وائل عبد الفتاح
(مصر)

****

فراشة فى علبة السكر

الشعر لا يصلح للمناسبات السعيدة

وائل عبد الفتاحأحب كتابة قصائدي القديمة
وأقنعها بأن الشعر لا يصلح للمناسبات السعيدة
علاقتنا الناقصة
دليل على ذلك
ولأن ظلالنا المرصوصة
على حائط ، اعتنت هي بألوانه الناعمة ،
لا تغير أوضاعها
اعتبرتنا كسالى
لا تنتظر المترو
ونظل طوال ليلة كاملة
ننظر إلى راقصات ضوء هارب
رشيقة
كفراشة دخلت علبة السكر
تعبر
مع ذرات الهواء التي كلما
خرجت من شباك الصالة
عادت
رحلة ممتعة
لكائنات تمر من الفتحات
المواربة

خط مشغول

السيدة ترتدي ثوبا أحمر.
هي اليوم فى كامل زينتها
تصلح لنزهة بين الجبال.
هناك يمكن للسيدة ان تصبح شيئاً آخر.
يتسع لها الوادي لتفك هذه الملابس التي تشبه بدلات الحرب ،
وتسير كأنها اليزابيث تايلور فى فيلم كليوباترا
تنتقل بين الطاولات كفراشة تمص الهواء لتعيش، وهى ليست كذلك ،
هنا يمكنها أن ترقص، ليس مهما أن
ترتدي الجينز ، وليس مهما أن تردد
مفردات من لغة الشارع .. أنها تنام
على التليفون ، حزينة ، كأنها فى سنترال
عمومي لا تجد من تكلمه..
تعتقد أن الجميع ينظر إليها .. وتعشق ذلك وتجده مبررا
لاستمرارها فى الحياة . السيدة منتعشة
بالهواء بين الجبال ، وتتمرغ بين سحبه التي
تدور فى المكان الذي يشبه ساحة معدة
لاحتفال بدائي، كأن الوحوش ستدخل عليها،
وتنتصر هي ، كأنها تلعب بالوحوش ، تستبدل
بهم كائنات معلقة فى الهواء، إنها
تلهو ، لتداوى وحدتها ،
كأنها فى سنتر العمومي ،
قلت ذلك من قبل ،
وأقوله الآن
إنها تنتظر مكالمة غير مهمة يدق جرسها الآن .

فنون الحياة العابرة

نعبر الشارع فجأة
صاحبة السيارة الصغيرة جداً
ترتبك
وفى لحظة الصمت المذهلة
خرج جسدها من السيارة
واستقرت لعناتها
أصبح للمشهد مذاق وحشي
بزهوره الكبيرة الحمراء
على فستانها المفتوح من الخلف
وبالغضب ينزلق على الشفاه الممتلئة قليلا
كأن محمود سعيد
ينتظرها
على الرصيف الآخر
وكأنها ستعبر معنا
وتترك باب السيارة مفتوحا..

تعاليم الصبا

... وتصعد كبالونة صابون
من الممر الذي يضيق عند الحجرة
قبل تهيؤ جلدي للرذاذ
أرى رغبتي : كائنات تولد فى فراغها
وصرخة مكتومة، تتسلل
السلم معها
إلى باب بيتنا الموارب
لتنام على ملاءات تطل فى الصباح
برسومات دقيقة
يعكسها الليل
على زجاج نافذة جارنا الصامت
الذي يجعل مدخل بيته متحفا
لصفائح ماء يسكبها ليرى
فى المرآة السلم
كائناته تولد فى فراغ ...

