تقديم
محيي الدين اللاذقاني
انتهت رحلة هرب المتنبي من كافور في شهر آذارـ مارس من سنة 961 ميلادية. أما لماذا أحدد التاريخ بهذه الدقة والثقة فلاني أعتمد على خبير في الفلك والتقاويم وشعر المتنبي، وهو الصديق الراحل يوسف أحمد الشيراوي الذي أتخيله في أربعينه وهو يرفع أصابع كفه الأيمن الى الأعلى ثم يهبط عليها أفقيا وبأناقة خبير مؤتمرات بباطن كفه اليسرى وهو يقول منتزعا الحديث من الصاخبين حول المتنبي: نقطة نظام... نقطة نظام... وفورا يهدأ اللغط وتبدأ الشيراويات العميقة المتقنة بالتطاير كالفراشات لتضفي على الحوار نفحة قزحية ملونة، بتنا يا أبا احمد نفتقدها منذ غادرتنا قبل ان نستأذن في نقطة نظام نطالبك فيها ان تبقى.
والشيراوي الذي سأحتفل مع القراء الكرام بأربعينه بالوقوف عند كتابه الهام «أطلس المتنبي» حجة في أبي الطيب وكيف لا يكون وهو الجليس الأبدي لشاعر البحرين الكبير ابراهيم العريض الذي وضع كتاب «المتنبي بعد ألف عام» في الستينات فكان في مجاله عصا موسى التي ابتلعت كل ما حولها من الأفاعي الورقية التي تناولت قصائد وحكايات شاعر العربية الأكبر.
لقد كان الشيراوي عاشقا حقيقيا للتراث وقد بلغ به هذا العشق حد الهوس فكل من يتألم بحساسيته القومية المرهفة لانكسارات الحاضر يتدثر لمقاومة الهزائم الداخلية بحضارة مجيدة سيرت البشرية وحسنت ظروفها لمدة خمسة قرون خصبة من العلم والأدب والتقدم الحضاري، وان كنت لا تصدق هوس الشيراوي الايجابي بالتراث فتعال نقرأ معا مناجاته للدينار العربي الأول الذي صكه عبد الملك بن مروان من كتابه الآخر الهام «الاتصالات والمواصلات في الحضارة الإسلامية»:
«إنني أجد العزاء كل العزاء في النظر إليها والتحدث إليها وخصوصا في حالات الهم والغم التي تعتري الفرد العربي في هذا الزمن الحافل بالخلاف والتشرذم والتخلف التقني، انظر إليها ـ الدنانير الإسلامية الأولى ـ فأحس أني جالس في محل مرتفع يشرف على وادي الحضارة الإسلامية بغناها وألوانها وعطائها وجودتها، واقلب واحدا من تلك الدنانير بين يدي وأتساءل ترى من استعمل هذا الدينار؟ هل هو دينار هند، وقصتها مع الحجاج معروفة؟ هل دفع خراجا للرشيد عندما أنحبس المطر عن بغداد فقال كلمته المشهورة: أيتها السحابة اذهبي وأمطري أنى شئت فخراجك سوف يأتي إلي، هل كان واحدا من ألف دينار دفعها سيف الدولة لأبي الفرج الاصفهاني عندما قدم له كتاب الأغاني؟ هل هو الدينار الذي حصل عليه المتنبي مقابل قصيدته الدينارية؟»
وذات يوم ثارت ابنة الشيراوي الطبيبة أثناء احتلال الكويت على حب أبيها المبالغ فيه للتراث، وقالت له وهي تطلب منه ان يكف عن الماضي ويركز على المستقبل: كل هذا جيد لكن ما فائدته ؟ فما كان من الأب حكيم دلمون الذي يعي أهمية التراث إلا ان طلب من ابنته ان تحفظ هذين البيتين:
من لم يع التاريخ في سره
لم يدر حلو العيش من مره
ومن وعى أخبار من قد مضى
أضاف أعمارا الى عمره
بهذا العمق والاحاطة تعامل يوسف بن احمد الشيراوي مع تراث أمته.
أمراء وعلماء وأدباء
أما كتاب أطلس المتنبي فرحلة عمر بين الخرائط والأماكن حملت المؤلف وهو كثير الأسفار كالمتنبي من سمندوـ بلغراد الحالية ـ في يوغسلافيا الى شعب بوان قرب شيراز في إيران بكل ما بينهما من فياف وقرى ودساكر،
ولك ان تعتبر كتاب أطلس المتنبي بناء على رغبة الكاتب المتواضع حتى الثمالة، تأليفا جماعيا فقد قدم له الطيب صالح وراجعه غازي القصيبي وشارك في أفكاره واغناء بحوثه علماء أجلاء وأمراء منهم الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير الرياض الذي يشكره الشيراوي في المقدمة لطلبه من علماء المملكة مساعدة المؤلف في تحديد موقع جبل ثبير الذي استشهد به احد شراح المتنبي وهو جبل من جبال مكة الشرقية قريب من جبل ثور .
لقد كان كثيرون قبل كتاب الشيراوي يظنون ان المتنبي كان في نجد حين نظم اللامية الذائعة «ما لنا كلنا جو يا رسول...» التي يقول فيها:
نحن أدرى وقد سألنا بنجد
أطويل طريقنا أم يطول
لكننا في الأطلس نكتشف ان نجد المذكورة في البيت السابق ما هي إلا قرية قريبة من الكوفة وليست نجد الأخرى التي كانت قبل دمشق وبغداد المصنع الأول للرومانسية العربية.
ولا يقف الأمر عند تحديد الأمكنة تحديدا ميكانيكيا فالكاتب في هذا الأطلس وأثناء حديثه عن أمكنة هذه القصيدة بالذات يطرح سؤالا لم يسبقه اليه احد ويرى من قراءته المعمقة للمتنبي وصحبته الطويلة له انه كان يحرض سيف الدولة على حرب البويهيين حين قال في اللامية وما أكثر لامياته:
أنت طول الحياة للروم غاز
فمتى الوعد أن يكون القفول
وسوى الروم خلف ظهرك روم
فعلى أي جانبيك تميل
وقد كان الشيراوي - رحمه الله - يحرص حين تعارفنا في أوائل التسعينيات ان يسألني عن أماكن بعينها في حلب واللاذقية وحمص شهدت صولات المتنبي فأعطيه أجوبة تزيده ارباكا ولا تساعد أطلسه العلمي المتقن، لأن تعاملي مع أمكنة المتنبي في تلك المناطق كان تعاملا رومانسيا بحتا لا أثر فيه لبحث ومنطق وتدقيق، فقد أتيت حلب يافعا وغادرتها شابا ومخيلتي لا تختزن غير الدهشة من أمكنة المتنبي في تلك المدينة العريقة التي شهدت فترة استقراره الوحيدة في كنف سيف الدولة.
لقد دهشت أول مرة أطأ فيها تراب حلب لوجود حي وباصات تحمل اسم سيف الدولة الذي لم يكن قد صادفني إلا في الكتب، فلما درست في ثانوية الكواكبي التي تواجه إذاعة حلب وتعتلي قمة جبل الجوشن الذي كان المتنبي يسامر سيف الدولة عند سفوحه في المكان الحالي لملعب كرة القدم اكتفيت باللذة العاطفية لأن المتعة العقلية التي تغري بالبحث والكشف لم تكن قد نضجت بعد، فلما وجدت من يدقق في تفاصيلها وأمامه القصائد والخرائط عاد بعضها للذاكرة بكل تفاصيله الملونة وكأنه صورة فوتغرافية مخزنة جيدا في كومبيوتر.
وقد اختلفنا ذات يوم حول مدلولات العودة الى ذكر حمص في شيراز قبل مقتل الشاعر الكبير بشهر في دير العاقول قرب بغداد:
أحب حمصا الى خناصرة
وكل نفس تحب محياها
حيث التقى خدها وتفاح لبنا
ن وثغري على محياها
وكنت أظن كما نصصت على ذلك كتابة في «ثلاثية الحلم القرمطي»
ان حمص بقيت الرمز السياسي النقي للثائر الشاب، فمعظم الأمكنة المذكورة في تلك القصيدة كان يجسد في مخيلته عنفوان الحلم القرمطي الأول حين ثار قرب سلمية وتم القبض عليه وأسره في قرية كوتكين الحموية، ومن الطبيعي ان يذكرها ويتذكرها في مرحلة الانكسار الأخيرة في شعب بوان حيث الفتى العربي غريب الوجه واليد واللسان.
وفي الأطلس - وهو من منشورات العام الماضي عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر - وجدت الشيراوي الرومانسي المتنكر في ثياب وزير يصر على تفسيره الرومانسي لعودة حمص من لاوعي الشاعر الى قصائده الأخيرة، ففي تلك القصيدة، ومطلعها من خيرة المطالع:
كل جريح ترجى سلامته
إلا فؤاد دهته عيناها
يرد كما يلاحظ الشيراوي بذكاء ذكر الشامية التي يفترض في أطلسه إنها أم محسّد الزوجة الأولى:
شامية طالما خلوت بها
تبصر في ناظري محياها
وقد تكون تلك الشامية أجمل من خولة الحلبية من أولئك الشاميات اللواتي لا يقف أمام سحرهن سور ولا حجاب لكنها تظل في مجال الفرضيات فليس لها ذكر خارج هذا البيت في اي مكان وتشاء الصدف ان يرافقني على الطائرة قبل يومين زميلنا وصديقنا المشترك خالد القشطيني وقد أخذنا الحديث كالعادة الى الشيراوي والمتنبي والقصيبي والطيب صالح وخلافاتنا التي لا تتوقف حوله، فإذا بخالد يأتي وعلى غير توقع بفرضية جديدة تنسف فكرة زواج المتنبي وإنجاب زوجته أو زوجاته، فخالد يعتقد ان المتنبي ربما يكون مثليا صاحب غلمان، وكل دليله على ذلك ان شاعر العربية الأكبر كان متعلقا بجدته وأمه وهذه ـ كما تعلم القشطيني من الثقافة الغربية ـ من الصفات الراسخة في المثليين .
ولو سمع الشيراوي هذه الفرضية لطلب فورا - نقطة نظام - ليضحك من هذا الدليل الذي يضع الأمة بكاملها في خانة الاتهام فمن ذا الذي لا يحب أمه وجدته في بلاد لا يجد فيها الرجال العطف والدفء و الحنان إلا في صدور الأمهات والجدات.
لقد وضع الشيراوي في أطلسه عن المتنبي خارطة لرحلتيه الأولى والثانية الى بلاد الشام وخارطة لمنطقة الثورة والسجن وسط سورية وخرائط أخرى لمواقع زياراته لطبرية وإنطاكية واللاذقية التي ترد في شعره ثلاث مرات منها قوله:
لك الخير غيري رام من غيرك الغنى
وغيري بغير اللاذقية لاحق
والمحير انه يحكي عن ضيعة كانت للمتنبي قرب معرة النعمان لم يذكر اسمها، وهذا من الغرائب، ومما لم يركز عليه شارحه وعاشقه الأكبر أبي العلاء ابن المنطقة التي تبعد عن قريتنا سرمدا قرابة سبعين ميلا.
من الفسطاط للرهيمة
وبعد هذه المناطق ركز الشيراوي تركيزا خاصا على خارطة الهروب الكبير من مصر التي استغرقت مكانيا قارتين، وزمانيا أربعة اشهر، والمؤلف يعتبر رحلة الهروب أسطورة من الأساطير، فالشعراء والفرسان كانوا يتبارون في قطع الفيافي، لكن ليس في مثل تلك الظروف العدوانية التي تجتمع فيها قسوة الطبيعة مع العداوة السياسية، فالشاعر يسافر في بلاد على كل ناصية فيها حارس للعبد الذي اشتراه سيده الإخشيدي ونسي ان يشتري معه العصا الأستاذ كافور، ومع ذلك يجتازهم ويخدعهم جميعا ليصل في رحلته الأسطورية من فسطاط القاهرة الى رهيمة بغداد ذات أمسية ربيعية في مثل هذا الشهر قبل 1043 من الأعوام ويقول عن ذلك:
وردنا الرهيمة في جوزه
وباقيه أكثر مما مضى
فلما انخنا ركزنا الرما
ح بين مكارمنا والعلا
وبتنا نقبل أسيافنا
ونمسحها من دماء العدا
ولا شك ان فكرة أطلس عن شاعر بهذا الانتشار ولدت من معرفة عميقة بقلقه فهو في السفر - سوبر ستار - ولو كان في عصرنا لكان من حملة البطاقات الذهبية ـ مايليج ـ على كل شركات الطيران الكبرى، ليس لأنه القائل قبل عصر الطائرات النفاثة:
على قلق كأن الريح تحتي
أوجهها جنوبا أو شمالا
بل لأنه لم يتوقف طيلة أربعين عاما منذ ترك الكتاب عن التنقل خوفا وطمعا وطلبا للمتعة والمجد، فمن كثرة تنقله بين البلدان ولد سؤال الفضوليين:
يقولون لي ما أنت في كل بلدة
وما تبتغي؟ ما ابتغي جل ان يسمى
وولد جوابه الثاني الذي يجعل منه مواطنا كونيا قبل عصر العولمة في قصيدة أخرى:
واني لنجم تهتدي به صحبتي
إذا حال من دون النجوم سحاب
غني عن الأوطان لا يستفزني
الى بلد سافرت عنه أيابان
أطلس الشيراوي عن المتنبي ما كان يمكن ان ينجز بهذه الدقة لولا قصة حب حقيقية ربطت المؤلف المعاصر بالشاعر القديم ـ الجديد وما تزال تجمع وتوحد بين قلوب كثيرة لأدباء وشعراء وسياسيين يحملون الهم القومي العربي ويهولهم ما حصل لحال الأمة وحين يبحثون عن العزاء لا يجدونه إلا عند أبي الطيب الذي ظل صوت العروبة الأنقى، ومتى؟ في زمن لم يكن فيه بعد الحمدانيين والتنوخيين في المنطقة كلها حاكم عربي واحد، فالبلاد العربية بأسرها وقعت زمن المتنبي تحت سيطرة الأجانب.
انه زمن يشبه زماننا لم يتغير كثيرا منذ أبي الطيب الذي كان يسمي الأماكن بغزارة ما سبقه إليها احد، وكأنه يخاف على ارض العروبة ان تفقد أسماءها بعد ان فقدت استقلالها وصارت منذ ألف عام ونيف مطية للمصالح والمطامع الأجنبية.
***
هذا الكتاب (أطلس المتنبي) هو في تقديري مساهمة عظيمة القيمة في مجال الدراسات عن حياة المتنبي وشعره. ومؤلف الكتاب "العالم الأديب الأستاذ يوسف أحمد الشيراوي" وكان قد تقلد الوزارة فترة طويلة في دولة البحرين، ليس بعيداً عن عالم المتنبي. فهو محب للشاعر، إلى أنه من بيت علم وأدب، ووالد زوجته الفاضلة هو الأديب والشاعر البحريني الكبير المرحوم الأستاذ إبراهيم العريض. ولا يخفى أن الأستاذ العريض بالإضافة إلى أنه شاعر فحل، وانه ترجم رباعيات الخيام من أصلها الفارسي، فإنه قدم للمكتبة العربية منذ ثلاثين عاماً كتابا قيماً عن المتنبي هو كتابه "فن المتنبي بعد ألف عام".
يذكر الأستاذ يوسف الشيراوي في بداية كتابه أن الأستاذ إبراهيم العريض أكد له أن المؤلفات عن المتنبي وشعره تزيد على ألفي كتاب، ثم يقول:
"لذا فان هذا الكتاب ليس فيه ما يضيف إلى ذلك السجل الهائل ... لأنه أطلس جغرافي يتناول أشعار المتنبي حسب ما انعكس ذلك في شعره وما جاء في سيرته.."
