نصار الحاج
السودان

مدخل:

" عبر منفذ صغير
دخلتُ عالمه الرحب
استغرقتني كنوزه
ضاعت مني بوابة الخروج / ...
كاتبة مجهولة "

أشتهِي محبةً تليقُ بالبنات

نصار الحاجكلَّما
فتحتُ بيتاً للشياطين
أيقظتْ قناديل خوفها
ومشتْ تفتحُ بوابات الهروب.

كلَّما
رأيت الفضاء يتسع
وقف السقف منخفضاً جداً
تتساقط تحته الشهوات.

كلَّما
رأيتها
كأبهى إلهٍ تُدير الحنان في بيوت الأحلام
نزل المطر
ومشى
كالنهر يحفر الأرض
مثل لذة الجسد
يُضئ شرفةً لوقتنا الذي ينامُ في البعيد.

كلَّما
غازلتها
هربت تفتِّشُ عن معاول
في القواميس التي قالتها بئر العائلة
لكنها
يوماً
ستخرج من كهوف الصمت نافرةً
تفضّ بكارة السنوات.

كلَّما
كلمتها في البيت
أو طريق الحافلات
سال من بريق صوتها
صهيل شهوة مقدسة .

كلَّما
رأيتها
مثل وردة الخريف
في تلال بيتها
رأيت ضوءها
يطل من بوابة الصباح
ينتشي على تخوم
سيرة تلامس الشبق.

كلَّما
لامست صوتها
لامست نجمة
تصلي في محراب طاعةٍ
تخص روحها النبيلة.

كلَّما
صحوت باكراً ناديتُها
ناديت جنة البنات
طفلة البراري
إذ تعيش في دمي
لنمشي عالياً
نحطمُ السقوف كلَّها
نكون مثلما رأينا وعدنا
يجئ من سحاب البوح تحت خيمة المطر.

كلَّما
أشتهيتها
فتحت شارعاً لصرخة الجسد
رأيت قادم الأيام يحتسي
مياه حبنا على شوارع المدينة
رأيت وردة بيضاء تشتهي قيامة الجسد.

كلَّما
شاغبتها
تركت حقائبها
وجاءت.
عن سرير الغيم نحكي
عن رحيل ماهر في نشوة الأرواح نحكي
عن صديقتنا الوحيدة في بحار الليل نحكي
عن نداء القبلة الأخرى
نكلِّمُ طائر الليل الأنيق.

كلَّما
داعبتها على رصيف الأمنيات
كنا ساحرين
ساحرين . . . ساحرين
نشتهي مدينة تخصنا
بشهوةٍ طويلةٍ
ورغبةٍ جموحةٍ
تُزيحُ حشمة الأيام عن سلالم المطر .

كلَّما
عانقتها
لامست وردتين
كالدرويش غبتُ في نهاية الأسرار
تحت خيمة الرياح
سرتُ عابراً لوردةِ الجسد .

كلَّما
خبَّأتُ صورتها
رأيتُ علامةً للسحر
تخرج من تفاصيل المكان
إشارة للنجم
تملؤها منازل من أساطير الجمال.

كلَّما
رأيتها
تزرعُ بيتاً في غاباتِ النوم
بخبايا وحكايات
تُشْبِهُ أسرار الأطفال
أتْبَعُهَا بهدوءِ سحاب أبيض
ألمحُ خيطاً
يفتحُ باباً للكون
كالشجرِ الباسق
أعلُو
أتسلَّقُ دَرَجَ المجهول
أتناولُ كأساً من أوراقِ الحُبِّ بعرشِ الرِّيح
أقطفُ ثمراً أشهى من فتيات إبليس المجنونات.

كلَّما
صافحت خيط نبعها
أرسلَتْ كنوز مائها
لبؤرة السماء
وكنت وحدي
في حدائق التراب
أشتهي نزول نهرها
يصبّ في مراقد الشجر.

كلَّما
وجدتها في سهل غرفتها
كراهبةٍ مهذَّبةٍ تُصَلِّي،
هرَبنا مرَّةً أخرى
نعلِّقُ رغبةً في الجِّسْرِ
تحت صفائح الإسمنت
نفتحها براكين الجسد.

كلَّما
تركتها في الباب
تمسحُ قبلةَ الليل الأخير
تنسجُ معبراً للبيت
تسكنها مخاوف من حصون العائلة
هزَّتْ يدي
قالت
كآخر لهفةٍ في شارع الكلَّمات
حتماً
سيفتحنا الوداع
لسيرة اللُّقيَا
ويرسمنا خرائط في المدى.