طريقتنا فى الشوارع

على باب البيت
صورة كبيرة
أنهم كانوا هنا
والتليفون يدق بانتظام كل أربعين دقيقة
رحلة
أعبر فيها ممر صور متكررة
تصغر كلما اقتربت
من صوت الجرس
أعرفهم الآن
كل واحد اخترعت له حكاية
يعبر معي
إلى الحجرة التي أصبحت مقهى
نترك فيه حكايات أصغر
يسمها الشاذ العابر :
الناي
الذي يبحث عن شجرته
كلماته مضحكة
نصفر على إيقاعها ..
وعلى ما نتخيله يدور
تحت سطح الميدان الصامت
ليس هناك امرأة تمر الآن
لكن الإسفلت يحتفظ بصوت حذاء جديد لامرأة نحيفة
كانت تبحث عن
قطعت نقود معدنية
لا يختفي رنينها
التليفون
أكل صوتها
وترك هستيريا الشارع
لأرقص عليها
على باب البيت
بقايا الحكايات
امتصت الألوان القديمة
ضجيجها الخافت
ومنحت لشخوصها حضوراً
يصاحبنا فى غزواتنا الليلية .
وفى المرات النادرة التي لمسنا فيها صوت تنفس امرأة
وفى نصف المرآة
التي جرحت انتصارنا على الرجل المهندم
نرى أساطيرنا
تطل من الجيب الخلفي لراكب الأتوبيس المزدحم
وهو يقفز فجأة
ليفتح باب البيت .

تقاليد العابرين

هاهو يطل من بيت الزجاج
يعقد صفقة مع حالة الطقس
كائناته الزرقاء
تحتفل بترتيبه الجديد
وتتيح لانحناءات الغرق
اتساعا
تملآ الشمس فراغاته بانتظام
يقلقه
هاهو يدخل مسار الشمس
كأنه فى فيلم خرافي
وبجسده الضئيل يتحكم فى شكل ياقة البلوفر
وألوانه
وأحيانا .. ببقايا الفتيات المبهورات
بالخارج من عزلته الآن
الذي يبدو وحيداً
مثل كافكا
فى لوحة ، أرضيتها الصفراء
كانت تلائم أحيانا برنامج أيامي
المزدحمة .
مثل كافكا
والدهشة تخبط هواء المقهى
تسحبه إلى حجرات سرية
تتجول معنا
وتصحبنا إلى بيوت مألوفة
يستعير السرير لننام فى انتظار
طويل
كأنه سيقابله بعد لحظات
يتقاسمان الزجاجة الصغيرة
وتفاصيل وجهيهما المنحوت
سنسمع قصصا مختلفة
عن نحات يعبر الشوارع
بخريطة قديمة للقوافل
وزميله الذي احترف سكن الحانات
الرخيصة
والحجرات الملتصقة بالبنايات
العملاقة
يتحركان
إيقاع حركتهما المختلف
يلفت نظر العابرين الى منتصف
الميدان
وبائع الكتب
الذي سيبتسم لاختفائهما معا.

المشي الحر

قصص خائبة
والأشياء التي تحملها السيدة
تتبعثر فى الشارع المزدحم
العابرون جميعا
أحبوا لوعتها
ولم يلتفتوا ليدها المرتعشة
ولا للمنديل التي مسحت
عليه اسما كتب بالحبر الأزرق
العابرون جميعا
استوقفهم عدم اتزانها
وتذكروا فتاة ظهرت ذات مرة
فى فيلم قديم
وأحبوا جميعاً أن يناموا معها
و ..
..
سألت نفسي
هل استطاعت أن ترى
الورقة المطوية باجكام
أم أن السيارات
..
..
كيف تشعر الآن
كم عمرها
هل كانت تستطيع أن تقبلني فى منتصف الشارع
اذا ساعدتها على ..
..
..
العارون جميعاً رأوا علامات تشعرهم بالهياج فى ساقها
العابرون جميعا..
...
...
كيف استطاعت وحدها
هل كانت تبكى قبل أن تلوي قدمها
هذه الالتواءة الخفيفة
هل ..
..
..
كانت تصفيفة شعرها تشبه
..
..
النافذة اتسخت
لكن ..
..
العابرون جميعا التفتوا
لانحناءة الجزء الممتلئ
.. وعلبة السجائر .. عندما
التقت بالرصيف، كان بها سيجارتان
وعلبة..
...
...
هل كنت أرى جيداً
..
صندلها جديد
ربما كانت المرة الأولى
هل كانت سعيدة قبل لحظات ..؟!
كان إصبعها الصغير متورما قليلا
والجريدة سقطت فى الحد الفاصل بين أصبعين
شعرها قصير
وأسود
و .. فستانها بلون الفل
لماذا الفل ..؟!
العابرون جميعاً ذكرهم لونه
بالياسمين
هل كانت تشعر بالسعادة عندما لفتت كل هذه الأنظار ..؟!
ربما..
لكن النافذة
..
..
الزغب الدقيق
ما الذي ستشعر به إذا لمسته وأنا أساعدها فى
جمع أشياء
...
...رقيق ..
ليس هو فقط
بل الوردة التي بين خصلات شعرها
لونه أسود
..لا .. بل ...
إلى ابن كانت تذهب ..؟
الكيس الصغير
به أشارب أزرق
.. لماذا
أراه لون الجاكت الذي أحببته عند صديقي
وعند
و
.. لم يكن أزرق تماما
الكرات البيضاء تعطه لونا مميزا
لكن ..
هل كانت ستقفز...... ؟!

