[ وهمو فمضأو مرب وهأ ليحمدنكمو بشصي بيتكمو وب شوف بنك لتحمدن وهأ تنجو بعم مرأهو وأل بديت ونعم سبأ تأذن ذمطوو لأ لطبم. ] نقش سبأي في مطلع القرن الأول الميلادي |
[ أما هُم فقد وصلوا مأرب وهو يرجو أن تهتموا بما قد يحيط بعائلتكُم من صروف الدهر. كما عليك أن تهتمَ بإبنك وهو قد تَلمَّسَ مَخرجاً لدى سيّده وائل بادية وحصل على موافقته للالتحاق بركب القوافل.] ترجمة يوسف عبد الله |
* * *
- مسند -
في سلال المأربيات متحجرات من فواكه القرون والسطو على حجرات المسند رياضة يمارسها فلاحو الأضاحي السبأية الناجون من هلاك السد. مأرب رقبة دمُها المقدس ماء والجبلُ ضرع الاهة يمنية. المباخر تيجان لملوك الجان. كاهن يمسك بقديد لم يزل لونه أحمر على احدى الواجهات. بلقيس تتعطر هذه الليلة المقمرة بقافلة من بخور وتحرق غابة من العرار في انتظار عثتر. وعثتر قمر عليٌّ شقَّ عليها قميصها "من دُبُرٍ" وهي تنحني إليه في صلاة. معدي كرب بحيرة (سَبَأ مُوي شتين) سالَ ماء الشتاء تقولُ لي السبأيةُ و(هأمُطوٍ) اليها، (وهو يطوي المسافة) آتٍ من بلادٍ شَأَمَ (أشترى) فيها وهي بلادٌ شآم (تجارة). " بلطتان في يد واحدة".. ليست هذه رياضة سبأية، إنما "بلطة" تعني بالمسند "قطعة نقد". أية فأسٍ "ذي شفرات" من فضة تلهثُ فوق الرقاب؟ ويا لذاكرةالمعدن، تلك التي تخبئ أسمالها في اللغة؟
( سَطِّر لهمو عن جُرمك الكبير )
اكتب لهم عن شخصك الكبير..
عُوَدن إليها يا أَتَّ
رب إيل
( الشاهد )
* * * * * * *
رأيتُ جبالا تقتسَمُ
كالخبز
-1-
رأيتُ جبالا تُقتَسَم‘ كالخبز.
رأيتُ يمنيين يقضمون الحقول من أجل قبضة أطياف.
رأيتُ إلاهةً يمنية تُمسِكُ بأردان القرى التي يُعرّيها التيار.
رأيتُ جبلا من الضباب يتنازلُ لعيني طفل.
رأيتُ كرماً بعناقيد من حلماتِ إلاهات الاغريق.
رأيتُ الرياحَ الجبلية القديمة في تجاعيد النظرات.
رأيتُ الهُدهدَ يُعشعِشُ في أنقاض حِكمة.
رأيتُ مغارة الأشياء في الجبل الأعضب.
رأيتُ خراطيمَ فيلةٍ تركها إبرهة في باب اليمن.
رأيتُ عيون غربيين تجرُّ وراءَها عرباتِ الذِكَر الكولونيالية.
-2-
يَمَن
تُرابٌ لا يخمُدُ تحت فأسِ الأشعة.
جُرحٌ في الجذر
وجبلٌ مسلّة.
- لم يكن قُدماء اليمنيين يعرفون
المسلات ولهذا تركوا تعاليمهم
محفورة فوق الجبال وعلى مدرجاتها.
مطرٌ، مطرٌ ولا غيم
قلائدٌ من شموع معبد بلقيس
أطيانٌ وفلاحون؛
جسورٌ خفيضة قبل الثمار
جبلٌ من المغتربين يعبر الحدود
دمٌ للجباية
يَمَن.
-3-
قبائلٌ من ثمود أفرغت خراطيم البارود على رخام عرش بلقيس. هل كانت تريدُ إصطياد الطائر المرمري لطيف القرون؟
خُلعت مأربُ في رداءِ بلقيس
والقبائلُ ثقوبٌ في جلباب التأريخ.
تحت المصاطب الرخامية في معبد الشمس
بقايا عظام الأضحية.
صناديق جوفاء وأشلاء.
مأربُ المعلقةُ في إنشوطة الغيمة
بحيرة مثل بقرات الهند المقدسة
تمنحُ ضرعاً للناظرين.
مأربُ الرجعُ الغواءُ السبخُ
قطيعٌ من أصداء ورمل
بين مخالب ليلٍ أصحر.