إنما هذا الأطلس هو بحق إضافة كبيرة لأنه خلاصة دراسة عميقة لحياة الشاعر وتأمل في شعره. ويقول الأستاذ يوسف الشيراوي:
" لم أعرف ولم أسمع عن شاعر عربي تنقل في حياته كما تنقل المتنبي ... هل يعود هذا التنقل إلى نفسية الشاعر القلقة الطموحة؟ أم إنها تعكس ذلك العصر و القرن المضطرب بالفتن والأحداث التي أثرت في نفسيته وطموحه وتصوره للتاريخ."
هذا السؤال نفسه، لم يزل يلح عليّ، بوصفي واحدا من مئات الآلاف، إن لم أقل الملايين المحبين لشعر المتنبي والمهتمين بوقائع حياته الغامضة.
اسمعه يقول:
يقولون لي ما أنت في كل بلدة | | وما تبقى؟ ما ابتغي جلّ أن يسمى |
ويقول:
وأني لنجمُ تهتدي صحبتي به | | إذا حال من دون النوم سحاب |
غنى عن الأوطان لا يستفزني | | إلى بلد سافرت عنه إياب |
وعن ذملات العيس أن سامحت به | | وألا ففي اكوارهن عقابُ |
ويقول:
على قلق كأن الريح تحتي | | أوجهها جنوباً أو شمالا |
ويقول:
صحبتُ في الفلوات الوحش منفرداً | | حتى تعجب من القور والأكم |
نعم، أنني استمع إلى صوت المتنبي يجيش بهذه المعاني الهائلة، ويخطر لي السؤال نفسه الذي خطر للأستاذ يوسف الشيراوي. هل هذه المعاني نابعة من الموهبة الشعرية الفريدة للشاعر وحسب أم أنها أصداء لحياة قلقة بالفعل، وعالم عربي مضطرب مقطع الأوصال يموج بالقلاقل والفتن؟
وقد وجدتُ إن هذا الكتاب الطريف يقربني جداً من إدراك اعمق لحياة المتنبي وعالمه الشعري. وذلك يرجع إلى الخرائط الجميلة الدقيقة التي ضمنها الأستاذ الشيراوي كتابه وربط الجغرافيا ارتباطاً وثيقاً بالشعر. وهو بذلك فتح أفاقاً رحبة في خيال القارئ المهتم بشعر المتنبي. أصبحت الخرائط بما فيها من الأمكنة التي زارها الشاعر أو عاش فيها، كأنها امتداد للقصائد.
وربما أدركت لأول مرة، رغم كثرة نظري في ديوان المتنبي، كم هي شاسعة ومترامية تلك المسافات التي قطعها ذلك الإنسان العجيب في حياته القصيرة. لا بد أنه قطع آلاف الأميال رائحا غادياً، وكأنه حقاً كما وصف نفسه:
على قلق كأن الريح تحتي | | أوجهها جنوباً أو شمالا |
وكأنه حقاً كما قال:
غنى عن الأوطان لا يستخفني | | إلى بلد سافرت عنه إياب |
حين تنظر الخرائط، وتستعيد الشعر في ذهنك تجد أن أبياتا مثل التي ذكرتها تأخذ أبعاداً أوسع، ومعاني أعمق.
وعلى سبيل المثال، فإن رحلة المتنبي التي خرج بها هارباً من مصر، أخذت قرابة أربعة أشهر، كما يذكر الأستاذ يوسف الشيراوي. والإنسان لا يتصور طول الزمن وبعد المسافات ألا حين ينظر إلى الخريطة.
أول مكان يذكره الشاعر في القصيدة هو (نخل) فكأنها على مرمى حجر من الفسطاط. ورغم أن المرء يعرف إنها في سيناء لكنه لا يمكن أن يتصور كم هي بعيدة عن الفسطاط حتى ينظر إلى الخريطة.
وبعد (نخل) يقفز الشاعر إلى (النقاب – النقب):
وأمست تخيرنا بالنقاب | | وادي المياه ووادي القرى |
ووادي المياه في الحجاز، كما توضح الخريطة، على مسافة بعيدة جنوباً.
وهكذا حتى يصل الشاعر إلى (أعكش) ثم (الرهيمه) ويكون قد دخل العراق واقترب جداً من الكوفة، وهي نهاية رحلته:
فيالك ليلاً على أعكش | | أحمَ البلاد خفي الصُّوى |
وردنا الرُهيمة في جوزه | | وباقيه أكثرُ مما مضى |
ولم أكن أدرك قبل أن أنظر إلى الخريطة، أن (الرهيمه) بهذا القرب من الكوفة. وأنا أفهم الآن لماذا حين وصل (الرهيمه) قال:
وردنا الرهينة في جوزه | | وباقيه أكثر مما مضى |
فلما أنخنا ركزنا الرماح | | بين مكارمنا والعلا |
وثبنا نقبل أسيافنا | | ونمسحها من دماء العدا |
كان قد وصل إلى نهاية الرحلة، لذلك لم يذكر مكاناً آخر. ولعله لم يدخل الكوفة ليلاً بل بات حيث هو ودخل الكوفة في الصباح.
هذا وقد بذل الأستاذ الشيراوي جهداً عظيماً للتثبث من الأماكن المذكورة في الشعر، وافرد في كتابه فصلاً مفيداً ربط فيه بين الأماكن وأبيات الشعر التي ذكرت فيها. وحتى بعض الأماكن التي درست مثل (أرجان) التي كانت مقر ابن العميد، وجد الكاتب إنها تقع على بعد عشرة كيلومترات من مدينة (بهبهان) في إيران.
يقول الكاتب إن (دير العاقول) حيث لقي الشاعر مصرعه المأساوي قد اختفت اليوم. يحس المرء بالحسرة حين ينظر إلى الخريطة فهي قريبة جداً من بغداد، وقد كاد الشاعر يصل إلى نهاية رحلته سالماً بعد أن خرج من عضد الدولة البويهي في شيراز مثقلاً بالمال والهدايا.
كان المتنبي قد وجد حفاوة عظيمة من عضد الدولة، وقبل خروجه من عنده أنشده آخر قصيدة له، وفيها يقول:
أروح وقد ختمت على فؤادي | | بحبك أن يحل به سواكا |
وقد حملتني شكراً طويلا | | ثقيلا لا أطيق به حراكا |
وفي القصيدة بيتٌ وجد الشراح بعد مقتل المتنبي كأنه كان يرثى فيه نفسه:
وأيا شئت يا طرقى فكوني | | أذاة أو نجاة أو هلاكا |
هذا ولن أنهى هذه الكلمة القصيرة، قبل أن أنوه بفصل سوف يجد فيه القارئ أن شاء الله متعة عظيمة. ذلكم هو الفصل في آخر الكتاب عن النجوم والكواكب التي ذكرها المتنبي في شعره. وهذا في حد ذاته موضوع لا أعرف أن كاتبا آخر قد تعرض إليه من قبل.
وبالإضافة إلى هذا كله، سوف يجد القارئ إن الأستاذ يوسف الشيراوي قد أشار إلى القضايا الكبيرة في حياة الشاعر، مولده ونسبه وهل هو شريف علوي أم لا وزواجه ونسله. هو يفعل هذا بلطف وتواضع جم مردداً طول الوقت إن الكتاب ليس أكثر من (أطلس). إنما هو في الواقع إضافة حقيقية تسعد عشاق شعر المتنبي وتغري الآخرين بالدخول في العالم الزاخر الحب لهذا الشاعر العظيم.
الطيب صالح
******
توطئة:
أكد لي الأستاذ إبراهيم العريض بأن عدد من تناول موضوع المتنبي، شرحاً ونقداً وحياة وفناً، ينوف على 2000 كاتب ومؤلف من ابن العديم وابن جني والواحدي إلى كتابه المعنون "فن المتنبي بعد ألف عام" الذي أصدره قبل 30 عاماً. ولذا فإن هذا الكتاب ليس فيه ما يضيف إلى ذلك السجل الهائل. ولكنه فريد من نوعه لأنه "أطلس جغرافي" يتناول أسفار المتنبي. حسبما انعكس ذلك في شعره وما جاء في سيرته، وذلك من أول سفرة له خارج الكوفة 315ه حتى مقتله قرب بغداد عام 354ه.
لم أعرف ولم أسمع عن شاعر عربي، تنقل في حياته كما تنقل المتنبي. يقال أن إمرؤ القيس، لما علم بقتل والده، تنقل بين القبائل يدعوهم إلى أخذ ثار والده وانه ذهب حتى إلى ملك الروم وراء ذلك الهدف. ولا يوجد إثبات تاريخي حسب علمي عن ذلك التنقل. ولا يوجد شاعر عربي سواه سجل مثله تحركه من الفيافي والقفار، إلى حواضر العالم العربي الإسلامي في عصره، مرورا بالعديد من العواصم عدة وولايات عديدة فانتشر الشعراء في العواصم والولايات متنقلين مع أحداث السياسة ومراكز القوى، بعد أن كانت تجمعهم دار الخلافة في دمشق أو بغداد أو قرطبة هل يعود هذا التنقل إلى نفسية الشاعر القلقة الطموحة؟ أم أنها تعكس ذلك العصر والقرن المضطرب بالفتن والأحداث الذي أثرت في نفسيته وطموحه وتصوره للتاريخ.
هذا الموضوع أكبر ولا شك من حدود هذا الكتاب. وكم كان بودي أن يقوم مؤرخ عربي بدراسة أحداث ذلك القرن (الرابع الهجري) ويلقى عليه نظرة علمية أمينة ليسجل ماذا كان يجول في نفوس المسلمين في ذلك الوقت من خلافات عنصرية ومذهبية وأيدلوجية وفلسفية تركت ولا شك بصماتها وأثارها على الفكر الإسلامي حتى عصرنا هذا. لا شك بأنه سوف يجد من شعر المتنبي ما يعينه على الفهم. أن هذا "الأطلس" سوف يوضح له صورة ومكان وزمان تلك الصراعات.
وجدت صعوبة في إعداد هذا الأطلس. لقد اعتنى المتنبي بديوانه وكتبه وقرأه وحذف منه وأرخه بدقة. وأستثني من ذلك الفترة المضطربة من حياته الأولى، منذ أن ترك بغداد في العام 319ه حتى أستقر به المقام في طبرية في العام 328ه. اتسمت حياته في تلك الفترة وتنقلاته وسجنه وإطلاق سراحه بالغموض والتعتيم. ولا شك أن الخلافات المذهبية والصراعات الفكرية الأثر الأكبر في هذا الغموض. أما حياته من العام 328ه في طبرية حتى مقتله شرقي جنوب بغداد في العام 354ه، فإنها تكاد تكون واضحة.
الصعوبة الثانية نشأت من الجغرافية: المدن والحواضر والعواصم الإسلامية العربية، من شيراز حتى الفسطاط، ومن حلب حتى الكوفة وطبرية معروفة سهلة، ولكنه عدد مواقع كثيرة عجزت عن التعرف عليها بالرغم من اعتمادي على "لسان العرب" و "معجم البلدان". يحدد ذلك السفر الجليل في بعض الأحيان ... بالأسلوب العلمي الدقيق بأن المحل الفلاني يبعد كذا فرسخ عن الفرات، وعن الموقع الفلاني كذا فرسخ، وأن الموقع الفلاني طالعه (العيوق) ... نعم بكل دقة ... ولكنه يمر بسلام على كثير من المواقع الأخرى دون أن يسجل شيئا. أما أنه "قريب من الكوفة" مثلاً أو "نبع ماء" أو بكل بساطة "محل معروف" حاولت، على سبيل المثال لا الحصر, أن أحدد موقع أرجان "بتشديد الراء" وخففها المتنبي إلى "أرجان" فلم أعثر عليها حتى على الخارطة الرسمية لإيران. وقد سررت كثيرا عندما بين لي أحد كبار الموظفين الإيرانيين الذي زار البحرين مؤخراً بأن "أرجان" قد إندثرت وأصبحت مدينة أثرية ينقب عنها علماء الآثار. والموقع يبعد 15 كيلومتر إلى الشمال الغربي من مدينة بهبهان، غربي شيراز.
كنت قد أضفت إلى الأطلس باقة من عيون شعر المتنبي في كل مرحلة من مراحل حياته. ولكن جلسة هادئة مع عملاقين من عمالقة الأدب والشعر، الأستاذ الطيب صالح والدكتور غازي القصيبي، أقنعتني بحذف ذلك الاختيار. إضافة إلى أنهما قدما لي باباً واسعاً من خبرتهما في موضوعية البحث والتأليف. قالا بأن ما أعمله هو أطلس ليس إلا. ربما لم يسبقني إلى ذلك أحد، أما اختيار أبيات شعر من المتنبي التي أكسبته المجد والخلود فقد سبقني إليها ما ينوف على ألف أديب خلال ألف عام إبتداءاً من الواحدي والعكبري والمعري إلى مؤلفي القرن الماضي. أقنعاني بأن اختار من شعره ما يرتبط أما بالأطلس كالرحلات والمدن والطرق التي مر بها أو سلكها، أو ماله علاقة بتجربتي الشخصية فقط. لقد خرجت من ذلك اللقاء بقدر عظيم من المعرفة والحكمة، وبقدر أعظم من التواضع والراحة النفسية.
وأخيراً ... كنت أعتقد أن هذا الكتاب ما هو إلا دراسة ميكانيكية عن المتنبي ولكن لسبب لا أدركه، بدأت أشعر إنني قسم من تلك الحياة القلقة المضطربة فتولدت في مشاعر لم آلفها من قبل، شدتني إلى هذه الشخصية الفذة أكثر وأكثر. وآمل أن يتجاوز القارئ ميكانيكية الخارطة، ويرى في خطوطها حياة عارمة أغنت الفكر والأدب والوجدان العربي.
شجعني الدكتور غازي على كتابة هذا الكتات وهداني الأستاذ إبراهيم العريض إلى بعض النواحي التاريخية في عصر المتنبي وتكرم أديب العرب الأستاذ الطيب صالح بتقديمه للقارئ.
يوسف الشيراوي
البحرين 2003م
جغرافيا المنطقة
غطّى المتنبي القسم الجنوبي من إيران إلى العراق وديار الشام، وممتداً منها إلى ما تعرف اليوم بآسيا الصغرى، وهي القسم الشرقي من تركيا، وكانت تعرف بديار بكر. كما اشتملت حياته وتنقلاته مصر والقسم الشمالي من جزيرة العرب. ولم تتأثر هذه المنطقة بأية تغيرات جغرافية أو طبيعية تذكر. إندثرت بعض المدن مثل (واسط) و (أرجّان) وتبدلت أسماء عدد كبير من المواقع، أما المدن والعواصم الأساسيّة بإستثناء (القاهرة) التي عرفت بالفسطاط، ودومة الجندل التي تحولت إلى "الجوف" فقد حافظت على العموم بأسمائها التاريخيّة. تحدث المتنبي عن "ضُمير" فوجدت أن ضُمير ما زالت مدينة كبيرة تقع شماليّ شرقيّ دمشق. يقول عنها المتنبي: "لئن تركن ضميراً عن ميامنا".
أما الأنهار والتضاريس الطبيعيّة والبحار والجزر فإنها بطبيعة الحال بقيت على تضاريسها وأسمائها، ولكن هناك أربع مناطق تحتاج إلى مراجعة نظراً لعلاقتها بحياة المتنبي وسيرته وشعره.
1. بادية السماوة
بادية السماوة هي ما يعرف اليوم بالجزء الشبه الصحراوي الممتد من الكوفة إلى الحيرة على شاطئ الفرات وتمتّد عدة أميال في الصحراء العربية. بادية صغيرة مجاورة للفرات قيل أن المتنبي قد أرسل لها في صغره لتستقيم لغته. الواقع أن بادية السماوة كانت أيام المتنبي أوسع من ذلك بكثير، فهي تشتمل على قسم كبير من شاطئ الفرات وتمتد غرباً لتشمل بادية الشام حتى تدمر شمالاً ثم تنحدر جنوباً حتى تتجاوز دومة الجندل (الجوف اليوم) أي أنها تشمل جل صحراء المملكة العربية السعودية الشمالية (صحراء النفود). بقي أن يعرف القارئ أن المتنبي وقد آلف حياة البداوة قد عاد إلى هذه البادية الشاسعة عدة مرّات وآحب الإقامة فيها وأحس بالإنتماء العربي عند أهلها.