المهارة فى الشطرنج

بإهمال شديد
تكتب هي على ورقة
اسم رواية
وهو يصعد إلى بيته
بحرص يلازمه منذ أيام
لم يسألها
.. لكنها دائما تسأله
تسأله عن لون عين الفتاة التي مرت أمس
وتصغي
إلى تنفسه
تحولات لون الجاكت
الذي امتص أنواع عطور عديدة
أعجبها المزيج
وقامت فجأة لتقبل كتفه .
كرسيه أصبح الآن على المربع الأحمر
الكرسي
خطفت انتباهه
.. هل تذكرك بوجوه رأيناها معا ..
تسأله ..
وتمسح من على الزجاج
بصمات أصابع .

*************

أبخرة الوجود

صباح الخير

أبخرة الصباح فى الكاتيل تثير السؤال الوجودي :
هل أحب النسكافيه أكثر أم القهوة التركي .
وأيهما أقرب إلى الكسل .
تقنية الذوبان السريع فى الماء الساخن .
أم النضج على النار الهادئة .. وتفكك حبيبات البن فى جسد الماء المتماسك .

ورم فى الذات

اسمي.
تخليت عنه مرة.
هكذا فكرت.
فقط فكرت.
ماذا اخسر؟!
عائلة.تاريخ. أصدقاء.
ثروة.وظيفة.
أكثر من نصف حب الفتاة الجديدة لي.
ماذا سيبقى لي من دون اسمي ؟!

ضياع مؤقت

كأن أحدا يراقبني
تبدو قبعة الرجل المائل للحمرة
مثيرة للريبة
لكنه فى جلسته بجاب المرأة البرونزية
يشبه القط المذعور
.. ولا شئ آخر

********

قصص حب

هاملت

تختلف الممثلة
مع المخرج
فى تفسير (جرترود)
..
وفى المساء
ينامان على سرير واحد
متباعدين تماما

قصة حب

أصبحنا
مثل شرفتين
معلقتان
لا حجرات
ولا ممرات تؤدى إليها
لا حياة خاصة تتسرب من شيشها
ولا مشهد تنظر إليه
فقط
شرفتان فى الهواء

صدمة الروح

تخطف لمسة من يده .
وتسافر سنوات .
كلما اقترب. هربت .
الآن وصلت إلى الحافة.
لمسة أخرى .
وتسافر ..
تقيم فى المطارات طوال أيام السنة .
إلا يوم تلمسه.
يطير هو بلا جاذبية .
وتختفي هي فى صوتها الحكيم على التليفون .

موديل

قالت : علمني الرقص .
ضحكت وأنا أنظر إلى جسدي فى المرآة .
كيف عرفت إنني رشيق.
ألم تر صورتي فى المراىة مثل غيرها .
و ..
علمتها الرقص .