-4-
من يقتنصُ طائر العُري
لإمرأةٍ مختومةٍ كالنبوّة ؟
ضعي أظافركِ في مخبأ الليل
أطليها باللازورد من سماءِ سبأ
وأرفعي حجارة الله
عن رقبة المسند.
لكنّ المنظر منهمكٌ بالتذكر
لم ينفض الغبار عن ياقته
منذ قرون.
-5-
البوصلةُ تتجهُ شمالا
ممالكٌ ولا عرشَ إلا الغبار.
الوطنُ القبلي يستعدُّ لاستبدال الرمال بالرماد
المئذنة شارع
يخرجُ منهُ المحكومون الى سماء الموت
قائمةُ المعدومين تُرمى
من السماء الى السماء
السلالاتُ حبلٌ من الأوبئة والجُرذ والطواطم
نقودٌ خالصة في خراج الأمّة
غيمة عربية سوداء أمطرت
نفطاً
وشجر العرابين محروقات.
-6-
البوصلةُ تتقدمُ أسرع نحو الشمال،
أرى الحجر القبليَّ أحمر
يقطفني الجلاد عنقوداً في الجنّةِ
ويأكلني.
المفردةُ الجنوبيةُ محفورةٌ في حجر الصوت
مأربُ مملكتي لا ملكتي.
- الخطو عميقٌ والرملُ يغور
أترامى خلف الدغل
رمالٌ متخمةٌ وممالك تدنو
وقبور
ماذا لو أدركني الليلُ السبأيُّ ؟
-7-
البحرُ الضامرُ
يقطفُ موجةً تتسعُ ليدي.
- لن تعثري في خزائن الهواء المكتنزة
بالأشباح، غيوم سماواتنا الأكيدة،
على أجراس المعبد.
عثتر يستنشقُ الغيوم
مثل دخان في مبخرة الكون
الملكاتُ شموسٌ تغربُ في خاتم
ولي لغةٌ لحاء.
سأغادرُ هذا النهار
مثل فلاح يُطردُ من حقل..
- إينانا تسألُ دمّوزي محراثاً
واليابسةُ جنوبي،
أنا الطميُ.
لن اتـركَ مأربَ
خيمةً تَسعلُ في رياح السموم الشمالية.
تخرُم ثوبها الليلي،
رصاصاتٌ ونجومٌ
تعبتْ من رفقةِ بدوٍ ضاعوا
منذ قرونٍ في الصحراء.
لن أتركَ مأربَ
مأربُ طللٌ يشبهُ العُمرَ
مَرَّت به قوافلنا والطريقُ التي أفلت
في الجباه.
-8-
إينانا،
هذهِ مراياك :
قِربةٌ مثقوبةٌ
تقطرُ فوقَ ظهر فتاةٍ من يافع.
عجوزٌ فوق سُلّمٍ معدني
تقطفُ أغصانَ القات.
سيّدةٌ تعِّبدُ طريقاً
يقطعُ جبال "نقيل الخلا"
يافطاتٌ مشدودة
بين يدي الله والرجال
نساء
نساء.
-9-
أحياناً،
أركلُ حجراً من أعلى،
لأتدحرج.
أقضمُ أغصانَ القات
مثل سياسي يداهمهُ رجالُ الأمن
فيبتلعُ أوراقه.
أو أتسلقُ الجبلَ الحميريُّ
لأرفعَ أوثاني.
الجبالُ هنا تهذي،
الاصغاء هاويةٌ،
وأنتِ تسألين!
إقترحي لحظةً للهرب وسترين
كيف يمدُّ الجبلُ يداً
ليقطع الطريق !
-10-
النقيضُ مصلٌ يدخلُ شرياني.
أدعُكُ بأبهامي زجاج الاحتمالات
التي تتلمظُ أمامي.
لا فاكهةَ في الشرر
لي قواميسٌ للانحناء وملاحمُ للغضب.
أسمعُ بربريةً تهطلُ من مسقط رأسي
فأرى أطفالا بعيونٍ فوسفورية
في ليل الأمّهات.
حنجرةُ جلادٍ تُقهقهُ،
- من هذا الذي يعلِكُ لُبانَ الدمِ
في سوق الملح؟
أشمُ رائحة حرائق قديمة
أشجاراً تُعرّي جذورها
وبحراً يقذِفُ أمواجَهُ ملحاً
في سوق الملح.
-11-
منشدون،
جوّالون
حناحرٌ وخناجرُ في باب اليمن.
- "أعطيتمونا
يُعطيكُمُ الله .. "
"يحيى عبد الله الروضي وزوجتُهُ
وسط الباحةِ يشدون
تباريحاً من نار
صلّى الله على المقتولين الأحياء
من أبناء الدّار . ".
