ التواريخ تولد يوم رأيت الحياة .. و أن الجسد يتحمل جرحاً يكوِّنهُ دوران الكواكب .. و الناس .. و الحب .
    • كم كان صمتاً جميلاً ينام عليها .. يتمايلُ في داخلي مطراً ذابلاً .. كي أناجيه/ أرسم في صدرهِ وجهكِ كالأبدْ / ليشتعل الورد في جانبيهِ .. أحبكِ .. و أني (أحس بأن عمري قصير
      و أني على الأرض سائح ) ]

    ......
    أتوقع أن الغريق يحن إلى الماء ..
    و أن الشواطئ تنتصِبُ الآن في سطحِ أضلاعهِ
    و بلادٌ تسيجه بالبقاء
    شجرٌ يتعرى بداخلهِ من ظلالٍ و يجهش بالشمس !!
    و النار طبلٌ جديدٌ يُدق فيرقص ماضٍ و حاضر ..
                  و تَقْتَصُّ رؤيا من الضوء
                      ( ينتفض الحدس من سريان التأمل
                            ثمَّ يعود مميتاً و أَوحد ...........)
    ستمضي المنافي إلى حتفها في دمي
    فحنيني إليكِ غريقٌ على :

    ( كل يومٍ أحبكِ أبعد .... )

    ****

    أغنيةٌ لخريفٍ جديد
    بأمسٍ غريب.....

    (عندما صرخت...
    لم أشأ أن أزعج الموتى
    ولكن السياج علي ضاق
    ولم أجد أحداً يسميني سياجاً)

    (1)

    بالأمس
    تشرَّبت برقاً صغيراً
    أضاع الطريق من العاصفة ...
    برقٌ بخفَّةِ صوتكِ
    أيضاً برقَّة من يتمشى على الماء دون ارتعاش اليدين ..
    ولم أسمع الرعد بعد
    كنت أحدِّقُ بين ضلوعي
    فأسكر من اختلاط الشموع مع الحلم
    كنت أرى عند منعطفات الشوارع

      ظلاً .. يعانق ظلاً
    فيشبهني عارياً
    من دموع النهاياتِ
    يجعلني أتلعثم حين أقول:
      (بما أنه المنعطف
    فهنالك دربٌ جديدٌ
    سيكتشف النار في جسدي
    وسأكتشف البرد في جسده
    وما بيننا من رماد الذين مضوا فيه قبلي
    نسميه ظلاً على حافة الاحتضار)
    (2)    

    بالأمس..
    تعرَّفت جيداً بالإسفلت
    وأبصرت فيهِ
    توتّر أقدام من ينتظرون نساءً جميلات
    أبصرت أقدامهم تطرق الأرض
    ألَّفت منها أغانٍ
    ولم أنتبه أنني واحدٌ منهم
    لهذا .. لم أتساءل لماذا تميل الشرايين والعبرات
    مع اللحن؟!
    كنت أود بأن يتفتَّح ظلي
    ليكشفني عارياً من جروح البداياتِ
    لكنني كنت وحدي تماماً
    وليس هنالك وقتٌ لهذا السخف...
    ..
    (3)    
    بالأمس
    في زحمة الحفل
    كان المساء يداعب أقدامنا
    ونوافذ أحلامنا
    والضوء يلبس سهرته
       
      يتمايل خيطاً فخيطاً
    على وقع نظراتنا..
     
    والنساء بأقفاصهنَّ
    يعرضن ذاك البريق الذي يتنزَّه مُلتَبَساً بين قضبانها..
    البريق الذي يتشمَّس تحت الجفون
    يرشُّ بأنفاسهِ نغمات الكلام الذي يتبخترُ فوق شفاهٍ جميلة..
    رأيت الطيور التي لن يراها أحد
    تتحلل تحت الكراسي
    رأيت الكمان الذي فرّ من عازفٍ سارحٍ في عيون فتاةٍ
      يمزِّق أوتاره
              سفراً
                        سفراً

    ويلوِّن عينايَ بالرائحة
    رأيت أبي واقفاً عند زاوية الإنتظار
                               دون أن تتوهَّج عيناه حين رآني
    رأيت سراباً يلوِّح للراقصين
    ليخبرهم بالرياح التي غيَّرت صوت ذاك المغني الكئيب
    فصار يشابه صوت المطر
    الذي يتساقط في خفَّةٍ خارج البهو
                               كاللص حين يحاول أن يسرق5 النبض
                               من قلب طفلٍ رضيعٍ
    وكان المغني كئيبٌ
    فلم نكترث للدخان الذي يتصاعد من ثوبه برهةً واختفى
    ...
    قلتُ دون كلامٍ:
                               (لماذا تظنين أنَّ يدايَ جناحايَ ؟)
    قالت بصوتٍ خفيفٍ
    كأنِّ المياه تلوِّحهُ بابتسامتها :
                               (لم أقل أنني أعشق النهر
                               لكنني أعشق الطيران قريباً من الماء)
    كنتِ معي
    لهذا رأيت الخيول تجرّ المدينة عبر النجوم
    وتتركنا وحدنا
    نتجادل حول العدم
                               والربيع الذي لن يجئ
    وكنت مسوَّرةً بشموع دمي
    ...
    ولهذا
    نحتِّ ملامحكِ فوق ذاكرتي
    مثلما نُحِتَ البحر في الأرض
    لكنني _حين غادرتِ_
    خمَّنت أنَّ دموعاً من البرق قد سُرقت
                               حين أغفلت أن أتأكد من ثغرات السماء
                               التي سكنت جسدي منذ عهد الجفاف

    ....

    (5)

    بالأمس
    بكيت كمن عرف الهاوية
                    سقوطاً
                                    سقوطاً
    كمن يختفي من يديه وأحلامه الفرق بين المنافي
    والفرق بين الفصول التي تتشرّبها خلجات البيوت القديمة
    تتشابه يا عالم الصمت
                    والسنوات الذليلة
                    مثلما يتشابه في رئتيّ الهواء

    (6)

    بالأمس ...
    تشرَّبت برقاً صغيراً
    أضاع الطريق من العاصفة
    ...ولكنني في اللحظات الأخيرة
                    كنت.... منتصباً
                              فوق قبر الرياح
    وأنتظر الرعد باللغة الحافية
    تناثر بردٌ على خاطري
    تهجيت ما مات مني
    وأدركت أن التي نسجت صمتها فوق هاويتي
    والتي سرقت دمع برقي
    ستكشف للرعد درباً جديداً إلى ثغرات السماء
                    التي سكنت جسدي
    وبالأمس
    حين رجعت إلى البيت
    لم ألتقي أحداً
    كان بيتاً فحسب
    وكان المساء كما هو...
    كان الخريف كما هو في حزنه الأزلي..
    ليلةٌ مثل كل الليالي
    ولكنني أتساءل في الغد:
    (ما الذي سوف يحدث بالأمس؟!)
    ...
                   لم ألتقي أبداً
                   كان صمتاً فحسب...

    (انتهى)

    كتبت هذه النصوص في الفترة من 2003-2004م
    السودان
    eltlib2@yahoo.com