جوان نبي

ترجمة عن الكردية: جكر حلو

جوان نبيالمساء يهبط على غرفتك مثل _فتاتك_ الجالسة في حجرك أتدرك ذلك؟
"اللحظة" مهما بذلت من جهداً لن تلتقطها. لن تلتقط المساء وهو يمد يده إلى طاولتك، يسحب لنفسه كرسي الضيوف، يشرب من فنجان قهوتك، فيما تبدأ تدوين قصيدتك. المساء يغسلك من شوائبك ليضمك إلى نقاء لونه الحائل. الآن في المساء وقد غربت مع الشمس، تمضي في قصيدتك، دروب المساء تشعرك بالتحليق، التحليق نحو ذاتك، نحو اللحظات المرايا.
يذكرك المساء أنك تقاعست صباحاً عن المضي إلى العمل، أنك مكثت النهار بطوله في المنزل، لم تفتعل شجارا مع هذا، ولم تشتم ذاك. أن بائعة اللبن بكامل أنوثتها لم تهرع إليك :"ها قد جئت،عزيزي"
بائعة في عقدها الرابع تفرد مثل المساء مع مرورك شعرها لتشعل لك فجرك . "المساء امرأة في عقدها الرابع" تستطيع أن تقولها في قصيدتك فيما يداك تبحثان عن علبة السجائر. لابد لشيء أن يوقظك من مساءك هذا، من مضيك ، من رفاق معتقلين، من شهداء يرحلون تاركينك خلفهم حياً في موتك. تستطيع أن تقول في قصيدتك أيضاً: "المساء وطنك"، " أريد وطني ناصعا نقيا مثل هذا المساء ". اوقفواااا نزيف الدم هذا......
تباشر نفسك، تشعر إن بعضك غريب عنك، بعضك أو كلك مشتت في مكان آخر. مطرق الرأس،عبر الهاتف تقول لصديقتك: " أنا على ما يرام، سينقضي الأمر، لو كنت مركبة لأسعفت نفسي إلى أقرب محطة للوقود" بإمكانك دفن وجهك في حضن صديقتك _هي ليست هنا_ إذاً بإمكانك أن تدفن وجهك في حضن المساء وتكمل قصيدتك، أن تحصي الشهداء، أن تنحب مع أمهاتهم وتداعب أطفالهم وأن تحمل مع الرفاق نعوشهم في حضرة المساء. أنت زائل، زائل كلياً، فيما المساء كل مساءً على حاله، لكن ألا توافقني أن قصيدة عن المساء لابد أن تشبه، أن تليق بحزنه، أن ترنم الوداع على شاكلته .
لملم شتاتك كأنك على حافة السقوط الأخير، مر بيدك على جسدك، تعرف إليك، كائن مثلك لابد أن يليق موته بالمساء، ويودع نفسه والشهداء بحفاوة، "المساء عرس الوداع" في حضن المساء تودع ويودعك الذين لا تراهم ولا تعرفهم. مساء كهذا يكفيك للقول: ذات يوم عشت ، ذات مرة عشقت .
المساء يومض فوضى الغرفة، ثيابك المبعثرة، فناجين قهوتك، كتبك العذراء، الماء المسكوب و عبق صديقتك العالق كالفجر في الهواء. بالكاد يمكنك غناء المساء وهو يسحبك إليه، يوطنك فيه. "المساء وطنك" أدركت ذالك مجيلا نظرك في السماء حين مر بخاطرك الحمام لا لشيء سوء أنه هو الآخر كالمساء، كالمطر ، كالدم المراق من شباب وطنك، من وطنك ومن القصيدة التي بين يديك هذا المساء. " الدم أخضر لكن عيونهم هي حمراء" ذالك ما خلصت إليه ذات يوم. الدم يمتص المساء. تقول قصيدتك الآن وعيناك تزهران: "روحك تنسكب كأنها النهر ، وكأنك المساء تودع الشهداء وتودع نفسك" فيما قصيدتك هي الأخرى تودع المساء و تودعك .