فوزية السندي
(البحرين)

لصمت البحر.. أنتهر الموت
لظل الضوء .. أنتحب الحب

فوزية السنديبعد عناق قليل على رجة القلب،
ارتميت بهدوء رملة على غدر مساء كاد كالقتل.
محتواة بقميص أزرق،
يتمرأى بشعر يتهاطل بمودة الغريب
بشفتين تعتزمان نحر سواقي الخجل
تهجيت جسداً لا يداري هيجة البحر
جسداً لا يهدأ ولا يمل من نهل صيحة الحب.

تلاهينا بصمت الموت
دون هواء واحد.. استقوى،
على خنق عناء الشهيق.

لنحترق وحيدين معاً
حدقنا.. ضدنا،
لنلتئم معاً.. تمادينا نحونا
لننتهر معاً.. وميض هزيمة تقترب.

مغتالة بغرابة عينين طافيتين بألم عميق
عميق كبئر.. لم يبق لي إلاّ:
دمعٌ يتحدر بضراوة اليتم
آهات كتومة تؤجل أضرحة الليل
شهوة تدشن حبري بحب نادر.
امرأة متروكة لسخاء الحسرة
لا تعرف ولا تدرك..
ما يحدث لها من غريب العبء
كأنها تستعصي..
لتثق بوفير حب يتلاهب
به، تغاور حتم المهب.
جالسة نحو رمل يهديها خرس القواقع وعنف الغياب
أمامها البحر الوارث صخب أشرعة تغتر،
بصعب صوار تتكسر،
تتساهى عنها،
لئلا تسهى عنه.

رأفة بحتف حب قدير ببهجة التوق
يتقدم نحوها..
تدير عينيها لمهالك لا تراها.
بحر جاثم بمرايا تزرق من خجل جثث تتأوه
خلفها العالم كله، يستبد بعناد قذائف تتعدد
لتتناسى كل هذا الجحيم..
تلتحم بحب فاحش، يتهامى بوجل غريب
حب، لينشحذ كمدية تفغر نواهي القلب
ينثال شيئاً .. فشيئاً..
وينحر عبء الوريد.

ليغدو القلب - بغتة - متيماً
بفارس عنيد يتقن رعد الأعنة وهو يتلو مداه
صريع يغافل محنة الصبر وهو يجلو عناه
من سواه قتيلاً .. يتفقد قسوة قتلاه.
معه،
أكتنز بذخيرة المحبة
أدمي ما تبقى من ذاكرة تتوسل
كأنه المصير الوحيد المقبل بلا حذر
كأنه السطر الأخير المتاح لحبري الضرير.

شقي مثقل بقلب يصطبر،
فاتن يلتف بساعديه الجسورتين،
ليحتمل حدود صدرها المرتعب
تراه كحلم يتوجع مراراً
ولا ينهدر دون ظلام عينيها ..
مراراً .. هكذا.

أحيانا يغدو كغبار أملس يمس حناياها
و أخرى،
يتبادى كضوء يتهادى حول ظلال تتهجاها.

وحدها،
راحت تفتش عن خنق رئآت لا تعبأ
عن يد مستباة بأصابع حيرى تستميد
عن عطر روح خجلى ترتشى صوتها
عنها،
لتتحاشى موتها.

أما..
البحر العليم بحز الدم الغريق
إذ يغتلي بحتوف المهج
صار يغترف أعماق هديره الصاهد
ليداويهما بسلاح وجيعه المرير
كل موج يحتقن ليصد صمتهما الجليل
ليحتملا معا.. صهير جسدين،
ينتهبان صرخة الموج.. صراحة الحتف
بعنف أخير.

لذا..
افترشت غلاوة حضن الرمل الخجول
لتنزاح عنها قليلاً،
لتوقظ ما تراعد من رماد جلل أوارها
لتضلل ما تنمر من مخالب عنيدة،
ناوئتها طيلة سيطرة الناب بذات الذبح
لتبدو له وحده،
كجنية عصية أخفاها عمر الوقت طويلاً
قبل أن يهديها له،
دون صدفة واحدة أو جناح أخير.

مصباح بعيد، تسمر على رصيف أخرس
كغرس حديد لا يحترس وهو يوقد فحم حتفه
لم يتعب وهو يبعث الضوء الشريد خارج جسده
بل تمرمر لينبئ الآخرين بقدرة وميض خفقه.

تناهض الضوء ببطء شريد
كأنما مدية من الأقاصي تدميه
انهمر وحيدا .. يستجلي انزياحه الذهيل
منحدر نحو بحر سارح،
حليم بحب يتحدر نحو راحة يابسة
تحتضن جموح جسدين
يعتركان ببطء أليم.

ينهال بغتة،
ظل الضوء الفاضح،
محمولاً على فتنة موجات ساهرة تتلو جنائز المد
ظل يتمادى في الظن.. طيلة انهيال مرارة البحر.

ظل فريداً لا يشبه ألاه
كناي يستبرق
كحريق يستبسل
رماد ضوء يتهاطل..
ليعانق مهوى قلبين يصطرعان في مهالك الهوى
جسدين ينتضيا معاً.. صعب المفر،
ليتردما نحو مصيرهما الأبكم.

كهاويتين في هصير الشهوة
يتعانقان في بلل الشفاة ..
بلا مستقر.. يحتملان هدير الوعيد
جسدان يتحالفان في قبلة تلغى أوان القتل
ليستبدا..
معاً بغنائم لا تحد.

بلا مشقة،
ينتهر البحر ضحاياه،
يبعث موجاته الخرساء لتبلغ شأن الجمر
لتشهد على وهيد قلبين يستنزفان بئر الحب
في عناق قدير على لجم عصائف التوق
بلا مفر..
غير خضوع جسدين لجنوح قيامة لم تبدأ بعد.


إقرأ أيضاً: