عن الفارسيّة:
عبد الرحمن عفيف

ليلى والمجنون

كان المجنون يحترق في عشقه لليلى. أصدقاؤه ومعارفه الجهلة الذين كانوا لا يدركون شيئا في أمور العشق قالوا: ليلى ليست بالجميلة جدّا. وفي مدينتنا الكثير من الفتيات اللواتي أكثر منها جمالا، هنّ مثل الأقمار، لماذا إلى هذا الحدّ انت مولّع بليلى؟ تعالَ، وانتخب لك واحدة من هذي الجميلات. قال المجنون: وجه وبدن ليلى مثل الكوز، إنني من هذا الكوز أشرب نبيذ الجمالِ. الله يعطيني من هذا الوجه نبيذا مسكرا من الجمالِ. أنتم فقط تنظرون إلى ظاهر كوز القلب، لكن الكوز ليس بالمهم، إنّما المهم هو النبيذ الذي فيه، ذلك النبيذ الذي يجعلك تنتشي وتسكر. الله أعطاكم من كوز ليلى هذا الخلّ، لكن إيّاي فإنّه أعطاني الخمرة. أنتم لستم بعشّاق. الله يعطي بكوز واحد لأحدهم السمّ ولآخر من الناس الخمرة والعسل. أنتم ترون فقط كوز الوجه ولكن ذلك الشراب الأصيل لا يرى بالعين المتسخة. مثل البحر الذي هو لطائر المياه بيتٌ، لكنّه للغرابِ موطن الموت والفناء. 

***

المسجد قاتل الضيوف

في أطراف مدينة " ري " كان يوجد مسجد وكلّ من يخطو خطوته الأولى فيه كان يُقتل. لم يكن يجرؤ أحد أن يدخل بقدمه إلى ذلك المسجد المحاط بالأسرار. خاصة في الليل فإنّ الداخل في نفس لحظة دخوله كان يموت خوفا. شيئا فشيئا ذاع صيت ذلك المسجد في مدن أخرى وصار كمثل سر مخيف. ذات يوم حلّ شخص غريب مسافر بالمدينة وطلب من الناس ان يدلّوه على ذلك المسجد. الناس تحيّروا وتعجبوا من أمره. سألوه: ما شأنك وذلك المسجد!؟ إنّ هذا المسجد قاتلٌ للضيوف، ألا تعلم!؟ لكن الرجل الغريب أجاب ببرودة وثقة كاملة: أعرف، لكنني أريد أن أنام هذه الليلة في ذلك المسجد. قال الناس مندهشين: هل شبعت من روحك!؟ أين فرّ عقلك؟ قال الرجل المسافر الغريب: هذه الأقوال لا تدخل رأسي، ولست أيضا متعلقا بهذه الدنيا لأخاف من الموت. الناس حاولوا ثانية أن يثنوه عن عمله ولكن كلّ ما قالوه لم يأتِ بنتيجة. لم يأبه الرجل المسافر بكلام الناس ودخل ليلا إلى ذلك المسجد ذي الأسرار. وتمدد على الأرض لكي ينام. في نفس اللحظة تلك علا صوت قبيح ومخيف من سقف المسجد قائلا: آهاي، ها شخص دخل المسجد! الآن آتي اليكَ وآخذ روحك. هذا الصوت الرهيب الذي كا يمزق القلب مزقا مزقا تكرّر خمس مرّات ولكن المسافر الغريب لم يخف أبداً وقال لنفسه ولماذا أخاف!؟ هذا الصوت ما هو إلا طبل فارغ، الآن قد حان الوقت أن أثبت شجاعتي، فإمّا أن أنتصر أو أسلم الرّوح. قام المسافر على قدميه وصاح بكلّ ما أوتي من قوّة: إن كنتَ تقول الصدق، فتعال! إنني حاضر في انتظارك. فجأة من شدّة صيحته وصوته انهار سقف المسجد وانكسر سحر ذلك الصوت الرهيب الذي كان يأتي من السقف. من جميع الزوايا كان ينهال الذهب. الشخص المسافر الغريب كان حتى الصباح يخرج الذهب من المسجد بالجعبة والمخلاة إلى الخارج ويخبّئه في التراب وبذلك يصنع كنزا من الذهب للأجيال القادمة. 


