( سعيد )
لا أريد ريشا إضافيا
ولا لمعان أحذية مجنحة
أكتفي بما لدي من هواء العصافير
لا أريد سماء
فوق سمائي
ولا سفنا لقراصنة أشرار وحالمين
أكتفي بموجتين وضوء آمن،
لا أريد نهدين طريين
يبرقان في صندوق الغابة
أريد أن أؤجل موتي
خمس سنوات فقط
وأوفر لدمي مزيدا من الكحول الحلال
أريد أن أمشي خفيفا
إلى بيت صديقي الميت – منذ خمس سنوات –
والزمن
يربت على ظهري
- " سعيد يا باشا "
" خفاء "
كنت أكتب :
رأسي اصطدم بالجدار
فتناثرت حديقة نجوم
وتساقطت كمشاعر خفية
ورقة تلو ورقة
على نهر قصير ومالح
له مددت شفتي
فارتد إلي رأسي
بلا لسان ..
صرت أكتب :
لحذائي
الذي لم يعد يفرق
بين الأجساد والأوراق المتيبسة
وهو يوغل بجنون وبلا رحمة
في وحل الأرواح
" نكتة "
الشعراء الحمقى
الذين قطعوا رؤوس آبائهم الطيبين
وعلقوها قلادة على صدور البنفسج
يطيرون خفافا
على دموع أقدامهم
فوق أجنحة الحوريات السود
ووسائد الماضي
يجثمون فوق قبور آبائهم
ثم يجلدون الندم
أحب أبي
وأحتفظ برأسه كاملا
قرب مخدتي
وأقول له نكتة
كلما ذبحته غربة الموت
" قبلة "
أسحبك من لساني
قبل أن تتكونين كاسم
أخاف أن يلمحك المارة على شفتي
فيوشون بي
لقناصين يختبئون خلف حرارة أصواتنا
أبدا
أرفع ستائر أعلى من الغيوم
كي لا يراك المطر
أو يكتشفك عابر للضوء
وأدخل في حوار مع أول جسد غريب
لتكتمل فوضى الكلمات
فلا يتبقى حرف مبلل
عالق تحت الأريكة
أو على نجمة الصباح
يدل على قبلة البارحة
" ألوان "
مشيتك تخض الأمكنة
وتصب كل لون في خانة اللون الذي يليه
تدوخ الملامح
وتهرب الأسماك
في الشوارع التي تسربت
إلى أبنية الساحل
وفي ممرات العشاق الناتئة
تجلسين مثل موجة
كأنك لم تغرقي للتو مدينة بأكملها
أحاول أن أستدل
على أسفل زر من قميصك المائي
وأنزلق في الذهول
تضحكين
أحاول أن أتسلق ضحكتك
أنقطع
أسقط في الخجل
وتمررين أصابعك في هواء يدي
تطير المسافة ما بيننا
ولا نلتفت
نحب بعضنا على انفراد
ونتقاسم معا صمت الغابة
وحين أحط في الموعد تماما
أخبىء ملامحك ما بين ركبتي
وأقضي الساعات بعدك
أسرح
أرمم المياه المتهدمة
وأعاشر صورة لم تكتمل
" هروب "
خبأتُ سيفي الطيب
نبضاتي الأخيرة
تحت شعر جاريتي الأرمنية
وتركت حصاني رهينة لرغبة المماليك
ثم تسلقت ظلام الأشجار
وقفزت من برج القلعة الأحمر
كانت سهام النار تئن قرب أذنيّ
وترشدني إلى المنحدرات الآمنة
يكاد
غضب صرخاتهم أن يقبض
على ما تبقى من دمي
وأنا
أندفع من هوائي القديم
في رائحة مطاعم الوجبات السريعة
تحت جسر المشاة
أمام الطرق السريعة
خافتا مع أضواء
القرى الموسيقية
المتسربة في المدن المكتنزة
القاتمة كعواصف الشتاء،
اختصر الهرب
أكسر ما يصادفني من نوافذ
ومسافات
أقفز فوق خطوط كفي
متنكرا عن ملامحي
ملوحا لفتيات يشبهن
سيارة الأجرة
" اعتراف "
جسدي الذي طردته
وعاد على ظهر أول شهوة
المنتصب على حافة الهواء
يهبط إلى الشوارع بمزاج
قاتل محترف
مصوبا دمي إلى رأسي
ساخرا من مسار الأرواح
وبيديه حبر واضح وصحيفة اعتراف
دوما
يهز الجسر الذي يصلنا معا
والرغبة تتطاير ما بيننا
وملابس الطفولة
والدموع
( قابضا على عنق الروح ) – اعترفي إنك أنا فقط
ودوما
ينقطع الصوت
ويسقط الكلام
في النهر العميق
" أنا أيضا "
استدارت الريح في يدي
كرة بولنغ
فرميت أنصاب حزنك
سقطوا إلا واحدا
راوغ ظنون دمي
وحفر الضوء من تحتنا
فانهارت الستائر
ولم تتسع النوافذ لغروب الشمس
فانفجر السقف
وتفتت صدري ...
لو لم تستدر الريح في يدي
لو لم أدحرج نحوك رغبتي
لو لم انتصب أنا أيضا
أمام كرته
وأرواغ ظنونه
رادما ضوءا حفره بشفتيه
ناسجا للستائر المنهارة نوافذ وانفجار
قبل أن يتفتت صدري
قبل أن أتكور في كرة البولنغ
وأرمي إليك بكل جسدي
" ربما رؤية "
كأنني وحدي
وروحي وراءها الشمس
وخلف الشمس
رجل عمته محطة
وجلبابه قطار
حين أزحت رداء المسافة عنا
التصق بي
تقاطرت ملامحه
لمحة إثر لمحة
ولما اكتملتْ
اكتشفت أنني لا أعرفه
فرجعت .