ويمكن تلخيص مراحل حياة المتنبي في بادية السماوة على النحو التالي:
- عاش فيها أيام الصبى وأحبّها ووجد فيها الأصالة والإنتماء بأصوله العربية. "قارن ذلك بالهزة الحضارية التي عاناها في بغداد عندما كانت في عز النفوذ الفارسي التركي وضعف العنصر العربي.
- عاش فيها في الفترة التي ترك فيها اللاذقيّة عام 320ه، شاباً ثائراً على الوضع العربي في الوقت الذي قوي فيه نفوذ الأخشيد في حمص وجنوب سوريا. فأسر واعتقل نتيجة لتلك الثورة.
- رجع إليها بعد أن ضاقت به الدنيا ما بين عام 328ه - 335ه وأصبح يتعيّش بالمدح وبذمّ الزمان. وهي الفترة التي ماتت فيها جدّته فرجع إلى الكوفة، ولكنه مُنع من الدخول إليها بسبب معارضة العلويين. فوصل الشام ثم عاد إلى فلسطين، ثم وجد الملاذ والملجأ في تلك البادية.
- بعد الفترة الحلبية والمصرية(336ه - 345ه) و(345ه - 350ه) بين سيف الدولة وكافور، هرب يوم النحر من الفسطاط عام 350ه (سوف نذكر ذلك بالتفصيل) لأنه بعد أن ضلل كافور في تتبع آثاره. بقي عدة أشهر في تلك الصحراء قبل أن يعود إلى الكوفة.
لم تتغير البادية ولكن الإستعمال الأعم لها تقلص إلى بادية السماوة الصغرى التي نعرفها اليوم.
2. سواد الكوفة
يستخدم العرب الأسود كناية عن اللون الأخضر في بعض المواقع. وإذا قدِم العربي من الصحراء إلى نهر الفرات إبتداءاً من البصرة حتى نهاية ذلك النهر، فإن أول ما يشاهد في الأفق هو اللون الأسود. وهو بدء المنطقة المزروعة؛ فقالت العرب أن فلاناً دخل في سواد البصرة وسواد الكوفة وسواد بغداد. ما هي علاقة ذلك بالمتنبي.
علاقة ذلك أن ضفاف نهر الفرات شمال الكوفة حتى منطقة الأهوار، كانت منطقة عامرة بالزراعة والسكان والإتصال المدني والحضاري، تكون وحدة مدنية عامرة ولكنها تفتت بعد التدمير المغولي إلى قرى ومدن صغيرة على شاطئ الفرات تكاد تعيش على الفتات والكفاف من العيش، ولم يبق للبحيرات المتعددة آنذاك أي وجود اليوم.
ينطبق ذلك على مدينة بغداد. فسواد بغداد هو منطقة حضارية ممتدة على جهتين من نهر الدجلة وممتدة على امتداد نهر الدجلة (شمالاً / جنوباً) وتم المنطقة التي قتل فيها المتنبي وهي اليوم منطقة تكاد صحراوية بعد الضفتين.
3. تركيا (العربية)
أعني بهذا التعبير القسم الواقع في تركيا الحديثة ويمتد من مصب سيحان وجيحان ممتداً شمالاً إلى جبال الأناضول (مدينة قيصرية) ثم شرقاً إلى حدود أرمينيا ومنابع نهر الفرات. ويشمل منطقة ديار بكر بصورة عامة. تغيرت أسماء المدن والأنهار والممرات الجبلية. إلى أسماء تركية ورجعت على معجم البلدان محاولاً تحديد المواقع فعثرت على بعضها بصعوبة. على سبيل المثال هناك مدينة تسمى (مراس) اليوم. كانت تسمى أيام الدولة الحمدانية (مرعش). وحافظت (ملاطيا) و (ديار بكر) على نفس الاسم واللفظ ولعل (سلامبيو) هي (سمندو) القريبة من كيسري (قيصرية الحديثة). وفي رواية أخرى أنها بلغراد عاصمة يوغسلافيا.
4. الجزيرة العربية الشمالية
يمكن النظر إلى وصف المتنبّي لهروبه من مصر إلى أن دخل الكوفة على أنها أسطورة. ولقد وجدت صعوبة كبيرة في تحديد المواقع التي ذكرها وتوقف عندها. بعضها واحات، والبعض الآخر مفازات "كالبسيطة" وبعضها نبع ماء بعينه، مثل "تربان". قام الجغرافي (موسيل) Musil برحلة إستكشافية في صحراء النفود الكبرى، من دمشق إلى تبوك والجوف وصحراء السماوة ما بين عام 1908م – 1915م وألّف كتاباً طبعه عام 1927م وساعدتني إبنتي في إستعارة نسخة وحيدة منه موجودة في مكتبة جامعة (ساوس) في لندن. وذكر موسيل في كتابه هذا رحلة المتنبي في الأماكن التي مر بها. ولكن المتنبيّ، بعد أن تجاوز الصوير، لم يذكر باقي الأسماء حتى دخل الكوفة. "زودني صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز بالكتب والمراجع التي تذكر أماكن المملكة. وقد تأثرت عندما علمت أنه على الرغم من مشاغله ومسئولياته، قام شخصياً بالإتصال بعلماء المملكة لتحديد موقع جبل لم أعرف موقعه. كما بعث لي معالي الأستاذ خالد القصيبي بعدة خرائط حديثة للمملكة العربية السعودية الشمالية ساعدتني على التمييز بين السهول (المفازات) والهضاب والجبال.
جل هذه الأماكن، بعد أن ترك الأردن، (تربان) موجودة في الجزيرة العربية. وحبذا لو إهتمت إحدى جامعات المملكة السعودية بترتيب رحلة صحراوية بمتابعة طريق المتنبي من الحدود الأردنية الجنوبية حتى حدود العراق وتحديد المواقع والواحات والأماكن التي زارها وخلّدها ذلك الشاعر.
خارطة العالم الإسلامي
عالم المتنبي 303هـ - 354هـ
- الروم
- بنو حمدان
- بنو بويه
- الأخشيد
- القرامطة والقبائل
حياة المتنبي في سطور
التاريخ الهجري | المرحلة | التاريخ الميلادي |
303 | مولده في الكوفة | 915 |
315 | صحراء السماوة | 927 |
317 | بغداد | 929 |
319 | منبج – اللاذقية | 931 |
319 | لبنان – دمشق – نحلة – اللاذقية | 931 |
320 | اللاذقية – البادية – الثورة – السجن | 932 |
323 | إطلاق سراحه – حمص – اللاذقية – الكوفة | 935 |
326 | اللاذقية – الرملة – اللاذقية – إنطاكية – حلب – اللاذقية | 937 |
328 | طبرية – بدر بن عمار | 939 |
329 | بغداد (وفاة جدته) | 940 |
338 | طبرية – بدر بن عمار | 941 |
332 | جرش – دمشق – الصحراء – دمشق – طرابلس – دمشق – اللاذقية – إنطاكيا – اللاذقية | 943 |
336 | إنطاكيا – أبو العشائر | 947 |
337 | حلب – سيف الدولة | 948 |
346 | دمشق – الفسطاط – كافور | 957 |
350 | قطع الصحراء – الكوفة | 961 |
352 | بغداد | 963 |
353 | أرجان – إبن العميد | 964 |
354 | شيراز – عضد الدولة | 965 |
354 | واسط – دير العاقول – مقتله | 965 |
مرحلة الصبى
303هـ - 319هـ
تغطي هذه المرحلة فترة الصبى. ولد المتنبي في العام 303ه في الكوفة، ودرس في مدرسة لإشراف العلويين. أرسل إلى صحراء السماوة بين نجد والعراق والشام لتستقيم لغته خلال الفترة بين 315ه و 317ه. زار بغداد، حيث ترك سوء الحكم وتسلّط الأعاجم وتفكك العنصر العربي الأثر الأكبر في نفسيته وحكمه على الأمور.
كانت الكوفة في أوائل ذلك القرن مركز ثقافة نشطة، فاستفاد المتنبي من العلماء والأدباء الذين تحدث إليهم. وعرف عنه ملازمة دكاكين الوراقين وكانت هذه الدكاكين بمثابة قاعات مطالعة تستقطب الأدباء والمثقفين ولم يملك المتنبي المال لشراء تلك االمخطوطات، ولكنه كان يملك الذاكرة القوية القادرة على الحفظ والإستظهار. ويبدو أن فترة الصبى لشاب علوي متوسط الحال كانت فترة سعادة كما وانعكست كثيراً في أشعاره فيما بعد، فنراه يقول:
در در الصباء أيام تجرير | | ذيولي بدار أثلة عودي |
لا نعرف بالدقة الأسباب التي أدت إلى ذهابه إلى الصحراء اللهم إلا الشعور السائد بأن حياة الحضر تنزع من اللغة العربية فصاحتها وأنه لابد من العودة إلى الصحراء والفطرة لإتقان تلك اللغة.
قيل أنه إبن سقاء "عبدالله السقاء" أو إبن "عيدان السقاء". ومن غير المألوف في تلك الفترة أن يرسل ابن السقاء إلى البادية لصقل وتهذيب لغته وتقويمها، ولا أن يدخل مدرسة لإشراف العلويين.
تأثر المتنبي في صباه بالصراع الفكري الذي كان دائراً في ذلك القرن المضطرب، وبالخلاف السياسي الديني بين الطوائف الإسلامية وقد إنعكس ذلك بصورة عامة في شعر الصبى، إلى درجة سهلت على أعدائه النيل منه ويعكس البيتان ذلك:
نور تظاهر فيك لا هوية | | فتكاد تعلم علم ما لن يعلما |
أنا مبصر وأظن إني نائم | | من كان يحلم بالاله فأحلما |
خارطة الصبى
310هـ - 317هـ
(بغداد وبادية السماوة)
بادية السماوة تقلصت في العصر الحديث الى حدود الفرات
- بغداد
- الكوفة
- بابل
- بادية السماوة
- قبائل عربية (القرامطة)
- البوكمال
- تدمر
زيارة الشام الأولى
319هـ - 320هـ
قبل أن نتحدث عن زيارة المتنبي إلى ديار الشام (319ه – 323ه) ونرسم خارطة لتحركاته لا بّد من وقفة سريعة على وضع وخارطة الشام السياسية. على الرغم من ضعف الدولة العباسية، كان من المتعارف والمتفق عليه بأن الوالي، أي والي، يحتاج إلى أن يكسب الشرعية، وأن يحصل على مباركة الخليفة لقاء خراج سنوي يدفعه للخليفة. فالمرحلة التي نتحدث عنها كانت هناك عائلة حمدانية من جذور يمانية تحكم الجزيرة ومنطقة الموصل والأناضول العربي. واستولى محمد بن طغج على فلسطين ثم أضيفت إليه حلب، ثم مد محمد بن طغج ولايته على الشام قبل أن يعزل عنها. وكان في حلب قبل ذلك ولاة يعينهم الخليفة ويرسلون من بغداد.
وفي الفترة التي نتحدث عنها وهي حياة المتنبي من عام 320ه حتى وفاته. استقرّ بنو بويه في نصف إيران إلى بغداد، وحكم بنو حمدان الجزيرة وحلب وتركيا العربية حتى حمص، وسيطر بنو تنوخ على اللاذقية وجبال لبنان، ومد بنو طغج والأخشيد ثم كافور على مصر وفلسطين والشام جنوب حمص.
أمراء الشام
ترك المتنبي الكوفة عام 319ه قاصداً بغداد تابعاً طريق القوافل على الضفة الشرقية من نهر الفرات حتى وصل رأس العين وانتهى إلى منبج. وأمراؤ منبج جنوبيون، وأهلها من القبائل القحطانية الجنوبية. فمدحهم وكان ذلك بداية تنقله في ديار الشام. فمدح أحد أمراء منبج وهم من القبائل اليمنية قائلا:
قيل بمنبج مثواه ونائله | | في الأفق يسأل عمّن غيره سألا |
والقيل عند أهل اليمن هو الرئيس الذي يلي الملك الأعلى.
لتسهيل الرحلة سوف نقسمها إلى عدة خرائط.
فبعد منبج زار حلب واللاذقية وإنطاكية ثم واصل الرحلة إلى طبريّة قبل ولاية ياسر بن عمار، ثم قفل راجعاً إلى اللاذقية عند بني تنوخ. زار حلب وإنطاكية ثم عاد إلى اللاذقية وسافر إلى طرطوس ثم تبع الساحل إلى سوق الغرب (عاصمة بنو تنوخ) وعبر جبال لبنان إلى دمشق.
وعقاب لبنان وكيف بقطعهاه | | وهي الشتاء وصيفهن شتاء |
قفل بعد ذلك راجعاً إلى اللاذقية على ألأرجح عام 320ه. أي أن رحلته من بغداد حتى إستقر في اللاذقية استغرقت عامين على الأكثر. بعض الدواوين تكتب "نخلة" وقد نبهني الأخ الدكتور كمال الصليبي كما لفت نظر الأستاذ إبراهيم العريض، بأن اسمها الصحيح هو نحلة ( بالحاء ) وما زالت هذه القرية تحمل هذا الإسم.
خارطة زيارة الشام الأولى
319هـ
الكوفة – اللاذقية
- حلب
- اللاذقية
- انطاكية
- طبّرية
- بني تنوخ
- طرطوس
- لبنان
- قرية نحلة
- بعلبك
- بغداد
خارطة ديار الشام
319ه - 320ه
- حلب
- معرة النعمان
- حمص
- بعلبك
- نحلة
- دمشق
- سوق الغرب
- جرش
- طبرية
- الرملة
- طرطوس
- طرابلس
- صيدا
- اللاذقية
- انطاكية
خارطة رحلة الشام الأولى
319ه - 320ه
- حلب
- معرة النعمان
- حمص
- بعلبك
- نحلة
- مشق
- سوق الغرب
- جرش
- طبرية
- الرملة
- طرطوس
- طرابلس
- صيدا
- اللاذقية
- انطاكية
خارطة منطقة الثورة
الثورة والسجن 320هـ - 321هـ
- قنسرين
- معرة النعمان
- حمص
- بعلبك
- نحلة
- كوتكين
- السلمية
- حماة
- طبرية
- الرملة
- طرطوس
- طرابلس
- صيدا
- اللاذقية
- انطاكية
خارطة السجن والعودة
323هـ
- بابل
- الكوفة
- بغداد
- سامراء
- أشور
- الحسكة
- منبع عينتاب
- حلب
- اللاذقية
- حمص
- لبنان
الكوفة
323هـ - 326هـ
أقفل المتنبي بعد هزة الثورة والسجن قافلا إلى الكوفة، ليبقى فيها إلى جانب جدته. والظاهر أنها إقامة هادئة سعيدة قضاها في مجالس العلم والأدب ومكاتب الورّاقين. كان سوق الورّاقين في تلك الأيام مزدهراً، يؤمه رجال الفكر والأدب والشعراء، فاستمع إليهم وصقل معرفته ولغته وشحذ ذهنه.
وهناك خبر، لم يجزم أحد بصحته، هو أن جدته كانت قد زوجته في تلك الفترة، التي قضاها سعيدا حسبما يظهر من أشعاره في تلك الفترة. وإذا صح أنه اصطحب إبنه محسد البالغ من العمر 30 عاماً معه، عندما قتل معه عام 354ه، فإنه يكون قد رزق بذلك الولد في تلك الفترة. سوف نتحدث عن ذلك فيما بعد. ولا يوجد في ديوان المتنبي أي ذكر لا عن ولده ولا عن زواجه ولا عن أبيه، إلا إشارات غامضة عابرة هنا وهناك في شعره، لا تؤكد حدثاً، ولا تجزم بخبر وسوف نعود إلى ذلك.
رحلة الشام الثانية
326هـ - 336هـ
هذه الرحلة مضطربة بسبب حركة المتنبي السريعة وتنقله، ولذا نسجلها في جدول لمساعدة تتبعه على الخريطة المرافقة.