***

قراءة العاشق لرسائله في جوار المعشوق

المعشوقُ دعا عاشقه إلى منزله وأجلسه بالقرب من نفسه. حينها العاشق وبسرعة أخرج العديد من الرسائل التي كان قد كتبها لمحبوبه في أثناء زمان البعد والفراق من جيوبه وشرع بقراءتها. الرسائل كانت طافحة بالآه والانين والاحتراق والذوبان. وباختصار فإنّه قرأ وقرأ حتّى نفد صبر المعشوق. فقال المعشوق له بنظرةٍ ملؤها التمسخر والتحقير: لمن كتبتَ كلّ هذه الرّسائل؟ قال العاشق: لأجلك، لك أيّها الفاتن! قال المعشوق: إنني جالس بالقرب منك وأنا هنا وتستطيع أن تأخذ اللذة من قربي إليك. ولكن عملك هذا وقراءة كلّ هذه الرسائل في هذه اللحظة ما هو إلاّ مضيعة العمر وخسران الزّمن. فأجاب العاشق: بلى، إنني أعرف أنني جالس إلى جوارك لكنني لا أعلم لماذا لا أجد وأنا الآن معك تلك اللذة التي كنتُ أجدها أثناء تذكري إيّاك في البعد والفراق؟! فيقول المعشوق: سببه هو أنّك عاشق لحالاتك ولستَ عاشقا لي. عندك أنا مثل منزل المعشوق وليس المعشوق بذاته. أنتَ مقيّد بالحال. ومن هذه الجهة ليس عندك تعادل. رجل الحقّ هو الذي يكون ما وراء الحال والزمان. هو أمير الحالات وأمّا أنت فإنّك أسير حالاتك. امضِ وتعلّم عشق رجال الحقّ وإلاّ فإنّك ستبقى أسير وعبد الحالات المتفاوتة والمتغيرة. لا تنظر إلى جمالك وبشاعتك بل انظر إلى العشق وإلى معشوقك. لا تنظر في ضعفك وقدرتك. بل انظر إلى همّتك العالية وفي الأحوالِ جميعا كن في بحث وفي طلب.  


***

صياد أفاعي بغداد

صيّاد من صيّادي الأفاعي في الشتاء ذهب إلى الجبال ليصطاد الأفاعي. بين الثلوج وجد تنينا عملاقا ميتا. خاف خوفا شديدا، لكنّه قرّر أن يأخذه معه إلى مدينةِ بغداد ليندهش ويستغرب الناس، وليتفاخر هو ويقول إنني أمسكت هذا التنين بصعوبة بالغة وأزحت خطرا كبيرا عن طريق الناس وبذلك ليقبض أموالا من عامة الشعب. جرّ صيادنا الثعبان مرحلة بعد أخرى إلى أن أوصله إلى بغداد. الجميع كانوا يفكّرون أنّ التنين ميّت، لكنّه في الحقيقة كان حيّا ولكنّه بسبب من البرد كان قد تجمّد وصار مثل الثعابين الميتة بلا حراك. الدنيا كذلك مثل الثعابين في الظاهر تبدو متجمّدة وبلا روح ولكن في الباطن هي حيّة وذات روح. صيّاد الأفاعي ذهب إلى جانب نهر بغداد لكي يعرض التنين على الناس الذين أتوا من أمكنة بعيدة ليشاهدوه وأمّا الصيّاد فإنّه كان في انتظار أعداد غفيرة منهم لكي يحصل على أموال أكثر. كان قد أخفى التنين تحت فرش وحصر وللحيطة والحذر كان قد ربطه بإحكام بالحبلِ. أصبح الجوّ ساخنا وشمس العراقِ أدفأت التنين وأذابت الجليد فتحرر جسده. سرت الحركة في الثعبان والناس فزعوا ولاذوا بالفرار. قام التنين بقطع وتمزيق الحبال وخرج من بين الفرش والجلود التي كان موضوعا ضمنها وهجم على الناس. الكثيرون منهم وقعوا اثناء الفرار وقتلوا تحت الايدي والأرجل. أمّا الصيّاد فإنّه من الخوف تيبّس في مكانه وندم أيّما ندم على عمله. وبغتة التهم التنين الصيّاد وجعلة لقمة واحدة. عندها لفّ نفسه حول الشجرة لكي يهضم عظام فريسته. شهوتنا هي مثل التنين، إن حصلت على فرصة، فإنّها تنبعث حيّة وتبتلعنا.  