بنت السلطان

صورتها كانت تمر من زجاج النافذة المكسور .
اهرب إليها من المدرس النائم.
ادخل المبنى المقيم بين الكنيسة والجامع. فى المربع المعزول عن ضجيج شارع السوق المزدحم فى أيام الجمعة .
المدرسة خالية .
ووجهها الشاحب مثل أيقونات العذراء يذكرني بالحرمان الذي كتب عليها .
ظلت صامتة تنظر إلى كأنني من كوكب يخر.
فسرت هذا تفسيرا طبقيا .
أنا لدى بنت وعائلة .
وهى محشورة فى حجرة مشتركة .
ذقت إحساسها بعد سنوات فى المدينة الجامعية .
وعندما زارني جسدها النحيف جدا فى الحجرة المشتركة فى مدينة غريبة
أقمت لها احتفالا يعوضها .. فتحت باب الغرفة وصعدت إلى سريري بالدور
العلوي.. وبأعلى صوتي غنيت لها: يا بنت السلطان.

بروفة

لا شئ سوى خسارتي الأخيرة فى مباراة الملاكمة .
كانت تقف بجوار محطة الأتوبيس .
صوتها يتوه . ثم يعود .
حركة الهواء هي الموسيقى التصويرية.
وصوتي البارد إيقاع مستتر .
عندما استقرت
كان خصمي يوجه الضربة القاضية .

البهارات

صعود الجبل معها صعب .
ضحكت وأنا اشرح التفاصيل للمرة الثانية.
فى المرة الأولى كان اكتشاف العلاقة بين جسدها وبين عملية الدوران لأعلى ممتعة .
فى الحكايات التالية أضفت سحر بيروت وطعم اللبنة والزعتر .
لم تكتمل الحكاية حتى الآن .
الإضافات أكلت النصف المثير من الحكاية .

فى مديح الخيانة

على الطاولة .
لا بل كانت على المقعد
ربما فى مسافة بينهما
لمحت رغبتها تائهة
فكرت ان أدلها على الطريق .
لعبت مع عينيها الجريئة. المتعالية.
لم افهم إشاراتها بعد كم من التراكم كبير .
لم افهم هل ارتاحت لمساعدتي لها فى التخلص من الرغبة الضالة
أم انها تحب الرغبات الضالة
والأماكن التي تجعلها هكذا غريبة
كأنها فى غابة
فى مكان مرعب
ينتظر فيه مصيرك خطر داهم
زحام الإشارات والرغبات الطائرة يحدث إرباكا للمستقرين من أمثالي
متى أفك الأزرار الأول لتنفلت الرغبة تبحث لها عن عالم مستقل.
تتوه.
الغربة مخيفة عند مدمني الأماكن الداخلية مثلى .
كيف ساترك رغبتي هكذا همجية .
تبحث بضراوة عن فريسة
أو مكان تأوي اليه؟
كيف سأتخلى عن استئناسها بهذه السهولة التي ربما تهز مركزي الاجتماعي.
يا هذا الملهى الليلي
أنى أكرهك .

جنس عنيف

فى البار غنت تحت صور جيفارا و الشيخ أمام وزياد الرحبانى .
كانت النوستالجيا للسبعينات فى أقصاها .
طلبت أغنية غزل .
لم يسمعها احد.
ظلت تطلبها طوال الليل .
وفى الطريق الى حجرتها ترنحت على إيقاع الحذاء الملول .
وقالت انتظرني على التليفون.
الخلود

لم تلحظ ان جسدها اليوم تغير
لم يكن باردا تماما
كان يشبهها
مذعور.
فقد شخصيته.
فى العادة لم تكن هي موجودة معنا.
أنا وجسدها وحدنا.
هذه هي لحظات خلودها

مشروع تخرج

تشبه سعاد حسنى.
أتمنى ذلك.
تتمنى ذلك.
هذا أول مفتاح لتقع الفريسة فى المصيدة.

عادات وتقاليد

لماذا تحب الظلام ؟!
لم اسألها ولا مرة.
مرة واحدة فقط .
بعدها اكتفيت باللمس .