بغداد/اللاذقية | 326 | اتبع طريق التجارة والبريد |
اللاذقية | 327 | بنو تنوخ |
حلب | 327 | زيارة قصيرة |
طبرية/ الرملة | 327 | زيارة فاشلة حسبما يظهر |
اللاذقية | 327 | زيارة إلى منطقة حلب |
انطاكية | 328 | |
طبريه | 328 | لازم إبن عمار |
بغداد | 329 | زيارة جدته في بغداد |
طبريه | 332 | ترك إبن عمار في |
جرش، دمشق البادية | 332 – 335 | رحلة مضطربة بعد طبريه عبر الأردن إلى جرش ثم دمشق وبادية السماوة |
اللاذقية | 335 | |
انطاكية | 335 – 336 | أبو العشائر |
حلب | 337 | حلب "سيف الدولة" |
خارطة زيارة الشام الثانية
الكوفة – اللاذقية326هـ
- الكوفة
- بغداد
- سامراء
- كركوك
- أشور
- الموصل
- الحسكة
- منبج عينتاب
- قنسرين
- حلب
- انطاكية
- اللاذقية
طبرية – ديار الشام
328هـ - 332هـ
بقي المتنبي قرب بدر بن عمار قرابة 4 سنوات، وكانت سنوات مريحة أغنت المتنبي ولكنها لم تخل من الحساد والدساسين. قابلهم بالترفع والتكبر وحتى الهجاء. إنتهت الفترة عندما ترك طبرية عام 332 عابراً الأردن إلى مدينة جرش في(الأردن اليوم) ومن ثم إلى دمشق (الشام) والبادية. أقف هنا لننظر ونبحث تاريخ وفاة جدته وهناك خلاف.
شاكر يقول بأن المتنبي سمع بوفاة جدته عام 334ه بعد أن ترك بدر بن عمار. تقول الترواية بانها كتبت له كتاباً تدعوه إلى الكوفة ولكنه لما وصل بغداد "منع" من دخول الكوفة. قالوا لها بأن المتنبي قد قتل فأقامت العزاء، ثم أتاها كتاب المتنبي بانه وصل إلى بغداد ويدعوها لزيتارته. فماتت من الفرح، لماذا منع من الكوفة؟ دعونا نسمعه:
أتاها كتابي بعد يأس وترحة | | فماتت سروراً بي فمتّ بها غماّ |
ولم يسلها إلا المنايا وإنما | | أشد من السقم الذي أذهب السقما |
الأستاذ إبراهيم العريض يقول: (وبحثه أتى بعد شاكر بحوالي 35 عاماً) بأن جدته دعته عام 329ه عندما كان بقرب بدر بن عمار. فاستأذنه بالذهاب إلى زيارتها.
نستمع لهذين البيتين يعلل فيهما الاستئذان العاجل:
لا تنكرن رحيلي عنك في عجل | | فإنني لرحيلي غير مختار |
وربما فارق الإنسان مهجته | | يوم الوغى غير قال خشية العار |
ولكنه عاد إلى طبرية بعد ذلك. ولازم بدر ثلاث سنوات حتى عام 332هـ ثم فارقه. أما شاكر فإنه يضع وفاتها عام 334ه أي بعد أن ترك بدر بن عمار وهام متنقلاً في ديار الشام.
أما بلايشر فإنه يضع وفاتها حوالي 329هـ أيضاً وهو التاريخ الذي اعتمده العريض. وأنا أميل إلى رأي الأستاذ إبراهيم العريض. لأن الحدث الكبير الذي تم عام 329هـ كان الغيبة الكبرى للإمام المهدي المنتظر. وإذا كانت جدة المتنبي تعرف علاقة المتنبي بالإمام المهدي فإن ذلك الإستدعاء له ما يبرره، وما كان التفكير والفكر العلوي يقبل ويوافق على تلك العلاقة آنذاك.
خارطة طبرية"ابن عمار" 328هـ - 334ه
- انطاكية
- اللاذقية
- طرطوس
- طرابلس
- جرش
- طبرية
- القدس
- الرملة
- حلب
- حماة
- بعلبك
- نحلة
خارطة وفاة جدته
329هـ
لم يدخل الكوفة
عودته الثانية لزيارة جدته ورجوعه إلى طبرية
- الرملة
- درعا
- دمشق
- نحلة
- بعلبك
- طرابلس
- اللاذقية
- انطاكية
- حلب
- منبج
- البوكمال
ديار الشام (332هـ - 336هـ )
كانت هذه فترة مضطربة في حياة المتنبي، عرف خلالها عدم الإستقرار المعيشي والنفسي. كثر حساده في دار إبن عمار في طبريه وضايقه العلويون بقيادة إبن كروس فعبر الأردن إلى جرش ومنها إلى دمشق (332 ه)، ثم هام على وجهه في البادية، بادية السماوة، حتى عام 334ه. وفي هذا يقول:
أواناَ في بيوت البدو رحلي | | وآونة على ظهر البعير |
وطوراً:
أذم إلى هذا الزمان أهيله | | فأعلمهم فدم وأحزمهم وغد |
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى | | عدواً له ما من صداقته بدّ |
وفيما يلي قائمة بتنقله خلال تلك الفترة، مصدرها شعره ولا شك، ولكني اعتمدت على عزام وشاكر والمعري وترتيب الواحدي في تسجيلها.
مغادرة طبريه | 332 – 333 |
جرش / دمشق | 333 |
البادية | 333 – 334 |
انطاكية "قبل أن تتبع الحمدانيين" | 334 – 335 |
طبريه بتعد وفاة إبن عمار | 336 |
الرملة "إبن طغج" | 336 |
إستيلاء الحمدانيين على نصف سوريا تقريباً | 336 |
انطاكية "أبو العشائر" | 336 |
حلب سيف الدولة | 337 |
يجدر القول هنا أن لمتنبي خرج من الرملة قاصداً إنطاكيه بعد أن دانت للحمدانيين عام 336هـ ، ولكنه لما وصل إلى طرابلس اعترضه إبن كيغلق فهرب من طرابلس إلى دمشق ثم إلى بعلبك وانطاكيه عام 336هـ بعد أن احتل الحمدانييون المنطقة.
خارطة
طبرية – بادية الشام – انطاكية حلب
332هـ - 336هـ
- الرملة
- طبرية
- جرش
- دمشق
- تدمر
- نحلة
- بعلبك
- حمص
- طرابلس
- حماة
- اللاذقية
- معرة النعمان
- حلب
- اسكندرون
- انطاكية
عند سيف الدولة
337هـ - 346هـ
مدح المتنبي سيف الدولة في إنطاكية عندما عاد من غزوة في ديار الروم. "وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه" . ويقال أن المتنبي تأخر في إنطاكية عدة أشهر لترتيب أموره ولا ندري حتى اليوم ما هي هذه الأمور. قيل أنها تتعلق بترتيب إرسال زوجته وإبنه محسد إلى الكوفة. هل كان محسد طفلاً ولد في ذلك العام كما تشير بعض الروايات ام أنه ولد قبل ذلك التاريخ ب 12 سنة؟. المتنبي والتاريخ صامتان عن ذلك.
لازم المتنبي سيف الدولة قرابة 9 سنوات ومدحه بأجمل وأغنى وأعمق ما قاله. ووصف معاركه بما هو احقّ بالبقاء ولكن حياة البلاط – حاشدة بالحسد، مملوءة بالدس وإستغلال النفوذ ومحاولات التقرب إلى الأمير. وساعد في ذلك غرور المتنبي وحدة طبعه، فأحرجه عند سيف الدولة. وما لبثت تلك العلآقتة أن تحولت من السأم إلى الضجر. ففارقه عام 346هـ .
كان المتنبي يملك ضيعة وهبه إياها سيف الدولة في معرة النعمان جنوبي حلب فاستاذنه في السفر ليذهب إليها طلبا للراحة. هذا حسب عادته، ولكن سيف الدولة عرف بأن المتنبي سوف لن يعود ولم يمانع في ذلك. كانت الدولة الحمدانية تمتد جنوباً إلى حدود حمص تقريباً فسلك المتنبي طريقاً صحراوياً بعد المعرة (دائماً بادية السماوة) حتى مرّ بين تدمر وموقع يقول له ضمير وهي اليوم مدينة كبيرة شمالي شرقي دمشق. حتى وصل إلى دمشق.
لئن تركن ضميراً عن ميامنا | | ليحدثن لمن ودعتهم ندم |
ومن هناك إتصل بكافور فسافر إلى مصر ماراً عند أصدقائه القدماء إبن طغج ومن هناك ذهب إلى كافور.
أرفقت بهذا الباب ثلاث خرائط توضيحية أولها خارطة للدولة الحمدانية أيام سيف الدولة قارنتها بخأرطة حديثة لتركيا. وقد تغيرت أسماء المواقع والمدن بمرور الوقت ولكن الأنهار كسيحان وجيحان والمدن الرئيسية كديار بكر وقيصرية ومرعش (ماراس) حافظت على أسمائها. ولكني لم أعثر على ميا فارقين "البستان" ؟.
والخارطة الثانية تشتمل على زيارات سيف الدولة والخارطة الثالثة على حروبه. لا يوجد لا في شعر المتنبي ولا في كتابات من أرخ له ما يدل على أنه ترك حدود الدولة الحمدانية في تلك الفترة.
خارطة الدولة الحمدانية
أيام سيف الدولة
- طرابلس
- تدمر
- بحيرة الثرثار
- سامراء
- كركوك
- الموصل
- آمد
- مرسين
- اسكندرون
خارطة الدولة الحمدانية
337هـ - 346هـ
زيارات المتنبي مع سيف الدولة
- ميا فارقين
- حلب
- حران
- رأس المعين
- الفرات
- معرة النعمان
- جيحان
- سيحان
خارطة الدولة الحمدانية
337هـ - 346هـ
حروب سيف الدولة
- الرجله
- آمد
- ديار بكر
- حران
- ملاطية
- ميا فارقين
- جيحان
- معرة النعمان
- الفرات
المتنبي في مصر
لازم المتنبي كافور قرابة 4 سنوات (346هـ - 350ه). وضعه هذا الأخير في دار محترمة، وأحاطه بالخدم والحشم، وأغدق عليه المال الوفير. بالمقابل قال المتنبي في كافور، حسب رأي عدد من الأدباء، شعراً يعتبر من أحسن ما قاله وأكثره نضجا. ولم يتردد مطلقاً ان يذكر سواده ويمدحه ويقول أحسن ما قيل في الرجل الأسود. ولكنه لم يكن مرتاحاً من كافورلأنه كان يطمح في ولاية لم يحققها له كافور. في هذا المجال، أميل إلى رأي الأستاذ إبراهيم العريض بأن المتنبي ومن بعده المعري لمسا ضعف الأمة العربية وتحللها. رأى المتنبي سيف الدولة مقاتلاً محارباً حامياً فأثار إحترامه ومودته، لكنه شاهد كافور ساكتاً قانعاً بحكم الأخشيد فقلل ذلك من احترام المتنبي له. هذا حكم تاريخي لا أملكه. وسوف أقف عند شعره في تلك الفترة في مناسبتين: الأولى وصفه لحمى الملاريا، وداليته وهو يترك مصر. شخصيا لي خبرة شخصيّة بأعراض الملاريا .... فقد أصبت بها في الهند وأنا في أيام الصبى اثر زيارة إليها مع والدي وعدت بها إلى البحرين. أعود إلى البيت من المدرسة ومن لعب الكرة، لا أحسّ بأي عارض، وما أن آوي إلى فراشي ويرتاح الجسم حتى تبدأ دورة الملاريا، وهذا ما نفهمه من المتنبي حين يقول:
|
وزائرتي كأن بها حياء | | فليس تزور إلا في الظلام |
تبدأ الدورة بآلام شديدة في الجمجمة والعظام، وهو ما شعر به المتنبي حين قال:
بذلت لها المطارف والحشايا | | فعافتها وباتت في عظامي |
ترتفع الحرارة فأشعر بنوع من الغثيان وأبدأ بالهذيان وبعد ساعتين من الآلام والوجع، تبدأ دورة أخرى قال فيها المتنبي:
يضيق الجسم عن نفسي وعنها | | فتوسعه بأنواع السقام |
تتحول تلك البرودة والآلام إلى إرتفاع هائل في درجة الحرارة، فيتصبب العرق غزيراً من جسدي وأبدأ في رفع الشراشف والأغطية بعد تلك الحرارة وأخيراً يتصبب ذلك العرق الغزير ليبلل الفراش والأغطية. يصف المتنبي هذه الدورة بقوله:
إذا ما فارقتني غسلتني | | كأنا عاكفان على حرام |
كأن الصبح يطردها فتجري | | مدامعها بأربعة سجام |
وكنت أعرف أنني سوف أستقبلها (كانت معدل الزيارة ثلاث مرات في الاسبوع)، ولذا صرت أستقبلها ولكن بغير فارغ صبر. وهذا ما وصفه المتنبي بحصافة حين قال:
كأن الصبح يطردها فتجري | | مدامعها بأربعة سجام |
أراقب وقتها من غير شوق | | مراقبة المشوق المستهام |
والقصيدة الأخرى هي وداع مصر:
عيد بأية حال عدت ياعي | | لما مضى* أم لأمر فيك تجديد |
يقول غازي القصيبي أن الأمة العربية لم تعرف منذ الغزو المغولي إلا الذل والأسى. ولا يمر عليها يوم عيد!! وهي في ظرف مأسوي ولا إلتقى أحدهم بصاحبه إلا وردد "عيد بأية حال عدت يا عيد" أبقى هذا البيت المتنبي في ضمير الأمة العربية ووجدانها.
لم يترك المتنبي مصر اللهم إلا إلى زيارات قصيرة للفيوم عند فاتك.
خارطة حلب – الفسطاط
346هـ - 346هـ
- بلد الروم
- الدولة الحمدانية
- حلب
- معرة النعمان
- حمص
- ضمير
- دمشق
- الرملة
- الأخشيد
- غزة
- بيروت
- الفسطاط
- أنطاكية
مصر – الكوفةالرحلة الأسطورة 350هـ
هذه هي أهم رحلات المتنبي وتنقلاته وأكثرها إرهاقا سواء كانت بالنسبة له أم بالنسبة لي. لأنني أيضاً تعبت في معرفة الطريق الصحراوي الذي سلكه المتنبي.
غادر أبو الطيب مصر يوم النحر 350ه مساءاً والقوم هناك يحتفلون عادة بذلك اليوم ويقيمون الأفراح والمآدب، ويقام لكافور مهرجان عظيم ليلة العيد. رتب المتنبي أموره ثم سار في إتجاه شمالي إلى مدينة بلبيس الواقعة على قناة أمير المؤمنين ليوهم كافور بأنه سلك الطريق الشمالي الساحلي في سيناء ليصل إلى فلسطين.
جزى عربا أمست ببليس ربّها | | بمسعاتها تقررُّ بذاك عيونها |
ولكنه ما لبث أن عرّج إلى الجنوب الشرقي في إتجاه القلزم (السويس اليوم) والممرات الجبلية ثم قطع هضبة التيه (وادي التيه) ووصل (نخل) في وسط سيناء ثم عبر راس خليج العقبة بين إلية (العقبة واليات اليوم) وبين معان متحاشيا وجود حاميتين لكافور هناك حتى وصل (النقاب).
الخارطة المرفقة تدل على أنه ذهب في اتجاه جنوبي غربي إلى هضبة حسمى ثم دخل (وادي المياه) الذي يمتد إلى شمالي المدينة المنورة. لا نعرف أين توقف في ذلك الإتجاه. هل كان يقصد المدينة والحجاز ونجد؟ لا ندري. نجد أنه رجع في إتجاه شمالي شرقي حتى وصل إلى (الكبد) ثم دخل دومة الجندل (الجوف اليوم)، الجوف كانت آنذاك إمتداد لبادية السماوة، حيث تربي صغيراً عند بدوها، ومنها سهل عليه الدخول إلى الكوفة.
دخل الكوفة فرحاً مرتاحاً منتصراً محيطاً نفسه بهالة من النجاح والمجد والعز.