وعبد الله الروضي
لا ينظرُ الى أحد
ولا ينشدُ لأحد
يقفُ كالنافورة.
-12-
وادي ظهر؛
غيمةٌ داهمتني
رأيتُ فيها قتلى مغتربين
يحفرون آباراً ولا ماء
شفيرُ هاوية خضراء
البيوت عسسٌ تحرُسَ عافية الاكمات
شجيراتٌ تسهرُ في القيلولة
والأحجار رفاتٌ لطيورٍ
لا تعرفُ التحليق.
رقصٌ
طعنٌ في رئة الهواء
علب الكوداك الفارغة تتساقطُ من أردان
الغربيين مثل "المعابر" من أكتاف القرويين.
وادي ظهر
سفحٌ مؤثث بسجاد من خيوط البارود
جدارٌ إمامي في حلقوم الوادي.
لا التئام لنزيفٍ شاهق
ولا وكر إلا للجثة
في وادي ظهر.
صنعاء 1992
* * * *
(1) المعابر : علب البارود الفارغة.
الى برنار نويل
-1-
إسمهُ عبد الله بن غريب
صَعَدَ يوما الى قمةِ جبلٍ في حضرموت
ولم يهبط.
وَضَعَ جبلا فوقَ جبل
ليردَم ثقباً في السماء.
قَطَعَ غُصنَ الرماد
في شجرةٍ دائمة الحريق.
كانت الرمالُ تستريحُ
بعد رحلةٍ في الأبد
والأعماقُ سماواتٍ نجومُها
الينابيعُ.
-2-
حُفرةٌ صغيرةٌ تقودني من يدي
في عبور الوادي.
والطارئُ جنينُ المستحيل.
لا سقوطٌ لنيزكٍ
ولا لجُثة يُحرّضُهُ على الإلتفات.
الرغبةُ بالتوحُّدِ مع الخارج
تبدأ بالسكون. ثم الهرب
خوفاً من تحقُقِ ذلك.
لا الاندحاراتُ، لا الانهداماتُ ولا الجراحُ
تُخرجُ الزمنَ من بين الأنقاض.
المجهول طفلٌ
يعدو بين المفاوز والكهوف
والديمومةُ صخورٌ
تأكُلُ الفراغ.
هنا،
نُدركُ أننا بعد الموت
لن نخسَرَ الزمانَ وحسب
بل والمكان.
هنا التخلي،
هو شكلُ الامتلاك الوحيد
والعناقُ لون.
الرحيلُ مسافةٌ نبتكرُها
بين الداخل المهجور
وبين الصخور.
-3-
لماذا وحدةُ القمم وهذه الهارمونيا،
أيةُ سلطةٍ !
أيةُ إستجابة!
المُتحجّراتُ البحريةُ لا تذكرُ البحرَ
النورةُ على أعناقِ البيوتِ
زَبَدٌ لمحيطٍ جفَّ ...
وهذا الغرقُ المتحجّرُ؟
عواميدٌ،..
نخلٌ
أذرعٌ
بيوتٌ
عيونٌ
عواميد.
في الطينِ
الجدرانُ نوافذُ والموتى
في الهواء
الجسدُ مسمارٌ نعلّقُ عليه روحاً
يجفُّ كالغسيل.
من النخل
وأحيانا من الانسان
تبدأ الطريق التي تقودُ وراء هذهِ المالانهاية.
الهربُ هو أن تمضي
بخطىً مُسمّرةٍ كالصخورِ
قريباً منها.
وجهُ إمرأتي الغائبة
قطرة من الماءِ لا تُقاومُ الشمسَ
في الطريق إليَّ.
-4-
حضرموت
خارطةٌ في الميتافيزيقيا
مرّت منها القوافلُ الجنوبية
الى الله.
لا أثر لقياس الزمن
الحطامُ والأشلاء تعود لتلتحمَ بالبدء.
والموتُ عينٌ ترابيةٌ
تُحدِّقُ من أعالي التلال
الى الوادي الانساني.
جسدي عقربٌ راعشٌ
يقطع ساعة الرمال التي تحدّنا من كل مكان
حضرموت.
وادي حضر موت 1989
* * * *
الى امرئ القيس
-1-
كأنّكَ لم تَسمُر بدَمُّونَ ليلةً
ولم تشهدِ الغاراتِ يوماً بعندلِ
أصاحِ ترى برقاً أُريكَ وميضَهُ
كلمعِ اليدين في حبيّ مكلّلِ.
إمرؤ القيس
عندل - دموّن
وادي حضرموت
-2-
المعلّقات إما رقابٌ
أو حُصران.
واللغةُ العربيةُ لم تزل عباءةَ قُرشي
هربت تحتها مَناة
الى أسواق حضرموت.