هكذا كل يوم
استدرج ظلي
لأقتله
" نحبهم أيضا "
نحب آباءنا وأمهاتنا
ومساء ألتقيك
يلتقي
آباؤنا وأمهاتنا
ونحن نتسلل مثل الطفولة
نتلصص على حريتهم السرية
من كوة أذنينا
أو من نافذة عينينا المتلاصقتين
وهم يعبرون لاهثين
حفاة
متخفين
على شفتينا الواحدة
والساخنة
" راحة "
مللتُ احتضان
جثث الألم
لآخر مرة
أمسح بقطع الشاش
دموعا لآثام مجهولة
وأدخل بدلا من القتل البريء
إلى زنزانة الندم الطويل
لآخر مرة
أوزع الرحمة بالمجان
وأركض نحو إناث اليأس
أحملهن على ظهري من تحت أعمدة الإنارة
إلى أقرب سرير آمن
والآن
سأستريح في حديقة اللحظة
مسدلا نظارة صمت شمسية
على كل ما رأيت
سأمد قدمي على طول العالم
منتصبا أمام وجهه
بملء حذائي الجديد
ومثل عامل نظافة محترف
سأركل مؤخرته بعنف
إلى أقرب مزبلة
" عابرون "
كلما سرحتْ يداك
صحتْ أصابعك
تعد بضحكتك أشجارا نائمة
وتهمل ظلال الدنيا
للذين لم يسمعوا موتك
حين صمت على بعد متر منهم
نحتاج
آلاف الأميال من كائنات الليل
وإلى جرار حزن لم تملأ بعد
نحتاج
للكائنات وللجرار
سلالم وموسيقى في آخر النغمات
لعلنا ندرك يا "نشمي"
لم تقتل النهار
وتعلق رأسه وراء الغيوم
كلما سرحت يداك
تحسسنا رؤوسنا الطائرة
وبقية أرواحنا
كراسٍ وأرائك
للعابرين
في المطر العابر
" حريق "
ننسى سريعا
ونسلم أجسادنا الرطبة
بيد عاطفة مرتبكة
وننفجر في أقرب جدار
لا الهواء الذي تسلل في الجهات
أخفانا معه
ولا السكون النائم في كهف أصواتنا
قال لنا : لا
ظننا ونحن نقطع الجسر على قبلة عابرة
ونستعيد قطع أجسادنا الواحدة بعد الأخرى
أن النسيان
بعدما يشد بقبضته على شعر رؤوسنا
سيفلتنا نسيل كيفما انحدر الطريق
وننسى
أن النسيان
ليس سيارة إطفاء
تحاصر حرائق الروح
كلما اشتعلت نبضاتنا
خلوة
" أشرار"
1
الظلام يخيط شفتي الغابة
السكون يتجذر في وجهها
المتشابك الأغصان
ولا ثمة ما يتحرك
سوى النوازع الشريرة
" أصوات "
2
نتبعثر معا
أقدامنا جزر غارقة في الوحدة
أذهاننا مراكب ورقية
متحدرون فوق بحر
لم يحتمل خطواتنا
خلف .....حدود الهواء
حيث نبتسم وحدنا
ونتكلم طويلا
دون أن نشعر بأصواتنا
" أوراق "
3
الورقة التي سقطت للتو
من شجرة السرو
الرجل الذي يعرف أنه سيموت
بعد ليلتين
لم تنم أشجار القرية
منذ قمرين
بعد ليلتين
انطفأ العالم
قمر يسقط على شكل ورقة
ورقة تنمو مثل رجل
منذ ليلتين
" الممثل "
4
في الصمت الباكر
رميت بالمفتاح
نسيت قدمي
وركضت
فرحا بإضاعة الأثر والأبواب
وعند بدء العرض
تخطيت شاشة الزمن
كنت الممثل
والمشَاهد
والخارج منتصف الفيلم
" الغريب"
5
القبة الناعسة تبتسم بكسل
تخفض كتفيها لقادم غريب
الغريب يرفع حاجبيه
الشراشف تطير عن الأجساد المتلاصقة
النافذة الوحيدة
تجلس في مقعد الحديقة الوحيد
الناس يتساقطون أمامهما
من الحانات
والديسكو
ومحلات الأقمشة
متعبدين في زجاجات زرقاء
ومنشدين على أرائك عشبية
خلاخيل خاشعة
وجلابيب في اتساع النشوة
" اتفاق "
6
في الزحام العمودي
حين تلتفت ولا تجد صوتا يناديك
قف
لم لا تقف فجأة
تتعرى
وتقفز في نهر الجهات
تجنح على شط الساعات الأولى
تمد يدك للهواء الحر
وتتفقان وحدكما فقط
على شكل الصباح التالي
" خائنة"
7
أدلل ذاكرتي
وأسكب لها قهوة حلوة
أغسل بالضوء حدود فضاءاتها
في كل صباح أمسح عنها غبار الكلمات
والصور العتيقة
لكنني
كلما فتحت أحد صناديقها الخشبية
غمرتني صورتك
خائنة
وضعيفة ذاكرتي
" الأطفال الجدد "
بيد الأطفال في المنزل
أطفال لا يشبهوننا
يعضون على صمتي
ويركلون حذاء شرطي قديم
فيطير الحائط
وتعبر سيارات النجدة
من غرفة إلى أخرى
باصات مجنحة
ولصوص مقنعون
جنود يختبئون خلف شارات النصر
أمهات يحملن تحت خدودهن
معنى جديدا للأمومة
في منزلنا كل شيء ....سواي
" ذاكرة الشاي الأخضر "
يمرون في الليل السارح
بضحكة بابلية وتنانير اسكتلندية
بمنديل الكاوبوي الكاكي والغترة الخليجية
بلكنات مبتكرة وعيون جديدة
مزدحمين بقصص الجبل الثلجي
بصهيل قلاع الفرسان العابرين
يتعلقون بهواء حصان مرابطي
يغسلون ذاكرتهم في الشاي الأخضر
تشربهم مراكش