كلَّما
عُدتُ للوراء
خلف البدايات
قبل أن يلدَ التاريخ
فتاة أيامي
التي غسلتْها امطار فبراير
كانت سيقان الأشجار عالية
تُلوِّحُ بفاكهةٍ خضراء
غرَستْهَا مشيئة البنت
التي زرعت أيامي
دماً يمشي بين آلهة الحب
يُضئ المشاوير
لأنجال الحياة القادمين.

كلَّما
رجوْتها
لتترك عطرَها
يفتحُ الرِّيح
نحو شهوة لا تموت
ذابتْ في المكان
تُلملمُ لذّتها
تطرقُ أقفال شهوتها
لتفتح الأبواب.

كلَّما
سألتُها عن داخل الإطار
خبَّأت إجابةً مراوغة
ربّما
لتصرخَ الأزياء كلُّها
على شواطئ النهار حينما
نغادر المكان
سادرين في سماء عالَمٍ مؤجَّلٍ
لرغبة الفرار.

كلَّما
خطفتُ قبلةً
صمتنا ساعةً
نرتب المشاعر التي
تقافزت
كطائر الفينيق
في دوائر الزمن
فتحنا شاهق الأيام للمطر.

كلَّما
شرختُ أنسجة الملابس
وانتهيت إلى ظلال خلف أستار السَّواد
رأيتُ عالَماً
يصيحُ
فاتحاً مسارح الكلام في دفاتر الجسد.

كلَّما
أحتضنتها
ظللتُ واقفاً
على أعتاب نهدها
أباركُ الغياب
في مفاتن الجسد.

كلَّما
لامستُ شفتيها النَّاعمتين
أبحرْنَا
كطائرين طليقين
نشتهي
عُشَّاً دافئاً
يُشبهُ أحلامنا في الأغنيات.

كلَّما
رأيت نهديها النافرين
يشهقان خلف الزَّرائر
ساقتني أزهار البنات
إلى صفيح الأمنيات الشَّاهقة.

كلّما
أنتظرتُها
على بوابةِ البيت
الذي يأوي الفتيات اليانعات
زرعتُ غابةً من الأحلام
وأنتهيتُ عاشقاً
على طُيوف مريم العذراء
أشتهي
محبةً تليقُ بالبنات.

كلّما
تركتُها
منتصف الليل
تغزلُ الأصوات
في غرف النساء المُسِنَّات
تُخبئُ الأوراق تحت الوسائد
تسمعُ القصائد
بزهو امرأةٍ بدأت مشاوير العِصيان
كنتُ هناك
على ضفاف البيت
أغزلُ الشوارع بالذكريات.

كلَّما
رفعتُ فستانها حتى ورْكَيْها
لتنفضَ الغبار عن أطرافهِ
انحنت قليلاً
بابتسامةٍ خجولةٍ
أيقظت مصائد الليل
في كهولة الرغبات .

كلما
ناديتها
رأيت وردة البنات
تخرجُ من خلف مياه الغيم
إمرأة من لبن الآلهة القدماء
ظلّت تسكن أوردتي
تزرعها عشقاً
بأناشيد الكون الرَّائقة المعنى.

كلّما
رأيتها تسير في ظلال الليل
كنتُ شارداً أُلوِّنُ المكان
مثلما رأيتها
تُبلِّلُ التَّنُورة الحمراء
بالدخول في محابر الجسد.

كلّما
غنَّيْتُ في سهول صدرها
أبحرتُ قطرةً
فقطرةً
أشدُّ قارباً على تلالِ نهدها
نطيرُ في السماء
نفتحُ الأسوارَ
للنجوم كي تُضئَ لحظةَ العِنَاق.

كلَّما
أشتهيتها
كلّمتها لنمشي عالياً
نمارس الحياة في هواء بيتنا
هناكَ
إذ نعيش حالةً تخُصُّنا
تخصُّنا
تخصُّنا ..

كلَّما
غادرتُ أرضها
أتيتُ لاهثاً
أعيشُ في رحاب نورها
سيرة الرحيل شاهقاً
على شعاب قلبها الأمين.

كلَّما
أنتهيت من كتابةٍ
طيَّرْتُ حبرَها بسرعة البروق
للتي على سريرِ قلبها
تنامُ شَفْرَةُ الغريزة
للتي على بساط نهدِها
قرأتُ طالع القصيدة
للتي سميتها أنيسة الحياة والكتابة.

