في المَعَابِد الصَّغيرة وسط الخضرة عبْرةٌ تتيه، دون توقف

مليتا توكا ـ كاراشاليو
(اليونان)

الترجمة عن الفرنسية: الدكتورة لطيفة المسكيني

مليتا توكا ـ كاراشاليو(شاعرة يونانية، وُلِدتْ بتيسالونيك. تابعت دراستها للأدب الفرنسي لجامعة أرسطو. تخصصت في شعبة المناهج الديداكتيكية السمعية البصرية بجامعة السوربون. عضو في الشركة الثقافية "أصدقاء الشعر" في بِرْجُرَاك بفرنسا، عضو بجمعية كتاب تيسالونيك. من إصداراتها "ممرّات" شعر 1995 – "إيديوغرام" شعر 1997 – "رَطْباً يولد الليل" شعر 1997 - "فاينو، سهاد البحار العميقة" شعر 1999 – التهاب اللحظات" شعر 2004. من التيوقراطيا إلى اللوغوغرام". وهي دراسات 1995حول الإيديوغرام.
نشرت قصائدها في مجلات يونانية مشهورة مثل "ترام" ون، إيستيا( )، ن بوريا( )، والمجلة الفرنسية" دوك، ك( ). وفي مجلة "ن، أوربا( ). أعطت محاضرات حول "الإيديوغرام" وفي اللوكسمبرغ، ودرّسته في المدارس. توجت عملها جمعية الناشري اليونان الشمالية سنة 1997. اختير شعرها للحصول على الجائزة الشعرية للعاصمة الأوربية "تيسالونيك" سنة 1997. وقد نشرت الشاعرة ديوان "متاع خفيف" وهو عبارة عن ترجمة شعرية من الإيطالية إلى اليونانية للشاعر، فيتُو أ.أرمينتو( ) 1998.
حصلت الشاعرة على الكثير من الجوائز الأدبية.

القصائد، هنا مختارة من مخطوطة مترجمة إلى العربية، مع مقدمة ضافية من المترجمة، معدة للطبع.

مرة أخرى

"عند اثني وعشرين توقف الزمن،
وبقي الحلم الحجري لسْمِيرْن"
ن. باباثانا سيو-كارابانو.

مرة أخرى
على هذه الضفة،
أريدك أن تأخذني حيث ذاكرة الموج
أشبه بأجنحة السنونو في خفقانها،
أشبه بسيف اللازود،
الآثِلِ المعطَّر المرتعش.
على هذه الضفة
مرة أخرى،
أريد أن أغسِل جراحي
في طيف مراكِبَ
تهُزُّ الفستان
العنكبوتي للتاريخ.

هذا المساءُ،
ستكون السماء
أكثر انخفاضا وأكثر ثقلا على كتفيك
وظِلُّها المتوعِّدُ
سَيُغَطِّينا.
سَـأخـفي

بما أن الأريج يتضوع
من الصندوق اللؤلؤي
القديم،
سأخفي في شرابيني
حزنَ شجرةِ الميلاد.
شجرةُ الفرح تنفجر
بآلاف أصوات الحداد.
الساعات صرير في صدع الجدار
والهبوب النهائي
رمية قوسٍ أخْرَقَ
يرتجُّ على الزجاج.
دون نفَسٍ تحُطُّ
الكلمات على جنباتِ
الأغصان المخصَّبة
والمركَبُ الغريق يفتحُ
بشراعه،
ثقْبا كبيرا في أرض الماء البراقة
ليقيم ببلاد الذكرى.

الوداع النهائـي

في الحدائق المظلمة،
في المَعَابِد الصَّغيرة وسط الخضرة
عبْرة تتيه، دون توقف.
إكليلُ اللحظات
يُزَيِّن ضفيرةً بحريةً
تُصاحب المراكب المنْدَفِعة
نحو إبحارها الأخير.
مطر ينهمر
بخيوط ماءٍ لا تنتهي،
بأحلام لا تتحقق،
تحت الأجنحة الجريحة للسماء.
كما المعاناة، برفقٍ يتضوع
عطرُ الياسمين.
نظرة، غبار قلب
يُلامِسُ الحجارة الرمادية
وداعٌ نهائي
لخشخاش متوهِّج
بالانسجام الأولمبي.

تـنامين

ها أنتِ منذ أيام، تنامين
شاحبة ووحيدة
أبدا لم تكوني كذاك،
وستائر غرفتِك قط لم تحترم
نومك لمدة أطول.
أبداً لم تكن الأيام
فارغة إلى هذا الحدّ،
ولا شقائق النعمان
كانت أكثر نزيفا.
تنامين،
متروكة لنهد أكثر أمومة
والذكريات تتحمس في حُزنٍ
من الصَّدعِ الرمادي الأغْبر
لتلْتَحقَ بعَظَمة السماء..