ويعودون
دوما يعودون
بعينين شمعيتين سائحتين
أسرى لرغبات لاذعة
يبصقون ذاكرتهم
ويتذكرون
خاضعين لرائحة الشتاء الشمسي
لحواري الإنسان القديمة
منخفضين تحت ضباب المقاهي
متخفين وراء أجفانهم
وعلى رؤوسهم ترفرف الرايات الخضراء
" أصدقاء "
لعبنا مع الأصدقاء
دون أسوار واعية
وبلا حساب
منذ ذهبنا إلى المرحاض وحدنا
كشفنا خرائطنا السرية
وطيرنا أرواحنا من الأعماق
لم نقف أمام باب الأولمب
ونستجدي التحليق مع الآلهة
كنا نبعثر الريش أعلى من فضاء الذاكرة
ونقفز تحت الثلج الطائر
نشبه " براهما " طيب في البرية
يختفي دوما يختفي
خلف وحي العشب النائم
ومنذ ..لم نعثر علينا
منذ خلعنا جلودنا المقدسة
وبكينا معا آخر مرة
أدركنا كيف تنمو الأسوار
وتعلمنا الحساب
كنا نبضة نافذة
تشبه الحياة
إلى حد الانتحار
" أفكر "
حين يصرخ يناير عاريا
خبئوها في ملابسي
وإن لم تتسع
خبئوها في جسدي
خيطوا من دمي ستائر لضوئها
وابنوا من روحي مزارا لشهوتها
أفكر في أصابع لمستها
بمشاعر مرتبكة
أفكر في أنفاس غريب
تكسرت على شفتيها
أفكر في أول قطعة
لبستها هذا الصباح
أفكر
وتمتد أصابعي في الهواء
" نساء وسرير "
" السرير "
1
رمت جسدها في الهواء
هبطت بلا منشفة
مد السرير صدره على
اتساع ضحكتها
وحاول أن يكون كبقية العشاق الكبار
مراهقا عاقلا
لكنها
تخيلتْ حبيبها مجرد مخدة
وفي اللحظة التي همت باحتضانه
جن السرير
وشد بقوائمه الخشبية
خصلات شعرها
" أمن "
2
أحب أن أكون مع حلمتيك
وحدنا بلا سرير أو نافذة
تحت الضوء النائم
معا بلا ملابس أوذكريات
لكل حلمة حدقة
وشفة
أود أن أشعر بإحداهما
وأن أتجاهل الأخرى بمكر
أريد أن أكون وحدي تماما
أمامهما فقط
أهديء من رعشة أطرافي
أردد ...نعم أنا أمامهما فقط
وأنبض بينهما
في أمان
" شعرها "
3
شعرها خافت
وتقول.. يا حبيبي
للعصافير العابرة
بلغة لا يفهمها
إلا المسافرين الآن
وكلما بسط روحي البرق
وسحبني من النوافذ عاريا
كان ضوءها يلبسني
أما شعرها
اعتاد الصعود على كتفي
كلما وصلتُ
" أميرة "
4
في السرير الناعس
أفاق شعرها على طعم الكحول
برفقة الصباح المر
ورائحة الأصوات الساهرة
فتحتْ شباك نهديها على حواري الرغبات
ودبيب اللصوص في آخر الزرقة
أميرة البارات البحرية
تعض لسان النشوة
تغمر أنفاسها أحلام السواح
وتحتجز ملامحهم مخدرة
تحت مخدتها
في صحو العام القادم
حين يأتون في شنط أسرارهم الغامضة
يتسللون في المساء
عبر خيط من ملابسهم الجديدة
ويسرقون ملامحهم
" اعتذار"
5
أخاف أن تلتفت فجأة نحوي
وتسألني
عن الناس في برلين
عن الأعشاب في هضبة التبت
عن قميصي الأخضر السارح
عنها
وقبل أن يفسح لها اعتذاري
تقطعني إلى المقهى المجاور
تشعل سيجارة
تتأمل الجالس للتو
وتنساني
" صباح الورد "
6
نهارك سعيد ، يا خريف،
نهارك إنسان حقيقي
نفخ الجهات
ونثر الورد من حجابها
فتأنث الهواء
وفاحت عيناي
مثل حلم، نبذتني إلى العراء
لم ألتحف سوى قميصها النائم
لم أنم إلا على أعشابها النابضة
بالرغم من احتضانها مخدتها الوردية
بالرغم من ساقه الطويلة الأرقة بين فخذيها
" معركة "
الخاسرون في المعارك الكبيرة
الذين يجلسون تحت أشجار الصيف
لا يملكون أصابع كافية
لإطلاق آمال أخيرة
على ما تبقى من أجسادهم
لا زالوا يتمترسون خلف أكوام الصمت
مترقبين أعداء وهميين
وكلما اندفع الهواء الجديد
تحت أوراق الخريف المتيبسة
استدارت أجفانهم
وأخذوا يعدون بدموعهم
كوابيس الجنود المقتولين
" صعود "
شعراء السفح الأعلى
وحدهم يدركون ثمن السمو
حين يهربون من أسرة طفولتهم
ويصعدون أعلى تلال الشتاء
لن يكلموا أحدا هناك
ولن ينثروا التعاليم السرية
على القرى التائهة
لكنهم
سوف يرخون من تكة سراويلهم
و .... على المدينة الناعسة
أجفانهم تحت الصفر
والهواء الثلجي
يحفظ ما تبقى من نشوتهم
" أنت أيضا ..وداعا "
أدمر عزلتي
وأرجع
أبحث في خرائط المارة
عن أقرب زحام للأضواء
أحضن أصدقائي
أقبلهم
أبكي أمام أعينهم
وأندم على أنقاض عزلتي
أحلم أن أكون نبيذا ملكيا
أشرب الملكة والجواري
أن أعد الأمواج
موجة ، موجتين ....