كلَّما
أقتربت من منالِها
وجدتها تنير دربها
تسير في الطريق
مثلما عرفتها
صديقةً
وعاشقة
ونجمةً تكلِّمُ السماء عن نبوءة الرِّفاق
في سهول وعدها
أحببتها وسرت في ثياب بحرها
أعيش لذّة الحياة .

كلّما
راوغتُ أشواك الغياب
زارتني رائحةُ الحبيبة في مدار النوم
ساقتني
هُناك
إلى تخوم الروح
نبدأ رحلةً أخرى لذاكرةِ الحُضور.

كلّما
سافرتُ
غادرتُ المدينة نحو أسوار الغياب
ظللتُ منسياًً على قاع الرُّطوبة
حافياً أبكي مواقيت السهر
تلك التي
كنّا نُسمِّيها
مراسيلَ الأحبّة في قواميس الأمل.

بيتٌ من نهاياتِ المطر

كلَّما
ضحكتْ بنكهة صوتها
ضحكتْ مدائن روحي العطشى
وسارت كالرسول
ترتِّبُ شرفةً
في بيتها النّائي على جبلٍ وحيدْ.

كلَّما
غادرت إلى بيوت الأقرباء
تبعثرت أوقاتنا
التي ربيناها
في النهارات السعيدة ..

كلَّما
رحلت لبيتٍ عابرٍ
ظلَّ الكلام معلَّقاً في مشجبِ الريح
ينتظر الحبيبة في مدار الصمت
قد تأتي
ببيتٍ من نهايات المطر.

كلَّما
هاتفتني
من ربوة المدينة
تسكعنا طويلاً
صادقنا الشوارع والأمكنة
والمقاهي التي ارتدناها كثيراً
وحدها القبلات
ظلّت معلقة في سقف الأمنيات.

كلَّما
أوغلتْ في الصمت والغياب
غادرتني الحكايات
كأنما
أوصد الكون أبوابه
وصارت الساعات
مزرعةً
لأسراب العفاريت اللَّئيمة .

كلَّما
أنكرت رسائلها
تشاكسنا كثيراً
ثم عدنا
مثل عشاق
على رصيف الليل
نحلم بالأناشيد.

كلَّما
أضاءت شوارعنا بالمرايا
رافقتها
لبيتنا
نرش على النوافذ
عطر البدايات ..
نطرِّزُ المناديل
كما تفعل الحبيبات ..

كلَّما
غابت على فراش النوم
أيقظتها نشوة الأحلام
إذ ترافق الحبيب في السفر
مثلما تغادر الطيور أرضها
لنشوة المطر
هناك
إذ يعانقُ الطريق
رغبة الرحيل في بوادي الأسئلة
ربما
على رصيف الحافلات
عاجلاً تنهار ابنةُ المزارع الخضراء.

كلَّما
بيديكِ النَّحيلتين
سوَّيتِ ضفائرك
لمع السَّوادُ
وأختفى سريعاً تحت سواد العَبَاءة
هكذا فجأةً
تغيب التفاصيل تحت بئر السماوات.

كلَّما
تناولت أزياءها
هناك خلف ساتر القماش
اختفت مناجم الشجر
تباعد العبور للحدائق التي
على مدائن النساء
أثمرت كمائن الجسد .

كلَّما
حزمت حقائبها
وهي ترصفُ حزنها بالصّمت
ساقَتْنِي أصوات الرّحيل
إلى مهبِّ الرِّيح
انتظر القيامة عارياً
من سترة البنت التي كانت
ترافقني كثيراً
في مشاوير الجنون.

كلَّما
غابت
كآخر نجمةٍ
في ليل غربتنا الطويل
صارتْ
مقاهي البُّنِ في الطُّرُقات موحشةً
تُلَمْلِمُ ضوءها
وتنامُ خائبةً
كأي سحابةٍ
ضاعتْ مكائدها
وغابت في الفراغ .

كلَّما
بيديها
لامست شفتي
ضاعتِ الحلوى
وظلَّت نكهةُ الأصابع البيضاء
في شفتي.

كلَّما
رفعت ملاءتها
ونادتني
مشيت.
في سرير الماء
شاغبنا التفاصيل الصغيرة
وانتشينا.