فلما إنجنا ركزنا الرما | | ح بين مكارمنا والعلى |
وبتنا نقبل أسيافنا | | ونمسحها من دماء العدى |
لقد نجح المتنبي في تضليل كافور "ونام الخويدم..." بعد أن سماه "كويفير" ثم سلك طريقاً وعراً ضلل فيه جند كافور وحامياته في سيناء والأردن والحجاز. خانه بعض عبيده فتركهم نياماً وحاول أحدهم سرقة سيفه المذهب ليعطيه أحد مشايخ البدو "وردان"، فضربه بالسيف وقتله. نعم دخل الكوفة مقبلاً سيفه ماسحاً دم من اعترضوه, وفوق كل ذلك ... عد المتنبي نفسه من الشعراء العمالقة الذين سبقوه في عبور الصحاري والوقوف على الأماكن والإطلال . فإذا كانت هناك معالم مثل (حومل) و (المقراة) و (الحومانة) و (الجواء) و (برقة تهمد) التي وقف أمامها إمرؤ القيس وطرفة وزهير وعنترة، فهناك النقاب وتربان والبسيطة والجميحي والرهيمة وسائر الأماكن التي قطعها المتنبي ووقف عندها أو عند أطلالها.
إستغرقته هذ الرحلة قرابة 3-4 أشهر حسب ما يظهر من التواريخ. وامتدت من يوم النحر حتى أول اسبوع من ربيع الأول عام 351هـ . (يناير 1960 حتى مارس 1961م).
ويتذكر المتنبي في هذه الأبيات تلك الرحلة ووقائعها:
ضربت بها التيه ضرب القما | | ر أما لهذا أو لذا |
فمرت بنخل وفي ركبها | | عن العالمين وعنه غنى |
وأمست تخيرنا بالنقا | | ب ووادي المياه ووادي القرى |
وقلنا لها أين أرض العراق | | فقالت ونحن بتربان ها |
وهبت بحسمى هبوب الدبو | | رمستقبلات مهب الصبا |
روامي الكفاف وكبد الوهاد | | وجار البويرة وادي الغضا |
وجابت بسيطة جوب الرادا | | ء بين النعام وبين المها |
إلى عقدة الجوف حتى شفت | | بماء الجراوي بعض الصدى |
ولاح لها صور والصباح | | ولاح الشغور لها والضحى |
ومسى الجميعى دئداؤها | | وغادى الأصاريع ثم الدنا |
فبالك ليلا على أعكش | | أحم البلاد خفى الصوى |
وردنا الرهيمة في جوزه | | وباقية أكثر مما مضى |
الرهيمة تقع جنوبي غربي الكوفة أول طريق "درب زبيدة" إلى الحج وكان مساره شمالي ذلك الدرب فالتقى الطريقان قبل الكوفة.
أقف قليلاً عند البيت:
وهبت بحسمى هبوب الدبو | | رمستقبلات مهب الصبا |
حسمى هضبة جبلية تمتد تقريباً من وادي الأردن شمالاً حتى جنوب تبوك. هل اكتفى المتنبي بشمال تلك الهضبة أم أنه تغلغل جنوباً إلى الحجاز نحو المدينة المنورة؟. البيت يقول بأنه تغلغل.
الدبور هي الرياح الحارة الرطبة التي تهب على الحجاز من البحر الأحمر. أما الصبا فإنها الريح المسائية التي تهب على الحجاز من نجد ولأنها تمر على جبال الحجاز المرتفعة فإنها تبرد فتصل الحجاز (تهامة) ريحاً ناشفة منعشة باردة فأصبحت كل ريح مسائية ليلية منعشة باردة تهب على أي بلد تسمى بريح الصبا.
وقد وردت الصبا في الكثير من القصائد العربية نورد منها:
البحرين
إذا عرضت عنها الجنوب لعارض حبتها ولم تبخل بريتح الصبا نجد
بغداد
الصبا أن كاد لا بد الصبا أنها قامت لقلبي أروحا
غرناطة
ويا نسيم الصبا بلغ تحيتنا من لو على البعد حيى كان يتحيينا
ومما لا شك أن المتنبي تجاوز منطقة هضبة حسمى جنوبا إلى وادي المياه شمالي المدينة ليحس بالصبا ويحس بالدبور. ثم عاد في إتجاه شمالي شرقي (انظر الخارطة). حتى وصل الكبد ثم غير إتجاه سيره إلى الشرق فوصل بسيطة والجوف ذاكراً الأماكن التي مر بها حتى وصل بسهولة إلى الكوفة.
الرحالة موسل (1908 – 1914) يقول أن وادي المياه يعني الحجاز.
بغداد – أرجان – شيراز353هـ - 354هـ
كانت الدولة البويهية (إن صح التعبير) مهيمنة على ثلثي إيران الحالية ونصف العراق الجنوبي، وكان رئيسها، في تلك الفترة عضد الدولة، يلقب نفسه بملك الملوك "شاهنشاه"، و يسكن في عاصمتها شيراز. وقد ولى الوزارة الأستاذ الفاضل والكاتب الأديب أبو الفضل محمد بن الحسين الملقب بإبن العميد. وكان واليا على القسم العربي الشمالي من إيران ويشمل الأهواز وأصفهان والري "طهران اليوم". وكان الأمير والوزير من أكبر أدباء زمانهما. وكانت شيراز مثل سائر حواضر العالم الإسلامي الأخرى، بالرغم من التفكك السياسي، مركزاً للشعراء والأدباء والعلماء والفلاسفة والفلكيين. ألّف فيها في تلك الفترة أشهر وأهم كتب العرب وهماً "الأغاني" والمجسطي وهو كتاب بطليموس عن "صور السماء". دعى إبن العميد المتنبي لزيارته في أرجان عندما كان يتنقل ما بين بغداد والكوفة، فلم يستجب لتلك الدعوة في أول الأمر. والظاهر أن مرارة تجاريه مع بدر بن عمار وسيف الدولة وأخيراً كافور تركت أثراً سيئاً في نفسه فتردد في أول الأمر ولكنه قرر في الأخير أن يزور إبن العميد.
ترك الكوفة بالطريق المعتادة إلى بغداد ثم نزل إلى الأهواز وكانت تسمى "العراق العجمي" حتى وصل في أواخر 353 ه، وربما أوائل عام 354 ه إلى أرجان مدينة إبن العميد. وهي مدينة أثرية، تبعد اليوم 10 كيلومتر من مدينة بهبهان الحالية. إستقبله إبن العميد إستقبالاً عظيماً ونقف على بيتين في هائيته.
أحب حمصاً إلى خناصره | | وكل نفس تحب محياها |
وقد رأيت الملوك قاطبة | | وسرت حتى رأيت مولاها |
هل كان المتنبي يتذكر شبابه في هذين البيتين ديار الشام؟ ومن هي التي كانت في خناصرة. هل هي أم محسد؟ أما البيت الثاني فإنه مما لا شك يتذكر ويريد أن يغيظ سيف الدولة.
يروي إبن جني أن سيف الدولة لما سمع هذا البيت سأل "هل نحن في الجملة". تردد في أرجان في تلبية دعوة عضد الدولة لزيارته إلى شيراز، ولكنه ما لبث أن وافق على الزيارة ولم يخل المتنبي بالرغم من تقدم سنه وقصر إقامته من الحسد والغيرة من رجال الحاشية وشعراء الديوان هناك. فلم يهنأ بقرب عضد الدولة. فبقي بقربه عدة أشهر (من ربيع الثاني حتى رجب). واستأذن في الرجوع إلى الكوفة لتدبير أموره عاجلة على أن يعود إلى شيراز. فعاد في نفس الطريق ولكنه لم يصل بغداد.
خارطة زيارة فارس 353هـ - 354هـ
- شيراز
- بوان
- اصفهان
- أرجان
- الأهوان
- البصرة
- واسط
- دير العاقول
- بغداد
- كربلا
- الكوفة
فارس 354هـ
احتل بنو بويه ثلاثة أرباع إيران الحالية، وقسماً من تركيا والعراق الجنوبي متاخمين الحمدانيين، وجعلوا من شيراز عاصمتهم. وكانت شيراز مثل بغداد وحلب والفسطاط مركزاً للعلم والثقافة. وكان بلاط عضد الدولة بؤرة تجمع للعلماء والفلاسفة والفلكيين ومن أشهرهم الصوفي. يضاف إلى ذلك وزيره الرئيس إبن العميد الأديب الفاضل الذي تولى عنه المنطقة الممتدة من الري (طهران اليوم) حتى أصفهان والأهواز.
راسل إبن العميد المتنبي عندما كان في بغداد وقد عرفنا تردده في الرجوع إلى حلب عام 353هـ . ولكنه قرر في نهاية المطاف الذهاب إلى شيراز. فترك الكوفة في أواخر ذلك العام حتى وصل إلى أرجان إبن العميد تابعاً طريق التجارة والبريد (منطقة الأهواز – العراق الفارسي)، وكان ذلك في عام 354هـ . ثم راسله عضد الدولة في شيراز وألح على زيارته. فذهب إليه وبقي عنده حوالي 6 أشهر عندما قفل راجعاً إلى بغداد في رمضان من نفس العام.
أهم قصيدة خالدة هي التي ذكر فيها وادي بوان "شعب بوان" وقد تعمد الأستاذ إبراهيم العريض، خلال مشاركته في إيران في احتفالات سيبويه، أن يسلك طريق شيراز / أصفهان ماراً في شعب بوان وكان أكثر ما إسترعى إنتباهه هو غزارة الماء وبرودته "نبع من الجبال" وكثافة الأشجار وتشابكها على الطريق ... تماماً كما وصفها المتنبي.
شيراز – دير العاقول 354هـ
هذه هي المرحلة الأخيرة من حياة التنبي والسفرة الأخيرة له. اعتذر المتنبي من عضد الدولة واستأذن بالذهاب إلى الكوفة لقضاء بعض الأمور العائلية على أن يعود إليه في وقت لاحق بعد أن أنشده آخر قصائده وودعه "فدى لك من يقصر عن فداكا".
يظهر أنه ترك زوجته في العراق ويريد أن يداوي ذلك الفراق بالرجوع.
قد استشفيت من داء بداء | | واقتل ما أعلك ما شفاكا |
هنا يخاطب قلبه بأن سوف يجد الشفاء من بعد الأهل بالذهاب إليهم ولكن في هذا الشفاء داء فراق عضد الدولة. ثم يفصح:
وكم دون الثوية من حزين | | يقول له قدومي ذا بذاكا |
والثوية موقع يبعد 3 أميال عن الكوفة (العكبري)
سلك المتنبي الطريق المعتادة من شيراز إلى بغداد. تجاوز الأهواز حتى وصل إلى واسط في أوائل شهر رمضان 354 ه ، وهذا يعادل أغسطس 965م. يؤكد ذلك أن المتنبي كان لا يسري إلا في الليل خوفاً من هجير القائلة وشدة الحر. بقي في واسط قرابة خمسة عشر يوماً. يقال أن والي واسط نصحه وحذره من بني ضبة ومن بني أسد اللذين سبق للمتنبي أن هاجمهم بأفحش شعره ونصحه بأن يصحب معه ثلة من الحرس لحمايته. ويقال أن المتنبي رفض ذلك وهدد بأنه آمن لقربه من سيفه. وفي الأيام الأخيرة من رمضان من العام ذاته، ترك المتنبي واسط متوجهاً إلى بغداد ماراً بعدة مواقع، وفي يوم الأربعاء 28 رمضان هاجمه قوم ضبة وقتلوه وقتلوا إبنه.
كانت المنطقة بين واسط وبغداد في ذلك الوقت قسماً من "سواد بغداد" عامرة بالسكان والزراعة، ولكن الدمار والعبث الذي ألم بالعراق بعد الغزو المغولي قلص تلك المناطق. إختفت واسط كما اختفت كل المواقع ما بين النعمانية والمدائن (مدائن كسرى جنوبي بغداد) كالصافية ودير العاقول والحسيب. أعدت رسم الخارطة الثانية بترتيب من عبد الوهاب عزام بالإضافة إلى اجتهادي الخاص ونقلاً عن ياقوت الحموي في ذلك العصر عند ذكر بغداد وما جاورها.
خارطة العودة إلى الكوفة 354هـ
- شيراز
- بوان
- اصفهان
- أرجان
- الأهوان
- البصرة
- واسط
- دير العاقول
- بغداد
- كربلا
- الكوفة
خارطة بغداد أيام ياقوت
- النعمانية
- الصافية
- دير العاقول
- الحسيب
- المداين
- نهر بوق
- صرصر
- المداين
- ساباط
- كوش
- نهر الصراة العظمى
- الدجلة
أسئلة عن حياة المتنبي ديوانه:
يكاد ديوان المتنبي أن يكون سجلاً كاملاً لحياته من الصبى حتى مقتله في دير العاقول عام 354هـ . لقد رتبه بنفسه وأكمل قراءته حسب رواية معاصريه وشراحه في بغداد عام 352هـ . كما قرأه كاملاً في شيراز في العام الذي قتل فيه. هناك خلاف بسيط حول الترتيب. من الشراح من اعتبر التسلسل التاريخي وبعضهم قال أن المتنبي لم يقم بذلك بل رتب الديوان حسب إقامته كالعراقيات والشاميات والكافوريات وأخيراً الفارسيات. أي أنه جمع قصائده جغرافياً ولكنه أعاد ترتيبها زمنياً لكل موقع. وهناك قول بأن المتنبي أعاد كتابة قصائده عندما تنقل في ديار الشام فحذف أبيات من لم يستحق مدحه وأضاف باقي القصيدة إلى أبيات جديدة إلى أمير آخر في زمن آخر. وتبقى الأسئلة التالية عن حياته.
نسبه (أمه):
تحاشى المتنبي التعرض لعائلته المباشرة ونسبه. سكت عن جده ووالده وأفراد أسرته وتجنب إطرائهم في شعره أو الحديث عنهم. كل التهم التي ألصقت به من "إبن السقاء" إلى إدعاء "النبوة" إلى "الولادة غير الشرعية" التي ألصقت به في أواخر حياته وبعد وفاته من قبل حساده من إبن المهلب وشعرائه في بغداد إلى طه حسين. واستثني من ذلك مؤلفين هما شاكر والعريض. أثبت شاكر بما لا يقبل الشك بأن المتنبي كان من عائلة من أكابر العلويين في الكوفة ارسل الى (بادية السماوة) لتستقيم لغته ويسلم نطقه. الأستاذ العريض يذهب إلى أكثر من ذلك فيقول أن الإمام المهدي في أثناء غيبته الصغرى تزوج في الكوفة وأنجب المتنبي وماتت أمه فرعته جدته وكانت الوحيدة التي تعرف سره. ولما توفيت عام 329ه هرع المتنبي من عند إبن عمار لزيارتها في الكوفة فمنعه العلويون من الزيارة فعاد من بغداد. ويجمع كل رواة المتنبي بأن قصيدته "ألا أرى الأحداث مدحاً ولاذما" قد قالها في جدته.
هناك إجماع بأن الفكر العلوي بصورة عامة المؤمن بغيبة الإمام المهدي لم يقبل بهذا الإبن. ويعتقد الأستاذ إبراهيم العريض بأن المتنبي هو الآخر لم يقبل بالفكرة، فحورب المتنبي في العراق وسوريا مما ذدفعه إلى إخفاء عائلته ونسبه. كنت أبحث في ديوان المتنبي عن المواقع والأماكن التي ذكرها في ديوانه فعثرت على هذا البيت:
أمنسي السكون وحضرموت | | ووالدتي وكندة والسبيعا |
يقول المتنبي بأن الممدوح التنوخى قد أنساه والدته والسكون وحضرموت وكندة والسبيع (الأسماء الأربعة هي مواقع العائلات اليمانية التي سكنت الكوفة) والتي كانت فيها ذكرى شبابه و "تجرير ذيوله". قبل أن يتوفى الأستاذ إبراهيم العريض بيوم واحد كنت أتناقش معه حول هذا الموضوع، وكان رحمه الله يصر بأن والدته هي جدته في هذا البيت، حسب رواية المؤرخين والأدباء. قلت له:
لئن لذ يوم الشامتين بموتها | | لقد ولدت مني لأنفهم رغما |
فهل كان هذا ذلك الرثاء الجارف في جدته أم في أمه التي توفيت عام 329ه؟؟ هل كانت التي "ولدت مني" أمه الطبيعية أم أنها الأم الرمزية "الجدة". المتنبي يقول "أنا في أمة" ونحن نتحدث عن "أمة محمد" والكتاب يشير إلى "أمة قد خلت" بالمعنى المجازي للكلمة. ولكن "الوالدة" لها معنى واحد خاص بها.