وأسافر تحت أشرعة المرجان مع أميرة الأسماك
وأرجع
أضرب رأسي بأشجار الشتاء
بالمحاذير الصغيرة
بمخابيء أسرار الطفولة
ولا تطير عصافير الثلج
أو تكتمل أجنحة الحكايات
أفكك جسدي المبهم
أشجع ذهني
وأعبّد لهما المدارج الزمنية
أحاول
ألا أبعثر جثثي المتعددة
في الشنط المتتالية
برفق ، أسحبهم خارج الوقت ،
أنت أيضا.. وداعا
تهبط الطائرة
ولا أتوقف عن الطيران
" رائحة "
أظهر على تلال التماثيل البيضاء
أنزف الفراشات والأنهر الغريقة
ورائي الحدائق الجريحة
ورائحتي الوحيدة فوق السرير
تخفق في ردهات الملائكة المغادرين للتو
تفتخذ ما صادف من نبضك الإنثوي
في المنحدرات الحادة المنتحرة
على فراش الكهوف الجليدية
مع مخلوقات الحزن السريَ
وكلما بعثرتك يداي الواقعيتان
لممتُ رائحتك من النسيان
أقارن بك ما يصادفني من الموت
ليصغر
لأرتاح
لأختفي
" نداء الجندي الجريح "
أيها الشبان البعيدون
أيتها النسوة والفتيات الحوامل
أيها الرضع الذين أهملوا حلمات الأمومة
لم يتبق سوى الرصاص النازف
وغبار الدبابات الساخن
وراء العويل الوحيد
ما تبقى من أعضائنا يناديكم
من القبور التي لم تحفر بعد
من حمالات الجرحى المتكسرة
وصواريخ الطائرات المنطلقة نحونا
من الثكنات المتناثرة
ومن قرب جثة رفيقي الممزقة
أرجوكم
اعبروا إلينا بالبنادق السريعة
بأدوات الزينة ، بالعصي المتوحشة
بكل ما يوغل ويفيض الدماء
تسلموا مني أمانة الشجاعة
بندقيتي التي لم أقتل بها أحدا
صرختي البيضاء
واجمعوا أجزاء الجثة التي بجانبي
لا أريد احتضان أمي
أريد أن أشم البحر
أن أتنقل ما بين المطاعم الحديثة على شارع الخليج
أرقص فيما تبقى من الزمن
مع إناثي اللواتي لم يتجسدن
وأجلس تباعا في مقاهي الريف ما بين " آنسي " و " لوزان "
أيها الشجعان الجدد
والوطنيون الأغرار
لا تفتشوا في عيني عن الفخر
لن تجدوا سوى رعشة الحقيقة
مهما رججتم دمي فوق أكتافكم
وطوقتم خوفي بالأعلام
" مسافة لامعة "
وأنا أنحني على جثتها النابضة
وأرفع عن جبينها أعشاب البحر
لا مست النسيان
فمشيت
ورائي تخفق أجمة الماضي
وتنسل الصور التي طالما جمعتنا معا
لونا بعد لون
لحظة تلو ضحكة تلو..
لأول مرة أرى أصابعنا وحيدة
ولا أبكي
أطوح رأسي أعلى من الهواء
أرشقه بالحجارة
أنساه
وأرقص
أشم حريتي
في تهشم الضوء
وانحباس الحنين السري
في زجاجات البحر التي لن تصل
صرت لا ألتفت سوى
لرنين الصدفة
لا أنشطر حين تقطعني اللحظة
أرتج وأنفجر
ولا ألتفت
أنا الراقص بلا رأس
أتمدد في المسافة اللامعة
ما بين القيمة والكبرياء
" عبور "
لا تعيدوا جثتي المزعنفة
إلى الميناء
كي لا ترى شماتة الكفوف الثقيلة
كي لا تلمح دموع حبيبتي
خلف شرفات المرجان
اطفئوا حنين دمي الهارب
لطفولة مزيفة
ولدفء ثوب الأمومة
لعل جرسا معلقا على قبة ناعسة
يئن
وتفتح محارة باب لؤلؤها
وأنام
وحين،يحترق البيت الذي شيدته
قرب حورية البحر
سلموا على أصداف جارتي
قولوا للنوارس أن تنسج
من أجنحتها ستارا
لأعبر جسر السفن الخشبية
بعيدا عن فضول النوافذ
وإطلالة الهواء اللاذع
لا تحضنوا أثري
وتنسبوني إلى ظلالكم
دعوا الصيادين يطرحوني
على قشور بسطاتهم
ولا يبيعونني سوى لغريب عن مدينتي
أريد أن أهرب من دمي
وأنسى دموع المرجان
" زحام الموسيقى"
تنسلين من عبودية النوافذ
في السلالم النحيفة
إلى أعالي الظلام
وتهبطين على نشوتك البكر
أنفاسك اللاهثة
لا ترى سوى رائحته
في بلاهة اللحظة
على الخشب الخافت يمين الزاوية
وراء موسيقى الزحام
والسيقان الناعمة المتلاصقة،
أصابعكما في الدخان الكثيف
عيناك الورقيتان تنفثان أكواخا من الهذيان
جوقة نبيذ تفكر في الموت أول مرة
على قارعة بضة
على سرير لم يولد بعد
على غبار يختفي بكما
ولا تعودان مرة أخرى
إلى الناس
إلى الموسيقى
إلى نظرة جاركما الكريه
" الخاطفة"
قلبي الراقص
في المقهى العاري
وأنت تخطرين
ولما تزل منشفتنا مبللة
قرب لمستك أسفل النافذة
وضحكتك
في زهرة الماء
ما بين هوائك على قبضة الباب
وانعتاق جسدينا للتو من شفتينا،
فنجاني الساخن
وبخار عيني
غيمة خفية
تحرس ارتجاج خطوتك،
ونظرتك الخاطفة
الثاقبة صخب الوجوه
الساخرة من الكراسي الغافلة
تقذف بملابسها
دفعة واحدة
تدحرجُ النادل
تكسرُ أكواب الشاي
تسكن ما بين قميصي
وصدري الطائر نحوك بجنون
" قاتل "
يتكاثر العبيد الجدد
في سجن الألوان
ويشيرون في استهزاء للمشوهين الأحرار
الذين مددنا لهم ارتعاشة كفوفنا