كلَّما
غابت يوماً كاملاً
تُهيئُ الدروس للبنات
تصنع فاكهة لمشاوير الليل
وقهوةً
نحتسي رغوتَها معاً
بفنجان الخزف الوحيد
ناديتها
لنفتح شارعاً اخيراً
في صراط الرغبات.

كلَّما
غرزت يديها في خدودي
غابت الدنيا
وظلَّت رعشة الأيام تتبعني
كقدِّيسٍ يباركُ دهشة الأنوار
في سرِّ الإلوهةِ
والمحبَّة والزمن.

كلَّما
صرخت
تُمجِّدُ لذةً
زارتها كالأحلام في بحر الأنوثة
أيقظتْ أشواقها الكبرى
وجاءت
تفتحُ الأكوان في بيت المحبة
تشتهي ناراً تقدِّسها
لتهرب من حبال السجن
تزرعها طيور النار
في صمت البنات.

كلّما
طلعتْ كنهرٍ باذخٍ
تسقي هضاب الكون ذاكرةً
تُضئ مسالك الولد المغامر في سهول النار
نامت وصايا الخوف
واشتعلت رياحُ الحب
زاهيةً تلوِّنُ رغبة الأيام
في زمنٍ جديد.

كلّما
مرَّتْ
كضوءٍ عابرٍ
تركتْ
خزائن من رياح الشوق
تسكنُ شُرفةَ الطُّرُقات
والقلبَ الوحيد.
حزيناً
خلف ورد الأمنيات
بقيتُ وحدي
كالرَّهينة أطرقُ الأبوابَ
أنتظرُ الحبيبةَ
في خُطوط الهاتف الجوَّال
تفتحُ عُزلة الأيام للزمن الجديد.

كلَّما
كانتْ
هناكَ
على خطوط الفجر
تصنعُ وردةً لفراشةِ الجسد الحرام
سكبْتُ نهراً من نوافير الكلام
على تواريخ الأنوثة
وهي توقظُ شوْكَهَا
من قاع مجمرة الوصايا
ربما
نبني
شريطاً زاهياً
يكفي مودتنا لتحيا كيفما رغبَ المزاج.

كلّما
قالت لفاتحةِ السماء
تعالي
غسلنا وردةً في النَّهر
سافرنا لأوراقٍ لم تعد توتاً تجفِّفه المناديل.

كلما
نزلتْ في ليلٍ دافئ
كغزالٍ حرٍّ في مرعى الغابات
فتحتْ درباً لرياح جنوني
حتى طُفْنَا
في ملكوت الحب الأخضر
كنَّا
كسماءٍ
تمطرُ
تمطرُ
تمطرُ
يا أهل الأرض الغرباء
نسبحُ في بحرٍ
لا يُشبِهُ ماءً سالت في الكون.

 

كلّما
أشرقتْ
مثل وردةِ الصباح
تفتَّحت في العمر أحلامٌ
سقيناها بأزهار المطر.

كلّما
غسلتْ مساءاتي
بأفراح الرسائل
صعدتُ إلى نهايات السماء
زرعتُ نُطْفتَها
كآخر نجمةٍ لحمامةِ القلب الشفيف.

 

 

 

 

بريَّةُ الأبد

كلَّما
دخلتْ
رياحُ الليل ناعمةً
فتحتُ الباب للأنثى
لتقرأ سيرة خبَّاتُها
في دفتر الكلَّمات
تسكنها هوامش من خيانات الرجال.

كلَّما
كان الصباح في بيتنا
يصحو وحيداً
يلوكُ الأرق
والأشعة البائسة
يُحدِّقُ في رياح الوعد المجيدة
يسيِّجُ خرائطه لحبيبة تشرق من دمهِ
كنت قريباً منها
نسيرُ في البراري
نصنع التصاوير
والتماثيل
والمزاجات
نمشي الليل كلّه
حتى نجرَ الصباح من غفوتهِ
ليصحو
مثلما ظلَّ يشتهي.

كلَّما
فتَحَ الكلامُ
شُرفةَ الجنون
سارت نحو جنّة المجهول
تسقي أشجارها بكؤوس الوعد الجميل.

كلَّما
تسرّب النهار
قالت السماء شيئاً واحداً:
سينتهي الوقوف عند باب الصبر
كلَّما أطلَّ من رحيل الشمس
طائر العشاق.

كلَّما
دخل الصباح
صارت شرفةً للضوء
تمنحني رحيقاً للحياة.

كلَّما
في الليل
فاجأها الزِّحام
وطار من عيونها النُّعاس
تصيح في الصباح
ربّما
يَظَلّ في البعيد ممسكاً بنوره الضئيل
حتى
تهيئ المزاجَ للشروق كيفما تشاء.

كلَّما
أزهرت حكاياتُنا
في النهر
أو في نجمةِ العشقِ المُضئ
عبرنا طريقاً ساحراًً
كالريح نمشي
للمسافات التي نامت عميقاً
نشتهيها
مثلما طيرٌ
يسافرُ نحو أصوات المطر.

كلَّما
طاف بالخيال عطرها
غمرتُ رحلة الأشواق
بالكتابة الزرقاء
والكلام في براءة الورق
ربما
تطيرُ نجمة القصيدة التي لونتُها
بحبر عطرها
لتغرز الحنان في رياح قلبها.

كلَّما
ضاعت رسائلنا
ظلّت دروب الخوف
تنسجُ حولها شركاً من الأحزان
أزمنةً من الصمت المريع
لكنما
روح من الأفراح تسكننا
تُعيدُ مياهَنَا للكون
تغسلنا كأزهار الرّبيع
كأنَّمَا
مطرٌ يشاركنا مقاماتِ الفرح.

كلَّما
مضى الليل
أشرقت دماؤنا
بقُبلةٍ
تناولت براءة الجسد
تحت رغبةٍ نزيهةٍ
شرخنا عتمة الطريق
سرنا عالياً
عبرنا شارعاً من الجليد
ذابَ خلف آهةٍ لذيذةٍ
رأينا نورَها يشعُّ من أكُفِّنَا
كنجمةِ أمينةِ ترش ضوءها
على بساط دربنا الشفيف.

كلَّما
شاغَبَتْنَا الرِّيحُ
من خلفِ الغيوم
راوَغْنَا أطياف المياه
نثْقُبها بأشواكِ المواسم
أو
فتَحْنَا الماء من جوف الينابيع
التي في غابة الأحلام
تُسقينا بيارق من أمل.

كلَّما
هتفت موسيقا دربها
جُنَّتْ مصائرُنا
بأنغام الفتوحات التي
صاغتها أمزجة المياه
شهيةٌ
تتقافزُ القطراتُ
من سرٍّ
إلى سرٍّ
تُفاجئ وردةَ البنت
التي
ظلَّت تُراوغُ رعشة الجسد الرّزين.

كلَّما
كان النهار دافئاً
سالتِ الشّهواتُ ماطرةً
تسقي تضاريسنا
ولعاً لذيذاً من جنون الحب .

كلّما
تسلَّل ضوء الصباح
وكنا في بساط الأرض راقدين
نشتهي سحابةً جديدة
تسيلُ كلّما
تلامست شفاهُنا
برغبة الغياب في مخابئ الجسد
ذهبنا عالياً
فتحنا كوكباً من العناق
في مدائن الصباح.

كلّما
تناثرت مشاهد الحنان
في سهول الليل
أضاءت النوافذ التي
رغبنا في شعاعها يُكاثرُ النَّبات في برِّية الأبد.

كلّما
تفتَّحتْ
براعمُ الجسد
تشيْطَنتْ قذائف القنابل
التي صادَقتها
كفارسٍ يعانقُ الطَّبَنجة
الرصاص
والنحاس
في معارك الجسد.

كلّما
مرَّت أيامُنا
تفتحُ بواباتِ الذكرى
تحملُ بشرى أيامٍ
تشبهُ أيام العمر الخضراء
فتحنا ذاكرةً من شهواتِ الماء
تشبه طينة قلب طاهر
تمشي لِبَنَاتِ الأرض
تشعلُ قنديلَ الذكرى
ملحمةً للروح على أعتاب الحب.

 

 

 

 

لذَّةٌ قالتْها فاكهةُ السماء

كلَّما
ألتقينا صدفةً
على شِبَاكِ اللّيل
في مدارج الدخول
عند صالة الفندق الصغير
تطيرُ من مكانها
تغيبُ في بداوة القرى
خلف عتمة الستائر الملونة
تلملمُ ارتعاشةً مراهقة.

كلَّما
مشينا
وحدنا على طريق الوجد
مثل عاشقين
غبنا في سواحل العناق
وأنتشينا
كلَّما صعدنا آخر المطاف.

كلَّما
طوينا
وحدنا دروب الليل
أو عبرنا وحشة الظلام تحت سطوة الشبق
هدمنا حاجزاً من الجليد
ظلّ واقفاً
كآخر الحصون في برودة الجسد .

كلَّما
فتحنا غرفةً
بدأت رياح الخوف
تهرب من موائدنا
تعلِّقُ صمتها
في كومة النسيان
تتركنا عرايا في مقاهي الحب
نشرب قهوةً في شارع البيت القريب . .

كلَّما
في السرِّ
أطفأنا القناديل
أيقظتنا شيطنات الليل
قادتنا
لأدغال المسافات التي
كنّا نُخبئها لأرصفة المُدن.

كلَّما
مضينا
في دروب الحب
صار بيننا المكان برزخاً
لعالمٍ
يعمِّدُ الأشجار غابةً
لشهوة المروق من خرائط الكتمان
صار وقتنا يبلِّل الساعات
بالمياه في مقاعد الزمن.

كلَّما
فتحنا الباب
للكلَّمات
تنفرُ من قيود الخوف امراة
تعيش العمر فاكهة
لأسرار الحياة.

كلَّما
سِرْنا سويَّاً
في خباء الأمنيات
كشفت نوايا الشِّعرِ
عن سحرِ الحكايةِ
أيقَظَتْ في الروح خارطة الطريق
لكنَّها امراة الحياة
ظلَّتْ تُراوِغُ شهوة النيران
في جسدٍ يُشاركها الخجل
تخاف الرِّيح
تكشفُ عن خباياها
تنامُ وحيدةً في غابة الأحلام
تصنعُ وردةً
لجسور عزلتها الجميلة.

كلَّما
انعشنا ذاكرة اللقاء
كلّمنا أوراق الحياة
ان ذاكرةً مؤجَّلةً
تُطلُ الآن من غياهب السنوات
كيْفَما رغبنا أن تكون.

كلَّما
زُرنا أماكن
لم تألفها أقدامنا
مثل أنفاق العربات
وصالات المطارات
تركنا الحواس
تفتح أقمارها لزهر النهايات.

كلَّما
جلسنا هادئين
في صالة المسافرين
كلَّمنَا الصديقات
تقاسَمْنَا قطعةَ الحلوى
وأشواق العبور إلى فنادق تشتهينا
مثلما
كنا
هناكَ في طورِ البدايات
نزرَعُنا تذاكرَ في شقوق الطَّائرات.

كلَّما
رسَمْنا
خطوةً
في درب أمكنة الخروج
غَزَتْنَا لذّةٌ قالتها فاكهةُ السماء.

كلَّما
في أول النهار
غادرنا الشوارع
عدنا نغني في دروب الليل
نسألُ الطرقات
أن تمشي بعيداً خلف أسوار الزمن
نكسو
مواعيد الصباح
أمزجةً لأطوار الحياة القادمة.

كلَّما
في هدوء الليل
خلف أسوار المدينة
سَكَبنَا لذَّةً في نشوةِ الجسدِ الحميم
طَرَقنَا شهوةً مخبوءةً في بيتِ رغبتنا المجيدة
صِرْنَا
كأوراقِ الخريف على بساطِ الرُّوح
تغمرنا مياه الرعشة السَّكْرَى
تُبايعنا ملائكةً
نُضئ الأرضَ
بالصمت المهيب على تلالِ القلب.

كلَّما
زرَعْنَا أرواحَنا
في حُقول النِّهايات
أزهرتْ
بداياتٌ تطيرُ من أسوارها
تخضرُّ في دَمِنا
كالينابيع تُولَدُ من صلصال الحياة.

كلّما
سهرنا في سماء الشوق
راودنا ذاكرة الطفولة وهي تحكي
سيرةَ الأفلام في جسد البنات
تحت أسوار الوسائد
في شريط الذكريات
نصنعها مشاهد من فراديس الملذات
نسردها كأطيافٍ من الأحداث
نرغبها على وحل الظلام
خلف موج الليل
وردٌ من الاحلام
يدخل هادئاً
لملاءةِ البنت التي نامتْ
وهي تنظرُ خلف وجهِ الرِّيح
في أحلى المسافة
عاشق نزقٌ
ينامُ على أريكةِ بيتهِ
في الليل
يُشرِعُ صَدْرَهُ
لصديقةٍ في الحلم تمسح نهدها
كتميمةٍ تحيا على صدرِ العشيق
مودةً لوديعةِ العمر الطويل.