أنا فقط أطرح السؤال، لا أملك المقدرة أو الخبرة اللازمة للجواب. وحتى هذا الكتيب ليس مطالبا بإعطاء الجواب الشافي، فهو لا يعدو كونه أطلسا لرحلات المتنبي و لا أريد له أن يتجاوز ذلك الأفق.
زواجه
هل تزوج المتنبي؟ ديوانه لا يعكس ذلك بصورة واضحة. إذا كان له إبن يدعى محسد قتل معه وعمره 30 عاماً. فمعنى ذلك أن محسًد قد ولد في العام 324هـ . وكان المتنبي حينها قد عاد إلى الكوفة بعد سجنه. هل زوّجته جدته كما يعتقد محمود شاكر ما بين عام 323هـ - 326هـ قبل أن يتوجه إلى الشام؟ هناك عدة أبيات في مدح عضد الدولة ربما تزيد عاطفة عن الغزل الإعتيادي.
شامية طالما خلوت بها | | تبصر في ناظري محياها |
أحب حمصاً إلى خناصرة | | وكل نفس تحب محياها |
حيث التقى خدها وتفاح لب | | نان وثغري على محياها |
خناصرة قرية ملتصقة بمدينة حلب.
يقال أنه ودع عضد الدولة وقال أنها لزيارة أهله في الكوفة.
وكم دون الثنية من حزين | | يقول له قدومي ذا بذاكا |
أرجح الأقوال أنه تزوج في العراق وترك عائلته في الكوفة. أو أنه تزوج عندما كان بقرب سيف الدولة! ولم يأخذ أحداً معه إلى مصر. ثم أنه عاد إلى الكوفة قرب زوجته واصطحب معه إبنه محسًد في زيارته الأخيرة إلى بغداد وشيراز.
هل هناك زوجة ثانية للمتنبي في الشام؟ أم أن زوجته الوحيدة كانت "أم محسد"؟ التاريخ ساكت عن ذلك.
إبنهُ مُحسد:
جاء ذكر " مُحسد" في شرح أوائل الشراح ومعاصري المتنبي ولكن شعره (شعر المتنبي) لا يعكس ذلك مطلقاً. وفي رواية أن محسد عاد إلى موقع القتل ليأخذ بعض الكتب فقتل بعد والده. ولا أدري من روي الحادث؟؟ ومن روى قصة خادمه مفرح الذي قال له كيف تهرب وأنت القائل "الخيل والليل ..." فعاد ليقاتل حتى قتل وقتل خادمه وإبنه، شاكر يقول أن محسد بلغ 30 عاماً عندما قتل (من مواليد 324هـ ) وبليشر يقول أنه من مواليد 338هـ عندما إلتحق بسيف الدولة وأنه قتل عندما كان صبياً.
هل تزوج المتنبي مرتين؟ وهل كان إبنه من الزوجة الأولى أم أنه من الثانية؟
أخته وأخوه
هناك رواية عن أخ ضرير له في الكوفة لم يشر إليه الديوان. وهناك رواية عن أوائل من كتب عن المتنبي (ابن العديم) وكان معاصراً للمتنبي تقول بأن أخته قد رثته بعدّة أبيات منها:
يا حازم الرأي إلا في تهجمه | | على المكاره غاب البدر في الطفل |
الأرض أم أصبناها بواحدها | | فاسترجعته وردته إلى الحبل |
تاريخ وفاته
قتل المتنبي في موقع مختلف على تحديد وقته قرب دير العاقول (أنظر الخارطة) ويقال أنه لم يدفن إلا بعد قتله بعدة أيام. وهذا يؤدي عادة إلى الإختلاف على اليوم. أنا أميل إلى أن أصح الأقوال (تحقيق شاكر) هو يوم الأربعاء 28 رمضان 354 ه الموافق 27 سبتمبر 965 م. هناك تفاوت بسيط حول تاريخ أيامه الأخيرة تحتاج إلى تحقيق وإعادة ترتيب.
لا خلاف بأنه أنشد عضد الدولة ثم ودعه بآخر قصائده "فدى لك من يقصر عن مداكا" في شهر شعبان 354هـ . فالرواة تتحدث عن أول شعبان أو أوائل شعبان وبعضهم حدد سفره ب 8 شعبان وبعضهم قال 15 شعبان، والأرجح هو 8 شعبان.
ولد هلال شعبان صباح الأثنين يوم 31/7 من ذلك اليوم ولذا فإن الحادي من شعبان في ذلك العام هو أيضاً يوم الثلاثاء أول أغسطس عام 965. ومعنى ذلك أنه أنشد قصيدته الأخيرة في عضد الدولة ما بين 8 – 15 أغسطس عام 965. يؤكد ذلك ما يروي بأنه كان يسير في الليل بدلاً من هجير القاتلة والحر.
تقول سيرة المتنبي أنه مر بمدينة واسط يوم السبت 15 رمضان وقد استخرجت من برنامج / الكمبيوتر الفلكي، أن أول شهر رمضان هو يوم الخميس 31 أغسطس. ولذا فإن 15 رمضان يصادف فعلاً السبت 15 سبتمبر منذ ذلك العام.
ولو سرنا وفي تشرين خمس | | نراكم قبل أن ترو السماكا |
سوف نعود إلى هذا البيت. ولكتن السماك من نجوم برج العذراء (السنبلة) وتشرق في الخريف.
ويوجد خلاف حول مماته حسب رأي مؤرخيه أجمله فيما يلي:
قتل يوم | 27 | رمضان |
قتل يوم الأثنين | 6 | ليالي بقين من رمضان |
قتل يوم ألأربعاء | 28 | رمضان |
قتل يوم الأربعاء | | ليلتين بقين من رمضان |
ولذا أسجل الترتيب الفلكي للإسبوع الأخير من ذلك الشهر:
رمضان 454 (سبتمبر 965)
هناك تفاوت يوم واحد سببه الخلاف الشائع على مولد الهلال وثبوت رؤيته.
الشهر | الأحد | الأثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة |
رمضان | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | عيد الفطر |
سبتمبر | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 |
يتضح من الجدول أعلاه بأن المتنبي قد قتل ما بين يوم الأثنين والأربعاء(25-27) سبتمبر 965 م لا ننسى بأن هناك عادة خلاف يوم على ثبوت رؤية الهلال وأنه قتل وفر قاتلوه، وأنه جاء من يدفنه بعد عدة أيام.
الأماكن
تركت أشعار المتنبي بصماتها على إيران والعراق والأناضول وديار الشام ومصر وجزيرة العرب.
وقد أحصيت ما ينوف على 125 اسما وموقعاً في أشعاره تشمل دياراً كمصر وفارس وبلد الروم وهناك المدن العريقة كبغداد وحلب والفسطاط ودمشق إلى جانب المدن الأتربة التي اختفت كأرجان و واسط.
هناك الجبال والممرات و المفازات والوديان والأنهار منها ما احتفظ بنفس الأسماء ومنها ما تغير ولا سيما ما أصبح في تركيا الحديثة. جمعت كل ذلك في آخر الكتاب لفائدة القارئ لا كفهرست لكتاب بل سجل مختصر للموقع والبيت الذي ورد فيه الموقع. ذكر المتنبي مصر والروم وحلب في ما ينوف على 10 أبيات من شعره وذكر خمسة مواقع في بيت واحد في ذلك الفهرست.
من المؤكد بأن المتنبي لم يمر أو يزر كل المواقع التي ذكرها أو استشهد بها في شعره. هناك أماكن في نجد والقصيم والحجاز واليمن والسودان وإيران لم يزرها المتنبي، وإنما استشهد بها. ويعكس كل ذلك بطبيعة الحال عمق ثقافته وواسع علمه.
* أثلة – موقع يقع على أربعة مراحل من الكوفة
درر الصبا أيام تجرير | | ذيولي بدار اثلة عودي |
الأحيدب – الهضبة التي بنيت عليها قلعة الحدث
نثرتهم فوق الأحيدب كله | | كما نثرت فوق العروس الدراهم |
أرجان – مدينة أثرية بين بهبهان وشيراز
رجونا الذي يرجون في كل جنة | | بأرجان حتى ما يئسنا من الخلد |
أرجان أيتها الجياد فإنه | | عزمي الذي يذر الوشيح مكسرا |
الأردن – نهر الأردن وتعني المنطقة التي تضم نهر الأردن
وقعت الأردن منه بلية | | نضدت بها هام الرفاق تلولا |
وما صغر الأردن والساحل الذي | | حبيت به إلى جنب قدرها |
أرسناس – نهر يصب في شمالي الدجلة
وجاوزوا أرسناسا معصمين | | وكيف يعصم ما ليس ينعصم |
حتى عبرن بأرسناس سوابحا | | ينشرن فيه عمائم الفرسان |
أرك – قرية على الفرات – مدخل إلى ديار الروم
ومال بها على أرك وعرض | | وأهل الرقتين لها مزار |
أعكش – مكان بين البصرة والكوفة قريب من البصرة
فيا لك ليلاً على أعكش | | أحم البلاد خفي الصدا |
أمد – مدينة شمالي شرقي حلب وشرقي مرعش
سريت إلى جيحان من أرض آمد | | ثلاثا لقد أدناك ركض وأبعدا |
عصفن بهم يوم اللقان وسقتهم | | بهنزيط حتى أبيض بالسبي آمدا |
أآمد هلى ألم بل النهار | | قديما أو أثير بك الغبار |
إنطاكية – في تركيا اليوم
لما إحتبيت إنطاكية اختلفت | | إلى بالخبر الركبان في حلبا |
حجبتها عن أهل إنطاكية | | وجلوتها لك فاجتليت عروسا |
منذ أحببت بإنطاكية إعتدلت | | حتى كأن ذوي الأوتار في هدف |
الأهواز – المنطقة العربية في إيران
تقضم الجمر والحديد الأعادي | | دونه قضم سكر الأهواز |
* بابل
ما نال أهل الجاهلية كلهم | | شعري ولا سمعت بسحري بابل |
بارق – قرية قرب الكوفة
تذكرت ما بين العذيب وبارق | | مجر عوالينا ومجرى السوابق |
البحيرة (طبرية)
لولاك لم أترك البحيرة | | والغور دفىء وماؤها شبم |
ورد إذا ورد البحيرة شاربا | | ورد الفرات زئيره والنيلا |
البُدية – ماء قريب إلى العمارة في العراق
فأمست بالبدية شفرتاه | | وأمسى خلف قائمة الحيار |
بسيطة – مفازة بين تبوك والجوف في الجزيرة العربية
وجابت بسيطة جوب الردا | | ء بين النعام وبين المها |
بسيطة مهلا سقيت القطارا | | تركت عيون عبيدي حيارى |
* البصرة
وتولى بنى البريدي بالبصرة | | حتى تمزقوا في البلاد |
* بغداد
وأن من بغداد له | | ليس مقيما في ذرا عضبه |
* بغداذ
سدت عليه المشرفية طرقه | | فانصاع لا حلبا ولا بغداذا |
* بلبيس
جزى عربا أمست ببلبيس ربها | | بمسعاتها تقرر بذاكا عيونها |
* بوان – وادي قريب من شيراز وجده الأستاذ إبراهيم العريض كما وصفه المتنبي
يقول بشعب حصاني: | | أعن هذا يسار إلى الطعان |
* البويرة – موقع في الجزيرة العربية (أنظر الخارطة)
روامي الكفاف وكبد الوهاد | | وجار البويرة وادي الغضى |
* البيضة – هذا الموقع والأسماء الأخرى مياه في البادية
وقد نزح الغوير فلا غوير | | ونهيا والبيضة والجفار |
* التيه – هضبة التية "تاه فيها بنو اسرائيل" غربي العقبة في سيناء
ضربت بها التيه ضرب القما | | ر إما لهذا وإما لذا |
* تدمر
وليس بغر تدمر مستعان | | وتدمر كأسها لهم دمار |
فليست أبا الهيجا يرى تدمر | | طوال العوالى في طول السمالق |
* تربان – نبع ماء بعينه؟ تربان موقع قريب من النقاب في الأردن شمال العقبة يبعد 20 كيلومتر عنها
وقلنا لها أين الأرض العراق | | فقالت ونحن بتربان: ها |
* تل بطريق – مدخل جبلي إلى هضبة الأناضول
كتل بطريق المغرور ساكنها | | بأن داراك قنسرين و الأجم |
قاسمتها بطريق فكان لها | | أبطالها ولك الأطفال الحرم |
* تهامة – الساحل البحري للحجاز واليمن
من كل أكبر من جبال تهامة | | قلبنا ومن جود الغوادي أجود |
* ثبير – أكد الأمير سلمان بن عبد العزيز بأنه جبل من جبال مكة الشرقية قريب من جبل ثور استشهد به أحد شراح المتنبي
* ثمود – موقع في اليمن سكنه قوم صالح
أنا في أمة تدراكها الله | | غريب كصالح في ثمود |
وفي جودك ما جدت لي | | بنفسي ولو كنت أشقى ثمود |
* الثوية – موقع قريب من الكوفة
وكم دون الثوية من حزين | | يقول له قدومى ذا بذاكا |
وليلا توسدنا الثوية تحته | | كأن ثراها عنبر في المرافق |
* الجباة – موقع ما بين تدمر والصحصحان في بادية الشام
ومروا بالجباة يضم فيها | | كلا الجيشين من نقع إزار |
* الجراوي – موقع في الجزيرة العربية
إلى عقدة الجوف حتى شفت | | بماء الجراوي بعض الصدى |
* الجزيرة المنطقة الشمالية ما بين الدجلة والفرات
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر | | فزعت فيه بآمالي إلى الكذب |
* الجفار – نبع ماء في صحراء السماوة
وقد نزح الغوير فلا غوير | | ونهيا والبيضة والجفار |
* جلق – دمشق
يغير بها بين اللقان وواسط | | ويركزها بين الفرات وجلق |
* الجميعى موقع مر به التنبي في الجزيرة
ومسى الجميعى دئداؤها | | وغادى الأضارع ثم الدنا |
* الجوف – عاصمة الجوف اليوم – دومة الجندل
إلى عقدة الجوف حتى شفت | | بماء الجراوي بعض الصدى |
* جيحان – نهر في تركيا يب في المتوسط
سريت إلى جيحان من أرض آمد | | ثلاثا لقد أدناك ركض وأبعدا |
* الحدث – قلعة شمال حلب
هل الحدث الحمراء تعرف لونها | | وتعلم أي الساقيين الغمائم |
* الحرم – مكة المكرمة
أين المغفر في نجد فوارسها | | بسيفه وله كوفان والحرم |
* حسمى – هضبة حسمى تمتد من الأردن حتى تبوك (تلفظ حِ)
وهبت بحسمي هبوب الدبو | | ر مستقبلات مهب الصبا |
مررنا منه في حسمى بعبد | | يمج اللؤم منخرة وفوه |
* حران – بلد شمالي الموصل ما بين النهرين
والنقع يأخذ حرانا وبقعتها | | والشمس تسفر أحياناً وتلتثم |
وما هي إلا خطوة عرضت له | | بحران لبتها قناً ونصول |
* حضرموت – السكوت وكنده والسبيع كلها متواقع في الكوفة وكناس السكوت تروي الكناس عند الواحدي
أمنسي السكوت وحضرموتا | | ووالدتي وكندة والسبيعا |
* حلب
أرى العراق طويل الليل مذ نعيت | | فكيف ليل فتى الفتيان في حلب |
وما قست كل ملوك البلاد | | فدع ذكر بعض بمن في حلب |
لما أحتبيت إنطاكية اختلفت | | إلى بالخبر الركبان في حلبا |
رمى حلبا بنواصى الخيول | | وسمر يرقن دما في الصعيد |
سدت عليه المشرفية طرقه | | فانصاع لا حلبا ولا بغداذا |
وعدت إلى حلب ظافراً | | كعود الحلي إلى العاطل |
على الفرات أعاصير وفي حلب | | توحش لملقى النصرمقتتل |