فلم تصل
وهمسنا تحت أبوابهم في الخفاء
فرفضوا خوفنا
ربما يفهمني الأطفال الذين لا يدركون سوى بمشاعرهم
والقاتل الذي يتحسس شهقة ضحاياه
ويجول في آخر قطرة من دمائهم،
ذات دمعتين
عبأ ذاكرتي بطلقات مسدسه
فقتلتُ الأسواط اللاذعة
الهمسات المرتعشة
والساعات
دقيقة تلو اخرى
امتلأت السماء الخضراء بالسيقان المنشطرة
والأحلام النافقة
وأنصاف الرؤوس
وحين ،ضغطت على وجنتين ميتتين
غاصت أصابعي تحت جلد
للتو فارق دفء نبضته
يداي انفصلتا عني في خدر
جزء مني تبقى تحت الجفنين المنسدلين
متُّ قليلا
إلا أن جسدي كان أخف من الألوان
والطريق ألذ من الصرخة الآمنة
كانت خطوط الشوارع أجسادهم النائمة
وأنا أخبيء ملامحي
في الدرج الأيمن للسيارة
لم أتوقف سوى
في محطة البنزين
" الفخار الفارسي "
الفرس القدامى
الهابطون من أعالي " كاش "
إلى وديان " عيلام "
يتسللون من لوحات المتاحف
وراء نهر بابل
بالقرب من حلم النهر
تسرح خيولهم
أمام مسلة الفرعون
مشدوهة بالرمح الحجري العملاق
على امتداد صرخة السلالة
حول فخار الهواء المنمنم
يصافحون، من فوق جيادهم الطويلة،
المنارات على سواحل المتوسط
الأمهات في المطابخ
الماء المنسي في الشهوة الجامحة ،
وعلى بعد طعنة من سيوفهم
قريبا من النار المحرمة
تكسّر إناء دمي
سالت رغبتي
تحت حرير الزرادشتيات
الصاعدات في هواء الكهوف الجبلية
وهن يحرقن الزهرة الدائخة
في الجسد المقدس
بينما خصورهن تنثني
أمام فخذيّ الغموض
وتلوّح،مثل أصابع غريق،
خصلاتهن الشقر
من تحت شال حبيبتي
" رائحة المانجو "
أعرف أنكِ مللتِني
لأن كلماتنا المجنحة
وحيدة في الغرف الصامتة
تضع يديها في جيوب النوافذ
محاولة الهروب إلى الهاوية.
لذا، سأبادل جسدي بحبة مانجو
وأنتظر الصيف القادم
لأنضج بين يديك
لأتقشر ببطء
وأسيل بين أصابعك
تحت لعاب روحك العارية
راسما لمعان شفتيك
وحين لا تستطيعين التوقف عن التهامي
سأمنح الشجرة ثمرتها
وأسحب جسدي من قشرته إليك
الأرنب الرمادي
هبطا من المقعد الخلفي للسيارة
وحول أنفاسهما النجوم ذات الأجنحة الوردية
نثرا العرق الفائض عن الحب
فوق الطاولة ،
أسفل الطاولة
أرنب الغابة يراوغ أقدامهم
ويلملم ما تساقط من نتف الكلام
و بعد غيمتين ..أفاق جسد الشتاء
وتشكلت ملامح الأسرار
فقفز الأرنب الرمادي في السفن المتوحشة
وبكل ما يملك من لمعان
نام بين نهدي أميرة فينيقية هاربة
بخديها مسحتْ فروته
ورذاذ الظلام المالح
يجلد روحها العاشقة
في المسافة ما بين
صور إلى قرطاج
الذئب الخجول
ذئب عجوز
أسنانه هشة ومؤلمة
مرة، طوح أسدا أنيقا
في ضربة واحدة
واغتال بضحكته البيضاء
ثعلبا سكرانا
يحب من المياه المخاضة البكر
ومن الألوان
ما يشبه الحلمة الوردية،
في المنحدرات الغافلة
يحتسي عويله الأحمر
ويبتسم في خجل،
منذ انكسار مخلبه الأثير
لم يعد ينظر إلى فرائسه
بقدر ما ينظرون إليه
لم أنس الدرس
لم نرْفُ الطرق الممزقة
تحت قدمي البارحة
و نسينا أن نهشم النافذة
لينتحر غضب الكلمات
لذا، لم تزل انفجاراتنا
مغروسة في صدر الرخام الأسود
وزخة اللكمات
معلقة فوق الحائط النازف
مذ هربنا كالمعزولين الذين يهربون من أنفسهم
ويدفنون عظام ذكرياتهم
في برية الآخرين
ويعودون بلا " وحدهم "
أو لا يعودون
مشوهين في أسيد الشكوك
مظللين في غياب ما سوف يأتي
مذاك،لم تعد إلى ألسنتنا عفوية أشجار الشوارع
أوسلام الشموع على شبابيك الميتين
ولم …أمسح صورتك
فوق السبورة، ما بين الأسطر
كان ضوؤك ، مثلما ذقته،يخفي المدرس والطلاب
مازال يلبس لحمي
ويُرن جرسي،
دعينا لا نكبر، مرة أخرى ، أكثر
بالأحضان
بالأحضان
قبل أن يلوثنا البياض
المتحول
أخاف من الشمس لأن لها عينين
وأحب الظلام الخافت لأنه يخفيني
ويلفني في مهاده الأبيض الآمن،
أحب تماهي الخطوط الزرقاء
العاهرات على حافة الانتحار
والأموات منذ ثلاثة أجيال
لأنهم لا يحدقون بي
ويتركونني .....في حالي
أصعد
نحو ما أتخيله من الكهوف الواطئة
على كتفيكِ، بعد قطعتين،
فوق حرير ظهرك
إلى انحشارك عند الخصر السائل
وانهمارك إلى حد الساقين
نحن – المختبئَين- تحت ظلال السرة
نعرق معا
ونتحول ،في كل نظرة تجمعنا،
من شخص إلى آخر
" الملامح الصيفية من مسالك الغبار إلى بيت المطر "
يحمل رأسه مظلة صيفية ، بينما حرائق الأمس تسحب حقائبها، وتدرج خلف الطائرة .. ، سماء أو طفلة اقتربت من يديه ، فطار السحاب عن ثوبه فإذا هو غيمة والزمن لحظة غبار .
