يونس الحيول
(المغرب)

كما بهلوان على حافة هاوية

( لا أحلام قلت، هي أنجم ساكنة تحكم
الحياة.عطش الكائن الكامل، متصلب،
مثل نائم يسحب الهواء بالرئتين )
تيد هيوز

الموت بكل خفة كمن فتح حواسه لليل فتورط في نميمة لنجوم. أو ركض مسافات طويلة صوب نفسه ليتكبد الندم. علي أن أصدق أن الحزن أفضل بكثير من النسيان وأن الأطياف التي تحلق فوق رأسي كأوراق الأشجار رغبات ميتة. ربما أنفذ إلى الحلم من جديد. لكن كيف أخب وراء مسراتي الصغيرة وظلي أسفل الحجر يعذبه الوحش المعدني؟ كل ضربة هناك ترتد لتقطع أنفاسي. وما تبقى من القلب قد لا يكفي للحياة. يالتعاسة الملاك الصغير الذي على كتفي.جناحاه متعبان. ودفتره لم يعد يتسع لأخطائي.أضعت صندوق الذهب ولا دموع لأذرفها.إذا على من يختارني أن يبحث في كتب الحروب القديمة عن الندم الذي جندل وصايا الأجداد الميتين. عن قسوة الصرير الذي تحدثه الخيانات.عن الشارات الغامضة التي تدحرج بصمة العين إلى حيث يقهقه الألم في حفلة القتلى.

قليل من الهواء قد يسعف هذه الغرفة حيث الخريف يسعل طيلة النهار.و قليل من الحب قد يبهج هذا الذي على مرأى من أحلامي الميتة.يمسك إكليلا من الوهم. وفي خطاه صوب الأنثى التي أكل ثدييها الجدار. يترنح كما بهلوان على حافة هاوية.له ملامحي الهامدة .وضحكتي المبقعة بالخوف كلما فقس في رأسي المزيد من بيض الثعابين.

كيف وجد طريقه إلي ؟
والعاصفة بفائض من العناد
تردم الأثر
له كلام يشبه الصمت
و نظرة تشبه الوداع
أصوات خافتة تصعد
من قاع روحه
أو لعله نحيب قديم
يهجر أقبية طفولته
البعيدة
فقط قليل من الحب قد
يبهجه حين – وحيدا وأعزل-
تطرق باب جمجمته فكرة
الموت في آخر الليل

يدك بعيدة في الظلام

قالت له:( خذ معك المفتاح
وفي أي وقت تعود – لا يهم متى –
افتح الباب وادخل. هنا سأكون )
يانيس ريتسوس
لاشيء يمنع هذه
العتمة في طريقها إلى
باحة القلب
الحب - هذه الليلة-
يغفو في أول السهرة
والحواس التي كانت
لا تخطئ
تقبع في صدري مثل
سناجب أفزعتها العاصفة

مثل أشجار عملاقة
أفكار سوداء تنبت
في رأسي
ويدك الباردة
يدك التي تذهب عني
الوحشة و كائنات الليل
بعيدة في الظلام

الحلم الذي كنت تستحمين
فيه تحت شلالات نياكارا
باتت تنفق فيه
دلافين كثيرة
والنوتة الغريبة في صوتك
تفتح أسطوانة الذكرى
على معارك غامضة
و نحيب يائس لعصافير
تهرب من الموت
في غابة لا تمنح
الرجاء

حشد من الظلال
وأسراب فراشات تتبع
طيفك في الغرفة
وفي الرواق المهجور
حيث يغط الخواء
وحيث الرخام ما زال
يردد جلبة المعدن
النفيس في قدمك اليسرى
الصغيرة

قولي بلكنة أهل
الشمال إن الدنيا بخير
(هل الدنيا بخير؟)
فقط إنك تفتقدين
المواعيد المبكرة
أصص الزهور
والبكاء الغزير على
كتف رجل في الثلاثين

قولي بالحياد المر
إنك لم تعودي تقيمين
في السهو
وإنك أدركت متأخرة
كما ساعة الحائط
التي صدقت دماثة الوقت
إن الأعذار وصفة
مغشوشة لتسكين الندم

أغمضي عينيك
وصدقي بقليل من اليأس
الذي هو صنيعة الوحدة
أني أحبك
رغم خطك الركيك
وأخطائك الكثيرة في
النحو...