وظنهم أنك المصباح في حلب | | إذا قصدت سواها عادها الظلم |
كلما رحبت بنا الروض قلنا | | حلب قصدنا وأنت السبيل |
* حضن – جبل في نجد "أنجد من رأى حضنا"
فمر وآدم تطع قدست من جبل | | تبارك الله مجرى الروم في حضن |
* حمص
أحب حمصا إلى خناصرة | | وكل نفس تححت محياها |
وإذا كان أعجبكم عامكم | | فعودوا إلى حمص في القابل |
إذا خلت منك حمص لا خلت أبدا | | فلا سقاها من الوسمى باكره |
* الحيار – نبع ماء في بادية السماوة
فأمست بالبدية شفرتاه | | وأمسى خلف قائمه الحيار |
* حيران – موقع ماء قرب سلمية في سوريا
وليتك ترعاني وحيران معرض | | فتعلم أنى من حسامك حده |
* الخابور – مدينة على الفرات الأعلى و نهر الخابور يصب في الفرات
فهم حزق على الخابور صرعى | | بهم من شرب غيرهم خمار |
* خرشنه – مدينة شمالي حلب في تركيا اليوم (وكانت حصنا أيام المتنبي)
حتى أقام على أرباض خرشنه | | تشقى بها الروم والصلبان والبيع |
جاز الدروب إلى ما خلف خرشنه | | وزال عنها وذاك الروعُ لم يزل |
* الخَط – بالفتح موقع قيل في اليمامتة تقوم به الرماح وقال ياقوت "ومن قرى الخط القطيف والعقير وقطر" وأقول بأن جميع هذه في سيف البحرين
تحول رماح الخط دون سبائه | | وتسبى له من كل كرائمه |
* الخليج – خليج القسطنطينية
فإن يقدم فقد زرنا سمندو | | وإن يحجم فموعده الخليج |
* دمشق
مبيتي من دمشق على فراش | | حشاه لي بحر حشاى حاش |
ولو كانت دمشق ثنى عناني | | لبيق الثرد صيني الجفان |
* دلوك – موقع في شمال نهر العراق
فلما تجلى من دلوك وصنجه | | علت كل طود راية ورعيل |
* الدنا – موقع في شمال الجزيرة العربية
ومسى الجميعى دئداؤها | | وغادى الأضارع ثم الدنا |
* ديار بكر – عاصمة الأناضول (شرقي تركيا) اليوم
فلا حيا إلا له ديار بكر | | و لاروت مزارعها القطار |
* الران – حصن للروم على الطريق في شرقي تركيا
فكأن أرجلها بتربة منبج | | يطرحن أيديها بحصن الران |
وبتن بحص الران رزمى من الوجى | | وكل عزيز للأمير ذليل |
* الرقتين – موقع على الفرات – من الممرات إلى بلاد الروم وهو غير "الرقمتين" الموقع شمالي المدينة المنورة الذي خلده زهير إبن أبي سلمى "ودار لها بالرقمتين"
ومال بها على أرك وعرض | | وأهل الرقتين لها مزار |
* الرملة – في فلسطين المحتلة اليوم وكانت عاصمة جند فلسطين
إذا السحاب رفته الريح نرتفعاً | | فلا عدا الرملة البيضاء من بلد |
* الرهيمة موقع بين الجوف والكوفة
وردنا الرهيمة في جوزه | | وباقيه أكثر مما مضى |
* الروس
وكيف ترجى الروم والروس هدمها | | وذا الطعن آساس لها ودعائم |
* الروم – تعني ما وراء حدود الدولة الحمدانية
يدبر الملك من مصر إلى عدن | | إلى العراق فأرض الروم فالنوب |
وأشقى بلاد الله ما الروم أهلها | | بهذا وما فيها لمجدك جاحد |
أو حل في روم ففيها قيصر | | أو حل في عرب ففيها تبع |
حتى أقام على أرباض خرشنه | | تشفى به الروم والصلبان والبيع |
وقد علم الروم الشقيون أننا | | إذا ما تركنا أرضهم خلفنا عدنا |
فيوماً بخيل تطرد الروم عنهم | | ويوماً بجود تطرد الفقر والجدبا |
ترينا صناع الروم فيها ملوكها | | وتجلو علينا نفسها وقيانها |
فنحن في جذل والروم في وجل | | والبر في شغل والبحر في خجل |
وكيف ترجى الروم والروس هدمه | | وذا الطعن آساس لها ودعائم |
إذا زار سيف الدولة الروم غازياً | | كفاها لمام لو كفاه لمام |
أنت طول الحياة للروم غاز | | فمتى الوعد أن يكون القفول |
وسوى الروم خلف ظهرك روم | | فعلى أي جانبيك تميل |
* الزنج – جبل في السودان أو ساحل افريقيا ... والله أعلم
يؤكد الطيب صالح بأنه لا يوجد جبل الزنج في السودان والموضوع يحتاج الى متابعة.
* سابور – ممر جبلي بين الدولة الحمدانية والروم
وألحق بالصفاف سابور فانهوى | | وذاق الردى أهلامها والجلامد |
* السبيعا – حي في الكوفة تسكنه قبائل اليمن
أمنسي السكون وحضرموتا | | ووالدتي وكندة السبيعا |
* السكون – حي في الكوفة تسكنه قبائل اليمن
أمنسي السكون وحضرموتا | | ووالدتي وكندة السبيعا |
* سلمى – جبل في القصيم
فوحش نجد منه في بلبال | | يخفن في سلمى وفي قيال |
* سلمية – مدينة شمالي شرقي حمص
تثير على سلمية مسبطرا | | تناكر تحته لولا الشعار |
* السماوة – بادية السماوة أو صحراء السماوة
إذا سلك السماوة غير هاد | | فقتلاهم لعينيه منار |
تركنا من وراء العيس نجدا | | ونكبنا السماوة والعراقا |
فذكرتهم بالماء ساعة غبرت | | سماوة كلب في أنوف الحزائق |
* سمندو – يعني بالخليج خليج القسطنطينية يقال أنها بلغراد اليوم
فإن يقدم فقد زرنا سمندو | | وإن يحجم فموعده الخليج |
* سمنين – بحيرة سمنين على الطريق من اللقان إلى ديار الروم
حتى وردن بسمنين بحيرتها | | تنش بالماء في أشداقهن اللجم |
وفي بطن هنريط وسمنين للظبى | | وصم القنا ممن أبدن بديل |
* سميساط – بلد على الفرات الأعلى في الطريق إلى بلد الروم
ودون سميساط المطاطير والملا | | وأودية مجهولة وهجول |
* سيحان – نهر تركي يصب في المتوسط
أخو غزوات ما تغب سيوفه | | رقابهم إلا وسيحان جامد |
* شاش – بلد وراء النهر في "كردستان"
أتى خبر الأمير فقيل كردا | | فقلت نعم ولو لحقوا بشاش |
* الشام – سوريا الكبرى أو بلاد الشام
وقد أوحشت أرض الشام حتى | | سلبت ربوعها توب البهاء |
* الشرى – منطقة قريبة من حلب يكثر فيها الأسود والسباع
فإلا تكن مر الشرى أو عرينه | | فإن الذي فيها من الناس أسده |
فاستضحكت ثم قالت كالمغيث يرى | | ليث الشرى وهو من عجل إذ إنتسبا |
* الشغور – موقع قريب من الكوفة
ولاح لها صور والصباح | | ولاح الشغور لها والضحى |
* الصحصحان – قرية في منتصف المسافة بين حلب وتدمر
وصفت فيها مصيف بادية | | شتوت بالصحصحان مشتاها |
وجاءوا الصحصحان بلا مروج | | وقد سقط العمامة والخمار |
* الصراة – نهر يتشعب ويمر بالموصل
أو ما وجدتم في الصراة ملوحة | | مما أرقرق في الفرات ودموعي |
* الصفصاف – قرية على الفرات الأعلى (ممر إلى بلد الروم)
وألحقن بالصفصاف سابور فانهوى | | وذاق الردى أهلاهما والجلامد |
* صفين – مدينة على الشاطئ الأيسر من نهر الفرات ودارت فيها معركة صفين المشهورة
أو ما ترى صفين كيف أتيتها | | فأجاب عنها العسكر الفرتي |
* صنجة – نهر قرب ديار بكر يصب في دجلة
فلما تجلى من دلوك وصنجة | | علت كل طود راية ورعيل |
* صور – المدينة اللبنانية
تهنى بصور أم نهنئها بكا | | وقل للذي صور وأنت له لكا |
* الطور – طور سينا جبل في سيناء حيث كلم الله موسى (ع)
خرجوا به ولكل باك حوله | | صعقات موسى يوم دك الطور |
* طرابلس
أكارم حسد الأرض السماء بهم | | وقصرت كل مصر عن طرابلس |
* طرسوس – مدينة قرب أضنه (تركيا) هي ليست طرطوس الحالية.
صدق المخبر عنك دونك وصفه | | من بالعراق يراك في طرسوسا |
* الطرم – جبل شمال الشام؟
ما كانت الطرم في عجاجتها | | إلا بعيرا أضله ناشد |
* ضُمير – مدينة شمالي شرقي دمشق
لئن تركن ضميرا عن ميامننا | | ليحدثن لمن ودعتهم ندم |
* عدن
يدبر الملك من مصر إلى عدن | | إلى العراق فأرض الروم فالنوب |
* العراق
وقلنا لها أين أرض العراق | | فقالت ونحن بتربان: ها |
أرى العراق طويل الليل مذ نعيت | | فكيف ليل فتى الفتيان في حلب |
يدبر الملك من مصر إلى عدن | | إلى العراق فأرض الروم فالنوب |
تركنا من وراء العيس نجدا | | ونكبنا السماوة والعراقا |
كيف لا تأمن العراق ومصر | | وسراياك دونها والخيول |
* العراقين – تعني عراق العرب والعجم
فلا عدمت أرض العراقين فتنة | | دعتك إليها كاشف البأس والمحل |
دون أن يشرق الحجاز ونجد | | والعراقان بالقنا والشام |
* عرض – قرية على الفرات الأعلى – مداخل لبلاد الروم
ومال بها على أرك وعرض | | وأهل الرقتين لها مزار |
* العذيب – موقع في الكوفة
تذكرت ما بين العذيب وبارق | | مجر عوالينا ومجرى السوابق |
* العواصم (حلب، حماة، حمص) وقيل مدن حول إنطاكية
لتعلم مصر ومن بالعراق | | ومن بالعواصم أنى الفتى |
تنفس والعواصم منك عشر | | فتعرف طيب ذلك في الهواء |
تشرف عدنان به لا ربيعه | | وتفتخر الدنيا به لا العواصم |
فأصبح بالعواصم مستقراً | | وليس لبحر نائله قرار |
* الغور – وادي الأردن من طبريه إلى البحر الميت
لولاك لم أترك البحيرة وأل | | غور دفيء وماؤه شيم |
* الغوير – مكان شمالي هضبة حسمى
وقد نزح الغزير فلا غوير | | ونهيا والبيضة والجفار |
* فارس
حمى أطراف فارس شمري | | يحض على التباقي بالتفاني |
نحن في أرض فارس في سرور | | ذا الصباح الذي يرى ميلاده |
إذا ما نظرت إلى فارس | | تحير عن مذهب الراجل |
* الفرات
وأجفل بالفرات بنو نمير | | وزأرهم الذي رأروا خوار |
ورد إذا ورد البحيرة شاربا | | ورد الفرات زئيره والنيلا |
أرى دون ما بين الفرات وبرقة | | ضرابا يمشي الخيل فوق الجماجم |
يغير بها بين اللقان وواسط | | ويركزها بين الفرات وجلق |
على الفرات أعاصير وفي حلب | | توحش لملقى النصر مقتبل |
ورعن بها قلب الفرات كأنما | | تخر عليه بالرجال سيول |
* الفراديس – مكان قريب من قنسرين وحلب
أجارك يا أسد الفراديس مكرم | | فتسكن نفسي أم مهان فمسلم |
* الفرس (إيران)
إن حل في فرس ففيها ربها | | كسرى تذل له الرقاب وتخضع |
* الفسطاط – عاصمة مصر القديمة
ولكن بالفسطاط بحرا أزرته | | حياتي ونصحي والهوى والقوافيا |
أبلى الأجلة مهري عند غيركم | | وبدل العذر بالفسطاط والرسن |
إذا سرنا عن الفسطاط يوماً | | فلقين الفوارس والرجالا |
لئن مر بالفسطاط عيشي فقد حلا | | بعبد العزيز الماجد الطرفين |
* قباقب – نهر يصب في دجلة في تركيا اليوم
وأضعفن ما كلفنه من مناقب | | فاضحى كأن الماء فيه عليل |
* القُلة – ممر جبلي من سهول ديار بكر إلى هضبة الأناضول
لقيت بدرب القلة الفجر لقية | | شفت كبدي والليل فيه قتيل |
* كبد الوهاد – موقع بين حسمى والبسيطة في شمالي الجزيرة العربية
روامى الكفاف وكبد الوهاد | | وجار البويرة وادي الغضى |
* الكفاف
روامى الكفاف وكبد الوهاد | | وجار البويرة وادي الغضى |
* كفر عاقب – موقع جنوب دمشق
أتاني وعيد الأعياد وأنهم | | أعدوا لي السودان في كفر عاقب |
* كرخ أيا – قرية على الدجلة شمال العراق مدخل إلى بلد الروم
طلب الإمارة في الثغور ونشؤه | | ما بين كرخايا إلى كلواذا |
* كوتكين – قرية شمال شرقي سلمية (أسر فيها المتنبي)
زعم المقيم بكوتكين بأنه | | من آل هاشم بن عبد مناف |
* كلواذا – قرية على الدجلة شمال العراق
طلب الإمارة في الثغور ونشؤه | | ما بين كرخايا إلى كلواذا |
* كوفان – الكوفة
إبن المعفر في نجد فوارسها | | بسيفه وله موفان والحرم |
* كندة – حي من أحياء الكوفة
أمنسي السكون وحضرموتا | | ووالدتي وكندة والسبيعا |
* لبنان
وعقاب لبنان وكيف بقطعها | | وهو الشتاء وصيفهن شتاء |
حيث إلتقى خدها وتفاح ل | | بنان وثغرى على محياها |
* اللاذقية
وحام بها الهلاك على أناس | | لهم باللاذقية بغى عاد |
وحفيف أجنحة الملائك حوله | | وعيون أهل اللاذقية صور |
لك الخير غيري رام من غيرك الغنى | | وغيري بغير اللاذقية لاحق |
* اللقان – ممر إلى بلد الروم قرب الدجلة
وهل ردعته باللقان وفوقه | | صدور العوالي والمطهمة القبا |
عصفت بهم يوم اللقان وشفتهم | | بهنريط حتى ابيض بالسبى آمد |
يذري اللقان غباراً في مناخرها | | وفي حناجرها من آلس جرع |
فقد بردت فوق اللقان دماؤهم | | ونحن أن نتبع البارد السخنا |
يغير بها بين اللقان وواسط | | ويركزها بين الفرات وجلق |
* مرعش – هي اليوم مراس في تركيا شمال حلب (كانت حصنا)
أتى مرعشا يستقرب البعد مقبلا | | وأدبر إذ أقبلت يستبعد القربا |
كفى عجبا أن يعجب الناس أنه | | بنى مرعشا تبا لآرائهم تبا |
لبس الدجى فيها إلى أرض مرعش | | وللروم خطب في البلاد جليل |
وأن رماح الخط عنه قصيرة | | وأن حديد الهند عنه كليل |
* مصر
لتعلم مصر ومن بالعراق | | ومن بالعواصم أنى الفتى |
وماذا بمصر من المضحكات | | ولكنه ضحك كالبكا |
يدبر الملك من مصر إلى عدن | | إلى العراق فأرض الروم فالنوب |
أكلما اغتال عبدالسوء سيده | | أو خانه فله في مصرتمهيد |