لم يكن يحلم أن خطوتين سوف تقطعان قارة ، ولمسة واحدة تدخله في شارع الدنيا ، المسافرون يحلمون في شرفة المقهى ، حيث محيط الشمس ، والهذيان المالح ، بقوارب الحرية تعبر ضفة العمامة إلى شاطيء الرغبة ..كانا – هو وبقية روحه – سائحين يشربان دم الدخان، وينفثان بدقة ملامح المارة .. الصباح صباح الأطفال ، والنادل أرهقته أوجاع الساهرين ..والمسافرون في القهوة والصباح ..ممزقون في مرافيء البن ، مقيدون في أنين السفن الخشبية .
في الغرفة المجاورة غدا سوف تقطع تذاكر الرحلة ..وجوه الأقنعة السحرية .. غيبوبة الألم المؤقت .. جهلنا حين نعجز عن قراءة ملامح القادمين الجدد .. جدران شفافة للجيران المتجددين في غرف الفندق .. ونشوات مشتركة في الليل التالي .. من سوف يضع ذكرياته باطمئنان بجانب حوض السباحة ويغطس في اللحظة .
للشفاة الملونة ساحتها الخلفية .. سلة خفية .. تبتلع ما تذرفه عجلات الملاهي العملاقة في انحدارها ... الإنسان الفندقي وحده يرفض السلال الخفية وسياسة الزورق والربان ..يود أن يكون الربان والزورق معا .. السياحة نبض ملكي لقدمين سارحتين .
لديه حلم ، العالم في جيبه وخطوته مطار ، يبني ظله ويتوه ، التيه جزء مرضي في النسيج البشري لا نبرأ منه إلا به ، لكنهم كثيرون هؤلاء الأصحاء ، المتشعبون كمصاطب جسدية وبيدهم أرصدة خفقاتنا ، لا نريد خفقاتنا نريد أن نعيش في جيوبنا فقط .
في " الروف " أبطال وضحايا لمعارك وهمية ، يشربون من دم لم ينزف ، قصاصون ورواة ذاتيون لصور شعبية ، أناملهم توميء بإيحاءات عصبية ، أعينهم تقص بعبارات مموهة ، كل منهم يشعر – دون أن يكون ذلك مهما – أن الآخر يكذب قليلا ، في الثالثة صباحا وفي انحناءة "الروف" الزجاجية
تشرق الدماء الكاذبة ..من منا لم يحاول أن يكون الضحية في اللحظة التي لم يستطع أن يكون بطلا وهميا .
في حديقة الفندق الليلية حيث تعلق الملابس الداخلية للنباتات الآسيوية ، وحيث معنى حقيقي متعدد ومقنع يمتد من البهو إلى خلوة الغرف المجنحة ، لا حاجة لعصا ذكية وشعب أبله ، لا حاجة لشعراء مقنّعين أو صوفيين واقعيين ، يكفي أن تضع قدميك في الكرسي المقابل ،متسربا من تاريخ النظام الوراثي ، السعادة أن تجيب باطمئنان : المتعة نتيجة بليون دولار أو امتلاكك كرسيا إضافيا لقدميك ... متساوية .
في كل صباح يقف البستاني تحت تلك الشجرة ، ويجتمع الندلاء والنادلات حول أسرار النزلاء قرب ذات الشجرة ، تبدأ رحلة تنظيف الحكايات والقصص ونسجها من جديد ، يقول أحدهم : أن البستاني وجد رأسا لأحد النزلاء نسيه على الطاولة وقبلة حارة بجانبه فأخذ الرأس ولفه في كيس القمامة أما القبلة فخبأها في جيب القميص الأيسر ...في الحقيقة هو رجل غريب الأطوار ، مثل البقية يحمل جينة تميزه ...إذن ليس هو وحده رجل غريب الأطوار .
القادمون والمغادرون الذين اختاروا ساعة اختفائهم ،تتمسح رغباتهم في ركن الاستقبال، وعلى بعد غابات سماوية، تحت الشرفات المتساوية، تحط الرغبة، وتطير ردهات الروح ، يرحل القادمون مع شنط ذكرياتهم ويرحل الراحلون ، ترقص الغرف متتالية ، نافذة تلو نافذة تهز ضوءها ، وتشف ستائرها عن هواء الأجساد ، ضوء وحيد يحاول أن يثمر في آخر الحديقة .. ينطفيء .
طائرون للتو، عشاق جدد، ومحترفو متعة ، في كل طابق وضحكة يتكون ما يشبه كوكبا جديدا .
" أسماء وهواء الصوفيين الواقعيين "
يد قطنية تنتزع قميص اللحم ، تنسل كضحكة وتخرج كفضاء ، الضريح في إرجوحة قمر يستظل تحت عريش القرية ، حيث لا خرائط زيتية سوداء ، ولا شموع رملية ، أبواب القرية صندوق حكايا ، والظلام مفتاح الأسرار، الخوف يركض في مسام الوجوه ، والشيخ يشتعل فوق سطح الهواء ، منتظرا بركة موجة ، أو عطاء تاجر المدينة . ..وحين امتلأت يداه الرطبتان بالذهب الخفي ِ، لمعت الأعين الجائعة ، وبينما وجود الأرواح البدائية يخفق مثل حيوان تعيس، لم يعرف الوحدة ولا الألم ، صمتت المسافة ما بين المحطة والقطار ، وسال ثلج الإنسان من جليد الكهوف السحيقة ،فتشكلت صور للظلال وأسماء للأسماء .
يعشق الجسديات وما يدوخ حولهم وبهم ولهم ، ناعم وسارح مثل طفلة حزينة لا تفهم معنى الحزن ، ولا تدرك سر نعومة أحلامها .
كلما سألناه عن نبت السعادة ، أشار إلى جهة مجهولة في رأسه .
نفهمه .. في كل مرة نفهمه يطير ، وحيث لا ندرك نختفي نحن .
مع كل نبضة تلدغنا مخاوفنا ، وقد علَمنا أن مكمن الخوف جهلنا به وبنا ، ومع هذا، كلما ازددنا علما به ، ازددنا رعبا بنا .
كلما همّ بختم نفحة ، حذرنا من الفقراء
...: الأخّاذين ، الأخّاذيون .
ثم يتنحنح عميقا ويلعنهم: لا يملأ سلال الهواء سوى الأغنياء .متمتما مثل ساحر عجوز .
أهدى مريديه تذكرة حول الوجود ، فدار ثم دار الوجود حول المريد .
يبسط كفيه ميزانا فينفخ في كف ، ويزن في كفه الأخرى روح محدثه ، ولم يحدث أن رجحت سوى كف أنفاسه .
( وهو يحاول ألا يخدعنا بشطحاته ثانية ) : لتسترجع المادة ألقها الوجودي ، ليفرح الصغار بلعب المصانع الحديثة ، وليلهو الآدميون بجلود الشاشات العملاقة ، لنتعلم - بالرغم مما ندرك – كيف نحب الرغبات الحقيرة ، لنتفهم بعطف النظرات المفترسة والميتة في آن ، لجشعهم نهمة أكيدة في التهامنا ، الغبي الآن من يفكر منكم أن يقدم روحه أضحية على سطح أطماعهم ، جشع أمام جشع وموت قبالة موت .
اعتبر ما ردده بالأمس وداعا نهائيا ، مثل أي وداع مقدس ، وتجول كسر ملكي في المنحدرات البشرية الأولى ، له في كل كلمة معبد، وخلوة للحقيقة تحت كل قبة ، قاس كمعلم مادي ، وأنيق كممثل غربي ، متحول وأبدي .... ... مرة كان قائدا مدرعا بالذكاء والغرور ، أحاطت به قوات أعدائه بينما جيشه على منحدر السهوب القريبة يتفرج مع قائده الجديد، فراح يشم رائحة اخضرار الأنهار الصاخبة ، دون أن يشعر بأحشائه المتناثرة ...كان مرة النسر الذي حلق فوق جثته الممزقة .
هو من هؤلاء الذين يرمون حظوظهم على طاولة الأرقام، ويودعون في كرة الضوء الأخضر سر جيناتهم ، يفرحه أن ينام في جيبه الهواء ، ويحلق به أكثر أن يتلمس باطن قدميه فلا يجد جذورا لأي معنى .
الكلاب تجر زلاجتين متصلتين بكرسي مدبوغ من جلد "الرنة" ، قصور الجليد طرق مفترضة تنبع منه أمامه في استمرار ، سياطه تتلذذ بألم النباح ، غبار الثلج يلسع عينيه ، ويبتلع جفنيه ،وفي المنحدر اللاهث في جنون البياض ، أفلت يديه ورمى خلف الظلام الشتائي ما تبقى له من رصيد الهواء ، متطايرا خلفه ذرة تلو ذرة، نافذا بمركز وعيه فقط ، رائحة المذبوحين بالأمس تسلخ صرخته ، وبخار دمائهم يختلط بالضباب المتجمد، رسنه يندفع نحو هاوية القطب ، نبضات متفجرة وغامضة ، في هذه اللحظة ، في هذه اللحظة بالتحديد ، رفع مساطر الفراء عن جسده وبأظافر مرتعشة انتزع عن جلده كل أثر للوقت وتدحرج بعيدا عن عربة الشتاء ...
متى يولد بعد ، كيف يخفق أكثر ، ودمه ملاك صدف للتو لذة الإثم.
قبل الحافة ... بعدها بقليل
لستَ عيني العدسة الأم
أو مركز الأعماق
ولا الكلمات اليومية تسبح حولك
دع هذا لخيال الطبيعة
إن عزلة المرايا تدمر ذبذباتك النافذة
إلى الآن لم تتجنح يرقة ذاتك
تريد أن تسدد الطلقات نحو نبضاتك الخجولة
دون أن تمنحها فرصة الالتفات
بسبب هؤلاء الذين يعذبوننا
وكل أولئك الذين بعثرتنا أنسجتهم
بسبب كل من نشك بأنهم يراقبون سقوطنا
ويحاصروننا باللوم
ونرى مخالبهم تحوم في ظلمتنا
وتغطس تحت حواسنا المطفأة
كل أولئك سيطرقهم الزمن بسطوته
سيولجهم نبتون في زرقة النسيان
وفي لحظة يبصق ذكرياتهم
ليرفرفوا فوق شوكته الثلاثية
عراة على جزيرة منسية .
ليس ثمة أعين لا مرئية في سقف الغرفة
أو أذان مبذورة تحت الوسادة
خُن جسدك ، إن شئت،
ادفعه ، على غفلة ،من النافذة
اصدمه بالسيارة عند عبوره الشارع،
سيمنحك أوزوريس كعكة وبيرة
يخوض بك المتاهة
وقبل أن تصل
سيرمي نركال رأسك بحراشف إفعوانه الأشوري
ويصرخ : اخرجْ للأعلى
وحين تخطر الجزر الفارسية
سيضغط أنجرا مانيو على ملامحك : لا يصلح للغواية
ثم يسرّ إهورا مزدا: اعتذر إلى جسدك، ولا تعد ثانية.