ملامس آمنة

وجهك يتغير.
ابحث عنه.
يذوب منى.
يذوب فعلا.
أين هو.
ملامحه الرومانية.
وملمس القطن المخلوط بمادة هشة.
سيدة بيوت من الدرجة الاولى.
اقصد من أعالي الطبقة الوسطى بالتاتش الاسلامي المودرن.
أين علامات العذرية فى لحظات توترها المكبوت.
وجهك..أكاد أنساه.
أنوثة محفوظة فى ثلاجة "الشكل العام".
والخوف من لمس الجدار الحساس فانتظار افتتاح يليق بفتاة مؤدبة.
أنوثة الشرفات المفروشة بالورد الأبيض. و الأحلام البيضاء.
والضحايا من رجال يسقطون تحت حذاء الستان الابيض.
وجهك يتغير الآن.
ربما مثل قطعة شيكولاته تذوب فى فمي.
أو مثل حبيبات سكر تتفكك مع أول قطرة ماء.
هذه مجرد بلاغة قديمة.
ووجهك ....الآن..فى لحظة انقلابه.
هل الجنس جميل و لو كان على الحدود الآمنة؟!

ابتسامة فموعد فلقاء

المشهد يتكرر كثيرا.
تحاول إقناعك انها مثقفة.
أو ان لها عقل يستحق إشادتك.
وأنت تنتظر لحظة قرارها بالاستسلام .
وفى قمة الشعور بالإنهاك.
يكون القرار للوقت.
لابد ان ينتهي المشهد.

درس فى آداب العمل

لم تلحظ اني مرهق.
اشتكت الى الرئيس اللطيف من قصة حبها الفاشلة.
كنت حاضرا لم اشعر انني المقصود.
كنت على مسافة من حبيبها.
أنا.
الذي تقصد لم أكن أنا الجالس فى النميمة الخفيفة على هامش اليوم المزدحم بالعمل.
قلبت فى الكتب . كنت اريد مساحة اكبر من الخروج .
أنا الآن على باب الغرفة استمتع بالأسرار المغلفة عن حبيبها المتزوج الذي خسرته. لم تكن تريد النهاية التقليدية. قالت للرئيس المحنك الخبير بالطبائع و الذي مر على كل أنواع الحكايات. قال لها ان النساء مسكينات. شعرت بالنصر. و كادت الأنا الواقفة على الباب ان تعود لتعترف بأنها المقصودة وبأنها لم تفهم بشكل صحيح. الرئيس حكى لها ردا على الانتصار المؤقت حكاية البيض المقلي. و آخر نشرة أخبار. عندما تريد المرأة ان تورط الرجل فى الزواج . العاب قالها بشكل مثير للضحك. هي لم تفكر . كانت متسقة مع الأسى الملحوظ من الرئيس.
عاد كل شيء الى طبيعته. الرئيس لم يطلب مزيدا من التفاصيل . لكنه أمعن فى عرض خبراته. ليبراليته مثيرة لشهية البنت المعذبة بين حريتها و رغبتها فى نيل الإعجاب الاجتماعي و التكيف.
فى الحقيقة كانت اللعبة مسلية .
لكنها ارهقتنى.بدون ان أعي ان سبب الإرهاق هو محاولة الفصل بين أنا ظالمة . ومظلومة و بين أنا مستمتعة بالنميمة و بالعاب البنات .
خاصة ان كلاهما يشعران بالعجز . و نقصان الشهية.
وكان الحل فى إصبع الشيكولاتة المحشو بكريمة ناعمة و حبيبات مقرمشة.
لعبة الشيكولاته ..هي اللعبة دائمة النجاح.