نشيد اليأس

الآن و قد انتهت الحرب
و الحواس أسلمت
أوزارها
في البعيد حيث لا أثر
للحرائق
الليل يجرح أنامله
الفراغ

فهل تصغين إلى قيثارتي
تجهش أوتارها
بالندم؟
إلى نبضي في رسائل
الهاتف
دوزنه الغياب على
نشيد اليأس؟

ماذا كان بوسعي أن
أفعل ؟
لسمكة (سكالي) الصغيرة
إذ أماتتها الوحدة
لقلبك الساهم
إذ جف فيه الحب
لنظرتك التي ترسلينها
أبعد مما أخمن..

حواسي تلوح لغيابك
بينما صمتك
يقول كلاما حامضا
عن المستقبل
حين قرأت( الشاعر)
أحدست أني من كان يتألم
وليس سيرانو؟
أرأيت كيف الثواني
تقصف العمر؟

في غرفتي حيث الهواء
يائس للغاية
والظلال في لوحة
ماغريت مازالت تمسك
بخناق العالم
قرب ضحكتك التي ترن
في الدرج
قرب الدمية المكسورة
أسجي جثة الملاك
الطيب الذي كان لا ينام
كي يحرس
أحلامك في الممشى
الموحش إلى فندق
الفردوس

فقط عديني
حين تذهبين إلى نومك
أن تهذي بكلام غامض
(la caravelleعن مقهى )
عن الشلال
و مساء البلياردو
وفي حلمك الآتي
أن تمنحيني جسدك كله
لأعلمك الحب

عديني
كلما زرت سروة الذكرى
وحيدة أو رفقة الساعة
الزرقاء
أن تلوحي طويلا
للغيمة الواطئة
التي – بلا سبب تقريبا-
بذلت دموعها
لصباح بارد في يوليوز..

كما يليق بجنتلمان مجروح

{إذهبي ما أجملك...}
أنسي الحاج

-1-

(MAESTRO)وحدنا في
جسدك الصحراوي يقطر
طراوة
عيناك مسبلتان على
سريرتي القلقة
أناملك الباردة قالت
كل شيء
لذلك لم تكوني في حاجة
لأن تحركي شفتيك

-2-

حواسي متروكة هناك
(café de franceفي)
حيث العناق الأول:
مكتظة كنت بالطفولة
وأنا
بالقلق وباحتماله
لأجل ذلك على الأرجح
أهديتك ذلك الدب القطبي
(هل تحتفظين به ؟)
قد يوقظ في ممراتك
السرية فائض الشبق
كلما لسع روحك صقيع
المسافة
المسافة التي بيننا كهاوية

-3-

؟ عندما فتحنا (TITANIC) هل تذكرين
أيدينا للريح أقصد.والدراجة النارية
سليلة العطب.والمنحدر الموحش
صوب باب الشعبة.وصدرك الذي
خلفي كمظاهرة.(والتماس...)
وقهقهاتك المندلعة في سرة الليل.
وشعرك المتواطئ وكورال الريح..
أوه.. أحبك بضراوة

-4-

الآن فقط
خارج جدول الحياة
داخل غرفتي حيث تتكدس
جثت الأحلام
عظامي تشتهيك
أحلم بقميصك القرمزي
ذاك الذي دوخت أزراره
نصف المفتوحة
(جيمس دين)
فكاد أن يسقط من
الصورة
أحلم برسائل هاتفية
غير تلك التي أزكمها صقيع
يناير
الآن فقط
حذرا أتحسس قلبي
كما جندي هرم على خط النار
ينصب أفخاخا
للموتى..

-5-

أدرك أني راهنت على فرس
خاسرة
لذلك أقرأ كثيرا لسليم
بركات
ولم أعد أفكر في روزنامة
الثلاثاء 29 أبريل
ولا في هدية باذخة
سوى وداع مزركش بالصمت
كما يليق بجنتلمان مجروح
لم أعد أفكر
في أغنية (إيليسا)
ولا في قيثارتي التي قرب النافذة
تسعل كغراب أجرب
يحرس ماء الفراغ
حتى إني حريص على معاقرة
المشهد الغامض نفسه
مشهد بين الحلم واليقظة
تتوجني فيه وردة
صحراوية
أميرا على أقاليم الألم
تماما
كما نبوءة وخيمة للدلو
(البرج أقصد)
تماما
كما قرأت ذات صباح
في جريدة..