لا مئذنةَ فوق رمال
ولا قُبّةَ أعلى
من عُنقِ الناقة.
الظمأ عصفورٌ جارح
وأنا أدخلُ خيمةَ روحي
مثل جملٍ صحراءً.
في دموّن.
-3-
لا تمشِ فوق هذه الأحفاد
التي تؤثث سرير الآتي.
مَحشوّةٌ بالريح وبالكلمات
الدقائقُ وسائدٌ.
من الشروق وحتى الغيب
نتوسدُها في مضاجع الروح.
وهذه الأسرّة، الرمال.
-4-
كَم يُثقلُني هذا الجسرُ
المشدودُ الى قدميَّ المتدليتين
في ماء النهر!
غرقاً
غرقاً
أعدو كحصاةٍ حتى الجرف.
هذهِ ترسّبات الخطى الأخيرة.
لن نتوقفَ عن العدو
ولا وصيّةَ
إلا التجاعيد التي نحاول إستردادها.
-5-
لمحيط العدم
قواقع، زبد وأمواج
أجراسٌ يساقطُ رنينُها هشيماً
في وعاء الكائن.
معجمٌ وسيط لكل المفردات
التي لا تُقالُ ولا تُحرّف.
جرارٌ في غيبوبة
ودهشةٌ أقفُ فيها "وصاحبيَّ"
منذُ ألفي عام.
هُو
لا يَشبهُ إقتفاءَ خُطىً
ذهبت بعيداً
بشكلٍ عمودي.
يقفُ في رمال ماضيه
مثل ساقٍ معدنيه
في ماء.
ماذا يفعلُ هناك
في أرجوحة الخطوط التي تتشابكُ
بين الامّحاء والصيرورة.
خطأٌ
لا يتذكرُ إلا نفسه
ليعيدَ الكَرَّةَ .
-6-
للجسد
منارةٌ تنتصبُ بين المقدّس
والمدّنس.
إعتناقٌ لمثنى شفة
وطيّاتٌ من التواشيح والشهقات
تحت قُبَّته.
لكن
لا طليعةَ لِرُكبٍ
تثبُ كرمادِ جذعٍ يحترقُ.
-7-
أحفادٌ تنام في قيلولة من رخام
ظلالٌ تُنتَزَعُ من جلباب إلاهة سبأية
ضباب في حُنجرة منارة صنعانية
متحجرات من بحر العقيق في وادي التكوين
بتلات من عاقول "الوطن الخالي"
بصمات لآلهة مندثرة
وصايا مملكة ستجيء
نقيلٌ للخلا
يَمَن
مَن
باريس 1994
* * * *
- الى جبار ياسين -
القبابُ بطونٌ حُبلى
والصُراخُ ولادة.
واجهاتُ البيوت مدهونةٌ
بعناقِ الآباء
مثل أجساد القرويات
بالفلفل الأصفر.
في الصباح
ترى الحناجرُ ربَّها
والمنائرُ تتدافعُ مثل الحجاج
عند الطواف.
وفي الليل
يزهو كل جدار صنعاني
بأوثانه من الأقمار.
* * *
القيلولةُ
حقولٌ تتجولُ في كلام.
جمرةٌ خضراء
نحاولُ إطفاءها بين الشفاه.
قوت.
لا يَكتُبُ هنا
إلا من لا يجرُؤ على الكلام
والمسوّداتُ
لا جبين لها...
مرّةً رأيتُ فوقَ إحدى القمم
طائري المشدود الى عنقي
وهو يتأهبُ للتحليق...
فأمسكتُ أجنحتَه.
اليمن / نوفمبر 1994
* * **
الى سالم صالح
أدارت السماء ظهرها فكانت
جبال "نقيلُ الخلا".
الطبولُ حنينٌ للرعد
والسفحُ وسادةُ وثن ميت.
أحرف المسند فوق المذبح
تشبه هيكلاً عظيماً لفرسٍ قرمطي.
قال لي الحجرُ الجبليُّ؛
السحابةُ خضراءُ مطليّةٌ بالرماد
لكن وادي "بنا" يقطع اليمنَ الى فخذين
ويأكلُ عظامَ القُرى.
في الطريق الى يافع
رأيتُ قُبّةً لثورٍ نَطَقَ يستجيرُ،
منارة لينبوع،
وصخوراً في صلاة استسقاء
تركتُ "نقيلَ الخلا"، وادي "بَنا"، الثور المقدّس،
المعبد الحميري والفرس القرمطي
في شجار دائم مع السماء
تراقبُهم في خشوعٍ
جُثَّتي.
يافع / مارس 1988