*************

الكسالى

ظلت هذه القصائد سنوات حبيسة .
اكرهها .
وأحبها .
أغار من كونها محفوظة فى درج ما لا تضطر إلى شئ . وتؤلمني لأنها لا تعيش مثلى .
القصائد ليست بشر . ولا الشعر أكثر من نظرة للحياة . لا هو الفن الاستثنائي ولا صاحبة هو النبي أو الإله أو المخلص أو أي شئ عادى حتى . إنها طريقة . نظرة ترتب الكلام فى ترتيب جديد . كرهت الهالات التي وضعها الشعراء على الشعر . وكرهت كل الأبيات والفقرات التي اقتطعمختصرة.مختصرة.د لتصبح حكمة أو مقولة أو رسالة غرام مختصرة. كرهت المعاني السياسية والاجتماعية واللغوية والأخلاقية فى الشعر وفى غيره .
لماذا اكتب هذا الكلام الآن ؟
لأبرر كسلي . وخوفي . ورغبتي الحقيقية فى أن تظل القصائد حبيسة نفسها . لم أعد أرى مبرراً إلا المتعة الذاتية . المتعة الخالصة من لكتابة كأنك تسجل حلما صاحبك جزءا من وقت نومك وهرب منك . تطارده . تلمسه أو تكاد . هذه المحاولات تساوى ربما الحلم نفسه . تزيد ربما بمقدار أن المطاردة هي اختيارك أنت بينما الحلم يأتي مثل بداية الحياة ونهايتها سر يفاجئك ويرعبك . ترعبط الأحلام . أكثر ربما من الكوابيس . لأنها تبدأ وتنتهي بدون إرادة ولا توقع ولا حتى احتمال . بينما للكوابيس إشارات وعلامات ورد فعل مادي هو الشعور بالخوف أو الضيق أو الاختناق. لكن ما هو رد الفعل على الحلم ؟!
لم أعد أطيق التفكير بهذه الطريقة إلا حينما يتعلق الأمر بحكاية ما. الحياة هي الحكايات.
حكايات لا تنتهي.

**

الكسل. انه مبرر الكتابة . اللذة القصوى فى التحكم بالإيقاع . اختراع خيمة من الأمان الشخصي . تطمئن إلى أن العالم يمكنه أن يستوعب نزواتك فى الاستلقاء والنظر فى الفراغ بدون الاضطرار إلى اختراع مبررات . تنتقم من فكرة النشاط الزائد . من فكرة المساهمة فى تسريع عجلة حياة تلعنها فى آخر اليوم كل مرة .
الكسل . عسل. كما تقول حكمة شعبية قالها بالتأكيد فتى غضبان من العالم . ليقنع أمه بأن تزيد من حصة التدليل . أو لأنه أراد تبرير جلسته بدون عمل نافع فى السرير أو أمام باب البيت .

**

كتبت مرة مداريا كسلي :
الخوف. متى يمكن أن تصاب اللغة بالوهن وتصلب الشرايين . كم
عمرك . فى الثقافات المترهلة لا تسأل عن العمر . أسأل فقط عن لغة منسية تقلقك وتكاد تحولك إلى قنبلة موقوتة. لغة اليقين الكامل بائسة تتسول اليوم معجبيها القدامى . لا السياسيين يعرفون اليوم حجم النكات التي تخرج من أحاديثهم الجادة ولا أصحاب الرسائل الكاملة يمتلكون قدرة تغيير مسارهم. الطرق مربكة . ومثل محطات المترو الرئيسية فى المدن الكبيرة تشعر بغربة كلما تحدثت مع أحد من أصحاب المعرفة التامة .
نكاد تبحث اليوم عن شفرة وليس لغة جديدة. طازجة. شابة. يحكى لي الصبي فى المقهى كل يوم حكايات عن أخيه الذي ينتظره مستقبلا باهرا . و تدهشني متعته . ملامحه تتغير تماما كأنه أصبح شخصاً آخر . أو يتلبسه شخص آخر . أنه يعثر على نفسه فى سيرة أخيه . الموهوب . الشاطر. و المهم أنه يداعبني كل يوم بحكاية عن خبرة جديدة فى أعمال المقهى . و يقارنها بخبرتي فى السينما . لا أعرف لماذا السينما بالذات . ربما هي استعارة أكبر. وشفرة أخرى. يداعب بها حلما سريا لا يدركه . لكنه قلق . وهذا هو الخوف المحبب . هذه هي زوايا الغريب فى محطات المترو الكئيبة .