كم كنت وديعا في حلمك البارحة

ما يجعلني ودودا
ما يذهب عني الوحشة
الفكرة السوداء إياها
حتى إني أبتسم للنادل
للقهوة السوداء على الطاولة
للعصفور على سلك الكهرباء
ينتحب
للآيس كريم في يد العجوز
للمارة جميعا
أني ألمح ظلك
بالتسريحة (ذيل الحصان)
بالعطر
بالخطى الوئيدة نفسها
إلى قلبي
يعبر الزحام

لذلك أعدك ألا أنسى
ضحكتك الغالية التي
ما زالت ترن قرب رواق
العصافير
ابتسامتك المكتظة بالطفولة
طعم الدموع بشفتيك
قبل قطار الرابعة

أعدك ألا أنسى
خوفك وارتعاشة يديك
الصغيرتين
حين أغضب من مواعيدك
المضبوطة على التأخر
كركراتنا ليلة الطابق الثالث
الخاتم والسوار الأزرق
صدحات خوليو في عيادة
الطبيب
مقطوعة بسام حجار في
مقصورة القطار
...
آه يا نينا كم أحبك
أخبريني فقط
أما زالت باردة أناملك
مثل الفتاة إياها في الرسوم
المتحركة ؟
أما زلت تحبين السفر و العوم
و النوم كقطة كسولة
حتى الظهيرة ؟
أما زال مزاجك سورياليا؟
والأحمر الآجوري
أمازال سيد ملابسك
الحميمة؟

أخبريني...
بعد 10 يونيو
أيلبس العالم جبته القديمة؟
ثم...
أ رأيت كم كنت وديعا
في حلمك البارحة؟
حتى إني لم أتألم للغياب
يشوي روحي على نار
هادئة
و بالابتسامة اليائسة ذاتها
شيعت قطعان حواسي إلى
مهاوي الندم

أ رأيت كم كنت وديعا
وأنا أسأل الخاتم والسوار
الأزرق:
ماذا أفعل- وحيدا – بالفراغ
الشاسع؟
بذكراك التي تكبدني
المزيد من الخسائر؟
...

الموت بكل خفة

( آه...أيها العابر كم تجهل، نمت غضا
بالشباب، وعدت اليوم كهلا.
هذه النخلة هلكت وهذا ماء البئر جف..)

ألكسندر بوشكين
قال إن الثلاثين موعد
سيء للنظر إلى الخلف
وإنه كلما التفت رأى
كدمات وسيارات إسعاف
كثيرة

قال إن الكوابيس لا تفارقه
وإنه كلما غفا رأى
ظله يمشي في
جنازته

وقال إنه ليس يفهم
لماذا يبدون سعداء:
النادل وبائع السجائر
والعجوز الثرثار
المارة أيضا
كأن هواء المدينة بخير
كأن العالم برمته
ليس على شفير الألم

قال إنه وحيد تماما
و إنه متعب لا يقوى على
النوم ولا على الصحو
و إنه بعد البيرة العاشرة
يفرط في الشعر

قال إن وحدته طالت
وأرهقه الضجر
وإنه في هذا العالم
لم يعرف قط الحب
لذلك سيكون هنالك دائما
سبب لكي تصفر
قطارات اليأس في
رأسه

قال إن الهواء في غرفته
قليل
وإن أنفاسه مقطوعة
والحب في قلبه تطارده
الحرائق

وقال إنه رفع الكلفة
بين روحه والليل
لكنه ليس نادما على
عمره الذي أهدره
في الندم
على رسائل لم تصل
على الثلاثين تنعق
خلفه كغراب

لم يقل شيئا آخر
سأل عن شارع الموتى
و بفائض من اليأس مضى
بخطوة رشيقة
وبلا ندم

على الأرجح شاعر

أن تضاعف جرعة الألم
قليلا
لتسمع كائنات الليل
صراخ حواسك المكتوم
( تلك الكائنات الأكثر ألفة)

أن تسير وراء جنازة
ظلك في شارع السادسة
صباحا
وتتظاهر بالمزاج الرائق
للرد على البونجور

أن تكون مفلسا في
الحب

أن تدخن بشراهة
جاك بريل
ولا تنقصك الأسباب

أن تصافح الحياد
( باسما بالضرورة )
في عراك الإيديولوجيا
و الهينيكن آخر الليل

أن لا تحتاج الأمم المتحدة
لفض النزاع بين القتلى
في حانة جمجمتك

أن تصاب بفيروس
www.jehat.com
أو تعاقر( كيكا)
ثمانية أيام في الأسبوع

أن تضرب موعدا محترما
مع الأرق
وحين تنام تتوسد
(الحياة قرب الأكروبول)

أن تحاول أن تكون وحيدا
فتفقد ضحكتك
في كمين

أن تلمح القصيدة
تغمز أن هيت لك فتضاجعها
في الشارع العام

أن لا تكفيك الأصابع
لعد الخسارات

أن تنفق في حديقة
أو على مشارف الكونتوار

أن يجندلك السرطان
في الزقاق الخلفي لمنتصف
العمر
بطلقة غير كاتمة
للأنين
كي يتأسف عليك
اتحاد كتاب المغرب
.....
...