نامت نواطير مصر عن ثعالبها | | فقد بشمن وما تفنى العناقيد |
فإن لا تكن مصر الشرى أو عوينه | | فإن الذي فيها من الناس أسده |
فلو لم تكن في مصر ماسرت نحوها | | بقلب المشوق المستهام المتيم |
أقمت بأرض مصر فلا ورائي | | تخب بي الركاب ولا أمامي |
طردت من مصر أيديها بأرجلها | | حتى مرقن بها من جوش والعلم |
لا فاتك آخر في مصر نقصده | | ولا له خلف في الناس كلهم |
بمصر ملوك لهم ماله | | ولكنهم ما لهم همه |
حصلت بأرض مصر على عبيد | | كأن الحر بينهم يتيم |
كيف لا تأمن العراق ومصر | | وسراياك دونها والخيول |
* المقطم – جبل مطل على القاهرة
وسمنا بها البيداء حتى تغمرت | | من النيل واستذرت بظل المقطم |
* منبج – مدينة شمالي شرق حلب
ألا أيها القيل المقيم بمنبج | | وهمته فوق السماكين توضع |
قيل بمنبج مثواه ونائله | | في الأفق يسأل ممن غيره سألا |
ما منبج مذ غبت إلا مقلة | | سهدت ووجهت نومها والإثمد |
فكأن أرجلها بتربة منبج | | يطرحن أيديها بحصن الران |
* ميا فارقين – مدينة في الأناضول اليوم دفن فيها سيف الدولة وأمه وإبنه وأخته (تسمى اليوم البستان) ؟
تجانب عن ذات اليمين كأنها | | ترق لميا فارقين وترحم |
* ملطية – مدينة في تركيا إلى الغرب من ديار بكر
وكرت فمرت في دماء ملطية | | ملطية أم للبنين ثكول |
* نجد – البيت الثالث يعني نجد قرية قريبة من الكوفة
بنو قتلى أبيك بأرض نجد | | ومن أبقى وابقته الحراب |
تركنا من وراء العيس نجدا | | ونكبنا السماوة والعراقا |
نحن أدرى وقد سألنا بنجد | | أطويل طريقنا أم يطول |
أين المعفر في نجد فوارسها | | بسيفه وله كوفان والحرم |
* نحلة – قرية قرب بعلبك
ما مقامى بأرض نحلة إلا | | كمقام المسيح بين اليهود |
* نخل – موقع في سيناء بعد هضبة التيه مباشرة
فمرت بنخل وفي ركبها | | عن العالمين وعنه غنى |
* النقاب – مدينة اليوم في جنوب الأردن قرب خط سكك الحديد
وأمست نحيرنا بالنقا | | ب وادي المياه ووادي القرى |
* نوبندجان – موقع قرب شعب بوان في فارس
منازل لم يزل منها خيال | | يشيعني إلى النوبندجان |
* نهيا
وقد نزح الغوير فلا غوير | | ونهيا والبيضة والجفار |
* النوب – جنوب مصر (النوبة)
يدبر الملك من مصر إلى عدن | | إلى العراق فأرض الروم فالنوب |
* النيل – النهر
ورد إذا ورد البحيرة شتاربا | | ورد الفرات زئيره والنيلا |
وسمنا بها البيداءحتى تغمرت | | من النيل واستذرت بظل المقطم |
من عبيدي إن عشت لي ألف كافو | | ر ولي من نداك ريف ونيل |
* الهند
سرى السيف مما تطبع الهند صاحبي | | إلى السيف مما يطبع الله لا الهند |
وتنسب أفعال السيوف نفوسها | | إليه وينسبن السيوف إلى الهند |
إذا الهند سوت بين سيفي كريهة | | فسيفك في كف تزيل التساويا |
أتحسب بيض الهند أصلك اصلها | | وأنك منها؟ ساء ما تتوهم |
تهاب سيوف الهند وهي حدائد | | فكيف إذا كانت نزارية عربا |
قد زرته وسيوف الهند مغمرة | | وقد نظرت إليه والسيوف دم |
وأن رماح الخط عنه قصيرة | | وأن حديد الهند عنه كليل |
* هنريط – واللقان ممرات إلى ديار الروم على الفرات الأعلى
عصفن بهم يوم اللقان وسقنهم | | بهنزيط حتى ابيض بالسبي آمد |
وفي بطن هنزيط وسمنين للظبي | | وصم القنا ممن أبدن بديل |
وأصبحت بقرى هنريط جائلة | | ترعى الظبى في خصيب نبته اللمم |
* واسط – مدينة أثرية بناها الحجاج على الطريق من بغداد إلى البصرة وإلى الأهواز
يغير بها بين اللقان وواسط | | ويركزها بين الفرات وجلق |
* يذبل – جبل في نجد ذكره إمرؤ القيس
كأنها من سرعة في الشمال | | كأنها من ثقل في يذبل |
* اليمن
عند الهمام أبي المسك الذي غرقت | | في جوده مضر الحمراء واليمن |
المتنبي والنجوم
لم يترك المتنبي بصماته على عواصم وحواضر الشرق العربي الإسلامي من شيراز إلى ديار بكر والشام ومصر والجزيرة العربية والعراق فحسب ، بل رفع رأسه إلى السماء أيضا، فتحدث عن الكواكب والنجوم حديث العالم العارف بمواقعها وأساطيرها والفلكي العليم بأوقاتها. وإكمالا للبحث أسجل في هذا الباب جل ما قاله المتنبي مع بعض الشروح المناسبة.
* وأنني غير محص فضل والده | | ونائل دون نيلي وصفه زحلا |
الكوكب زحل هو أبعد كواكب النظام الشمسي المعروفة آنذاك عن الأرض. والمتنبي هنا يبالغ بالقول بأن الوصول إلى زحل أقرب وأسهل من مدح الأمير.
* ألا أيها القيل المقيم بمنبح | | وهمته فوق السماكين توضع |
يوجد في السماء نيران متقاربان يعرفان بالسماكين، الشمالي منهما يسمى الرامح والجنوبي موجود في برج العذراء ( السنبلة ) ويسمى السماك الأعزل يمران في السمت في البلاد العربية ( أنظر الخارطة ). وسمك تعني بني ورفع، أي أن همته تصل إلى قمة السماء.
* ويجهل اني مالك الأرض معسر | | وأني على ظهر السماكين راجل |
قال المتنبي هذا البيت في صباه أيام الفتوة والشباب والإعتداد يخاطب الذين يجهلونه ولايعرفون قدره. فهو حتى ولو ملك الأرض فإنه يبدو معدما معسرا محتاجا بسبب همته. وإذا ركب السماكين فكأنه يبدو راجلا لم يركب أي شئ ويعني إرتفاعه على كل شيء.
* متى ما يشر نحو السماء بوجهه | | تخر له الشعرى وينكسف البدر |
الشعرى العبور ألمع نجوم السماء. قاطبة وتقع في برج " الكلب ". يقول أن نور وجه الممدوح أتم نورا من الشعرى. فلو أشار بوجهه إلى السماء لسقطت الشعرى خجلاً وإنكسف القمر من ضوء وجهه.
* الفرقد إبنك والمصباح صاحبه | | وانت بدر الدجى والمجلس الفلك |
الفرقدان نيران لا يغيبان في الدب الأصغر لقربهما من نجمة القطب. فالمجلس هو الفلك الدوار والفرقدان أحدهما إبنك والثاني هو المصباح والممدوح هو بدر الدجى.
* وجعلت حظي منك في الكرى | | وتركتني للفرقدين جليسا |
الفرقدان يدوران حول نجمة القطب لا يغربان عنها. يقول المتنبي للممدوح أنني لم أنل منك إلا ما نلت من النوم (لا شيء). ولذا فإنني سهرت طول الليل ولم أجد جليساً غير الفرقدين لأنهما لا بغيبان فأسهر معهما.
* وأن من العجائب أن تراني | | فتعدل بي أقل من الهباء |
وتنكر موتهم وأنا سهيل | | طلعت بموت أولاد الزناء |
لا يستقيم المعنى إلا بذكر البيتين فهويخاطب الممدوح عنما يراه فيعادل به الهباء لا قيمة له. وعندما يرى إعداءه فإنه يراهم أحياء أمامه وينكر موتهم، على الرغم من أن المتنبي هو سهيل. والعرب تعتقد من إعتقادات عديدة عن نجم سهيل، بأنه إذا طلع جلب معه الفساد والموت على الأرض. " أولاد الزناء " ليس المعنى المبتذل للكلمة بل تعني الذين لا أصل لهم.
* كأن بنات نعش في دجاها | | خرائد سافرات في حداد |
هذه صورة الدب الأكبر في السماء وقد تصورها العرب نعش ميت (المستطيل) تتبعه ثلاث فتيات جميلات (خرائد) ولكنهن قد أسفرن عن وجههن. (أنظر الصورة).
* أنا صخرة الوادي إذا مازوحمت | | وإذا نطقت فإنني الجوزاء |
هذا من تواضع المتنبي!! فهو مثل صخرة الوادي في الثبات لا يقدر السيل أن يجرفها. أما إذا نطق فإنه مثل الجوزاء ( برج الجبار ) والجبار مثل السماك يمر في الأوج على جزيرة العرب فلا ينافسه أو يناله أحد. وكذلك المتنبي عندما يتحدث أو يقول الشعر. أليس هو القائل وماالدهر إلا من رواة قصائدي !!
* وقالوا هل يبلغك الثريا | | فقلت نعم إذا شئت إستقالا |
الثريا من أجمل المجموعات العنقودية في الكون تقع على ظهر الثور وتمر أيضا في أوج السماء. يسألون المتنبي هل سوف يوصلك بدر بن عمار ( الممدوح ) إلى الثريا أن أقلل وأنزل من مكاني .... لأنني فوق الثريا!
* كأن المعاني في فصاحة لفظها | | نجوم الثريا أو خلائقك الزهر |
كأن المعاني في جمالها وفصاحتها مثل نجوم الثريا أو مثل أخلاقك المشرقة المتفتحة الجميلة. لاحظ أن المتنبي لا يقول أن صفات الممدوح وكرمه وأخلاقه جميلة زاهرة مثل الثريا. لا! يقول أن شعره مثل الثريا التي يقرب منها أخلاق الممدوح . يقول ذلك ثم يشتكي من أنه لايطيب له عيش مع ممدوح!!.
* أحبك يا شمس الزمان وبدره | | وأن لامني فيك السهى والفراقد |
السهى نجمة صغيرة ملتصقة بالنجمة الوسطى من بنات نعش ويختبر العرب قوة النظر برؤيتها. والممدوح هو الشمس ضياءا والبدر نورا والسهى والفرقدان مثل سائر البشر يحسدون ولا يضيئون مثل الشمس والقمر.
* ما أبعد العيب والنقصان عن شرفي | | أنا الثريا وذان الشيب والهرم |
تماماً كما يبتعد المشيب والهرم عن الثريا الخالدة الأزلية التي لا تفني كذلك يبتعد العيب والنقص عن شرف المتنبي.
* خذ ما تراه شيئا سمعت به | | في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل |
لا يستقيم المعنى إلا بذكر ما قبله. يقول لسيف الدولة بأنه لا يحتاج عندما يمدحه أن يمدح أجداده البعيدين. إن صفاته وهي قريبة ساطعة مثل البدر فلا حاجة تدعو إلى ذكر أجداده الأوائل البعيدين بعد زحل. يروي في " طلعة الشمس ".
* خميس بشرق الأرض والغرب زحفه | | وفي أذن الجوزاء منه زمازم |
تجمع فيه كل لسن وأمه | | فما يفهم الحداث إلا التراجم |
أوردت البيت الثاني ليكمل المعنى. الجوزاء أعلى البروج وأسماها والزمزمة هو أصلا صوت الرعد ولكنه الكلام غير المفهوم، الصادر من الأجناس والشعوب المختلفة التي جمعها الروم في هذا الجيش ( الخميس ) العرمرم الذي هزم أمام جيش سيف الدولة.
ملاحظة
حفظت هذا البيت من والدي قبل 60 سنة عندما سمع بجيش هتلر في روسيا الذي ضم كل دول أوروبا. وسجله غازي القصيبي واصفا الجيش الذي تجمع لتحرير الكويت المؤلف من جميع الأجناس والشعوب.
* وما سلمت فوقك الثريا | | ولا سلمت فوقك للسماء |
ذم قوم بيت المتنبي في سيف الدولة:
* ليت أنا إذا إرتحلت لك الخي | | ل وأنا إذا زلت الخيام |
فقالوا أن الخيام فوق سيف الدولة وليست تحته فقال هذا البيت من عدة أبيات:
* وشزبأحمت الشعرى شكائمها | | ووسمتها على أنافها الحكم |
الشزب الضامر من الخيل والشكيمة الحديدة في فم الفرس، الحكم سائر اللجام . يقول أن الشعرى ( العبور ) التي تشرق في عز الصيف جعلت حديد اللجام حارا إلى درجة أنه كوى أنوف تلك الخيل. المتنبي يعلم بمواقع النجوم ومنازل القمر. الشعرى تسمى نجمة الكلبين وتشرق في شهر أغسطس.
* زحل على أن الكواكب قومه | | لو كان منك لكان أكرم معشرا |
زحل أشرف الكواكب وأعلاها. ولذا يسمونه شيخ الكواكب ، يقول لو كان من جماعتك وقومك لكان زحل والكواكب أشرف مما عليه الآن.
* فلو سرنا وفي تشيرين خمس | | رأوني قبل أن يروا السماكا |
هذا البيت آخر قصائده بعد أن ترك شيراز إلى الكوفة . يقول أنه لو سار يوم 5 تشيرين سوف يصل الكوفة قبل أن يرفع السماك (منتصف تشيرين) في أيامه. العكبرى يقول بأن شهر تشرين هو أول شهر من أشهر العجم. ونحن نعرف بأن تشرين هو من أشهر السنة العبرية. وأنهم إذا كبسوا شهرا واحداً كل ثلاث سنوات فإن الشهر العاشر يتأخر شهراً واحداً فعن أي تشيرين يتحدث المتنبي؟.
يرتفع نجم السماك الأعزل هذه الأيام وهو من منازل القمر في الأفق الشرقي في أواخر أكتوبر (يبدو فوق الشعاع في الصباح) ولكن مضى على المتنبي 1000 عام ومنازل القمر تتأخر يوماً واحداً كل 66 عاماً بسبب ظاهرة إقبال البروج (التأخير 14 يوماً). كما أن غريغوري الخامس حذف من التقويم 10 أيام من شهر أكتوبر (تشيرين) في القرن السادس عشر كما هو معروف ولاشك بأن الموضوع يحتاج إلى دراسة أعمق "... هذا أطلس مبسط لرحلات المتنبي ولكنه ليس في الفلك وعلم التقويم".
الدب الأكبر
- النعش
- بنات نعش
- السها
الدب الأصغر
- القطب
- الفرقدان
برج الراعي (الرامح)
- السماك الرامح
برج السنبلة
- العوا
- الغفر
- السماك الأعتزل
قالوا في المتنبي
دخل ابن الأثير مصر بعد وفاة المتنبي ب 150 عاماً تقريباً ورأى الناس منكبين على شعر المتنبي دون غيره. ولما سأل عبد الرحيم بن علي البيساني " القاضي الفاضل " عن ذلك قال له: " أن أبا الطيب يتكلم عن خواطر الناس ".
ثم جاء المتنبي
تكلم ابن رشيق التونسي ( 463هـ ) عن المتنبي فسماه خاتم الشعراء فقال "ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس".
تخرق العقول
قال العكبري وقد أجمع الحذاق بمعرفة الشعر والنقاد أن لأبي الطيب نوادر لم تأت في شعر غيره وهي مما تخرق العقول، منها .....