ستجلس في المقهى
وتشرب مثلي القهوة
تصافح مسخا يشبهنا
ورأسك في الأرض
وعينيك خجلتين
ستمد ،أخيرا، يدك
ويدفع عنك الحساب .
بعد أن ظفرنا بدروع الناجين من مختبر الجحيم
وصرنا محصنين من التفاهة
ومن الحبل المعلق على جذع المروحة
تلمسنا الندى العالق في البرية
وغدت الضوضاء مسارا ناعسا لأعيننا
إلا أن ما نثرنا رماده مطمئنين
أفاق هلاما غامضا
ومن وقّعنا لهم على موتنا ، بعد دقيقتين،
سينشغلون بورود حدائقهم
وبأقساط المدرسة
ولا نعرف بعد انصهارنا في يد بلوتو
لماذا فعلنا كل هذا
لم نولد لننجو
ومن الجمال اللاذع أن نتفهم الألم
ونعطف عليه
إلى أن يقذف بنا الترنح إلى أقرب رصيف
إلى أن نمد هواءنا تحت أحذية المارة
ونمشي من جديد
موت يخلصنا من موت
ورغبة تذبح أخرى .
عندما أغمض المشهد عينيه
وغفا المخرج خلف كواليس التلال
انطلقت اللقطات السجينة ،لعروس شرقية،
سرحتْ في الهواء ،على حافة الجرف،
وطارت فساتين الأفراح
وقبل ارتطامها بأعشاش النوارس
امتدت يدكَ للدرج الأيمن من الحلم
ولم تعثر على كومة الحبوب
فانتصبتَ سكينا
ولاحقتَ شرايينك العارية
ولم يرجع سواك
نهش سيربيروس أقدامهم،
وكان مجرد فيلم
إلا أنك لم تفهم القصة
وتحمستَ قليلا
فكنت على بعد دمعتين من دمك الهارب .
تشبّثْ بقميصي
واصعد التلال البرتقالية
على العشب المدبب
في رطوبة المغاور
إلى حدّ البوذيين الجدد
هنا..أدعك وحيدا أمام الاخضرار
على حافة الهاوية النابضة
معك الكاميرا للذكرى
والمناديل للدموع
معك الألوان يا وحيد الجهة ،فتشكلْ
لديك الألوان والصور، فامض إليك
أنت الألوان.. الصور ..والجهات...
يا أمير النباتات النشوانة
حطم الكاميرا
وامنح الجهات حرية الأحزان .
ما قطفته ، ساعة تلو ساعة،
ولممته في سلة على ظهرك
سيسرق رائحته الذبول
وفي خطوة ما ، من الطريق، قبل نظرتك الأخيرة للضوء
ستبصر،ربما صدفة، صوتا
سيلمسك خفيفا
ويدوّي في كهوفك البعيدة
وتنهمر صورتك صدى
لدماء وأرواح غريبة
لأنهر من الأنين الخفيّ
في جسد زمن يعيش على هامش الوقت
ستضرب ،عندئذ، أجزاءك القديمة بالصخور المدببة
وتردد: خدعَتني الرائحة
وتدرك،ربما ، بعد نظرتك الأخيرة للضوء
الأنفاسَ الحكيمة للانتحار
قامر بأموالك
طوّحها في بطن الكازينو
فإذا انتصرتَ، ضاعف الرهان
وإذا خسرتَ،أدر المحرك ،
لتتلاطم حواسك ،من جديد،
وتنشغل بالشطآن
والغرق
والبحارة الأغبياء..
اجمع المال الطازج
وعد جديدا ،مثل المذنبين الصادقين،
زاحفا على ركبتيك
أمام الأضواء العالية
وشبابيك البنوك
إلى أن يعود لشجرة الغار شعرها البربري
ونبضاتها الحجرية
إلى أن يهفهف الشَعر بأوراقه الزرقاء
وتسيل النبضات على منهمَر الحب
وترى أعداءك الميّتين ..ميّتين
وسيفكَ طائرا يهوي بقبضة من نجوم
والهواء منشطرا إلى نصفين
وقامر بماء قلبك
اسكبه ،مثل نرد، على طاولة المحبين
بأسنانك انتزع النبضات
ودحرجها
إلى أحضان النوافير
تحت الفساتين العابرة
ومثل الهذيان الأعمى
كن مشاعا للهوس
وتعدد بين الإناث
ضاجع الضوء
وتلبس الجنيات السبع
كن كبسة زر على الـ Slot Machines
وانتظرها
دوما ستكون هناك المنتظَرة، في آخر الزمان ،
مثل لمعة البلاك جاك
ورنة الروليت
مثل ورقة بوكر مغطاة
سوف يكتمل بها الفرح
لوّنْ أصدقاءك ، في آخر السهرة،
وامزج ملامحهم مع آخرين لا تعرفهم
مع آلهة ناعمة ،وأطيان بدئيّة،
وتسلى مع الوحش المتخلق،صديقك الجديد،
في الغرف الفضفاضة
والشوارع المفرغة من الأرواح
هاشا بجناحيك أزيز الطفولة
كاشطا عينيك من محاجر الشعور
وإذا لم تتوقف عن البكاء
تصوّر أنك البكاء
تزور البشريين وتخفف من انتحاراتهم
وحين تعبر صراط المقامرين
يا إله ...يا ...إله..
ستدرك أن مخلوقاتك القاتلة لم تكن سوى أرقام
والكلمات المؤلمة تختفي بعد قليل من الخطوات
عنوان الديوان : أنت أيضا ..وداعا