معناه على الأرجح أنك
شاعر....

الدوقة في لوحة الزيت

- 1-

ما الذي يجعلها تشبهك
الدوقة الغريرة في
لوحة الزيت ؟
نهداها الضامران
أم الخال الأسود أسفل
العنق
العنق الناعم حيث
- حذرة -
ترابط النظرة الآثمة
للخادم الكهل ؟

-2-

ما الذي يجعلك تشبهينها
القطة الكسولة في
يد الدوقة ؟
عيناك المثل
حبتي كريستال
أم أنفاسك الهادئة
بعد إخماد معارك آخر
الليل في باحة
السرير؟

- 3 -

ما الذي يجعله يشبهك
زائر الرواق الساهم
( إلى أين يصوب ؟ )
قامته المتعبة كسروة
أم شعره الخفيف
حيث كورال الشيب
يصدح:
يا ليت أيام الشباب...

- 4 -

ما الذي يجعلك تشبهه
الكلب الأمين في
يد الزائر
هدأتك الحالمة
أم نظرتك الخائفة
مثل تفاحة تتوعدها
الجاذبية ؟

الذئب

( هناك لا بد أن تكون الحياة سعيدة ،
فقط لأنها ليست حياتي...)

فرناندو بيسوا

عفوا أيها السيد ..
ولكن ألست تشبه الذئب
في رواية لهرمان هسه؟
الدم خاثرا يبقع ثلج
المرتفع
الألم يرنح القامة الناحلة
والريح بقسوة بالغة
تجندل أوراق شجرة التنوب
مع كل ضربة على رأسك
ترتفع الأهازيج وصيحات
النصر
لكنك لم تعد تحس بشيء
لأن الخدر يملأ أطرافك الباردة
وقبل أن تسلم عينيك
للعتمة في أسفل المنحدر
فوق جسدك حلقت
أطياف أصدقاء ماتوا
في السفح
بينما أنت الآن تحتضر
في الأعالي
ماذا كان سيحدث
لو رسمت نافذة في الهواء
وقبل أن تدركك الأقدام
الآثمة للفلاحين بمعاطفهم
الثقيلة
غادرت الدغل إلى الحدائق
السرية لطفولتك
حيث لا الرغبة تلوي
عنق الجسد
ولا أجنحة الأحلام ترطم
أهداب السماء المسبلة على
مصير غامض ؟
ماذا كان سيحدث
لو مد أنامله خفية
و سحبك إلى حظيرة النجوم
القمر ذو اللون الأحمر
القمر الذي اكتفى بالعض
على أسنانه
بينما رصاصة واحدة كانت
تنهي المشهد
فقط كنت هناك
ستقتسم نصيبك من الحب
مع ديناصورات لا يراها
سوى قلبك الطيب
وفي الفجر
حين لا تورثك العشيقات
سوى خيبة الأمل
تسمع الجبال كونشرطو
روحك المعذبة
وأنت تعوي
كما يليق بذئب أصيل
نبذته البراري

عصفور يبذل نشيده لليل

مطر خفيف في الخارج
عصفور على إفريز النافذة
يبذل نشيده لليل
مسرات في فندق الفردوس
تتمرن قاسيا لنسيان
وشيك
...
هيه..
أنت. أيها العصفور
أنا متعب جدا
وأريد أن أحدثك قليلا
عن قلبي المكسور
قلبي الشبيه بمرمدة
للمشاعر

تعال فقط
وأنصت لأنين حواسي
المكتوم
ثم غرد طويلا
لروحي التي في أعلى
الغرفة
قرب المصباح القديم
تسعل من شدة الهواء
الفاسد

تعال...
ولا تخف من الأشياء
التي أحبها
ذاك خاتم نينا و سوارها
الأزرق
و تلك الأكواريوم فارغة
لأن سمكة(سكالي) الصغيرة
قد أماتتها الوحدة

