(مختارات من الشعر الروسي الجديد)

(عن الروسية) ترجمة ناتاشا حسامي

يفغيني يفتوشنكو

تأخير

بدأ أمر خطير
أشعر حيال نفسي بالتأخير
ضربت موعداً مع أفكاري
لكن سرقوها من عقر داري
كان بيني وبين فولكنر لقاء
فجرّوني إلى مأدبة عشاء
ضربت مع التاريخ موعداً
فسحبوني إلى مأدبة
أعياد الميلاد المتراكمة
باتت أسوأ من الأسلاك الشائكة
وأمسكتني الخنازير المشويّة
كالبقدونس بين أسنانها القويّة
وأبداً أخذتني
نحو حياة ليست حياتي
يأكلني فيها كلّ ما آكل
ويشربني فيها كلّ ما أشرب
ضربت موعداً مع نفسي
ودعوني لأتذوّق
ما تبقّى من جثماني الهامد
على خلفيّة من صوت النبيذ
واستسلمت الحياة الظاهريّة
في مواجهة الحياة الباطنيّة
تحطّمت الحياة إلى مئات الحيوات
فأنهكتني وأبادتني.
ولأتمكّن من بلوغ نفسي
اضطررت إلى التمزّق إزاء الآخرين
أمّا أشلائي المهترئة
فداستها نعال أشخاص مختلفين
بالكاد أستطيع لصق أجزائي
وكنت لأكتب برجلي اليسرى
إلاّ أنّ الرجل اليسرى، وكذلك اليمنى
أثناء الركض انفصلتا عنّي
وما عدت أعرف مكان جسمي
أين روحي؟ هل طارت بعيداً عنّي
من غير أن ترفّ بجناحيها؟
كيف أشقّ دربي
إلى من يحمل اسمي
منتظراً في البعيد؟
ما عدت أذكر مفترق الطرق
وأنتظر نفسي تحت الساعة
والذين يجهلون من يكونون
معنىً للوقت لا يعرفون
ما من أحد تحت الساعة
والساعة لا تشير إلى شيء
تأخّرت على موعد ضربته لنفسي
لا أحد هنا، فقط بقايا سجائر
وضوء خافت ووحيد
يتلاشى عند النافذة.
لعلّ وحدتي ستزداد
على مرّ الأيّام
لعلّني سأفهم أنّني متّ
على مرّ السنين
لعلّ الناس سينسونني
على مرّ القرون
آمل فقط، مع مرور الأيّام
ألاّ يتفاقم شعوري بالعار
آمل فقط، على مرّ السنين
ألاّ تزدوج شخصيّتي كالخدم
آمل فقط، على مرّ القرون
ألاّ يبصقوا على باب قبري.

أندريه فوزنيسينسكي

ساعة

عند الفجر ستوقظينني
وحافية القدمين ترافقينني
أبداً لن تنسيني
وأبداً لن تريني
وسط الخوف من أن يصيبكِ البرد
سأفكّر: «يا ربّي!»
أبداً لن أنساكِ
أبداً لن أراكِ
ذاك النهر الذي يعترضه السدّ
مبنيا الأدميراليّة والبورصة
أبداً لن أنساهما
أبداً لن أراهما
غاب الأمل، ولا ترفّ اللوزتان
أو من الرياح تدمعان
العودة نذير شؤم
وأبداً لن أراكِ
حتّى إن عدنا إلى الأرض
كما قال الشاعر حافظ
فلن يتمّ لقاؤنا
وأبداً لن أراكِ
كم سيبدو بسيطاً
سوء التفاهم معكِ
أمام سوء التفاهم المقبل
بين شخصين حيّين وفراغ الحياة
وستهدر في السموات العالية
جملتان طارتا من هنا
«أبداً لن أنساكِ
أبداً لن أراك».

أناتولي نايمان

صوت أميركا

«تعزف أوركسترا الجاز في ساحة ماديسون»
كلام جميل، إيقاعه كصياح الديك
يدغدغ الشفاه فتطرف العينان
ويتوق المرء للغناء والبكاء
أنت في سنّ التاسعة، بينها أربع سنوات حرب
وفجأة ينتهي الأمر، وتحلّ الجنازة مكان الرقص
تدار العلبة الموسيقيّة
ويتهادى طرف الأسطوانة السوداء بارقاً
الأبواق تبكي، باردة وحارّة
وتدور الأسطوانة بسرعة 78
وكأنّها تعكس صورة كتف
سوداء زرقاويّة تكسوها العضلات
أصبحت في التاسعة عشرة: وبات «برنيق» المستعمرات
يفوح من علبة أخرى
صُقِل «الكروم» في مصابيع الراديو
والساكسوفون بات يسمّى الساكس
فما أقوى المشاعر عند سماع صوت المذيع المشوّش
يأتيكَ من الطرف الآخر من العالم
يطير صوت أميركا مدوّياً في الظلام
هناك، تعبق ساحة ماديسون بنسمة الحرّية
والأمر سيّان في كانرغي هول
فمن يأبه إن كان ماديسون أو جايمس أو دولّي؟
البوق يبكي، علبته مرميّة على الأرض
ملؤها الأوراق وماء المطر؛ ها إنّ الوجنتين تلمعان
وأريد أن أكون في عداد القدّيسين السود
يوم صعودهم إلى الجنّة
تعزف الأوركسترا الجاز في ساحة ماديسون
إنّها البداية والنهاية وكلّ شيء؛ لا حاجة لأكثر
من تنهّدات الأزرار
التي يداعبها عازف الرنّانة البنفسجيّ اللون.

بيلاّ أخمدولينا

ليليّة

يا أفكار الليل، ما أنتِ ومن تكونين؟
أشفق على عريكِ الخجول
وأندم لأنّني لا أملك القوّة لإسدال الستائر
على المطر عند النافذة، وعلى الأزهار المبلّلة
أفتح جناحي ملاك باستمرار
في الجحيم الصغيرة فوق قنديل السهر
ويبدأ كرز الطير، ذاك الراقص الأعمى
مقطعه الأخير بحزن كبير
أيّ صلةِ تجمعكِ يا كتابات الليل؟
إنّكِ خطاب الليل الأبيض
وعندما ينجلي، لا تعودين ملكاً لأحدٍ
فهل يجدر حفظ الليل في الذاكرة؟
النهار بدوره أبيض اللون، أبيض كالليل والضباب
ينظر إلى القعر من أعلى جرف صخريّ
ولا يهمّ ان أخرج الخنجر من غمده الطريّ
بسبب الحدّة الظاهرة في الماء الفضّيّ البارد
حياة النهار حيل ومكائد
هدفها تقريب موعد الليل، لكنّ خوفي يزداد
فماذا لو أنّ البلبل احترق
في الليلة الفائتة فوق وادي لادوغا؟
لا، فطائري الفينيق سليم يغرّد
مقطع، مقطع، خط؛ مقطع، مقطع، خط
نتلمّس النقاط بحثاً عن المعنى الخفيّ
وتدافع الكلمات بات أعذب من الكلمات
أقبل منتصف الليلي والجوّ منعش وبارد
وانا خرجت من أرجاء غريبة وعامّة
لأرجع إلى دياري وسط ليل... كيف هو؟
وسط ليل- هو كما يحلو لي.

الحياة
04/03/2007