***

 

أربعة أشخاص كانوا أصحابا. عربي، تركي، رومي وايراني. أعطاهم كريمٌ من الناس دينارا. الإيراني قال نشتري" الأنگور" ونأكله، العربيّ قال بل " العنب" نريده، التركيّ قال من الأفضل شراء " الازوم" والروميّ قال كفّوا عن هذا، سنشتري " الاستافيل". وهكذا فإنّهم لم يتّفقوا ولو انّهم جميعا كانوا يريدون" العنب". وبسبب من جهلهم فإنّهم شرعوا باللكمات على بعضهم البعض. وهذا بسبب أنّهم كانوا لا يعرفون سرّ ومعاني الأسماءِ ولهذا فأربعتهم كانوا يريدون العنب بلغتهم.
لو كان انسان عالم باللغات هناك لكان سيجعلهم في سلام فيما بينهم ولقال إنّني بديناركم هذا سأشتري كل ما تتمنّونه، حيث أنّ دينارا واحدا يأتي بجميع ما تشتهونه. فلتسلموا لي قلوبكم ولتكونوا هادئين وصامتين. كلامكم هو السبب في النزاع والشجار، لأنني أنا أعرف معاني الأسماءِ. اختلافكم هو في الاسم وفي الصورةِ، بينما المعنى والحقيقة شيءٌ واحدٌ أحدٌ.

***

أحد العشّاق ذهب إلى باب معشوقهِ ودقّ الباب. قال المعشوق: من هناك؟ قال العاشق: " أنا ". فردّ المعشوق: امضِ في سبيلك، فإنّه لم يحن الوقت بعد أن يدخل الأغرار وغير الناضجين والذين لازالوا خاما هذا المنزل. إنّك لازلت خاما. يجب أن تحترق لمدّة معيّنة في نار الفراق حتّى تنضج، أمّا الآن فليس عندك استعداد العشق. العاشق المسكين رجع من حيث أتى ولمدّة سنة اكتوى بنار البعد والهجر والفراق. بعد سنة جاء مرّة أخرى إلى باب المعشوقِ وبخوف وأدبٍ دقّ الباب. كان محترسا ألاّ يصدر من فمه حديث وقول بلا أدب وغير لائق. هناك وقف باحترام فائق. قال المعشوق: مَن بالباب؟ فقال العاشق: أنت يا خاطف قلبي، إنّه هو " أنت" من يدقّ الباب، نعم " أنت" هو الطارق. عندها فتح المعشوق الباب وقال الآن أنت وأنا صرنا واحدا، تعال، ادخل البيت. الآن فقط هناك " أنا " واحدةٌ لا أكثر. اثنان من " الأنا" لا يسعهما بيت العشق. مثل رأس الخيط، فإنّه إن كان ذا فرعين، عندها لا يمكنه الدخول في سمّ الابرةِ. 
...

قال الآن لأنّك أنا يا أيّها الأنا تعال
لا حيّز يناسب اثنين من " الأنا" في المنزل

***

قال ملكٌ لأحدِ الدّراويش:" في ذلك الوقت حين تكون قريبا من باب الله، فتذكرني أيضا."
قال الدرويش": في ذلك الوقتِ نفسي بذاتها لن اتذكّرها، فكيف أتذكّرك أنت!!؟" 

***

يوما في إحدى المضافات حلّ شخص ضيفا وجلس أعلى من شخص ذي مقام كبير. فقال مولانا:" ولو أنّه لكبار المقام الأسفل والأعلى سيّان، لكن القناديل لهذا السبب توضع في الأعلى لكي توصل نورا أكثر إلى الآخرين."

***

ابن منصور الحلاّج حين فاض بصداقةِ الحقّ أصبح عدوّا لنفسه. حوّل نفسه إلى لا شيء وحين ذاك أطلق صياحه: " أنا الحق!"
هذه الصرخة تعني:" أنا لم يبق لي وجود والحق بقي فحسب."
عمل منصور الحلاّج هو منتهى العبوديّة. التكبّر هو ذلك إن قلتَ:" أنت الله وأنا العبد!"
أنت بهذا الكلام تثبتُ وجودك. الشرك والنفاق جميعا يأتيان من هذا العمل وليس ممّا فعل المنصور.

***

هناك أشخاصٌ تحيّتهم تفور منها رائحة الدخان. الكثيرون أيضا يحيّون وتحيّتهم ينبعث منها شذا المسك. الذي عنده مشام يشمّ هذه الرائحة الزكية...

***

إن لم يكن القلب فما عمل الكعبة؟

***

جهنّم هي معبد ومسجد الكفّار لأنّهم فيها لحظة فلحظة يذكرون الله.

***

أنت تقول ملأتُ قربتي من ماء البحر والبحر حلّ في قربتي. هذا العمل غير ممكن. الأفضل هو أن تقول قربتي ضاعت في البحر...

***

ستة أصابع ولو أنّها أكثر من خمسة أصابع لكنّها ناقصة، كل ما تضيفه إلى الله نقصٌ...

***

أنتَ أيّها الذي تستطيع أن ترى الورد وحديقة الورود، لماذا تتجول في مزارع الأشواك والأفاعي؟ فلتكن صديقا للجميعِ، لتكون بين الورد وحدائق الورد.