**

أنا فى الحقيقة اكره الوله بالشعر . اكره قواعده . تاريخه . أسطواته . اتفاقيه. نجومه . موسيقاه الفاضحة. اكرهها بالمعنى الحسي وليس الذهني . ترهقني . تنزع اللحم عن العظم ببرود وتبتسم للتشريح فى غرفة العمليات . قواعد الطب أهون . والخبراء فى الهندسة مفيدون أكثر . لكن فى الشعر و الكتابة هو نوع من القتل باسم القواعد الخالدة . الصامدة . باسم الكهانة والكهان. باسم أي شئ مقدس وثابت وعظيم .

**

فى الأتوبيس والقطار .. الباعة الجائلون ضيوف غير مرغوب فيهم . مترددون. يسرقون لحظات وجودهم . شرسون . وضعفاء. ومن غير سند شرعي يتنافسون على مساحة بين ركاب يملكون مقاعدهم لوقت عابر. الركاب يكتبون كلماتهم على الجلد والحوائط تمنيا لخلود لا يتحقق .
من هم الشعراء :
العابرون على المقاعد ؟!
أم الجائلون فى المكان والزمان ؟!

**

لم تعجبني ولا مرة أي قصيدة غزل كتبتها . أنا فى الحقيقة كنت اكتب قصائد الغزل بدون شعر . بإيقاع المعاني قريبة الاستخدام . الذاكرة كانت تسعفني . كان هذا فى المراهقة الأولى . بعد ذلك كنت أنسى دائما . ذاكرتي أصابها دوار. وكلما قررت الكتابة شعرت باننى وحيد جداً . يرهقني النسيان . يمتص طاقة جسدي . ألعن كسلي الذي لا يسعفني . ويتركني موضع صور وأطياف وملامح تظهر فجأة. اكتشفها أمامي. كأنها مؤامرة على نشاطي . مؤامرة الكسالى .

**

لي صديق لا يحب الحجرات الواسعة . لم أره غلا فى الشارع . حكى لي حكاياته كلها . أستمتع أكثر بالحكايات المعادة . كاننى معه .
مدنه . فتياته. نزواته. ألوان قمصانه الباهتة . تسريحة شعره . عاداته السرية . أقابله فى مكان يشبه سلم البيت .
لا أعرف كيف نشرب العرق أو الوسطى أو نتكلم عن فتيات بغير أسماء . ولا يطردنا السكان فى أي لحظة . نجلس مطمئنين . نحكى. أخاف منه أحيانا .
صمته يأتي على غير موعد .
وحكمته تأتينا مثل مواعيد الصلوات. أخاف عليه . كأنه سيذهب معي إلى البيت . كأننا فى البيت . كأنني يمكن أن أراه فى حجرة مغلقة يستعيد للنوم . يقلب فى كتاب أو يقوم بملل شديد ليعد قهوة السرير. كأنني سأرى آلام يقظته الأولى. ينام كأنه يدخل قبره . ويصحو كاحتمال غير قابل للتحقق دائماً. يعيد اليوم حكاية القشطة والعسل . وأكملها معه بحكاية القميص المقلوب . تبدو بطلاته دائما من عالم غير الذي يحبه . لا أم كلثوم ولا فيروز . ولا حتى ناظم الغزالي أو محمد فوزى . هن من صنع مأساة ما . تصلح لها قوانين الشئون الاجتماعية أو أفلام الصدام بين الطبقات. حكاياته الأقدم عن نساء تشبه الروايات الرومانسية. تقوده إلى لحظة الاكتشاف برشاقة مدهشة . اسقط أحيانا فى الفجوة بين الزمنين . و ابحث له عن زمنه السعيد . هارون الرشيد. أو دون كيشوت . أو كمال عبد الجواد مع إضافة مهمة للخمر والحشيش والنساء ذوات الجمال السري. أحب فتاة لأنها صعدت على الكرسي وكادت ان تطير وهى ترقص . لكنه تاه مع فتاة تبحث عن عمل وزوج تعلمه أصول الدين . حكاياته الجديدة ناقصة . وحكاياتي لا أكملها له أبدا. ومثل أحداث رواية كلاسيكية .
انتظره على سلم البيت . ولا اصعد إلى حجرته أبدا .
صديقي هذا هو السبب فى علاقتي المتوترة بالقصائد .
ربما لانحنى فشلت فى كتابة قصيدته .