كلَّما
انتهينا من ممرات
عبرناها لساعات
بدأنا
لهفةً اخرى
لأمكنةٍ نُبادلها
طيوف الحب في عرش المنال.

كلّما
في آخرِ الليل
نادينا
أنهار الغواية في كراسي البيت
أشعلْنَا قيامتَنا
على صمتِ المكان
حلاوةً
تمشي على نهرين
أو جسدين
يندمجان في سرِّ العذوبة والمطر.

كلَّما
داعبنا أطرافَ الأصابع
فوق أحزمة الجسور
دخلنا في غياب ساحرٍ
كحفيفِ أوراقٍ
نُغازلُ نسمةً مرَّتْ
تُبلِّلُ وردة الأرض الشَّهيَّة.

كلَّما
بدأنا لذََةً
في نهار البيت
رأيناها كآلهةٍ
تتابعُ وحْيَهَا مسعىً لذاكرة المودَّة
شارعاً يرتادُ أسفار المياه
في معبد الفجر
نكتبها سطور اللّوح
بالحبر المُقدَّس
قادماً من جوفِ قاطرةِ الحياة.

كلّما
خرجنا في الدروب الواسعة
مشينا تحت أنوار المساء
غنَّينا قصيدتنا
وهي تُولدُ من رحم الحكايات
نسجنا خيمةً أخرى لأعشاب الحياة
مضينا كعاصفةٍ
نزيحُ كوابح الرغبات
عن روح البنات.

كلّما
وصلْنَا طائعين
للأماكن التي
تعيشُ في خيال النّوم عرْسَها اللّذيذ
وجدنا واقعاً
يفيضُ عن شراهةِ الأحلام
يمشي كالرياح عاصفاً
لآخر الجبال في نهاية السَّفَر.

كلّما
سافرنا
في جوف المغارة
وأختفينا
في زوايا القاع
نرسمُ نَقْشَنا لسلالةِ الأجيال
نفتحها تواريخ الأحبة
في خُطوط الأرض
ذاكرةً لوردِ الروح في أرض المحبة
كتبنا
سيرةً أخرى
لأحوال البداية في أقاليم الحنان.

كلّما
ألتصقنا
تحت نشوة الرَّغبات
ضحكنا
مثل أطفال
في رمال البحر
يحتفلون بالطقس المغاير للزمن
رَميْنا
في سلال البيت
أسئلةً
وأجوبةً
وأكواباً شربناها بذاكرةٍ مبجلة
طربنا
لأوتارٍ عزفناها لأغنية الحصاد.

كلّما
صافحنا
أنهار الخصوبة
في تراب الكون
قَطَفْنَا
سنابلَ من ثمار الذَّات
أرسلنا محبَّتها
لفاتحةِ الإله
على عُروش المغفرِات.

كلّما
رأينا في ظلام الليل
وردة الحياة عارية
تدفَّقت جنائن الحياة
تسقي روحنا
منازل الأبد.

كلما
توقَّعنا
ليلةً اخيرةً
مُضاءةً بالشموع
ستحيا برفقتنا
انتظرناها
كمن يسألُ المنجمات
عن أمنياتٍ مشتهاة.

كلّما
شاهدنا
صباح الكون
يُشرق من نوافذ بيتنا
لامسنا
رسائل من شعاع الشمس
تفتحُ طاقةً
لكلامنا المرسوم في لوح الخليقة
ساطعاً يخطو على قمر المسافة
مثلما
ظلّت عيون الماء
تنهض من عميق الأرض
تمشي للسماء نقية
كغيابنا في رعشة الجسد العزيز.

كلما
في أول الليل
أطفانا شموع الغرفة البيضاء
أمسكنا
رياح الوقت
بلَّلْنَا نهايتها بأنهار المسرات
نادينا وجوه العالم المزروع في ورق المسافات
مارسنا طيوف الحب
أشواقاً
وأزمنةً
وأحلاماً
وأميالاً من الشهوات.

كلّما
قادتنا أسرار المياه
إلى مناطق من سحاب الحب
أيقظنا
طرائق من حرير النوم
تحت وسائد الغيبوبة الكبرى
دفقنا
شهوةً مجنونةً في بحر ذاكرة الخُلود.

****

فبراير – يوليو 2008
الرياض – دبي
نصار الحاج – شاعر من السودان
nassarelhaj@hotmail.com