ثم

ثم تجري الأيام في سرير آخر،
يَخْتَرق الضباب أرواحَنا،
واللَّبالِبُ تُوسِّع أبوابَ الغياب.
تتردد الذكرى.
لا الصلاة تُشعِل السّراج،
ولا الأمل يؤجِّج بالريح
الألوان المرتعشة.
لأن وراء الصمت المؤلم،
وراء السور الرطب للحزن،
يكون السَّقَطُ، النار.
الشمس، النجوم،
الكلمات، المقاطع، الحروف.
الشطرُ، والقصيد.

سهاد البحار العميقة

عندما يغيِّر النهار كسوته
وتجد نفسك مولودا جديدا
بين الأوراق،
أو جنوبيا محفوفا بضحكه المبهج،
تذكر على الأقل تلك الفتاة.
كيف فاحت من بعيد
مكسؤَّةً بحلكة سهادات عَرْض البحر
وأُرْجُوان الوَرْدِ على شَعرها
طَعمُ الحلم المر على شفاهها
واستدارات الجسد معذَّبةٌ
بحزن الأمل الوهمي.

كانت هنا،
تَحرُس أفلاكَ الزُّهور
المنسوجة من رمادات الرغبة الساخنة،
خَافِقَةً تَفك أشرعة المركب
ليَنْدفِع نحو قباء الفرح
وفي ظل القمر
وجدت نفسها ماشية
على بوصة أرض.
تذكر مع ذلك تلك الفتاة،
فَايْنُو، إِيَانْطِي، ليدِي أو إِيَاخِي
كان اسمها،
نَبْتَة بتُويجِها الدَّقيق
دُخّانُ حِمَّة بركان
منها تنبعثُ فَتنةٌ،
لا تُقْهَر.
عـيـنـاك..

أَلَقُ التِّرحاب على استدارات الوردة،
جِذْرٌ بِدائيٌّ في نباتاتٍ بحرية،
اِرتعاشةُ قوسٍ على قطرات الظِّلال،
طَعْمُ العَسَل على الصِّدار المنبوذ للنهار،
سُكْرُ خنفساء على التصدُّع المُفْعَم،
هبوبُ عاصفة على حنين السُّهب،
عُدَّةُ سفينَةِ اللَّذة،
ملقاة على نُصُبِ الوقت.
عيناك.
اِبـسـط

اِبسط قلبك مفتخرا
للجَلْد المتوالي للريح.
على ضفاف الليل تُسَابقُ
زهراتُ البابونج البريئة
بخورَ مرْيم النَّاسك
وهو يفْتِل حياةً ساطِعةً
ويحتجز واقعا آخر.

على ظَهر فجرٍ جريح
يتوكَّأ نهارٌ جديد.
أنـت من الضـوء

كأنما في حديقة عتيقة،
ضربة تُمزِّق أجنحة
فقدتْ رشاقتها.
أسمعك من وقتها
في فجاج الروح الحصينة،
تندسُّ بهدوء
في العشب المرتعش.

لَدْغَةُ المخيلة،
غدوُّ اليقين ورواحه
ضحكٌ في رحابة الوجود،
مُستمرٌّ امتدادك أكثر فأكثر
على نار الرمل،
مثل موجة محمَّلةٍ بالرسائل.
أنت من الضوء
يا حَملي المستمر
وأنت مضيئة
يا ولادتـي
باللحظة السرمدية.
سيـد اللـيـل

في الليلة البريئة يلمع
بألق على امتداد الصخب
إيروسُ، بلطافة اليحْمُور
كثيرا ما وشم الخفقانات النحاسية
للعد الذي لا إيقاع له،
لكن الوقت، لم يتح له الحكي والكلام
لطريقته،
كان يُودِعُ وسادة الطريق،
صدَى القُبل
ملاطفات الياسمين
وأحد الجسدين
لقد كان سيِّد الليل.
كثير من الحياة على ورقة الأقحوان

كثير من الوقت في لحظة
كثير من الربيع، وكثير من الشتاء
كثير من الجنون في آثار نجمة البحر،
في الأغوار المفاجئة.
كثير من الحياة على ورقة الأقحوان،
وهي في مهب الريح.
ليس هناك طريق آخر، لتعرف به
حرارة القُبَل.
حتى المشاهد المثيرة للأجساد
زهرة الروح،
في انسجامها المطلق.
ولادة لحظات براقة عذراء
وأنت تُقطِّر مسام البهاء
بذارٌ جَموح، روحٌ بهية
نكهة حياة في أول عهدها،
اِنكسار الأشعة في ملامسة الجهات
العديدة.
تدفُّقُ قفير المطلق،
في فراغ العالم،
كثير من الحياة في خصلة اللهب الصافي
التي لا تعرف أنها تحلم.
بما أننا وُلدنَا "نحن".