**

اقرأ رواية
لألقن قلبي دروسا فى الصبر .
سطر عابر فى قصيدة . تصوره حارس من حراس معبد الشعر أنها تعبر موقف من الرواية. لكنه كان كفيلا بداية صداقة مع كاتب آخر . يقترب من عمري . لمسني إيقاعه من بين عشرات كانوا معنا فى نصف الحجرة نفسها . كانوا نشطين . يلعبون بالنظريات الجديدة . مثل الحواة المهرة . جاهزون دائما للكلام عن ثورة الشعر . شعرت انني مع فدائيين . مع لجان ثورية . تخيلت ان الشاعر الأكبر سنا ضابطا رتبته كبيرة . وهؤلاء الصغار متدربون فى الفصل . كل منهم يجهز نفسه لرتبة . الضابط الكبير كان يحلم باحتواء الضباط الصغار . لكنهم خذلوه وتبعوا ضابطا آخر يمتلك لسانا شعبيا أكثر. انسحب الشعر تدريجيا من النقاشات والخلافات . وبقت التهم الأخلاقية . الخيانة . النميمة. تقطيع السير المختبئة خلف الستارة . الضابط أصبح مسكينا يلعن الخيانات الاجتماعية . والفدائيين الصغار استهلكوا جلسات الضابط البديل. وانشغلوا بعدها بترتيبات الحياة . وبقى لي صديقي . وإيقاع يريحني وحدي.

**

فى المرة الأولى التي يتعلم فيها الرجل الرقص تحدث المفارقة الكبرى . الجسد الذي تعود على الهجوم والاقتحام . يتلوى . رما القصد هنا الرجل الشرقي. والرقص الشرقي. هذا الإيقاع لا يلائم الفحولة . ولا نشاطها الهجومي. الذوبان مخيف . لابد فى الذكورة من إحساس صلب . لا يمكن ان تكون الذكورة فعلا غير مرئي . هي نوع من الاستعراض . أو القدرة عليه . فى المرة الأولى التي حاولت فيها الرقص أصابني خوف شديد من أن لا يعود جسدي إلى الوضع الصلب. أن يظل فى وضع سائل بعد أن فقد اتزانه التاريخي . وقار الذكورة . صلابتها الفاضحة التي يشعر بها كل من يراها أو يحس بها. فى الشعر كذلك تصورت ان ما اكتبه ليس شعرا لأنه بلا موسيقى ظاهرة. نشرت فى مجلة باريسية فى منتصف السبعينيات قصيدة أرسلتها إليهم فى البريد .. خفت أن يتعاملوا معها على انها مقال . لكنهم نشروها كنص : قصيدة من صوت جديد . هذا أعطاني ثقة كتلك التي عرفتها يوم دعتني الفتاة اللطيفة إلى الرقص وأزالت دعوتها خوفي من ضياع قانون التوازن فى جسدي . فى عينيها لمعة سرقت استقراري لفترة طويلة . شعرت وقتها أنني اخرج عن الجاذبية. الروتين . روحي تشتعل بشئ غامض . يدفعني لما يشبه الطيران . خفت وقتها أن لا أعود إلى الأرض. وبين سعادتي بالطيران . وخوفي من الضياع بعيدا عن الجاذبية . اكتئبت . هذا التمزق بين الجازبية وخفة الروح ظل بعذبنى لفترة طويلة فى مكان آخر : فى الشعر .

**********