رسالة إلى إديث بياف

( لا . لست نادمة على
أي شيء )
أما زلت ترددينها هناك
في السماء البعيدة
يا ( إديث بياف)؟
مثلك أنا لست نادما
أنا فقط متعب من
هذه الحياة المغرمة
بالشراك
ما أسوأني
وأنا أفتح بريد الصباح
على المزيد من العواصف
فيما الخراب يبتسم لي
من خلف اللوحة المصلوبة
على الجدار
آه... يا إديث
ليتها لا تتهاوى مرة واحدة
أحلامي التي فقدت
عادة الفرح
والدلو ليته يكف عن
تفخيخ حدائق المستقبل
بضربة ريشة كان يمكن
لليل أن يكون أقل
فضحا للسريرة
ولفراشات روحي أن تراوغ
النبوءة الوخيمة للريح
كان يمكن أيضا
إهالة قليل من النسيان
على مسرات يسحل
اليأس جثتها الصغيرة
من آخر رقعة في الألبوم
مثلك لست نادما
فقط أنا متعب و خائب
والحب في قلبي تزخرفه
الكدمات
مثل طفل
كان يكفي أن أفتح صدري
كي أحتضن العالم
أن أغمض عيني كي
أطير خفيفا كملاك
والآن...
خطوة بعد أو ربما أقل
واليأس يتدلى لامعا
إلى شقوق القلب
خطوة أو ربما أقل
والمشهد يدفع الحزن
في الرأس إلى منتهاه

الجنة ليست فكرة سيئة

القراصنة الذين يحضرون
في العادة قبل مواعيدهم
يشتكون الليلة من سوء
الطالع
يتفرقون متعبين
فارغين إلا من أوهامهم

هل بقي شيء
لم يسقط من جماجمهم في
الحانات؟
يلوحون بنواياهم ويتوعدون
العالم صارين على بقايا
أسنانهم
يشحذون أمزجتهم
وينتظرون الليل الذي
سيوقعون فيه القمر في
شراكهم

لذلك يحدث أن يصوبوا
جهة الغيوم
وحين لا يرد الخواء
يشربون نخب انتصاراتهم
وبدواخلهم تقهقه غيلان
كثيرة

ربما قلوبهم المطوية على
أسرارها الصغيرة
- قلوبهم التي لا تشبه
إطلاقا تلك التي يرسم
الأطفال –
أضاعوها في معارك مع
زبد البحر

مقامرون بالسلالة ودماؤهم
باردة
لذلك يسندون حواسهم للريح
ويلهثون في الخلجان
وراء الكنز
بينما الأقزام في أعلى
الجبل يلهون بأحلامهم
لماذا ليسوا طيبين
رغم أن الجنة ليست
فكرة سيئة؟

هل بقي شيء لم تفتته
رحى أيامهم ؟
كأوراق يابسة نرى وجوههم
تطفو على صفحة الوقت
ملامحهم تسيل إلى برك
سحيقة
تضج بعويل الموتى
ومع ذلك يقولون
إنهم على ما يرام

الفزاعة التي في خلاء
أرواحهم
ما عادت تنطلي على
طيور الملالة
لقد فات الأوان
ولا شيء قد يلمع أحزانهم

* مقطع من نص طويل

الشاعر

لم يعد راغبا في
السياسة
ولا حريصا على
التفرس في تلك الوجوه
التي بلا ملامح
كلما نقر على
الريموت كونترول

يكفيه هامش صغير
في بار
)Tout va bien(
كي ينصت لفوضى
روحه

فقط هناك
يلمح القصيدة تغمز
أن هيت له
ثم تخطو رشيقة وفاتنة
صوب الكونتوار

سماء غامضة

خوفي
وأنا أفتض صمت
القصيدة
في بار قديم
أن تفيض جمجمتي
بالندم
ويسقط منها ظل
شاعر خائب
يتكأ على قامته المسننة
ويعوي في الخلق :
(لا تتركوني هنا...
معلقا من أهداب حواسي
إلى سماء غامضة
لا تتركوني...
ترمحني الهزائم من
كل صوب..)

خوفي
أن يخطئني هذا
الموت
الذي يكمن لي في سدرة
الأفق
فيقودني مركب رامبو
السكران
إلى أرخبيلات المستقبل
حيث جثتي المزهرة
بالألم
تكركر في غرف
التعذيب

ليل الجنازة

لأن صرير الروح يوقظ الحواس
الأكثر عنفا
ولأن سنابك الذكرى تدعس
أقحوان القلب
ولأن الملائك تسر لي بأن قليلا
من الألم ما يلزم لتأتيث
ليل الجنازة
ولأن الموج يحمل موتى لم
تلوح لهم المناديل
ولأني بت ممسكا بالوهم من
أهدابه
ولأني لن أركض بعد اليوم
بمحاذاة البحر
ولأني سأغادر ملكة السحرة
والدجالين بلا دليل
وبكثير من مشاهد القلق
ولأني مفلس في الحب
ولأني أحب أن أموت ضاحكا
سأسمح
لأشباح الظهيرة أن
تغلي فوق فوهة قلبي
قليلا من حساء الندم
وسأسمح
للرفاق الخائبين أن يعاقروا
فكرة الاحتضار في حانة
جمجمتي المريضة